خطّ الإمام الحسن(ع) في السِّلم والحرب

خطّ الإمام الحسن(ع) في السِّلم والحرب

في هذا الأسبوع، مرَّت علينا ذكرى وفاة الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب(ع). وفي انفتاحنا على أجواء أهل البيت(ع)، لا بدَّ لنا من أن نعيش معهم، لأنَّ ذلك يعطينا الكثير من روحانيَّة الإسلام ومن القيم الإسلاميَّة المتجسِّدة فيهم، ذلك أنّهم يمثِّلون في وعينا الإسلامي معنى الفكرة المتجسِّدة والقدوة المتحركة، ولذلك، فإنّنا نشعر بحضورهم حتى مع هذا الغياب الطويل في مدى القرون. وفي هذه الذّكرى، نريد أن نعيش الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب(ع)، وأن نستنطق كلمات الله تعالى وكلمات رسوله(ص) في حقّه، ونمتدّ ـ بعد ذلك ـ في الخطوط العامَّة في حياته.

طهارة أهل البيت(ع)

ففي كلمات الله، نلتقي بالآية الكريمة الّتي يطلق عليها المفسّرون (آية التطهير): {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[1]؛ هذه الآية التي يذكر أكثر المفسّرين أنها نزلت في الخمسة الأطهار؛ محمّد(ص)، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين(ع)، ولها دلالة انطلق المحلّلون في استنطاقهم لها، في أنها تعطي معنى إرادة الله في الطهارة التي تعيش في كيانهم كلّه: طهارة العقل، فلا يحمل شيئاً من الباطل، وطهارة القلب، فلا يختزن شيئاً من الانحراف العاطفي، وطهارة الحركة، فلا يفقد خطّ الاستقامة في كلّ الدّروب التي يتحرك فيها الناس، لأنّ الباطل يمثّل معنى القذارة في الفكر، ولأنَّ العاطفة المنحرفة تمثّل معنى القذارة في الإحساس، ولأنَّ الانحراف عن الخطِّ يمثّل القذارة في الواقع.

ومن هنا، فإننا عندما نلتقي بالإمام الحسن(ع) كأحد هؤلاء الأطهار، فإنّنا نستطيع أن نستوحي هذه الطّهارة الروحيّة والفكريّة والشعوريّة والحركيّة في حياتهم كلّها.

تربية الرّسول(ص) للحسن

فإذا انتقلنا إلى رسول الله(ص)، وهو الّذي ربّى الإمام الحسن(ع) في طفولته، فقد كان الحسن(ع) ومعه أخوه الحسين(ع)، يعيشان طفولتهما الأولى في أحضان رسول الله(ص)، الَّذي أعطاهما كلّ عاطفة الأبوّة للأبناء، لأنّه عاش هذه العاطفة في عمق إحساسه وشعوره، ولم تكن عاطفةً عفويّةً ساذجة، بل كانت عاطفةً مشحونةً بالمعاني الرّوحيّة المتمثّلة في هذين الحبيبين، حيث ينقل المؤرّخون ـ وأكثرهم من غير أهل الشّيعة ـ أنه كان يقول عندما يحمل الحسن(ع) على عاتقه: "اللّهمّ إني أحبّه فأحبّه"[2]، وفي رواية: "من أحبّني فليحبّه"[3].

وعندما ولد الإمام الحسين(ع)، ودرجا معاً في كنف رسول الله، كان يقول: "اللّهمّ إني أحبّهما، فأحبّهما وأحبّ من يحبّهما"[4]، وعندما بدآ يتحركان في الطّفولة التي بدأت تعي ما حولها ومن حولها من خلال الواقع الاجتماعي، كان يقول: "الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة"[5]، وهذه الكلمة، كما الكلمات السّابقة، تعني أنهما يختزنان في شخصيَّتهما معنى روحيّاً يطلّ على مستقبلهما، بحيث يعطي شرعيّةً لكلّ ما قاما به في مستقبل حياتهما، لأنَّ من كان سيّداً لشباب أهل الجنَّة، لا يمكن أن يعيش الخطأ في فكر، أو الخطأ في عاطفة، أو الخطأ في سلوك.

ومن هنا، نستطيع أن نؤكّد من خلال هذه الكلمة من رسول الله(ص)، الَّذي قال عنه تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[6]، وحي في آيات القرآن، ووحي في معاني السنّة التي نطق بها، فهي لم تكن وحي الكلمة، ولكنّها كانت وحي الفكرة التي يجسِّدها رسول الله لسنّته.. لذلك، نحن نستطيع أن نعرف أنَّ ما قام به الإمام الحسن(ع) من صلحٍ يؤكّد شرعيّته، وما قام به الإمام الحسين(ع) من نهضة تؤكِّد شرعيّته، لأنهما سيّدا شباب أهل الجنة، فلا بدَّ من أن تكون حركتهما في خطّ الاستقامة.

في البيت العلويّ ـ الفاطمي

وعندما نريد أن ننفتح على حياته، فإنّنا قد نستوحي منها أنه كان يعيش بعد رسول الله(ص) الذي احتضن طفولته الأولى، مع أمّه فاطمة الزّهراء(ع) الطّاهرة المطهَّرة، التي أعطته من طهرها، ومن روحها، ومن فكرها، ومن حيويّتها، ومن حركيّتها، ومن آلامها، الشّيء الكثير مما اختزنه في وعيه، وكان يعيش في ذلك البيت الطّاهر بين عليّ(ع) وفاطمة(ع)، وارتحلت الزهراء(ع) إلى بارئها في بدايات طفولته، كما فقد جدّه رسول الله(ص) وهو صغير.

وعاش مع عليّ(ع) كلّ الأحداث الصَّعبة القاسية التي عاشها، وتمثّل في تلك المرحلة الصّعبة الإخلاص الأعلى للإسلام، لأنّه انفتح بكلِّه على الواقع الإسلامي، وعاون وساعد وشاور وأعطى العلم والرّأي، في الوقت الّذي كان يشعر بأنّه أُبعِدَ عن حقِّه، لأنه كان يقول، وقد سمع الإمام الحسن(ع) منه ذلك: "لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصّةً"[7]؛ لقد ابتعد عليّ عن معنى الذّات في ذاته كما يعيشها الكثير من الناس، لأنَّ عليّاً بكلّه رسالة تتحرّك.

كان الإسلام كلّ عليّ، وكان عقله وقلبه، وكان حركته، فلم يكن في عليّ شيء لغير الإسلام، ولذلك قال: "ما ترك لي الحقّ من صاحب"، وقالها النبي(ص) مما يرويه الفريقان من السنّة والشيعة: "عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيث ما دار"[8]، وليس للباطل شأن في عليّ، وليس لعليّ أيّ فراغ ليأتي الباطل ليملأه، لأنّه كان حقّاً كلّه.

ولأنَّ عليّاً(ع) عاش مع الله، لم يكن في وعيه شيء لغير الله تعالى، وهذا ما نستوحيه من مناجاته لله في (دعاء كميل): "فهبني يا إلهي وسيّدي ومولاي وربّي صبرتُ على عذابك، فكيف أصبرُ على فراقك؟! وهبني صبرتُ على حرِّ نارك، فكيف أصبر عن النّظر إلى كرامتك؟!"[9]، كان يعبّر ـ في ذلك ـ عن هذه الحالة الروحيّة الّتي ذابت في الله، فلا تطيق الابتعاد عنه، والّتي عاشت كرامة الله، فلا تطيق الابتعاد عن كرامته.

تهيئة الحسن للإمامة

وهكذا عاش الإمام الحسن(ع) مع أبيه عليّ(ع) كلّ هذه الرّوح وكلّ هذا الانفتاح على الله وعلى المصلحة الإسلاميّة العليا، واختزن ذلك في عقله كلّه وفي قلبه كلّه، فلقد عاش مع أبيه ليله ونهاره في مدى حياته معه، حتى إنّنا نستطيع أن نقول إنّه وهو مع أخيه، كانا الصّديقين الحبيبين لعليّ(ع)، الّذي كان يهيّئهما ـ بأمر الله ـ للقيادة وللإمامة من بعده، لذلك كان عليّ(ع) لهما كما كان رسول الله(ص) لعليّ.. كان رسول الله يناجي عليّاً في ليله ونهاره، حتى انطلق ليقول: "علَّمني ـ رسول الله ـ ألف باب من العلم فتح كلّ باب ألف باب"[10].

وبهذا نستطيع أن نقول إنّ الحسن والحسين(ع) أخذا علياً كلّه، وعاشا عقله كلّه، وروحه كلّها، وإحساسه وشعوره كلّهما، وعاشا الخطوط العامة كلّها التي مثّلت خطّ الاستقامة في حياتهما، وهذا ما تمثّل في حياتهما، وفي خشوعهما لله، وخضوعهما له، وذوبانهما فيه، بحيث كان كلّ شيء عندهما في كلّ ما قالاه وفي كلّ ما فعلاه.

ونحن نستطيع أن نستوحي كيف كان عليّ(ع) يجد في الحسن(ع) كلّ ما يمثّله، فكان يدعو النّاس أن يسألوا الحسن عندما يريدون أن يسألوه، وكان يكلِّفه بالمهمّات الصّعبة على المستوى السياسي ـ كما يقال في هذه الأيام ـ فعندما اضطربت أحوال الكوفة من خلال واليها في أوّل خلافة الإمام علي(ع)، بعث ولده الإمام الحسن(ع) ليحلَّ المشكلة، وليواجه الموقف الصّعب هناك، تدليلاً على أنّه يملك سلامة الموقف الذي يستطيع فيه أن يواجه التحدّيات والقضايا الكبرى بكلّ كفاءةٍ وبكلّ صدقٍ وإخلاص.

الصّلح تجميد للصِّراع

وعندما ارتفع علي(ع) إلى الرفيق الأعلى، باشر الإمام الحسن(ع) مسؤوليّات الإمامة، وكان الواقع الإسلامي ـ آنذاك ـ متعباً من الصّراع، ولم يكن المجتمع واحداً.. فقد كان هناك (الخوارج) في الساحة، وكان الذين يلعبون على أكثر من حبل من رؤساء العشائر الذين كانوا يفكرون في مواقعهم ومطامعهم، وكان هناك الطيبون، وكان هناك كما يقول (الشيخ المفيد) الشكّاكون المرتابون، وبكلمة مختصرة، فقد كان المجتمع خليطاً من كلّ هؤلاء.

واندفع الإمام الحسن(ع) بجيشه ردّاً لعدوان معاوية، لأنّه لم يبدأ معه حرباً، بل دعاه إلى أن يدخل فيما دخل فيه المسلمون، وكانت هناك رسائل متبادلة بينهما، تعنف تارةً وترقّ أخرى، وبدأ معاوية يحشد الجنود، ومنذ بدايات المعركة، وجد الإمام الحسن في جنده أنّهم الجند الّذين يمكن أن يشاركوا في الهزيمة أكثر مما يساهمون في النّصر.. ولذلك، لم يكونوا الجيش الّذي يمكن أن يعتمد عليه في خطّ المواجهة، ورأى أنّ الظروف من حوله تتحرّك، بحيث إنّ رؤساء العشائر كتبوا إلى معاوية: "إن شئت سلّمنا الحسن في أيّ وقت".

وكانت هناك بعض مساعي الصلح الّذي اشترط فيه الإمام الحسن(ع) أن لا ينادى معاوية بأمير المؤمنين، ما يجعل من الصّلح تجميداً للصّراع وهدنة، بدلاً من أن يكون اعترافاً بالأمر الواقع الذي يريد أن يمثّل الشرعيّة، لأنه لا يمكن أن يعترف بالشرعيّة المزيّفة، فهو الشرعيّ الوحيد ولا شرعيّة غيره. ولكنّ المشكلة هي أن كثيراً من الشرعيات في التاريخ، لا تجد في الواقع السياسي أو الواقع الاجتماعي الوسائل التي تستطيع أن تؤكّد فيها مسؤوليّاتها الحركّة.

دسّ السّمّ للإمام

وتحرّك الإمام الحسن(ع) بعد ذلك في الخطِّ الشّعبيّ، وكان يتحسَّس مسؤوليَّته في توعية النّاس بالكلمة وبالقدوة خارج نطاق الخلافة، كما كان يتحسَّس مسؤوليَّته تلك في داخل الخلافة، لأنَّ الشرعيَّة الإسلاميَّة لا بدَّ من أن تؤكِّد موقفها في حركة الواقع، من خلال الفرص المُتاحة لها، سواء في موقع المسؤوليَّة أو في غيرها من المواقع، ورأينا كيف أنّ معاوية دسّ إليه السمّ بعد ذلك ليتخلّص منه ومن شرطه الّذي وضع في وثيقة الصّلح، بأن تكون الخلافة للإمام الحسن من بعده.

وكان "معاوية" يخطّط لخلافة "يزيد" ـ كما ينقل المؤرّخون ـ فأغرى زوجة الإمام الحسن(ع) "جعدة بنت الأشعث"، التي كانت تعيش بعض الواقع السّلبي من خلال أبيها ومن خلال المؤثّرات الداخليّة، حتى دسَّت السمّ للإمام الحسن(ع).. وكان من عظمة الإمام أنّه لم يخبر عنها، ولم يقبل أن يشهِّر بها بعدما اكتشفها، وكان من عظمته(ع) أيضاً أن كان يحسّ بأن من الممكن أن ينطلق بعض النّاس من بني أميّة في المدينة ليمنعوا دفنه عند جدّه، وكان قد أوصى بأن يجدِّد به العهد بزيارة رسول الله(ص) قبل دفنه في البقيع، فأوصى أخاه الحسين(ع) أن لا يهرق في أمره محجمة دم، وأن يصبر على مصيبته.

وعندما سار بنو هاشم يتقدَّمهم الإمام الحسين(ع) ليجدِّدوا به عهداً عند رسول الله(ص)، خُيِّل إلى أولئك أنهم يريدون أن يدفنوه عند جدّه، فوقفوا استعداداً للحرب، ووقف بنو هاشم ليواجهوا هذا التحدّي، لكنّ الإمام الحسين(ع) كما تقول كتب السّيرة، قال: "الله الله، لا تضيّعوا وصيّة أخي"[11]. فانظروا كيف كان يحافظ على حقن الدّماء، حتى في مثل هذه القضيّة الحسّاسة التي تثير العاطفة، وقد لا يتحمّلها الكثيرون منّا في مثل هذا الموقف.

الحسن والحسين(ع) خطّ واحد

أمّا ما أُريد أن أتحدّث به ـ في هذه العجالة ـ بشكلٍ مختصر، فهو أنَّ هناك حديثاً يدور على الألسن حول شخصيّة الإمام الحسن(ع) وشخصيّة الإمام الحسين(ع) في عمليّة المقارنة بينهما، في أنّ شخصيّة الإمام الحسن هي شخصيَّة المسالم، وشخصيّة الإمام الحسين هي شخصيّة الثّائر، ولذلك، فإنّ بعض النّاس يتحدّث عن الأسلوب الحسني في بعض أساليب الحركة، ويتحدّث آخرون عن الأسلوب الحسيني في بعض أساليب الحركة...

ولكنَّ هذا الحديث خطأ، لأنّ قضيَّة الأسلوب في حركة اللّين والعنف، ليست خطّاً واحداً للشخصيّة، لأنَّ أية شخصيّة رساليّة تلتزم مبدأً متحرّكاً في حياة النّاس، لا يمكن أن تكون عنيفةً على طول الخطّ، ولا يمكن أن تكون ليّنةً على طول الخطّ، لأنَّ صاحب الرّسالة تحكمه رسالته، وليس له مزاج خاصّ ولا حريّة له في أن يحكّم مزاجه الذّاتي في حركته الرساليّة، بل لا بدَّ لكلّ صاحب رسالة، ولكلّ صاحب قضيّة، من أن يكون مزاجه في خطّ الرّسالة، وأن تكون حركته في خطّ حركة الرسالة، ذلك أنَّ الإنسان صاحب المبدأ والقضيّة والرّسالة لا يملك نفسه، بل تملكه رسالته وقضيّته، ولذلك لا بدَّ من أن يعنف عندما يكون العنف مصلحة الرّسالة والقضيّة، ويلين ويرقّ عندما يكون اللّين والرقّة هما مصلحة الرسالة.

من هنا، لا نستطيع أن نقول إنّ شخصية الإمام الحسن(ع) هي شخصية الرقّة والسلام واللّين، وشخصيّة الإمام الحسين(ع) هي شخصيّة العنف والثّورة والقسوة، بل كان الإمام الحسين حسنيّاً في أسلوب الرّسالة في مرحلة الإمام الحسن(ع)، ولذلك وقَّع الإمام الحسين(ع) ـ كما نقول هذه الأيام ـ إلى جانب توقيع الإمام الحسن(ع).

ومن هنا، فإنَّ الإمام الحسين(ع) حافظ على هذا، حتّى بعد وفاة الإمام الحسن(ع)، وبقي في البقيّة الباقية من حياة معاوية ملتزماً في أن لا يثور عليه، التزاماً بالعهد وبالوثيقة، ولو كان الإمام الحسن(ع) في عهد الإمام الحسين(ع)، لكان حسينيّاً بكلّ خصائص الأسلوب الذي عاشه الإمام الحسين(ع) في مرحلته.

ولو درسنا أسلوب الإمام الحسين في عاشوراء، لرأيناه أسلوب المحبّة حتى لأعدائه، وأسلوب السلام الذي يريد أن يركِّزه على أساس العدل وعلى أساس الخطّ المستقيم حتى مع أعدائه، إذ لم يكن الإمام الحسين(ع) عنيفاً يطلق العنف في وجه النّاس، بل كان إسلامياً قرآنياً كما كان الإمام الحسن إسلاميّاً قرآنيّاً، ولذلك أعطى الإمام الحسين(ع) الفرصة كلّها للحلّ السّلمي، ولما طلب منه أن يعطي بيده إعطاء الذّليل ويقرّ إقرار العبيد، قال: "لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد"[12]، لأنَّ ذلك يمثّل تحدّي الشّرعيّة الإسلاميّة، لا تحدّي الذات بالنّسبة إليه.

منهج إسلاميّ واحد

لذلك، لا نستطيع أن نقول إنَّ للحسن شخصيّة تختلف عن شخصيّة الإمام الحسين(ع)، بل إنهما يتغذّيان من مائدة واحدة هي مائدة القرآن، وينطلقان من منطلقٍ واحد، هو منطلق الإسلام.. وقد عاشا مع رسول الله(ص) الذي كان يعيش الرّحمة والشدّة معاً، وهذا ما عبّر عنه بقوله: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}[13].

لذلك ـ أيّها الأحبَّة ـ هذا خطٌّ لا بدَّ من أن ننتهجه وأن نسير عليه في كلّ ما نستقبل من قضايا، سواء في المسألة الإسلاميّة، أو في المسألة السياسيّة، أو الاجتماعيّة، وأن لا نعتبر أنّ هناك أسلوباً واحداً في الحياة، بل هناك أسلوبان ينطلقان من مصلحة القضيَّة الّتي يتحرك فيها الإنسان، حتى إنّنا عندما نلتقي بالله سبحانه وتعالى، فإنما نلتقي به على أنّه شديد العقاب غفور رحيم، ونقرأ في دعاء الافتتاح: "أيقنتُ أنّك أنت أرحم الرّاحمين، في موضع العفو والرّحمة، وأشدّ المعاقبين، في موضع النّكال والنّقمة"[14]، لأنّ لكلّ شيء موضعه، فليس العنف قيمة سلبيّة دائماً، وليس الرفق قيمة إيجابيّة دائماً، فقد يكون العنف في دائرة الإيجاب عندما يتوقَّف إنقاذ القضيّة على العنف، وقد يكون الرّفق في دائرة السّلب عندما يسيء الرّفق إلى مصلحة القضيّة..

ألسنا نتّفق على أنَّ على الإنسان أن يخضع للعمليّة الجراحيّة التي قد تقطع به أعضائه من أجل أن تسلم حياته!؟ تلك هي القضيّة ذاتها في واقع القضايا الكبرى والصّغرى في واقع الذّات.

قضيّة الصّلح مع الصّهاينة

ثم هناك ـ في نهاية المطاف ـ مسألة يحاول البعض أن يثيرها دائماً كلّما تحدّث الناس عن الصّلح مع الكيان الصهيوني، ليحدّثوك عن صلح الحديبية، وأنّ النبيّ(ص) صالح المشركين، فتعالوا لنصالح إسرائيل، وأنَّ النبيّ(ص) عاهد اليهود في المدينة، فتعالوا لندخل في المعاهدة مع اليهود، وأنّ الإمام الحسن(ع) صالح أيضاً معاوية، فتعالوا لندخل في الصّلح مع (الكيان الصهيوني).. هذا العنوان أو هذا الشّعار يرفعه كلّ الذين يلهثون وراء الانفتاح على هذا العدوّ، لأنهم يحملون الشّعار من دون أن يدقِّقوا في كلّ مفرداته.

لقد صالح النبيّ(ص) المشركين في صلح الحديبية، لأنّه كان يخطّط لفتح مكّة، فكان صلحاً وقائيّاً تكتيكيّاً، كما نقول هذه الأيّام، يدخل في حركة الاستراتيجيّة، وكان عهده مع اليهود في المدينة من أجل أنّه كان يريد للمدينة في بداية عهد الدَّعوة أن لا تعيش حالة صراع داخليّ يمكن أن يدمِّر حركة الإسلام وهو في بدايته، ولذلك، عندما خان اليهود العهود والمواثيق حاربهم، كما في حربه (بني قينقاع)، و(بني النّضير)، و(بني قريظة)، إلى خيبر.

أمّا صلح الإمام الحسن(ع)، فهو صلح من خلال طبيعة الواقع الإسلاميّ الّذي كانت الحرب فيه لا تؤدّي إلى أيّة نتيجة إيجابيّة لأيّة قضيّة في تلك المرحلة، بل ربما كانت تؤدّي إلى مزيدٍ من النّزف الإسلامي الذي تسقط فيه العناصر الطيّبة كلّها والمعارضة كلّها، من دون أيّة نتيجة حاضرة أو مستقبليّة، لأنّ الواقع كان واقعاً متعباً لا يمكن أن يحقّق أية نتيجة في المستقبل، وكانت المسألة مسألة جيشين يتحاربان، ولذلك فإنّ النّاس لن ينفتحوا على معنى المظلوميّة في هذا الجانب أو ذاك.

لا اعتراف بالكيان الصّهيونيّ

أمَّا بالنّسبة إلى الكيان الصّهيوني، فقد جاء اليهود من سائر أنحاء العالم، واحتلّوا أرضاً عامرة بالسكّان، وفيها أكثريّة إسلاميّة وأقليّة نصرانيّة، وكذلك أقليّة يهوديّة، فجاؤوا من أجل أن يخرجوا أهلها منها، ليجمعوا يهود العالم كلَّهم هناك.

فهذا الكيان يمثّل العدوان كلّه، فليس فيه شيء مما يمكن أن يجعل للصّلح شرعيّة، لأنّ معنى الصّلح، أن تعترف لليهود بسيطرتهم على فلسطين، وأن توقِّع على ورقة "الطّابو"، وما يريده اليهود الآن ـ وقد أخذوا كلّ فلسطين ـ أن يعطيهم الفلسطينيّون، ومعهم العالم العربي والإسلامي، توقيعاً على ملكيّتهم القانونية والسياسية لفلسطين، حتى إنهم لا يريدون للفلسطينيّين أن يحصلوا على حكم ذاتي في أرضهم، بل يريدون أن يجعلوا الوجود الفلسطيني وجوداً محاصَراً في سجنٍ مفتوح الأبواب والنّوافذ، ولكنّه مغلق بالأسوار التي تحيطه من خلال المستوطنات الصهيونيّة[15].

لذلك، قلنا ونقول: لو أنَّ العالم كلّه اعترف بالكيان الصّهيونيّ، فلا نستطيع كمسلمين أن نعترف به، فكما لا نستطيع أن نقول إنّ الخمر حلال حتى لو قال كلّ الناس ذلك، كذلك لا نستطيع أن نقول إنّ الغصب حلال، فالمسألة لا تتحرّك من خلال موقع سياسيّ يمكن أن يتغير بين وقتٍ وآخر، بل تتحرّك من موقعٍ فقهيّ شرعيّ يعيش كل مسلم معناه بالتزامه الديني، فلا تتحدثوا عن "صلح الحديبية"، أو معاهدة النبي(ص) مع اليهود، أو صلح الإمام الحسن(ع) مع معاوية، عندما تريدون أن تنظروا إلى الصّلح مع (إسرائيل)، لأنّ الإسلام لا يعطي أية مبرّرات أو أية شرعيّة لأن يوقّع المسلم الصّلح معها، وهذا ما ينبغي لنا أن نعيشه..

فلقد عاش اليهود مدّة طويلة حتى وصلوا إلى فلسطين، ولا يزال بعض فلسطين بيدنا، وقد كانت فلسطين لنا، فلا بأس إذا كنّا أمّة تحترم نفسها وقيمها وحاضرها ومستقبلها، بأن ننتظر خمسين سنة أو مئة سنة لنرجع إلى فلسطين، لأنّ قضايا الشعوب لا تُحلّ بالأيّام ولا بالأشهر ولا بالسّنين، فقد نحتاج إلى قرنٍ كامل لنصل إلى أهدافنا، "اعمل لدنياك" في قضايا الحرية والعدالة، "كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً"[16].

*ندوة الشّام الأسبوعيّة، فكر وثقافة، بتاريخ: 11 صفر 1419هـ/ الموافق: 6 - 6- 1998م.


[1]  [الأحزاب: 33].

[2]  الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 250.

[3]  بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 43، ص 266.

[4]  المصدر نفسه،ج 37، ص 75.

[5]  بحار الأنوار، ج 37، ص 73.

[6]  [النجم: 3، 4].

[7]  نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج 1، ص 125.

[8]  بحار الأنوار، ج 28، ص368.

[9]  مصبح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص 848.

[10]  بحار الأنوار، ج 40، ص 144.

[11]  المصدر نفسه، ج 44، ص 142.

[12]  المصدر نفسه، ج 45، ص 8.

[13]  [الفتح: 29].

[14]  مصباح المتهجد، ص 578.

[15] جاء حديث سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله ـ دام ظله ـ في قراءة النيات الصهيونية قبل خمسة أشهر من اتفاق (واي بلانتيشن) الذي منح فيه (عرفات) (نتنياهو) تنازلات إضافية جعلت من فلسطين ـ كما أشار سماحته ـ سجناً مغلقاً بالمستوطنات ومحاصَراً بحراب السّلطة العرفاتيّة (المعدّ).

[16]  وسائل الشّيعة، الحرّ العاملي، ج 17، ص 77.

في هذا الأسبوع، مرَّت علينا ذكرى وفاة الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب(ع). وفي انفتاحنا على أجواء أهل البيت(ع)، لا بدَّ لنا من أن نعيش معهم، لأنَّ ذلك يعطينا الكثير من روحانيَّة الإسلام ومن القيم الإسلاميَّة المتجسِّدة فيهم، ذلك أنّهم يمثِّلون في وعينا الإسلامي معنى الفكرة المتجسِّدة والقدوة المتحركة، ولذلك، فإنّنا نشعر بحضورهم حتى مع هذا الغياب الطويل في مدى القرون. وفي هذه الذّكرى، نريد أن نعيش الإمام الحسن بن عليّ بن أبي طالب(ع)، وأن نستنطق كلمات الله تعالى وكلمات رسوله(ص) في حقّه، ونمتدّ ـ بعد ذلك ـ في الخطوط العامَّة في حياته.

طهارة أهل البيت(ع)

ففي كلمات الله، نلتقي بالآية الكريمة الّتي يطلق عليها المفسّرون (آية التطهير): {إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}[1]؛ هذه الآية التي يذكر أكثر المفسّرين أنها نزلت في الخمسة الأطهار؛ محمّد(ص)، وعليّ، وفاطمة، والحسن، والحسين(ع)، ولها دلالة انطلق المحلّلون في استنطاقهم لها، في أنها تعطي معنى إرادة الله في الطهارة التي تعيش في كيانهم كلّه: طهارة العقل، فلا يحمل شيئاً من الباطل، وطهارة القلب، فلا يختزن شيئاً من الانحراف العاطفي، وطهارة الحركة، فلا يفقد خطّ الاستقامة في كلّ الدّروب التي يتحرك فيها الناس، لأنّ الباطل يمثّل معنى القذارة في الفكر، ولأنَّ العاطفة المنحرفة تمثّل معنى القذارة في الإحساس، ولأنَّ الانحراف عن الخطِّ يمثّل القذارة في الواقع.

ومن هنا، فإننا عندما نلتقي بالإمام الحسن(ع) كأحد هؤلاء الأطهار، فإنّنا نستطيع أن نستوحي هذه الطّهارة الروحيّة والفكريّة والشعوريّة والحركيّة في حياتهم كلّها.

تربية الرّسول(ص) للحسن

فإذا انتقلنا إلى رسول الله(ص)، وهو الّذي ربّى الإمام الحسن(ع) في طفولته، فقد كان الحسن(ع) ومعه أخوه الحسين(ع)، يعيشان طفولتهما الأولى في أحضان رسول الله(ص)، الَّذي أعطاهما كلّ عاطفة الأبوّة للأبناء، لأنّه عاش هذه العاطفة في عمق إحساسه وشعوره، ولم تكن عاطفةً عفويّةً ساذجة، بل كانت عاطفةً مشحونةً بالمعاني الرّوحيّة المتمثّلة في هذين الحبيبين، حيث ينقل المؤرّخون ـ وأكثرهم من غير أهل الشّيعة ـ أنه كان يقول عندما يحمل الحسن(ع) على عاتقه: "اللّهمّ إني أحبّه فأحبّه"[2]، وفي رواية: "من أحبّني فليحبّه"[3].

وعندما ولد الإمام الحسين(ع)، ودرجا معاً في كنف رسول الله، كان يقول: "اللّهمّ إني أحبّهما، فأحبّهما وأحبّ من يحبّهما"[4]، وعندما بدآ يتحركان في الطّفولة التي بدأت تعي ما حولها ومن حولها من خلال الواقع الاجتماعي، كان يقول: "الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة"[5]، وهذه الكلمة، كما الكلمات السّابقة، تعني أنهما يختزنان في شخصيَّتهما معنى روحيّاً يطلّ على مستقبلهما، بحيث يعطي شرعيّةً لكلّ ما قاما به في مستقبل حياتهما، لأنَّ من كان سيّداً لشباب أهل الجنَّة، لا يمكن أن يعيش الخطأ في فكر، أو الخطأ في عاطفة، أو الخطأ في سلوك.

ومن هنا، نستطيع أن نؤكّد من خلال هذه الكلمة من رسول الله(ص)، الَّذي قال عنه تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[6]، وحي في آيات القرآن، ووحي في معاني السنّة التي نطق بها، فهي لم تكن وحي الكلمة، ولكنّها كانت وحي الفكرة التي يجسِّدها رسول الله لسنّته.. لذلك، نحن نستطيع أن نعرف أنَّ ما قام به الإمام الحسن(ع) من صلحٍ يؤكّد شرعيّته، وما قام به الإمام الحسين(ع) من نهضة تؤكِّد شرعيّته، لأنهما سيّدا شباب أهل الجنة، فلا بدَّ من أن تكون حركتهما في خطّ الاستقامة.

في البيت العلويّ ـ الفاطمي

وعندما نريد أن ننفتح على حياته، فإنّنا قد نستوحي منها أنه كان يعيش بعد رسول الله(ص) الذي احتضن طفولته الأولى، مع أمّه فاطمة الزّهراء(ع) الطّاهرة المطهَّرة، التي أعطته من طهرها، ومن روحها، ومن فكرها، ومن حيويّتها، ومن حركيّتها، ومن آلامها، الشّيء الكثير مما اختزنه في وعيه، وكان يعيش في ذلك البيت الطّاهر بين عليّ(ع) وفاطمة(ع)، وارتحلت الزهراء(ع) إلى بارئها في بدايات طفولته، كما فقد جدّه رسول الله(ص) وهو صغير.

وعاش مع عليّ(ع) كلّ الأحداث الصَّعبة القاسية التي عاشها، وتمثّل في تلك المرحلة الصّعبة الإخلاص الأعلى للإسلام، لأنّه انفتح بكلِّه على الواقع الإسلامي، وعاون وساعد وشاور وأعطى العلم والرّأي، في الوقت الّذي كان يشعر بأنّه أُبعِدَ عن حقِّه، لأنه كان يقول، وقد سمع الإمام الحسن(ع) منه ذلك: "لأسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليَّ خاصّةً"[7]؛ لقد ابتعد عليّ عن معنى الذّات في ذاته كما يعيشها الكثير من الناس، لأنَّ عليّاً بكلّه رسالة تتحرّك.

كان الإسلام كلّ عليّ، وكان عقله وقلبه، وكان حركته، فلم يكن في عليّ شيء لغير الإسلام، ولذلك قال: "ما ترك لي الحقّ من صاحب"، وقالها النبي(ص) مما يرويه الفريقان من السنّة والشيعة: "عليّ مع الحقّ والحقّ مع عليّ يدور معه حيث ما دار"[8]، وليس للباطل شأن في عليّ، وليس لعليّ أيّ فراغ ليأتي الباطل ليملأه، لأنّه كان حقّاً كلّه.

ولأنَّ عليّاً(ع) عاش مع الله، لم يكن في وعيه شيء لغير الله تعالى، وهذا ما نستوحيه من مناجاته لله في (دعاء كميل): "فهبني يا إلهي وسيّدي ومولاي وربّي صبرتُ على عذابك، فكيف أصبرُ على فراقك؟! وهبني صبرتُ على حرِّ نارك، فكيف أصبر عن النّظر إلى كرامتك؟!"[9]، كان يعبّر ـ في ذلك ـ عن هذه الحالة الروحيّة الّتي ذابت في الله، فلا تطيق الابتعاد عنه، والّتي عاشت كرامة الله، فلا تطيق الابتعاد عن كرامته.

تهيئة الحسن للإمامة

وهكذا عاش الإمام الحسن(ع) مع أبيه عليّ(ع) كلّ هذه الرّوح وكلّ هذا الانفتاح على الله وعلى المصلحة الإسلاميّة العليا، واختزن ذلك في عقله كلّه وفي قلبه كلّه، فلقد عاش مع أبيه ليله ونهاره في مدى حياته معه، حتى إنّنا نستطيع أن نقول إنّه وهو مع أخيه، كانا الصّديقين الحبيبين لعليّ(ع)، الّذي كان يهيّئهما ـ بأمر الله ـ للقيادة وللإمامة من بعده، لذلك كان عليّ(ع) لهما كما كان رسول الله(ص) لعليّ.. كان رسول الله يناجي عليّاً في ليله ونهاره، حتى انطلق ليقول: "علَّمني ـ رسول الله ـ ألف باب من العلم فتح كلّ باب ألف باب"[10].

وبهذا نستطيع أن نقول إنّ الحسن والحسين(ع) أخذا علياً كلّه، وعاشا عقله كلّه، وروحه كلّها، وإحساسه وشعوره كلّهما، وعاشا الخطوط العامة كلّها التي مثّلت خطّ الاستقامة في حياتهما، وهذا ما تمثّل في حياتهما، وفي خشوعهما لله، وخضوعهما له، وذوبانهما فيه، بحيث كان كلّ شيء عندهما في كلّ ما قالاه وفي كلّ ما فعلاه.

ونحن نستطيع أن نستوحي كيف كان عليّ(ع) يجد في الحسن(ع) كلّ ما يمثّله، فكان يدعو النّاس أن يسألوا الحسن عندما يريدون أن يسألوه، وكان يكلِّفه بالمهمّات الصّعبة على المستوى السياسي ـ كما يقال في هذه الأيام ـ فعندما اضطربت أحوال الكوفة من خلال واليها في أوّل خلافة الإمام علي(ع)، بعث ولده الإمام الحسن(ع) ليحلَّ المشكلة، وليواجه الموقف الصّعب هناك، تدليلاً على أنّه يملك سلامة الموقف الذي يستطيع فيه أن يواجه التحدّيات والقضايا الكبرى بكلّ كفاءةٍ وبكلّ صدقٍ وإخلاص.

الصّلح تجميد للصِّراع

وعندما ارتفع علي(ع) إلى الرفيق الأعلى، باشر الإمام الحسن(ع) مسؤوليّات الإمامة، وكان الواقع الإسلامي ـ آنذاك ـ متعباً من الصّراع، ولم يكن المجتمع واحداً.. فقد كان هناك (الخوارج) في الساحة، وكان الذين يلعبون على أكثر من حبل من رؤساء العشائر الذين كانوا يفكرون في مواقعهم ومطامعهم، وكان هناك الطيبون، وكان هناك كما يقول (الشيخ المفيد) الشكّاكون المرتابون، وبكلمة مختصرة، فقد كان المجتمع خليطاً من كلّ هؤلاء.

واندفع الإمام الحسن(ع) بجيشه ردّاً لعدوان معاوية، لأنّه لم يبدأ معه حرباً، بل دعاه إلى أن يدخل فيما دخل فيه المسلمون، وكانت هناك رسائل متبادلة بينهما، تعنف تارةً وترقّ أخرى، وبدأ معاوية يحشد الجنود، ومنذ بدايات المعركة، وجد الإمام الحسن في جنده أنّهم الجند الّذين يمكن أن يشاركوا في الهزيمة أكثر مما يساهمون في النّصر.. ولذلك، لم يكونوا الجيش الّذي يمكن أن يعتمد عليه في خطّ المواجهة، ورأى أنّ الظروف من حوله تتحرّك، بحيث إنّ رؤساء العشائر كتبوا إلى معاوية: "إن شئت سلّمنا الحسن في أيّ وقت".

وكانت هناك بعض مساعي الصلح الّذي اشترط فيه الإمام الحسن(ع) أن لا ينادى معاوية بأمير المؤمنين، ما يجعل من الصّلح تجميداً للصّراع وهدنة، بدلاً من أن يكون اعترافاً بالأمر الواقع الذي يريد أن يمثّل الشرعيّة، لأنه لا يمكن أن يعترف بالشرعيّة المزيّفة، فهو الشرعيّ الوحيد ولا شرعيّة غيره. ولكنّ المشكلة هي أن كثيراً من الشرعيات في التاريخ، لا تجد في الواقع السياسي أو الواقع الاجتماعي الوسائل التي تستطيع أن تؤكّد فيها مسؤوليّاتها الحركّة.

دسّ السّمّ للإمام

وتحرّك الإمام الحسن(ع) بعد ذلك في الخطِّ الشّعبيّ، وكان يتحسَّس مسؤوليَّته في توعية النّاس بالكلمة وبالقدوة خارج نطاق الخلافة، كما كان يتحسَّس مسؤوليَّته تلك في داخل الخلافة، لأنَّ الشرعيَّة الإسلاميَّة لا بدَّ من أن تؤكِّد موقفها في حركة الواقع، من خلال الفرص المُتاحة لها، سواء في موقع المسؤوليَّة أو في غيرها من المواقع، ورأينا كيف أنّ معاوية دسّ إليه السمّ بعد ذلك ليتخلّص منه ومن شرطه الّذي وضع في وثيقة الصّلح، بأن تكون الخلافة للإمام الحسن من بعده.

وكان "معاوية" يخطّط لخلافة "يزيد" ـ كما ينقل المؤرّخون ـ فأغرى زوجة الإمام الحسن(ع) "جعدة بنت الأشعث"، التي كانت تعيش بعض الواقع السّلبي من خلال أبيها ومن خلال المؤثّرات الداخليّة، حتى دسَّت السمّ للإمام الحسن(ع).. وكان من عظمة الإمام أنّه لم يخبر عنها، ولم يقبل أن يشهِّر بها بعدما اكتشفها، وكان من عظمته(ع) أيضاً أن كان يحسّ بأن من الممكن أن ينطلق بعض النّاس من بني أميّة في المدينة ليمنعوا دفنه عند جدّه، وكان قد أوصى بأن يجدِّد به العهد بزيارة رسول الله(ص) قبل دفنه في البقيع، فأوصى أخاه الحسين(ع) أن لا يهرق في أمره محجمة دم، وأن يصبر على مصيبته.

وعندما سار بنو هاشم يتقدَّمهم الإمام الحسين(ع) ليجدِّدوا به عهداً عند رسول الله(ص)، خُيِّل إلى أولئك أنهم يريدون أن يدفنوه عند جدّه، فوقفوا استعداداً للحرب، ووقف بنو هاشم ليواجهوا هذا التحدّي، لكنّ الإمام الحسين(ع) كما تقول كتب السّيرة، قال: "الله الله، لا تضيّعوا وصيّة أخي"[11]. فانظروا كيف كان يحافظ على حقن الدّماء، حتى في مثل هذه القضيّة الحسّاسة التي تثير العاطفة، وقد لا يتحمّلها الكثيرون منّا في مثل هذا الموقف.

الحسن والحسين(ع) خطّ واحد

أمّا ما أُريد أن أتحدّث به ـ في هذه العجالة ـ بشكلٍ مختصر، فهو أنَّ هناك حديثاً يدور على الألسن حول شخصيّة الإمام الحسن(ع) وشخصيّة الإمام الحسين(ع) في عمليّة المقارنة بينهما، في أنّ شخصيّة الإمام الحسن هي شخصيَّة المسالم، وشخصيّة الإمام الحسين هي شخصيّة الثّائر، ولذلك، فإنّ بعض النّاس يتحدّث عن الأسلوب الحسني في بعض أساليب الحركة، ويتحدّث آخرون عن الأسلوب الحسيني في بعض أساليب الحركة...

ولكنَّ هذا الحديث خطأ، لأنّ قضيَّة الأسلوب في حركة اللّين والعنف، ليست خطّاً واحداً للشخصيّة، لأنَّ أية شخصيّة رساليّة تلتزم مبدأً متحرّكاً في حياة النّاس، لا يمكن أن تكون عنيفةً على طول الخطّ، ولا يمكن أن تكون ليّنةً على طول الخطّ، لأنَّ صاحب الرّسالة تحكمه رسالته، وليس له مزاج خاصّ ولا حريّة له في أن يحكّم مزاجه الذّاتي في حركته الرساليّة، بل لا بدَّ لكلّ صاحب رسالة، ولكلّ صاحب قضيّة، من أن يكون مزاجه في خطّ الرّسالة، وأن تكون حركته في خطّ حركة الرسالة، ذلك أنَّ الإنسان صاحب المبدأ والقضيّة والرّسالة لا يملك نفسه، بل تملكه رسالته وقضيّته، ولذلك لا بدَّ من أن يعنف عندما يكون العنف مصلحة الرّسالة والقضيّة، ويلين ويرقّ عندما يكون اللّين والرقّة هما مصلحة الرسالة.

من هنا، لا نستطيع أن نقول إنّ شخصية الإمام الحسن(ع) هي شخصية الرقّة والسلام واللّين، وشخصيّة الإمام الحسين(ع) هي شخصيّة العنف والثّورة والقسوة، بل كان الإمام الحسين حسنيّاً في أسلوب الرّسالة في مرحلة الإمام الحسن(ع)، ولذلك وقَّع الإمام الحسين(ع) ـ كما نقول هذه الأيام ـ إلى جانب توقيع الإمام الحسن(ع).

ومن هنا، فإنَّ الإمام الحسين(ع) حافظ على هذا، حتّى بعد وفاة الإمام الحسن(ع)، وبقي في البقيّة الباقية من حياة معاوية ملتزماً في أن لا يثور عليه، التزاماً بالعهد وبالوثيقة، ولو كان الإمام الحسن(ع) في عهد الإمام الحسين(ع)، لكان حسينيّاً بكلّ خصائص الأسلوب الذي عاشه الإمام الحسين(ع) في مرحلته.

ولو درسنا أسلوب الإمام الحسين في عاشوراء، لرأيناه أسلوب المحبّة حتى لأعدائه، وأسلوب السلام الذي يريد أن يركِّزه على أساس العدل وعلى أساس الخطّ المستقيم حتى مع أعدائه، إذ لم يكن الإمام الحسين(ع) عنيفاً يطلق العنف في وجه النّاس، بل كان إسلامياً قرآنياً كما كان الإمام الحسن إسلاميّاً قرآنيّاً، ولذلك أعطى الإمام الحسين(ع) الفرصة كلّها للحلّ السّلمي، ولما طلب منه أن يعطي بيده إعطاء الذّليل ويقرّ إقرار العبيد، قال: "لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد"[12]، لأنَّ ذلك يمثّل تحدّي الشّرعيّة الإسلاميّة، لا تحدّي الذات بالنّسبة إليه.

منهج إسلاميّ واحد

لذلك، لا نستطيع أن نقول إنَّ للحسن شخصيّة تختلف عن شخصيّة الإمام الحسين(ع)، بل إنهما يتغذّيان من مائدة واحدة هي مائدة القرآن، وينطلقان من منطلقٍ واحد، هو منطلق الإسلام.. وقد عاشا مع رسول الله(ص) الذي كان يعيش الرّحمة والشدّة معاً، وهذا ما عبّر عنه بقوله: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}[13].

لذلك ـ أيّها الأحبَّة ـ هذا خطٌّ لا بدَّ من أن ننتهجه وأن نسير عليه في كلّ ما نستقبل من قضايا، سواء في المسألة الإسلاميّة، أو في المسألة السياسيّة، أو الاجتماعيّة، وأن لا نعتبر أنّ هناك أسلوباً واحداً في الحياة، بل هناك أسلوبان ينطلقان من مصلحة القضيَّة الّتي يتحرك فيها الإنسان، حتى إنّنا عندما نلتقي بالله سبحانه وتعالى، فإنما نلتقي به على أنّه شديد العقاب غفور رحيم، ونقرأ في دعاء الافتتاح: "أيقنتُ أنّك أنت أرحم الرّاحمين، في موضع العفو والرّحمة، وأشدّ المعاقبين، في موضع النّكال والنّقمة"[14]، لأنّ لكلّ شيء موضعه، فليس العنف قيمة سلبيّة دائماً، وليس الرفق قيمة إيجابيّة دائماً، فقد يكون العنف في دائرة الإيجاب عندما يتوقَّف إنقاذ القضيّة على العنف، وقد يكون الرّفق في دائرة السّلب عندما يسيء الرّفق إلى مصلحة القضيّة..

ألسنا نتّفق على أنَّ على الإنسان أن يخضع للعمليّة الجراحيّة التي قد تقطع به أعضائه من أجل أن تسلم حياته!؟ تلك هي القضيّة ذاتها في واقع القضايا الكبرى والصّغرى في واقع الذّات.

قضيّة الصّلح مع الصّهاينة

ثم هناك ـ في نهاية المطاف ـ مسألة يحاول البعض أن يثيرها دائماً كلّما تحدّث الناس عن الصّلح مع الكيان الصهيوني، ليحدّثوك عن صلح الحديبية، وأنّ النبيّ(ص) صالح المشركين، فتعالوا لنصالح إسرائيل، وأنَّ النبيّ(ص) عاهد اليهود في المدينة، فتعالوا لندخل في المعاهدة مع اليهود، وأنّ الإمام الحسن(ع) صالح أيضاً معاوية، فتعالوا لندخل في الصّلح مع (الكيان الصهيوني).. هذا العنوان أو هذا الشّعار يرفعه كلّ الذين يلهثون وراء الانفتاح على هذا العدوّ، لأنهم يحملون الشّعار من دون أن يدقِّقوا في كلّ مفرداته.

لقد صالح النبيّ(ص) المشركين في صلح الحديبية، لأنّه كان يخطّط لفتح مكّة، فكان صلحاً وقائيّاً تكتيكيّاً، كما نقول هذه الأيّام، يدخل في حركة الاستراتيجيّة، وكان عهده مع اليهود في المدينة من أجل أنّه كان يريد للمدينة في بداية عهد الدَّعوة أن لا تعيش حالة صراع داخليّ يمكن أن يدمِّر حركة الإسلام وهو في بدايته، ولذلك، عندما خان اليهود العهود والمواثيق حاربهم، كما في حربه (بني قينقاع)، و(بني النّضير)، و(بني قريظة)، إلى خيبر.

أمّا صلح الإمام الحسن(ع)، فهو صلح من خلال طبيعة الواقع الإسلاميّ الّذي كانت الحرب فيه لا تؤدّي إلى أيّة نتيجة إيجابيّة لأيّة قضيّة في تلك المرحلة، بل ربما كانت تؤدّي إلى مزيدٍ من النّزف الإسلامي الذي تسقط فيه العناصر الطيّبة كلّها والمعارضة كلّها، من دون أيّة نتيجة حاضرة أو مستقبليّة، لأنّ الواقع كان واقعاً متعباً لا يمكن أن يحقّق أية نتيجة في المستقبل، وكانت المسألة مسألة جيشين يتحاربان، ولذلك فإنّ النّاس لن ينفتحوا على معنى المظلوميّة في هذا الجانب أو ذاك.

لا اعتراف بالكيان الصّهيونيّ

أمَّا بالنّسبة إلى الكيان الصّهيوني، فقد جاء اليهود من سائر أنحاء العالم، واحتلّوا أرضاً عامرة بالسكّان، وفيها أكثريّة إسلاميّة وأقليّة نصرانيّة، وكذلك أقليّة يهوديّة، فجاؤوا من أجل أن يخرجوا أهلها منها، ليجمعوا يهود العالم كلَّهم هناك.

فهذا الكيان يمثّل العدوان كلّه، فليس فيه شيء مما يمكن أن يجعل للصّلح شرعيّة، لأنّ معنى الصّلح، أن تعترف لليهود بسيطرتهم على فلسطين، وأن توقِّع على ورقة "الطّابو"، وما يريده اليهود الآن ـ وقد أخذوا كلّ فلسطين ـ أن يعطيهم الفلسطينيّون، ومعهم العالم العربي والإسلامي، توقيعاً على ملكيّتهم القانونية والسياسية لفلسطين، حتى إنهم لا يريدون للفلسطينيّين أن يحصلوا على حكم ذاتي في أرضهم، بل يريدون أن يجعلوا الوجود الفلسطيني وجوداً محاصَراً في سجنٍ مفتوح الأبواب والنّوافذ، ولكنّه مغلق بالأسوار التي تحيطه من خلال المستوطنات الصهيونيّة[15].

لذلك، قلنا ونقول: لو أنَّ العالم كلّه اعترف بالكيان الصّهيونيّ، فلا نستطيع كمسلمين أن نعترف به، فكما لا نستطيع أن نقول إنّ الخمر حلال حتى لو قال كلّ الناس ذلك، كذلك لا نستطيع أن نقول إنّ الغصب حلال، فالمسألة لا تتحرّك من خلال موقع سياسيّ يمكن أن يتغير بين وقتٍ وآخر، بل تتحرّك من موقعٍ فقهيّ شرعيّ يعيش كل مسلم معناه بالتزامه الديني، فلا تتحدثوا عن "صلح الحديبية"، أو معاهدة النبي(ص) مع اليهود، أو صلح الإمام الحسن(ع) مع معاوية، عندما تريدون أن تنظروا إلى الصّلح مع (إسرائيل)، لأنّ الإسلام لا يعطي أية مبرّرات أو أية شرعيّة لأن يوقّع المسلم الصّلح معها، وهذا ما ينبغي لنا أن نعيشه..

فلقد عاش اليهود مدّة طويلة حتى وصلوا إلى فلسطين، ولا يزال بعض فلسطين بيدنا، وقد كانت فلسطين لنا، فلا بأس إذا كنّا أمّة تحترم نفسها وقيمها وحاضرها ومستقبلها، بأن ننتظر خمسين سنة أو مئة سنة لنرجع إلى فلسطين، لأنّ قضايا الشعوب لا تُحلّ بالأيّام ولا بالأشهر ولا بالسّنين، فقد نحتاج إلى قرنٍ كامل لنصل إلى أهدافنا، "اعمل لدنياك" في قضايا الحرية والعدالة، "كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً"[16].

*ندوة الشّام الأسبوعيّة، فكر وثقافة، بتاريخ: 11 صفر 1419هـ/ الموافق: 6 - 6- 1998م.


[1]  [الأحزاب: 33].

[2]  الأمالي، الشيخ الطوسي، ص 250.

[3]  بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 43، ص 266.

[4]  المصدر نفسه،ج 37، ص 75.

[5]  بحار الأنوار، ج 37، ص 73.

[6]  [النجم: 3، 4].

[7]  نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج 1، ص 125.

[8]  بحار الأنوار، ج 28، ص368.

[9]  مصبح المتهجد، الشيخ الطوسي، ص 848.

[10]  بحار الأنوار، ج 40، ص 144.

[11]  المصدر نفسه، ج 44، ص 142.

[12]  المصدر نفسه، ج 45، ص 8.

[13]  [الفتح: 29].

[14]  مصباح المتهجد، ص 578.

[15] جاء حديث سماحة آية الله العظمى، السيد محمد حسين فضل الله ـ دام ظله ـ في قراءة النيات الصهيونية قبل خمسة أشهر من اتفاق (واي بلانتيشن) الذي منح فيه (عرفات) (نتنياهو) تنازلات إضافية جعلت من فلسطين ـ كما أشار سماحته ـ سجناً مغلقاً بالمستوطنات ومحاصَراً بحراب السّلطة العرفاتيّة (المعدّ).

[16]  وسائل الشّيعة، الحرّ العاملي، ج 17، ص 77.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية