حياتي: السعي نحو كيان إسلامي وحدوي

حياتي: السعي نحو كيان إسلامي وحدوي

لقد حدث في وقتٍ لاحقٍ من تلك المرحلة، أن انطلقت مسألة قيام "المجلس الشيعي الأعلى"، ما أثار آنذاك جواً مشحوناً بالتعقيد والخلافات بين علماء الدين في الطائفة الشيعيّة، إضافةً إلى الخلافات السياسيّة، باعتبار أنَّ مسألة تأسيس "المجلس الشيعي الأعلى"، كانت تعيش في ظلّ تجاذبات سياسية داخلية تطل على تجاذبات سياسية خارجية، لأننا في الوقت الذي كنا نلاحظ ضرورة أن يكون للشيعة مجلس في دائرة هذه الفسيفساء من المجالس المليّة في لبنان، لتتكامل المسألة الطائفيَّة التي ركّزت الوضع اللبناني على أساس أن يكون لكلّ طائفة مجلس يضم علماءها وسياسييها، وقطاعاتها الثقافية والاجتماعية لتتدارس أمورها، كنا نفكّر في أن هذا الوضع الذي يفرضه النظام الطائفي اللبناني يلتقي بخطط تعمل على أساس أن لا يتوحّد السنّة والشيعة في مجلس واحد، أي مسألة انفصال الشخصيَّة الإسلاميَّة الشيعيّة، عن الشخصيّة الإسلاميّة السنيّة، ليشعر السنَّة بأنَّ لهم كياناً مستقلاً ومصالح سياسيَّة واقتصاديَّة وثقافيَّة تختلف عن المسلمين الشيعة، الذين يبحثون أيضاً عن كيانٍ مستقل، يحمي مصالحهم السياسيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة.

إنشاء المجلس الشيعي الأعلى
الأمر الَّذي كنا نراه، أن اللعبة السياسية الخارجية تريد أن تؤكد التفتيت الطائفي والمذهبي في لبنان من خلال النظام الطائفي، على أساس أن المنطقة كانت تتحرك نحو إدخال المسألة الطائفية والمسألة المذهبيَّة في سياستها العامة، لتكون لدينا خطوط في المسألة الشيعية في السياسة، إضافةً إلى المسألة السنيّة في السياسة.

وهذا ما لاحظته من السجال السياسي الذي كان يدور في تلك المرحلة حول الشيعة، إذ إن البعض كان يتحدَّث عن انتمائهم إلى إيران التي كان يحكمها الشاه، والذي كانت سياسته تختلف عن السياسة المطروحة في الواقع العربي، وهي السياسة القومية الوحدوية التي كان يقودها جمال عبد الناصر، الأمر الذي كان يحكى فيه عن وضع شيعي في المسألة السياسية، انطلاقاً من الصراع بين خط إيران السياسي والخط العربي الذي يقوده عبد الناصر.

وكنت ألاحظ أن هناك مسألة لتحديد الفواصل بين المذاهب في لبنان، سواء على المستوى الإسلامي أو على المستوى المسيحي، لأن المجالس المليّة لم تكن قد اكتملت آنذاك، بل أصبحت تتحرك بشكل يخيّل إليك أنه شكل تلقائي، ولكنها في نهاية المطاف منطلقة من خطَّة أساسها، أننا لا نتعقّل من خلال التجربة الحيَّة في أن ينطلق أي وضع في لبنان من خلال المعطيات الداخليَّة، إذا لم تكن هناك خلفيات خارجيَّة تدفعه وتمنحه صيغته وتفتح له الآفاق في طبيعة التركيبة اللبنانيَّة بالنظام.
لذلك، طرحت في ذلك الوقت مسألة أن يكون هناك مجلس واحد يضم الشّيعة والسنّة، ولكن يبدو أنَّ المرحلة الَّتي كانت تحكم الواقع لم تكن ناضجة بهذا المستوى ليتحرك هذا الطَّرح في اتجاه واقع عملي، ولذلك، حاولت تخفيف الخسائر من خلال العمل على إيجاد نوع من الوحدة داخل الجسم الشيعي الَّذي انقسم إلى قسمين حول تأسيس "المجلس الإسلامي الشّيعي الأعلى".

وكنت أتحرك في ذلك الوقت، مع الأخ العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، في سبيل تقريب وجهات النظر داخل الوسط العلمائي الشيعي، لتخفيف التأثيرات السلبية في مسألة المجلس، وقد نجحنا بعض الشيء في تخفيف ذلك، لكننا لم ننجح في الوصول إلى الوحدة، وكنت أقول في ذلك الوقت أنني لن أنتخِب أو أُنتخَب، بمعنى أنني كنت أتحرك في هذه المسألة بشكل وفاقي فقط، على أن أبقى خارج نطاق هذا المجلس، لأنني كما قلت وما أزال، أؤمن بضرورة وحدة المسلمين في مواجهة قضاياهم، والإحساس بشخصيتهم الإسلامية، لتكون المسألة السنية والشيعية مسألة مدرستين في فهم الإسلام والتحرك في الواقع على أساس الإسلام، تماماً كما هي الخطوط الفكرية التي تحكم الواقع الإسلامي الثقافي، كخط المعتزلة وخط الأشاعرة، أو خطوط المذاهب الفقهية، كالمذهب الحنبلي والحنفي والشافعي والمالكي، إضافةً إلى المذاهب الأخرى، لتكون المسألة مسألة اجتهاد في علم الكلام، أو اجتهاد في الفقه لا يعزل الشخصية الإسلامية ليقسمها إلى شخصيات، بل يوحِّدها في دائرة التنوع.

الإسلام الوحدوي الرحب
لذلك، كنت في الوقت الذي ألتزم الخط الإسلامي الشيعي من الناحية الاجتهادية، فيما التزم به من مفردات هذا الخط بطريقة أو بأخرى، كنت أفضِّل لنفسي، أن لا أعمل في نطاق طائفي، أو تحت مظلة طائفية أو مذهبية، لأنني كنت أفكّر قبل ذلك الوقت، في الإسلام الذي يتحرك في الهواء الطلِق، والذي يعيش تحت ضوء الشمس، بعيداً عن كلّ الدهاليز والزوايا المغلقة، لأنني كنت وما زلت، مع الحركة الإسلامية المنفتحة على كل العالم الإسلامي منذ بدأت أحس بانتمائي إلى الإسلام، وبالأفق الواسع له في العالم، وفيما يمكن أن يقوم به الإسلام في العالم كبديل لكلِّ هذه الأنظمة.

ومنذ البداية كان هذا فكري، ولا زلت منسجماً مع هذا الخط الفكري، الأمر الذي جعلني أبتعد عن الدخول في "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى"، بالرغم من أنني لو كنت أريد الدخول آنذاك إلى هذا المجلس، لكانت أمامي فرصة كبيرة للوصول إلى مواقع متقدمة فيه، قد لا يكون الموقع الأول، ولكن هناك مواقع مهمة جداً، لأن علاقتي بالسيد موسى الصدر كانت وثيقة جداً في النجف الأشرف، وكان يحكمها الاحترام والانفتاح المتبادل.

مع السيد موسى الصدر
لقد ولد "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" ولم أكن فيه، ولم أحضر جلسة الانتخاب، ولم أرشح نفسي لأي موقع فيه، بالرغم من أن الكثيرين من الأصدقاء حاولوا إقناعي بذلك.

ولكنني في الوقت نفسه، بقيت على علاقة جيدة بالسيد موسى الصدر، ومع أركان المجلس الشيعي، وكنا نلتقي ونجتمع ونتحاور ونتفق ونختلف، ومن الطبيعي أن الأسلوب الحركي الذي كنت أنطلق فيه من الخط الإسلامي، يختلف عن الأسلوب التقليدي اللبناني، الذي كان يتحرك فيه المجلس في المسألة الإيمانية الإسلامية، بالرغم من أنني أعتقد أن السيد موسى الصدر كان منفتحاً على الحركة الإسلامية الجديدة، لأنه من الشخصيات الأولى في إيران التي حاولت أن تفتح في الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة، نافذة على الواقع الجديد للفكر الإسلامي الذي كان يتحرك آنذاك في مصر، من خلال عصر النهضة الإسلامية.

ولكنَّ أسلوب السيد موسى الصدر، فيما كان يفهمه من الطبيعة اللبنانية، كان يفرض عليه ذلك، وقد عشنا طيلة المدة التي كان يتحرك فيها بالواقع اللبناني، ضمن صداقة تتحرك فيها اختلافات في وجهات النظر، كما تتحرك فيها اتفاقات في هذا المجال، ولم نشعر بأن خلافاتنا تفرض علينا أن نتقاطع، أو أن نعيش الحالة النفسية المعقّدة، لأننا كنا نعرف أن هناك أكثر من موقع لاتفاق وجهات النظر بيننا، وللحوار في كلّ الأمور التي نختلف فيها في النظرة إلى الواقع السياسي، على مستوى الأمة أو على مستوى الواقع السياسي في لبنان.

[المصدر: العلامة فضل الله، "تحدي الممنوع"]

لقد حدث في وقتٍ لاحقٍ من تلك المرحلة، أن انطلقت مسألة قيام "المجلس الشيعي الأعلى"، ما أثار آنذاك جواً مشحوناً بالتعقيد والخلافات بين علماء الدين في الطائفة الشيعيّة، إضافةً إلى الخلافات السياسيّة، باعتبار أنَّ مسألة تأسيس "المجلس الشيعي الأعلى"، كانت تعيش في ظلّ تجاذبات سياسية داخلية تطل على تجاذبات سياسية خارجية، لأننا في الوقت الذي كنا نلاحظ ضرورة أن يكون للشيعة مجلس في دائرة هذه الفسيفساء من المجالس المليّة في لبنان، لتتكامل المسألة الطائفيَّة التي ركّزت الوضع اللبناني على أساس أن يكون لكلّ طائفة مجلس يضم علماءها وسياسييها، وقطاعاتها الثقافية والاجتماعية لتتدارس أمورها، كنا نفكّر في أن هذا الوضع الذي يفرضه النظام الطائفي اللبناني يلتقي بخطط تعمل على أساس أن لا يتوحّد السنّة والشيعة في مجلس واحد، أي مسألة انفصال الشخصيَّة الإسلاميَّة الشيعيّة، عن الشخصيّة الإسلاميّة السنيّة، ليشعر السنَّة بأنَّ لهم كياناً مستقلاً ومصالح سياسيَّة واقتصاديَّة وثقافيَّة تختلف عن المسلمين الشيعة، الذين يبحثون أيضاً عن كيانٍ مستقل، يحمي مصالحهم السياسيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة.

إنشاء المجلس الشيعي الأعلى
الأمر الَّذي كنا نراه، أن اللعبة السياسية الخارجية تريد أن تؤكد التفتيت الطائفي والمذهبي في لبنان من خلال النظام الطائفي، على أساس أن المنطقة كانت تتحرك نحو إدخال المسألة الطائفية والمسألة المذهبيَّة في سياستها العامة، لتكون لدينا خطوط في المسألة الشيعية في السياسة، إضافةً إلى المسألة السنيّة في السياسة.

وهذا ما لاحظته من السجال السياسي الذي كان يدور في تلك المرحلة حول الشيعة، إذ إن البعض كان يتحدَّث عن انتمائهم إلى إيران التي كان يحكمها الشاه، والذي كانت سياسته تختلف عن السياسة المطروحة في الواقع العربي، وهي السياسة القومية الوحدوية التي كان يقودها جمال عبد الناصر، الأمر الذي كان يحكى فيه عن وضع شيعي في المسألة السياسية، انطلاقاً من الصراع بين خط إيران السياسي والخط العربي الذي يقوده عبد الناصر.

وكنت ألاحظ أن هناك مسألة لتحديد الفواصل بين المذاهب في لبنان، سواء على المستوى الإسلامي أو على المستوى المسيحي، لأن المجالس المليّة لم تكن قد اكتملت آنذاك، بل أصبحت تتحرك بشكل يخيّل إليك أنه شكل تلقائي، ولكنها في نهاية المطاف منطلقة من خطَّة أساسها، أننا لا نتعقّل من خلال التجربة الحيَّة في أن ينطلق أي وضع في لبنان من خلال المعطيات الداخليَّة، إذا لم تكن هناك خلفيات خارجيَّة تدفعه وتمنحه صيغته وتفتح له الآفاق في طبيعة التركيبة اللبنانيَّة بالنظام.
لذلك، طرحت في ذلك الوقت مسألة أن يكون هناك مجلس واحد يضم الشّيعة والسنّة، ولكن يبدو أنَّ المرحلة الَّتي كانت تحكم الواقع لم تكن ناضجة بهذا المستوى ليتحرك هذا الطَّرح في اتجاه واقع عملي، ولذلك، حاولت تخفيف الخسائر من خلال العمل على إيجاد نوع من الوحدة داخل الجسم الشيعي الَّذي انقسم إلى قسمين حول تأسيس "المجلس الإسلامي الشّيعي الأعلى".

وكنت أتحرك في ذلك الوقت، مع الأخ العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين، في سبيل تقريب وجهات النظر داخل الوسط العلمائي الشيعي، لتخفيف التأثيرات السلبية في مسألة المجلس، وقد نجحنا بعض الشيء في تخفيف ذلك، لكننا لم ننجح في الوصول إلى الوحدة، وكنت أقول في ذلك الوقت أنني لن أنتخِب أو أُنتخَب، بمعنى أنني كنت أتحرك في هذه المسألة بشكل وفاقي فقط، على أن أبقى خارج نطاق هذا المجلس، لأنني كما قلت وما أزال، أؤمن بضرورة وحدة المسلمين في مواجهة قضاياهم، والإحساس بشخصيتهم الإسلامية، لتكون المسألة السنية والشيعية مسألة مدرستين في فهم الإسلام والتحرك في الواقع على أساس الإسلام، تماماً كما هي الخطوط الفكرية التي تحكم الواقع الإسلامي الثقافي، كخط المعتزلة وخط الأشاعرة، أو خطوط المذاهب الفقهية، كالمذهب الحنبلي والحنفي والشافعي والمالكي، إضافةً إلى المذاهب الأخرى، لتكون المسألة مسألة اجتهاد في علم الكلام، أو اجتهاد في الفقه لا يعزل الشخصية الإسلامية ليقسمها إلى شخصيات، بل يوحِّدها في دائرة التنوع.

الإسلام الوحدوي الرحب
لذلك، كنت في الوقت الذي ألتزم الخط الإسلامي الشيعي من الناحية الاجتهادية، فيما التزم به من مفردات هذا الخط بطريقة أو بأخرى، كنت أفضِّل لنفسي، أن لا أعمل في نطاق طائفي، أو تحت مظلة طائفية أو مذهبية، لأنني كنت أفكّر قبل ذلك الوقت، في الإسلام الذي يتحرك في الهواء الطلِق، والذي يعيش تحت ضوء الشمس، بعيداً عن كلّ الدهاليز والزوايا المغلقة، لأنني كنت وما زلت، مع الحركة الإسلامية المنفتحة على كل العالم الإسلامي منذ بدأت أحس بانتمائي إلى الإسلام، وبالأفق الواسع له في العالم، وفيما يمكن أن يقوم به الإسلام في العالم كبديل لكلِّ هذه الأنظمة.

ومنذ البداية كان هذا فكري، ولا زلت منسجماً مع هذا الخط الفكري، الأمر الذي جعلني أبتعد عن الدخول في "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى"، بالرغم من أنني لو كنت أريد الدخول آنذاك إلى هذا المجلس، لكانت أمامي فرصة كبيرة للوصول إلى مواقع متقدمة فيه، قد لا يكون الموقع الأول، ولكن هناك مواقع مهمة جداً، لأن علاقتي بالسيد موسى الصدر كانت وثيقة جداً في النجف الأشرف، وكان يحكمها الاحترام والانفتاح المتبادل.

مع السيد موسى الصدر
لقد ولد "المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى" ولم أكن فيه، ولم أحضر جلسة الانتخاب، ولم أرشح نفسي لأي موقع فيه، بالرغم من أن الكثيرين من الأصدقاء حاولوا إقناعي بذلك.

ولكنني في الوقت نفسه، بقيت على علاقة جيدة بالسيد موسى الصدر، ومع أركان المجلس الشيعي، وكنا نلتقي ونجتمع ونتحاور ونتفق ونختلف، ومن الطبيعي أن الأسلوب الحركي الذي كنت أنطلق فيه من الخط الإسلامي، يختلف عن الأسلوب التقليدي اللبناني، الذي كان يتحرك فيه المجلس في المسألة الإيمانية الإسلامية، بالرغم من أنني أعتقد أن السيد موسى الصدر كان منفتحاً على الحركة الإسلامية الجديدة، لأنه من الشخصيات الأولى في إيران التي حاولت أن تفتح في الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة، نافذة على الواقع الجديد للفكر الإسلامي الذي كان يتحرك آنذاك في مصر، من خلال عصر النهضة الإسلامية.

ولكنَّ أسلوب السيد موسى الصدر، فيما كان يفهمه من الطبيعة اللبنانية، كان يفرض عليه ذلك، وقد عشنا طيلة المدة التي كان يتحرك فيها بالواقع اللبناني، ضمن صداقة تتحرك فيها اختلافات في وجهات النظر، كما تتحرك فيها اتفاقات في هذا المجال، ولم نشعر بأن خلافاتنا تفرض علينا أن نتقاطع، أو أن نعيش الحالة النفسية المعقّدة، لأننا كنا نعرف أن هناك أكثر من موقع لاتفاق وجهات النظر بيننا، وللحوار في كلّ الأمور التي نختلف فيها في النظرة إلى الواقع السياسي، على مستوى الأمة أو على مستوى الواقع السياسي في لبنان.

[المصدر: العلامة فضل الله، "تحدي الممنوع"]
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير