لمقاومة ليست مسألة إسلامية في مواجهة المسيحيين بل هي مسألة لبنانية في مواجهة إسرائيل!

لمقاومة ليست مسألة إسلامية في مواجهة المسيحيين بل هي مسألة لبنانية في مواجهة إسرائيل!

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، وأعلى درجة توفيقية بين الدين والدنيا

أجرت مجلة "الأفكار" في عددها الصادر بتاريخ:12 شوال 1423هـ الموافق 16/12/2002 حواراً شاملاً مع سماحة السيد، وجاء في المقابلة:

عيد الفطر السعيد لم يكن عيداً واحداً في لبنان والعالم الإسلامي كما جرت العادة.. فالسنّة أعلنوا العيد يوم الخميس، والشيعة انقسموا على أنفسهم في التوقيت، فالسيد محمد حسين فضل الله شارك السنّة في إعلان يوم الخميس أول أيام العيد، وإيران والمجلس الشيعي الأعلى وحزب الله أعلنوه يوم الجمعة. فما هي الحكاية؟ ولماذا هذا الاختلاف الدائم في تحديد موعد عيد رمضان المبارك الذي لم يتخذ هذه السنة اختلافاً مذهبياً بين السنة والشيعة، بل طاول الطائفة أو المذهب الواحد؟

"الأفكار" عايدت المرجع العلامة السيد محمد حسين فضل الله داخل منـزله في حارة حريك، وهو الذي سبق لسماحته أن أعلن يوم الأربعاء أول أيام الصوم، وذلك قبل أسبوع من الموعد، وكذلك الحال بالنسبة ليوم العيد، وحاورته في شتى الشؤون والشجون. وطال الحوار فتناول كل مواضيع الخلاف في تحديد الرؤية للهلال والاختلاف في توقيت الأذان والإفطار وإلى شؤون وشجون الساحة الإسلامية والمواضيع ذات الصلة بالمرأة، بدءاً من حدود حريتها وقانون الخلع المعتمد في مصر والأردن حالياً، إلى مسائل سياسية تتصل باحتفال حزب الله في يوم القدس في النبطية وحالة الخوف عند بعض الفئات التي شاهدت هذا الاستعراض الكبير والتأكيد بأنه موجه ضد إسرائيل فقط ونقطة على السطر، إلى موضوع الاستنساخ ونظرة الإسلام إليه.

وكان السيد يضع النقاط فوق كل الحروف دون لبس أو إبهام، وعنده جواب شاف لكل سؤال.. فكيف لا وهو العلامة المجتهد الذي يفتي بما يرضي الله الخالق وبما يرضي المخلوق دون تعقيد، مستلهماً الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في نهجه، ومواكباً العصر والتطور في ميادين الحياة كلها، دون أن يحيد قيد أنملة عن أصول الشرع الإسلامي ومصادره الحية، والمفارقة في الحديث أنه ضم المحررتين كوزيت كرم وهلا ناضر.. بالحجاب!

غياب القاعدة العلمية

* كلنا في وسائل الإعلام ندعو إلى رصّ الصفوف وتوحيد المواقف لبنانياً وعربياً، وعلى هذا الوتر يضرب الخطباء والزعماء. ولكن من باب أولى أن يحال دون هذا التشرذم في الطائفة الواحدة.. فسماحة السيد محمد حسين فضل الله والسنة يعلنون العيد يوم الخميس، وإيران والمجلس الشيعي الأعلى يعلنانه يوم الجمعة، في الصباح هناك أذانان، وفي المغرب أذانان، وفي الإفطار قوم يفطرون قبل الضوء وقوم على غياب الشمس وقوم على ظهور النجمة، فما رأي سماحة السيد في هذه الإشكالات مجتمعة؟

ـ لعل مشكلتنا في الشرق، ولا أتحدث عن لبنان، أن الدعوة إلى الوحدة وإلى رصّ الصفوف لم ترتكز على قاعدة علمية تتحرك من خلال العقل في المعطيات التي يرتكز عليها أو في الواقع، لأن مسألة الاختلافات الموجودة عندنا قد تنشأ من حالات مذهبية لا يراد لها أن تتحرك باتجاه المناقشة والحوار، أو من رواسب دينية واجتماعية تجمدت وتحجرت في الذهن حتى أصبحت الثورة عليها تمثل ثورةً على المقدسات..

من خلال ذلك، فإن مسألة الهلال ليست مسألة سنية ـ شيعية، وإنما هي مسألة تتصل بالاجتهاد الفقهي الذي تحرك في خطين:

الخط الأول: هو الخط الرؤيوي الذي يعتبر أن لرؤية الهلال دوراً موضوعياً في ثبوت الشهر، ولذلك فإن اختلف الذين يمارسون الرؤية في وثاقتهم أو في طبيعة شهاداتهم، فمن الطبيعي أن يختلف الناس الذين يعتمدون عليهم، وهذا ما نلاحظه كل سنة لدى السنة أنفسهم ولدى الشيعة أنفسهم.

وهناك اتجاه آخر، وهو الاتجاه العلمي الفلكي الذي نتبناه، وهو أن الشهر ظاهرة كونية كبقية الظواهر الكونية الخاضعة لقوانين موجودة في طبيعة تكوين العالم، تماماً كما هي مسألة تفجّر الينابيع، وكما هي مسألة نبات النبات وتحرك الفصول.. ليس للرؤية أي دور في ذلك.. وأن ترى الظاهرة أو لا تراها لا تغير من طبيعة الظاهرة، بل إنني أكاد أزعم في كلمة قد لا تخلو من التطرف، أن مسألة إثبات الشهر في بدايته ونهايته ليست من المسائل التي يرجع فيها للفقهاء، بل إنها من المسائل التي يرجع فيها للمختصين في تفسير هذه الظواهر الكونية، وهم علماء الفلك الذين بلغوا في مسألة التوليد في حساباتهم الدقيقة إلى ما يشبه المعادلة، تماماً كما تقول: واحد + واحد يساوي اثنين.

ولهذا، فإننا من خلال اقتناعنا بأن موضوع الصيام هو الشهر، والشهر ظاهرة كونية يرجع فيها إلى المختصين بهذا العلم، ولو أخذنا بهذا المبنى الاجتهادي، فإننا نستطيع أن نتحدث عن الهلال إلى ما بعد خمسين سنة، كما يتحدث الآن حتى الرؤيويون عن الخسوف والكسوف قبل خمسين سنة.

ففي الكسوف الكلّي الذي حدث في العام الماضي، كان الناس يتحدثون عنه قبل عشرات السنين، ولم يعترض أحد في هذا المجال، ولهذا نقول بأن المسألة تنطلق من رحم واحد في هذه الناحية. أما في مسألة الرؤية، فإننا نفهم هذه الرؤية من خلال الحديث النبوي الشريف: "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته"، أنها وسيلة من وسائل المعرفة، حتى إن في بعض هذه الروايات التي تروي هذا الحديث الشريف يقول: "اليقين لا يدخله الشك، صم للرؤية وافطر للرؤية".

فهذا يوحي بأن مسألة الرؤية هي وسيلة من وسائل اليقين وليست هي الوسيلة الوحيدة، ولقد ضربت لبعض الأصدقاء مثلاً في هذا المجال كيف يفهم الناس الرؤية كوسيلة من وسائل المعرفة، لا كموضوع تتجمد عنده، وذلك لو قال لك شخص: "إذا رأيت فلاناً فأخبرني"، ولكنك لم تره، بل اتصل بك تلفونياً، فإنك تشعر بمسؤوليتك عن إخباره وإن لم تره رؤية العين، لأن كلمة "إذا رأيته فأخبرني" توحي بالتأكد من وجوده، وهنا لا تكون المشاهدة شرطاً..

لذلك أعتقد أن المسألة ليست مسألة مذهبية، ولكنها مسألة علموية كونية، وعلينا أن نفسر الشهر واليوم والسنة والأسابيع والفصول تفسيراً علمياً من قبل المختصين، وعلى الفقهاء أن يدققوا في ما يرونه من الأحاديث الشريفة، وأن يقارنوا فيما بينها وبين الآيات القرآنية، لأن القرآن هو النور الذي يضيء الأفق للوعي الحديثي الذي ينفتح عليه.

لهذا نقول إنّ على العلماء (علماء الفلك) أن يجتمعوا في أول الشهر وفي آخره ويحددوا أوله وآخره، وعلى الفقهاء أن يستمعوا في ذلك.^^

الناس والسكتة الدماغية

* الآية الكريمة تقول: {أرأيت الذي ينهى* عبداً إذا صلى* أرأيت إن كان على الهدى* أو أمر بالتقوى* أرأيت إن كذب وتولى* ألم يعلم بأن الله يرى}. ألا تعني هنا الرؤية بأنها التفكير والعقل؟

ـ أنا أقول كشاهد على كلامك: لا قيمة للرؤية العملية إذا لم يكن هناك وعي خلف العين، ألا ترى أن بعض الناس يعيشون السلامة في العين ولكنهم لا يبصرون، لأن لديهم سكتة دماغية، إن قيمة الرؤية البصرية هي بمقدار ما يتحرك خلفها من الرؤية الوعيوية.

* وماذا عن الأذان؟

ـ أما بالنسبة لأذان الفجر، فالفجر واحد، ولكن هناك نقاشاً فلكياً في الفجر وليس مذهبياً.. فكل المذاهب الإسلامية تقول إن الفجر هو الفجر الصادق لا الكاذب، لكنهم يختلفون في توقيت هذا الفجر من ناحية النظرة الفلكية العلمية. أما بالنسبة للإفطار، فرأيي ورأي كثير من علماء المسلمين أن الغروب يتحقق بسقوط قرص الشمس ولا يتوقف على زوال الحمرة المشرقية، ولذلك أفتيت بأن الإنسان يستطيع أن يفطر عند غروب الشمس ويصلي وصيامه صحيح وصلاته صحيحة.

* غير مرة سُئِل علماء وفقهاء على شاشة التلفزيون، لماذا لا يكون الفلك أساساً للصوم والأعياد، وجاء الجواب منهم عبر حديث شريف واضح: "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته". فهل يمكن اعتبار المرصد هو العين، وهل يمكن اعتبار الحسابات الفلكية عيناً أيضاً؟

ـ نحن نأخذ في الاعتبار كل وسيلة أمينة تكشف لنا وجود القمر في الأفق بنحو يختزن كمية من الضوء يقبل الرؤية بطبيعته من ناحية النظام العام حتى لو لم يره أحد. ونحن في هذه السنة حكمنا بأن عيد الفطر من أول شوال هو يوم الخميس، لأننا قمنا بجولة حول العالم وبالاتصال مع علماء الفلك في العالم، فثبت عندهم أن هناك منطقة في أميركا الجنوبية يمكن رؤية الهلال فيها مساء الأربعاء، وهي تتصل بنا بجزء من الليل، وحكمنا على هذا الأساس.

* أي منطقة؟

ـ منطقة ليما التي تقع في البيرو.

* مشهد المقاومين في النبطية يوم الجمعة المصادف يوم القدس أجفل بعض الأوساط المسيحية، ونشرت "الأفكار" صورة المقاومين وتحتها كلمة "لا تخافوا من هذه الصورة.. إنها لتخويف إسرائيل فقط"، فكيف يرى سماحة السيد أن تبدد مخاوف المسيحيين في هذا الموضوع وفي غيره؟

ـ أقول لمواطنينا المسيحيين: علينا أن ندرس كل الظواهر الأمنية أو السياسية أو الاجتماعية والثقافية في لبنان بموضوعية بعيداً عما إذا كنا مسيحيين أو مسلمين أو علمانيين، لأن قضية الواقع الموضوعي تماماً كالواقع الكوني تخضع لحسابات دقيقة في الأمن أو في الاجتماع أو في الثقافة أو في السياسة. وعندما ندرس ظاهرة المقاومة بقطع النظر عن أنها مقاومة إسلامية أو مسيحية أو مقاومة وطنية عامة لا تتأطر بأي إطار ديني، فإننا نسأل: لماذا المقاومة؟! ربما يقال بأن هناك جيشاً لبنانياً، فلماذا يكون هناك جيش آخر؟!

إننا عندما ندرس المسألة نعرف كما يعرف الجميع أن الجيش اللبناني لا يملك الظروف السياسية، وقد لا يملك ظروف وسائل القوة للدخول في حرب مع إسرائيل، وهذا أمر نحترمه جيداً في لبنان، كما يعرفه كل العقلاء الذين يفكرون بعقلانية بعيداً عن الانفعال.

نحن نحترم الجيش اللبناني، ولا سيما في السياسة التي تحركت منذ تسلم الرئيس إميل لحود قيادة الجيش، إذ أصبح الجيش للبنان كله ولم يعد جيشاً فئوياً. لذلك فإن الخط الذي يتحرك فيه هو خط يتحدث عن إسرائيل بأنها العدو، وأصبح هذا مبدأ في عقيدته العسكرية، لكننا نعرف ظروف الجيش اللبناني، ونرجو أن يتطور في قوته وفي ظروفه السياسية إلى المستوى الذي يستطيع من خلاله أن يواجه كل القوى الأخرى.

لذلك، فإن مسألة المقاومة في أي بلد لا بد أن تتحرك عندما يكون هناك احتلال لبلد أو يكون هناك خطر على البلد. ونستحضر في ذلك المقاومة الفرنسية في أيام الاحتلال النازي لـ"باريس" عام 1940، وقد كان هناك جيش فرنسي ولكن المقاومة الفرنسية الشعبية كانت ضرورة كبرى..

لهذا، فإن المقاومة ليست لطائفة معينة، وليست مسألة إسلامية في مواجهة المسيحيين، بل هي مسألة لبنانية في مواجهة إسرائيل.. وعندما تزول كل إسرائيل من لبنان ويزول كل خطر على لبنان، فلا ضرورة عند ذلك لمقاومة عسكرية، بل نتحول جميعاً لنكون مقاومة مدنية تعرف كيف تتحرك لتبني بلداً.

لذلك، فإنني أتصوّر أن على المسيحيين أن يعرفوا أن المقاومة، والمقاومة الإسلامية بالذات، التي أخذت صفة إسلامية لا لتتطيّف بها، ولكن لتثبت أن الإسلام ليس طائفة، بل هو خط وفكر للناس جميعاً، وهذا ما قرأناه في كلمة الإمام علي بن أبي طالب(ع) في عهده لواليه مالك الأشتر: "إن الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله".

لذلك، فإن هؤلاء الشباب الذين قاموا بالاستعراض إنما يريدون أن يقولوا لإسرائيل: نحن على استعداد للمواجهة الآن كما كنا على أهبة الاستعداد للمواجهة قبل تحرير الجزء الأكبر من لبنان، لأنه لا يزال جزء محتل نحتاج إلى أن نحرره. لذلك نقول للمسيحيين إن لبنان وطننا جميعاً، وإن إسرائيل عدوة لبنان كله، ويعرف المسيحيون كيف أنها غدرت حتى بالمسيحيين قبل المسلمين أيضاً في حرب الجبل وفي غيره. لذلك أستطيع أن أقول من خلال مسؤوليتي الدقيقة الواعية: اطمئنوا فليس هناك أي مسلم يفكر بأي حركة سلبية ضد أي مسيحي.^^

المسيحيون والمقياس العددي

* تعكف الدوائر الأميركية على دراسة التحوّلات الديموغرافية في الوطن العربي والدول الإسلامية، بحيث يلاحظ أن عدد المسيحيين بعد عشر سنوات سيكون أقل من حاله الآن لمرتين. فما هي الصيغة التي يقترحها سماحة السيد لعدم استخدام المقياس العددي في التعاطي مع الشأن الوطني والقومي؟

ـ أتصور أن اللبنانيين من مسيحيين ومسلمين لا يزالون يتعايشون على أساس التوازن اللبناني ـ اللبناني. ولا أريد أن أتحدث عن التوازن الطائفي. ولا أتصور أن هناك أي مشكلة بين اللبنانيين في هذا المجال إلا عندما تتحرك القضايا في إطار التيارات السياسية العامة، كالديموقراطية والحرية والمواطنية، وما إلى ذلك.

فلا مشكلة بين اللبنانيين الآن في هذا المجال، إلا على مستوى ما يثار في بعض الحالات في إطار اللعبة السياسية التي يريد بعض الناس أن يسجل فيها نقطة على بعض الناس الآخرين. لذلك أتذكر كلمة لكمال جنبلاط عندما كان يرى أن المسلمين يتعقدون من طرح العلمانية أو طرح قانون الأحوال الشخصية، فكان يقول: "اقبلوها فسيعارضها المسيحيون"، لأن المسألة في لبنان هي مسألة لعبة الكرة السياسية، ومع الأسف الوطن هو الكرة التي تتقاذفها الأيادي.

ولذلك، فإنّ السياسة هي أن تسجِّل نقطة على الآخر وهو يسجل نقطة عليك. إنني أتصور أن مسألة المسيحية والإسلام في العالم العربي ليست مسألة مشكلة العدد، لأننا نشعر أن المسيحيين في البلاد العربية الأخرى يعيشون بكل حقوقهم وكراماتهم.. أما مسألة أن يكون هناك للمسيحيين في هذا البلد أو ذاك ممثلون في المجلس النيابي، فهذا أمر ينطلق في حساب كل بلد انطلاقاً من حساب الأقلية والأكثرية، سواء كانت أقلية أو أكثرية حزبية، أو أقلية أو أكثرية عرقية، أو أقلية أو أكثرية دينية في هذا المجال.

فالمشكلة عندنا في هذا الشرق أن هناك حساسية طائفية دينية مرضية ـ ولا أقول تديناً ـ تحاول أن تربك البلد والمنطقة ليبقيا في حالة اهتزاز بفتح المجال للعبة الأمم أن تهجر هذا وأن تسقط ذاك. فتش عن لعبة الأمم.. وفي هذه المرحلة فتش عن أميركا، حتى إن المسألة ليست مسألة مسيحية وإسلام، بل هي مسيحية كاثوليكية وأرثوذكسية وإسلامية سنية وشيعية إلى آخر القائمة. ولقد رأينا كيف أن اللعبة الدولية التي أرادت من خلال "هنري كيسنجر" أن تشعل الحرب في لبنان من أجل تصفية القضية الفلسطينية، تحولت إلى حرب بين المسيحيين والمسلمين، وبين المسيحيين أنفسهم، وبين المسلمين أنفسهم بشكل أكثر ضراوة من الحرب الطائفية.

ولذلك فالقصة ليست قصة مسيحيين ومسلمين، ولكنها قصة لعبة دولية إقليمية تحاول أن تلعب على التناقضات المحلية، لأن المطلوب أن نكون الحطب في مواقد الآخرين، وقد قلت دائماً عن لبنان بأنه الرئة التي تتنفس فيها مشاكل المنطقة.

* وعاد ليقول:

ـ أما قضية الهجرة وقضية العدد، فالمسلمون يهاجرون والمسيحيون يهاجرون، لأن المشكلة أن الوضع الاقتصادي في لبنان بفعل كل التعقيدات الماضية والحاضرة وربما المستقبلية، يمنع الإنسان من أن يجد العيش الكريم في بلده.^^

طرح الدولة الإسلامية

* في هذا الإطار، ألا يشكل طرح حزب الله بناء دولة إسلامية في لبنان هاجساً كبيراً للمسيحيين؟

ـ أولاً أنا لا أعلق على طروحات الآخرين، فأنا مستقل في آرائي، ولكن ربما تحدثت قبل ما يقارب العشرين سنة عن مسألة الجمهورية الإسلامية في لبنان، وقلت بأن طرح الجمهورية الإسلامية في لبنان ليس طرحاً واقعياً على مستوى الواقع الميداني، وهذا موثق في أرشيف كل الجرائد اللبنانية. وأذكر أنني كنت في مدينة قم الإيرانية عندما جرت أحداث6 شباط (فبراير) 1984 في لبنان، وكان يخيل لبعض الناس أنها المدخل لجمهورية إسلامية، وكان في المجلس كبار القوم، فقلت لهم آنذاك: «إن لبنان لن يكون جمهورية إسلامية وربما تتحول فلسطين إلى جمهورية إسلامية، ولكن لبنان لا يمكن أن يتحول إلى جمهورية إسلامية بفعل التركيبة الداخلية المرتبطة باللعبة الدولية التي أنشأت لبنان، هي أن لبنان ليس وطناً إنما هو معادلة يرتبط بها أكثر من محور دولي. لذلك لو أن الحرب التي حدثت في لبنان في مدى 17 سنة حدثت في أي دولة في المنطقة أو خارجها لذهبت الدولة، ولكن لبنان بقي صامداً قوياً حديدياً».

* وأضاف:

ـ إن طرح الجمهورية الإسلامية كنت أطرحه من أجل إخراج الإسلام من المناخ الطائفي، كي لا يكون مجرد طبل طائفي كما هو الطبل المسيحي الطائفي ليدق عليه آخرون، وليعرف الناس أن الإسلام فكر، وأن الإسلام يمثل قاعدة فكرية ثقافية قانونية يمكن للناس أن يفكروا بها كما يفكرون بأي قاعدة أخرى.­

لذلك نحن نعتقد أن طرح الجمهورية الإسلامية ليس واقعياً على الأقل، وإن كان كل صاحب فكر يحب أن يطرح فكره ليتحول إلى واقع، لكن هناك مسافة بين الفكر بما يتبناه الإنسان وبين الواقع فيما يمكن أن يتحقق في الواقع.^^

المرأة وتشرذم المؤمنين

* تبقى المرأة رغم كل تطور أصاب مجتمعها في السنوات الأخيرة مهيضة الجناح، لا هي في قوى الأمن الداخلي ولا هي في الجيش ولا في الوزارة ولا في الأجهزة الرقابية، مع أن السيدة عائشة رضي الله عنها حاربت في موقعة الجمل، والسيدة أم حرام حاربت مع معاوية في قبرص وهناك قبر لها في مدينة «كيرينيا». فكيف يرى سماحة السيد حالة المرأة بعد عشر سنوات؟

ـ إننا في دراستنا لقضية المرأة بعقل بارد وبموضوعية علمية تاريخية، نجد أن الصحوة تكاد تكون مستحيلة، ولا سيما في المسار التاريخي. فعندما ندرس مسألة المرأة في التاريخ، نرى أنها كانت خارج نطاق الواقع الإنساني في الحركية الفاعلية في تطور المجتمع إلا من خلال بعض نساء طليعيات، سواء في المنطقة أو خارجها، كانت لهن ظروفهن المستمدة من خلال بعض ما يحيط بهن، ما جعل لهنّ هالة معينة تستجلب النفس، ولكن نلاحظ أن هؤلاء النساء اللاتي أخذن مراكز في الدولة كالملكات، أو في مراكز متقدمة، لم يتركن بعدهن أي امتداد لما بدأنهن، لأن المسألة لم تكن أن مسألة التطور الإنساني هو الذي أعطى المرأة هذا الدور، بل إن الخصوصية الذاتية والظروف الخاصة المحيطة بها هي التي منحتها ذلك، حتى أن السيدة عائشة أم المؤمنين، لم تكن هي التي تقود الحرب، بل كان الذي يقود الحرب طلحة والزبير، ولكنها كانت العنصر الذي يملك الجانب العاطفي الذي تحيط به هالة من القداسة لشحن همم المقاتلين، ولم تكن هي التي خططت لحرب ولم تكن هي التي أثارت الحرب، ولكنها استغلت بعض ظروفها النفسية وموقفها من الإمام علي وبعض الأوضاع التي أثيرت من خلالها لتقوم بهذا الدور.

لذلك فإن مسألة أن المرأة لا تزال مهيضة الجناح قد تكون أمراً واقعياً، لكن نلاحظ أن المرأة في العالم بدأت في مسار يملك بعض القوة، وأن النساء اللاتي أخذن موقعاً متقدماً لم يمتلكن من خصوصية ذاتية ظرفية، بل من خلال المناخ العام السياسي تارة والثقافي أخرى والاقتصادي ثالثة. ولهذا على المرأة أن تنتظر طويلاً حتى يمكن أن توازن بين هذا الاستلاب التاريخي الذي يرقى إلى ملايين السنين وبين ما تطمح إليه في المستقبل. وعلى المرأة أن تدرس المكاسب التي حصلت عليها، وعليها أن تدرس الفترة التي تحتاجها من أجل تطوير هذه المكاسب، وأن تدرس السلبيات، لا لتسقط أمامها، بل لتحولها إلى إيجابيات.^^

معنى الاستنساخ

* في مطلع العام المقبل يولد في مستشفى إيطالي أول طفل مستنسخ، ويواجه الموضوع جملة آراء بين من يحرم ذلك، وعلى رأسه الأزهر الشريف وقداسة البابا، وبين مَن يتحيّز للعلم تشبهاً بالآية الكريمة: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً}، وفي القرآن آية كريمة تستبعد علم الإنسان بما في الأرحام، ومع ذلك ظهر الرنين المغناطيسي الذي يكتشف جنس المولود عند الشهر الرابع من تكوين الجنين ولم يعترض أحد على هذا الإنجاز، فكيف يوفق سماحة السيد العلامة الكبير المجتهد بين العلم والدين، أين يلتقيان وأين يفترقان؟

ـ إنني أعتقد أن العلم يملك الأسس التي تؤدي إلى البراعة الكاملة أو القريبة من الكمال لاكتشاف سنن الله وقوانينه في الكون وفي الإنسان. إنني أؤمن بالعلم، لأن العلم هو هبة الله للإنسان.. فالله خلق للإنسان عقلاً يفكر، وعيناً تبصر، وأذناً تسمع، وحاسة تشم وتلمس، وقال للإنسان حاول أن تحرك كل هذه المصادر للمعرفة لتقدمها إلى العقل ليفكر ولتتحرك المعرفة في خطين: خط التأمل الفكري، وخط التجربة.

ولذلك هناك الجانب التجريبي والجانب العلمي في هذا المجال. وأتصور أن العلم يمثل هبة الله للإنسان، من خلال أن مصادر هذا العلم وهي العقل والحياة التي تمثل خميرة التجربة هي من خلق الله في الإنسان. ولكن علينا أن لا نعطي العلم أكثر مما يعطيه لنفسه. فالعلم لا يمثل الحقيقة المطلقة، إنما يمثل الحقيقة من خلال المعطيات الموجودة بين يديه.

ولهذا نلاحظ أن النظرية العلمية قد تحكم الذهنية الإنسانية مدة من الزمن، لتأتي نظرية أخرى وتنسف ذلك كله. ولذلك فإن العلماء متواضعون أكثر من الذين يقرأون نظرياتهم. فالذين يقرأون نظرياتهم يتحدثون عن العلم كحقيقة مطلقة، ولكن العلماء يقولون: " هذا ما وصلنا إليه وربما نصل إلى شيء آخر"!! أما الاستنساخ فكنت أول من أعلن أن الاستنساخ لا يناقض ولا يضادُّ العقيدة الدينية، لأن الإنسان بالاستنساخ لم يتحول إلى خالق، لأن الخلق ليس خلق الشكل، بل هو خلق القانون، ونحن بكل اختصار ندرس كيف حدث الاستنساخ..

فالإنسان أو الكائن الحي يولد من خلال خلية تشتمل على 46 "كروموزوم"، وهذه موجودة بنسبة23 في البويضة التي تفرزها الأنثى و23 في النطفة التي يفرزها الرجل. وعندما تتلقح البويضة بالنطفة تتكامل الخلية. هنا المستنسخون جاءوا وحاولوا أن يأخذوا خلية ناضجة مشتملة على 46 كروموزوم وفرّغوا البويضة مما فيها من الكروموزومات وزرعوها فيها لتكون النتيجة أن الخلية هي نفس الخلية، لكنها كانت منقسمة فتكاملت. فهم استهدوا القانون الإلهي في خلق الكائن الحي ولم يتحولوا إلى خالق.

ثم إن القضية لا تقاس في الدين من ناحية العقيدة، أما مسألة الأخذ بهذا القانون وتحويله إلى واقع في حياة الإنسان، فإن هذا يخضع للدراسة الاجتماعية فيما هي المصلحة الإنسانية في ذلك. وعلى العلماء أن يدرسوا، فإذا كانت المصلحة أقوى من المفسدة قلنا فليكن، تماماً كما في طفل الأنبوب، وكما في كثير من العمليات الجديدة التي لم تكن موجودة في السابق.

وإذا كانت المفاسد أكثر من المنافع فلنقل هنا بالتحريم، لأن الله يقول: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما}، فكل ما كان ضرره أكبر من نفعه فهو حرام.. فهذه مسألة تحتاج إلى متابعة دراسية على مستوى الواقع. وهل يمكن أن نسمح باستنساخ الإنسان أو لا يمكن؟ وهل أن المضار أكثر أو المنافع؟! فهذه مسألة تحتاج أن ندرسها من خلال علماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء القانون وما إلى ذلك..

* واستطرد سماحته قائلاً:

ـ أما قضية معرفة ما في الأرحام، فالآيات تتحدث أن الله يستقل بعلم الأرحام، باعتبار أن الله بحسب قانونه المودع في الإنسان هو الذي يرى ما في الأرحام، فهو يعلمه بطريقة مباشرة.. أما معرفتنا ما في الأرحام من خلال الأجهزة، فهي تندرج في خانة: {علّم الإنسان ما لم يعلم}، فنحن نعلم كثيراً من الأمور من خلال ما أعطانا الله من علم التأمل وعلم التجربة، وأصبحنا ندرك كثيراً من حقائق الحياة التي لم تكن معروفة، لأن الله أعطانا علم ذلك و{علم الإنسان ما لم يعلم}. فالله يعلم ما في الأرحام بشكل مباشر، {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}، ونحن نعلم ما في الأرحام بواسطة المعلومات والأجهزة التي أعطانا الله إياها، من خلال وسائل العلم التي وهبنا إياها.. والخلق هو خلق القانون، أي خلق قانون لم يكن، ولم يستطع الإنسان حتى الآن أن يخلق قانوناً فوق قوانين الله، بل استهدى قوانين الله بطريقة تشغيل الفكر.^^

حرية.. الفتاة

* هناك فتيات ينهضن بعبء عائلة كاملة بعدما كانت الفتاة عالة على أبيها أو أخيها أو ولي أمرها. وهنا جدل حول حرية المرأة، سواء في معترك العمل أو في معترك البيت أو في تقرير الزواج. في رأي سماحته أين تبدأ حرية الفتاة وأين تنتهي؟

ـ الفتاة البالغة الرشيدة إنسان كامل في إنسانيته، كامل في المسألة القانونية، شخص اقتصادي سياسي اجتماعي ثقافي مستقل كما هو الشاب البالغ الرشيد. حتى إننا بحسب فتوانا نرى أنه لا دور للأب ولا للأم ولا للأخ في زواج الفتاة إذا كانت بالغة رشيدة، ولها أن تتزوج بمن شاءت ولا حق لأي أحد ممن يحيط بها أن يفرض عليها ما لا تريد، حتى أننا قلنا لكثير من الفتيات اللاتي خضعن لضغط وإكراه في مسألة عقد الزواج أن بإمكانهن الذهاب والزواج من أي شخص كان، لأن الزواج باطل لأنه جرى بالإكراه!

* حتى لو دخل عليها؟

ـ كما قلنا فالأمر كمن يغتصب واحدة إذا لم توافق، فإذا لم يكن العقد بين متعاقدين يملكان جدية القرار في العقد والرضا به فهو باطل. فلا إكراه مع أي عقد، سواء كان عقد زواج أو عقد بيع أو أي عقد آخر، ويعتبر العقد وكأنه لم يكن في هذا المجال. ويمكن أن يكون الإنسان بريئاً والقانون ضده.. فهذا شيء آخر. فنحن نتكلم في واقع المسألة الشرعية، وفي هذا المجال نقول إن البالغة الرشيدة هي حرة في كل حياتها كما هو البالغ الرشيد. وأما المسائل الأخلاقية والمسائل الشرعية فهي مشتركة بينهما. ونحن نقول إن الحرية حق للشاب والفتاة والشيخ الكبير ولكل إنسان، شرط أن تتحرك في خط المسؤولية الشرعية، وعلى الرجل والمرأة أن يلتزما حدود الله في ذلك وفي داخل حدود الله لهما الحرية في كل شيء.

* أكثر المسلسلات التلفزيونية في رمضان ضربت على وتر موضوع واحد، هو الزواج العرفي أو الزواج خارج مؤسسة المأذون والمحكمة الشرعية، واعتبر الأمر إهانة للفتاة، لأن كل شيء يتم في السر هو فضيحة. فما رأي سماحته من ظاهرة الزواج العرفي؟

ـ الزواج هو علاقة شخصية بين الرجل والمرأة على أساس الذي يحكمهما، فإذا قالت المرأة: زوجتك نفسي بمهر قدره كذا وقال الرجل: قبلت الزواج، صارا زوجين أمام الله.

* حتى من دون شهود؟

ـ هناك رأيان في الفقه الإسلامي: رأي في المذاهب الإسلامية السنية بأن لا بد من الشاهدين كأساس لشرعية الزواج، وهناك رأي في المذهب الإمامي أن الشاهدين ليسا شرطاً في شرعية عقد الزواج، وخصوصاً أنه قد يكون للزوجين بعض الخصوصيات التي لا يريدان إظهارها، ولكن من الأفضل وجودهما فجهة درء المفاعيل السلبية التي قد تحدث إثر ذلك. فمسألة التوثيق لدى المحكمة الشرعية أو المأذون هي مسألة تتصل بحماية نفسها وحماية الشاب لنفسه أيضاً من مضاعفات قد تنتج عن عدم توثيق الزواج.

* وأضاف:

ـ إن وجهة نظرنا أن قضية الزواج هي من المسائل التي تخص الطرفين، وعليهما أن يحتاطا لنفسيهما، سواء في اختيار شريك العمر أو في الظروف المحيطة بهما أو في ما أشبه ذلك. فهذه مسألة توثيقية وليست متصلة بالمسألة الشرعية. أما الحديث عن إهانة للفتاة فليست هذه إهانة لها، وإنما للشاب، لأن القضية هي علاقة بين الطرفين. وهناك نقطة أركز عليها، وهي أن هناك حديثاً متداولاً بأن هذه الأمور قد تتصل بإهانة كرامة المرأة باعتبارها تمثل حاجة جنسية لإشباع الرجل. فالواقع أن الحالة الجنسية حاجة للمرأة كما هي حاجة للرجل، ومشكلة بعض الثقافات أنها اعتبرت الجنس أمراً معيباً.. فالجنس تماماً كالشراب والطعام وككل حالة إنسانية هي طبيعية تعيش في جسم الإنسان وللإنسان الحق في أن يمارسها. وقد كانت المرأة في زمن الرسول عليه السلام تأتي للرسول وهو بين أصحابه وتقول: «زوجني يا رسول الله» ولم يعترض عليها أحد.. وفي السيرة النبوية الشريفة أن امرأة جاءت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو بين أصحابه فقالت زوجني يا رسول الله! فقال: من لها؟ فلم يقم إلا شخص واحد، فسأله عن رصيده المالي، فلم يكن عنده رصيد، فقال له: هل معك شيء من القرآن؟ (أي تحفظ سورة أو آية) فقال نعم! قال: زوجتك بما معك من القرآن. بينما في مجتمعنا لأن المتحضر المتقدم، لو أنّ فتاة جاءت إلى أبيها وقالت له أريد أن أتزوج فسيقول إن "شرش الحياء قد طق" عندها حسب التعبير الشعبي. لذلك اعتبر الإسلام الجنس حالة طبيعية، وهو تحدث عن الجنس في القرآن وفي السنة. ولهذا فالجنس ليس حالة معيبة بقدر ما يتصل بحاجة المرأة، وليس شيئاً معيباً بقدر ما يتصل بحاجة الرجل، رغم أن الإسلام ككل القوانين جعل للجنس نظاماً معيناً ليحفظ كرامة كل من الطرفين وليحافظ على الاستمرار الإيجابي لحياتهما معاً.^^

قانون الخلع

* بعد مصر، نجحت الملكة رانيا العبد الله ملكة الأردن في تحرير قانون الخلع في مجلس النواب الأردني، وثمة بين الرجال المسلمين في لبنان من يقول بأن قانون الخلع موجود في لبنان بدون الحاجة إلى تشريع، فيكفي أن ترد الزوجة الجواهر والحقوق المالية والعقارية التي اكتسبتها من الزوج وتطلب الطلاق فيمنحها إياه. فهل يرى سماحة السيد أن هذا الواقع يكفي أم لا بد من التشريع؟

ـ هناك أساس في مسألة الخلع هو الآية القرآنية التي تقول: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما في ما افتدت به}. فللمرأة أن تبذل مهرها إذا لم ترد أن تلتزم بلوازم الزوجية وكانت كارهةً للرجل، حتى من دون أسباب ليطلقها الرجل. وهناك في السنة أن امرأة جاءت إلى الرسول(ص) وتحدثت عن زوجها وذكرته بأحسن ما يكون ولكنها قالت بأنها لا تطيق الحياة معه وتخاف أن تعصي الله عندما تبقى عند زوجها، فقال لها النبي: «أتردّين عليه حديقته (المهر الذي أعطاه إياها»؟! فقالت: «نعم».. فأمره بطلاقها، كما في صحيح البخاري.

وهنا الفقهاء يختلفون في أمر طلاقها، هل هو إلزامي قانوني أم أنه أمر إرشادي على مستوى النصيحة؟ فمن قال إنه أمر إرشادي قال إن الرجل ليس ملزماً به، لأن الطلاق بيده، ومن قال إنه أمر قانوني إلزامي قال إن الرجل ملزم وإذا امتنع فإن الولي الشرعي أو المحكمة الشرعية هي التي تطلقها، وأنا أكاد أقترب في اجتهادي من الرأي الثاني، ولكنني لم أشكل عناصر هذه الفتوى حتى الآن، ولا تزال المسألة على مستوى البحث الفقهي.

* ثمة رواية عن الخليفة عمر بن الخطاب تقول بأنهم أخبروه بأن هناك امرأة جائعة فذهب إليها ووجدها تطبخ البحص لأولادها لتوهمهم بأنها تطبخ لهم، فذهب وحمل على ظهره كيس طحين لها. فهذه المرأة موجودة في كل مناطق لبنان ولكن من يأتي بكيس الطحين؟

ـ هذه تروى عن الخليفة عمر بن الخطاب كما تروى عن الإمام علي(ع).. ونحن فكرنا في إيجاد مكتب للخدمات الاجتماعية في سائر المناطق اللبنانية، حيث يذهب مندوبونا إلى البيوت في الجنوب والشمال والبقاع وبيروت ويقدمون لهم ما يستطيعون بعدما يستقبل المكتب طلبات الناس.

* سماحتك الآن إذن حامل كيس الطحين؟

ـ نرجو أن يوفقنا الله بأن نكون أمناء على كيس الطحين.^^ 

العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، وأعلى درجة توفيقية بين الدين والدنيا

أجرت مجلة "الأفكار" في عددها الصادر بتاريخ:12 شوال 1423هـ الموافق 16/12/2002 حواراً شاملاً مع سماحة السيد، وجاء في المقابلة:

عيد الفطر السعيد لم يكن عيداً واحداً في لبنان والعالم الإسلامي كما جرت العادة.. فالسنّة أعلنوا العيد يوم الخميس، والشيعة انقسموا على أنفسهم في التوقيت، فالسيد محمد حسين فضل الله شارك السنّة في إعلان يوم الخميس أول أيام العيد، وإيران والمجلس الشيعي الأعلى وحزب الله أعلنوه يوم الجمعة. فما هي الحكاية؟ ولماذا هذا الاختلاف الدائم في تحديد موعد عيد رمضان المبارك الذي لم يتخذ هذه السنة اختلافاً مذهبياً بين السنة والشيعة، بل طاول الطائفة أو المذهب الواحد؟

"الأفكار" عايدت المرجع العلامة السيد محمد حسين فضل الله داخل منـزله في حارة حريك، وهو الذي سبق لسماحته أن أعلن يوم الأربعاء أول أيام الصوم، وذلك قبل أسبوع من الموعد، وكذلك الحال بالنسبة ليوم العيد، وحاورته في شتى الشؤون والشجون. وطال الحوار فتناول كل مواضيع الخلاف في تحديد الرؤية للهلال والاختلاف في توقيت الأذان والإفطار وإلى شؤون وشجون الساحة الإسلامية والمواضيع ذات الصلة بالمرأة، بدءاً من حدود حريتها وقانون الخلع المعتمد في مصر والأردن حالياً، إلى مسائل سياسية تتصل باحتفال حزب الله في يوم القدس في النبطية وحالة الخوف عند بعض الفئات التي شاهدت هذا الاستعراض الكبير والتأكيد بأنه موجه ضد إسرائيل فقط ونقطة على السطر، إلى موضوع الاستنساخ ونظرة الإسلام إليه.

وكان السيد يضع النقاط فوق كل الحروف دون لبس أو إبهام، وعنده جواب شاف لكل سؤال.. فكيف لا وهو العلامة المجتهد الذي يفتي بما يرضي الله الخالق وبما يرضي المخلوق دون تعقيد، مستلهماً الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في نهجه، ومواكباً العصر والتطور في ميادين الحياة كلها، دون أن يحيد قيد أنملة عن أصول الشرع الإسلامي ومصادره الحية، والمفارقة في الحديث أنه ضم المحررتين كوزيت كرم وهلا ناضر.. بالحجاب!

غياب القاعدة العلمية

* كلنا في وسائل الإعلام ندعو إلى رصّ الصفوف وتوحيد المواقف لبنانياً وعربياً، وعلى هذا الوتر يضرب الخطباء والزعماء. ولكن من باب أولى أن يحال دون هذا التشرذم في الطائفة الواحدة.. فسماحة السيد محمد حسين فضل الله والسنة يعلنون العيد يوم الخميس، وإيران والمجلس الشيعي الأعلى يعلنانه يوم الجمعة، في الصباح هناك أذانان، وفي المغرب أذانان، وفي الإفطار قوم يفطرون قبل الضوء وقوم على غياب الشمس وقوم على ظهور النجمة، فما رأي سماحة السيد في هذه الإشكالات مجتمعة؟

ـ لعل مشكلتنا في الشرق، ولا أتحدث عن لبنان، أن الدعوة إلى الوحدة وإلى رصّ الصفوف لم ترتكز على قاعدة علمية تتحرك من خلال العقل في المعطيات التي يرتكز عليها أو في الواقع، لأن مسألة الاختلافات الموجودة عندنا قد تنشأ من حالات مذهبية لا يراد لها أن تتحرك باتجاه المناقشة والحوار، أو من رواسب دينية واجتماعية تجمدت وتحجرت في الذهن حتى أصبحت الثورة عليها تمثل ثورةً على المقدسات..

من خلال ذلك، فإن مسألة الهلال ليست مسألة سنية ـ شيعية، وإنما هي مسألة تتصل بالاجتهاد الفقهي الذي تحرك في خطين:

الخط الأول: هو الخط الرؤيوي الذي يعتبر أن لرؤية الهلال دوراً موضوعياً في ثبوت الشهر، ولذلك فإن اختلف الذين يمارسون الرؤية في وثاقتهم أو في طبيعة شهاداتهم، فمن الطبيعي أن يختلف الناس الذين يعتمدون عليهم، وهذا ما نلاحظه كل سنة لدى السنة أنفسهم ولدى الشيعة أنفسهم.

وهناك اتجاه آخر، وهو الاتجاه العلمي الفلكي الذي نتبناه، وهو أن الشهر ظاهرة كونية كبقية الظواهر الكونية الخاضعة لقوانين موجودة في طبيعة تكوين العالم، تماماً كما هي مسألة تفجّر الينابيع، وكما هي مسألة نبات النبات وتحرك الفصول.. ليس للرؤية أي دور في ذلك.. وأن ترى الظاهرة أو لا تراها لا تغير من طبيعة الظاهرة، بل إنني أكاد أزعم في كلمة قد لا تخلو من التطرف، أن مسألة إثبات الشهر في بدايته ونهايته ليست من المسائل التي يرجع فيها للفقهاء، بل إنها من المسائل التي يرجع فيها للمختصين في تفسير هذه الظواهر الكونية، وهم علماء الفلك الذين بلغوا في مسألة التوليد في حساباتهم الدقيقة إلى ما يشبه المعادلة، تماماً كما تقول: واحد + واحد يساوي اثنين.

ولهذا، فإننا من خلال اقتناعنا بأن موضوع الصيام هو الشهر، والشهر ظاهرة كونية يرجع فيها إلى المختصين بهذا العلم، ولو أخذنا بهذا المبنى الاجتهادي، فإننا نستطيع أن نتحدث عن الهلال إلى ما بعد خمسين سنة، كما يتحدث الآن حتى الرؤيويون عن الخسوف والكسوف قبل خمسين سنة.

ففي الكسوف الكلّي الذي حدث في العام الماضي، كان الناس يتحدثون عنه قبل عشرات السنين، ولم يعترض أحد في هذا المجال، ولهذا نقول بأن المسألة تنطلق من رحم واحد في هذه الناحية. أما في مسألة الرؤية، فإننا نفهم هذه الرؤية من خلال الحديث النبوي الشريف: "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته"، أنها وسيلة من وسائل المعرفة، حتى إن في بعض هذه الروايات التي تروي هذا الحديث الشريف يقول: "اليقين لا يدخله الشك، صم للرؤية وافطر للرؤية".

فهذا يوحي بأن مسألة الرؤية هي وسيلة من وسائل اليقين وليست هي الوسيلة الوحيدة، ولقد ضربت لبعض الأصدقاء مثلاً في هذا المجال كيف يفهم الناس الرؤية كوسيلة من وسائل المعرفة، لا كموضوع تتجمد عنده، وذلك لو قال لك شخص: "إذا رأيت فلاناً فأخبرني"، ولكنك لم تره، بل اتصل بك تلفونياً، فإنك تشعر بمسؤوليتك عن إخباره وإن لم تره رؤية العين، لأن كلمة "إذا رأيته فأخبرني" توحي بالتأكد من وجوده، وهنا لا تكون المشاهدة شرطاً..

لذلك أعتقد أن المسألة ليست مسألة مذهبية، ولكنها مسألة علموية كونية، وعلينا أن نفسر الشهر واليوم والسنة والأسابيع والفصول تفسيراً علمياً من قبل المختصين، وعلى الفقهاء أن يدققوا في ما يرونه من الأحاديث الشريفة، وأن يقارنوا فيما بينها وبين الآيات القرآنية، لأن القرآن هو النور الذي يضيء الأفق للوعي الحديثي الذي ينفتح عليه.

لهذا نقول إنّ على العلماء (علماء الفلك) أن يجتمعوا في أول الشهر وفي آخره ويحددوا أوله وآخره، وعلى الفقهاء أن يستمعوا في ذلك.^^

الناس والسكتة الدماغية

* الآية الكريمة تقول: {أرأيت الذي ينهى* عبداً إذا صلى* أرأيت إن كان على الهدى* أو أمر بالتقوى* أرأيت إن كذب وتولى* ألم يعلم بأن الله يرى}. ألا تعني هنا الرؤية بأنها التفكير والعقل؟

ـ أنا أقول كشاهد على كلامك: لا قيمة للرؤية العملية إذا لم يكن هناك وعي خلف العين، ألا ترى أن بعض الناس يعيشون السلامة في العين ولكنهم لا يبصرون، لأن لديهم سكتة دماغية، إن قيمة الرؤية البصرية هي بمقدار ما يتحرك خلفها من الرؤية الوعيوية.

* وماذا عن الأذان؟

ـ أما بالنسبة لأذان الفجر، فالفجر واحد، ولكن هناك نقاشاً فلكياً في الفجر وليس مذهبياً.. فكل المذاهب الإسلامية تقول إن الفجر هو الفجر الصادق لا الكاذب، لكنهم يختلفون في توقيت هذا الفجر من ناحية النظرة الفلكية العلمية. أما بالنسبة للإفطار، فرأيي ورأي كثير من علماء المسلمين أن الغروب يتحقق بسقوط قرص الشمس ولا يتوقف على زوال الحمرة المشرقية، ولذلك أفتيت بأن الإنسان يستطيع أن يفطر عند غروب الشمس ويصلي وصيامه صحيح وصلاته صحيحة.

* غير مرة سُئِل علماء وفقهاء على شاشة التلفزيون، لماذا لا يكون الفلك أساساً للصوم والأعياد، وجاء الجواب منهم عبر حديث شريف واضح: "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته". فهل يمكن اعتبار المرصد هو العين، وهل يمكن اعتبار الحسابات الفلكية عيناً أيضاً؟

ـ نحن نأخذ في الاعتبار كل وسيلة أمينة تكشف لنا وجود القمر في الأفق بنحو يختزن كمية من الضوء يقبل الرؤية بطبيعته من ناحية النظام العام حتى لو لم يره أحد. ونحن في هذه السنة حكمنا بأن عيد الفطر من أول شوال هو يوم الخميس، لأننا قمنا بجولة حول العالم وبالاتصال مع علماء الفلك في العالم، فثبت عندهم أن هناك منطقة في أميركا الجنوبية يمكن رؤية الهلال فيها مساء الأربعاء، وهي تتصل بنا بجزء من الليل، وحكمنا على هذا الأساس.

* أي منطقة؟

ـ منطقة ليما التي تقع في البيرو.

* مشهد المقاومين في النبطية يوم الجمعة المصادف يوم القدس أجفل بعض الأوساط المسيحية، ونشرت "الأفكار" صورة المقاومين وتحتها كلمة "لا تخافوا من هذه الصورة.. إنها لتخويف إسرائيل فقط"، فكيف يرى سماحة السيد أن تبدد مخاوف المسيحيين في هذا الموضوع وفي غيره؟

ـ أقول لمواطنينا المسيحيين: علينا أن ندرس كل الظواهر الأمنية أو السياسية أو الاجتماعية والثقافية في لبنان بموضوعية بعيداً عما إذا كنا مسيحيين أو مسلمين أو علمانيين، لأن قضية الواقع الموضوعي تماماً كالواقع الكوني تخضع لحسابات دقيقة في الأمن أو في الاجتماع أو في الثقافة أو في السياسة. وعندما ندرس ظاهرة المقاومة بقطع النظر عن أنها مقاومة إسلامية أو مسيحية أو مقاومة وطنية عامة لا تتأطر بأي إطار ديني، فإننا نسأل: لماذا المقاومة؟! ربما يقال بأن هناك جيشاً لبنانياً، فلماذا يكون هناك جيش آخر؟!

إننا عندما ندرس المسألة نعرف كما يعرف الجميع أن الجيش اللبناني لا يملك الظروف السياسية، وقد لا يملك ظروف وسائل القوة للدخول في حرب مع إسرائيل، وهذا أمر نحترمه جيداً في لبنان، كما يعرفه كل العقلاء الذين يفكرون بعقلانية بعيداً عن الانفعال.

نحن نحترم الجيش اللبناني، ولا سيما في السياسة التي تحركت منذ تسلم الرئيس إميل لحود قيادة الجيش، إذ أصبح الجيش للبنان كله ولم يعد جيشاً فئوياً. لذلك فإن الخط الذي يتحرك فيه هو خط يتحدث عن إسرائيل بأنها العدو، وأصبح هذا مبدأ في عقيدته العسكرية، لكننا نعرف ظروف الجيش اللبناني، ونرجو أن يتطور في قوته وفي ظروفه السياسية إلى المستوى الذي يستطيع من خلاله أن يواجه كل القوى الأخرى.

لذلك، فإن مسألة المقاومة في أي بلد لا بد أن تتحرك عندما يكون هناك احتلال لبلد أو يكون هناك خطر على البلد. ونستحضر في ذلك المقاومة الفرنسية في أيام الاحتلال النازي لـ"باريس" عام 1940، وقد كان هناك جيش فرنسي ولكن المقاومة الفرنسية الشعبية كانت ضرورة كبرى..

لهذا، فإن المقاومة ليست لطائفة معينة، وليست مسألة إسلامية في مواجهة المسيحيين، بل هي مسألة لبنانية في مواجهة إسرائيل.. وعندما تزول كل إسرائيل من لبنان ويزول كل خطر على لبنان، فلا ضرورة عند ذلك لمقاومة عسكرية، بل نتحول جميعاً لنكون مقاومة مدنية تعرف كيف تتحرك لتبني بلداً.

لذلك، فإنني أتصوّر أن على المسيحيين أن يعرفوا أن المقاومة، والمقاومة الإسلامية بالذات، التي أخذت صفة إسلامية لا لتتطيّف بها، ولكن لتثبت أن الإسلام ليس طائفة، بل هو خط وفكر للناس جميعاً، وهذا ما قرأناه في كلمة الإمام علي بن أبي طالب(ع) في عهده لواليه مالك الأشتر: "إن الناس صنفان: إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق، والخلق كلهم عيال الله وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله".

لذلك، فإن هؤلاء الشباب الذين قاموا بالاستعراض إنما يريدون أن يقولوا لإسرائيل: نحن على استعداد للمواجهة الآن كما كنا على أهبة الاستعداد للمواجهة قبل تحرير الجزء الأكبر من لبنان، لأنه لا يزال جزء محتل نحتاج إلى أن نحرره. لذلك نقول للمسيحيين إن لبنان وطننا جميعاً، وإن إسرائيل عدوة لبنان كله، ويعرف المسيحيون كيف أنها غدرت حتى بالمسيحيين قبل المسلمين أيضاً في حرب الجبل وفي غيره. لذلك أستطيع أن أقول من خلال مسؤوليتي الدقيقة الواعية: اطمئنوا فليس هناك أي مسلم يفكر بأي حركة سلبية ضد أي مسيحي.^^

المسيحيون والمقياس العددي

* تعكف الدوائر الأميركية على دراسة التحوّلات الديموغرافية في الوطن العربي والدول الإسلامية، بحيث يلاحظ أن عدد المسيحيين بعد عشر سنوات سيكون أقل من حاله الآن لمرتين. فما هي الصيغة التي يقترحها سماحة السيد لعدم استخدام المقياس العددي في التعاطي مع الشأن الوطني والقومي؟

ـ أتصور أن اللبنانيين من مسيحيين ومسلمين لا يزالون يتعايشون على أساس التوازن اللبناني ـ اللبناني. ولا أريد أن أتحدث عن التوازن الطائفي. ولا أتصور أن هناك أي مشكلة بين اللبنانيين في هذا المجال إلا عندما تتحرك القضايا في إطار التيارات السياسية العامة، كالديموقراطية والحرية والمواطنية، وما إلى ذلك.

فلا مشكلة بين اللبنانيين الآن في هذا المجال، إلا على مستوى ما يثار في بعض الحالات في إطار اللعبة السياسية التي يريد بعض الناس أن يسجل فيها نقطة على بعض الناس الآخرين. لذلك أتذكر كلمة لكمال جنبلاط عندما كان يرى أن المسلمين يتعقدون من طرح العلمانية أو طرح قانون الأحوال الشخصية، فكان يقول: "اقبلوها فسيعارضها المسيحيون"، لأن المسألة في لبنان هي مسألة لعبة الكرة السياسية، ومع الأسف الوطن هو الكرة التي تتقاذفها الأيادي.

ولذلك، فإنّ السياسة هي أن تسجِّل نقطة على الآخر وهو يسجل نقطة عليك. إنني أتصور أن مسألة المسيحية والإسلام في العالم العربي ليست مسألة مشكلة العدد، لأننا نشعر أن المسيحيين في البلاد العربية الأخرى يعيشون بكل حقوقهم وكراماتهم.. أما مسألة أن يكون هناك للمسيحيين في هذا البلد أو ذاك ممثلون في المجلس النيابي، فهذا أمر ينطلق في حساب كل بلد انطلاقاً من حساب الأقلية والأكثرية، سواء كانت أقلية أو أكثرية حزبية، أو أقلية أو أكثرية عرقية، أو أقلية أو أكثرية دينية في هذا المجال.

فالمشكلة عندنا في هذا الشرق أن هناك حساسية طائفية دينية مرضية ـ ولا أقول تديناً ـ تحاول أن تربك البلد والمنطقة ليبقيا في حالة اهتزاز بفتح المجال للعبة الأمم أن تهجر هذا وأن تسقط ذاك. فتش عن لعبة الأمم.. وفي هذه المرحلة فتش عن أميركا، حتى إن المسألة ليست مسألة مسيحية وإسلام، بل هي مسيحية كاثوليكية وأرثوذكسية وإسلامية سنية وشيعية إلى آخر القائمة. ولقد رأينا كيف أن اللعبة الدولية التي أرادت من خلال "هنري كيسنجر" أن تشعل الحرب في لبنان من أجل تصفية القضية الفلسطينية، تحولت إلى حرب بين المسيحيين والمسلمين، وبين المسيحيين أنفسهم، وبين المسلمين أنفسهم بشكل أكثر ضراوة من الحرب الطائفية.

ولذلك فالقصة ليست قصة مسيحيين ومسلمين، ولكنها قصة لعبة دولية إقليمية تحاول أن تلعب على التناقضات المحلية، لأن المطلوب أن نكون الحطب في مواقد الآخرين، وقد قلت دائماً عن لبنان بأنه الرئة التي تتنفس فيها مشاكل المنطقة.

* وعاد ليقول:

ـ أما قضية الهجرة وقضية العدد، فالمسلمون يهاجرون والمسيحيون يهاجرون، لأن المشكلة أن الوضع الاقتصادي في لبنان بفعل كل التعقيدات الماضية والحاضرة وربما المستقبلية، يمنع الإنسان من أن يجد العيش الكريم في بلده.^^

طرح الدولة الإسلامية

* في هذا الإطار، ألا يشكل طرح حزب الله بناء دولة إسلامية في لبنان هاجساً كبيراً للمسيحيين؟

ـ أولاً أنا لا أعلق على طروحات الآخرين، فأنا مستقل في آرائي، ولكن ربما تحدثت قبل ما يقارب العشرين سنة عن مسألة الجمهورية الإسلامية في لبنان، وقلت بأن طرح الجمهورية الإسلامية في لبنان ليس طرحاً واقعياً على مستوى الواقع الميداني، وهذا موثق في أرشيف كل الجرائد اللبنانية. وأذكر أنني كنت في مدينة قم الإيرانية عندما جرت أحداث6 شباط (فبراير) 1984 في لبنان، وكان يخيل لبعض الناس أنها المدخل لجمهورية إسلامية، وكان في المجلس كبار القوم، فقلت لهم آنذاك: «إن لبنان لن يكون جمهورية إسلامية وربما تتحول فلسطين إلى جمهورية إسلامية، ولكن لبنان لا يمكن أن يتحول إلى جمهورية إسلامية بفعل التركيبة الداخلية المرتبطة باللعبة الدولية التي أنشأت لبنان، هي أن لبنان ليس وطناً إنما هو معادلة يرتبط بها أكثر من محور دولي. لذلك لو أن الحرب التي حدثت في لبنان في مدى 17 سنة حدثت في أي دولة في المنطقة أو خارجها لذهبت الدولة، ولكن لبنان بقي صامداً قوياً حديدياً».

* وأضاف:

ـ إن طرح الجمهورية الإسلامية كنت أطرحه من أجل إخراج الإسلام من المناخ الطائفي، كي لا يكون مجرد طبل طائفي كما هو الطبل المسيحي الطائفي ليدق عليه آخرون، وليعرف الناس أن الإسلام فكر، وأن الإسلام يمثل قاعدة فكرية ثقافية قانونية يمكن للناس أن يفكروا بها كما يفكرون بأي قاعدة أخرى.­

لذلك نحن نعتقد أن طرح الجمهورية الإسلامية ليس واقعياً على الأقل، وإن كان كل صاحب فكر يحب أن يطرح فكره ليتحول إلى واقع، لكن هناك مسافة بين الفكر بما يتبناه الإنسان وبين الواقع فيما يمكن أن يتحقق في الواقع.^^

المرأة وتشرذم المؤمنين

* تبقى المرأة رغم كل تطور أصاب مجتمعها في السنوات الأخيرة مهيضة الجناح، لا هي في قوى الأمن الداخلي ولا هي في الجيش ولا في الوزارة ولا في الأجهزة الرقابية، مع أن السيدة عائشة رضي الله عنها حاربت في موقعة الجمل، والسيدة أم حرام حاربت مع معاوية في قبرص وهناك قبر لها في مدينة «كيرينيا». فكيف يرى سماحة السيد حالة المرأة بعد عشر سنوات؟

ـ إننا في دراستنا لقضية المرأة بعقل بارد وبموضوعية علمية تاريخية، نجد أن الصحوة تكاد تكون مستحيلة، ولا سيما في المسار التاريخي. فعندما ندرس مسألة المرأة في التاريخ، نرى أنها كانت خارج نطاق الواقع الإنساني في الحركية الفاعلية في تطور المجتمع إلا من خلال بعض نساء طليعيات، سواء في المنطقة أو خارجها، كانت لهن ظروفهن المستمدة من خلال بعض ما يحيط بهن، ما جعل لهنّ هالة معينة تستجلب النفس، ولكن نلاحظ أن هؤلاء النساء اللاتي أخذن مراكز في الدولة كالملكات، أو في مراكز متقدمة، لم يتركن بعدهن أي امتداد لما بدأنهن، لأن المسألة لم تكن أن مسألة التطور الإنساني هو الذي أعطى المرأة هذا الدور، بل إن الخصوصية الذاتية والظروف الخاصة المحيطة بها هي التي منحتها ذلك، حتى أن السيدة عائشة أم المؤمنين، لم تكن هي التي تقود الحرب، بل كان الذي يقود الحرب طلحة والزبير، ولكنها كانت العنصر الذي يملك الجانب العاطفي الذي تحيط به هالة من القداسة لشحن همم المقاتلين، ولم تكن هي التي خططت لحرب ولم تكن هي التي أثارت الحرب، ولكنها استغلت بعض ظروفها النفسية وموقفها من الإمام علي وبعض الأوضاع التي أثيرت من خلالها لتقوم بهذا الدور.

لذلك فإن مسألة أن المرأة لا تزال مهيضة الجناح قد تكون أمراً واقعياً، لكن نلاحظ أن المرأة في العالم بدأت في مسار يملك بعض القوة، وأن النساء اللاتي أخذن موقعاً متقدماً لم يمتلكن من خصوصية ذاتية ظرفية، بل من خلال المناخ العام السياسي تارة والثقافي أخرى والاقتصادي ثالثة. ولهذا على المرأة أن تنتظر طويلاً حتى يمكن أن توازن بين هذا الاستلاب التاريخي الذي يرقى إلى ملايين السنين وبين ما تطمح إليه في المستقبل. وعلى المرأة أن تدرس المكاسب التي حصلت عليها، وعليها أن تدرس الفترة التي تحتاجها من أجل تطوير هذه المكاسب، وأن تدرس السلبيات، لا لتسقط أمامها، بل لتحولها إلى إيجابيات.^^

معنى الاستنساخ

* في مطلع العام المقبل يولد في مستشفى إيطالي أول طفل مستنسخ، ويواجه الموضوع جملة آراء بين من يحرم ذلك، وعلى رأسه الأزهر الشريف وقداسة البابا، وبين مَن يتحيّز للعلم تشبهاً بالآية الكريمة: {وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً}، وفي القرآن آية كريمة تستبعد علم الإنسان بما في الأرحام، ومع ذلك ظهر الرنين المغناطيسي الذي يكتشف جنس المولود عند الشهر الرابع من تكوين الجنين ولم يعترض أحد على هذا الإنجاز، فكيف يوفق سماحة السيد العلامة الكبير المجتهد بين العلم والدين، أين يلتقيان وأين يفترقان؟

ـ إنني أعتقد أن العلم يملك الأسس التي تؤدي إلى البراعة الكاملة أو القريبة من الكمال لاكتشاف سنن الله وقوانينه في الكون وفي الإنسان. إنني أؤمن بالعلم، لأن العلم هو هبة الله للإنسان.. فالله خلق للإنسان عقلاً يفكر، وعيناً تبصر، وأذناً تسمع، وحاسة تشم وتلمس، وقال للإنسان حاول أن تحرك كل هذه المصادر للمعرفة لتقدمها إلى العقل ليفكر ولتتحرك المعرفة في خطين: خط التأمل الفكري، وخط التجربة.

ولذلك هناك الجانب التجريبي والجانب العلمي في هذا المجال. وأتصور أن العلم يمثل هبة الله للإنسان، من خلال أن مصادر هذا العلم وهي العقل والحياة التي تمثل خميرة التجربة هي من خلق الله في الإنسان. ولكن علينا أن لا نعطي العلم أكثر مما يعطيه لنفسه. فالعلم لا يمثل الحقيقة المطلقة، إنما يمثل الحقيقة من خلال المعطيات الموجودة بين يديه.

ولهذا نلاحظ أن النظرية العلمية قد تحكم الذهنية الإنسانية مدة من الزمن، لتأتي نظرية أخرى وتنسف ذلك كله. ولذلك فإن العلماء متواضعون أكثر من الذين يقرأون نظرياتهم. فالذين يقرأون نظرياتهم يتحدثون عن العلم كحقيقة مطلقة، ولكن العلماء يقولون: " هذا ما وصلنا إليه وربما نصل إلى شيء آخر"!! أما الاستنساخ فكنت أول من أعلن أن الاستنساخ لا يناقض ولا يضادُّ العقيدة الدينية، لأن الإنسان بالاستنساخ لم يتحول إلى خالق، لأن الخلق ليس خلق الشكل، بل هو خلق القانون، ونحن بكل اختصار ندرس كيف حدث الاستنساخ..

فالإنسان أو الكائن الحي يولد من خلال خلية تشتمل على 46 "كروموزوم"، وهذه موجودة بنسبة23 في البويضة التي تفرزها الأنثى و23 في النطفة التي يفرزها الرجل. وعندما تتلقح البويضة بالنطفة تتكامل الخلية. هنا المستنسخون جاءوا وحاولوا أن يأخذوا خلية ناضجة مشتملة على 46 كروموزوم وفرّغوا البويضة مما فيها من الكروموزومات وزرعوها فيها لتكون النتيجة أن الخلية هي نفس الخلية، لكنها كانت منقسمة فتكاملت. فهم استهدوا القانون الإلهي في خلق الكائن الحي ولم يتحولوا إلى خالق.

ثم إن القضية لا تقاس في الدين من ناحية العقيدة، أما مسألة الأخذ بهذا القانون وتحويله إلى واقع في حياة الإنسان، فإن هذا يخضع للدراسة الاجتماعية فيما هي المصلحة الإنسانية في ذلك. وعلى العلماء أن يدرسوا، فإذا كانت المصلحة أقوى من المفسدة قلنا فليكن، تماماً كما في طفل الأنبوب، وكما في كثير من العمليات الجديدة التي لم تكن موجودة في السابق.

وإذا كانت المفاسد أكثر من المنافع فلنقل هنا بالتحريم، لأن الله يقول: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما}، فكل ما كان ضرره أكبر من نفعه فهو حرام.. فهذه مسألة تحتاج إلى متابعة دراسية على مستوى الواقع. وهل يمكن أن نسمح باستنساخ الإنسان أو لا يمكن؟ وهل أن المضار أكثر أو المنافع؟! فهذه مسألة تحتاج أن ندرسها من خلال علماء الاجتماع وعلماء النفس وعلماء القانون وما إلى ذلك..

* واستطرد سماحته قائلاً:

ـ أما قضية معرفة ما في الأرحام، فالآيات تتحدث أن الله يستقل بعلم الأرحام، باعتبار أن الله بحسب قانونه المودع في الإنسان هو الذي يرى ما في الأرحام، فهو يعلمه بطريقة مباشرة.. أما معرفتنا ما في الأرحام من خلال الأجهزة، فهي تندرج في خانة: {علّم الإنسان ما لم يعلم}، فنحن نعلم كثيراً من الأمور من خلال ما أعطانا الله من علم التأمل وعلم التجربة، وأصبحنا ندرك كثيراً من حقائق الحياة التي لم تكن معروفة، لأن الله أعطانا علم ذلك و{علم الإنسان ما لم يعلم}. فالله يعلم ما في الأرحام بشكل مباشر، {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}، ونحن نعلم ما في الأرحام بواسطة المعلومات والأجهزة التي أعطانا الله إياها، من خلال وسائل العلم التي وهبنا إياها.. والخلق هو خلق القانون، أي خلق قانون لم يكن، ولم يستطع الإنسان حتى الآن أن يخلق قانوناً فوق قوانين الله، بل استهدى قوانين الله بطريقة تشغيل الفكر.^^

حرية.. الفتاة

* هناك فتيات ينهضن بعبء عائلة كاملة بعدما كانت الفتاة عالة على أبيها أو أخيها أو ولي أمرها. وهنا جدل حول حرية المرأة، سواء في معترك العمل أو في معترك البيت أو في تقرير الزواج. في رأي سماحته أين تبدأ حرية الفتاة وأين تنتهي؟

ـ الفتاة البالغة الرشيدة إنسان كامل في إنسانيته، كامل في المسألة القانونية، شخص اقتصادي سياسي اجتماعي ثقافي مستقل كما هو الشاب البالغ الرشيد. حتى إننا بحسب فتوانا نرى أنه لا دور للأب ولا للأم ولا للأخ في زواج الفتاة إذا كانت بالغة رشيدة، ولها أن تتزوج بمن شاءت ولا حق لأي أحد ممن يحيط بها أن يفرض عليها ما لا تريد، حتى أننا قلنا لكثير من الفتيات اللاتي خضعن لضغط وإكراه في مسألة عقد الزواج أن بإمكانهن الذهاب والزواج من أي شخص كان، لأن الزواج باطل لأنه جرى بالإكراه!

* حتى لو دخل عليها؟

ـ كما قلنا فالأمر كمن يغتصب واحدة إذا لم توافق، فإذا لم يكن العقد بين متعاقدين يملكان جدية القرار في العقد والرضا به فهو باطل. فلا إكراه مع أي عقد، سواء كان عقد زواج أو عقد بيع أو أي عقد آخر، ويعتبر العقد وكأنه لم يكن في هذا المجال. ويمكن أن يكون الإنسان بريئاً والقانون ضده.. فهذا شيء آخر. فنحن نتكلم في واقع المسألة الشرعية، وفي هذا المجال نقول إن البالغة الرشيدة هي حرة في كل حياتها كما هو البالغ الرشيد. وأما المسائل الأخلاقية والمسائل الشرعية فهي مشتركة بينهما. ونحن نقول إن الحرية حق للشاب والفتاة والشيخ الكبير ولكل إنسان، شرط أن تتحرك في خط المسؤولية الشرعية، وعلى الرجل والمرأة أن يلتزما حدود الله في ذلك وفي داخل حدود الله لهما الحرية في كل شيء.

* أكثر المسلسلات التلفزيونية في رمضان ضربت على وتر موضوع واحد، هو الزواج العرفي أو الزواج خارج مؤسسة المأذون والمحكمة الشرعية، واعتبر الأمر إهانة للفتاة، لأن كل شيء يتم في السر هو فضيحة. فما رأي سماحته من ظاهرة الزواج العرفي؟

ـ الزواج هو علاقة شخصية بين الرجل والمرأة على أساس الذي يحكمهما، فإذا قالت المرأة: زوجتك نفسي بمهر قدره كذا وقال الرجل: قبلت الزواج، صارا زوجين أمام الله.

* حتى من دون شهود؟

ـ هناك رأيان في الفقه الإسلامي: رأي في المذاهب الإسلامية السنية بأن لا بد من الشاهدين كأساس لشرعية الزواج، وهناك رأي في المذهب الإمامي أن الشاهدين ليسا شرطاً في شرعية عقد الزواج، وخصوصاً أنه قد يكون للزوجين بعض الخصوصيات التي لا يريدان إظهارها، ولكن من الأفضل وجودهما فجهة درء المفاعيل السلبية التي قد تحدث إثر ذلك. فمسألة التوثيق لدى المحكمة الشرعية أو المأذون هي مسألة تتصل بحماية نفسها وحماية الشاب لنفسه أيضاً من مضاعفات قد تنتج عن عدم توثيق الزواج.

* وأضاف:

ـ إن وجهة نظرنا أن قضية الزواج هي من المسائل التي تخص الطرفين، وعليهما أن يحتاطا لنفسيهما، سواء في اختيار شريك العمر أو في الظروف المحيطة بهما أو في ما أشبه ذلك. فهذه مسألة توثيقية وليست متصلة بالمسألة الشرعية. أما الحديث عن إهانة للفتاة فليست هذه إهانة لها، وإنما للشاب، لأن القضية هي علاقة بين الطرفين. وهناك نقطة أركز عليها، وهي أن هناك حديثاً متداولاً بأن هذه الأمور قد تتصل بإهانة كرامة المرأة باعتبارها تمثل حاجة جنسية لإشباع الرجل. فالواقع أن الحالة الجنسية حاجة للمرأة كما هي حاجة للرجل، ومشكلة بعض الثقافات أنها اعتبرت الجنس أمراً معيباً.. فالجنس تماماً كالشراب والطعام وككل حالة إنسانية هي طبيعية تعيش في جسم الإنسان وللإنسان الحق في أن يمارسها. وقد كانت المرأة في زمن الرسول عليه السلام تأتي للرسول وهو بين أصحابه وتقول: «زوجني يا رسول الله» ولم يعترض عليها أحد.. وفي السيرة النبوية الشريفة أن امرأة جاءت إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو بين أصحابه فقالت زوجني يا رسول الله! فقال: من لها؟ فلم يقم إلا شخص واحد، فسأله عن رصيده المالي، فلم يكن عنده رصيد، فقال له: هل معك شيء من القرآن؟ (أي تحفظ سورة أو آية) فقال نعم! قال: زوجتك بما معك من القرآن. بينما في مجتمعنا لأن المتحضر المتقدم، لو أنّ فتاة جاءت إلى أبيها وقالت له أريد أن أتزوج فسيقول إن "شرش الحياء قد طق" عندها حسب التعبير الشعبي. لذلك اعتبر الإسلام الجنس حالة طبيعية، وهو تحدث عن الجنس في القرآن وفي السنة. ولهذا فالجنس ليس حالة معيبة بقدر ما يتصل بحاجة المرأة، وليس شيئاً معيباً بقدر ما يتصل بحاجة الرجل، رغم أن الإسلام ككل القوانين جعل للجنس نظاماً معيناً ليحفظ كرامة كل من الطرفين وليحافظ على الاستمرار الإيجابي لحياتهما معاً.^^

قانون الخلع

* بعد مصر، نجحت الملكة رانيا العبد الله ملكة الأردن في تحرير قانون الخلع في مجلس النواب الأردني، وثمة بين الرجال المسلمين في لبنان من يقول بأن قانون الخلع موجود في لبنان بدون الحاجة إلى تشريع، فيكفي أن ترد الزوجة الجواهر والحقوق المالية والعقارية التي اكتسبتها من الزوج وتطلب الطلاق فيمنحها إياه. فهل يرى سماحة السيد أن هذا الواقع يكفي أم لا بد من التشريع؟

ـ هناك أساس في مسألة الخلع هو الآية القرآنية التي تقول: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما في ما افتدت به}. فللمرأة أن تبذل مهرها إذا لم ترد أن تلتزم بلوازم الزوجية وكانت كارهةً للرجل، حتى من دون أسباب ليطلقها الرجل. وهناك في السنة أن امرأة جاءت إلى الرسول(ص) وتحدثت عن زوجها وذكرته بأحسن ما يكون ولكنها قالت بأنها لا تطيق الحياة معه وتخاف أن تعصي الله عندما تبقى عند زوجها، فقال لها النبي: «أتردّين عليه حديقته (المهر الذي أعطاه إياها»؟! فقالت: «نعم».. فأمره بطلاقها، كما في صحيح البخاري.

وهنا الفقهاء يختلفون في أمر طلاقها، هل هو إلزامي قانوني أم أنه أمر إرشادي على مستوى النصيحة؟ فمن قال إنه أمر إرشادي قال إن الرجل ليس ملزماً به، لأن الطلاق بيده، ومن قال إنه أمر قانوني إلزامي قال إن الرجل ملزم وإذا امتنع فإن الولي الشرعي أو المحكمة الشرعية هي التي تطلقها، وأنا أكاد أقترب في اجتهادي من الرأي الثاني، ولكنني لم أشكل عناصر هذه الفتوى حتى الآن، ولا تزال المسألة على مستوى البحث الفقهي.

* ثمة رواية عن الخليفة عمر بن الخطاب تقول بأنهم أخبروه بأن هناك امرأة جائعة فذهب إليها ووجدها تطبخ البحص لأولادها لتوهمهم بأنها تطبخ لهم، فذهب وحمل على ظهره كيس طحين لها. فهذه المرأة موجودة في كل مناطق لبنان ولكن من يأتي بكيس الطحين؟

ـ هذه تروى عن الخليفة عمر بن الخطاب كما تروى عن الإمام علي(ع).. ونحن فكرنا في إيجاد مكتب للخدمات الاجتماعية في سائر المناطق اللبنانية، حيث يذهب مندوبونا إلى البيوت في الجنوب والشمال والبقاع وبيروت ويقدمون لهم ما يستطيعون بعدما يستقبل المكتب طلبات الناس.

* سماحتك الآن إذن حامل كيس الطحين؟

ـ نرجو أن يوفقنا الله بأن نكون أمناء على كيس الطحين.^^ 

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير