كتابات
31/07/2013

مواطن القوّة والضّعف في الحركات الإسلاميّة

مواطن القوّة والضّعف في الحركات الإسلاميّة
إنّ الحركات الإسلاميّة، كغيرها من الحركات، تخضع في مسألة بقائها وزوالها، أو قوّتها وضعفها، لظروفٍ داخليّةٍ وخارجيّة، وخصوصاً في مسألة أدائها، وأسلوب معالجتها للمشاكل الّتي تعانيها، فمن الممكن جداً أن ينشأ في الوسط الإسلاميّ، كما في الأوساط الأخرى، بعض الفئات الطّليعيّة الّتي تستطيع أن تدرس الأخطاء المميتة أو التمزّقات الدّاخليّة، لتتجاوزها إلى محطّةٍ وحدويّةٍ أرقى. وفي هذا المجال، فإنّنا عندما ندرس الحركات الإسلاميّة في كلّ تمزّقاتها وتنوّعاتها في العالم، نجد أنَّ هناك أكثر من حركةٍ تملك وضوح الرّؤية وحسّ المعاصرة، والقدرة على مواجهة التّحدّيات بطريقةٍ مدروسة، ما يبشّر بمستقبلٍ مشرق.

إلا أنّ ثمة نقطةً تتميّز بها الحركة الإسلاميَّة عن الحركات السّياسيّة الأخرى، وهي أنّها حتّى لو ضعفت أو انكفأت، فإنّ الرّوح الدّينيّ الّذي يعيش في السّاحة وفي المسجد وفي التّقاليد والعادات وما إلى ذلك، يبقى القاعدة الّتي يمكن للإسلام السياسيّ أن يستفيد منها للنّهوض من جديد عندما تتهيّأ الظّروف الملائمة. أمّا بالنّسبة إلى الحركات الأخرى، فإنّها لا تملك الجذور الشّعبيّة التّاريخيّة الّتي يمكن أن تمدّها في كلّ مرحلةٍ بروح النّهوض السياسيّ أو القاعدة الشّعبيّة، وخصوصاً عند التحدّيات.

قوى الخرافة                                                                            
وهناك مشكلةٌ موجودة، وهي أنَّ غالبيَّة الحركات الإسلاميَّة والقوميَّة وغيرها، قد استغرقت في عمليّة الاستهلاك السياسيّ للمفردات السياسيّة الّتي تتّصل بعالم التحرّر من الاحتلال ومن النّظام الطّاغي في الدّاخل، أو عالم المواجهة للقوى الّتي تريد مصادرة المنطقة من خلال الضَّغط الاقتصاديّ والسّياسيّ والأمنيّ، بحيث إنَّ هذه الحركات استغرقت في المفردات السّياسيّة، وذابت في هذا المناخ السّياسيّ، ما جعلها في عزلةٍ عن المناخات الثّقافيّة الّتي تمثّل خطراً أعظم من السّيطرة السياسيّة. وفي هذا الإطار، نلاحظ أنَّ هناك نوعاً من أنواع الرّفض للانخراط في الموضوع الثّقافيّ والانكفاء عنه، الأمر الّذي أدّى إلى اختراق بعض الحركات الإسلاميّة المستغرقة في الشّأن السياسيّ، من القوى المتخلّفة التي تنتج الخرافة، ما أوقعها في الكثير من الوحول الثقافيَّة والفكريَّة.

صناعة الطّغاة
أمّا بالنّسبة إلى الاتجاهات الأخرى، كالقوميّة والماركسيّة، فقد تحوّلت إلى أن تكون مجرّد تجميعٍ للنّخب، على طريقة ضبّاط بلا جنود. ولهذا، فإنّنا عندما ننفذ إلى القاعدة الشعبيّة هنا وهناك، لا نرى التزاماً سياسيّاً ثقافيّاً في ساحة الوعي لدى القاعدة الشّعبيّة، إذ إنّ الجميع قد يطرحون المسألة الفلسطينيّة، ولكن هل هناك من يمتلك ثقافةً في المسألة الفلسطينيّة؟ هناك شعارات! هذا الواقع جعل الإنسان المنتمي إلى هذا التيّار أو ذاك، يشعر بالعجز أمام التحدّي الثّقافيّ، فيتعثّر في المواجهة في المدرسة والجامعة وأمام التّلفزيون وغير ذلك.

على أنّ النّقطة الأخطر من كلّ ما عداها، تكمن في طبيعة الصّيغة الحزبيّة الّتي استهلكها الإسلاميّون والقوميّون، ممثّلةً بالصّيغة الّتي أنتجتها التّجربة الماركسيّة، وهي العصبيّة للفكر، فالتّنظيمات الحزبيّة الّتي تجعل الإنسان يعيش في طوقٍ حديديّ، تمنع الإنسان من أن يفكّر، وتفرض عليه أن يتقيَّد بالفكر الحزبيّ وبالتّعليمات الحزبيّة، وتحظر عليه التصرّف حتّى في بعض المفردات أو الأساليب، وإلا اتُّهم بالانحراف، كما حصل مع الماريشال تيتّو حين "اجتهد في الماركسيّة"، انطلاقاً من استيعابه لظروف منطقته اليوغوسلافيّة، أو كما حصل مع الصّين، عندما طرح ماوتسي تونغ أفكاراً معيّنةً، فقد تمّ رجمهما بالتحريفيّة وغيرها.

وهكذا نجد الأمر نفسه في الحركات الإسلاميّة عموماً، فإذا قدّم أيّ شخص فكراً جديداً أو نقداً جديداً، فإنّه يُطرد أو يُرجم أو يُكفَّر، حتّى إنَّ الأحزاب أو النظام الحزبيّ في العالم العربيّ أو الإسلاميّ أو الشّرقيّ عموماً، أصبح يصنع الطّغاة وذهنيّة الخضوع للطّاغية، لأنّ توجيه القاعدة إلى أن تستغرق في القيادة أو في الشَّخص، يبلغ حدّاً بحيث لا يملك أحد معه أن يعترض أو يناقش أو يرفض، وإلا طُرد من ساحة الهيكل العلمانيّ أو الإسلاميّ، وهذا ما جعل النّخب السياسيّة في التّنظيمات الحزبيّة عموماً، تتربَّى داخل الحزب الرّافض للطّغيان السياسيّ، على أن تستبدل طاغيةً بطاغية، لأنّها تعوّدت ألا تفكّر وألا تعيش حرّيّتها، وهذا كلّه ساهم في صنع ذهنيّة الخضوع للطّاغية. من هنا، رأينا أنّ كثيرين ممن كانوا يرجمون الطّغاة، حين وصلوا إلى الحكم، أخذوا يعيشون الطّغيان كأبشع ما يكون.

أمّة البطل!
وأتصوّر أنّ السّبب هو في أنّ القوم لم يهتدوا إلى رشدهم بعد، إذ لا تزال تعشّش فينا شخصيّة البدويّ وقيم البداوة. في كلّ واحدٍ منّا طاغية؛ في البيت، وفي المدرسة، وفي المجتمع. لذلك قد تحتاج المسألة إلى النّفاذ إلى جذور القاعدة النفسيّة والفكريّة، ولهذا لم نستطع أن نكون أمّة المؤسّسات، إنما استطعنا أن نكون أمّة الأشخاص.

إنّ شخصيّة البطل هي الشّخصيّة الّتي تركض الأمّة وراءها، وتمنحه العصمة الّتي لا يمنحها النّاس حتّى للأنبياء، وتهرول خلفه، في وقتٍ نعرف أنّ الشّخص مهما كان كبيراً، فإنّه يخطئ، إلا أنّ الأمّة تعطيه دوراً يشبه دور الآلهة، من حيث عدم السّماح بالاعتراض عليه. وهنا نلاحظ أنَّ الغرب دخل عصر المؤسَّسات، بعدما عاش مئات السّنين في عصور الأشخاص.

ولذا نرى أنَّ النظام الحزبيّ في الغرب، يمثِّل نظاماً فيه الكثير من عناصر احترام الإنسان، فنحن نجد مثلاً، أو نقرأ، أنَّ الكثيرين من حزب العمَّال في بريطانيا، يعارضون رئيس الحزب في سياسته في ما يتعلّق بالحرب على العراق، من دون أن يدعو أحد إلى طردهم من الحزب، أو اتّهامهم بالانحراف عن سياسة الحزب، كما نلاحظ أنّ نائباً من حزب المحافظين المعارضين، قد يقترع لمصلحة مشروعٍ قدَّمه حزب العمّال، أو العكس، وهذا أيضاً ما يجري في أمريكا بين الحزبين الجمهوريّ والدّيمقراطيّ. ومع الأسف، فإنّ أعداءنا في إسرائيل يمثّلون أو يسيرون في مجتمعهم إلى حدٍّ ما في هذا المنحى.

 

*المصدر: من كتاب" إضاءات إسلاميّة"، ص 19- 25.

إنّ الحركات الإسلاميّة، كغيرها من الحركات، تخضع في مسألة بقائها وزوالها، أو قوّتها وضعفها، لظروفٍ داخليّةٍ وخارجيّة، وخصوصاً في مسألة أدائها، وأسلوب معالجتها للمشاكل الّتي تعانيها، فمن الممكن جداً أن ينشأ في الوسط الإسلاميّ، كما في الأوساط الأخرى، بعض الفئات الطّليعيّة الّتي تستطيع أن تدرس الأخطاء المميتة أو التمزّقات الدّاخليّة، لتتجاوزها إلى محطّةٍ وحدويّةٍ أرقى. وفي هذا المجال، فإنّنا عندما ندرس الحركات الإسلاميّة في كلّ تمزّقاتها وتنوّعاتها في العالم، نجد أنَّ هناك أكثر من حركةٍ تملك وضوح الرّؤية وحسّ المعاصرة، والقدرة على مواجهة التّحدّيات بطريقةٍ مدروسة، ما يبشّر بمستقبلٍ مشرق.

إلا أنّ ثمة نقطةً تتميّز بها الحركة الإسلاميَّة عن الحركات السّياسيّة الأخرى، وهي أنّها حتّى لو ضعفت أو انكفأت، فإنّ الرّوح الدّينيّ الّذي يعيش في السّاحة وفي المسجد وفي التّقاليد والعادات وما إلى ذلك، يبقى القاعدة الّتي يمكن للإسلام السياسيّ أن يستفيد منها للنّهوض من جديد عندما تتهيّأ الظّروف الملائمة. أمّا بالنّسبة إلى الحركات الأخرى، فإنّها لا تملك الجذور الشّعبيّة التّاريخيّة الّتي يمكن أن تمدّها في كلّ مرحلةٍ بروح النّهوض السياسيّ أو القاعدة الشّعبيّة، وخصوصاً عند التحدّيات.

قوى الخرافة                                                                            
وهناك مشكلةٌ موجودة، وهي أنَّ غالبيَّة الحركات الإسلاميَّة والقوميَّة وغيرها، قد استغرقت في عمليّة الاستهلاك السياسيّ للمفردات السياسيّة الّتي تتّصل بعالم التحرّر من الاحتلال ومن النّظام الطّاغي في الدّاخل، أو عالم المواجهة للقوى الّتي تريد مصادرة المنطقة من خلال الضَّغط الاقتصاديّ والسّياسيّ والأمنيّ، بحيث إنَّ هذه الحركات استغرقت في المفردات السّياسيّة، وذابت في هذا المناخ السّياسيّ، ما جعلها في عزلةٍ عن المناخات الثّقافيّة الّتي تمثّل خطراً أعظم من السّيطرة السياسيّة. وفي هذا الإطار، نلاحظ أنَّ هناك نوعاً من أنواع الرّفض للانخراط في الموضوع الثّقافيّ والانكفاء عنه، الأمر الّذي أدّى إلى اختراق بعض الحركات الإسلاميّة المستغرقة في الشّأن السياسيّ، من القوى المتخلّفة التي تنتج الخرافة، ما أوقعها في الكثير من الوحول الثقافيَّة والفكريَّة.

صناعة الطّغاة
أمّا بالنّسبة إلى الاتجاهات الأخرى، كالقوميّة والماركسيّة، فقد تحوّلت إلى أن تكون مجرّد تجميعٍ للنّخب، على طريقة ضبّاط بلا جنود. ولهذا، فإنّنا عندما ننفذ إلى القاعدة الشعبيّة هنا وهناك، لا نرى التزاماً سياسيّاً ثقافيّاً في ساحة الوعي لدى القاعدة الشّعبيّة، إذ إنّ الجميع قد يطرحون المسألة الفلسطينيّة، ولكن هل هناك من يمتلك ثقافةً في المسألة الفلسطينيّة؟ هناك شعارات! هذا الواقع جعل الإنسان المنتمي إلى هذا التيّار أو ذاك، يشعر بالعجز أمام التحدّي الثّقافيّ، فيتعثّر في المواجهة في المدرسة والجامعة وأمام التّلفزيون وغير ذلك.

على أنّ النّقطة الأخطر من كلّ ما عداها، تكمن في طبيعة الصّيغة الحزبيّة الّتي استهلكها الإسلاميّون والقوميّون، ممثّلةً بالصّيغة الّتي أنتجتها التّجربة الماركسيّة، وهي العصبيّة للفكر، فالتّنظيمات الحزبيّة الّتي تجعل الإنسان يعيش في طوقٍ حديديّ، تمنع الإنسان من أن يفكّر، وتفرض عليه أن يتقيَّد بالفكر الحزبيّ وبالتّعليمات الحزبيّة، وتحظر عليه التصرّف حتّى في بعض المفردات أو الأساليب، وإلا اتُّهم بالانحراف، كما حصل مع الماريشال تيتّو حين "اجتهد في الماركسيّة"، انطلاقاً من استيعابه لظروف منطقته اليوغوسلافيّة، أو كما حصل مع الصّين، عندما طرح ماوتسي تونغ أفكاراً معيّنةً، فقد تمّ رجمهما بالتحريفيّة وغيرها.

وهكذا نجد الأمر نفسه في الحركات الإسلاميّة عموماً، فإذا قدّم أيّ شخص فكراً جديداً أو نقداً جديداً، فإنّه يُطرد أو يُرجم أو يُكفَّر، حتّى إنَّ الأحزاب أو النظام الحزبيّ في العالم العربيّ أو الإسلاميّ أو الشّرقيّ عموماً، أصبح يصنع الطّغاة وذهنيّة الخضوع للطّاغية، لأنّ توجيه القاعدة إلى أن تستغرق في القيادة أو في الشَّخص، يبلغ حدّاً بحيث لا يملك أحد معه أن يعترض أو يناقش أو يرفض، وإلا طُرد من ساحة الهيكل العلمانيّ أو الإسلاميّ، وهذا ما جعل النّخب السياسيّة في التّنظيمات الحزبيّة عموماً، تتربَّى داخل الحزب الرّافض للطّغيان السياسيّ، على أن تستبدل طاغيةً بطاغية، لأنّها تعوّدت ألا تفكّر وألا تعيش حرّيّتها، وهذا كلّه ساهم في صنع ذهنيّة الخضوع للطّاغية. من هنا، رأينا أنّ كثيرين ممن كانوا يرجمون الطّغاة، حين وصلوا إلى الحكم، أخذوا يعيشون الطّغيان كأبشع ما يكون.

أمّة البطل!
وأتصوّر أنّ السّبب هو في أنّ القوم لم يهتدوا إلى رشدهم بعد، إذ لا تزال تعشّش فينا شخصيّة البدويّ وقيم البداوة. في كلّ واحدٍ منّا طاغية؛ في البيت، وفي المدرسة، وفي المجتمع. لذلك قد تحتاج المسألة إلى النّفاذ إلى جذور القاعدة النفسيّة والفكريّة، ولهذا لم نستطع أن نكون أمّة المؤسّسات، إنما استطعنا أن نكون أمّة الأشخاص.

إنّ شخصيّة البطل هي الشّخصيّة الّتي تركض الأمّة وراءها، وتمنحه العصمة الّتي لا يمنحها النّاس حتّى للأنبياء، وتهرول خلفه، في وقتٍ نعرف أنّ الشّخص مهما كان كبيراً، فإنّه يخطئ، إلا أنّ الأمّة تعطيه دوراً يشبه دور الآلهة، من حيث عدم السّماح بالاعتراض عليه. وهنا نلاحظ أنَّ الغرب دخل عصر المؤسَّسات، بعدما عاش مئات السّنين في عصور الأشخاص.

ولذا نرى أنَّ النظام الحزبيّ في الغرب، يمثِّل نظاماً فيه الكثير من عناصر احترام الإنسان، فنحن نجد مثلاً، أو نقرأ، أنَّ الكثيرين من حزب العمَّال في بريطانيا، يعارضون رئيس الحزب في سياسته في ما يتعلّق بالحرب على العراق، من دون أن يدعو أحد إلى طردهم من الحزب، أو اتّهامهم بالانحراف عن سياسة الحزب، كما نلاحظ أنّ نائباً من حزب المحافظين المعارضين، قد يقترع لمصلحة مشروعٍ قدَّمه حزب العمّال، أو العكس، وهذا أيضاً ما يجري في أمريكا بين الحزبين الجمهوريّ والدّيمقراطيّ. ومع الأسف، فإنّ أعداءنا في إسرائيل يمثّلون أو يسيرون في مجتمعهم إلى حدٍّ ما في هذا المنحى.

 

*المصدر: من كتاب" إضاءات إسلاميّة"، ص 19- 25.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير