حول الآثار الإصلاحية والقيمية للثورة الحسينية

حول الآثار الإصلاحية والقيمية للثورة الحسينية

حول الآثار الإصلاحية والقيمية للثورة الحسينية

استنطاق الواقع من مفردات كربلاء

نظرا" لاهمية الحوار الذي اجراه بعض الأخوة من البحرين مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله امام حشد من الأخوة والأخوات في مسجد العلامة «السيد هاشم الدوبلاني»،في البحرين بمنطقة «سوبلي»، ارتأى "موقع بينات" نشر هذا الحوار، وقد ألقى مقدم الحوار كلمة جاء فيها:

ضمن فعاليات موسم عاشوراء الأول المقام في البحرين بمنطقة «سوبلي» في مسجد العلامة «السيد هاشم الدوبلاني»، نستضيف شخصية علمائية كبيرة، شخصية من أجلّ فقهائنا وعلمائنا في العصر الحاضر، من أجل أن نستنير بفكره،وهو سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله في حوار مباشر وهام حول الآثار الإصلاحية والقيميه للثورة الحسينية.

مفهوم الإصلاح في الثورة الحسينية

س:سماحة السيد ينقل عن الإمام (ع) أنه قال: «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي» ما مستوى الإصلاح الذي كان يطمح إليه الإمام (ع) هل هو منحصر في الإصلاح الحكمي أم يشمل الإصلاح السياسي والإصلاح الإقتصادي والاجتماعي والأخلاقي، وكيف يمكننا أن نستقرئ ذلك من خلال حركة الإمام (ع) وفي خطاباته.

ج: لا بد قبل أن ندخل في تحليل أبعاد الإصلاح الذي أطلقه الإمام الحسين (ع) كشعارٍ لحركته في الأمة، أن ندرس شخصية الإمام الحسين (ع) في نطاق موقعه، فهو إمام الإسلام الذي يمثل الإنسان الذي لا بد له من أن يحرك الإسلام في مفاهيمه الرحبة الواسعة التي تشمل الحياة كلها، لتعالج قضايا الإنسان في عقيدته لتكون عقيدته في الخط المستقيم على أساس الحق الذي يبتعد عن الإنحراف، وفي أخلاقيته لتنسجم مع المنهج الأخلاقي للإسلام، وفي حركة طاقته لتكون طاقاته منفتحة على العدل كله وعلى الخير كله وعلى الإنسان كله. لذلك فإن مسألة إمامة الحسين(ع) تعني أنه هو الشخصية المؤهلة لقيادة الواقع في كل قضايا الأمة، وعلى ضوء هذا نؤكد أن الإمام(ع)بعد أن قال: «خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي»، أضاف: «أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر» والمعروف هو كل ما يرفع مستوى الإنسان في كل القضايا الفكرية والحركية التي ترضي الله، والمنكر هو كل ما يسقط مستوى الإنسان مما لا يرضي الله، فهاتان الكلمتان تتحركان على أساس شموليتهما للواقع كله، ولذلك جعلهما الله عنوانين للأمة في درجتها الرفيعة، وذلك في قوله تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر»، بإعتبارهما العنوانان الاستراتيجيان للإسلام في برنامجه الواسع للإنسان.

وهكذا نلاحظ في الخطبة التي رويَ أن الإمام الحسين (ع) بدأ بها حركته، عندما قال أيها الناس إن رسول الله (ص) قال: «من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً بعهده مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في بلاده بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بقول ولا فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله. إلا وإن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان وأحلوا حرام الله وحللوا حرامه وأستأثروا بالفيء وعطلوا الحدود وأنا أحق من غير».

إنه يتحدث عن التغيير، تغيير القيادة الفاسدة إلى قيادة صالحة تطبق الإسلام كله وتتحرك على أساس العدل كله، وتطرد الفساد في جميع مجالاته من الحياة، ومعنى ذلك أن الإصلاح الذي أطلقه الإمام الحسين (ع) عنواناً لثورته هو العنوان الشامل ليكون الإمام الحسين (ع) هو القيادة الفعلية من خلال أنه القيادة الشرعية، وإذا كنا نعرف أن القيادة الفعلية هي قيادة الأمة الإسلامية التي تأخذ بأسباب الإسلام فإننا نتفهم شمولية ذلك كله.

بين خط الرسول والمسار الحسيني ـ المهدوي

س: هناك من يرى ثمة ارتباط… بين واقعيات ثلاث بين الدعوة المحمدية المباركة والثورة الحسينية والثورة المهدوية، فما هو هذا الإرتباط برأيكم؟.

ج: عندما نضع أمامنا في كل هذه العناوين الإسلام في حركته الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والحركية، فإننا نجد أن الدعوة المحمدية الأصيلة ليست قسماً لهاتين المفردتين بل إن الدعوة الحسينية هي دعوة محمدية تحاول أن تصحح المفاهيم الخاطئة التي دخلت على الذهنية الإسلامية في عناوينها الكبرى، وتعمل على تقويم الواقع الإسلامي الذي عرض عليه الانحراف ليستقيم على الخط الذي أراد الله له أن يستقيم عليه. وعلى هذا الأساس فإن الحركة الحسينية تتحرك في أجواء الدعوة المحمدية لتكون امتداداً حركياً لها في تقويم الواقع الذي تعيش فيه، كما أن الحركة المهدوية تمثل الحركة التي تقيم العدل كله بعد أن يسيطر الجور على الدنيا كلها. وإذا عرفنا أن الله قد أكد في كتابه المجيد على ان العدل يمثل القاعدة الأولى لكل الرسالات من خلال قوله تعالى: ﴿لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط﴾. فإن المهدي (عج) يتحرك في خط تحريك واقع الإنسان على امتداد الأرض لمصلحة العدل الشامل للحياة كلها، باعتبار أن الرسالة الإسلامية انطلقت ليكون العدل للإنسان كله وللحياة كلها وهذا لم يتحقق على مدار مسيرة الإنسان منذ الدعوة المحمدية إلى اليوم، وذلك لأن العدل كان يتحرك في دوائر صغيرة وعلى ضوء هذا فإن الدعوة المهدوية جاءت لتكمل تحقيق الهدف الكبير الذي جاءت به الدعوة المحمدية من أجل أن يشمل العدل العالم كله وينفتح على الإنسان كله.

س: هذا على المستوى العام، أما على مستوى الحركات أو الدعوات الثلاث نجدها تهدف إلى بناء واقع إسلامي على وجه الأرض، ولكن هل النصوص المتّوفرة عندنا تدل على ذلك؟ وهل هناك من يربط بين الدعوة المحمدية والثورة الحسينية استناداً لقول الرسول (ص): «حسين مني وأنا من حسين»؟؟ ويربط أيضاً بين الثورة الحسينية والثورة المهدوية من خلال الحديث الذي يقول إن شعار أنصار الإمام المهدي «يا لثارات الحسين»، وهل يمكن من ناحية النصوص الخاصة أن نستدل على ذلك؟؟

ج: أنا أعتقد أن هذه النصوص لا تتحدث عن تعددية، وإنما تتحدث عن علاقة الشيء بقاعدته، فنحن نعتقد أن حركة الأئمة من أهل البيت (ع) منذ الحسين إلى الإمام المهدي (عج) هي امتداد للنبوة، فالإمامة عندنا هي امتداد حركي للنبوة من غير نبي «يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي». لذا فإن دور الإمامة هي أن تحقق في الواقع ما لم تستطع النبوة في مرحلتها الزمنية أن تحققه، وأن تقوّم كل ما يمكن أن يعرض على الواقع من انحرافات فكرية، أو انحرافات عملية، وأن تُبلور في حركة الواقع الأهداف الكبرى فتحققها في العالم تبعاً للظروف الموضوعية التي تحصل هنا وهناك. أما قضية «حسين مني وأنا من حسين» فإنها تتحدث عن أن هناك وحدة بين الذات المحمدية والشخصية الحسينية باعتبار امتداد الذات المحمدية في كل قيمها الرائعة في شخصية الإمام الحسين (ع). كما أن الحسين(ع) يعيش في معناه الروحي والإسلامي في وجدان النبي (ص)، فهذه الكلمة تحاول أن تُبين عُمق الوحدة القيمية بين الجد وبين السبط. أما أن أنصار المهدي يتحركون بكلمة يا لثارات الحسين، فإنه لو صح ذلك ولا نضمن صحته، فإن معناه ليست الثارات الذاتية للحسين (ع)، وإنما الحسين كقضية ورسالة ودعوة وثورة من أجل الإسلام، ومن أجل إقامة الحق وإزهاق الباطل. وعليه فإن ثاراته تستهدف إحقاق الحق الذي تعرض لتلك المأساة التي حصلت في كربلاء، ومواجهة الواقع الذي فرض الطغيان عليه الكثير من حالات الانحراف، وإن علينا أن لا نفهم كل قضايا أهل البيت (ع) فهماً في الجانب الذاتي الشخصي لأن أهل البيت لم يكونوا ذواتاً تبحث عن نفسها.

ضرورة التفاعل مع المأساة:

أننا نعتقد أن على الإنسان أن يتفاعل مع المأساة ولا سيما إذا كانت المأساة ترتبط بشخصيات تملك القداسة الروحية الإسلامية، لأن دخول العاطفة في حركة الوجدان الإنساني يفرض أن تحتل المأساة مساحة في الشخصية الإنسانية الإسلامية الولائية، بحيث تتفاعل في الوجدان لتمتد في حركيتها على مدى الواقع الإنساني، وقد أراد الأئمة من أهل البيت (ع) أن تبقى العاطفة المتصلة بالقضية الحسينية مستمرة، حتى لا تجف ولا تجمد وتنتهي كما انتهى الكثيرٌ من الحركات في التاريخ، وجذور المسألة تتعلق في واقع التربية الإسلامية الإيمانية التي تريد أن تجعل علاقتنا بقياداتنا الإسلامية، سواءً كانت قيادة النبي (ص) أو قيادة الأئمة من أهل البيت (ع) مركبة من العاطفة والعقل، ومن الفكر والشعور، لأن الفكر والشعور أو العقل والعاطفة ليسا عنصرين منفصلين في الإنسان، بل هما ينطلقان من الوحدة الإنسانية التي يتداخل فيها العقل بالعاطفة، والعاطفة بالعقل، والفكر بالشعور، والشعور بالفكر. وهذا هو سر امتداد قضية الإمام الحسين (ع) في كل ذكريات عاشوراء ويعود سبب ذلك إلى أن كل الأجيال عاشت الجانب العاطفي مع حركية الفكر على صعيد الواقع الجهادي المنفتح على قضايا الإنسان.

ومن جهة أخرى، هناك نقطةً مهمة في هذا الجانب وهي أن الذين يعيشون الجانب الشعوري في المأساة، في مأساة التاريخ، وخصوصاً تلك التي استهدفت موقعاً يملك كل القيمة الروحية والرسالية في مواجهته لحركة الواقع، فإن هذا الجانب الشعوري سوف يخلق في داخل الإنسان انفتاحاً على كل مآسي الإنسان الأخرى التي يريد فيها الطغاة أن يصنعوا المأساة لمصلحة الاستكبار والطغيان ولمصلحة الظلم والانحراف، وذلك لأننا نعتقد أن إيحاءات عاشوراء في كل جيل من الأجيال إنما تطل بالإنسان على كل المآسي التي تحفل بها الحياة، كما هو الحال مع ما نعيشه في هذه الأيام من مآساة تتمثل في المجازر الإسرائيلية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ما يجعلنا نشعر أن هناك أكثر من يزيد في هذا الواقع وهو ما نعيشه متمثلاً في الأطفال الذين يذبحون وفي النساء اللاتي تقتل، وفي الشيوخ الذين يقتلون وفي الدماء التي تنـزف، ذلك أن الإنسان الذي التهبت مشاعره بعاشوراء لا بد أن يجعل من عاشوراء حركة تمتد في كل واقع الإنسان لترصد الظلم كله من أجل أن تواجه كل ظالم، ولتنفتح على العدل كله من أجل أن ترتبط بكل من يأخذ بأسباب العدل.

الفصل بين المقاومة والإرهاب:

س: هناك ارتباط كبير بين عاشوراء وكربلاء وبين ما يعيشه المسلمون على أرض الواقع في هذه الأيام، ومعنى ذلك أن هناك امتداداُ واقعياً لعاشوراء الحسين إلى يومنا وإلى يوم القيامة إن شاء الله، كيف نفهم التدخل الإسرائيلي تحت ظل عناوين المثلث التالي(الإرهاب ـ التطرف ـ الأصولية) وكيف نواجه هذا الوضع على ضوء العطاءات التربوية للثورة الحسينية؟

ج: أننا نعتقد أن الإرهاب في مفهومه السلبي ضد الإنسان، يمثل الاعتداء على الإنسان جسداً أو حريةً أو سياسةً أو اقتصاداً وفي كل أوضاعه، أن الإرهابي قد يكون طاغية يتحرك من أجل أن يفرض نفسه على الواقع، وقد يكون طامعاً يحاول أن يستغل قوته للحصول على مالٍ هنا أو على شهوةٍ هناك وهكذا يتحرك الإرهابي من أجل أن يقتل الإنسان في جسده وفي مُجمل قضاياه.

ونحن على ضوء هذا علينا أن نفرق بين الإرهاب وبين المقاومة، فالمقاومة هي حركة جهادية تحريرية تواجه المحتل وتواجه الطغيان، من أجل أن ترفع الاحتلال عن كاهل الشعب المقهور وتطرد الطغيان من واقع الناس عندما تتوفر الظروف الموضوعية للقيام بحركة تحرير مسلحة هنا وهناك لتكون الحرب شرعية، أو عندما تتحرك الظروف بإتجاه اسقاط الطغيان فتحوّل الواقع من واقع يحكمه الطاغية إلى واقع يحكمه العادل. لذلك نحن نرفض كل الكلمات التي تصدر من محاور سياسية دولية لتساوي بين الإرهاب وبين المقاومة الإسلامية في لبنان أو الإنتفاضة في فلسطين، لأن من حق الشعوب على المستوى الديني وعلى المستوى الحضاري أن تدافع عن حرياتها وأن تجاهد من أجل ازالة الاحتلال عن أرضها ولكن تعقيدات السياسية الدولية، واحتضان بعض المحاور الدولية لبعض أوضاع الاحتلال هي التي جعلت المسألة تتحرك في الاتجاه الذي يحاول أن يسم الإنتفاضة والمقاومة بالإرهاب. وكنا قد سمعنا ذلك من بعض المحاور الدولية مؤخراً عندما تحدث عن المجاهدين في فلسطين والمجاهدين في لبنان، فاعتبرهم يمثلون حركة إرهابية في حين أنهم في الواقع من حركات التحرير والمقاومة.

مواجهة الظلم ليست تطرفاً

أما مسألة التطرف فإنها أمرٌ نسبيٌ لأن التطرف بمثّل الحركة التي تبتعد في معطياتها عن الخط المتوازن في الفكر وفي الواقع. لهذا فإنني أعتقد أن الذين يصفون الإسلام بالتطرف، أو يصفون المسلمين بالتطرف فإنهم يفسرون الاعتدال تبعاً لمصالحهم الخاصة، أو لأوضاعهم المحدودة فيعتبرون كل ثورة على واقع الظلم، وواقع الانحراف تطرفاً، لذلك نحن لا نستطيع أن نحكم على أي حركة أنها حركة تطرف، إلا إذا درسنا طبيعة الظروف التي يرتكز عليها الفكر أو يرتكز عليها الواقع، لنستطيع أن نحكم على خط هنا أنه خط متطرف وعلى خط هناك أنه خط معتدل ونحن نعتقد أن الخطوط السياسية التي تسيطر على واقع الشعوب الإسلامية أو على واقع العالم الثالث المستضعف، تحاول أن ترجم كل حركة تعمل على أساس تأمين الاكتفاء الذاتي وتحقيق حماية ثروات الشعوب من الاستغلال، وأمن الشعوب من السيطرة، باسم التطرف، لأنهم يريدون للشعوب أن تخضع وتعطي بيدها إعطاء الذليل وتقر إقرار العبيد إنهم يفسرون الاعتدال بالاستسلام للأمر الواقع، ويفسرون التطرف بالثورة على الواقع الفاسد ونحن لا نوافق على ذلك.

أما لجهة المصطلح الثالث، فقد رجُمت الحركات الإسلامية بالأصولية ظلماً وعدواناً والأصولية وفق المصطلح الغربي عنصرين: - العنصر الأول هو أن العنف هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الأهداف. والعنصر الثاني يركز على إلغاء الآخر، ونحن نعرف أن الإسلام يعتبر الرفق أساساً في حركته. وذلك لقوله تعالى: ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله﴾ وقوله تعالى: ﴿لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا أمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون﴾. لذلك نحن لسنا أصوليين بمعنى الأصولية الغربية، ولكننا أصوليون بمعنى أننا نرتبط بأصولنا الإسلامية، التي تمنحنا حرية الحركة في الإمتداد مع ظروف الواقع لنأخذ من العناوين الإسلامية الكبيرة ومن القيم الإسلامية ما يمكن أن يطور الحياة ويمتد ليدفع بالإنسان إلى كل مواقع التطور والإنفتاح والإبداع.

رمزية عاشوراء تؤجج روح الاستشهاد

س: ذكرتم بأنه لا بد لنا أن نفرق بين الحركات الإسلامية التحررية وبين الحركات التي تهدف إلى الإرهاب، والسؤال هو:-

1ـ هل تفهمون الثورة الحسينية كحركة إسلامية في المصطلح القديم؟

2ـ وكيف ساعدت الثورة الحسينية في اذكاء روح الثورات التحررية في العالم من غير الثورات الإسلامية؟-

ج: أن ثورة الإمام الحسين (ع) هي ثورة تغييرية لأنها أنطلقت من أجل أن تغيُر الإنسان في مفاهيمه، وهذا ما دعا الإمام الحسين (ع) إلى أن يقوم خطيباً في طريقه إلى كربلاء، وحتى عندما كان في كربلاء يواجه الجيوش التي جاءت لمقاتلته، كان يقوم بين فترة وأخرى ليحذرهم وليعظهم ويرشدهم، لأنه كان يريد أن يغير مفاهيم الخضوع والإستسلام عندهم وكان يريد أن يؤكد المفاهيم الإسلامية كمفهوم العزة التي انطلق من قوله تعالى: ﴿ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين﴾ ومفهوم الحرية الذي انطلق من كلام علي (ع) «لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا». لذا نجد أن الإمام الحسين (ع) انطلق من أجل تصحيح المفاهيم التي انحرفت في أذهان الناس، والتي انحرف الواقع من خلالها باعتبار قوله تعالى: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾. ثم انطلق بعد ذلك لتكون حركته في مقام تأكيد الموقف بقوة وصلابة وفي المستوى الذي قال فيه الحسين (ع): «لا والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا أقر إليكم إقرار العبيد»، وهكذا عندما نقرأ في السيرة الحسينية أن علي الأكبر (ع) عندما قال له أبوه: «سمعت هاتفاً يقول القوم يسيرون والمنايا تسير خلفهم فعلمت أنها نفوسنا نعيت إلينا» - فقال: «يا أبتاه ألسنا على حق» - قال «بلى»، - قال: «إذاً لا نبالي أن نموت محقين» هذا الموقف الحسيني الذي كان يعيش في وجدان الأطفال والشباب والنساء والشيوخ، بالمستوى الذي كان جمهور الحسين (ع) مع قلته يمثل قوة صلبة في مواجهة كل أولئك الأعداء يتحداهم بكل الصلابة وبكل التصميم الذي ينطلق من خلال وعي الإسلام كله.

أما مسألة الإيحاءات التي انطلقت من خلال كربلاء، فقد تحولت إلى رمز متحرك يمد كل الذين يعيشون حركة التغيير والثورة على الواقع الفاسد والتمرد على الإستسلام للواقع، بدماء الحياة والعزة والعنفوان واستطاعت أن تدخل في عقولهم وفي قلوبهم وأن تتحرك في حياتهم، لتتلاحق الثورات من بعد كربلاء، ولتكون ضوءاً ينير للإنسان كل الظلمات التي يعيشها في حياته، وما زالت كربلاء تعطي وتعطي، حتى سمعنا الإمام الخميني (رض) يقول: «كل ما عندنا من عاشوراء» ورأينا في المقاومة الإسلامية في لبنان انفتاحها الكبير على قضية الشهادة من خلال اختزان الثورة الحسينية في وجدان الشباب الجهادي.

عنوان الثورة الحسينية وصناعة التأريخ:

س: هناك بعض الكتب التي صدرت وفيها أن الصهاينة يسعون إلى تحريف مبادئ عاشوراء لأنها تخلق فدائيين حماسيين في لبنان وفلسطين. وهناك من يقول أن الإصرار على إحياء الشعائر الحسينية هو من قبيل حث الأجيال على تعلّم المبادئ الثورية، ما تعليقكم على ذلك؟

ج: نحن نقول أننا نتاج التاريخ في الكثير من عناصر شخصيتنا، فنحن لا نريد أن نعيش في التاريخ بحيث نتجمد به بل نريد أن نأخذ من التاريخ عناصره الحية التي تبقى للحياة، بعيداً عن العناصر الميتة التي تموت مع الزمن، لنأخذ من التاريخ العبرة والقدوة والحركية لأن التاريخ كما أشرنا يشتمل في كل أحداثه على عنصرين، العنصر المحدود الذي يموت مع موت الزمن والعنصر الذي يبقى للحياة، والله أرادنا أن لا نعيش التاريخ لنتحمل مسؤوليته، وذلك في قوله تعالى: ﴿ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون﴾ إننا لا نريد الآن أن نستعيد الأشخاص التاريخيين بزمانهم لنتحارب بإسمهم، ولكننا نريد أن نأخذ من التأريخ النموذج لنجد في كل مرحلة من مراحل التأريخ نموذج جماهير الحسين (ع) في الخط الرسالي للإنسان وجماهير يزيد في خط الطغيان والظلم والعدوان، على أساس ما قاله تعالى: ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب﴾، فنحن لا نستعيد التاريخ لنستغرق فيه ولنعيش في ذاتياته، لكننا ننفتح على التأريخ لنتحرك في كل القضايا الإنسانية الإسلامية الحركية الحيوية في عملية وحدة، تمتد من الماضي إلى الحاضر الذي ينفتح على المستقبل، والهدف أن نأخذ من التاريخ خلاصته وعبرته التي تنطلق من عمق المعاناة التي تحملها أصحاب القيم والمبادئ، ثم لنصنع تاريخاً جديداً من خلال ما نستوحيه من ذلك التاريخ في جانب، ومن خلال ما نحركه وما نبدعه من دراسة ظروفنا وحاجاتنا.

لذلك إننا ندعو إلى تجديد قضية الذكرى بالشكل الذي لا يجعلها مجرد استحضار جامد للتأريخ، أو مجرد مناسبة للبكاء، كما لو كانت أمراً ذاتياً، جداً بل أن نستعيد القضايا الحيوية في التاريخ، وأن نستعيد الرموز العظيمة في التأريخ ولا سيما الرموز التي لا تقتصر رساليتها على المرحلة التي عاشت فيها بل تلك التي تمتد حيث امتدت الإمامة تماماً كما يمتد رسول الله (ص) في حياتنا كلما امتدت حركة النبوة في الواقع،ومن خلال ذلك نحن نعتقد أن الطريقة التي تدار بها قضية التأريخ، هي بحاجة للتغيير، لنجعل التأريخ يتحرك عندنا في مستوى الرمز وفي مستوى القيمة لأننا مسؤولون عن صنع تاريخنا لا أن نجتر التاريخ الذي مضى في ذاتياته.

وسائل التعبير عن الحزن:

س: ما دمتم تحدثتم في إحياء الشعائر هل هناك رؤى معينة وخطوات يمكن أن تجدد هذه الشعائر من جهة الإحياء؟

ج: إننا نعتقد أن منبر الحسين(ع) لا بد أن يكون منبراً للإسلام كله بحيث أن الخطيب الحسيني لا بد أن يكون مثقفاً ثقافة إسلامية واسعة، يستطيع من خلالها أن يمنح الثقافة الإسلامية للجمهور المسلم، وأن يحدث الناس عن الحسين(ع) وما يمثله من قيمة إسلامية ورمز إسلامي بما هو الرمز الإسلامي الحي للإمامة، وبذلك يستطيع أن نحقق ما أراد الإمام الحسين أن يحققه، وهو تأكيد مسألة القيادة السياسية للأمة، لتعيش الأمة مسألة القيادة كعنوان من عناوين حركتها في أن تختار القائد الذي ينفتح على قيم الإسلام، بدلاً من القائد الذي ينحرف عن هذه القيم، وأن تتفهم الناس قضايا الشهادة في حركيتها في الواقع لتميز بين الموقع الذي يفرضها وبين الموقع الذي لا يفرضها، وهكذا يتحول المنبر الحسيني إلى موقع ينطلق منه الخطيب لتصوير الواقع الذي يعيشه الناس مقارناً بالواقع الذي كان يعيشه الإمام الحسين (ع) والأئمة من أهل البيت بعده وقبله للتعرف على الخطوط التي تجمع بين مرحلتنا هذه وبين المراحل السابقة، ثم لا بد لنا من توثيق السيرة الحسينية لنطرد منها ما وضعه الوضاعون وما كذّبه الكذابون، لأن اعتبار المأساة أساسية في إثارة العاطفة لا يبرر لنا أن نكذب ولا يبرر لنا أن نضع الأحاديث، لأن المسألة كما قال لنا الإمام الصادق (ع): «وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل».

لهذا لا بد للمنابر الحسينية أن تكون منابر تثقيف وتوعية وتحريك للواقع كله، وأن تكون منبراً للحق لا للباطل، أن تكون منبراً للعلم لا للجهل، وأن تكون منبراً للتقدم لا للتخلف وإذا أردنا أن نطور هذه المسائل فإننا نعتقد أنه من الممكن أن ندخل عاشوراء في الفن المسرحي مع المحافظة على الخطوط التي تحفظ لها قداستها، وهكذا نحتاج إلى أن ندخلها في عالم الرواية ثم في عالم التمثيل يمكن أن تُمْثّلْ لتنشر في العالم كله، ويعرف العالم كله مسلمون وغير مسلمين، ما هي عاشوراء؟؟ وما هي أهدافها؟؟ وما هي قضاياها؟؟ كما أن علينا أن نستبدل ما يفعله بعض الناس من ضرب الرؤوس أو الظهور بالسلاسل لنجعل هذه الدماء النازفة من خلال التبرع بالدم لمساعدة الجرحى والمرضى الذين يحتاجون إلى دمائنا، وعندها تتم المشاركة في إنقاذ حياتهم، وهذا أفضل من هذه المناظر المتخلّفة التي تعطي عنواناً للتخلف، لأنها تسيء إلى صورة الخط الإسلامي في منهج أهل البيت (ع).

ولا بد في هذا المجال من التأكيد على عنوان حيوي، وهو أن كل ما فعله الناس من قبلنا، أو ممن يعيشون معنا في إحياء عاشوراء، إنما هو وسيلة من وسائل التعبير عن الحزن ونحن نعرف أن وسائل التعبير تتطور مع الزمن، ولهذا لا بد لنا أن ندرس في كل مرحلة من المراحل الوسائل التي يمكن أن نحركها في قضية الإحتفال بالذكرى حتى تنسجم هذه الوسائل مع الأجيال التي ربما ترفض الوسائل القديمة لمصلحة الوسائل الجديدة. وهذا ما نلاحظه في إستخدام أساليب العيش فقد غيِّرنا الكثير من وسائل عيشنا لأننا رأينا أن الوسائل التي كان يستعملها آباؤنا لم تعد تتناسب مع أوضاعنا، كذلك غيِّرنا وسائل التعبير الأدبي، فلماذا لا نغير وسائل التعبير عن الحزن والتعبير عن الذكرى وما إلى ذلك.

دور عاشوراء

س: ماذا حول المواكب العزائية، ولدينا هنا في البحرين الموكب العزائي موكب متطور ويطرح قضايا المسلمين في كل العالم ولعله المساحة التي بقيت وحيدة في كل بلدان العالم لطرح القضية الإسلامية بصورة عامة، وما يدور في آفاق المجتمع الإسلامي، وما هي توجيهاتكم في هذا المجال؟

- نحن نؤيد تأييداً كبيراً جداً طرح القضايا السياسية والاجتماعية والأخلاقية التي تهز العالم الإسلامي بل حتى تهز عالم المستضعفين، لأننا كما ذكرنا إن الإمام الحسين (ع) قال: «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي»، فيتحدث عن الأمة التي تنحرف والأمة التي ترزح تحت ثقل الطغيان والأمة التي تعيش تحت تأثير الذين يسرقون ثرواتها ويستعبدون أشخاصها، كما قال الإمام الحسين (ع) في بعض كلماته «اتخذوا مال الله دولا وعباده خولا»، لذلك فإن من الطبيعي جداً أن تنطلق المواكب الحسينية لتطرح القيم الإسلامية وتطرح الخطوط الأخلاقية، وتعالج المشاكل الإجتماعية والسياسية، وهو ما يجعلها تتحول إلى دعوة شعبية واعية متحركة يفهمها الناس بلغتهم وبطبيعتهم، فيعبرون عنها في الأهازيج الشعبية التي تخاطب المشاعر الإنسانية للرجل وللمرأة وللطفل وللشاب والشيخ. إننا نؤكد ذلك وقد كان المؤمنون في النجف وفي كربلاء في أيام الأربعين وفي أيام وفاة النبي (ص) يخرجون من سائر أنحاء العراق بالمواكب التي كانت تعالج الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية وحتى بعض الانحرافات التي تصيب الواقع الديني. وضمن هذا الإطار نقترح أن يملك الذين ينظمون الأشعار وينتجون الأهازيج ثقافة إسلامية شرعية وثقافة سياسية واجتماعية. إننا نعتقد أن هذه الأساليب تؤكد العناوين الكبرى لما استهدفته الثورة الحسينية من تغيير الواقع بالتخلي عن كل الخرافات التي لحقت بها.

دور المرأة الرسالي المستوحى من عاشوراء؟

س: وماذا عن المرأة وعاشوراء؟

- إن المرأة هي إنسان كما أن الرجل إنسان وقد كانت عاشوراء هي عاشوراء المرأة وعاشورءا الرجل، وكان الحسين (ع) وكانت إلى جانبه زينب (ع)، وكان علي (ع) وكانت إلى جانبه سيدتنا فاطمة الزهراء (ع)، وكان النبي (ص) وكانت إلى جانبه سيدتنا خديجة (ع)، إن الحركة الإسلامية كانت المرأة فيها جنباً إلى جنب مع الرجل، وأننا نعرف أنه في عهد الدعوة الأولى كانت النساء يقمن بالدعوة كما كان الرجال يقومون بالدعوة، حتى أن سمية استشهدت في سبيل الإسلام، لتأكيد الثبات على الإسلام والتوحيد، إلى جانب زوجها ياسر الذي استشهد أيضاً في سبيل الثبات على الإسلام. وقد كان النبي (ص) يخرج النساء كما يخرج الرجال إلى الحرب، لتقوم النساء بسقي العطشى ومداواة الجرحى.

اننا نرى أن للمرأة دوراً في عاشوراء في امتدادها الزمني تماماً كدورها في عاشوراء عند انطلاقتها، فها نحن نجد السيدة زينب (ع) المرأة القائدة التي انطلقت بكل صلابة وقوة وشموخ وبكل عنفوان وصبر ومواساة للإمام الحسين (ع) في شهادته، وبكل رعاية للأسرى والسبايا من بعده، وبكل حماية للإمام زين العابدين (ع)، والتي وقفت أمام ابن زياد بكل العنفوان الإيماني الإسلامي العلوي لتخاطبه بكل قوة، وهكذا عندما وقفت في جموع أهل الكوفة لتخاطبهم بكل قسوة على خذلانهم أو على مواجهتهم للحسين (ع)، وبلغت قمة الموقف عندما وقفت أمام الطاغية يزيد وقالت له «فكد كيدك وناصب جهدك»، وهكذا نجد أن زينب (ع) لا تمثل حالة استثنائية بل أنها تمثل القاعدة في حركة المرأة عندما يفرض الإسلام على المرأة أن تواجه الظلم بحسب الظروف المحيطة بها، وبحسب امكاناتها، لذلك نحن نريد للمرأة العاشورائية أن تعيش الوعي ونريد للنساء اللاتي يقمن بقراءة السيرة وبرعاية المجالس الحسينية أن يكنَّ نساءً مثقفات تقيات ينشرن الوعي في النساء، ويرتفعن إلى مستوى عاشوراء في كل ما يفرضه تطور الحياة من الأساليب التي يمكن أن تصنع لنا عاشوراء جديدة، تصنع حركة إسلامية جديدة، تنطلق من القضايا الإسلامية لتعيش الأجيال إسلاماً منفتحاً على الحياة. إن للمرأة في عاشوراء الحاضر وعاشوراء المستقبل دوراً يتكامل مع دور الرجل، لأن الله عندما تحدث عن المؤمنين والمؤمنات في حركة المسؤولية قال ﴿والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ وإذا عرفنا أن المعروف يتسع لكل قضايا الحياة التي يرضاها الله ويريد للإنسان أن يأخذ بها وإن المنكر يتسع لكل قضايا الحياة التي لا يرضاها الله ولا يريد للناس أن يأخذوا بها، عند ذلك نعرف أن على المؤمنين والمؤمنات أن يتكاملوا وكلٌ في دوره كلٌ في طاقته لأداء هذه الفريضة الألهية العظيمة، وإذا كان البعض يسجل بعض التحفظات عن الجانب الأخلاقي في حركة المرأة، فإن الله يجعل الأخلاق فرضاً على الرجل والمرأة في كل مجال من المجالات الفردية والاجتماعية والسياسية، ونحن عندما نؤكد على حركية المرأة في المسألة الإسلامية الإنسانية إنما ندعو إلى الحركية التي تنسجم مع الخط الأخلاقي الإسلامي الذي وضعه المنهج الإسلامي للمرأة كما وضع المنهج الإسلامي الأخلاقي للرجل؟

التعلم من عاشوراء:

س: وما هو موقع براعمنا وأطفالنا في خريطة عاشوراء؟

ج: علينا أن نحدَّث أطفالنا عن كل أطفال عاشوراء الذين كانت أعمارهم تتراوح بين عمر الرضيع وابن الخامسة والعاشرة والحادية عشر والثلاثة عشر، وأن نحدثهم عن القاسم إبن الحسن وعبد الله إبن الحسن وعن كل الذين عاشوا في عاشوراء، فمنهم من جاهد واستشهد ومنهم من عانى المأساة، وإن نحدثهم عن عاشوراء الطفل كما نحدثهم عن عاشوراء الشاب وعن عاشوراء المرأة والشيخ الكبير، لأن ذلك سوف يقدم لهم القدوة، التي تجعل الطفل يتفاعل في وعيه مع قضايا الأمة وقضايا الإسلام، وينفتح على مأساة الأطفال في عاشوراء لينفتح على مأساة الأطفال في فلسطين، وفي كل موقع من مواقع الجهاد الذي يواجه فيه المستضعفون كل طغاة العالم.

س: لقد تفاعل السيد فضل الله مع الحسين وعاشوراء فكرياً وحركياً وكذلك في الإثراء الأدبي، كيف أثرت السيرة الحسينية في صياغة شخصية السيد فضل الله وما الذي استفاده منها؟

ج: لقد عشت طفولتي في النجف التي انفتحت فيها على المجالس الحسينية والمواكب الحسينية، وعشت مبكراً هذه الشمولية، وهذه الرحابة في الثورة الحسينية من جهة إمتدادها الإسلامي في حياة الناس ووجدانهم، ولذلك كانت أول قصيدة لي قبل ما يقارب الثلاثة وخمسين سنة على المرقد الحسيني تؤكد عاشوراء الثورة وعاشوراء التغيير، وعاشوراء الإسلام. لقد عشت مع الإمام الحسين (ع) منذ انطلقت لأعيش مع الإسلام، لأنني أعتقد أن الإنسان الذي ينفتح على الإسلام الحركي في حياته لا بد أن ينفتح على الإمام الحسين (ع) في كل حركته التغييرية من أجل الإنسان كله، والإسلام كله، وإني أدعو كل شبابنا المثقف الواعي سواء كانوا في الحوزات الدينية أو غيرها، أن لا يفهموا الحسين شخصاً بل أن يفهموا الحسين رسالة، وأن لا يفهموا الحسين مأساة تعيش في الذات، بل أن يفهموا الحسين رسالة تتحرك في خط المأساة، حتى لا تكون المأساة شيئاً من الشعور، بل تكون المأساة شيئاً في الفكر وفي الواقع، لقد أعطاني الحسين (ع) الكثير من الفكر والعاطفة والحركة. وما زال الحسين (ع) يمدني ويمد كل العاملين لله بكل ما يُثري العقل والقلب والروح والشعور في حركة الواقع.

عاشوراء في إمتدادها الإنساني

س: ختاماَ سماحة السيد، ونحن الآن نعيش فعاليات موسم عاشوراء الأول الذي يقيمه المؤمنون هنا، بهدف اثراء واقع عاشوراء في واقع الأمة، هل من كلمة توجيهية توجهونها للمشاركين؟

ج: إنني أقول لكل أخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي من المؤمنين والمؤمنات، إن الإمام الحسين (ع) كان بإمكانه أن يعيش في أرغد أنواع الحياة من خلال ما يكنّه له الناس من محبة واحترام، وكان بإمكانه أن يجامل الظالم، ليهبه الظالم كل ما يريد من ملذات الحياة ورغدها، ولكن الإمام الحسين (ع) كان إمام الإسلام، وكان إنسان الرسالة وكان قائد التغيير، ولذلك نجده حمل في عقله عقل جده رسول الله (ص)، وحمل في قلبه قلب أبيه علي (ع)، وحمل في روحانيته روحانية والدته فاطمة الزهراء (ع)، لقد عاش الحسين هموم الأمة وعاش هم الإسلام، فليكن كل واحد منكم حسيناً ولو بنسبة الواحد إلى الألف، خذوا من الحسين (ع) الإيمان لإيمانكم، وخذوا منه الصلابة في مواقفكم، والإنفتاح على الأمة في واقعكم، والعزة والكرامة في كل التحديات التي تواجهكم، ولا يكن كل واحد منكم إنساناً يفكر بنفسه، بل عليكم أن تفكروا بالمسلمين كلهم، وهذا ما أراده رسول الله (ص) عندما ربط ما بين الإسلام في عمقه وامتداده، وبين اهتمام الإنسان المسلم بأمور المسلمين في قوله (ص): «من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»،

- وقوله (ص): «من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين ولم يجبه فليس بمسلم».

لذلك ليكن لديكم الوعي السياسي الإسلامي الذي ينفتح على كل قضايا المسلمين في العالم، وليكن لكم الوعي الثقافي والاجتماعي الذي يلاحق كل انحرافات الواقع الإسلامي، ولنتحمل مسؤوليتنا في كل ما نملكه من طاقات على أساس «كلكم راعٍ وكل راعٍ مسؤول عن رعيته»، أنني أُحيي كل أخواننا وأخواتنا وأبناءنا وبناتنا في البحرين العزيزة، لأنني أجد هناك انطلاقة وعي وانطلاقة انفتاح وهناك روحاً اسلاميةً رائعةً، تتحرك في مشاعر الشباب وفي عقولهم وفكرهم. حافظوا على هذه الإنطلاقة ولتكن انطلاقة عقلانيةً موضوعيةً تعرف ما تريد وتسعى إليه، وتؤكد على أساس الوحدة التي ربما تحمل في داخلها التنوع: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾[آل عمران/103] ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾[النساء؛59] ولا بد أن نتنازع ونختلف في كثير من القضايا، ولكن إن تنازعنا في شيءٍ علينا أن نرده إلى الله ورسوله، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وسلامي لكم جميعاً

وفي ختام هذا اللقاء الثري نشكر سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله على اتاحته هذه الفرصة لنا من وقته الثمين للنهل من ينابيعه الغزيرة...

شكراً لكم سماحة السيد.

حول الآثار الإصلاحية والقيمية للثورة الحسينية

استنطاق الواقع من مفردات كربلاء

نظرا" لاهمية الحوار الذي اجراه بعض الأخوة من البحرين مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله امام حشد من الأخوة والأخوات في مسجد العلامة «السيد هاشم الدوبلاني»،في البحرين بمنطقة «سوبلي»، ارتأى "موقع بينات" نشر هذا الحوار، وقد ألقى مقدم الحوار كلمة جاء فيها:

ضمن فعاليات موسم عاشوراء الأول المقام في البحرين بمنطقة «سوبلي» في مسجد العلامة «السيد هاشم الدوبلاني»، نستضيف شخصية علمائية كبيرة، شخصية من أجلّ فقهائنا وعلمائنا في العصر الحاضر، من أجل أن نستنير بفكره،وهو سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله في حوار مباشر وهام حول الآثار الإصلاحية والقيميه للثورة الحسينية.

مفهوم الإصلاح في الثورة الحسينية

س:سماحة السيد ينقل عن الإمام (ع) أنه قال: «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي» ما مستوى الإصلاح الذي كان يطمح إليه الإمام (ع) هل هو منحصر في الإصلاح الحكمي أم يشمل الإصلاح السياسي والإصلاح الإقتصادي والاجتماعي والأخلاقي، وكيف يمكننا أن نستقرئ ذلك من خلال حركة الإمام (ع) وفي خطاباته.

ج: لا بد قبل أن ندخل في تحليل أبعاد الإصلاح الذي أطلقه الإمام الحسين (ع) كشعارٍ لحركته في الأمة، أن ندرس شخصية الإمام الحسين (ع) في نطاق موقعه، فهو إمام الإسلام الذي يمثل الإنسان الذي لا بد له من أن يحرك الإسلام في مفاهيمه الرحبة الواسعة التي تشمل الحياة كلها، لتعالج قضايا الإنسان في عقيدته لتكون عقيدته في الخط المستقيم على أساس الحق الذي يبتعد عن الإنحراف، وفي أخلاقيته لتنسجم مع المنهج الأخلاقي للإسلام، وفي حركة طاقته لتكون طاقاته منفتحة على العدل كله وعلى الخير كله وعلى الإنسان كله. لذلك فإن مسألة إمامة الحسين(ع) تعني أنه هو الشخصية المؤهلة لقيادة الواقع في كل قضايا الأمة، وعلى ضوء هذا نؤكد أن الإمام(ع)بعد أن قال: «خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي»، أضاف: «أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر» والمعروف هو كل ما يرفع مستوى الإنسان في كل القضايا الفكرية والحركية التي ترضي الله، والمنكر هو كل ما يسقط مستوى الإنسان مما لا يرضي الله، فهاتان الكلمتان تتحركان على أساس شموليتهما للواقع كله، ولذلك جعلهما الله عنوانين للأمة في درجتها الرفيعة، وذلك في قوله تعالى «كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر»، بإعتبارهما العنوانان الاستراتيجيان للإسلام في برنامجه الواسع للإنسان.

وهكذا نلاحظ في الخطبة التي رويَ أن الإمام الحسين (ع) بدأ بها حركته، عندما قال أيها الناس إن رسول الله (ص) قال: «من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً بعهده مخالفاً لسنة رسول الله يعمل في بلاده بالإثم والعدوان فلم يغير عليه بقول ولا فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله. إلا وإن هؤلاء القوم قد لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمان وأحلوا حرام الله وحللوا حرامه وأستأثروا بالفيء وعطلوا الحدود وأنا أحق من غير».

إنه يتحدث عن التغيير، تغيير القيادة الفاسدة إلى قيادة صالحة تطبق الإسلام كله وتتحرك على أساس العدل كله، وتطرد الفساد في جميع مجالاته من الحياة، ومعنى ذلك أن الإصلاح الذي أطلقه الإمام الحسين (ع) عنواناً لثورته هو العنوان الشامل ليكون الإمام الحسين (ع) هو القيادة الفعلية من خلال أنه القيادة الشرعية، وإذا كنا نعرف أن القيادة الفعلية هي قيادة الأمة الإسلامية التي تأخذ بأسباب الإسلام فإننا نتفهم شمولية ذلك كله.

بين خط الرسول والمسار الحسيني ـ المهدوي

س: هناك من يرى ثمة ارتباط… بين واقعيات ثلاث بين الدعوة المحمدية المباركة والثورة الحسينية والثورة المهدوية، فما هو هذا الإرتباط برأيكم؟.

ج: عندما نضع أمامنا في كل هذه العناوين الإسلام في حركته الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والحركية، فإننا نجد أن الدعوة المحمدية الأصيلة ليست قسماً لهاتين المفردتين بل إن الدعوة الحسينية هي دعوة محمدية تحاول أن تصحح المفاهيم الخاطئة التي دخلت على الذهنية الإسلامية في عناوينها الكبرى، وتعمل على تقويم الواقع الإسلامي الذي عرض عليه الانحراف ليستقيم على الخط الذي أراد الله له أن يستقيم عليه. وعلى هذا الأساس فإن الحركة الحسينية تتحرك في أجواء الدعوة المحمدية لتكون امتداداً حركياً لها في تقويم الواقع الذي تعيش فيه، كما أن الحركة المهدوية تمثل الحركة التي تقيم العدل كله بعد أن يسيطر الجور على الدنيا كلها. وإذا عرفنا أن الله قد أكد في كتابه المجيد على ان العدل يمثل القاعدة الأولى لكل الرسالات من خلال قوله تعالى: ﴿لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط﴾. فإن المهدي (عج) يتحرك في خط تحريك واقع الإنسان على امتداد الأرض لمصلحة العدل الشامل للحياة كلها، باعتبار أن الرسالة الإسلامية انطلقت ليكون العدل للإنسان كله وللحياة كلها وهذا لم يتحقق على مدار مسيرة الإنسان منذ الدعوة المحمدية إلى اليوم، وذلك لأن العدل كان يتحرك في دوائر صغيرة وعلى ضوء هذا فإن الدعوة المهدوية جاءت لتكمل تحقيق الهدف الكبير الذي جاءت به الدعوة المحمدية من أجل أن يشمل العدل العالم كله وينفتح على الإنسان كله.

س: هذا على المستوى العام، أما على مستوى الحركات أو الدعوات الثلاث نجدها تهدف إلى بناء واقع إسلامي على وجه الأرض، ولكن هل النصوص المتّوفرة عندنا تدل على ذلك؟ وهل هناك من يربط بين الدعوة المحمدية والثورة الحسينية استناداً لقول الرسول (ص): «حسين مني وأنا من حسين»؟؟ ويربط أيضاً بين الثورة الحسينية والثورة المهدوية من خلال الحديث الذي يقول إن شعار أنصار الإمام المهدي «يا لثارات الحسين»، وهل يمكن من ناحية النصوص الخاصة أن نستدل على ذلك؟؟

ج: أنا أعتقد أن هذه النصوص لا تتحدث عن تعددية، وإنما تتحدث عن علاقة الشيء بقاعدته، فنحن نعتقد أن حركة الأئمة من أهل البيت (ع) منذ الحسين إلى الإمام المهدي (عج) هي امتداد للنبوة، فالإمامة عندنا هي امتداد حركي للنبوة من غير نبي «يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي». لذا فإن دور الإمامة هي أن تحقق في الواقع ما لم تستطع النبوة في مرحلتها الزمنية أن تحققه، وأن تقوّم كل ما يمكن أن يعرض على الواقع من انحرافات فكرية، أو انحرافات عملية، وأن تُبلور في حركة الواقع الأهداف الكبرى فتحققها في العالم تبعاً للظروف الموضوعية التي تحصل هنا وهناك. أما قضية «حسين مني وأنا من حسين» فإنها تتحدث عن أن هناك وحدة بين الذات المحمدية والشخصية الحسينية باعتبار امتداد الذات المحمدية في كل قيمها الرائعة في شخصية الإمام الحسين (ع). كما أن الحسين(ع) يعيش في معناه الروحي والإسلامي في وجدان النبي (ص)، فهذه الكلمة تحاول أن تُبين عُمق الوحدة القيمية بين الجد وبين السبط. أما أن أنصار المهدي يتحركون بكلمة يا لثارات الحسين، فإنه لو صح ذلك ولا نضمن صحته، فإن معناه ليست الثارات الذاتية للحسين (ع)، وإنما الحسين كقضية ورسالة ودعوة وثورة من أجل الإسلام، ومن أجل إقامة الحق وإزهاق الباطل. وعليه فإن ثاراته تستهدف إحقاق الحق الذي تعرض لتلك المأساة التي حصلت في كربلاء، ومواجهة الواقع الذي فرض الطغيان عليه الكثير من حالات الانحراف، وإن علينا أن لا نفهم كل قضايا أهل البيت (ع) فهماً في الجانب الذاتي الشخصي لأن أهل البيت لم يكونوا ذواتاً تبحث عن نفسها.

ضرورة التفاعل مع المأساة:

أننا نعتقد أن على الإنسان أن يتفاعل مع المأساة ولا سيما إذا كانت المأساة ترتبط بشخصيات تملك القداسة الروحية الإسلامية، لأن دخول العاطفة في حركة الوجدان الإنساني يفرض أن تحتل المأساة مساحة في الشخصية الإنسانية الإسلامية الولائية، بحيث تتفاعل في الوجدان لتمتد في حركيتها على مدى الواقع الإنساني، وقد أراد الأئمة من أهل البيت (ع) أن تبقى العاطفة المتصلة بالقضية الحسينية مستمرة، حتى لا تجف ولا تجمد وتنتهي كما انتهى الكثيرٌ من الحركات في التاريخ، وجذور المسألة تتعلق في واقع التربية الإسلامية الإيمانية التي تريد أن تجعل علاقتنا بقياداتنا الإسلامية، سواءً كانت قيادة النبي (ص) أو قيادة الأئمة من أهل البيت (ع) مركبة من العاطفة والعقل، ومن الفكر والشعور، لأن الفكر والشعور أو العقل والعاطفة ليسا عنصرين منفصلين في الإنسان، بل هما ينطلقان من الوحدة الإنسانية التي يتداخل فيها العقل بالعاطفة، والعاطفة بالعقل، والفكر بالشعور، والشعور بالفكر. وهذا هو سر امتداد قضية الإمام الحسين (ع) في كل ذكريات عاشوراء ويعود سبب ذلك إلى أن كل الأجيال عاشت الجانب العاطفي مع حركية الفكر على صعيد الواقع الجهادي المنفتح على قضايا الإنسان.

ومن جهة أخرى، هناك نقطةً مهمة في هذا الجانب وهي أن الذين يعيشون الجانب الشعوري في المأساة، في مأساة التاريخ، وخصوصاً تلك التي استهدفت موقعاً يملك كل القيمة الروحية والرسالية في مواجهته لحركة الواقع، فإن هذا الجانب الشعوري سوف يخلق في داخل الإنسان انفتاحاً على كل مآسي الإنسان الأخرى التي يريد فيها الطغاة أن يصنعوا المأساة لمصلحة الاستكبار والطغيان ولمصلحة الظلم والانحراف، وذلك لأننا نعتقد أن إيحاءات عاشوراء في كل جيل من الأجيال إنما تطل بالإنسان على كل المآسي التي تحفل بها الحياة، كما هو الحال مع ما نعيشه في هذه الأيام من مآساة تتمثل في المجازر الإسرائيلية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، ما يجعلنا نشعر أن هناك أكثر من يزيد في هذا الواقع وهو ما نعيشه متمثلاً في الأطفال الذين يذبحون وفي النساء اللاتي تقتل، وفي الشيوخ الذين يقتلون وفي الدماء التي تنـزف، ذلك أن الإنسان الذي التهبت مشاعره بعاشوراء لا بد أن يجعل من عاشوراء حركة تمتد في كل واقع الإنسان لترصد الظلم كله من أجل أن تواجه كل ظالم، ولتنفتح على العدل كله من أجل أن ترتبط بكل من يأخذ بأسباب العدل.

الفصل بين المقاومة والإرهاب:

س: هناك ارتباط كبير بين عاشوراء وكربلاء وبين ما يعيشه المسلمون على أرض الواقع في هذه الأيام، ومعنى ذلك أن هناك امتداداُ واقعياً لعاشوراء الحسين إلى يومنا وإلى يوم القيامة إن شاء الله، كيف نفهم التدخل الإسرائيلي تحت ظل عناوين المثلث التالي(الإرهاب ـ التطرف ـ الأصولية) وكيف نواجه هذا الوضع على ضوء العطاءات التربوية للثورة الحسينية؟

ج: أننا نعتقد أن الإرهاب في مفهومه السلبي ضد الإنسان، يمثل الاعتداء على الإنسان جسداً أو حريةً أو سياسةً أو اقتصاداً وفي كل أوضاعه، أن الإرهابي قد يكون طاغية يتحرك من أجل أن يفرض نفسه على الواقع، وقد يكون طامعاً يحاول أن يستغل قوته للحصول على مالٍ هنا أو على شهوةٍ هناك وهكذا يتحرك الإرهابي من أجل أن يقتل الإنسان في جسده وفي مُجمل قضاياه.

ونحن على ضوء هذا علينا أن نفرق بين الإرهاب وبين المقاومة، فالمقاومة هي حركة جهادية تحريرية تواجه المحتل وتواجه الطغيان، من أجل أن ترفع الاحتلال عن كاهل الشعب المقهور وتطرد الطغيان من واقع الناس عندما تتوفر الظروف الموضوعية للقيام بحركة تحرير مسلحة هنا وهناك لتكون الحرب شرعية، أو عندما تتحرك الظروف بإتجاه اسقاط الطغيان فتحوّل الواقع من واقع يحكمه الطاغية إلى واقع يحكمه العادل. لذلك نحن نرفض كل الكلمات التي تصدر من محاور سياسية دولية لتساوي بين الإرهاب وبين المقاومة الإسلامية في لبنان أو الإنتفاضة في فلسطين، لأن من حق الشعوب على المستوى الديني وعلى المستوى الحضاري أن تدافع عن حرياتها وأن تجاهد من أجل ازالة الاحتلال عن أرضها ولكن تعقيدات السياسية الدولية، واحتضان بعض المحاور الدولية لبعض أوضاع الاحتلال هي التي جعلت المسألة تتحرك في الاتجاه الذي يحاول أن يسم الإنتفاضة والمقاومة بالإرهاب. وكنا قد سمعنا ذلك من بعض المحاور الدولية مؤخراً عندما تحدث عن المجاهدين في فلسطين والمجاهدين في لبنان، فاعتبرهم يمثلون حركة إرهابية في حين أنهم في الواقع من حركات التحرير والمقاومة.

مواجهة الظلم ليست تطرفاً

أما مسألة التطرف فإنها أمرٌ نسبيٌ لأن التطرف بمثّل الحركة التي تبتعد في معطياتها عن الخط المتوازن في الفكر وفي الواقع. لهذا فإنني أعتقد أن الذين يصفون الإسلام بالتطرف، أو يصفون المسلمين بالتطرف فإنهم يفسرون الاعتدال تبعاً لمصالحهم الخاصة، أو لأوضاعهم المحدودة فيعتبرون كل ثورة على واقع الظلم، وواقع الانحراف تطرفاً، لذلك نحن لا نستطيع أن نحكم على أي حركة أنها حركة تطرف، إلا إذا درسنا طبيعة الظروف التي يرتكز عليها الفكر أو يرتكز عليها الواقع، لنستطيع أن نحكم على خط هنا أنه خط متطرف وعلى خط هناك أنه خط معتدل ونحن نعتقد أن الخطوط السياسية التي تسيطر على واقع الشعوب الإسلامية أو على واقع العالم الثالث المستضعف، تحاول أن ترجم كل حركة تعمل على أساس تأمين الاكتفاء الذاتي وتحقيق حماية ثروات الشعوب من الاستغلال، وأمن الشعوب من السيطرة، باسم التطرف، لأنهم يريدون للشعوب أن تخضع وتعطي بيدها إعطاء الذليل وتقر إقرار العبيد إنهم يفسرون الاعتدال بالاستسلام للأمر الواقع، ويفسرون التطرف بالثورة على الواقع الفاسد ونحن لا نوافق على ذلك.

أما لجهة المصطلح الثالث، فقد رجُمت الحركات الإسلامية بالأصولية ظلماً وعدواناً والأصولية وفق المصطلح الغربي عنصرين: - العنصر الأول هو أن العنف هو الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الأهداف. والعنصر الثاني يركز على إلغاء الآخر، ونحن نعرف أن الإسلام يعتبر الرفق أساساً في حركته. وذلك لقوله تعالى: ﴿قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله﴾ وقوله تعالى: ﴿لا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا أمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم والهنا والهكم واحد ونحن له مسلمون﴾. لذلك نحن لسنا أصوليين بمعنى الأصولية الغربية، ولكننا أصوليون بمعنى أننا نرتبط بأصولنا الإسلامية، التي تمنحنا حرية الحركة في الإمتداد مع ظروف الواقع لنأخذ من العناوين الإسلامية الكبيرة ومن القيم الإسلامية ما يمكن أن يطور الحياة ويمتد ليدفع بالإنسان إلى كل مواقع التطور والإنفتاح والإبداع.

رمزية عاشوراء تؤجج روح الاستشهاد

س: ذكرتم بأنه لا بد لنا أن نفرق بين الحركات الإسلامية التحررية وبين الحركات التي تهدف إلى الإرهاب، والسؤال هو:-

1ـ هل تفهمون الثورة الحسينية كحركة إسلامية في المصطلح القديم؟

2ـ وكيف ساعدت الثورة الحسينية في اذكاء روح الثورات التحررية في العالم من غير الثورات الإسلامية؟-

ج: أن ثورة الإمام الحسين (ع) هي ثورة تغييرية لأنها أنطلقت من أجل أن تغيُر الإنسان في مفاهيمه، وهذا ما دعا الإمام الحسين (ع) إلى أن يقوم خطيباً في طريقه إلى كربلاء، وحتى عندما كان في كربلاء يواجه الجيوش التي جاءت لمقاتلته، كان يقوم بين فترة وأخرى ليحذرهم وليعظهم ويرشدهم، لأنه كان يريد أن يغير مفاهيم الخضوع والإستسلام عندهم وكان يريد أن يؤكد المفاهيم الإسلامية كمفهوم العزة التي انطلق من قوله تعالى: ﴿ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين﴾ ومفهوم الحرية الذي انطلق من كلام علي (ع) «لا تكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرا». لذا نجد أن الإمام الحسين (ع) انطلق من أجل تصحيح المفاهيم التي انحرفت في أذهان الناس، والتي انحرف الواقع من خلالها باعتبار قوله تعالى: ﴿إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم﴾. ثم انطلق بعد ذلك لتكون حركته في مقام تأكيد الموقف بقوة وصلابة وفي المستوى الذي قال فيه الحسين (ع): «لا والله لا أعطيكم بيدي اعطاء الذليل ولا أقر إليكم إقرار العبيد»، وهكذا عندما نقرأ في السيرة الحسينية أن علي الأكبر (ع) عندما قال له أبوه: «سمعت هاتفاً يقول القوم يسيرون والمنايا تسير خلفهم فعلمت أنها نفوسنا نعيت إلينا» - فقال: «يا أبتاه ألسنا على حق» - قال «بلى»، - قال: «إذاً لا نبالي أن نموت محقين» هذا الموقف الحسيني الذي كان يعيش في وجدان الأطفال والشباب والنساء والشيوخ، بالمستوى الذي كان جمهور الحسين (ع) مع قلته يمثل قوة صلبة في مواجهة كل أولئك الأعداء يتحداهم بكل الصلابة وبكل التصميم الذي ينطلق من خلال وعي الإسلام كله.

أما مسألة الإيحاءات التي انطلقت من خلال كربلاء، فقد تحولت إلى رمز متحرك يمد كل الذين يعيشون حركة التغيير والثورة على الواقع الفاسد والتمرد على الإستسلام للواقع، بدماء الحياة والعزة والعنفوان واستطاعت أن تدخل في عقولهم وفي قلوبهم وأن تتحرك في حياتهم، لتتلاحق الثورات من بعد كربلاء، ولتكون ضوءاً ينير للإنسان كل الظلمات التي يعيشها في حياته، وما زالت كربلاء تعطي وتعطي، حتى سمعنا الإمام الخميني (رض) يقول: «كل ما عندنا من عاشوراء» ورأينا في المقاومة الإسلامية في لبنان انفتاحها الكبير على قضية الشهادة من خلال اختزان الثورة الحسينية في وجدان الشباب الجهادي.

عنوان الثورة الحسينية وصناعة التأريخ:

س: هناك بعض الكتب التي صدرت وفيها أن الصهاينة يسعون إلى تحريف مبادئ عاشوراء لأنها تخلق فدائيين حماسيين في لبنان وفلسطين. وهناك من يقول أن الإصرار على إحياء الشعائر الحسينية هو من قبيل حث الأجيال على تعلّم المبادئ الثورية، ما تعليقكم على ذلك؟

ج: نحن نقول أننا نتاج التاريخ في الكثير من عناصر شخصيتنا، فنحن لا نريد أن نعيش في التاريخ بحيث نتجمد به بل نريد أن نأخذ من التاريخ عناصره الحية التي تبقى للحياة، بعيداً عن العناصر الميتة التي تموت مع الزمن، لنأخذ من التاريخ العبرة والقدوة والحركية لأن التاريخ كما أشرنا يشتمل في كل أحداثه على عنصرين، العنصر المحدود الذي يموت مع موت الزمن والعنصر الذي يبقى للحياة، والله أرادنا أن لا نعيش التاريخ لنتحمل مسؤوليته، وذلك في قوله تعالى: ﴿ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون﴾ إننا لا نريد الآن أن نستعيد الأشخاص التاريخيين بزمانهم لنتحارب بإسمهم، ولكننا نريد أن نأخذ من التأريخ النموذج لنجد في كل مرحلة من مراحل التأريخ نموذج جماهير الحسين (ع) في الخط الرسالي للإنسان وجماهير يزيد في خط الطغيان والظلم والعدوان، على أساس ما قاله تعالى: ﴿لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب﴾، فنحن لا نستعيد التاريخ لنستغرق فيه ولنعيش في ذاتياته، لكننا ننفتح على التأريخ لنتحرك في كل القضايا الإنسانية الإسلامية الحركية الحيوية في عملية وحدة، تمتد من الماضي إلى الحاضر الذي ينفتح على المستقبل، والهدف أن نأخذ من التاريخ خلاصته وعبرته التي تنطلق من عمق المعاناة التي تحملها أصحاب القيم والمبادئ، ثم لنصنع تاريخاً جديداً من خلال ما نستوحيه من ذلك التاريخ في جانب، ومن خلال ما نحركه وما نبدعه من دراسة ظروفنا وحاجاتنا.

لذلك إننا ندعو إلى تجديد قضية الذكرى بالشكل الذي لا يجعلها مجرد استحضار جامد للتأريخ، أو مجرد مناسبة للبكاء، كما لو كانت أمراً ذاتياً، جداً بل أن نستعيد القضايا الحيوية في التاريخ، وأن نستعيد الرموز العظيمة في التأريخ ولا سيما الرموز التي لا تقتصر رساليتها على المرحلة التي عاشت فيها بل تلك التي تمتد حيث امتدت الإمامة تماماً كما يمتد رسول الله (ص) في حياتنا كلما امتدت حركة النبوة في الواقع،ومن خلال ذلك نحن نعتقد أن الطريقة التي تدار بها قضية التأريخ، هي بحاجة للتغيير، لنجعل التأريخ يتحرك عندنا في مستوى الرمز وفي مستوى القيمة لأننا مسؤولون عن صنع تاريخنا لا أن نجتر التاريخ الذي مضى في ذاتياته.

وسائل التعبير عن الحزن:

س: ما دمتم تحدثتم في إحياء الشعائر هل هناك رؤى معينة وخطوات يمكن أن تجدد هذه الشعائر من جهة الإحياء؟

ج: إننا نعتقد أن منبر الحسين(ع) لا بد أن يكون منبراً للإسلام كله بحيث أن الخطيب الحسيني لا بد أن يكون مثقفاً ثقافة إسلامية واسعة، يستطيع من خلالها أن يمنح الثقافة الإسلامية للجمهور المسلم، وأن يحدث الناس عن الحسين(ع) وما يمثله من قيمة إسلامية ورمز إسلامي بما هو الرمز الإسلامي الحي للإمامة، وبذلك يستطيع أن نحقق ما أراد الإمام الحسين أن يحققه، وهو تأكيد مسألة القيادة السياسية للأمة، لتعيش الأمة مسألة القيادة كعنوان من عناوين حركتها في أن تختار القائد الذي ينفتح على قيم الإسلام، بدلاً من القائد الذي ينحرف عن هذه القيم، وأن تتفهم الناس قضايا الشهادة في حركيتها في الواقع لتميز بين الموقع الذي يفرضها وبين الموقع الذي لا يفرضها، وهكذا يتحول المنبر الحسيني إلى موقع ينطلق منه الخطيب لتصوير الواقع الذي يعيشه الناس مقارناً بالواقع الذي كان يعيشه الإمام الحسين (ع) والأئمة من أهل البيت بعده وقبله للتعرف على الخطوط التي تجمع بين مرحلتنا هذه وبين المراحل السابقة، ثم لا بد لنا من توثيق السيرة الحسينية لنطرد منها ما وضعه الوضاعون وما كذّبه الكذابون، لأن اعتبار المأساة أساسية في إثارة العاطفة لا يبرر لنا أن نكذب ولا يبرر لنا أن نضع الأحاديث، لأن المسألة كما قال لنا الإمام الصادق (ع): «وقليل الحق يكفي عن كثير الباطل».

لهذا لا بد للمنابر الحسينية أن تكون منابر تثقيف وتوعية وتحريك للواقع كله، وأن تكون منبراً للحق لا للباطل، أن تكون منبراً للعلم لا للجهل، وأن تكون منبراً للتقدم لا للتخلف وإذا أردنا أن نطور هذه المسائل فإننا نعتقد أنه من الممكن أن ندخل عاشوراء في الفن المسرحي مع المحافظة على الخطوط التي تحفظ لها قداستها، وهكذا نحتاج إلى أن ندخلها في عالم الرواية ثم في عالم التمثيل يمكن أن تُمْثّلْ لتنشر في العالم كله، ويعرف العالم كله مسلمون وغير مسلمين، ما هي عاشوراء؟؟ وما هي أهدافها؟؟ وما هي قضاياها؟؟ كما أن علينا أن نستبدل ما يفعله بعض الناس من ضرب الرؤوس أو الظهور بالسلاسل لنجعل هذه الدماء النازفة من خلال التبرع بالدم لمساعدة الجرحى والمرضى الذين يحتاجون إلى دمائنا، وعندها تتم المشاركة في إنقاذ حياتهم، وهذا أفضل من هذه المناظر المتخلّفة التي تعطي عنواناً للتخلف، لأنها تسيء إلى صورة الخط الإسلامي في منهج أهل البيت (ع).

ولا بد في هذا المجال من التأكيد على عنوان حيوي، وهو أن كل ما فعله الناس من قبلنا، أو ممن يعيشون معنا في إحياء عاشوراء، إنما هو وسيلة من وسائل التعبير عن الحزن ونحن نعرف أن وسائل التعبير تتطور مع الزمن، ولهذا لا بد لنا أن ندرس في كل مرحلة من المراحل الوسائل التي يمكن أن نحركها في قضية الإحتفال بالذكرى حتى تنسجم هذه الوسائل مع الأجيال التي ربما ترفض الوسائل القديمة لمصلحة الوسائل الجديدة. وهذا ما نلاحظه في إستخدام أساليب العيش فقد غيِّرنا الكثير من وسائل عيشنا لأننا رأينا أن الوسائل التي كان يستعملها آباؤنا لم تعد تتناسب مع أوضاعنا، كذلك غيِّرنا وسائل التعبير الأدبي، فلماذا لا نغير وسائل التعبير عن الحزن والتعبير عن الذكرى وما إلى ذلك.

دور عاشوراء

س: ماذا حول المواكب العزائية، ولدينا هنا في البحرين الموكب العزائي موكب متطور ويطرح قضايا المسلمين في كل العالم ولعله المساحة التي بقيت وحيدة في كل بلدان العالم لطرح القضية الإسلامية بصورة عامة، وما يدور في آفاق المجتمع الإسلامي، وما هي توجيهاتكم في هذا المجال؟

- نحن نؤيد تأييداً كبيراً جداً طرح القضايا السياسية والاجتماعية والأخلاقية التي تهز العالم الإسلامي بل حتى تهز عالم المستضعفين، لأننا كما ذكرنا إن الإمام الحسين (ع) قال: «إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي»، فيتحدث عن الأمة التي تنحرف والأمة التي ترزح تحت ثقل الطغيان والأمة التي تعيش تحت تأثير الذين يسرقون ثرواتها ويستعبدون أشخاصها، كما قال الإمام الحسين (ع) في بعض كلماته «اتخذوا مال الله دولا وعباده خولا»، لذلك فإن من الطبيعي جداً أن تنطلق المواكب الحسينية لتطرح القيم الإسلامية وتطرح الخطوط الأخلاقية، وتعالج المشاكل الإجتماعية والسياسية، وهو ما يجعلها تتحول إلى دعوة شعبية واعية متحركة يفهمها الناس بلغتهم وبطبيعتهم، فيعبرون عنها في الأهازيج الشعبية التي تخاطب المشاعر الإنسانية للرجل وللمرأة وللطفل وللشاب والشيخ. إننا نؤكد ذلك وقد كان المؤمنون في النجف وفي كربلاء في أيام الأربعين وفي أيام وفاة النبي (ص) يخرجون من سائر أنحاء العراق بالمواكب التي كانت تعالج الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية وحتى بعض الانحرافات التي تصيب الواقع الديني. وضمن هذا الإطار نقترح أن يملك الذين ينظمون الأشعار وينتجون الأهازيج ثقافة إسلامية شرعية وثقافة سياسية واجتماعية. إننا نعتقد أن هذه الأساليب تؤكد العناوين الكبرى لما استهدفته الثورة الحسينية من تغيير الواقع بالتخلي عن كل الخرافات التي لحقت بها.

دور المرأة الرسالي المستوحى من عاشوراء؟

س: وماذا عن المرأة وعاشوراء؟

- إن المرأة هي إنسان كما أن الرجل إنسان وقد كانت عاشوراء هي عاشوراء المرأة وعاشورءا الرجل، وكان الحسين (ع) وكانت إلى جانبه زينب (ع)، وكان علي (ع) وكانت إلى جانبه سيدتنا فاطمة الزهراء (ع)، وكان النبي (ص) وكانت إلى جانبه سيدتنا خديجة (ع)، إن الحركة الإسلامية كانت المرأة فيها جنباً إلى جنب مع الرجل، وأننا نعرف أنه في عهد الدعوة الأولى كانت النساء يقمن بالدعوة كما كان الرجال يقومون بالدعوة، حتى أن سمية استشهدت في سبيل الإسلام، لتأكيد الثبات على الإسلام والتوحيد، إلى جانب زوجها ياسر الذي استشهد أيضاً في سبيل الثبات على الإسلام. وقد كان النبي (ص) يخرج النساء كما يخرج الرجال إلى الحرب، لتقوم النساء بسقي العطشى ومداواة الجرحى.

اننا نرى أن للمرأة دوراً في عاشوراء في امتدادها الزمني تماماً كدورها في عاشوراء عند انطلاقتها، فها نحن نجد السيدة زينب (ع) المرأة القائدة التي انطلقت بكل صلابة وقوة وشموخ وبكل عنفوان وصبر ومواساة للإمام الحسين (ع) في شهادته، وبكل رعاية للأسرى والسبايا من بعده، وبكل حماية للإمام زين العابدين (ع)، والتي وقفت أمام ابن زياد بكل العنفوان الإيماني الإسلامي العلوي لتخاطبه بكل قوة، وهكذا عندما وقفت في جموع أهل الكوفة لتخاطبهم بكل قسوة على خذلانهم أو على مواجهتهم للحسين (ع)، وبلغت قمة الموقف عندما وقفت أمام الطاغية يزيد وقالت له «فكد كيدك وناصب جهدك»، وهكذا نجد أن زينب (ع) لا تمثل حالة استثنائية بل أنها تمثل القاعدة في حركة المرأة عندما يفرض الإسلام على المرأة أن تواجه الظلم بحسب الظروف المحيطة بها، وبحسب امكاناتها، لذلك نحن نريد للمرأة العاشورائية أن تعيش الوعي ونريد للنساء اللاتي يقمن بقراءة السيرة وبرعاية المجالس الحسينية أن يكنَّ نساءً مثقفات تقيات ينشرن الوعي في النساء، ويرتفعن إلى مستوى عاشوراء في كل ما يفرضه تطور الحياة من الأساليب التي يمكن أن تصنع لنا عاشوراء جديدة، تصنع حركة إسلامية جديدة، تنطلق من القضايا الإسلامية لتعيش الأجيال إسلاماً منفتحاً على الحياة. إن للمرأة في عاشوراء الحاضر وعاشوراء المستقبل دوراً يتكامل مع دور الرجل، لأن الله عندما تحدث عن المؤمنين والمؤمنات في حركة المسؤولية قال ﴿والمؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾ وإذا عرفنا أن المعروف يتسع لكل قضايا الحياة التي يرضاها الله ويريد للإنسان أن يأخذ بها وإن المنكر يتسع لكل قضايا الحياة التي لا يرضاها الله ولا يريد للناس أن يأخذوا بها، عند ذلك نعرف أن على المؤمنين والمؤمنات أن يتكاملوا وكلٌ في دوره كلٌ في طاقته لأداء هذه الفريضة الألهية العظيمة، وإذا كان البعض يسجل بعض التحفظات عن الجانب الأخلاقي في حركة المرأة، فإن الله يجعل الأخلاق فرضاً على الرجل والمرأة في كل مجال من المجالات الفردية والاجتماعية والسياسية، ونحن عندما نؤكد على حركية المرأة في المسألة الإسلامية الإنسانية إنما ندعو إلى الحركية التي تنسجم مع الخط الأخلاقي الإسلامي الذي وضعه المنهج الإسلامي للمرأة كما وضع المنهج الإسلامي الأخلاقي للرجل؟

التعلم من عاشوراء:

س: وما هو موقع براعمنا وأطفالنا في خريطة عاشوراء؟

ج: علينا أن نحدَّث أطفالنا عن كل أطفال عاشوراء الذين كانت أعمارهم تتراوح بين عمر الرضيع وابن الخامسة والعاشرة والحادية عشر والثلاثة عشر، وأن نحدثهم عن القاسم إبن الحسن وعبد الله إبن الحسن وعن كل الذين عاشوا في عاشوراء، فمنهم من جاهد واستشهد ومنهم من عانى المأساة، وإن نحدثهم عن عاشوراء الطفل كما نحدثهم عن عاشوراء الشاب وعن عاشوراء المرأة والشيخ الكبير، لأن ذلك سوف يقدم لهم القدوة، التي تجعل الطفل يتفاعل في وعيه مع قضايا الأمة وقضايا الإسلام، وينفتح على مأساة الأطفال في عاشوراء لينفتح على مأساة الأطفال في فلسطين، وفي كل موقع من مواقع الجهاد الذي يواجه فيه المستضعفون كل طغاة العالم.

س: لقد تفاعل السيد فضل الله مع الحسين وعاشوراء فكرياً وحركياً وكذلك في الإثراء الأدبي، كيف أثرت السيرة الحسينية في صياغة شخصية السيد فضل الله وما الذي استفاده منها؟

ج: لقد عشت طفولتي في النجف التي انفتحت فيها على المجالس الحسينية والمواكب الحسينية، وعشت مبكراً هذه الشمولية، وهذه الرحابة في الثورة الحسينية من جهة إمتدادها الإسلامي في حياة الناس ووجدانهم، ولذلك كانت أول قصيدة لي قبل ما يقارب الثلاثة وخمسين سنة على المرقد الحسيني تؤكد عاشوراء الثورة وعاشوراء التغيير، وعاشوراء الإسلام. لقد عشت مع الإمام الحسين (ع) منذ انطلقت لأعيش مع الإسلام، لأنني أعتقد أن الإنسان الذي ينفتح على الإسلام الحركي في حياته لا بد أن ينفتح على الإمام الحسين (ع) في كل حركته التغييرية من أجل الإنسان كله، والإسلام كله، وإني أدعو كل شبابنا المثقف الواعي سواء كانوا في الحوزات الدينية أو غيرها، أن لا يفهموا الحسين شخصاً بل أن يفهموا الحسين رسالة، وأن لا يفهموا الحسين مأساة تعيش في الذات، بل أن يفهموا الحسين رسالة تتحرك في خط المأساة، حتى لا تكون المأساة شيئاً من الشعور، بل تكون المأساة شيئاً في الفكر وفي الواقع، لقد أعطاني الحسين (ع) الكثير من الفكر والعاطفة والحركة. وما زال الحسين (ع) يمدني ويمد كل العاملين لله بكل ما يُثري العقل والقلب والروح والشعور في حركة الواقع.

عاشوراء في إمتدادها الإنساني

س: ختاماَ سماحة السيد، ونحن الآن نعيش فعاليات موسم عاشوراء الأول الذي يقيمه المؤمنون هنا، بهدف اثراء واقع عاشوراء في واقع الأمة، هل من كلمة توجيهية توجهونها للمشاركين؟

ج: إنني أقول لكل أخواني وأخواتي وأبنائي وبناتي من المؤمنين والمؤمنات، إن الإمام الحسين (ع) كان بإمكانه أن يعيش في أرغد أنواع الحياة من خلال ما يكنّه له الناس من محبة واحترام، وكان بإمكانه أن يجامل الظالم، ليهبه الظالم كل ما يريد من ملذات الحياة ورغدها، ولكن الإمام الحسين (ع) كان إمام الإسلام، وكان إنسان الرسالة وكان قائد التغيير، ولذلك نجده حمل في عقله عقل جده رسول الله (ص)، وحمل في قلبه قلب أبيه علي (ع)، وحمل في روحانيته روحانية والدته فاطمة الزهراء (ع)، لقد عاش الحسين هموم الأمة وعاش هم الإسلام، فليكن كل واحد منكم حسيناً ولو بنسبة الواحد إلى الألف، خذوا من الحسين (ع) الإيمان لإيمانكم، وخذوا منه الصلابة في مواقفكم، والإنفتاح على الأمة في واقعكم، والعزة والكرامة في كل التحديات التي تواجهكم، ولا يكن كل واحد منكم إنساناً يفكر بنفسه، بل عليكم أن تفكروا بالمسلمين كلهم، وهذا ما أراده رسول الله (ص) عندما ربط ما بين الإسلام في عمقه وامتداده، وبين اهتمام الإنسان المسلم بأمور المسلمين في قوله (ص): «من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم»،

- وقوله (ص): «من سمع رجلاً ينادي يا للمسلمين ولم يجبه فليس بمسلم».

لذلك ليكن لديكم الوعي السياسي الإسلامي الذي ينفتح على كل قضايا المسلمين في العالم، وليكن لكم الوعي الثقافي والاجتماعي الذي يلاحق كل انحرافات الواقع الإسلامي، ولنتحمل مسؤوليتنا في كل ما نملكه من طاقات على أساس «كلكم راعٍ وكل راعٍ مسؤول عن رعيته»، أنني أُحيي كل أخواننا وأخواتنا وأبناءنا وبناتنا في البحرين العزيزة، لأنني أجد هناك انطلاقة وعي وانطلاقة انفتاح وهناك روحاً اسلاميةً رائعةً، تتحرك في مشاعر الشباب وفي عقولهم وفكرهم. حافظوا على هذه الإنطلاقة ولتكن انطلاقة عقلانيةً موضوعيةً تعرف ما تريد وتسعى إليه، وتؤكد على أساس الوحدة التي ربما تحمل في داخلها التنوع: ﴿واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا﴾[آل عمران/103] ﴿فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول﴾[النساء؛59] ولا بد أن نتنازع ونختلف في كثير من القضايا، ولكن إن تنازعنا في شيءٍ علينا أن نرده إلى الله ورسوله، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

وسلامي لكم جميعاً

وفي ختام هذا اللقاء الثري نشكر سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله على اتاحته هذه الفرصة لنا من وقته الثمين للنهل من ينابيعه الغزيرة...

شكراً لكم سماحة السيد.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير