نصرف على مبرات الأيتام في لبنان 7 ملايين دولار سنوياً

نصرف على مبرات الأيتام في لبنان 7 ملايين دولار سنوياً

الحديث مع المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله حديث ذو شجون، لكنه يرشح جمالاً... تجلس معه فتتلمّس آفاقاً كبيرة في الفكر والثقافة. رجل عاش الساحة سنين ومازال يحمل في قلبه روح الانفتاح على الآخر، رجل محاور من الطراز الأوّل، منسجم مع أطروحاته... رجل يحمل ثقافة المؤسّسات حتى سمي برجل المؤسسات في لبنان. استمر الحوار معه ساعتين. سألته "الوسط" عن كثير من القضايا السياسية والفكرية والثقافية، فكان حواراً صريحاً دار في مكتبه في بيروت في منطقة حارة حريك.

* مؤسساتك في كل مكان، حتى أنّك تسمى رجل المؤسسات في لبنان، وهناك مؤسسات عديدة لكم، فكيف كانت البداية؟

- كانت البداية عندما انطلقت الحرب في لبنان، ولاحظنا في ذلك الوقت، وقد كنّا مجموعة أنا والسيد موسى الصدر، والشيخ محمد مهدي شمس الدين... أن الحرب بدأت تفرز أيتاماً، وأن أيتام الشيعة أصبحوا يؤخذون بالتبني إلى فرنسا وإلى مياتم المسيحيين.

ولم تكن هناك مؤسسات لاستيعاب هؤلاء الأيتام. عندها اتّصلنا بالسيد الخوئي وأجازنا في الحقوق، ثم حاولنا أن نرعى الأيتام بالتبرّعات والحقوق، ثم غُيِّب السيد موسى الصدر. عند ذلك قمت بتأسيس مبرة السيد الخوئي، وهي أول مبرة. أكملنا المبرة، ثم أخذنا نتوسّع في تشييد المبرات في جميع المناطق اللبنانية، وقد أصبحت حتى الآن ستّ مبرات يوجد فيها ما يقرب من 3300 يتيم ويتيمة، تتمّ رعايتهم تربيةً وتعليماً حتى يصلوا إلى الجامعة.

* كم ترصدون موازنةً سنوية لذلك؟

ـ من ستّة إلى سبعة ملايين دولار سنوياً. ثم لاحظنا أن هناك مشكلة أخرى، وهي أنه لا توجد مبرة للمكفوفين، فقمنا بتأسيس مبرة الإمام الهادي للمكفوفين، ثم أتبعناها بمدرسة الرجاء للصمّ، ثم اتبعناها في العام الماضي بمدرسة للبكم، وهي مجهّزة بأحدث الوسائل العلمية المتقدمة، حتى إنّه أتى مجموعة من البريطانيين وأعجبوا بأجهزتها، إذ لا يوجد لها مماثل في لبنان. هذه المبرة يوجد فيها 300 فرد بين مكفوف وأصمّ. والآن يوجد عندنا مكفوفون في الجامعة... ثم قمنا بتأسيس مدارس من مرحلة الروضة إلى الثانوية، وهي مجموعة مؤسسات تربوية متميزة تفوقت حتى على المؤسسات المسيحية، على الرغم من أنهم كانوا قبلنا في ذلك، والمدارس يدرس فيها تقريبا 13 ألف طالب. ثم لاحظنا أن هناك أيتاماً فقراء يعيشون في بيوتهم، فقمنا بتأسيس "مكتب الخدمات الاجتماعية". وعندنا جهاز يقوم بفحص العوائل اليتيمة والفقراء ويرعاهم. ونصرف على هؤلاء سنوياً في حوالي 15 مليار ليرة لبنانية، وهذا مستمر.

* هل تمانعون في تقديم المساعدات إلى أشخاص من أطياف أخرى، كالطائفة السنية الكريمة، أو كالمسيحيين؟

- أبداً، فمدارسنا تضمّ طلبةً من السنّة ومن المسيحيين، وفي المبرات يوجد أيضاً أيتام من الطائفة السنية، لكن بالنسبة إلى المسيحيين لا يوجد من جاء منهم إلينا.

ومن بين المؤسسات أيضاً هناك الحوزات الدينية، للنساء وللرجال. كما إننا قمنا ببناء عدد من المساجد والحسينيات في المناطق التي لا توجد فيها مساجد أو حسينيات. وهناك مسجد الحسنين الذي توجد فيه قاعة الزهراء وقاعة محاضرات، وعندنا مكتبة عامة، والآن توجد فكرة بناء مكتبة عامة كبرى للجامعيين وغيرهم.

* كيف تقرأ الدولة حركة هذه المؤسسات؟ هل تقلقها أم تنظر إليها على أنها تزيل عبئاً عنها؟

- أبداً، الدولة تشجع على ذلك، فوزارة الشؤون الاجتماعية تشجع على كفالة الأيتام ومساعدة المكفوفين... طبعاً في كل هذه المؤسسات لم نعتمد على أية دولة.

* إذاً من أين مواردكم؟ على ماذا اعتمدتم؟

- على الخمس.

* هل تقومون بمشروعات تجارية مثلاً؟

- نحن نقوم بإنشاء مؤسسات استثمارية تبدأ من الخمس، ثمّ تستمر من خلال إنتاجها الخاص، كمحطة الأيتام التي أصبح لها عدّة فروع، وكالمشروع السياحي "مطعم الساحة"، ونحن لم نحتج في ذلك إلى أحد ولا إلى أي دولة.

* وعلى رغم ذلك بقيت مستقلاً...

- نعم، بقيت مستقلاً.

* ألم تدفع ضريبة هذا الاستقلال؟

- طبعاً، لقد دبِّرت لي أكثر من محاولة اغتيال، والتفجير الذي حدث في بئر العبد وذهب ضحيته ثمانون شهيداً وجرح فيه الكثير خير دليل على ذلك، فهذا الاستقلال وهذا الموقف الصلب عانيت منه وما زلت أعاني.

على كلٍّ، نحن عندما مخطّطات لإنشاء مشروعات جديدة. ففي طرابلس، في شمالي لبنان، بنيت مسجداً ومأتماً ومركزاً ثقافياً... إذ لم يكن للشيعة هناك مثل ذلك كبقية الأطياف. الآن أصبحوا يستقبلون الأطراف الأخرى في هذه الأماكن، لأنه أصبح عندهم موقع لاحتفالاتهم. وكذلك بالنسبة إلى منطقة بنت جبيل، إذ أكثريتها من المسيحيين. الآن يوجد مسجد حضاري هناك، ونقوم ببناء مدرسة ومستوصف فيها.

* ألا تعتبر الدولة أن ذلك يُعَدُّ مشروع دولة داخل دولة؟

- أبداً، هذه المشروعات ترفع عبئاً عن الدولة، أكثر هذه المشروعات يضع حجر الأساس لها بعض المسؤولين في الدولة، وأنا أنطلق في مسألة الحوار مع الجميع. وفي الجانب السياسي رأيي واضح وصريح، ولذلك يأتيني الكثير من المسيحيين لاستشارتي في استشراف المستقبل. حتّى أن شعبيّتي عن المسيحيين قد تكون أكثر منها عند الشيعة.

* كنت تحاور...؟

- نعم، أنا في حالة حوار منذ كنت في النجف، عندما كنا أنا والسيد محمد باقر الصدر نصدر مجلة "الأضواء"، وكان هو يكتب الافتتاحية "رسالتنا"، وأنا أكتب "كلمتنا"، فمنذ أكثر من 55 سنة وأنا في الساحة... أول ما جئت إلى لبنان كنت ألقيت قصيدة في أسبوع السيد محسن الأمين، وكانت القصيدة في الوحدة الإسلامية ومحاربة الاستعمار، وأصبح عمرها اليوم 52 سنة، وكتبت إحدى الصحف اللبنانية في حينها أن فضل الله ألقى قصيدة ضد الاستعمار استثارت مشاعر الجماهير. وكان الاحتفال مليئاً بالمثقفين والكوادر.

* هل فضل الله في توسّعٍ بعد سنين من المخاض؟

- أنا موجود، وأنا أتلقّى في كلّ يوم ما بين 100 إلى 150 سؤالاً للاستفتاء من كلِّ مكان، لا أحد يستطيع أن يغتال أحداً معنوياً. خطابي حاضر في هذا العالم، حتى من يشهِّرون بك هم يحملون فكرك.

أقول لكل العاملين، يجب ألا تهتزوا، قولوا كلمتكم، لأن الكلمة هي التي تنطلق، وأنا كتبت قصيدة موجودة في كتاب "في ظلال الإسلام":

دورنا أن نحرك الصوت في الأفق ليبقى معلقاً في الفضاءِ

باحثاً في المدى عن الاذن الظمأى إليه في لهفة الإصغاءِ

عن كيان يعيش في قلق الحيرة بحثاً عن فكرة بيضاءِ

عن غدٍ يحضن الهدى إن تخلّى حاضر الجيل عن نداء السماءِ

* إذا أنت مقتنع بتاريخك؟

- مقتنع بخطِّ السير وأن المنهج صحيح.

* تحوّلت فتاواك العصرية إلى خبز شعبي يتناوله الفقراء، وتمتاز أيضاً بأن جمهورك هو من المثقفين والتكنوقراط. سماحة السيد،هل أنت راضٍ عن تجربتك الثقافية والسياسية؟ وهل أنت راضٍ عن جمهورك؟

- أنا شخصياً أشعر بالاعتزاز عندما يأتون إليَّ من سائر أنحاء العالم ليناقشوا قضايا فكرية معي... فأنا أستقبل الجمهور المثقّف من المسيحيين أو من الشيعة والسنّة، وكذلك بقيّة الأطياف من ليبراليين وغيرهم، وإن اختلفت انتماءاتهم.

* في مجتمعٍ شرقي ذي نزعة ذكورية، هل تؤمن بقيادة المرأة بأن تصبح رئيسة بلد؟

- من حيث المبدأ، ليس ذلك محرّماً، ولا دليل على الحرمة إلا رواية في أنّ النبي(ص) سمع أن ملك فارس مات فملّكوا ابنته فقال(ص): "ما أفلح قوم وليت أمورهم امرأة".

ولكنّ الرواية غير صحيحة في موازينها. ثم إن الرئاسة في ذلك الوقت كانت تختلف عن الآن، إذ كانت مطلقة، أما الآن فهي مقيدة بالقانون. فنحن نرى إن القرآن قدّم لنا ملكة سبأ كملكة أعقل من الرجال: {قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم* إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم* ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين* قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمراً حتى تشهدون* قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين} [النمل:29- 33].

هنا يقدّم لنا القرآن الكريم نموذجاً للملكة التي تفكر أكثر من الرجال. من حيث المبدأ ليس عندنا مانع في ذلك، حتى بالنسبة للقضاء يجب أن ندرس ذلك، فرواية: "لا يولّى القضاء امرأة" رواية مرسلة. ليس عندي فتوى في ذلك، لكنني بحثت هذا الموضوع في كتاب "القضاء".

* عرفناك شخصية كارزمية لها حضورها... لم نعرفك كزوج أو كأب؟

- أنا أحاول أن أكون كإنسان في البيت... أتعاطى مع زوجتي بكل إنسانية.

* هل أنت ديمقراطي مع أهلك؟

- بكل معنى الكلمة، خصوصاً مع أولادي. فأنا لا أفرض عليهم شيئاً إنما أنصحهم... لم أعنف مع أيِّ ولد من أولادي في كل حياتي، أتركهم يفكرون ويفكرون معي... فإذا ما أخطأوا أناقشهم في خطأهم، أنا لا أؤمن بأن كونك زوجاً أو أباً، يعني أن تقوم باضطهاد الآخرين. وأحاول ما أمكن أن أوفر لهم وقتاً أيضاً.

* هل تجلس مع زوجتك؟ هل تخرج معها... الزوجة تحتاج إلى استراحات؟

- أنا كل أسبوع أذهب إلى الشام وتذهب معي.

* هي رفيقة دربك؟

- نعم، منذ 55 عاماً، وهي معي في هذا الدَّرب.

* في الشعر أنت تنتمي إلى المدرسة الكلاسيكية أليس كذلك؟

- أنا من أوائل من نظّم الشعر الحر في مجلة "الآداب".

* أيام السيّاب؟

- نعم، في فترة الخمسينات في زمن السيّاب ونازك الملائكة، حيث كنا في العراق في أسرة الأدباء مع الشاعر مصطفى جمال الدين، وفي ذلك الوقت نظّمت الشعر الحر... عندي قصيدة في الشعر الحر، والآن عندما أجد وقتاً أنظِّم شعراً... مثلاً عندي قصيدة في الإمام الحسين تحت عنوان "وحيداً وقفت"...

بيروت: سيد ضياء الموسوي
18 - 10 - 2004

الحديث مع المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله حديث ذو شجون، لكنه يرشح جمالاً... تجلس معه فتتلمّس آفاقاً كبيرة في الفكر والثقافة. رجل عاش الساحة سنين ومازال يحمل في قلبه روح الانفتاح على الآخر، رجل محاور من الطراز الأوّل، منسجم مع أطروحاته... رجل يحمل ثقافة المؤسّسات حتى سمي برجل المؤسسات في لبنان. استمر الحوار معه ساعتين. سألته "الوسط" عن كثير من القضايا السياسية والفكرية والثقافية، فكان حواراً صريحاً دار في مكتبه في بيروت في منطقة حارة حريك.

* مؤسساتك في كل مكان، حتى أنّك تسمى رجل المؤسسات في لبنان، وهناك مؤسسات عديدة لكم، فكيف كانت البداية؟

- كانت البداية عندما انطلقت الحرب في لبنان، ولاحظنا في ذلك الوقت، وقد كنّا مجموعة أنا والسيد موسى الصدر، والشيخ محمد مهدي شمس الدين... أن الحرب بدأت تفرز أيتاماً، وأن أيتام الشيعة أصبحوا يؤخذون بالتبني إلى فرنسا وإلى مياتم المسيحيين.

ولم تكن هناك مؤسسات لاستيعاب هؤلاء الأيتام. عندها اتّصلنا بالسيد الخوئي وأجازنا في الحقوق، ثم حاولنا أن نرعى الأيتام بالتبرّعات والحقوق، ثم غُيِّب السيد موسى الصدر. عند ذلك قمت بتأسيس مبرة السيد الخوئي، وهي أول مبرة. أكملنا المبرة، ثم أخذنا نتوسّع في تشييد المبرات في جميع المناطق اللبنانية، وقد أصبحت حتى الآن ستّ مبرات يوجد فيها ما يقرب من 3300 يتيم ويتيمة، تتمّ رعايتهم تربيةً وتعليماً حتى يصلوا إلى الجامعة.

* كم ترصدون موازنةً سنوية لذلك؟

ـ من ستّة إلى سبعة ملايين دولار سنوياً. ثم لاحظنا أن هناك مشكلة أخرى، وهي أنه لا توجد مبرة للمكفوفين، فقمنا بتأسيس مبرة الإمام الهادي للمكفوفين، ثم أتبعناها بمدرسة الرجاء للصمّ، ثم اتبعناها في العام الماضي بمدرسة للبكم، وهي مجهّزة بأحدث الوسائل العلمية المتقدمة، حتى إنّه أتى مجموعة من البريطانيين وأعجبوا بأجهزتها، إذ لا يوجد لها مماثل في لبنان. هذه المبرة يوجد فيها 300 فرد بين مكفوف وأصمّ. والآن يوجد عندنا مكفوفون في الجامعة... ثم قمنا بتأسيس مدارس من مرحلة الروضة إلى الثانوية، وهي مجموعة مؤسسات تربوية متميزة تفوقت حتى على المؤسسات المسيحية، على الرغم من أنهم كانوا قبلنا في ذلك، والمدارس يدرس فيها تقريبا 13 ألف طالب. ثم لاحظنا أن هناك أيتاماً فقراء يعيشون في بيوتهم، فقمنا بتأسيس "مكتب الخدمات الاجتماعية". وعندنا جهاز يقوم بفحص العوائل اليتيمة والفقراء ويرعاهم. ونصرف على هؤلاء سنوياً في حوالي 15 مليار ليرة لبنانية، وهذا مستمر.

* هل تمانعون في تقديم المساعدات إلى أشخاص من أطياف أخرى، كالطائفة السنية الكريمة، أو كالمسيحيين؟

- أبداً، فمدارسنا تضمّ طلبةً من السنّة ومن المسيحيين، وفي المبرات يوجد أيضاً أيتام من الطائفة السنية، لكن بالنسبة إلى المسيحيين لا يوجد من جاء منهم إلينا.

ومن بين المؤسسات أيضاً هناك الحوزات الدينية، للنساء وللرجال. كما إننا قمنا ببناء عدد من المساجد والحسينيات في المناطق التي لا توجد فيها مساجد أو حسينيات. وهناك مسجد الحسنين الذي توجد فيه قاعة الزهراء وقاعة محاضرات، وعندنا مكتبة عامة، والآن توجد فكرة بناء مكتبة عامة كبرى للجامعيين وغيرهم.

* كيف تقرأ الدولة حركة هذه المؤسسات؟ هل تقلقها أم تنظر إليها على أنها تزيل عبئاً عنها؟

- أبداً، الدولة تشجع على ذلك، فوزارة الشؤون الاجتماعية تشجع على كفالة الأيتام ومساعدة المكفوفين... طبعاً في كل هذه المؤسسات لم نعتمد على أية دولة.

* إذاً من أين مواردكم؟ على ماذا اعتمدتم؟

- على الخمس.

* هل تقومون بمشروعات تجارية مثلاً؟

- نحن نقوم بإنشاء مؤسسات استثمارية تبدأ من الخمس، ثمّ تستمر من خلال إنتاجها الخاص، كمحطة الأيتام التي أصبح لها عدّة فروع، وكالمشروع السياحي "مطعم الساحة"، ونحن لم نحتج في ذلك إلى أحد ولا إلى أي دولة.

* وعلى رغم ذلك بقيت مستقلاً...

- نعم، بقيت مستقلاً.

* ألم تدفع ضريبة هذا الاستقلال؟

- طبعاً، لقد دبِّرت لي أكثر من محاولة اغتيال، والتفجير الذي حدث في بئر العبد وذهب ضحيته ثمانون شهيداً وجرح فيه الكثير خير دليل على ذلك، فهذا الاستقلال وهذا الموقف الصلب عانيت منه وما زلت أعاني.

على كلٍّ، نحن عندما مخطّطات لإنشاء مشروعات جديدة. ففي طرابلس، في شمالي لبنان، بنيت مسجداً ومأتماً ومركزاً ثقافياً... إذ لم يكن للشيعة هناك مثل ذلك كبقية الأطياف. الآن أصبحوا يستقبلون الأطراف الأخرى في هذه الأماكن، لأنه أصبح عندهم موقع لاحتفالاتهم. وكذلك بالنسبة إلى منطقة بنت جبيل، إذ أكثريتها من المسيحيين. الآن يوجد مسجد حضاري هناك، ونقوم ببناء مدرسة ومستوصف فيها.

* ألا تعتبر الدولة أن ذلك يُعَدُّ مشروع دولة داخل دولة؟

- أبداً، هذه المشروعات ترفع عبئاً عن الدولة، أكثر هذه المشروعات يضع حجر الأساس لها بعض المسؤولين في الدولة، وأنا أنطلق في مسألة الحوار مع الجميع. وفي الجانب السياسي رأيي واضح وصريح، ولذلك يأتيني الكثير من المسيحيين لاستشارتي في استشراف المستقبل. حتّى أن شعبيّتي عن المسيحيين قد تكون أكثر منها عند الشيعة.

* كنت تحاور...؟

- نعم، أنا في حالة حوار منذ كنت في النجف، عندما كنا أنا والسيد محمد باقر الصدر نصدر مجلة "الأضواء"، وكان هو يكتب الافتتاحية "رسالتنا"، وأنا أكتب "كلمتنا"، فمنذ أكثر من 55 سنة وأنا في الساحة... أول ما جئت إلى لبنان كنت ألقيت قصيدة في أسبوع السيد محسن الأمين، وكانت القصيدة في الوحدة الإسلامية ومحاربة الاستعمار، وأصبح عمرها اليوم 52 سنة، وكتبت إحدى الصحف اللبنانية في حينها أن فضل الله ألقى قصيدة ضد الاستعمار استثارت مشاعر الجماهير. وكان الاحتفال مليئاً بالمثقفين والكوادر.

* هل فضل الله في توسّعٍ بعد سنين من المخاض؟

- أنا موجود، وأنا أتلقّى في كلّ يوم ما بين 100 إلى 150 سؤالاً للاستفتاء من كلِّ مكان، لا أحد يستطيع أن يغتال أحداً معنوياً. خطابي حاضر في هذا العالم، حتى من يشهِّرون بك هم يحملون فكرك.

أقول لكل العاملين، يجب ألا تهتزوا، قولوا كلمتكم، لأن الكلمة هي التي تنطلق، وأنا كتبت قصيدة موجودة في كتاب "في ظلال الإسلام":

دورنا أن نحرك الصوت في الأفق ليبقى معلقاً في الفضاءِ

باحثاً في المدى عن الاذن الظمأى إليه في لهفة الإصغاءِ

عن كيان يعيش في قلق الحيرة بحثاً عن فكرة بيضاءِ

عن غدٍ يحضن الهدى إن تخلّى حاضر الجيل عن نداء السماءِ

* إذا أنت مقتنع بتاريخك؟

- مقتنع بخطِّ السير وأن المنهج صحيح.

* تحوّلت فتاواك العصرية إلى خبز شعبي يتناوله الفقراء، وتمتاز أيضاً بأن جمهورك هو من المثقفين والتكنوقراط. سماحة السيد،هل أنت راضٍ عن تجربتك الثقافية والسياسية؟ وهل أنت راضٍ عن جمهورك؟

- أنا شخصياً أشعر بالاعتزاز عندما يأتون إليَّ من سائر أنحاء العالم ليناقشوا قضايا فكرية معي... فأنا أستقبل الجمهور المثقّف من المسيحيين أو من الشيعة والسنّة، وكذلك بقيّة الأطياف من ليبراليين وغيرهم، وإن اختلفت انتماءاتهم.

* في مجتمعٍ شرقي ذي نزعة ذكورية، هل تؤمن بقيادة المرأة بأن تصبح رئيسة بلد؟

- من حيث المبدأ، ليس ذلك محرّماً، ولا دليل على الحرمة إلا رواية في أنّ النبي(ص) سمع أن ملك فارس مات فملّكوا ابنته فقال(ص): "ما أفلح قوم وليت أمورهم امرأة".

ولكنّ الرواية غير صحيحة في موازينها. ثم إن الرئاسة في ذلك الوقت كانت تختلف عن الآن، إذ كانت مطلقة، أما الآن فهي مقيدة بالقانون. فنحن نرى إن القرآن قدّم لنا ملكة سبأ كملكة أعقل من الرجال: {قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم* إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم* ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين* قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعةً أمراً حتى تشهدون* قالوا نحن أولو قوة وأولو بأس شديد والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين} [النمل:29- 33].

هنا يقدّم لنا القرآن الكريم نموذجاً للملكة التي تفكر أكثر من الرجال. من حيث المبدأ ليس عندنا مانع في ذلك، حتى بالنسبة للقضاء يجب أن ندرس ذلك، فرواية: "لا يولّى القضاء امرأة" رواية مرسلة. ليس عندي فتوى في ذلك، لكنني بحثت هذا الموضوع في كتاب "القضاء".

* عرفناك شخصية كارزمية لها حضورها... لم نعرفك كزوج أو كأب؟

- أنا أحاول أن أكون كإنسان في البيت... أتعاطى مع زوجتي بكل إنسانية.

* هل أنت ديمقراطي مع أهلك؟

- بكل معنى الكلمة، خصوصاً مع أولادي. فأنا لا أفرض عليهم شيئاً إنما أنصحهم... لم أعنف مع أيِّ ولد من أولادي في كل حياتي، أتركهم يفكرون ويفكرون معي... فإذا ما أخطأوا أناقشهم في خطأهم، أنا لا أؤمن بأن كونك زوجاً أو أباً، يعني أن تقوم باضطهاد الآخرين. وأحاول ما أمكن أن أوفر لهم وقتاً أيضاً.

* هل تجلس مع زوجتك؟ هل تخرج معها... الزوجة تحتاج إلى استراحات؟

- أنا كل أسبوع أذهب إلى الشام وتذهب معي.

* هي رفيقة دربك؟

- نعم، منذ 55 عاماً، وهي معي في هذا الدَّرب.

* في الشعر أنت تنتمي إلى المدرسة الكلاسيكية أليس كذلك؟

- أنا من أوائل من نظّم الشعر الحر في مجلة "الآداب".

* أيام السيّاب؟

- نعم، في فترة الخمسينات في زمن السيّاب ونازك الملائكة، حيث كنا في العراق في أسرة الأدباء مع الشاعر مصطفى جمال الدين، وفي ذلك الوقت نظّمت الشعر الحر... عندي قصيدة في الشعر الحر، والآن عندما أجد وقتاً أنظِّم شعراً... مثلاً عندي قصيدة في الإمام الحسين تحت عنوان "وحيداً وقفت"...

بيروت: سيد ضياء الموسوي
18 - 10 - 2004

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير