نهج الانفتاح والحوار
س: لقد ذكّرتني مولانا بالعلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله في هذا السّياق، فقد كان يتحدَّث كثيراً في كتبه وفي حواراته عن مسألة الرَّحابة الفقهيَّة. في هذا السّياق، كيف تقرأؤن مشروع سماحة المرجع السيّد فضل الله في ضمن هذه النّقطة؟
ج: من أهمّ الميزات الّتي تجلّت فيما طرحه العلامة المرجع السيّد فضل الله(رض)، كان هذا نهج الانفتاح والحوار. حينما نقرأ عن النّدوات ونسمع الحوارات الّتي كان يجريها، وحتّى في البحوث الفقهيّة الّتي أصدرها، نراهاً أفقاً واسعاً للحوار، يتحدّث عن الرأي الآخر ويناقشه بموضوعيّة، ويطرح رأيه في مقابل هذا الرّأي، ويتحدّث عن أدلّته عن الرّأي الّذي ذهب إليه.
السيّد فضل الله مدرسة متميّزة في الانفتاح وفي الحوار، وأمثالي من أبناء هذا الجيل، ندين لمدرسته ولمنهجه الّذي سار عليه. فقد فتح أمامنا وأمام هذا الجيل أفقا واسعاً؛ وكتاباته الّتي كتبها، ككتابه حول (خطوات على طريق الإسلام)، أو كتابه المهمّ (الإسلام منطق القوّة)، وكذلك سائر الكتب (أسلوب الدّعوة في القرآن الكريم)... هذه الكتب تعتبر من الكتب التأصيليّة والتأسيسيّة في فكرنا الإسلاميّ المعاصر.
وقد تناول سماحته هذه الأمور بكلّ عمق، وأصّل لها من القرآن، ومن السنّة، ومن سيرة أهل البيت(ع)، وعانى من حالات الإرهاب الفكريّ معاناةً شديدةً، فاستقبل ذلك برحابة صدر. ولعلّ هذه المعاناة كانت مفيدةً، لأنّها دفعت بالسيّد ليتأمّل أكثر في أرجاء هذه القضيّة وهذه المعاناة، فأنتج لنا تراثاً مهمّاً ستستضيء به أجيال الأمّة، وسيكون مناراً يستضيء به السّائرون في طريق العمل للدّين والذين يعملون من أجل تبليغ رسالات الله سبحانه وتعالى.
مصداقيّة المرجع فضل الله
س: مدرسة المرجع السيّد فضل الله(رض) هي مدرسة متكاملة، لها أبعاد كثيرة، ولعلّ البعد الأبرز في هذه المدرسة، هو طبيعة الحوار الإسلامي ـ الإسلامي، فتنظير سماحته لمبدأ الوحدة الإسلاميّة، كانت له نتائج في هذا المستوى انعكس على واقع الأمّة الإسلاميّة، ولا سيّما في المملكة العربيّة السّعوديّة وفي العراق والبحرين وما شابه ذلك. كيف تقرأؤن فكر سماحة السيّد فيما يتعلّق بمسألة الوحدة الإسلاميّة؟
ج: العلامة المرجع السيّد يعتبر متميّزاً في مصداقيّته في طرحه للوحدة الإسلاميّة، هناك كثيرون تحدّثوا عن موضوع الوحدة الإسلاميّة، ولكن السيّد فضل الله امتاز بأنّ حديثه الفكريّ والنظريّ عن الوحدة الإسلاميّة جسّده في سلوكه وحياته ومواقفه، وفي ممارساته العلميّة والفكريّة والاجتماعيّة، ولذلك اكتسب احترام الجميع من السنّة والشّيعة، ومن المسلمين والمسيحيّين واللّيبراليّين والعلمانيّين، وأصبحت له مصداقيّة في النّفوس، لأنّه تحدّث عن الوحدة، ومارس أخلاقيّات الوحدة، ولم يسئ إلى أيّ طرف من الأطراف.
حينما يتحدّث عن الحوار الإسلامي المسيحي، نراه يتحدّث عنه في المجال الفكريّ، وفي المجال التنظيريّ، ثم يمارسه في علاقاته وسلوكه ومواقفه.
لذلك رأينا كثيراً من الشخصيّات المسيحيّة تشيد به وتثني عليه، وليس لديهم أيّ مؤاخذة على مواقفه أو آرائه، لم يصدر عنه أيّ كلام يعتبره المسيحيّون تعبويّاً ضدّهم أو مسيئاً إليهم، وكذلك في إطار الحوار الإسلامي ـ الإسلامي، فقد تحدّث عن الوحدة الإسلاميّة وعن الحوار الإسلاميّ، وكان صريحاً وواضحاً، لم يكن يتحدّث عن الوحدة كمسألة مجاملة أو مراعاة لطرف آخر.
تشعر من حديثه ومن سيرته أنّه مؤمن في أعماقه بالوحدة الإسلاميّة، ولذلك، فإنَّه يعتبر في كتبه الكثيرة وفي خطاباته، من أكثر العلماء كتابةً وخطابةً وحديثاً، مع ذلك، ففي كلّ خطاباته وكلّ كتاباته، لم يجد أحد عليه ثغرةً فيما يرتبط بالوحدة الإسلاميّة يسيء فيه إلى أهل هذا المذهب، أو ينال فيه من هذه الطّائفة، أو يعزّز فيه توجّهاً تعبويّاً تحريضيّاً على جهة أو أخرى، لذلك اكتسب مصداقيّة، لأنَّ أفكاره الّتي تحدَّث عنها، مارسها في حياته وفي سلوكه.
ولذلك، ينطلق السيّد فضل الله والمصلحون الّذين تحدّثوا عن الوحدة، من مبدأ دينيّ وليس من مبدأ تكتيكيّ أو مصلحيّ أو سياسيّ.
لذا من أجل مصلحة الأمّة، ومن أجل مجتمعات هذه الأمّة، لا بدّ من أن يكون هناك تأكيد لوحدة هذه الأمّة ووحدة مجتمعاتنا الإسلاميّة.
نجاحات السيّد: درس للمصلحين
س: ترك سماحة السيّد تركةً هائلة على المستوى الفكريّ والعقائديّ والاجتماعيّ، وحتّى على المستوى المؤسّساتيّ. هل من كلمة لديكم بمناسبة الذّكرى السنويّة الثّانية لرحيله، وبما يتّصل بمسيرة سماحته؟
ج: أعتقد أنّ الإرث الّذي تركه سماحة السيّد، يمكنه أن يكون دافعاً كبيراً لكلّ المنفتحين على أصالة الإسلام وعلى أهدافه وقيمه.
ترك لنا السيّد تراثاً عظيماً زاخراً، من خلال تفسير القرآن الكريم الّذي قدّمه، ومن خلال عطائه الفكريّ، ومن خلال الكتابات الفكريّة المتعدّدة الأبعاد والجوانب، هذه مدرسة ينبغي أن نستفيد منها ونراكمها بالمزيد من النّشاط والفاعليّة.
النّاحية الثّانية هي التّجربة الّتي قدّمها سماحته، فكلّ من يتحرّك في طريق الإصلاح، يواجه عقبات ومشاكل وتحدّيات. ولعلَّ البعض ممن يتراجع عن السَّير في طريق الإصلاح، إنّما يكون بسبب ضخامة ما يواجهه من تحدّيات ومن مشاكل. السيّد فضل الله قدّم لنا تجربة رائعة في الثّبات والاستقامة والصّمود أمام مختلف التحدّيات، وأكّد لنا إمكانيّة النّجاح.
لقد نجح واستطاع أن يحقّق الأشياء الكثيرة، وهناك من يحاول أن يوحي إلى البعض من النّاس أن لا يسيروا في طريق الإصلاح، أنّكم إذا سرتم في هذا الطريق، ستواجهون مشاكل كالمشاكل الّتي واجهها السيّد فضل الله في حياته. وفي الواقع، فإنّ حياة السيّد فضل الله وسيرة حياته، يجب أن تكون المثال لكلّ المصلحين والواعين، أنّكم إذا سرتم في هذا الطّريق فستحقّقون نجاحات.
السيّد حقّق نجاحات كبيرة، وهنا أطلب من كلّ أتباع مدرسة هذا الرّجل وتلاميذه، أن يركّزوا على النّجاحات وعلى المكاسب الّتي صنعها؛ لقد استطاع أن يشقّ تيّاراً كبيراً في وسط الأمّة، استطاع أن يقدِّم أنموذجاً للمرجعيّة المؤسّسة والأنشطة المختلفة، وقد حقَّق نجاحات كبيرة، وعلينا أن نبرز هذه النَّجاحات وهذه المكاسب، حتَّى تكون دافعاً وتشجيعاً لمن يسير في طريق الإصلاح، ولمن يسير في طريق التّجديد.