كتابات
05/07/2013

نحرّم سبّ أمّهات المؤمنين والإساءة إليهنّ

نحرّم سبّ أمّهات المؤمنين والإساءة إليهنّ
شكّلت آراء وفتاوى سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) منهجاً إسلامياً وحدويّاً، أكّد ضرورة وعي المسلمين لخطورة إثارة وتأجيج الفتن والحساسيات المذهبية التي تمزّق واقعهم، وتخدم مخططات أعداء الأمة ومشاريعهم، ومن هذا المنطلق، حرّم سماحته سبّ أمّهات المؤمنين والصّحابة، معتبراً أنّ أسلوب السبّ يخالف منهج أمير المؤمنين(ع)، والّذي يتمثّل في تقديم المصلحة الإسلاميّة العليا على أيّ مصالح شخصيّة أو ثانويّة.

وفي ما يلي، نقدّم إجابة سماحته(رض) عن أسئلة صحافيّة طرحت عليه:

 س: ما هو موقفكم من سبّ الصحابة، بمن فيهم أبو بكر وعمر وعائشة؟
ج: أنا شخصيّاً أحرِّم سبّ أيّ صحابي، لأنّ الله سبحانه وتعالى تحدّث عن الصّحابة بقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً}[الفتح:29]، وإن كان لنا رأي في مسألة الإمامة والخلافة، أمّا في مسألة السبّ، فقد قلت إنّ هذا يحرم على أيّ مسلم، وأنا أسجّل هذا في كلّ استفتاء يأتيني، بأنّه يحرم سبّ أيّ صحابي بمن فيهم الخلفاء. وأنا أنقل كلمة عن الإمام عليّ(ع) عندما كان في طريقه إلى صفّين، وسمع قوماً من أهل العراق يسبّون أهل الشّام، فقال لهم: "إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبِّكم إيّاهم: اللّهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحقّ من جهله، ويرعوي عن الغيِّ والعدوان من لهج به". وهذا النّصّ موجود في نهج البلاغة.


وفي هذا المجال، أحبّ أن أتحدّث عن أسلوب الإمام عليّ(ع) في تعامله مع الخلفاء، الّذين يعتقد الشّيعة أنّهم هم الّذين نازعوه حقّه، ففي كتابه لأهل مصر قال: "فما راعني إلا انثيال النّاس على أبي بكر يبايعونه، فأمسكت يدي، حتّى رأيت راجعة النّاس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد(ص)، فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم الّتي إنما هي متاع أيّام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السّراب، أو كما يتقشّع السّحاب، فنهضت في تلك الأحداث، حتّى زاح الباطل وزهق، واطمأنّ الدّين وتنهنه".


لذلك، نحن نتعاطى مع الخلفاء في مسألة الخلافة كما تعاطى الإمام عليّ بن أبي طالب(ع)، الّذي كان منفتحاً عليهم، وكان يعاونهم ويشير عليهم بكلّ ما فيه مصلحة لهم. وهناك حديث عن الإمام جعفر الصّادق(ع) يخاطب فيه بعض المسلمين من الشّيعة: "ما أيسر ما رضي النّاس منكم، كفّوا ألسنتكم عنهم". أمّا أمّهات المؤمنين، فنحن نحرّم سبّهنّ، ونقول إنّه لا بدّ من إكرامهنّ إكراماً لرسول الله(ص)، وأنا أنقل بيتاً من قصيدة لأحد علمائنا المتوفّى قبل مئة سنة، واسمه السيّد محمد باقر حجّة الإسلام. يقول:

فيا حميـرا سبّك محرّمُ             لأجل عينٍ ألف عين تكرمُ

لذلك، نحن نحرِّم سبّ أمّهات المؤمنين والإساءة إليهن، كما نحرِّم سبّ الصّحابة، وقد أصدرنا فتوى في ذلك انتشرت في العالم.

س: هل هذا الموقف نابع من معارضتك لمبدأ السبّ، أم أنّه مراعاة لمشاعر أهل السنّة، أم أنّه نابع من إيمانك وقناعتك بعلوّ مكانة هؤلاء الصّحابة؟

ج: هذا ينبع من الخطّ الإسلاميّ الأصيل الّذي نؤمن به، وهو أنّه لا يجوز سبّ أيّ مسلم، ولا سيّما إذا كان صحابيّاً، لأنّ السبّ يمثّل انحرافاً عن الخطّ الإسلاميّ الأصيل. الحوار بشكل مباشر يؤدّي إلى جوٍّ حميم بين المتحاورين، ويقرِّب المسألة بينهم من النّاحية النفسيّة والعقليّة والفكريّة.

س: ولكنّنا حين نتحدّث مع عقلاء الشّيعة عن مسألة سبّ الصّحابة، يقولون: هذا موقف للغلاة من أهل مذهبنا، وليس موقفاً للمذهب نفسه، لكنّ الإشكال هو أنّنا نجد الازدراء بالصّحابة في مصنّفات أركان المذهب الكبار؟

 

ج: من الطّبيعي أنّ التّراكمات التاريخيّة والتّفاعلات النفسيّة الشخصيّة قد تركت تأثيراً سلبيّاً في مسألة النّظرة إلى الخلفاء، انطلاقاً مما يعتبره الشّيعة مسألة ظلامة أهل البيت(ع). فنحن نتصوّر أنّ المسألة تتحرّك من خلال هذه التّراكمات التاريخيّة والتّفاعلات الشخصيّة، وكما نجد أنّ هناك بعض الشّيعة يبررون السبّ واللّعن، نجد أيضاً أنّ هناك بعض إخواننا من أهل السنّة يكفِّرون الشّيعة، حتى إنّني سمعت من بعضهم أنّ اليهود والنّصارى أفضل من الشّيعة، لأنّ اليهود والنّصارى أهل كتاب والشّيعة من المشركين. هناك تراكمات لا بدّ لنا من معالجتها.

ولذلك أنا كنت أقول إنّ دعوتي إلى الحوار الإسلامي ـ الإسلامي، تنطلق من أنّنا نستطيع أن نصحِّح الأخطاء، وأن نزيل التّعقيدات الموجودة لدى هذا المذهب أو ذاك من خلال الحوار، لأنّ الحوار بشكل مباشر يؤدِّي إلى جوٍّ حميم بين المتحاورين، ويقرّب المسألة بينهم من النّاحية النفسيّة والعقليّة والفكريّة.

[المصدر: جريدة "عكاظ" السعوديّة، بتاريخ 28 صفر 1429 هـ/  الموافق06-03-2008 م]

شكّلت آراء وفتاوى سماحة العلامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله(رض) منهجاً إسلامياً وحدويّاً، أكّد ضرورة وعي المسلمين لخطورة إثارة وتأجيج الفتن والحساسيات المذهبية التي تمزّق واقعهم، وتخدم مخططات أعداء الأمة ومشاريعهم، ومن هذا المنطلق، حرّم سماحته سبّ أمّهات المؤمنين والصّحابة، معتبراً أنّ أسلوب السبّ يخالف منهج أمير المؤمنين(ع)، والّذي يتمثّل في تقديم المصلحة الإسلاميّة العليا على أيّ مصالح شخصيّة أو ثانويّة.

وفي ما يلي، نقدّم إجابة سماحته(رض) عن أسئلة صحافيّة طرحت عليه:

 س: ما هو موقفكم من سبّ الصحابة، بمن فيهم أبو بكر وعمر وعائشة؟
ج: أنا شخصيّاً أحرِّم سبّ أيّ صحابي، لأنّ الله سبحانه وتعالى تحدّث عن الصّحابة بقوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً}[الفتح:29]، وإن كان لنا رأي في مسألة الإمامة والخلافة، أمّا في مسألة السبّ، فقد قلت إنّ هذا يحرم على أيّ مسلم، وأنا أسجّل هذا في كلّ استفتاء يأتيني، بأنّه يحرم سبّ أيّ صحابي بمن فيهم الخلفاء. وأنا أنقل كلمة عن الإمام عليّ(ع) عندما كان في طريقه إلى صفّين، وسمع قوماً من أهل العراق يسبّون أهل الشّام، فقال لهم: "إنّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنّكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبِّكم إيّاهم: اللّهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحقّ من جهله، ويرعوي عن الغيِّ والعدوان من لهج به". وهذا النّصّ موجود في نهج البلاغة.


وفي هذا المجال، أحبّ أن أتحدّث عن أسلوب الإمام عليّ(ع) في تعامله مع الخلفاء، الّذين يعتقد الشّيعة أنّهم هم الّذين نازعوه حقّه، ففي كتابه لأهل مصر قال: "فما راعني إلا انثيال النّاس على أبي بكر يبايعونه، فأمسكت يدي، حتّى رأيت راجعة النّاس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد(ص)، فخشيت إن أنا لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المصيبة به عليّ أعظم من فوت ولايتكم الّتي إنما هي متاع أيّام قلائل، يزول منها ما كان، كما يزول السّراب، أو كما يتقشّع السّحاب، فنهضت في تلك الأحداث، حتّى زاح الباطل وزهق، واطمأنّ الدّين وتنهنه".


لذلك، نحن نتعاطى مع الخلفاء في مسألة الخلافة كما تعاطى الإمام عليّ بن أبي طالب(ع)، الّذي كان منفتحاً عليهم، وكان يعاونهم ويشير عليهم بكلّ ما فيه مصلحة لهم. وهناك حديث عن الإمام جعفر الصّادق(ع) يخاطب فيه بعض المسلمين من الشّيعة: "ما أيسر ما رضي النّاس منكم، كفّوا ألسنتكم عنهم". أمّا أمّهات المؤمنين، فنحن نحرّم سبّهنّ، ونقول إنّه لا بدّ من إكرامهنّ إكراماً لرسول الله(ص)، وأنا أنقل بيتاً من قصيدة لأحد علمائنا المتوفّى قبل مئة سنة، واسمه السيّد محمد باقر حجّة الإسلام. يقول:

فيا حميـرا سبّك محرّمُ             لأجل عينٍ ألف عين تكرمُ

لذلك، نحن نحرِّم سبّ أمّهات المؤمنين والإساءة إليهن، كما نحرِّم سبّ الصّحابة، وقد أصدرنا فتوى في ذلك انتشرت في العالم.

س: هل هذا الموقف نابع من معارضتك لمبدأ السبّ، أم أنّه مراعاة لمشاعر أهل السنّة، أم أنّه نابع من إيمانك وقناعتك بعلوّ مكانة هؤلاء الصّحابة؟

ج: هذا ينبع من الخطّ الإسلاميّ الأصيل الّذي نؤمن به، وهو أنّه لا يجوز سبّ أيّ مسلم، ولا سيّما إذا كان صحابيّاً، لأنّ السبّ يمثّل انحرافاً عن الخطّ الإسلاميّ الأصيل. الحوار بشكل مباشر يؤدّي إلى جوٍّ حميم بين المتحاورين، ويقرِّب المسألة بينهم من النّاحية النفسيّة والعقليّة والفكريّة.

س: ولكنّنا حين نتحدّث مع عقلاء الشّيعة عن مسألة سبّ الصّحابة، يقولون: هذا موقف للغلاة من أهل مذهبنا، وليس موقفاً للمذهب نفسه، لكنّ الإشكال هو أنّنا نجد الازدراء بالصّحابة في مصنّفات أركان المذهب الكبار؟

 

ج: من الطّبيعي أنّ التّراكمات التاريخيّة والتّفاعلات النفسيّة الشخصيّة قد تركت تأثيراً سلبيّاً في مسألة النّظرة إلى الخلفاء، انطلاقاً مما يعتبره الشّيعة مسألة ظلامة أهل البيت(ع). فنحن نتصوّر أنّ المسألة تتحرّك من خلال هذه التّراكمات التاريخيّة والتّفاعلات الشخصيّة، وكما نجد أنّ هناك بعض الشّيعة يبررون السبّ واللّعن، نجد أيضاً أنّ هناك بعض إخواننا من أهل السنّة يكفِّرون الشّيعة، حتى إنّني سمعت من بعضهم أنّ اليهود والنّصارى أفضل من الشّيعة، لأنّ اليهود والنّصارى أهل كتاب والشّيعة من المشركين. هناك تراكمات لا بدّ لنا من معالجتها.

ولذلك أنا كنت أقول إنّ دعوتي إلى الحوار الإسلامي ـ الإسلامي، تنطلق من أنّنا نستطيع أن نصحِّح الأخطاء، وأن نزيل التّعقيدات الموجودة لدى هذا المذهب أو ذاك من خلال الحوار، لأنّ الحوار بشكل مباشر يؤدِّي إلى جوٍّ حميم بين المتحاورين، ويقرّب المسألة بينهم من النّاحية النفسيّة والعقليّة والفكريّة.

[المصدر: جريدة "عكاظ" السعوديّة، بتاريخ 28 صفر 1429 هـ/  الموافق06-03-2008 م]

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير