نحن العرب ساميون أقحاح واليهود معادون للسامية

نحن العرب ساميون أقحاح واليهود معادون للسامية
 

كتب عوني الكعكي ـ علي الزين

اللقاء مع آية الله العظمى المرجع محمد حسين فضل الله، مسألة تعطي الانطباع بعمق التفكير، وقدرة فائقة على التحليل، إضافة إلى أن محاوره يشعر أنه ليس أمام علاّمة متعمّق في الفقه وحسب، بل أمام مجتهد كبير يمسك فعلياً بمفاتيح الفقه والعلم والسياسة والثقافة، ويحمل همّ الإنسان، الإنسان الذي يعتبره القيمة الحقيقية في الحياة.

...إن البعد الفكري ـ الإنساني للسيد جعله يعبر بالعقل والوجدان معاً، وكأنه يحمّل نفسه همّ كل المظلومين والمقهورين على هذه المعمورة.

...وبكثير من الصدق والإيمان تحدث السيد عن الوحدة الإسلامية التي هي طريق الخلاق، وبكثير من الموضوعية اعتبر أن قوة المسلمين تكمن في وعيهم، داعياً إلى الابتعاد عن سوء فهم دلالات النص، على قاعدة أن اليقين لا يدخله الشك.

...سؤالنا الأساسي كان.."وكيف الخلاص؟"، وجاءت إجابته الدقيقة لترسم قواعد هذا الخلاص.. فطغى ربما على الحوار قدرات المقاومة، وقوة الممانعة كي تستعيد الأمة ذاتها، وكي تمسك مرة أخرى بأوراقها لتعود حقوقها إليها..

...النقطة المحورية كانت دعوته الصادقة والأمينة لفقهاء المسلمين بمتابعة الاجتهاد للوصول إلى نتيجة حاسمة، لأن في ذلك مدخلية كبيرة في الصورة الإسلامية، مع ملاحظته الدقيقة بأن التطور العلمي أصبح يفرض نفسه على الذهنية الفقهية، لأن المسالة ليست فقهية بالمعنى الذاتي، بل فقهية بالمعنى الإثباتي.

...آية الله السيد محمد حسين فضل الله أكد أو الوحدويين الإسلاميين لا بد وأن يتابعوا مسيرتهم من أجل التعامل مع المناخات التي تؤذن بأكثر من عاصفة ثقافية وسياسية وأمنية، لأن القضية لم تعد خصوصية هذا المذهب أو ذاك، بل أصبح المطلوب رأس الإسلام؟

...لقد تحدث السيد في كل شيء.. وقارب بين القضايا والأحداث، وقد استهلّ حديثه بالرد على السؤال التالي:

في تحديد أوائل الشهور القمرية

* نحن نستعد لاستقبال شهر رمضان المبارك، فمتى يتفق المسلمون على بدايات الشهر ونهاياته، بدلاً من هذه الاختلافات في رؤية هلال الشهر المبارك؟

ـ لعلّ المشكلة في الاتجاه الفقهي لدى الكثيرين من الفقهاء هو التأكيد على حرفية النص، فقد لاحظوا أن الحديث الشريف يقول "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته"، واعتبروا الرؤية هي الأساس في ثبوت أول الشهر وآخره، ولم يلتفت البعض منهم إلى أن هناك فقرة تسبق هذه الفقرة، وهي "اليقين لا يدخله الشك"، يعني لا تأخذوا بالشك، وخذوا باليقين، والرؤية إحدى وسائل اليقين.

..لذلك نستطيع أن ننفتح على كل ما يحقق لنا اليقين ببداية الشهر أو نهايته من خلال الوسائل العلمية الدقيقة، التي قد تكون أكثر دقة من الرؤية.

...فقد كنا في حوار مع بعض المتخصصين في الجانب الفلكي من المسلمين في أمريكا، وكان التقرير أن الفضاء مزدحم بغبار يلمع، ولذلك فإن الناس يرون لمعاناً في شكل الهلال ولكنه ليس الهلال. ولذلك فإن طبيعة هذا الغبار الذي يمتلىء به الفضاء يمنع اعتبار الرؤية دليلاً على بداية الشهر ونهايته، فقد لا يكون هلالاً، هذا من جهة.

وأما من الجهة الأخرى، فإننا نلاحظ أن الشهر هو جزء من النظام الكوني، أي أن حركة القمر وقضية تنوع الشهور، تؤكد أن الشهر كاليوم، هو ظاهرة كونية في النظام الكوني، وليس خاضعاً في وجوده في بدايته وفي نهايته للإنسان.. كان الهلال قبل أن يكون الإنسان، وكانت الشهور قبل أن يكون الإنسان.. ولذلك فإنه يخضع للنظام الكوني كما تخضع أيضاً مفردات الأزمنة.. كاليوم والليل والنهار، وتقاطعاتهم العصر والمغرب والفجر..

فإني أعتقد أن مسالة بداية الشهر سواء في أول شهر رمضان وفي أول شوال في العيد يجب أن يتم الرجوع فيها إلى أهل الاختصاص ولا يتم الرجوع فيها إلى الفقهاء، لأن هؤلاء ليسوا أهل خبرة.. الفقهاء يحددون هل رؤيَ أو لم يُرَ، بينما يحدد العلماء الفلكيون المختصون، هل تحققت الأسباب التي يخضع لها هذا البعد الزمني أو لم يتحقق.. وعلى ضوء هذا فإننا نعتبر أن ولادة الهلال يتفق عليها كل الفلكيين، والتي بلغت من الدقة ما يقارب المئة في المئة، بحيث أصبحت تشابه المعادلة واحد زائد واحد يساوي اثنين، مع إضافة إمكانية الرؤية.. في ضوء ذلك أعلنا في هذا اليوم أول شهر رمضان هو الإثنين، وسوف نعلن إنشاء الله يوم العيد قريباً.

...إننا نعتقد إن على الفقهاء المسلمين متابعة الاجتهاد في المؤتمرات الفقهية من أجل الوصول إلى نتيجة حاسمة في هذا الموضوع لأن لذلك مدخلية كبيرة في الصورة الإسلامية للعالم الإسلامي، قد تنعكس سلباً على المسلمين في الخارج، وتنعكس سلباً في داخل المسلمين للأجيال الجديدة التي تشعر بالعقدة من خلال ذلك كله.

...إننا نتصور بأن الحسابات الفلكية التي يتحرك فيها كل الذين يختصون في هذا المجال، أصبحت من الدقة بحيث أنه لا يمكن للإنسان أن يشك فيها ولو بواحد في المئة.

* هل ترى أن المسلمين قد يتفقون على ذلك؟

ـ نحن أثرنا هذه المسألة ونعتقد أن الكثيرين من علماء المسلمين السنة والشيعة اقتربوا من هذا الرأي سواء بشكل كلي، أو بشكل جزئي، وهذا ما قرأناه وسمعناه من بعض الباحثين الفقهاء في بلاد المسلمين.. في لبنان وفي إيران وفي السعودية وغيرها.. لذلك نعتقد أن المستقبل لهذا الرأي الفقهي على اعتبار أن التطور العلمي أصبح يفرض نفسه على الذهنية الفقهية، لأن المسألة ليست فقهية بالمعنى الذاتي، وإنما هي فقهية بالمعنى الإثباتي.

مرجعية واحدة للمسلمين

* كيف إذاً نستطيع الخروج من قضية الجانب الحرفي من فهم النص؟

ـ ذلك صعب جداً في ظل الواقع الإسلامي الذي يعيشه المسلمون وخصوصاً في المواقع الفقهية وإننا نلاحظ أن المؤتمرات الفقهية الموسمية ربما أدّت إلى التقريب بين الفقهاء مع اختلاف مذاهبهم، وقد تفسح في المجال لهم لدراسة بعض المسائل الشرعية بشكل جماعي.

ولكني أعتقد أن الكثير من الاتجاهات الفقهية التي لا تزال تؤكد على الجانب الحرفي في فهم النص لا تزال تفرض نفسها على الساحة، وقضية أن تكون هناك مرجعية واحدة للمسلمين، هي قضية الوحدة الإسلامية وهي جزء من مسألة التخطيط لهذه الوحدة الإسلامية في الشؤون العامة والخاصة على أساس التقاء المسلمين على مرجعية واحدة موثوقة تملك خبرة فكرية، وتملك مجلس شورى من أهل الخبرات الدقيقة في شتى الأمور التي قد يحتاجها الفقيه من ناحية دراسة الأمور العلمية.

إن هذا هدف لكل الإسلاميين الوحدويين الذين يعتبرون أن الوحدة الإسلامية ضرورية ببعدها الواقعي في الجوانب الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية لا سيما في هذه الظروف الصعبة.. إنني أتصور أن الوحدويين لا بد وأن يتابعوا مسيرتهم من أجل الاستفادة من هذا المناخ الذي يؤذن بأكثر من عاصفة ثقافية وسياسية وأمنية، لأن المسألة لم تعد خصوصية هذا المذهب أو ذاك، بل أصبحت أن المطلوب هو رأس الإسلام.

نحن الساميون الأقحاح

* برزت في القمة الإسلامية التي انعقدت في ماليزيا كلمتان مهمتان، الأولى للرئيس السوري الدكتور بشار الأسد والتي اعتبر فيها أن الحرب هي ضد الإسلام، وكلمة رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد والتي أثارت ردود فعل دولية ضدها.. كيف تقرأون ذلك؟

ـ كلمة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد اعتبرت أن الحرب على الإرهاب ليست ضد التطرف الإسلامي، لأنّ الذين يتحدثون عن الحرب ضد الإرهاب هم الذين شجعوا التطرف الإسلامي، ولكنها حرب على الإسلام نفسه.

..كلمة الرئيس الدكتور بشار الأسد تحمل الكثير من الوعي للواقع السياسي في كل خلفياته فإنه على المسلمين أن يراجعوا المسألة بطريقة حاسمة ومسؤولة.

وأعتقد أن مهاتير محمد.. هذا الرجل هو من الرجال الذين يرصدون الواقع بشجاعة.. وقد فهم خلفيات الخطوط السياسية التي تكمن وراء الأحداث التي تقودها قوى الاستكبار العالمي ليكتشف الواقع، وهو أن اليهود استطاعوا أن يستفيدوا من المجزرة أو المحرقة النازية لهم، وإن لم يكونوا وحدهم، وقد عملوا على تغطية المجازر التي أصابت شعوباً أخرى في هذا المجال.. ولقد استغلوا ذلك لإيجاد عقدة عند الأوروبيين.. عقدة داخل الذهنية الغربية بشكل عام ولا سيما الأوروبية، في أنهم يتحملون مسؤولية ما حدث لليهود.. وأن عليهم أن يعملوا في كل ما لديهم من طاقة لدعم اليهود، وبذلك عملوا أيضاً للحصول على تعويضات هائلة بواسطة الضغط الأمريكي.

وكان عملهم بطريقة دقيقة جداً يمتزج فيها الجانب السياسي بالجانب الثقافي، حيث أطلقوا ضد كل الذين يسجلون أي نقد سواء كان نقداً عقائدياً أو نقداً سياسياً ضد إسرائيل بالذات، بأنه يمثل معاداة للسامية.. وقد فرضوا على الغرب كله الذي يتشدق بالحرية الفكرية والحرية الإعلامية، تدخل الإدارات الرسمية لمنع أي كتاب أو أي خطاب أو أية شخصية تحاول أن تبحث في أكاذيب اليهود عن المحرقة، وهذا ما حدث لروجيه غارودي ولبعض المفكرين الفرنسيين، ورأينا كيف أن فرنسا التي أطلقت في ثورتها الحريات وأعلنت حقوق الإنسان، قد بدأت في معاقبة من ينتقد اليهود.. حتى أصبحت المسألة في الغرب كله.

إنه بإمكان أيٍّ كان مهاجمة الإسلام والمسلمين بكل الأساليب، كذلك مهاجمة الشخصيات المقدسة كالنبي محمد(ص) وحتى السيد المسيح، من دون أن يكون هناك أي مانع لهذا الكتاب أو هذا التصريح أو هذا الخطاب، ولكنك لن تستطيع أن تهاجم اليهود واليهودية، لأنك سوف تتهم بأنك من أعداء السامية والتي تمثل الخيانة العظمى في الواقع الغربي حسب التخطيط الإسرائيلي.

إننا نلاحظ مثلاً أن وزير الدفاع الأمريكي رونالد رامسفيلد الذي يتحمل مسؤولية هذا الجنرال مساعد نائبه والذي تهجم على الإسلام والمسلمين قد قام بتغطيته قائلاً: إننا في أميركا نملك حرية الرأي، ولكن لو افترضنا أن هناك جنرالاً أو أن هناك شخصية مسلمة أو شخصية مسيحية تحدثت عن اليهود بالطريقة التي تمّ فيها التهجم على المسلمين، فهل يا ترى يتحدث رامسفيلد عن الحرية الفكرية في أميركا؟

إن ما ذكره رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد أكدته هذه الحملة العالمية التي تقودها أميركا ويقودها اليهود من خلال ذلك، ضد مهاتير محمد، تحت عنوان المعاداة للسامية، حتى أنهم أقاموا الدنيا ضد الرئيس الفرنسي جاك شيراك لأنه لم يصرح بالإدانة لهذا التصريح، وفرضوا عليه أن يعتذر.

...لذلك فقد عقّب مهاتير محمد في آخر تصريح له، أن ما حدث في هذا الاستنكار العالمي يؤكد على أن اليهود يسيطرون على مفاصل العالم، وأنهم يسخّرون العالم ليخوض حربهم السياسية والثقافية، وربما الأمنية.

* لماذا مثلاً لا يتم تشكيل لجنة تحقيق دولية تحت إشراف الأمم المتحدة أو غيرها تفند ما قاله مهاتير محمد؟

ـ عندما ندرس الأمم المتحدة، فإنها لا تمثل كياناً مستقلاً، بل هي خاضعة للخمسة الكبار الذين يملكون العضوية الدائمة في مجلس الأمن، ولأميركا في العمق التي تسيطر على مقررات الأمم المتحدة، لذلك أن أتصور أن تأثير اليهود على هذه المحاور الدولية.. يمنع مجلس الأمن أو الأمم المتحدة من القيام بعمل كهذا، لا سيما أن هذه الدول تعترف أنها ستواجه الكثير من المشاكل من خلال سيطرة اليهود على الإعلام وعلى الاقتصاد في هذه الدولة الأوروبية أو تلك، وحتى في روسيا.

إنني طرحت منذ مدة أن نحمل شعار معاداة السامية لنستفيد منه في كل الحملات التي تُشنّ أمريكياً وإسرائيلياً وكل هذه الحرب المجنونة التي تشنّ على الفلسطينيين وعلى العالم العربي، لأن العرب هم الساميون الأقحاح، أما اليهود فلا علاقة لهم بالسامية بكل فئاتهم، بل إن أكثريتهم من جذور أوروبية وغير أوروبية وليس لهم علاقة بمسألة السامية لا من قريب ولا من بعيد.

...علينا أن نطرح أمام العالم أن اليهود معادون للسامية، وأن الذين يقفون ضد العرب هم معادون للسامية، حتى نخرج مسألة معاداة السامية من أيدي اليهود، لأنها تخصّنا ولا بد أن ترتد سلباً على إسرائيل، وعلى كل الذين يقفون مع إسرائيل ضد العالم العربي.

ارتباط المسألة العراقية بالقضية الفلسطينية

* هل أصبحت القضية العراقية مرتبطة بالقضية الفلسطينية؟

ـ في خلفيات الحرب ضد العراق، استمعنا إلى المسؤولين الأمريكيين والصهاينة بأن سقوط العراق تحت الاحتلال أسقط عدواً كبيراً كان يمثل الخطر على إسرائيل، بصرف النظر عن النظام الذي يحكمه، حتى لا يكون الأمر فقط هو النظام. لذلك فإن السياسة الأمريكية تتحرك في الشرق الأوسط لحسابات إسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى لحساباتها الاقتصادية والأمنية والسياسية في دائرة التحالف الاستراتيجي بين أميركا وإسرائيل.

من هنا، فإن العراق يرتبط بالقضية الفلسطينية، لأن المطلوب هو إضعاف الانتفاضة وإضعاف الموقف الفلسطيني بكل أطيافه.. سواء الانتفاضة، أو في السلطة حتى يستسلم الفلسطينيون للحكومة الصهيونية من دون قيد أو شرط ليعلن شارون انتصاره على الانتفاضة، ليوقع بعد ذلك الفلسطينيون ما يراد منهم من دون اعتراض من هنا أو هناك، كما لاحظنا أن الاستضعاف الأمريكي والإسرائيلي للفلسطينيين دفع هؤلاء للتوقيع على خريطة الطريق من دون أن يدرسوها، بينما أخذت إسرائيل وقتها في تسجيل ملاحظاتها الـ14، وأعلنت مواقفها بشرط مراعاة هذه التحفظات.

إن القضية الفلسطينية ستستمر طويلاً، لأن الفلسطينيين لم يعد لديهم ما يخسرونه وإن أية مجزرة أصبحت تحفر في الوجدان الإسرائيلي الداخلي، إذ عندما نقرأ الصحف الإسرائيلية والتي أعقبت احتجاج الطيارين الإسرائيليين، نجد أن هذه الأعمال الشارونية بدأت تحرك المحللين الصهاينة الذين يقولون إن ما يجري حوّل إسرائيل إلى دولة قمعية، ثم إننا نلاحظ إلى جانب ذلك أن اليهود في الكيان الصهيوني فقدوا الأمن، وهكذا استطاعت الانتفاضة أن تؤثر في الأمن الإسرائيلي وفي الاقتصاد، وعلى الرغم من تأييد أميركا لإسرائيل، ولكن المجازر التي يرتكبها شارون بدأت تحرج السياسة الأمريكية.

إن الصمود الفلسطيني هو في القوة، والوعي الفلسطيني على الرغم مما يثار من الخلافات في داخل السلطة أو بينها وبين المجاهدين، أوجد خطة خفية يلتزمها كل فلسطيني في ألا تكون هناك حرب فلسطينية ـ فلسطينية.

إنني أتصور أن كل مجزرة وكل شهيد يسقط يضيف إلى الانتفاضة جماهير جديدة، ويلهب وجدان الشعب الفلسطيني من الأطفال والنساء والشيوخ لمواجهة العدو على الرغم من كل الجراحات التي أصابت الجسم الفلسطيني.

إنني لست متشائماً في مستقبل فلسطين ما دام هناك صمود، ولكن علينا أن نفكر في نقتطتين، الأولى هي كيف نستطيع كعرب وكمسلمين أن نمنع وصول الشعب الفلسطيني إلى التعب السياسي والتعب الأمني والاقتصادي، والإحساس باليأس وبالإحباط من خلال مساعداتنا في جميع الحالات، والنقطة الثانية كيف يمكن أن نجعل الشارع العربي يقف بكل قوة كي يستمر في عملية المساندة وخصوصاً إذا بقي هناك صمت عربي على مستوى بعض الأنظمة.

من المهم جداً أن يبقى الصوت العربي هادراً قوياً ثم لا بد أن نفكر وقد تحدثت في ذلك مع الفصائل المجاهدة للانتفاضة، أن يتم رسم أفق سياسي.. لا يكفي البقاء في عملية فعل ورد فعل في حركة الانتفاضة بين السلب والإيجاب أو المد والجزر، ولكن لا بد أن نعطي صورة للأفق السياسي الذي نريد أن نحققه لا بطريقة ضبابية، ولكن بطريقة واقعية شرط عدم الابتعاد عن المبادىء، بحيث يشعر الشعب الفلسطيني أن هناك أفقاً واضحاً يسعى إليه.

إنني أتصور أن المرحلة تحتاج إلى مزيد من الجهد على مستوى الأمة، ومن الوعي على مستوى الطلائع الفلسطينية، سواء في داخل منظمة التحرير أو في داخل الفصائل المجاهدة.. إن ذلك وحده هو الذي يحقق بعض النتائج الإيجابية إذا لم يستطع أن يحقق كل النتائج.

لا بد من الحوار بين الفلسطينيين

* ماذا يستطيع الفلسطيني أن يفعل اليوم يعد كل التنازلات التي قدمت من جهة، وبعد كل التضحيات التي قدمها من جهة أخرى؟

ـ لا بد من جلسات حوار بين السلطة والمنظمات لدراسة طبيعة التحديات التي أطبقت على الواقع الفلسطيني، والمتغيرات التي حدثت في العالم، ولا سيما الموقف الأميركي الذي بدأ الموقف الأوروبي يقترب منه بطريقة أو بأخرى، ولا سيما في القرار الذي صدر عن الاتحاد الأوروبي في اعتبار حماس حتى دائرتها السياسية منظمة إرهابية، يجب أن يدرسوا ذلك كله وأن يعملوا متضامنين في سبيل تجديد الوسائل من اتصالات دولية، والضغط على الواقع العربي والإسلامي... ليست لدي صورة جاهزة، ولكني أعتقد أننا عندما نطلق الفكرة فعلينا أن نلملم كل المفردات المتناثرة في الواقع لإيجاد حالة واقعية وخطة في هذا الاتجاه.

التكامل في السلطة

هناك الكثير من شعوب العالم تدعم القضية الفلسطينية، وهذا ما ينبغي الاستفادة منه. ثم الأساس هو التكامل بين السلطة وفصائل الانتفاضة في مسألة استمرار المقاومة مع توزيع الأدوار على أن يأخذ كل فريق دوره الذي يمكن أن يكمل الدور الآخر.

الكراهية لأميركا

* هل يمكن أن توقع الحل في متغيرات الواقع الإسرائيلي أو في متغيرات الواقع الأميركي؟

ـ من الصعب جداً حصول تغيرات استراتيجية حاسمة في الواقع الأميركي على اعتبار أن الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي، يخضعان للوبي اليهودي، وللسياسة الإسرائيلية، ولعل من المعروف سياسياً بأن الحزب الديمقراطي هو حزب إسرائيلي، وعلى ضوء هذا أنه عندما يتبدل الرئيس والإدارة فإن هناك عملية تغيير قائمة على مساحيق التجميل، لذلك من الصعب جداً أن يحدث هناك تغير أميركي إلا في حالة واحدة، وهي حالة تطور الانحدار الأميركي في المنطقة.

فنحن نلاحظ مثلاً، أن الأصوات بدأت ترتفع في أميركا بأن العالمين العربي والإسلامي أصبحا ضد أميركا جملة وتفصيلاً لا في الجانب السياسي وحسب بل حتى في الجوانب الأخرى، وإن الكراهية لأميركا أصبحت شاملة لذلك هم يفكرون بالبدء في تمويل الحملة التي تحاول أن تظهر الوجه المشرق لأميركا هنا وهناك، وربما نلاحظ أن أميركا بدأت تتحرك في السودان حتى تعطي الفكرة بأنها تبحث عن السلام في العالمين العربي والإسلامي وغير ذلك.. وهكذا القضية بالنسبة إلى هذا الغرق في الرمال المتحركة العراقية والفشل الذريع في إدارة احتلالها للعراق، والمأزق الذي وقعت فيه عندما رفضت الدول المتقدمة المساهمة في تمويل إعادة إعمار العراق، أو في إرسال قوات، باعتبار أنّ العملية دخلت في صراع حساب المصالح بين الشركات الأميركية والأوروبية والروسية وما إلى ذلك... إننا نلاحظ بأن أميركا بدأت تتراجع، حتى أنها في عملية التهويل التي تمارسها للضغط على سورية ولبنان من جهة وعلى إيران من جهة، إنما انطلقت من خلال هذا الخوف والقلق في تدخل جيران العراق ضد سياستها، أو مع المقاومة.

من الممكن جداً أن نفتح هذه الثغرة وأن نستفيد منها ونوسع دائرتها وبذلك ربما تأتي إدارة أميركية جديدة تكتشف أن مصالح أميركا أصبحت في خطر، ولكن هذا يحتاج إلى أن الشعوب العربية كيف تتعامل لتوسع هذه الثغرات.

أما بالنسبة لإسرائيل، فإني أعتقد أن استمرار الانتفاضة على الرغم من كل الخسائر التي تصيب الشعب الفلسطيني، سوف يصيب الكيان الصهيوني في خلل لا بالمستوى الذي يسقط فيه هذا الكيان، بل بمستوى ارتفاع الأصوات التي ترفض ما يجري ليرتفع نداء المفاوضات مجددا من دون الشروط الإسرائيلية.

قانون محاسبة سورية

* إلى ماذا يؤدي قانون محاسبة سورية الذي تهدد فيه أميركا، وهل ينفذ هذا القانون فعلاً؟

ـ إن هذا القانون هو عملية سياسية للضغط أكثر مما هو مسألة واقعية للتغيير، أنا لا أنكر بأن هناك مشاكل جديدة بين أميركا في إدارتها الحالية وسورية في أكثر من قضية ولا سيما موضوع العراق، على اعتبار أن أميركا تشعر بالقلق من الموقع السوري، ولا أتحدث عن الدور السوري الذي يربك الاحتلال الاميركي للعراق، الذي قد لا يكون بشكل مباشر ولكنه قد يكون بشكل غير مباشر.

وربما كان الأميركيون في بداية الحرب يتهمون سورية بدخولها الحرب ضد الاحتلال الاميركي، ولهذا بدأت أميركا تضغط على سورية من موقع إملاء شروطها الدكتاتورية أو الإمبراطورية عليها، وهذا ما لاحظناه في زيارة كولن باول إلى دمشق، حيث قام بإملاء بعض الشروط على سورية، سواء بالنسبة للقضية العراقية، أو بالنسبة إلى القضية الفلسطينية التي تشكل المسألة الحيوية الأخرى لدى السياسة الأميركية، لأن واشنطن تمثل الوكالة عن إسرائيل في الضغط على الجهات العربية، كما تمثل إسرائيل الوكالة عن أميركا في الضغط أيضاً على بعض المواقع.

ولكن تطور الأحداث، وما أصاب الاحتلال الأميركي من الضعف في العراق، جعل إدارة بوش تشعر بالحاجة إلى الجانب الإيجابي في مساعدة سورية لها في العراق أو في عدم تدخل سورية لحساب المقاومين حتى تستريح أميركا في احتلالها للعراق. وإني أتصور أن هذه الضغوط الجديدة، جاءت من أجل أن تقوم أميركا بعرض عضلات القوة لتغطي مواقع ضعفها نتيجة فشلها في العراق، ولتوحي لسورية بأنها قادرة على أن تفرض رأيها. ولكن سورية درست الموقف وعرفت أن أميركا في بداية الحرب غير أميركا في نهاية الحرب، لذلك فهي تتعامل من خلال طبيعة المتغيرات.

أما قانون محاسبة سورية فإنه لن يكون له تأثير كبير على الاقتصاد السوري، لأن العلاقات الاقتصادية بين سورية وأميركا تكاد تكون مقطوعة، بل على العكس فإن أميركا ستتأثر أكثر من سورية وخصوصاً لجهة الخسائر التي ستتكبدها شركاتها في مجال البترول، والتي ستأتي بدلاً عنها شركات أوروبية.

سورية ليست العراق

* هل هناك حرب واسعة ضد سورية ولبنان؟

ـ الوضع الإسرائيلي الآن لا يسمح بأية حرب واسعة في المنطقة، وأي عدوان جديد على سورية أو على لبنان لا أعتقد أن نتائجه ستكون لمصلحة إسرائيل ولو حصلت حرب جديدة، ربما تكون بدايتها من خلال لبنان، لأنه من الصعب أن تكون بدايتها من خلال سورية وستؤدي التطورات إلى حد الارتباط العضوي بين المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية عندما تحدث الحرب فإن الحدود تنعدم وعند ذاك ستكون الجبهة اللبنانية = الفلسطينية في مواجهة إسرائيل وإني أتصور أن لا أميركا ولا إسرائيل يتحملان ذلك.

كما أن سورية ليست العراق لأن النظام العراقي كان مربكاً لكل العالم العربي بينما سورية تمثل القاعدة التي يحترمها كل العرب، والأنظمة سواء كانت مصر أو السعودية أو غيرها من الدول التي تعرف أنه إذا ضربت سورية، فستضرب هي أيضاً، لذلك فإن هناك ضوابط تمنع أي حرب إسرائيلية ضد سورية ولبنان.

صدام وبن لادن

* هل صدام وبن لادن لا يزالان على قيد الحياة؟

ـ كل المؤشرات تؤكد أنهما لا يزالان على قيد الحياة.

الحالة الشيعية في العراق

* يحكى عن وجود حالة شيعية في العراق، كيف تنظرون إلى ذلك؟

ـ عندما ندرس هذا المصطلح "الحالة الشيعية"، على أساس أنها تمثل هيئة تخطط من أجل استيلاء الشيعة على العراق ليكون دولة شيعية، إنني أستطيع أن أنفي هذا الموضوع مئة بالمئة لأنني اعرف وقد عشت في العراق طويلاً، كما إنني ولدت هناك وأمضيت نصف عمري هناك، وأنا أتابع القضية العراقية من خلال علاقاتي المتعددة، الثقافية والدينية والأدبية.. وأعرف أن الشيعة في العراق لم يفكروا أبداً في السيطرة على العراق ليكون دولة شيعية، كما أنهم لم يفكروا عندما أثيرت قضية التقسيم أن هناك تخطيطاً بأن يكون الجنوب دولة شيعية والشمال دولة سنية وهناك دولة كردية، أن العراقيين رفضوا ذلك جملة وتفصيلاً.

إن المسألة هنا هي أن الشيعة اضطهدوا ليس من خلال النظام السابق الأكثر وحشية وحسب بل من خلال الأنظمة الأخرى أيضاً، فالشيعة يريدون العيش في دولة يتساوى فيها كل المواطنين في الحقوق والواجبات، لذلك رأينا كيف أن عقلاء الشيعة والسنة من العلماء ومن الفعاليات السياسية يلتقون ويصلون بين وقت وآخر في جمعة واحدة، ويتبادلون الأفكار ويعلنون بصوت واحد أنه لن تكون هناك فتنة شيعية ـ سنية، ونحن نعرف أن تاريخ العراق كله منذ ما قبل الاستعمار وبعد ذلك هو تاريخ الوحدة بين السنة والشيعة ونحن لا ننكر أن التعددية سواء في داخل السنة أو في داخل الشيعة تثير بعض الحساسيات، ولكنها لن تصل إلى أن "يتلبنن" العراق.

* من هذه التعددية ماذا يجري بين الشيعة والشيعة؟

ـ الإعلام ضخم الأحداث، عندما نتحدث عما جرى في كربلاء، فهي كانت محدودة وهو حدث محلي لم ينعكس على الواقع الشيعي كله.

السيد مقتدى الصدر يعرف أنه ليس مرجعية لأنه لا يملك الموقع المرجعي بالمعنى الفقهي القيادي، ولكنه ورث أباه في هذه الشعبية الواسعة، وأعتقد أنها ظاهرة يمكن أن تضاف إلى ظواهر أخرى من خلال الحريات التي بدأت مع غياب الدولة وغياب التوازن في الواقع العراقي.

صحيفة"الشرق" 25-10-2003

 

كتب عوني الكعكي ـ علي الزين

اللقاء مع آية الله العظمى المرجع محمد حسين فضل الله، مسألة تعطي الانطباع بعمق التفكير، وقدرة فائقة على التحليل، إضافة إلى أن محاوره يشعر أنه ليس أمام علاّمة متعمّق في الفقه وحسب، بل أمام مجتهد كبير يمسك فعلياً بمفاتيح الفقه والعلم والسياسة والثقافة، ويحمل همّ الإنسان، الإنسان الذي يعتبره القيمة الحقيقية في الحياة.

...إن البعد الفكري ـ الإنساني للسيد جعله يعبر بالعقل والوجدان معاً، وكأنه يحمّل نفسه همّ كل المظلومين والمقهورين على هذه المعمورة.

...وبكثير من الصدق والإيمان تحدث السيد عن الوحدة الإسلامية التي هي طريق الخلاق، وبكثير من الموضوعية اعتبر أن قوة المسلمين تكمن في وعيهم، داعياً إلى الابتعاد عن سوء فهم دلالات النص، على قاعدة أن اليقين لا يدخله الشك.

...سؤالنا الأساسي كان.."وكيف الخلاص؟"، وجاءت إجابته الدقيقة لترسم قواعد هذا الخلاص.. فطغى ربما على الحوار قدرات المقاومة، وقوة الممانعة كي تستعيد الأمة ذاتها، وكي تمسك مرة أخرى بأوراقها لتعود حقوقها إليها..

...النقطة المحورية كانت دعوته الصادقة والأمينة لفقهاء المسلمين بمتابعة الاجتهاد للوصول إلى نتيجة حاسمة، لأن في ذلك مدخلية كبيرة في الصورة الإسلامية، مع ملاحظته الدقيقة بأن التطور العلمي أصبح يفرض نفسه على الذهنية الفقهية، لأن المسالة ليست فقهية بالمعنى الذاتي، بل فقهية بالمعنى الإثباتي.

...آية الله السيد محمد حسين فضل الله أكد أو الوحدويين الإسلاميين لا بد وأن يتابعوا مسيرتهم من أجل التعامل مع المناخات التي تؤذن بأكثر من عاصفة ثقافية وسياسية وأمنية، لأن القضية لم تعد خصوصية هذا المذهب أو ذاك، بل أصبح المطلوب رأس الإسلام؟

...لقد تحدث السيد في كل شيء.. وقارب بين القضايا والأحداث، وقد استهلّ حديثه بالرد على السؤال التالي:

في تحديد أوائل الشهور القمرية

* نحن نستعد لاستقبال شهر رمضان المبارك، فمتى يتفق المسلمون على بدايات الشهر ونهاياته، بدلاً من هذه الاختلافات في رؤية هلال الشهر المبارك؟

ـ لعلّ المشكلة في الاتجاه الفقهي لدى الكثيرين من الفقهاء هو التأكيد على حرفية النص، فقد لاحظوا أن الحديث الشريف يقول "صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته"، واعتبروا الرؤية هي الأساس في ثبوت أول الشهر وآخره، ولم يلتفت البعض منهم إلى أن هناك فقرة تسبق هذه الفقرة، وهي "اليقين لا يدخله الشك"، يعني لا تأخذوا بالشك، وخذوا باليقين، والرؤية إحدى وسائل اليقين.

..لذلك نستطيع أن ننفتح على كل ما يحقق لنا اليقين ببداية الشهر أو نهايته من خلال الوسائل العلمية الدقيقة، التي قد تكون أكثر دقة من الرؤية.

...فقد كنا في حوار مع بعض المتخصصين في الجانب الفلكي من المسلمين في أمريكا، وكان التقرير أن الفضاء مزدحم بغبار يلمع، ولذلك فإن الناس يرون لمعاناً في شكل الهلال ولكنه ليس الهلال. ولذلك فإن طبيعة هذا الغبار الذي يمتلىء به الفضاء يمنع اعتبار الرؤية دليلاً على بداية الشهر ونهايته، فقد لا يكون هلالاً، هذا من جهة.

وأما من الجهة الأخرى، فإننا نلاحظ أن الشهر هو جزء من النظام الكوني، أي أن حركة القمر وقضية تنوع الشهور، تؤكد أن الشهر كاليوم، هو ظاهرة كونية في النظام الكوني، وليس خاضعاً في وجوده في بدايته وفي نهايته للإنسان.. كان الهلال قبل أن يكون الإنسان، وكانت الشهور قبل أن يكون الإنسان.. ولذلك فإنه يخضع للنظام الكوني كما تخضع أيضاً مفردات الأزمنة.. كاليوم والليل والنهار، وتقاطعاتهم العصر والمغرب والفجر..

فإني أعتقد أن مسالة بداية الشهر سواء في أول شهر رمضان وفي أول شوال في العيد يجب أن يتم الرجوع فيها إلى أهل الاختصاص ولا يتم الرجوع فيها إلى الفقهاء، لأن هؤلاء ليسوا أهل خبرة.. الفقهاء يحددون هل رؤيَ أو لم يُرَ، بينما يحدد العلماء الفلكيون المختصون، هل تحققت الأسباب التي يخضع لها هذا البعد الزمني أو لم يتحقق.. وعلى ضوء هذا فإننا نعتبر أن ولادة الهلال يتفق عليها كل الفلكيين، والتي بلغت من الدقة ما يقارب المئة في المئة، بحيث أصبحت تشابه المعادلة واحد زائد واحد يساوي اثنين، مع إضافة إمكانية الرؤية.. في ضوء ذلك أعلنا في هذا اليوم أول شهر رمضان هو الإثنين، وسوف نعلن إنشاء الله يوم العيد قريباً.

...إننا نعتقد إن على الفقهاء المسلمين متابعة الاجتهاد في المؤتمرات الفقهية من أجل الوصول إلى نتيجة حاسمة في هذا الموضوع لأن لذلك مدخلية كبيرة في الصورة الإسلامية للعالم الإسلامي، قد تنعكس سلباً على المسلمين في الخارج، وتنعكس سلباً في داخل المسلمين للأجيال الجديدة التي تشعر بالعقدة من خلال ذلك كله.

...إننا نتصور بأن الحسابات الفلكية التي يتحرك فيها كل الذين يختصون في هذا المجال، أصبحت من الدقة بحيث أنه لا يمكن للإنسان أن يشك فيها ولو بواحد في المئة.

* هل ترى أن المسلمين قد يتفقون على ذلك؟

ـ نحن أثرنا هذه المسألة ونعتقد أن الكثيرين من علماء المسلمين السنة والشيعة اقتربوا من هذا الرأي سواء بشكل كلي، أو بشكل جزئي، وهذا ما قرأناه وسمعناه من بعض الباحثين الفقهاء في بلاد المسلمين.. في لبنان وفي إيران وفي السعودية وغيرها.. لذلك نعتقد أن المستقبل لهذا الرأي الفقهي على اعتبار أن التطور العلمي أصبح يفرض نفسه على الذهنية الفقهية، لأن المسألة ليست فقهية بالمعنى الذاتي، وإنما هي فقهية بالمعنى الإثباتي.

مرجعية واحدة للمسلمين

* كيف إذاً نستطيع الخروج من قضية الجانب الحرفي من فهم النص؟

ـ ذلك صعب جداً في ظل الواقع الإسلامي الذي يعيشه المسلمون وخصوصاً في المواقع الفقهية وإننا نلاحظ أن المؤتمرات الفقهية الموسمية ربما أدّت إلى التقريب بين الفقهاء مع اختلاف مذاهبهم، وقد تفسح في المجال لهم لدراسة بعض المسائل الشرعية بشكل جماعي.

ولكني أعتقد أن الكثير من الاتجاهات الفقهية التي لا تزال تؤكد على الجانب الحرفي في فهم النص لا تزال تفرض نفسها على الساحة، وقضية أن تكون هناك مرجعية واحدة للمسلمين، هي قضية الوحدة الإسلامية وهي جزء من مسألة التخطيط لهذه الوحدة الإسلامية في الشؤون العامة والخاصة على أساس التقاء المسلمين على مرجعية واحدة موثوقة تملك خبرة فكرية، وتملك مجلس شورى من أهل الخبرات الدقيقة في شتى الأمور التي قد يحتاجها الفقيه من ناحية دراسة الأمور العلمية.

إن هذا هدف لكل الإسلاميين الوحدويين الذين يعتبرون أن الوحدة الإسلامية ضرورية ببعدها الواقعي في الجوانب الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية لا سيما في هذه الظروف الصعبة.. إنني أتصور أن الوحدويين لا بد وأن يتابعوا مسيرتهم من أجل الاستفادة من هذا المناخ الذي يؤذن بأكثر من عاصفة ثقافية وسياسية وأمنية، لأن المسألة لم تعد خصوصية هذا المذهب أو ذاك، بل أصبحت أن المطلوب هو رأس الإسلام.

نحن الساميون الأقحاح

* برزت في القمة الإسلامية التي انعقدت في ماليزيا كلمتان مهمتان، الأولى للرئيس السوري الدكتور بشار الأسد والتي اعتبر فيها أن الحرب هي ضد الإسلام، وكلمة رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد والتي أثارت ردود فعل دولية ضدها.. كيف تقرأون ذلك؟

ـ كلمة الرئيس السوري الدكتور بشار الأسد اعتبرت أن الحرب على الإرهاب ليست ضد التطرف الإسلامي، لأنّ الذين يتحدثون عن الحرب ضد الإرهاب هم الذين شجعوا التطرف الإسلامي، ولكنها حرب على الإسلام نفسه.

..كلمة الرئيس الدكتور بشار الأسد تحمل الكثير من الوعي للواقع السياسي في كل خلفياته فإنه على المسلمين أن يراجعوا المسألة بطريقة حاسمة ومسؤولة.

وأعتقد أن مهاتير محمد.. هذا الرجل هو من الرجال الذين يرصدون الواقع بشجاعة.. وقد فهم خلفيات الخطوط السياسية التي تكمن وراء الأحداث التي تقودها قوى الاستكبار العالمي ليكتشف الواقع، وهو أن اليهود استطاعوا أن يستفيدوا من المجزرة أو المحرقة النازية لهم، وإن لم يكونوا وحدهم، وقد عملوا على تغطية المجازر التي أصابت شعوباً أخرى في هذا المجال.. ولقد استغلوا ذلك لإيجاد عقدة عند الأوروبيين.. عقدة داخل الذهنية الغربية بشكل عام ولا سيما الأوروبية، في أنهم يتحملون مسؤولية ما حدث لليهود.. وأن عليهم أن يعملوا في كل ما لديهم من طاقة لدعم اليهود، وبذلك عملوا أيضاً للحصول على تعويضات هائلة بواسطة الضغط الأمريكي.

وكان عملهم بطريقة دقيقة جداً يمتزج فيها الجانب السياسي بالجانب الثقافي، حيث أطلقوا ضد كل الذين يسجلون أي نقد سواء كان نقداً عقائدياً أو نقداً سياسياً ضد إسرائيل بالذات، بأنه يمثل معاداة للسامية.. وقد فرضوا على الغرب كله الذي يتشدق بالحرية الفكرية والحرية الإعلامية، تدخل الإدارات الرسمية لمنع أي كتاب أو أي خطاب أو أية شخصية تحاول أن تبحث في أكاذيب اليهود عن المحرقة، وهذا ما حدث لروجيه غارودي ولبعض المفكرين الفرنسيين، ورأينا كيف أن فرنسا التي أطلقت في ثورتها الحريات وأعلنت حقوق الإنسان، قد بدأت في معاقبة من ينتقد اليهود.. حتى أصبحت المسألة في الغرب كله.

إنه بإمكان أيٍّ كان مهاجمة الإسلام والمسلمين بكل الأساليب، كذلك مهاجمة الشخصيات المقدسة كالنبي محمد(ص) وحتى السيد المسيح، من دون أن يكون هناك أي مانع لهذا الكتاب أو هذا التصريح أو هذا الخطاب، ولكنك لن تستطيع أن تهاجم اليهود واليهودية، لأنك سوف تتهم بأنك من أعداء السامية والتي تمثل الخيانة العظمى في الواقع الغربي حسب التخطيط الإسرائيلي.

إننا نلاحظ مثلاً أن وزير الدفاع الأمريكي رونالد رامسفيلد الذي يتحمل مسؤولية هذا الجنرال مساعد نائبه والذي تهجم على الإسلام والمسلمين قد قام بتغطيته قائلاً: إننا في أميركا نملك حرية الرأي، ولكن لو افترضنا أن هناك جنرالاً أو أن هناك شخصية مسلمة أو شخصية مسيحية تحدثت عن اليهود بالطريقة التي تمّ فيها التهجم على المسلمين، فهل يا ترى يتحدث رامسفيلد عن الحرية الفكرية في أميركا؟

إن ما ذكره رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد أكدته هذه الحملة العالمية التي تقودها أميركا ويقودها اليهود من خلال ذلك، ضد مهاتير محمد، تحت عنوان المعاداة للسامية، حتى أنهم أقاموا الدنيا ضد الرئيس الفرنسي جاك شيراك لأنه لم يصرح بالإدانة لهذا التصريح، وفرضوا عليه أن يعتذر.

...لذلك فقد عقّب مهاتير محمد في آخر تصريح له، أن ما حدث في هذا الاستنكار العالمي يؤكد على أن اليهود يسيطرون على مفاصل العالم، وأنهم يسخّرون العالم ليخوض حربهم السياسية والثقافية، وربما الأمنية.

* لماذا مثلاً لا يتم تشكيل لجنة تحقيق دولية تحت إشراف الأمم المتحدة أو غيرها تفند ما قاله مهاتير محمد؟

ـ عندما ندرس الأمم المتحدة، فإنها لا تمثل كياناً مستقلاً، بل هي خاضعة للخمسة الكبار الذين يملكون العضوية الدائمة في مجلس الأمن، ولأميركا في العمق التي تسيطر على مقررات الأمم المتحدة، لذلك أن أتصور أن تأثير اليهود على هذه المحاور الدولية.. يمنع مجلس الأمن أو الأمم المتحدة من القيام بعمل كهذا، لا سيما أن هذه الدول تعترف أنها ستواجه الكثير من المشاكل من خلال سيطرة اليهود على الإعلام وعلى الاقتصاد في هذه الدولة الأوروبية أو تلك، وحتى في روسيا.

إنني طرحت منذ مدة أن نحمل شعار معاداة السامية لنستفيد منه في كل الحملات التي تُشنّ أمريكياً وإسرائيلياً وكل هذه الحرب المجنونة التي تشنّ على الفلسطينيين وعلى العالم العربي، لأن العرب هم الساميون الأقحاح، أما اليهود فلا علاقة لهم بالسامية بكل فئاتهم، بل إن أكثريتهم من جذور أوروبية وغير أوروبية وليس لهم علاقة بمسألة السامية لا من قريب ولا من بعيد.

...علينا أن نطرح أمام العالم أن اليهود معادون للسامية، وأن الذين يقفون ضد العرب هم معادون للسامية، حتى نخرج مسألة معاداة السامية من أيدي اليهود، لأنها تخصّنا ولا بد أن ترتد سلباً على إسرائيل، وعلى كل الذين يقفون مع إسرائيل ضد العالم العربي.

ارتباط المسألة العراقية بالقضية الفلسطينية

* هل أصبحت القضية العراقية مرتبطة بالقضية الفلسطينية؟

ـ في خلفيات الحرب ضد العراق، استمعنا إلى المسؤولين الأمريكيين والصهاينة بأن سقوط العراق تحت الاحتلال أسقط عدواً كبيراً كان يمثل الخطر على إسرائيل، بصرف النظر عن النظام الذي يحكمه، حتى لا يكون الأمر فقط هو النظام. لذلك فإن السياسة الأمريكية تتحرك في الشرق الأوسط لحسابات إسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى لحساباتها الاقتصادية والأمنية والسياسية في دائرة التحالف الاستراتيجي بين أميركا وإسرائيل.

من هنا، فإن العراق يرتبط بالقضية الفلسطينية، لأن المطلوب هو إضعاف الانتفاضة وإضعاف الموقف الفلسطيني بكل أطيافه.. سواء الانتفاضة، أو في السلطة حتى يستسلم الفلسطينيون للحكومة الصهيونية من دون قيد أو شرط ليعلن شارون انتصاره على الانتفاضة، ليوقع بعد ذلك الفلسطينيون ما يراد منهم من دون اعتراض من هنا أو هناك، كما لاحظنا أن الاستضعاف الأمريكي والإسرائيلي للفلسطينيين دفع هؤلاء للتوقيع على خريطة الطريق من دون أن يدرسوها، بينما أخذت إسرائيل وقتها في تسجيل ملاحظاتها الـ14، وأعلنت مواقفها بشرط مراعاة هذه التحفظات.

إن القضية الفلسطينية ستستمر طويلاً، لأن الفلسطينيين لم يعد لديهم ما يخسرونه وإن أية مجزرة أصبحت تحفر في الوجدان الإسرائيلي الداخلي، إذ عندما نقرأ الصحف الإسرائيلية والتي أعقبت احتجاج الطيارين الإسرائيليين، نجد أن هذه الأعمال الشارونية بدأت تحرك المحللين الصهاينة الذين يقولون إن ما يجري حوّل إسرائيل إلى دولة قمعية، ثم إننا نلاحظ إلى جانب ذلك أن اليهود في الكيان الصهيوني فقدوا الأمن، وهكذا استطاعت الانتفاضة أن تؤثر في الأمن الإسرائيلي وفي الاقتصاد، وعلى الرغم من تأييد أميركا لإسرائيل، ولكن المجازر التي يرتكبها شارون بدأت تحرج السياسة الأمريكية.

إن الصمود الفلسطيني هو في القوة، والوعي الفلسطيني على الرغم مما يثار من الخلافات في داخل السلطة أو بينها وبين المجاهدين، أوجد خطة خفية يلتزمها كل فلسطيني في ألا تكون هناك حرب فلسطينية ـ فلسطينية.

إنني أتصور أن كل مجزرة وكل شهيد يسقط يضيف إلى الانتفاضة جماهير جديدة، ويلهب وجدان الشعب الفلسطيني من الأطفال والنساء والشيوخ لمواجهة العدو على الرغم من كل الجراحات التي أصابت الجسم الفلسطيني.

إنني لست متشائماً في مستقبل فلسطين ما دام هناك صمود، ولكن علينا أن نفكر في نقتطتين، الأولى هي كيف نستطيع كعرب وكمسلمين أن نمنع وصول الشعب الفلسطيني إلى التعب السياسي والتعب الأمني والاقتصادي، والإحساس باليأس وبالإحباط من خلال مساعداتنا في جميع الحالات، والنقطة الثانية كيف يمكن أن نجعل الشارع العربي يقف بكل قوة كي يستمر في عملية المساندة وخصوصاً إذا بقي هناك صمت عربي على مستوى بعض الأنظمة.

من المهم جداً أن يبقى الصوت العربي هادراً قوياً ثم لا بد أن نفكر وقد تحدثت في ذلك مع الفصائل المجاهدة للانتفاضة، أن يتم رسم أفق سياسي.. لا يكفي البقاء في عملية فعل ورد فعل في حركة الانتفاضة بين السلب والإيجاب أو المد والجزر، ولكن لا بد أن نعطي صورة للأفق السياسي الذي نريد أن نحققه لا بطريقة ضبابية، ولكن بطريقة واقعية شرط عدم الابتعاد عن المبادىء، بحيث يشعر الشعب الفلسطيني أن هناك أفقاً واضحاً يسعى إليه.

إنني أتصور أن المرحلة تحتاج إلى مزيد من الجهد على مستوى الأمة، ومن الوعي على مستوى الطلائع الفلسطينية، سواء في داخل منظمة التحرير أو في داخل الفصائل المجاهدة.. إن ذلك وحده هو الذي يحقق بعض النتائج الإيجابية إذا لم يستطع أن يحقق كل النتائج.

لا بد من الحوار بين الفلسطينيين

* ماذا يستطيع الفلسطيني أن يفعل اليوم يعد كل التنازلات التي قدمت من جهة، وبعد كل التضحيات التي قدمها من جهة أخرى؟

ـ لا بد من جلسات حوار بين السلطة والمنظمات لدراسة طبيعة التحديات التي أطبقت على الواقع الفلسطيني، والمتغيرات التي حدثت في العالم، ولا سيما الموقف الأميركي الذي بدأ الموقف الأوروبي يقترب منه بطريقة أو بأخرى، ولا سيما في القرار الذي صدر عن الاتحاد الأوروبي في اعتبار حماس حتى دائرتها السياسية منظمة إرهابية، يجب أن يدرسوا ذلك كله وأن يعملوا متضامنين في سبيل تجديد الوسائل من اتصالات دولية، والضغط على الواقع العربي والإسلامي... ليست لدي صورة جاهزة، ولكني أعتقد أننا عندما نطلق الفكرة فعلينا أن نلملم كل المفردات المتناثرة في الواقع لإيجاد حالة واقعية وخطة في هذا الاتجاه.

التكامل في السلطة

هناك الكثير من شعوب العالم تدعم القضية الفلسطينية، وهذا ما ينبغي الاستفادة منه. ثم الأساس هو التكامل بين السلطة وفصائل الانتفاضة في مسألة استمرار المقاومة مع توزيع الأدوار على أن يأخذ كل فريق دوره الذي يمكن أن يكمل الدور الآخر.

الكراهية لأميركا

* هل يمكن أن توقع الحل في متغيرات الواقع الإسرائيلي أو في متغيرات الواقع الأميركي؟

ـ من الصعب جداً حصول تغيرات استراتيجية حاسمة في الواقع الأميركي على اعتبار أن الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي، يخضعان للوبي اليهودي، وللسياسة الإسرائيلية، ولعل من المعروف سياسياً بأن الحزب الديمقراطي هو حزب إسرائيلي، وعلى ضوء هذا أنه عندما يتبدل الرئيس والإدارة فإن هناك عملية تغيير قائمة على مساحيق التجميل، لذلك من الصعب جداً أن يحدث هناك تغير أميركي إلا في حالة واحدة، وهي حالة تطور الانحدار الأميركي في المنطقة.

فنحن نلاحظ مثلاً، أن الأصوات بدأت ترتفع في أميركا بأن العالمين العربي والإسلامي أصبحا ضد أميركا جملة وتفصيلاً لا في الجانب السياسي وحسب بل حتى في الجوانب الأخرى، وإن الكراهية لأميركا أصبحت شاملة لذلك هم يفكرون بالبدء في تمويل الحملة التي تحاول أن تظهر الوجه المشرق لأميركا هنا وهناك، وربما نلاحظ أن أميركا بدأت تتحرك في السودان حتى تعطي الفكرة بأنها تبحث عن السلام في العالمين العربي والإسلامي وغير ذلك.. وهكذا القضية بالنسبة إلى هذا الغرق في الرمال المتحركة العراقية والفشل الذريع في إدارة احتلالها للعراق، والمأزق الذي وقعت فيه عندما رفضت الدول المتقدمة المساهمة في تمويل إعادة إعمار العراق، أو في إرسال قوات، باعتبار أنّ العملية دخلت في صراع حساب المصالح بين الشركات الأميركية والأوروبية والروسية وما إلى ذلك... إننا نلاحظ بأن أميركا بدأت تتراجع، حتى أنها في عملية التهويل التي تمارسها للضغط على سورية ولبنان من جهة وعلى إيران من جهة، إنما انطلقت من خلال هذا الخوف والقلق في تدخل جيران العراق ضد سياستها، أو مع المقاومة.

من الممكن جداً أن نفتح هذه الثغرة وأن نستفيد منها ونوسع دائرتها وبذلك ربما تأتي إدارة أميركية جديدة تكتشف أن مصالح أميركا أصبحت في خطر، ولكن هذا يحتاج إلى أن الشعوب العربية كيف تتعامل لتوسع هذه الثغرات.

أما بالنسبة لإسرائيل، فإني أعتقد أن استمرار الانتفاضة على الرغم من كل الخسائر التي تصيب الشعب الفلسطيني، سوف يصيب الكيان الصهيوني في خلل لا بالمستوى الذي يسقط فيه هذا الكيان، بل بمستوى ارتفاع الأصوات التي ترفض ما يجري ليرتفع نداء المفاوضات مجددا من دون الشروط الإسرائيلية.

قانون محاسبة سورية

* إلى ماذا يؤدي قانون محاسبة سورية الذي تهدد فيه أميركا، وهل ينفذ هذا القانون فعلاً؟

ـ إن هذا القانون هو عملية سياسية للضغط أكثر مما هو مسألة واقعية للتغيير، أنا لا أنكر بأن هناك مشاكل جديدة بين أميركا في إدارتها الحالية وسورية في أكثر من قضية ولا سيما موضوع العراق، على اعتبار أن أميركا تشعر بالقلق من الموقع السوري، ولا أتحدث عن الدور السوري الذي يربك الاحتلال الاميركي للعراق، الذي قد لا يكون بشكل مباشر ولكنه قد يكون بشكل غير مباشر.

وربما كان الأميركيون في بداية الحرب يتهمون سورية بدخولها الحرب ضد الاحتلال الاميركي، ولهذا بدأت أميركا تضغط على سورية من موقع إملاء شروطها الدكتاتورية أو الإمبراطورية عليها، وهذا ما لاحظناه في زيارة كولن باول إلى دمشق، حيث قام بإملاء بعض الشروط على سورية، سواء بالنسبة للقضية العراقية، أو بالنسبة إلى القضية الفلسطينية التي تشكل المسألة الحيوية الأخرى لدى السياسة الأميركية، لأن واشنطن تمثل الوكالة عن إسرائيل في الضغط على الجهات العربية، كما تمثل إسرائيل الوكالة عن أميركا في الضغط أيضاً على بعض المواقع.

ولكن تطور الأحداث، وما أصاب الاحتلال الأميركي من الضعف في العراق، جعل إدارة بوش تشعر بالحاجة إلى الجانب الإيجابي في مساعدة سورية لها في العراق أو في عدم تدخل سورية لحساب المقاومين حتى تستريح أميركا في احتلالها للعراق. وإني أتصور أن هذه الضغوط الجديدة، جاءت من أجل أن تقوم أميركا بعرض عضلات القوة لتغطي مواقع ضعفها نتيجة فشلها في العراق، ولتوحي لسورية بأنها قادرة على أن تفرض رأيها. ولكن سورية درست الموقف وعرفت أن أميركا في بداية الحرب غير أميركا في نهاية الحرب، لذلك فهي تتعامل من خلال طبيعة المتغيرات.

أما قانون محاسبة سورية فإنه لن يكون له تأثير كبير على الاقتصاد السوري، لأن العلاقات الاقتصادية بين سورية وأميركا تكاد تكون مقطوعة، بل على العكس فإن أميركا ستتأثر أكثر من سورية وخصوصاً لجهة الخسائر التي ستتكبدها شركاتها في مجال البترول، والتي ستأتي بدلاً عنها شركات أوروبية.

سورية ليست العراق

* هل هناك حرب واسعة ضد سورية ولبنان؟

ـ الوضع الإسرائيلي الآن لا يسمح بأية حرب واسعة في المنطقة، وأي عدوان جديد على سورية أو على لبنان لا أعتقد أن نتائجه ستكون لمصلحة إسرائيل ولو حصلت حرب جديدة، ربما تكون بدايتها من خلال لبنان، لأنه من الصعب أن تكون بدايتها من خلال سورية وستؤدي التطورات إلى حد الارتباط العضوي بين المقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية عندما تحدث الحرب فإن الحدود تنعدم وعند ذاك ستكون الجبهة اللبنانية = الفلسطينية في مواجهة إسرائيل وإني أتصور أن لا أميركا ولا إسرائيل يتحملان ذلك.

كما أن سورية ليست العراق لأن النظام العراقي كان مربكاً لكل العالم العربي بينما سورية تمثل القاعدة التي يحترمها كل العرب، والأنظمة سواء كانت مصر أو السعودية أو غيرها من الدول التي تعرف أنه إذا ضربت سورية، فستضرب هي أيضاً، لذلك فإن هناك ضوابط تمنع أي حرب إسرائيلية ضد سورية ولبنان.

صدام وبن لادن

* هل صدام وبن لادن لا يزالان على قيد الحياة؟

ـ كل المؤشرات تؤكد أنهما لا يزالان على قيد الحياة.

الحالة الشيعية في العراق

* يحكى عن وجود حالة شيعية في العراق، كيف تنظرون إلى ذلك؟

ـ عندما ندرس هذا المصطلح "الحالة الشيعية"، على أساس أنها تمثل هيئة تخطط من أجل استيلاء الشيعة على العراق ليكون دولة شيعية، إنني أستطيع أن أنفي هذا الموضوع مئة بالمئة لأنني اعرف وقد عشت في العراق طويلاً، كما إنني ولدت هناك وأمضيت نصف عمري هناك، وأنا أتابع القضية العراقية من خلال علاقاتي المتعددة، الثقافية والدينية والأدبية.. وأعرف أن الشيعة في العراق لم يفكروا أبداً في السيطرة على العراق ليكون دولة شيعية، كما أنهم لم يفكروا عندما أثيرت قضية التقسيم أن هناك تخطيطاً بأن يكون الجنوب دولة شيعية والشمال دولة سنية وهناك دولة كردية، أن العراقيين رفضوا ذلك جملة وتفصيلاً.

إن المسألة هنا هي أن الشيعة اضطهدوا ليس من خلال النظام السابق الأكثر وحشية وحسب بل من خلال الأنظمة الأخرى أيضاً، فالشيعة يريدون العيش في دولة يتساوى فيها كل المواطنين في الحقوق والواجبات، لذلك رأينا كيف أن عقلاء الشيعة والسنة من العلماء ومن الفعاليات السياسية يلتقون ويصلون بين وقت وآخر في جمعة واحدة، ويتبادلون الأفكار ويعلنون بصوت واحد أنه لن تكون هناك فتنة شيعية ـ سنية، ونحن نعرف أن تاريخ العراق كله منذ ما قبل الاستعمار وبعد ذلك هو تاريخ الوحدة بين السنة والشيعة ونحن لا ننكر أن التعددية سواء في داخل السنة أو في داخل الشيعة تثير بعض الحساسيات، ولكنها لن تصل إلى أن "يتلبنن" العراق.

* من هذه التعددية ماذا يجري بين الشيعة والشيعة؟

ـ الإعلام ضخم الأحداث، عندما نتحدث عما جرى في كربلاء، فهي كانت محدودة وهو حدث محلي لم ينعكس على الواقع الشيعي كله.

السيد مقتدى الصدر يعرف أنه ليس مرجعية لأنه لا يملك الموقع المرجعي بالمعنى الفقهي القيادي، ولكنه ورث أباه في هذه الشعبية الواسعة، وأعتقد أنها ظاهرة يمكن أن تضاف إلى ظواهر أخرى من خلال الحريات التي بدأت مع غياب الدولة وغياب التوازن في الواقع العراقي.

صحيفة"الشرق" 25-10-2003

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير