المرجع فضل الله (رض) يتحدَّث عن الاجتهاد والمرأة وولاية الفقيه

المرجع فضل الله (رض) يتحدَّث عن الاجتهاد والمرأة وولاية الفقيه

في مقابلته مع "الراديو الوطنيّ الأمريكيّ"

المرجع فضل الله (رض) يتحدَّث عن الاجتهاد والمرأة وولاية الفقيه

أجرى "جوليان هوليك"، مراسل "الراديو الوطني الأمريكي"، مقابلة مع سماحة آية الله العظمى السيّد محمد حسين فضل الله، تناولت شؤون الاجتهاد في الإسلام ما بين السنّة والشّيعة، وحول اجتهاد المرأة وقدراتها العقليّة، وولاية الفقيه وارتباطها بالديمقراطيّة.

وفيما يلي، نصّ المقابلة التي أجريت في بيروت، في: 19 تشرين الأوّل 2000م:

اجتهاد السنّة؟!

س: من خلال مقابلاتي مع العديد من الأشخاص، أرى أنّ الشيعة لديهم السّعة والقدرة على ممارسة الاجتهاد في حياتهم الشخصيّة، وهم أكثر انفتاحاً في مقابل الآخرين، وهناك سؤال لم أجد له جواباً حتى الآن عند الآخرين، ما هو الفرق بين السنّة والشيعة على مستوى الاجتهاد؟ والثاني هو: لماذا أعطى الشيعة حريّة أكبر للمرأة؟

ج: بدايةً، إنّ السنّة أغلقوا باب الاجتهاد منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً، وعلى ضوء هذا، توقّف الفقه وعلم العقيدة الإسلاميّة عن النموّ وعن البحث بعمق عند تلك المرحلة، وأصبح علماء السنّة مقلّدين لأئمّة المذاهب، ومن هنا، توقّف الفكر الفقهي عن النموّ.

والاجتهاد ينطلق من قاعدة علميّة، بحيث يملك المجتهد الأدوات الفكريّة التي تقود عمليّة الاجتهاد، ولذلك من غير الطبيعيّ لأيّ إنسان أن يصدر فتوى في أيّ مسألة من المسائل، دون أن يكون له الخبرة الفقهيّة العلميّة، ودون أن يمتلك ثقافة الكتاب والسنّة التي تتيح له إصدار هذه الفتوى بشكل موضوعيّ وعلميّ.

ولكنّ ذلك لا يمنع الإنسان الذي يملك ثقافة عامّة أو ثقافة جزئيّة في الكتاب والسنّة من أن يفكّر، فيحاول أن يستوحي من هذه الآية معنىً، لأنّه يملك الأدوات التي تسهّل له فهم الآية أو فهم الحديث، أو أن يستوحي من الأحكام الشرعية التي تنفتح على فتاوى المجتهدين، فيحاول أن يفصلها ويحرّكها في الواقع، ويتفهّم علاقتها به أو مدى حلّها لمشاكله، كما أنّه عندما يبتعد عن الجانب الفقهيّ، يستطيع إذا كان يملك ثقافة اجتماعية أو سياسة أو اقتصادية، أن يعطي رأيه من خلال اجتهاده في هذه الميادين، لأنّ العقل لا ينحصر في المسألة الشرعيّة الفقهيّة، بل يتجاوزها إلى المسائل الفلسفيّة، وإلى المسائل الحياتيّة المتّصلة بالسياسة والاجتماع والاقتصاد. ولذلك نرى أنّ المجتمع الشيعي هو مجتمعٌ يملك الحركة الذهنيّة في المسألة السياسيّة أو في المسألة الاجتماعيّة.

المرأة المجتهدة

س: كيف يمكن للمرأة أن تكون مجتهدة؟

ج: الاجتهاد هو مسألة ثقافيّة تتّصل بالإمكانات العلميّة التي يملكها الإنسان، ولا فرق بين الرّجل والمرأة في هذا الموضوع، حتى إنّ كثيراً من الفقهاء يتحدّثون على مستوى النقاش العلميّ، أنه لا مانع أن تكون المرأة التي تحصل على الاجتهاد بمستوى جيّد، مرجعاً في الفتاوى، بحيث يرجع إليها الناس في أخذ الفتاوى، كما يرجعون إلى الرّجل عندما يملك هذا المستوى من الفقه.

وفي إيران، يشار إلى أكثر من امرأة بلغن رتبة الاجتهاد، ويشهد لهنَّ بذلك، كما أنّ الحوزات العلميّة أصبحت تتقبّل مسألة دراسة المرأة في الحوزة إلى أعلى مدى، كما للرّجل ذلك.

رفض المرأة في موقع الإفتاء!

س: شيخ الأزهر رفض وجود امرأة في موقع الإفتاء، عندما تقدّمت لهذا المنصب رئيسة القسم النّسائي في الأزهر. ما رأيكم في ذلك؟

ج: في النظريّة العلميّة لدى مجتهدي الشّيعة، ليس هناك مانع من الناحية العلميّة أن تتولى المرأة هذا المنصب، ولكن أن يتقبّل المجتمع أو لا يتقبّل، فهذه مسألة تدخل في التّقاليد، ولكن من الممكن جداً أن تتطوّر ذهنيّة المجتمع في المستقبل، فيتقبّل هذا الموضوع بعد أن كانت القواعد العلميّة تسمح بذلك.

التقاليد تقيّد المرأة!

س: ما رأيكم في التّقاليد التي تقيّد المرأة، والتي تحاول الإيحاء بأنَّ قدرات المرأة العقليّة لا توازي قدرات الرّجل، أو أنها محدودة؟

ج: من الطبيعيّ أنّ أيّ عنوان اجتماعي أو دينيّ، يتبع في عالم التصوّر ثقافة الشخص الذي يعالجه ويمارسه، ومن الطبيعيّ أنّ النصّ الأدبي عندما تقدّمه إلى طالب في الثّانوية، فإنّه يفهمه بطريقة تختلف عمّا يفهمه الجامعي أو النّاقد الأدبي. ولذلك، فإنّ مسألة التخلّف قد تفرض نفسها على النّصوص، فتفسّرها تفسيراً متخلّفاً، ولكنّ تطوّر حركة الوعي والتقدّم والموضوعيّة العلميّة، قد يغيّر الكثير من هذه المفاهيم، وخصوصاً بالنّسبة إلى المرأة، حيث بدأ الكثير من الباحثين الإسلاميّين المجتهدين يناقشون الأفكار السّائدة عن نقصان عقل المرأة، وتغلّب العاطفة على العقل عندها، وفكرة أنَّ المرأة ضعيفة ولا يمكنها أن تتحمّل المسؤوليّات الكبيرة، وهناك أبحاث جديدة في ذلك!

ونحن قد بحثنا ذلك في كتبنا، وأثبتنا أنّ عقل المرأة كعقل الرّجل، وأنّ الجانب العاطفيّ ربما يكون لدى بعض الرّجال أكثر مما لدى بعض النساء، والقرآن لم يتحدّث عن ضعف المرأة، ولكنّه تحدّث عن ضعف الإنسان في نقاط ضعفه، ولم يعتبر هذا الضّعف الإنسانيّ قضاءً وقدراً، بل اعتبره حالةً تتّصل بكيانه الجسديّ في حاجاته، وأراد له أن يعمل على مواجهة نقاط الضّعف بتنميتها لتتحوّل إلى نقاط قوّة.

إنّنا ننطلق من دراستنا الموضوعية التي لا تسقط أمام ضغط التّقاليد، ولذلك فإنّ كثيراً من الأفكار التي أطلقناها ونطلقها، ولا سيّما بالنّسبة إلى المرأة، قد كلّفتنا الكثير من ردود الفعل من قِبَل المتخلّفين، والذين يقدّسون التقاليد كما لو كانت نصوصاً مقدَّسة.

نرحِّب بك كمسلم!

س: بالرغم من أنّني لست بمسلم، ولكنّني أحس بوجود الله، وأشعر بأنّني مرتبط بمبادئ الإسلام؟

ج: أعتقد أنّك مسلم بفكرك وبفطرتك وبعفويّتك الإنسانيّة، وإن لم تكن مسلماً على مستوى التّقاليد. يوجد حديث يقول إنّ الإسلام دين الفطرة، بمعنى أنّ الإنسان بإنسانيّته الصافية الفطريّة يهتدي إلى مفاهيم الإسلام العامّة في توحيد الله، وفي فهم الكون والقيم الروحيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة، ونحن نرحّب بك كمسلم من دون أن تعلن إسلامك.

لماذا العمليّات الاستشهاديّة؟!

س: هل يوجد تفسير قرآني للشّهادة، وخصوصاً شهادة الشبّان اليافعين في حزب الله؟

ج: القرآن لديه عنوان الجهاد، وعنوان {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ}. والجهاد نضعه تحت عنوان الدّفاع عن الأرض وعن الإنسان وعن المستقبل، في مقابل الّذين يريدون أن يسقطوا الإنسان والمستقبل. ولهذا، هو ليس حركة عدوانيّة ضدّ الآخر، بل هو حركة دفاعيّة ضدّ الظالم، وحركة وقائيّة ضدّ الذين يريدون أن يظلموا. ولذلك، فإنّ للجهاد أساليبه، وقد يتجلّى في دفاع الإنسان عن أرضه وعن استقلاله وعن إنسانيّته وعن دينه بالبندقيّة، ومن المحتمل أن يُقتَل، أو أن يفجّر نفسه، حسبما تقتضيه خطّة الحرب.

وعلى هذا الأساس، لا نجد فرقاً في روحيّة الإنسان، عندما يتحرّك بإيمانه وبمسؤوليّته في الإمساك بالبندقيّة والقتال، أو في تفجير نفسه، ونحن لا نعتقد أنّ هذه العمليّات الاستشهادية يمكن أن يقوم بها الإنسان مزاجيّاً، بل لا بدّ أن تخضع لشروط دقيقة، بحيث تحقّق نتائج كبرى على مستوى القضيّة الجهاديّة، ومن الطبيعيّ أنها قد تفشل وقد تنجح، لكنّ الانطلاقة تتحرّك من خلال شروط شديدة قبل أن ينطلق المجاهد في العمليّة الاستشهاديّة.

ونحن نعتقد أنّ هذه الحالة ليست حالة جديدة في وضع الشّباب، بل ربما مارستها بعض الجيوش عندما كانت تتحرَّك في هذا الاتجاه. نحن نقرأ في التّاريخ الحديث، عندما كانت الحرب في قناة السويس، كيف أنّ طياراً مصرياً قام بعمليّة استشهاديّة بطائرته ضدّ بعض قطع البحرية الإنكليزية.

إنني لا أعتقد أنها مسألة خاصّة بالمجتمع المسلم المؤمن، بل هي مسألة تخضع لحاجات أيّ جيشٍ وأيّ مجاهدين، عندما تفرض النّتائج أن يقوموا بهكذا عمليّات استشهاديّة، تماماً كما يقومون بالعمليّات العسكريّة الأخرى التي يقدمون عليها وهم يعرفون أنهم سوف يموتون، ولعلّ اليابانيّين أيضاً قاموا في الحرب العالميّة الثانية بعمليات مماثلة.

ديمقراطيّة أم ديكتاتوريّة؟!

س: أين تقع ولاية الفقيه؛ هل هي ديمقراطيَّة، أم ديكتاتوريَّة؟

ج: ولاية الفقيه لا تمثّل نظريّة ديكتاتوريّة، فالفقيه أوّلاً يحكم بحسب القانون الشرعيّ، فهو ليس فوق القانون، بل هو تحت القانون، كما أنّ الفقيه الذي يتولى الولاية ينتخب من قِبَل مجلس الخبراء الذي ينتخبه الشّعب، ولذلك فإن الفقيه يتولى سلطاته الدستوريّة بحسب النظرية الفقهيّة من خلال الثقة الشعبيّة، أي من خلال الاستفتاء الشّعبي، ولكن على درجتين، كما أنّ الفقيه يمارس ولايته وسلطاته على أساس أسلوب الاستفتاء الشّعبي، سواء في انتخاب رئيس الجمهوريّة، أو في انتخاب مجلس الشّورى، أو مجلس الخبراء، أو في كثير من القضايا الحسّاسة، ما يعني أنّ ولاية الفقيه تتزاوج مع مسألة الاستفتاء الشّعبي والرّجوع إلى الشّعب منذ عهد الإمام الخميني حتى الآن.

ولا بدّ أن يعرف الجميع، أنّ نظريّة ولاية الفقيه ليست النظريّة الوحيدة في الحكم في الفقه الشّيعي، فهناك نظريّة تلتقي مع النظرية السنيّة، وهي مسألة الشّورى، وربما كانت التجربة في إيران هي مزيج من الشّورى ومن ولاية الفقيه.

* مقابلة أجراها مراسل "الراديو الوطني الأمريكي" جوليان هوليك، مع العلّامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض)، بتاريخ: 19 تشرين الأوّل 2000م.

في مقابلته مع "الراديو الوطنيّ الأمريكيّ"

المرجع فضل الله (رض) يتحدَّث عن الاجتهاد والمرأة وولاية الفقيه

أجرى "جوليان هوليك"، مراسل "الراديو الوطني الأمريكي"، مقابلة مع سماحة آية الله العظمى السيّد محمد حسين فضل الله، تناولت شؤون الاجتهاد في الإسلام ما بين السنّة والشّيعة، وحول اجتهاد المرأة وقدراتها العقليّة، وولاية الفقيه وارتباطها بالديمقراطيّة.

وفيما يلي، نصّ المقابلة التي أجريت في بيروت، في: 19 تشرين الأوّل 2000م:

اجتهاد السنّة؟!

س: من خلال مقابلاتي مع العديد من الأشخاص، أرى أنّ الشيعة لديهم السّعة والقدرة على ممارسة الاجتهاد في حياتهم الشخصيّة، وهم أكثر انفتاحاً في مقابل الآخرين، وهناك سؤال لم أجد له جواباً حتى الآن عند الآخرين، ما هو الفرق بين السنّة والشيعة على مستوى الاجتهاد؟ والثاني هو: لماذا أعطى الشيعة حريّة أكبر للمرأة؟

ج: بدايةً، إنّ السنّة أغلقوا باب الاجتهاد منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً، وعلى ضوء هذا، توقّف الفقه وعلم العقيدة الإسلاميّة عن النموّ وعن البحث بعمق عند تلك المرحلة، وأصبح علماء السنّة مقلّدين لأئمّة المذاهب، ومن هنا، توقّف الفكر الفقهي عن النموّ.

والاجتهاد ينطلق من قاعدة علميّة، بحيث يملك المجتهد الأدوات الفكريّة التي تقود عمليّة الاجتهاد، ولذلك من غير الطبيعيّ لأيّ إنسان أن يصدر فتوى في أيّ مسألة من المسائل، دون أن يكون له الخبرة الفقهيّة العلميّة، ودون أن يمتلك ثقافة الكتاب والسنّة التي تتيح له إصدار هذه الفتوى بشكل موضوعيّ وعلميّ.

ولكنّ ذلك لا يمنع الإنسان الذي يملك ثقافة عامّة أو ثقافة جزئيّة في الكتاب والسنّة من أن يفكّر، فيحاول أن يستوحي من هذه الآية معنىً، لأنّه يملك الأدوات التي تسهّل له فهم الآية أو فهم الحديث، أو أن يستوحي من الأحكام الشرعية التي تنفتح على فتاوى المجتهدين، فيحاول أن يفصلها ويحرّكها في الواقع، ويتفهّم علاقتها به أو مدى حلّها لمشاكله، كما أنّه عندما يبتعد عن الجانب الفقهيّ، يستطيع إذا كان يملك ثقافة اجتماعية أو سياسة أو اقتصادية، أن يعطي رأيه من خلال اجتهاده في هذه الميادين، لأنّ العقل لا ينحصر في المسألة الشرعيّة الفقهيّة، بل يتجاوزها إلى المسائل الفلسفيّة، وإلى المسائل الحياتيّة المتّصلة بالسياسة والاجتماع والاقتصاد. ولذلك نرى أنّ المجتمع الشيعي هو مجتمعٌ يملك الحركة الذهنيّة في المسألة السياسيّة أو في المسألة الاجتماعيّة.

المرأة المجتهدة

س: كيف يمكن للمرأة أن تكون مجتهدة؟

ج: الاجتهاد هو مسألة ثقافيّة تتّصل بالإمكانات العلميّة التي يملكها الإنسان، ولا فرق بين الرّجل والمرأة في هذا الموضوع، حتى إنّ كثيراً من الفقهاء يتحدّثون على مستوى النقاش العلميّ، أنه لا مانع أن تكون المرأة التي تحصل على الاجتهاد بمستوى جيّد، مرجعاً في الفتاوى، بحيث يرجع إليها الناس في أخذ الفتاوى، كما يرجعون إلى الرّجل عندما يملك هذا المستوى من الفقه.

وفي إيران، يشار إلى أكثر من امرأة بلغن رتبة الاجتهاد، ويشهد لهنَّ بذلك، كما أنّ الحوزات العلميّة أصبحت تتقبّل مسألة دراسة المرأة في الحوزة إلى أعلى مدى، كما للرّجل ذلك.

رفض المرأة في موقع الإفتاء!

س: شيخ الأزهر رفض وجود امرأة في موقع الإفتاء، عندما تقدّمت لهذا المنصب رئيسة القسم النّسائي في الأزهر. ما رأيكم في ذلك؟

ج: في النظريّة العلميّة لدى مجتهدي الشّيعة، ليس هناك مانع من الناحية العلميّة أن تتولى المرأة هذا المنصب، ولكن أن يتقبّل المجتمع أو لا يتقبّل، فهذه مسألة تدخل في التّقاليد، ولكن من الممكن جداً أن تتطوّر ذهنيّة المجتمع في المستقبل، فيتقبّل هذا الموضوع بعد أن كانت القواعد العلميّة تسمح بذلك.

التقاليد تقيّد المرأة!

س: ما رأيكم في التّقاليد التي تقيّد المرأة، والتي تحاول الإيحاء بأنَّ قدرات المرأة العقليّة لا توازي قدرات الرّجل، أو أنها محدودة؟

ج: من الطبيعيّ أنّ أيّ عنوان اجتماعي أو دينيّ، يتبع في عالم التصوّر ثقافة الشخص الذي يعالجه ويمارسه، ومن الطبيعيّ أنّ النصّ الأدبي عندما تقدّمه إلى طالب في الثّانوية، فإنّه يفهمه بطريقة تختلف عمّا يفهمه الجامعي أو النّاقد الأدبي. ولذلك، فإنّ مسألة التخلّف قد تفرض نفسها على النّصوص، فتفسّرها تفسيراً متخلّفاً، ولكنّ تطوّر حركة الوعي والتقدّم والموضوعيّة العلميّة، قد يغيّر الكثير من هذه المفاهيم، وخصوصاً بالنّسبة إلى المرأة، حيث بدأ الكثير من الباحثين الإسلاميّين المجتهدين يناقشون الأفكار السّائدة عن نقصان عقل المرأة، وتغلّب العاطفة على العقل عندها، وفكرة أنَّ المرأة ضعيفة ولا يمكنها أن تتحمّل المسؤوليّات الكبيرة، وهناك أبحاث جديدة في ذلك!

ونحن قد بحثنا ذلك في كتبنا، وأثبتنا أنّ عقل المرأة كعقل الرّجل، وأنّ الجانب العاطفيّ ربما يكون لدى بعض الرّجال أكثر مما لدى بعض النساء، والقرآن لم يتحدّث عن ضعف المرأة، ولكنّه تحدّث عن ضعف الإنسان في نقاط ضعفه، ولم يعتبر هذا الضّعف الإنسانيّ قضاءً وقدراً، بل اعتبره حالةً تتّصل بكيانه الجسديّ في حاجاته، وأراد له أن يعمل على مواجهة نقاط الضّعف بتنميتها لتتحوّل إلى نقاط قوّة.

إنّنا ننطلق من دراستنا الموضوعية التي لا تسقط أمام ضغط التّقاليد، ولذلك فإنّ كثيراً من الأفكار التي أطلقناها ونطلقها، ولا سيّما بالنّسبة إلى المرأة، قد كلّفتنا الكثير من ردود الفعل من قِبَل المتخلّفين، والذين يقدّسون التقاليد كما لو كانت نصوصاً مقدَّسة.

نرحِّب بك كمسلم!

س: بالرغم من أنّني لست بمسلم، ولكنّني أحس بوجود الله، وأشعر بأنّني مرتبط بمبادئ الإسلام؟

ج: أعتقد أنّك مسلم بفكرك وبفطرتك وبعفويّتك الإنسانيّة، وإن لم تكن مسلماً على مستوى التّقاليد. يوجد حديث يقول إنّ الإسلام دين الفطرة، بمعنى أنّ الإنسان بإنسانيّته الصافية الفطريّة يهتدي إلى مفاهيم الإسلام العامّة في توحيد الله، وفي فهم الكون والقيم الروحيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة، ونحن نرحّب بك كمسلم من دون أن تعلن إسلامك.

لماذا العمليّات الاستشهاديّة؟!

س: هل يوجد تفسير قرآني للشّهادة، وخصوصاً شهادة الشبّان اليافعين في حزب الله؟

ج: القرآن لديه عنوان الجهاد، وعنوان {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ}. والجهاد نضعه تحت عنوان الدّفاع عن الأرض وعن الإنسان وعن المستقبل، في مقابل الّذين يريدون أن يسقطوا الإنسان والمستقبل. ولهذا، هو ليس حركة عدوانيّة ضدّ الآخر، بل هو حركة دفاعيّة ضدّ الظالم، وحركة وقائيّة ضدّ الذين يريدون أن يظلموا. ولذلك، فإنّ للجهاد أساليبه، وقد يتجلّى في دفاع الإنسان عن أرضه وعن استقلاله وعن إنسانيّته وعن دينه بالبندقيّة، ومن المحتمل أن يُقتَل، أو أن يفجّر نفسه، حسبما تقتضيه خطّة الحرب.

وعلى هذا الأساس، لا نجد فرقاً في روحيّة الإنسان، عندما يتحرّك بإيمانه وبمسؤوليّته في الإمساك بالبندقيّة والقتال، أو في تفجير نفسه، ونحن لا نعتقد أنّ هذه العمليّات الاستشهادية يمكن أن يقوم بها الإنسان مزاجيّاً، بل لا بدّ أن تخضع لشروط دقيقة، بحيث تحقّق نتائج كبرى على مستوى القضيّة الجهاديّة، ومن الطبيعيّ أنها قد تفشل وقد تنجح، لكنّ الانطلاقة تتحرّك من خلال شروط شديدة قبل أن ينطلق المجاهد في العمليّة الاستشهاديّة.

ونحن نعتقد أنّ هذه الحالة ليست حالة جديدة في وضع الشّباب، بل ربما مارستها بعض الجيوش عندما كانت تتحرَّك في هذا الاتجاه. نحن نقرأ في التّاريخ الحديث، عندما كانت الحرب في قناة السويس، كيف أنّ طياراً مصرياً قام بعمليّة استشهاديّة بطائرته ضدّ بعض قطع البحرية الإنكليزية.

إنني لا أعتقد أنها مسألة خاصّة بالمجتمع المسلم المؤمن، بل هي مسألة تخضع لحاجات أيّ جيشٍ وأيّ مجاهدين، عندما تفرض النّتائج أن يقوموا بهكذا عمليّات استشهاديّة، تماماً كما يقومون بالعمليّات العسكريّة الأخرى التي يقدمون عليها وهم يعرفون أنهم سوف يموتون، ولعلّ اليابانيّين أيضاً قاموا في الحرب العالميّة الثانية بعمليات مماثلة.

ديمقراطيّة أم ديكتاتوريّة؟!

س: أين تقع ولاية الفقيه؛ هل هي ديمقراطيَّة، أم ديكتاتوريَّة؟

ج: ولاية الفقيه لا تمثّل نظريّة ديكتاتوريّة، فالفقيه أوّلاً يحكم بحسب القانون الشرعيّ، فهو ليس فوق القانون، بل هو تحت القانون، كما أنّ الفقيه الذي يتولى الولاية ينتخب من قِبَل مجلس الخبراء الذي ينتخبه الشّعب، ولذلك فإن الفقيه يتولى سلطاته الدستوريّة بحسب النظرية الفقهيّة من خلال الثقة الشعبيّة، أي من خلال الاستفتاء الشّعبي، ولكن على درجتين، كما أنّ الفقيه يمارس ولايته وسلطاته على أساس أسلوب الاستفتاء الشّعبي، سواء في انتخاب رئيس الجمهوريّة، أو في انتخاب مجلس الشّورى، أو مجلس الخبراء، أو في كثير من القضايا الحسّاسة، ما يعني أنّ ولاية الفقيه تتزاوج مع مسألة الاستفتاء الشّعبي والرّجوع إلى الشّعب منذ عهد الإمام الخميني حتى الآن.

ولا بدّ أن يعرف الجميع، أنّ نظريّة ولاية الفقيه ليست النظريّة الوحيدة في الحكم في الفقه الشّيعي، فهناك نظريّة تلتقي مع النظرية السنيّة، وهي مسألة الشّورى، وربما كانت التجربة في إيران هي مزيج من الشّورى ومن ولاية الفقيه.

* مقابلة أجراها مراسل "الراديو الوطني الأمريكي" جوليان هوليك، مع العلّامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله (رض)، بتاريخ: 19 تشرين الأوّل 2000م.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير