عملية إرهابية موصوفة:
ـ تمّ تنفيذ مجزرة بئر العبد عبر وكالة الاستخبارات الأميركية، بناءً على قرار أمضاه الرئيس السابق رونالد ريغان، وافق فيه على تنفيذ ما يسمى "العمليات الوقائية"، عبر رئيس مخابراته آنذاك وليام كايسي، ضد أهداف إرهابية مفترضة للدفاع عن المصالح الأميركية، معتبرين أن ذلك يندرج تحت نطاق البند 15 من ميثاق الأمم المتحدة. فما هي النظرة القانونية إلى هذه العمليات، وهل هي مشروعة قانوناً؟
ـ يصنّف القانون هذه العمليَّة في خانة العمليّات الإرهابيَّة، فهي لم تستهدف سماحة السيد محمد حسين فضل الله حسب، بل استهدفت المدنيين الذين كانوا يتواجدون في محيطه.
في القانون الدولي، تعد عملية التفجير إرهاباً كونها رصدت خلق حالةٍ من الرعب والذعر عند المدنيين. إنها عمليَّة إرهاب موصوفة حسب القانون الدولي.
والأعمال الإرهابيَّة ليست محصورة بالمنظمات أو الأفرقاء أو بالأشخاص، بل تتولى القيام بها الدول، كما حصل في متفجرة بئر العبد، ولا بد من الإشارة في هذا السياق، إلى أنَّ الأعمال الإرهابيَّة التي تقوم بها الدول، يطلق عليها مصطلح "إرهاب الدولة".
من ناحية ثانية، وفيما يتعلق بالدفاع الاستباقي، فهذه النظرية ساقطة في المادة 51 في ميثاق الأمم المتحدة التي تعطي الحق للدول بالدفاع عن نفسها، فالمادة المذكورة حددت شروطاً للدفاع، ومن بينها أن يكون العدوان قد حصل فعلاً.
كانوا يتحدثون عن الدفاع عن النفس الوقائي سابقاً، أما اليوم، فيتحدثون عن الدفاع عن النفس الاستباقي، إلا أنَّ هذه النظرية غريبة عن المادة 51، وهناك إجماع على أن هذه المادة لا يمكن أن تعطي الحق لما يسمى "حق الدفاع عن النفس الاستباقي". ومتفجرة بئر العبد ليست عملية دفاع عن النفس، إنها عمليَّة اغتيال وإرهاب، ويمكننا إضافة مفهوم "العدوان" إليها.
على صعيد آخر، عندما يكون هناك إرهاب، فهناك مسؤوليّة فرديّة وجريمة فردية يقوم بها الأشخاص، وبالتالي هي جريمة خطيرة تعتبر من الجرائم الدوليّة. وعندما يكون هناك عمليَّة عدوان، فهي جريمة تقوم بها الدول؛ وقد تبين فيما بعد أن الولايات المتّحدة الأميركية ليست وحدها المسؤولة عن العمليَّة، بل شارك معها البعض من الأجانب والاستخبارات والدول الأوروبية.
بعض الأشخاص اعترفوا فيما بعد بمشاركتهم بهذه الجريمة النكراء، مراقبةً وإعداداً وتخطيطاً. هؤلاء يجب محاكمتهم بتهمة الإرهاب، وقد كان المطلوب من الدولة اللبنانية آنذاك، أن تعتبر محاولة الاغتيال عملية عدوان على لبنان، وتطالب الدول التي ساهمت في هذا التفجير بالتعويض. وفي ذلك حق للبنان أمام محكمة العدل الدوليَّة.
ملاحقة القضية قانونياً:
ـ بعد مرور 28 عاماً على متفجرة بئر العبد التي ذهب ضحيتها أكثر من 100 من النساء والشيوخ والأطفال. هل يمكن للقضاء المحلي والدولي متابعتها دولياً وإدانة المسؤولين عنها؟
ـ طبعاً، هناك شيء اسمه مرور الزمن، ولكن هذه الجرائم الكبرى هي من الجرائم التي لا يمر عليها الزمن، فإذا لاحظنا بعض قرارات مجلس الأمن الصادرة حول موضوع الإرهاب، أو بعض القرارات المتعلقة بعدم مرور الزمن، نجد جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانيّة وجرائم الإبادة من ضمنها.
هناك ملف قانوني قضائي معقد في هذا الموضوع، ولا يمكن أن نعطي الحلول خلال دقائق، ولكن المطلوب هو إعداد ملف قضائي قانوني كامل يحدده قانونيون يتعاطون المحاماة وينظرون في القضايا أمام المحاكم، ومن ثم أمام أساتذة القانون الدولي الذين يستطيعون معاً متابعة هذا الموضوع وتوصيف الجريمة، ودراسة الإمكانات كافة لملاحقة المسؤولين، وبحث كل الاحتمالات في المراجعة القانونية والقضائية أمام المحاكم الدولية، أو ربما المحاكم المحلية، سواء في لبنان أو في الولايات المتحدة الأمريكية أو في بعض الدول الأوروبية، ولا نغفل أنَّ أجهزة الاستخبارات الدولية التي خططت للقيام بهذا التفجير كانت محترفة.
يمكننا الآن ملاحقة هذا الملف، والمحكمة تحدد إذا كانت العمليَّة تمر بمرور الزمن، أي المحكمة المختصّة بالدولة اللبنانيَّة، أو محكمة العدل الدوليَّة، ولكن أعتقد أنَّه من الصَّعب جداً أن نطلب من الدولة اللبنانيّة أن تقوم بهذا العمل.
في بعض الدول الأجنبيَّة، عندما يحصل أيّ تفجير صغير، يتم اتهام المقاومة في لبنان أو في فلسطين مباشرة به. وعلى أساس ذلك، يجتاحون البلاد، ويصفون هذه المنظمات بأنها إرهابيّة، ومن ثم يطالبون الاتحاد الأوروبي بوصفها بالإرهاب... فكيف الحال ونحن أمام جريمة موصوفة أحدثت خسائر كبيرة جداً، والأهم أن ثمة اعترافاً أمريكياً بها.
تجاوزات فاضحة للقانون:
ـ لم تقف الخروق الأميركية عند حد معين، وقد شهدنا تجاوزات فاضحة للقانون الدولي، سواء في سجن أبوغريب في العراق، أو في معتقل غوانتانامو وغير ذلك، فضلاً عن تغطيتها جرائم الكيان الصهيوني. كيف ينظر القانون الدولي إلى هذه التجاوزات؟
ـ إذا أردت أن تتحدَّث عن الجرائم الدوليَّة التي قامت بها الولايات المتحدة الأميركية، والتي تقع ضمن سياستها الاستعمارية المتغطرسة، فحدّث ولا حرج، سواء تلك التي ارتكبتها في أفغانستان أو العراق أو لبنان، أو تلك التي ترتكبها الآن في القارة الأفريقية وفي أميركا اللاتينيَّة.
إنَّ الإمبرياليَّة في طبيعتها مجرمة، وكذلك الصهيونية، ولذلك هناك تحالف صهيوني إمبريالي، حيث يعملون لمصلحة الرأسمال العالمي وشركات الأسلحة الكبرى، لخلق حالة رعب عند النّاس حتى لا تطالب بحقوقها، كما يقومون بكلّ الأعمال الإرهابيَّة، سواء في السّلم أو في الحرب.
مَن المسؤول اليوم عن حالة الفقر التي تعاني منها القارة الأفريقية؟ لا شكَّ في أنها قيادة الدول الإمبريالية الكبرى. إن الدول الإمبريالية تنهب ثروات هذه الشعوب، وترفض إعطاءها الدواء أو الطعام، أليس هذا إرهاباً؟
هناك 40 ألف طفل يموتون يومياً، بسبب النقص في الدواء والطعام، وهناك مليار إنسان يعيش في العالم اليوم بحالة مزرية جداً، هذا إرهاب أيضاً، والمسؤول عنه سياسة النظام الرأسمالي العالمي.
من جهةٍ ثانية، هناك التفجيرات، والقتل، واغتصاب الأرض، واحتلال فلسطين، وقتل الأطفال في فلسطين، وتهجير الشعب الفلسطيني بالملايين إلى دول الجوار، ومن ثم منع هذا الشعب من العودة إلى أرض، كيف نفسر ذلك؟
يجب إقامة محاكم ضمير عالمية، كما فعل "جون بول سارتر"، وكما فعلنا نحن في لبنان، لنقول للعالم إنَّ الضمير الإنساني لا يزال حياً.
هؤلاء المجرمون يقومون بأعمال إرهابية من دون أن يلاحقهم أحد أمام المحاكم الدولية، فالولايات المتحدة الأميركية ارتكبت جرائم في يوغوسلافيا واليابان، إلا أن أحداً لم يلاحقها، على أساس أن ذلك عمل حرب، مع العلم أنَّ هناك أكثر من 250 ألف قتيل من الأطفال والنساء. وقد كانت أكبر جريمة ارتكبت بحق الإنسانية، وربما في تاريخ البشرية. لماذا لا يسأل أحد من رمى القنابل، ومن قتل مئات الآلاف في فييتنام، ومن استخدم السلاح المدمر والخطير للإنسان والبشر؟
هؤلاء بلا أدنى شكّ لا يملكون أي ضمير، ويقومون بكل الأعمال الإرهابية خدمةً لمصالحهم، ومصالح الشركات والمحطات العسكرية الكبرى والاحتكارات الكبرى الخاصة بالسّلاح وغير السّلاح والنفطيَّة طبعاً.
إرهاب الدولة في القانون:
ـ كيف يعرّف القانون الدولي مصطلح "إرهاب الدولة"؟
ـ ليس هناك إرهاب بالمطلق، إنما هناك أعمال إرهابية تقوم بها بعض الدول، كالولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وبعض الدول الأوروبيَّة، ولذلك نقول عنها "دولة إرهاب" أو "إرهاب الدولة"، لما تخلقه من حالة رعب بين المدنيين، وهو ما تقوم به أيضاً عصابات أو مجموعة عسكرية، كما يحصل الآن في بعض المناطق في سوريا وغيرها.
كذلك، ما تقوم به إسرائيل من قتل النساء والأطفال وخلق حالة رعب بين المدنيين اللبنانيين، هو "إرهاب دولة"، والشعب اللبناني والفلسطيني لديه وعي كامل بالإرهاب.
خطوات خجولة ولكن إيجابية!
ـ إلى أي حدّ يمتلك القانون الدولي الأهلية لضمان حقوق الأفراد والشعوب في وجه أي تعديات؟
ـ إنَّ موضوع الدفاع عن حقوق الإنسان والشعوب مهم جداً، وخصوصاً حقوق الشّعوب في تحديد مصيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وحتى الفلسفي في اختيار الإيديولوجيا للنظام السياسي الذي تريده هذه الشعوب. ولكن في ظلِّ نظام إمبريالي رأسمالي، أصبح الحديث عن حقِّ الشّعوب، للأسف، عملية إيديولوجية تحاول الولايات المتحدة الأميريكية استغلالها من أجل السيطرة على بعض الدول باسم الإنسان.
إنَّ موضوع الإنسان هو موضوع مطاط، والمقصود به الحقوق السياسية والمدنية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية.
أما حق الطَّبابة والعمل، فهي من الحقوق الأساسيَّة الَّتي لا حماية لها للأسف، ولكن حق التعبير وحق إقامة التجمعات، تحميها بعض المحاكم الدولية لحقوق الإنسان السياسية والمدنية، إلا أنها في بداياتها، فهناك خطوات على أهميتها، غير أنها ما زالت خجولة.
وفيما يتعلَّق بحقوق الشّعوب؛ حق الشَّعب الفلسطيني مثلاً، فقد هدر حقّه، وطرد شعبه، واغتصبت أرضه، وقتل أطفاله ونساؤه، وأسر شبّانه، ولم يلتفت إليه أحد.
تقوم الجمعية العامة للأمم المتحدة بخطوات لاتخاذ بعض القرارات، وعلى الرغم من أنها خجولة، ولكنها إيجابية، ونحن في حالة تطور، فلا ننسى أن الشعوب منذ خمسين سنة، كانت كلها خاضعة للاحتلال ولاستغلال، وربما الاستعباد.
نحن اليوم أمام مرحلة كبيرة جداً ومهمة من تطور الإنسانيَّة للحفاظ على ما حصلنا عليه، والنضال من أجل الحصول على الحقوق كلها، وملاحقة منتهكي حقوق الإنسان أمام المحاكم الدولية.
ولكننا مع هذا كله، نصر على أن يكون هناك محاكم ضمير تتذكر من خلالها الأجيال القادمة أننا لم ننس محاكمة هؤلاء، وإن لم نستطع ذلك أمام المحاكم الدولية، فعلى الأقل نثبت أن الضمير الإنساني ما زال حياً.
معركة الدفاع عن الحقوق:
ـ هل مستقبل العالم كقيادة سياسية واقتصادية للولايات المتحدة الأميركية، أو أنه لاتحاد القوى الإقليميَّة، مثل رابطة دول أمريكا اللاتينية أو دول جنوب شرق آسيا أو غيرها؟
ـ هناك اليوم نزاع وصراع بيننا وبينهم، نتائجه ستحدد فيما بعد من دون أدنى شك.. ولكن المستقبل للشعوب، فنحن نعيش حالة هزيمة ناتجة من الخلل الحاصل في العالم، والذي أدى إلى تراجع القوى التقدمية والقوى الحرة، وعلينا أن نصنع حالةً من النهضة لخلق ميزان قوى جديد، وهذا يتطلب وعياً ورأياً عاماً واعياً لقضايا الشعوب ومستقبلها.
وبالنّسبة إلى الشَّعب الأميركي، من قال إنَّه يقبل بأن تقتل قيادته أحداً أو تقوم بعمليات اغتيال، كعملية التفجير التي حصلت في بئر العبد ؟