فضل الله: المشكلة تتمثَّل بفقدان الثقافة القرآنية المنفتحة على الإنسان والحياة

فضل الله: المشكلة تتمثَّل بفقدان الثقافة القرآنية المنفتحة على الإنسان والحياة

حوار حول علاقة المجتمع الإسلامي بالقرآن



أجرت مجلة الرَّمضانية البحرينية حواراً مع العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تناولت فيه علاقة المجتمع الإسلامي بالقرآن الكريم، وكيف يتمُّ التَّعاطي مع القرآن لجهة فهمه دراسةً وتفسيراً. وهذا نص الحوار:

طبيعة علاقة المجتمع الإسلاميّ بالقرآن

س) يعيش المجتمع المسلم، بشكل عام، حالةً من الجمود في علاقته بالقرآن الكريم بجميع علومه. ما هي أسباب ذلك في نظركم؟
ج) إنَّ المشكلة التي يعيشها العالم الإسلامي في كثيرٍ من مواقعه، قد تتمثَّل بفقدان الثقافة القرآنية المنفتحة على قضايا العقيدة والإنسان والحياة، لأنَّ القائمين على شؤون الدعوة والتبليغ، لم يأخذوا بأسباب هذه الثّقافة، بل كانت اهتماماتهم الكبرى بالدراسات الأصولية والفقهية التي يستغرق فيها طلاب الحوزات، ما يجعلهم قاصرين عن توجيه مجتمعاتهم الإسلامية إلى تأصيل علاقتهم بالقرآن علماً وتفسيراً وتحليلاً، لأنّ المسألة لا تتصل باهتماماتهم العلمية.

وقد تتمثَّل المشكلة بالاستغراق في الأحاديث المروية عن النبي(ص) والأئمة(ع) من دون تدقيق في صحة سندها ومضمونها الفكري، الأمر الذي يجعل القائمين على هذا النوع من الثقافة القرآنية، ينطلقون في فوضى ثقافية إسلامية، بحيث يتقدّم اهتمامهم بروايات الفضائل، حسب بعض التفاسير غير الموثوقة، أكثر من اهتمامهم بالمفاهيم الإسلامية التي تؤدِّي بالمسلم إلى أن يستوحي حقائق القرآن ومفاهيمه العامة في حركة الحياة.

وهذا يكون بالاستغراق في الشخصيات المذهبية أكثر من الثقافة القرآنية، بحيث تكون القيمة للشخصيات أهمّ من التعمّق بالقرآن باعتباره الأساس في المعرفة الإسلامية، لذا يتمّ التركيز الشديد على المفردات التفصيلية لهذه الشخصيَّات على حساب القرآن... إضافةً إلى مشكلة تعدّد المدارس التّفسيريّة للقرآن الكريم.
   

المشكلة التي يعيشها العالم الإسلامي تتمثل في فقدان الثقافة القرآنية المنفتحة على قضايا العقيدة والإنسان والحياة


ومن المفارقات أيضاً على هذا الصعيد، أن يُختزل القرآن بالاهتمام بالجانب الصوتي لجهة الترتيل والتجويد، حتى إن بعض القراء للقرآن يجيدون هذا العمل ولا يعرفون معاني الآيات التي يقرأونها. وقد نجد البعض من أهل العلم يُخضِعون القرآن للحديث من دون تدقيق في صحَّة سنده، بدلاً من إخضاع الحديث للقرآن، وهو ما يؤدّي إلى الكثير من النتائج السلبية على الفهم الأصيل للقرآن، ولا سيَّما في الأمور المرتبطة بالخصوصيَّات المذهبية التي تختلف فيها الاتجاهات وتتنوَّع فيها الآراء. وقد أدخل إلى هذا النهج الكثير من التفسير الباطني الَّذي لا علاقة له بالظَّواهر القرآنية، مما ادّعى فيه الكثيرون أن هناك بطوناً للقرآن يختلف المعنى فيها عن ظواهره.
وهكذا ابتعد القرآن من خلال ذلك كلِّه، في حقائقه الأصيلة، عن الذهنية الإسلامية الثقافية، أمام هذه الفوضى الاستغراقية في الاهتمامات والاتجاهات. وقد نلاحظ أن التقاليد قد أحاطت بالقرآن، فحوّلته إلى كتاب للقراءة على الأموات، وللعلاج من الأمراض، أو للاستخارة أو للتفاؤل به، بدلاً من أن يكون كتاباً للوعي والثقافة والأصالة الإسلامية.

دور القرآن الكريم في خلق الوعي

س) كيف يمكن فهم أنَّ للقرآن دوراً في مسألة إيجاد الوعي لدى المسلم العادي في مواجهة التيَّارات الأخرى من جهة... ومن جهة أخرى، نرى أن هذه التيارات تزداد توغّلاً وتأثيراً على المجتمع المسلم بمختلف أطيافه؟ هل إنَّ قدرة القرآن على التأثير ضعفت، بحيث إنها لا تستطيع مجاراة الآلة الإعلامية أو الأطروحات الثقافية لهذه التيّارات؟
   

القرآن يمثِّل النور الذي يضيء للعقل الإنساني الحقائق الإسلامية في العقيدة والشريعة والحياة


ج) إنَّ القرآن يُمثِّل النُّور الذي يضيء للعقل الإنساني الحقائق الإسلامية في العقيدة والشّريعة والحياة وحركة الواقع، وقد أراد الله من الناس أن يتدبَّروه، وأن يتأمَّلوا في آياته، ويفتحوا مغاليق عقولهم عليه، ويقوموا بدراسته دراسةً علميةً دقيقةً عميقةً، وأن يحاولوا استيحاء آياته في كلِّ ما يتعلّق بقضايا الإنسان في أوضاعه العامَّة، وفي ساحات الصِّراع، والانفتاح على منهجه في الدعوة والحوار، وذلك على قاعدة أنّ العقل هو الأساس في حركة الفكر في مواجهة ما تنفتح عليه العقول الأخرى، بحيث تكون المسألة حوار عقل لعقل، لا حوار عقل لغريزة. وهكذا في اعتبار العلم قيمةً إنسانيةً يرتفع بها الإنسان في ميزان القيم، في امتداداته المعرفية، وفي اكتشافه لأسرار الكون، وحقائق النفس الإنسانية والحياة، كما في الدخول إلى الواقع في تنوّعاته وتطلّعاته وتحدّياته، من خلال القواعد الإسلامية التي تؤكد الفارق بين ما هو حقّ وما هو باطل، سواء في خطِّ السير أو في حركة الصراع، ولا سيما في القضايا السياسية والاجتماعية العامة.

لقد كان القرآنُ الذي أنزله الله على رسوله، كتاب الحركة الإسلامية في المسيرة التي خاضها النبيّ(ص) والمسلمون معه، في حركة الدعوة، وفي تحديات الصراع، وفي أوضاع الحرب والسلم، ما يفرض على المسلمين في كلِّ زمان ومكان، أن يعملوا على استيحائه في المبادئ العامة التي تمثّلها التجربة الإسلامية في كلِّ أوضاعها، أو في التحدي وردِّ التحدي، وفي الفعل وردِّ الفعل... هذا إضافةً إلى الالتزام بالخطِّ الرِّسالي في شخصيَّة الرسول(ص) كنموذجٍ أصيل متقدِّم للقدوة في سيرته وفي أخلاقيته وفي مواقفه وعلاقاته وحياته الخاصة والعامة، والتعلّم من التجربة الصَّعبة التي خاضها الأنبياء مع أممهم، وإحياء المفاهيم العامة المرتبطة بأكثر من جانب من حياة الإنسان في مواجهة التيارات الأخرى، والقيام بتثقيف المجتمع الإسلامي بكلِّ العناصر الثقافية، من أجل تكوين المناعة الفكرية والروحية والحركية ضد التأثر بالتيَّارات المضادّة غير الإسلامية، لأنَّ تغلغل هذه التيارات وتأثيرها على المجتمع المسلم بمختلف أطيافه، ناتج من حالة الفراغ التي يعيشها المسلمون في المنهج الإسلامي الثقافي الذي يصادم المنهج الآخر الكافر الذي يتمثَّل بالمجتمع المنحرف، وقد يؤدّي هذا الفراغ إلى سرعة التأثر الانحرافي للإنسان، بفعل الوسائل المتنوّعة التي تخاطب مشاعره وأحاسيسه وغرائزه وطموحاته المادية.

إنّنا نعتقد أنَّ الدراسة القرآنية العميقة الواسعة المنفتحة على كلِّ قضايا الإنسان والحياة، في أصالة المفاهيم الإسلامية المتنوّعة المتحركة في الواقع، هي التي تحقِّق الوعي الذي يحمي المسلمين من سيطرة التيارات الأخرى على مقدّراتهم العقيدية والشرعية والحركية والثقافية بشكل عام.
   

الثقافة القرآنية تكسب المجتمع المناعة الفكرية والروحية والحركية ضد التأثر بالتيارات المضادة غير الإسلامية


الدّعوة القرآنيّة إلى التقريب

س) الدعوة إلى التّقريب بين المذاهب والتيارات الإسلامية، تأخذ من القرآن أساساً ومنطلقاً لها، وفي الوقت نفسه، فإنَّ دعوات التكفير ونبذ الفكر الآخر تأخذ من القرآن منطلقاً أيضاً. كيف للمجتمع المسلم أن يميِّز الفهم الصحيح للقرآن وأهدافه ومنطلقاته، حتى يستطيع تجسيد معانيه على حقيقتها؟

 

ج) إنَّ الرجوع إلى القرآن في مسألة التقريب بين المذاهب والتيَّارات الإسلامية، بحاجةٍ إلى فهمٍ أصيلٍ لحقائق القرآن، وذلك من خلال الثقافة المتخصّصة التي تستند إلى تأصيل المنهج الذي يركّز الأساس لتقويم الفكرة، وهنا نلتقي بضرورة استيعاب القاعدة الثقافية في فهم أصول القواعد العربية، أو في توثيق النصوص الصادرة عن النبي(ص) والأئمة(ع) من أهل بيته سنداً ومضموناً، وبذلك نستطيع وضع معايير الفهم الصحيح للقرآن وأهدافه ومنطلقاته. وفي ضوء ذلك، فإنَّ المزيد من الدقّة في تركيز القواعد والمعايير، يحول دون نجاح الفئات المنحرفة في تأكيد أفكارهم عبر التسويق لها بالاحتجاج بالقرآن لتأييدها، ولا سيّما من التكفيريين، وخصوصاً أنهم عجزوا من خلال منهجهم التفسيري والفقهي، عن أن يستنطقوا الآيات القرآنية لتأكيد نظرتهم السطحية في تحديد ميزان الكفر والإيمان الذي ينطلقون منه لتصنيف المسلمين الآخرين الّذين يختلفون معهم في الفكر الإسلامي، وخصوصاً في قضايا الشرك والتوحيد التي لا يملكون أية حجة شرعية أو عقلية في التعامل معها.

لماذا التجديد في فهم النص؟

س) طالبتم سماحتكم في أكثر من لقاء ومقال، بالعمل على تجديد دراسة النص القرآني من خلال المعطيات الفكرية الجديدة، وتحديد إجابات معاصرة لم تكن موجودةً سابقاً. ما أهمية ما تذهبون إليه؟ وهل، في اعتقادك، أن جمود دراسة النص القرآني على ما فسَّره الأوَّلون، هو من الأسباب الرئيسية في الابتعاد عن العلوم القرآنية، كونها لا تقارب الواقع بشكلٍ إجماليّ؟

التجديد في فهم النص لا ينطلق من عقدة ثقافيّة بهدف تحريك الجديد في ثقافتنا لإسقاط الفهم القديم


ج) إنَّ التَّجديد في فهم النّصّ القرآني، لا ينطلق عندنا من عقدة ثقافية بهدف تحريك الجديد في ثقافتنا الإسلامية، لإسقاط الفهم القديم الذي انطلق به المفسِّرون القدامى في تفاسيرهم واجتهاداتهم، وفي احتجاجهم بالمأثور، وفي تحليلاتهم واستيحاءاتهم واستدلالاتهم على هذا المذهب أو ذاك، ولا ينطلق أبداً من الخضوع لحالة فكرية ترى أنّهم يمثِّلون الخطأ في الفهم والمنهج. ولكي لا نقع أسرى تقليد الاجتهادات السابقة للعلماء من مختلف المذاهب الّذين نحترم علمهم وثقافتهم، حاولنا أن ندرس القرآن وفق ما نملك من ثقافة إسلامية تفسيرية تنفتح على ما لدى القدماء، وعلى بعض المناهج الجديدة التي اكتشفها الإنسان، وعلى ما نملك من أصالة الفهم لظواهر الآيات القرآنية كما لو لم يفهمها أحد، كما حاولنا أن نقارن بين نتائج اجتهاداتنا وتحليلنا واستيحاءاتنا، وبين نتائج ما تركوه لنا من تراث، لنصل إلى نتيجة حاسمة جديدة في فهم جديد يختلف عمَّا فهمه الآخرون...

إننا لا نؤمن بقداسة القديم غير المعصوم، فكما كان القدماء يختلفون في طريقة فهمهم للقرآن، ويختلفون في المسائل الفقهية والعقيدية، ولا يرون في ذلك مشكلةً علمية دينية، فإنّ من حقنا أن نختلف معهم في ذلك كله، مما قد نكتشفه مما توصَّلنا إليه، ومن الطبيعي أن يكون الأساس في هذا المنهج هو التقوى العلمية الإسلامية التي ترتكز على الحجّة والبرهان، لا على الهوى والمزاج.

شهر رمضان محطة لفهم القرآن وتجسيده

س) ألا ترون أنَّ شهر رمضان تحوَّل إلى المحطة الموسمية الوحيدة لتحريك الفكر القرآني، وما عداها جهود فردية غير واضحة؟ أليس في هذا انتقاص من القيمة القرآنية؟

ج) إننا نتحفَّظ على ما يطرحه السؤال، من أنَّ شهر رمضان تحوَّل إلى المحطة الموسمية الوحيدة لتحريك الفكر القرآني وما عداها جهود فردية غير واضحة، لأنّنا لا نرى في هذا الشهر في سلوك المجتمع الإسلامي، من قبل العلماء والمبلّغين والوعّاظ، اهتماماً في تحريك الفكر القرآني على مستوى الظاهرة، بل إنّ الاهتمام في غالب مظاهره هو في التشجيع على قراءة القرآن. وإنّنا نؤكد بشدّة ضرورة أن يكون الكتاب المقدَّس هو الذي يشغل الفكر الإسلامي في دراسة علومه وتفسيره ومنهجه وخطوطه الفكرية والروحية والحركية، ليعيش المسلمون ثقافة القرآن في عقولهم ومشاعرهم وأوضاعهم العامة، في أساليب جديدة للتفسير وللتثقيف العام، لأنّ المشكلة، أن الغالبية العظمى من الأمَّة الإسلامية، بمن في ذلك بعض الفقهاء والمبلّغين والوعَّاظ، لا يملكون الثقافة القرآنية بالمستوى الذي يجعلهم يملكون الوعي للإسلام، من خلال آيات القرآن، فيما يأخذون به من أسباب الوعي.

س) ما هي السّبل لتفعيل المفاهيم القرآنيَّة في حركة المجتمع السياسية والثقافية، فضلاً عن العمل الديني، ليكون مجتمعاً قرآنياً، وليكون كلُّ فرد فيه "قرآناً متحركاً"، وذلك بصورة واقعية بعيداً عن المثاليَّات؟

القرآن يجب أن يدخل في التكوين المعرفي والروحي والعملي في شخصية المسلم


ج) إنَّ الله أنزل القرآن ليُعْمَلَ به، وليحكم المسيرة الإسلامية في جزئياتها وكلّيّاتها، وليدخل في التكوين المعرفي والرّوحيّ والعملي في شخصية الإنسان المسلم، في كلِّ مفردات القيم التي أراد الله للإنسان أن يتمثَّلها في حياته، ولا سيَّما في الجانب الأخلاقي في حياته الفردية والاجتماعية، وفي علاقاته الإنسانية، وفي التزاماته العقدية والعهدية... إلى غير ذلك. وقد جاء في السيرة النبوية الشريفة، أنَّ بعض أمهات المؤمنين قالت ـ جواباً عن سؤال عن أخلاق النبي(ص) ـ "كان خلقه القرآن"، وكأنها كانت تريد أن تقول، اقرأوا المنهج الأخلاقي في القرآن بكلِّ مبادئه وتفاصيله، تعرفوا أخلاق رسول الله(ص). وقد أمرنا الله سبحانه بأن نتأسَّى برسول الله في تجسيده للقرآن، حتى إنّه(ص) كان قرآناً يتحرك، فكان الناس يسمعون الآية من فمه، ثم يشاهدونها في سلوكه.
ومن هنا، فإنّ على القائمين على شؤون التربية الإسلامية، والدعوة الإيمانية، والوعظ والإرشاد، أن يوجّهوا المسلمين، ولا سيما الشباب، إلى أن يعيشوا القرآن فكراً وعقيدةً وشريعةً وحركةً وحياةً، بحيث يجسّدونه في حركتهم، ليكون كلُّ مسلم قرآناً يتحرَّك، ليدعو الناس بسيرته قبل أن يدعوهم بلسانه، كما جاء في الحديث المرويّ عن الإمام جعفر الصَّادق(ع): "كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصّلاح والخير، فإنّ ذلك داعية".

س) كلمة توجّهونها إلى أبنائكم مع إطلالة شهر رمضان المبارك...
   

ليكن كل مسلم قرآناً يتحرك، ليدعو الناس بسيرته قبل أن يدعوهم بلسانه


ج) إنَّ نصيحتي للمؤمنين الطيبين من أبنائي، من الذّكور والإناث، أن يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية الإسلامية في هذه المرحلة الصعبة الخطيرة التي تواجهها الأمّة الإسلامية، من خلال التيارات الكافرة والقوى المستكبرة، الّتي تخطّط لتدمير الإسلام في العالم، من خلال الانتقاص من ثقافته، وتشويه حقائقه، ومصادرة أوضاعه، وسرقة ثرواته، وإسقاط أمنه، وتهديد حرياته في تقرير مصيره، الأمر الذي يفرض علينا جميعاً، أن نقف في ساحة المواجهة الجهادية على أساس الخطّة المدروسة الحكيمة التي يصنعها المخلصون من أهل الخبرة، بعيداً عن الانفعال والخوف والاهتزاز النفسي، بل أن نكون كما قال الله سبحانه عن المؤمنين: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}(آل عمران/173-174).
إنّني أدعو كلّ الأخوة، إلى أن يأخذوا بأسباب الثَّقافة الإسلاميَّة في أبعادها المتنوّعة، ليستطيعوا التحرّك في خطِّ الدعوة في الواقع العالمي الذي يتحرَّكون فيه وليعرفوا كيف يدافعون عن الإسلام ضدّ الاتهامات الباطلة التي تتّهمه بما ليس فيه، لتشوّه صورته، وأن يأخذوا بأسباب التقوى التي يعيشون معها في أجواء طاعة الله والبعد عن معصيته، ليحصلوا على رضوان الله، ويرتفعوا إلى مواقع القرب إليه.

وختاماً أقول: كونوا المؤمنين السائرين في خطِّ الأخوّة الإيمانية والوحدة الإسلامية: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ}(المائدة/2)، والله وليُّ التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
على المسلمين أن يأخذوا بأسباب الثقافة الإسلامية، ليعرفوا كيف يدافعون عن الإسلام ضد الاتهامات الباطلة
         

حوار حول علاقة المجتمع الإسلامي بالقرآن



أجرت مجلة الرَّمضانية البحرينية حواراً مع العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، تناولت فيه علاقة المجتمع الإسلامي بالقرآن الكريم، وكيف يتمُّ التَّعاطي مع القرآن لجهة فهمه دراسةً وتفسيراً. وهذا نص الحوار:

طبيعة علاقة المجتمع الإسلاميّ بالقرآن

س) يعيش المجتمع المسلم، بشكل عام، حالةً من الجمود في علاقته بالقرآن الكريم بجميع علومه. ما هي أسباب ذلك في نظركم؟
ج) إنَّ المشكلة التي يعيشها العالم الإسلامي في كثيرٍ من مواقعه، قد تتمثَّل بفقدان الثقافة القرآنية المنفتحة على قضايا العقيدة والإنسان والحياة، لأنَّ القائمين على شؤون الدعوة والتبليغ، لم يأخذوا بأسباب هذه الثّقافة، بل كانت اهتماماتهم الكبرى بالدراسات الأصولية والفقهية التي يستغرق فيها طلاب الحوزات، ما يجعلهم قاصرين عن توجيه مجتمعاتهم الإسلامية إلى تأصيل علاقتهم بالقرآن علماً وتفسيراً وتحليلاً، لأنّ المسألة لا تتصل باهتماماتهم العلمية.

وقد تتمثَّل المشكلة بالاستغراق في الأحاديث المروية عن النبي(ص) والأئمة(ع) من دون تدقيق في صحة سندها ومضمونها الفكري، الأمر الذي يجعل القائمين على هذا النوع من الثقافة القرآنية، ينطلقون في فوضى ثقافية إسلامية، بحيث يتقدّم اهتمامهم بروايات الفضائل، حسب بعض التفاسير غير الموثوقة، أكثر من اهتمامهم بالمفاهيم الإسلامية التي تؤدِّي بالمسلم إلى أن يستوحي حقائق القرآن ومفاهيمه العامة في حركة الحياة.

وهذا يكون بالاستغراق في الشخصيات المذهبية أكثر من الثقافة القرآنية، بحيث تكون القيمة للشخصيات أهمّ من التعمّق بالقرآن باعتباره الأساس في المعرفة الإسلامية، لذا يتمّ التركيز الشديد على المفردات التفصيلية لهذه الشخصيَّات على حساب القرآن... إضافةً إلى مشكلة تعدّد المدارس التّفسيريّة للقرآن الكريم.
   

المشكلة التي يعيشها العالم الإسلامي تتمثل في فقدان الثقافة القرآنية المنفتحة على قضايا العقيدة والإنسان والحياة


ومن المفارقات أيضاً على هذا الصعيد، أن يُختزل القرآن بالاهتمام بالجانب الصوتي لجهة الترتيل والتجويد، حتى إن بعض القراء للقرآن يجيدون هذا العمل ولا يعرفون معاني الآيات التي يقرأونها. وقد نجد البعض من أهل العلم يُخضِعون القرآن للحديث من دون تدقيق في صحَّة سنده، بدلاً من إخضاع الحديث للقرآن، وهو ما يؤدّي إلى الكثير من النتائج السلبية على الفهم الأصيل للقرآن، ولا سيَّما في الأمور المرتبطة بالخصوصيَّات المذهبية التي تختلف فيها الاتجاهات وتتنوَّع فيها الآراء. وقد أدخل إلى هذا النهج الكثير من التفسير الباطني الَّذي لا علاقة له بالظَّواهر القرآنية، مما ادّعى فيه الكثيرون أن هناك بطوناً للقرآن يختلف المعنى فيها عن ظواهره.
وهكذا ابتعد القرآن من خلال ذلك كلِّه، في حقائقه الأصيلة، عن الذهنية الإسلامية الثقافية، أمام هذه الفوضى الاستغراقية في الاهتمامات والاتجاهات. وقد نلاحظ أن التقاليد قد أحاطت بالقرآن، فحوّلته إلى كتاب للقراءة على الأموات، وللعلاج من الأمراض، أو للاستخارة أو للتفاؤل به، بدلاً من أن يكون كتاباً للوعي والثقافة والأصالة الإسلامية.

دور القرآن الكريم في خلق الوعي

س) كيف يمكن فهم أنَّ للقرآن دوراً في مسألة إيجاد الوعي لدى المسلم العادي في مواجهة التيَّارات الأخرى من جهة... ومن جهة أخرى، نرى أن هذه التيارات تزداد توغّلاً وتأثيراً على المجتمع المسلم بمختلف أطيافه؟ هل إنَّ قدرة القرآن على التأثير ضعفت، بحيث إنها لا تستطيع مجاراة الآلة الإعلامية أو الأطروحات الثقافية لهذه التيّارات؟
   

القرآن يمثِّل النور الذي يضيء للعقل الإنساني الحقائق الإسلامية في العقيدة والشريعة والحياة


ج) إنَّ القرآن يُمثِّل النُّور الذي يضيء للعقل الإنساني الحقائق الإسلامية في العقيدة والشّريعة والحياة وحركة الواقع، وقد أراد الله من الناس أن يتدبَّروه، وأن يتأمَّلوا في آياته، ويفتحوا مغاليق عقولهم عليه، ويقوموا بدراسته دراسةً علميةً دقيقةً عميقةً، وأن يحاولوا استيحاء آياته في كلِّ ما يتعلّق بقضايا الإنسان في أوضاعه العامَّة، وفي ساحات الصِّراع، والانفتاح على منهجه في الدعوة والحوار، وذلك على قاعدة أنّ العقل هو الأساس في حركة الفكر في مواجهة ما تنفتح عليه العقول الأخرى، بحيث تكون المسألة حوار عقل لعقل، لا حوار عقل لغريزة. وهكذا في اعتبار العلم قيمةً إنسانيةً يرتفع بها الإنسان في ميزان القيم، في امتداداته المعرفية، وفي اكتشافه لأسرار الكون، وحقائق النفس الإنسانية والحياة، كما في الدخول إلى الواقع في تنوّعاته وتطلّعاته وتحدّياته، من خلال القواعد الإسلامية التي تؤكد الفارق بين ما هو حقّ وما هو باطل، سواء في خطِّ السير أو في حركة الصراع، ولا سيما في القضايا السياسية والاجتماعية العامة.

لقد كان القرآنُ الذي أنزله الله على رسوله، كتاب الحركة الإسلامية في المسيرة التي خاضها النبيّ(ص) والمسلمون معه، في حركة الدعوة، وفي تحديات الصراع، وفي أوضاع الحرب والسلم، ما يفرض على المسلمين في كلِّ زمان ومكان، أن يعملوا على استيحائه في المبادئ العامة التي تمثّلها التجربة الإسلامية في كلِّ أوضاعها، أو في التحدي وردِّ التحدي، وفي الفعل وردِّ الفعل... هذا إضافةً إلى الالتزام بالخطِّ الرِّسالي في شخصيَّة الرسول(ص) كنموذجٍ أصيل متقدِّم للقدوة في سيرته وفي أخلاقيته وفي مواقفه وعلاقاته وحياته الخاصة والعامة، والتعلّم من التجربة الصَّعبة التي خاضها الأنبياء مع أممهم، وإحياء المفاهيم العامة المرتبطة بأكثر من جانب من حياة الإنسان في مواجهة التيارات الأخرى، والقيام بتثقيف المجتمع الإسلامي بكلِّ العناصر الثقافية، من أجل تكوين المناعة الفكرية والروحية والحركية ضد التأثر بالتيَّارات المضادّة غير الإسلامية، لأنَّ تغلغل هذه التيارات وتأثيرها على المجتمع المسلم بمختلف أطيافه، ناتج من حالة الفراغ التي يعيشها المسلمون في المنهج الإسلامي الثقافي الذي يصادم المنهج الآخر الكافر الذي يتمثَّل بالمجتمع المنحرف، وقد يؤدّي هذا الفراغ إلى سرعة التأثر الانحرافي للإنسان، بفعل الوسائل المتنوّعة التي تخاطب مشاعره وأحاسيسه وغرائزه وطموحاته المادية.

إنّنا نعتقد أنَّ الدراسة القرآنية العميقة الواسعة المنفتحة على كلِّ قضايا الإنسان والحياة، في أصالة المفاهيم الإسلامية المتنوّعة المتحركة في الواقع، هي التي تحقِّق الوعي الذي يحمي المسلمين من سيطرة التيارات الأخرى على مقدّراتهم العقيدية والشرعية والحركية والثقافية بشكل عام.
   

الثقافة القرآنية تكسب المجتمع المناعة الفكرية والروحية والحركية ضد التأثر بالتيارات المضادة غير الإسلامية


الدّعوة القرآنيّة إلى التقريب

س) الدعوة إلى التّقريب بين المذاهب والتيارات الإسلامية، تأخذ من القرآن أساساً ومنطلقاً لها، وفي الوقت نفسه، فإنَّ دعوات التكفير ونبذ الفكر الآخر تأخذ من القرآن منطلقاً أيضاً. كيف للمجتمع المسلم أن يميِّز الفهم الصحيح للقرآن وأهدافه ومنطلقاته، حتى يستطيع تجسيد معانيه على حقيقتها؟

 

ج) إنَّ الرجوع إلى القرآن في مسألة التقريب بين المذاهب والتيَّارات الإسلامية، بحاجةٍ إلى فهمٍ أصيلٍ لحقائق القرآن، وذلك من خلال الثقافة المتخصّصة التي تستند إلى تأصيل المنهج الذي يركّز الأساس لتقويم الفكرة، وهنا نلتقي بضرورة استيعاب القاعدة الثقافية في فهم أصول القواعد العربية، أو في توثيق النصوص الصادرة عن النبي(ص) والأئمة(ع) من أهل بيته سنداً ومضموناً، وبذلك نستطيع وضع معايير الفهم الصحيح للقرآن وأهدافه ومنطلقاته. وفي ضوء ذلك، فإنَّ المزيد من الدقّة في تركيز القواعد والمعايير، يحول دون نجاح الفئات المنحرفة في تأكيد أفكارهم عبر التسويق لها بالاحتجاج بالقرآن لتأييدها، ولا سيّما من التكفيريين، وخصوصاً أنهم عجزوا من خلال منهجهم التفسيري والفقهي، عن أن يستنطقوا الآيات القرآنية لتأكيد نظرتهم السطحية في تحديد ميزان الكفر والإيمان الذي ينطلقون منه لتصنيف المسلمين الآخرين الّذين يختلفون معهم في الفكر الإسلامي، وخصوصاً في قضايا الشرك والتوحيد التي لا يملكون أية حجة شرعية أو عقلية في التعامل معها.

لماذا التجديد في فهم النص؟

س) طالبتم سماحتكم في أكثر من لقاء ومقال، بالعمل على تجديد دراسة النص القرآني من خلال المعطيات الفكرية الجديدة، وتحديد إجابات معاصرة لم تكن موجودةً سابقاً. ما أهمية ما تذهبون إليه؟ وهل، في اعتقادك، أن جمود دراسة النص القرآني على ما فسَّره الأوَّلون، هو من الأسباب الرئيسية في الابتعاد عن العلوم القرآنية، كونها لا تقارب الواقع بشكلٍ إجماليّ؟

التجديد في فهم النص لا ينطلق من عقدة ثقافيّة بهدف تحريك الجديد في ثقافتنا لإسقاط الفهم القديم


ج) إنَّ التَّجديد في فهم النّصّ القرآني، لا ينطلق عندنا من عقدة ثقافية بهدف تحريك الجديد في ثقافتنا الإسلامية، لإسقاط الفهم القديم الذي انطلق به المفسِّرون القدامى في تفاسيرهم واجتهاداتهم، وفي احتجاجهم بالمأثور، وفي تحليلاتهم واستيحاءاتهم واستدلالاتهم على هذا المذهب أو ذاك، ولا ينطلق أبداً من الخضوع لحالة فكرية ترى أنّهم يمثِّلون الخطأ في الفهم والمنهج. ولكي لا نقع أسرى تقليد الاجتهادات السابقة للعلماء من مختلف المذاهب الّذين نحترم علمهم وثقافتهم، حاولنا أن ندرس القرآن وفق ما نملك من ثقافة إسلامية تفسيرية تنفتح على ما لدى القدماء، وعلى بعض المناهج الجديدة التي اكتشفها الإنسان، وعلى ما نملك من أصالة الفهم لظواهر الآيات القرآنية كما لو لم يفهمها أحد، كما حاولنا أن نقارن بين نتائج اجتهاداتنا وتحليلنا واستيحاءاتنا، وبين نتائج ما تركوه لنا من تراث، لنصل إلى نتيجة حاسمة جديدة في فهم جديد يختلف عمَّا فهمه الآخرون...

إننا لا نؤمن بقداسة القديم غير المعصوم، فكما كان القدماء يختلفون في طريقة فهمهم للقرآن، ويختلفون في المسائل الفقهية والعقيدية، ولا يرون في ذلك مشكلةً علمية دينية، فإنّ من حقنا أن نختلف معهم في ذلك كله، مما قد نكتشفه مما توصَّلنا إليه، ومن الطبيعي أن يكون الأساس في هذا المنهج هو التقوى العلمية الإسلامية التي ترتكز على الحجّة والبرهان، لا على الهوى والمزاج.

شهر رمضان محطة لفهم القرآن وتجسيده

س) ألا ترون أنَّ شهر رمضان تحوَّل إلى المحطة الموسمية الوحيدة لتحريك الفكر القرآني، وما عداها جهود فردية غير واضحة؟ أليس في هذا انتقاص من القيمة القرآنية؟

ج) إننا نتحفَّظ على ما يطرحه السؤال، من أنَّ شهر رمضان تحوَّل إلى المحطة الموسمية الوحيدة لتحريك الفكر القرآني وما عداها جهود فردية غير واضحة، لأنّنا لا نرى في هذا الشهر في سلوك المجتمع الإسلامي، من قبل العلماء والمبلّغين والوعّاظ، اهتماماً في تحريك الفكر القرآني على مستوى الظاهرة، بل إنّ الاهتمام في غالب مظاهره هو في التشجيع على قراءة القرآن. وإنّنا نؤكد بشدّة ضرورة أن يكون الكتاب المقدَّس هو الذي يشغل الفكر الإسلامي في دراسة علومه وتفسيره ومنهجه وخطوطه الفكرية والروحية والحركية، ليعيش المسلمون ثقافة القرآن في عقولهم ومشاعرهم وأوضاعهم العامة، في أساليب جديدة للتفسير وللتثقيف العام، لأنّ المشكلة، أن الغالبية العظمى من الأمَّة الإسلامية، بمن في ذلك بعض الفقهاء والمبلّغين والوعَّاظ، لا يملكون الثقافة القرآنية بالمستوى الذي يجعلهم يملكون الوعي للإسلام، من خلال آيات القرآن، فيما يأخذون به من أسباب الوعي.

س) ما هي السّبل لتفعيل المفاهيم القرآنيَّة في حركة المجتمع السياسية والثقافية، فضلاً عن العمل الديني، ليكون مجتمعاً قرآنياً، وليكون كلُّ فرد فيه "قرآناً متحركاً"، وذلك بصورة واقعية بعيداً عن المثاليَّات؟

القرآن يجب أن يدخل في التكوين المعرفي والروحي والعملي في شخصية المسلم


ج) إنَّ الله أنزل القرآن ليُعْمَلَ به، وليحكم المسيرة الإسلامية في جزئياتها وكلّيّاتها، وليدخل في التكوين المعرفي والرّوحيّ والعملي في شخصية الإنسان المسلم، في كلِّ مفردات القيم التي أراد الله للإنسان أن يتمثَّلها في حياته، ولا سيَّما في الجانب الأخلاقي في حياته الفردية والاجتماعية، وفي علاقاته الإنسانية، وفي التزاماته العقدية والعهدية... إلى غير ذلك. وقد جاء في السيرة النبوية الشريفة، أنَّ بعض أمهات المؤمنين قالت ـ جواباً عن سؤال عن أخلاق النبي(ص) ـ "كان خلقه القرآن"، وكأنها كانت تريد أن تقول، اقرأوا المنهج الأخلاقي في القرآن بكلِّ مبادئه وتفاصيله، تعرفوا أخلاق رسول الله(ص). وقد أمرنا الله سبحانه بأن نتأسَّى برسول الله في تجسيده للقرآن، حتى إنّه(ص) كان قرآناً يتحرك، فكان الناس يسمعون الآية من فمه، ثم يشاهدونها في سلوكه.
ومن هنا، فإنّ على القائمين على شؤون التربية الإسلامية، والدعوة الإيمانية، والوعظ والإرشاد، أن يوجّهوا المسلمين، ولا سيما الشباب، إلى أن يعيشوا القرآن فكراً وعقيدةً وشريعةً وحركةً وحياةً، بحيث يجسّدونه في حركتهم، ليكون كلُّ مسلم قرآناً يتحرَّك، ليدعو الناس بسيرته قبل أن يدعوهم بلسانه، كما جاء في الحديث المرويّ عن الإمام جعفر الصَّادق(ع): "كونوا دعاةً للناس بغير ألسنتكم، ليروا منكم الورع والاجتهاد والصّلاح والخير، فإنّ ذلك داعية".

س) كلمة توجّهونها إلى أبنائكم مع إطلالة شهر رمضان المبارك...
   

ليكن كل مسلم قرآناً يتحرك، ليدعو الناس بسيرته قبل أن يدعوهم بلسانه


ج) إنَّ نصيحتي للمؤمنين الطيبين من أبنائي، من الذّكور والإناث، أن يرتفعوا إلى مستوى المسؤولية الإسلامية في هذه المرحلة الصعبة الخطيرة التي تواجهها الأمّة الإسلامية، من خلال التيارات الكافرة والقوى المستكبرة، الّتي تخطّط لتدمير الإسلام في العالم، من خلال الانتقاص من ثقافته، وتشويه حقائقه، ومصادرة أوضاعه، وسرقة ثرواته، وإسقاط أمنه، وتهديد حرياته في تقرير مصيره، الأمر الذي يفرض علينا جميعاً، أن نقف في ساحة المواجهة الجهادية على أساس الخطّة المدروسة الحكيمة التي يصنعها المخلصون من أهل الخبرة، بعيداً عن الانفعال والخوف والاهتزاز النفسي، بل أن نكون كما قال الله سبحانه عن المؤمنين: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}(آل عمران/173-174).
إنّني أدعو كلّ الأخوة، إلى أن يأخذوا بأسباب الثَّقافة الإسلاميَّة في أبعادها المتنوّعة، ليستطيعوا التحرّك في خطِّ الدعوة في الواقع العالمي الذي يتحرَّكون فيه وليعرفوا كيف يدافعون عن الإسلام ضدّ الاتهامات الباطلة التي تتّهمه بما ليس فيه، لتشوّه صورته، وأن يأخذوا بأسباب التقوى التي يعيشون معها في أجواء طاعة الله والبعد عن معصيته، ليحصلوا على رضوان الله، ويرتفعوا إلى مواقع القرب إليه.

وختاماً أقول: كونوا المؤمنين السائرين في خطِّ الأخوّة الإيمانية والوحدة الإسلامية: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ}(المائدة/2)، والله وليُّ التوفيق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
على المسلمين أن يأخذوا بأسباب الثقافة الإسلامية، ليعرفوا كيف يدافعون عن الإسلام ضد الاتهامات الباطلة
         

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية