علينا أن نعدّ أنفسنا لنكون من جنده

علينا أن نعدّ أنفسنا لنكون من جنده

في انتظار المهدي (عج) ومعركة العدل الداخلي: علينا أن نعدّ أنفسنا لنكون من جنده


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

ليلة يستجاب فيها الدعاء

نعيش في هذه الأيام مناسبتين: المناسبة الأولى هي أن هذه الليلة بحسب فتاوانا الشرعية هي ليلة النصف من شعبان ـ وذلك حسبما تبيّن لنا بأن يوم السبت ما قبل الماضي كان أول أيام شهر شعبان ـ وإن كان هناك فتوى أخرى تقول بأنها ليلة الأحد، وعلى كل، فإن هذه الليلة المباركة هي من الليالي التي وردت النصوص فيها على أنها من الليالي التي يُستجاب فيها الدعاء، ويُستحب فيها التفرّغ لعبادة الله تعالى، وقراءة دعاء "كميل بن زياد"، و"المناجاة الشعبانية"، وغير ذلك من كل ما يمكن أن يدعو به الإنسان ربه ويتقرّب به إليه، لأن مسألة الدعاء لا تنحصر في مناسبة معيّنة، بل إن الله تعالى أرادنا أن ندعوه في كل وقت، في الصباح والمساء، في حال الجلوس والحركة، في السرّ والعلن، لأن الله سبحانه يريد من الإنسان المؤمن أن يكون بكله معه، عندما يتألم ويفرح ويُبتلى بمشكلة أو يواجه مصيبة.

الإحساس بحضور الله

إن الله تعالى يريد من الإنسان المؤمن أن يعبّر له عن محبته له وخوفه منه، وعن طلبه العفو والمغفرة، لأن ذلك كله يجعل الإنسان يحسّ بحضور الله معه، وأنه ليس غيباً من الغيب، فنحن عندما نتحدث مع الله تعالى في كل ما أهمّنا وفي كل ما نتطلّع إليه ونعيشه، فإن ذلك يجعلنا نشعر أننا نجلس بين يديه، وأننا نعيش معه، وعندما يتحسس الإنسان حضور الله تعالى في حياته، فإنه يشعر برقابة الله سبحانه عليه، فينضبط ويتوازن ويستحي من ربه، ويخاف منه، عندما تأمره نفسه الأمّارة بالسوء بمعصية الله تعالى.

الشعور بالأمن والطمأنينة

لذلك، لا تتركوا الدعاء، {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم}، فالله تعالى يعتني بالإنسان الذي يدعوه دائماً، لأنك عندما تدعو الله تعالى وتذكره وتشكره وتعظّمه وتسبّحه في كل حال وفي كل وقت، فإنك تشعر بأن حضور الله تعالى في نفسك أكثر من حضور أيّ شخص آخر، فيكمل لك إيمانك، ويقوى التزامك. وهناك نقطة بيّنتها أكثر من مرة، وهي أنه ليس من الضروري أن تقرأ الدعاء من خلال كتاب، بل ادعُ الله تعالى بحسب لغتك ولهجتك، لأنك عندما تنشئ الدعاء من نفسك، فإنه يخرج من قلبك وأحاسيسك وألمك.. وبذلك يشعر الإنسان بالأمن والطمأنينة، لأنه وضع طلباته عند ربّ رحيم كريم، وعندما ندرس الأدعية التي وردت في القرآن أو عن لسان النبي(ص) أو الأئمة(ع)، فإننا نلاحظ أنهم دعوا الله تعالى بكل شيء، فموسى(ع) عندما خرج خائفاً يترقّب دعا ربه، ولما فرّج الله تعالى عنه عبّر له عن شكره له، وقد علّم الله تعالى نبيّه(ص) أن يدعوه ويقول: {وقل ربّ زدني علماً}..فينبغي لنا أن لا نجعل الدعاء مخصوصاً بموسم معيّن، بل أن ندعو الله في كل حال، {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}، لأننا عندما ندعو الله، فإننا نتقرب إليه أكثر ونلتزم بطاعته أكثر. فعلينا أن نهتم بهذه الليلة المباركة، وإذا أحبّ أحد أن يحتاط فلا بأس أن يحيي ليلة السبت وليلة الأحد، حتى يحصل على الخير كله وعلى استجابة الدعاء وقضاء الحاجات إن شاء الله. ومن المستحبات في الليلة أيضاً زيارة الإمام الحسين(ع)، وهي من الزيارات المأثورة، وإذا لم يتمكّن الإنسان من الذهاب إلى مرقد الإمام الحسين(ع)، فليزره عن بُعد، فإنه يُعطى ثواب زيارته(ع).

معركة العدل العالمي

والمناسبة الثانية هي ذكرى ولادة إمامنا وسيدنا حجة الله تعالى في الأرض الإمام المهدي(عج)، فقد وُلد في اليوم الخامس عشر من شهر شعبان، ونحن نؤمن بالإمام(عج)، لأن رسول الله (ص) - مما رواه السنّة والشيعة معاً - تحدث عن أنه لن تنتهي الدنيا، "حتى يبعث الله رجلاً من ولدي اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجورا"، ولكن هناك اختلافاً في أن الإمام المهدي وُلد أم لم يولد، الغالب من أهل السنّة يقولون إنه لم يولد، وبعضهم قال إنه وُلد وهو محمد بن الحسن العسكري، ولكن الشيعة متفقون على أنه وُلد وأن الله تعالى حفظه وحماه عندما هجم جنود بني العباس على بيت الإمام العسكري(ع) بعد وفاته حتى يروا من هو ولده، فيقضوا عليه وتنقطع الإمامة.

أما مسألة الغيبة فقد استُفيدت من أكثر من حديث من أحاديث الأئمة من أهل البيت(ع)، واستُفيدت من بعض أحاديث النبي(ص)، وهو أمر تسالم أتباع أهل البيت(ع) عليه، فلا يناقش فيه أحد، وغيبته(عج) هي غيب من غيب الله، كما أن ظهوره هو غيب من غيب الله، ولا بدّ لنا أن نُرجع الأمر في ذلك إلى الله تعالى، وأن علينا أن ننتظره لنعدّ أنفسنا لنكون من جنده والسائرين على خطه والمستشهدين بين يديه، لأن الإمام(عج) ـ على حسب ما وردت الأحاديث ـ يخرج من أجل أن يخوض معركة العدل العالمي ويحارب كل الظالمين من أجل أن يغيّر الواقع العالمي من الظلم إلى العدل، سواء الظلم العام أو الخاص.

التربية على العدل

لذلك، إذا كنا نفكّر بأن نكون من جنده والسائرين معه، فعلينا أن نربي أنفسنا على العدل، فليس من الطبيعي أن تكون جندياً في معركة العدل وأنت ظالم، أو تعاون الظالمين وتبرر لهم ظلمهم، لأن معنى ذلك أنك ستكون في المعسكر الآخر، لأن الإمام(عج) يحارب الظلم في واقع الظالمين، ويحارب الظلم في الذين يساعدون الظالمين ويبررون لهم ظلمهم. لذلك، إذا أردت أن تكون من أنصار صاحب الزمان(عج)، عليك أن لا تظلم نفسك بالمعصية، وأن لا تظلم غيرك بالبغي والعدوان، فلا تظلم الناس حقوقهم، ولا تظلم أولادك بأن تتعسّف، ولا تظلم أبويك وزوجتك في حقوقها الإنسانية والزوجية، ولا تظلم الزوجة زوجها في حقوقه، أن لا تظلم الناس الذين تبايعهم وتشاريهم، وما إلى ذلك من الظلم العام، لأن مجتمعنا عندما يكون مجتمع الظالمين، فمعنى ذلك أننا سوف لن نكون معه، لأن من يتربى على الظلم كيف يكون مع قيادة العدل. وهذا ما واجهه أمير المؤمنين(ع) عندما أُبعد عن حقه، لأن العصبيات كانت هي التي تتحكّم في المجتمع الإسلامي، وهذا ما واجهه الإمام الحسين(ع) الذي بايعه ثمانية عشر ألف شخص في الكوفة من خلال سفيره "مسلم بن عقيل" ولكن الكثيرين من هؤلاء خرجوا إلى حربه، لأن "قلوبهم معه وسيوفهم عليه"، فقد تربوا تربية جعلوا فيها مصالحهم وأطماعهم هي الأساس.

نحن الآن مسلمون ونتبع أهل البيت(ع)، لماذا ننحرف ونثير الفتنة فيما بيننا؟ لماذا نساعد الظالمين ونبرر للمجرمين إجرامهم إذا كانوا من أقربائنا وأهلنا؟ لأن الهدف في الحياة - غالباً ولا نشمل كل الناس - ليس الله، إنما الهدف مصالحنا وأطماعنا وعصبياتنا، العصبية العائلية والحزبية والطائفية والمذهبية، حتى لو كانت عائلته أو حزبه أو طائفته أو مذهبه ظالماً..

التأكيد على خط العدل

لذلك، في هذه الذكرى التي تنطلق فيها رسالة الإمام(عج) تحت عنوان رسالة العدل، العدل هو أن تعطي كل ذي حق حقه، على المستوى الفردي والاجتماعي، وأن لا تظلم الناس حقوقهم، ولا بد لنا أن نؤكد على هذا الخط في حياتنا العائلية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، وأن نربي أنفسنا على العدل، والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله - لا لحساب فلان - ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}، ولا بد أن تشهد بالعدل حتى لخصمك الديني أو العائلي أو السياسي إذا كان صاحب حق، والله تعالى يقول: {ولا يجرمنّكم شنآن - والشنآن هو الخصومة والعداوة - قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}..

والإمام(عج) قد يخرج في أية لحظة، "إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً"، لذلك علينا أن ندرّب أنفسنا على السلاح الذي نحارب به شيطان أنفسنا وشهواتها المحرّمة، وكيف نحارب الشياطين من الجن والإنس. وهذا اليوم هو "يوم المستضعفين" الذي ينبغي أن يتوحّدوا فيه من أجل مواجهة الاستكبار.

إن هذه المناسبات الإسلامية لا بدّ أن تكون مناسبات لا نقتصر فيها على التذكّر، بل أن نجعل من التذكّر وسيلة من وسائل تربية أنفسنا وتغييرها وتطويرها وتنميتها وتصفيتها وتزكيتها، لنكون على الصورة التي يحبها الله ورسوله، حتى نحصل على رضى الله في ذلك. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستَشهدين بين يديه، وأن يرينا الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا الاستكبار كله في "يوم المستضعفين"، الذين وعدهم الله تعالى بالتمكين لهم في الأرض إذا آمنوا به ونصروه وإذا أكدوا المواقف في مواجهة المستكبرين، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى، فالله تعالى قد يعطي المستكبرين بعض الفرص ويمهلهم، ولكن المستضعفين هم المنتصرون في النتيجة، ولذلك لا بد للمستضعفين أن ينصروا الله لينصرهم، وأن لا ينحنوا للمستكبرين ويخشعوا لهم، لأن الله تعالى لا يعتبر الضعف عذراً إلا إذا كان الضعف محيطاً بالإنسان من جميع جوانبه، بحيث لا يملك أية فرصة للتخلّص.. والله تعالى يريدنا كمستضعفين أن نتوحّد ونأخذ القوة من أنفسنا في وحدتنا، ولكن مشكلة المستضعفين في الأرض أنهم يخضعون للمستكبرين ويعيشون الخلافات فيما بينهم.. ونحن نعيش في واقعنا الإسلامي التحديات التي يوجهها الاستكبار ضد المسلمين والمستضعفين، فتعالوا لنرى ماذا هناك.

إسرائيل في مأزق الانتفاضة

لا تزال الانتفاضة الشعبية المنطلقة من وجدان الشعب الفلسطيني بجميع اتجاهاته من أجل التحرير مستمرة، ولا يزال الكيان الصهيوني يقتل ويجرح ويدمّر ويقصف السيارات والمواقع المدنية، من دون أن يصدر أيّ احتجاج دوليّ حتى من الأمم المتحدة، التي لن تسمح ـ بتأثير الضغط الأمريكي ـ باتخاذ أي قرار يقضي بإرسال قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني الأعزل من الآلة العسكرية الصهيونية التي تدعمها أمريكا المشغولة بانتخاباتها، حيث تعمل ـ رئيساً وإدارة ـ على إنقاذ إسرائيل من مأزقها الأمني والسياسي الذي يهزّ كيانها من الداخل، ويحرّك الرأي العام العالمي ضده، من خلال الصورة البشعة التي تمارس فيها قتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب بالسلاح المدمّر..

أمريكا..الحفاظ على الكيان الصهيوني

إن القضية لدى أمريكا هي الضغط على الجانب الفلسطيني لإيقاف الانتفاضة باسم إيقاف العنف الذي بدأته حليفتها إسرائيل، حيث وقف الشعب الفلسطيني للدفاع عن نفسه.. إن المسألة الأساسية عند أمريكا هي الحفاظ على الأمن اليهودي وعلى خطط الكيان الصهيوني السياسية في السيطرة على القدس وإبقاء المستوطنات، ومنع الفلسطينيين المشرّدين من العودة إلى أوطانهم، وهذا ما نراه في دعوة "كلينتون" لـ"عرفات" للضغط عليه من أجل إصدار الأوامر للشعب الفلسطيني للتوقف عن مواصلة انتفاضته.. أما دعوته لـ"باراك"، فإنها من أجل تجديد تأييده أمريكياً، وتقوية موقعه في كيانه، ليعود إلى فلسطين في صورة المنتصر..

القمة الإسلامية..هل من قرارات؟

وفي الوقت نفسه، تنعقد القمة الإسلامية بعد أن أعلنت "قطر" إغلاق المكتب التجاري للعدو فيها، تحت تأثير الضغط الذي مارسته أكثر من دولة إسلامية بالامتناع عن حضور القمة مع الإبقاء على المكتب، ولكننا نخشى أن يكون هذا الإغلاق مؤقتاً يقتصر على مدة انعقاد القمة ـ بحسب ما يوحي به تصريح وزير خارجية "قطر" ـ والسؤال: هل تكون قرارات القمة الإسلامية باهتة شاحبة كقرارات القمة العربية، تحت عنوان تقديم الاعتدال على التطرف، وإعطاء أمريكا فرصة للسعي في إيقاف "العنف" من دون تحقيق أيّ مطلب فعليّ للفلسطينيين في تحقيق أهدافهم، وهذا ما نراه الآن، لأن أغلب دول "منظمة المؤتمر الإسلامي" - بكل أسف - خاضعة للسياسة الأمريكية، فلا يملكون الموقف الحاسم القوي الذي يحمي الشعب الفلسطيني من عملية القهر والإبادة والتجويع والحصار والتدمير، وهذا ما يجعلنا لا نأمل الكثير من هذه القمة..

ندعو إلى استمرار الانتفاضة

إننا نؤكد ضرورة متابعة الشعب الفلسطيني لانتفاضته، ليفرض إرادته على إسرائيل وأمريكا، وليوسّع المأزق للعدو في حركته الوحشية، لأنه لا يجوز ـ تحت تأثير أيّ ظرف أو أيّ ضغط ـ أن تذهب كل الدماء الطاهرة هدراً، وأن تصادَر الانتفاضة من قِبَل أمريكا وإسرائيل، لتخرج بدون مكاسب سياسية وأمنية، ولتكون النتيجة هي المساواة بين المجرم والضحية في عنوان العنف، الذي أصبح عنواناً سياسياً في الخطاب الدولي، لا سيما في أمريكا وأوروبا..

الشعوب العربية..متابعة التحرك

وإننا ندعو ـ أمام خطورة المرحلة ـ الشعوب العربية والإسلامية أن تنزل إلى الشوارع من جديد، لترفع الصوت عالياً ضد الظلم الدولي ـ ولا سيما الأمريكي ـ الذي يمارس على الشعب الفلسطيني، وللضغط على أنظمتها، لتتخذ القرارات القوية الضاغطة التي يرى العالم المستكبر فيها أن مصالحه سوف تتعرض للخطر إذا لم يردع اليهود عن عدوانهم، ولم يساعد الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه الشرعية كاملة.. إن على هذه الشعوب الاستمرار في التحرك، ليعرف العالم أن هناك أمة عربية وإسلامية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام عملية الإبادة للشعب الفلسطيني..

وعلينا الانتباه إلى ما أعلنته الإدارة الأمريكية من العمل على تقوية أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية، بتوظيف عناصر جديدة في المواقع السياسية والاقتصادية والأمنية - وربما الدينية - لاكتشاف كل التيارات المعارضة للسياسة الأمريكية، وللقضاء على كل القوى المضادة للاستكبار العالمي.. إن علينا الانتباه إلى ذلك كله، لأن أيّ انتماء إلى المخابرات المركزية الأمريكية أو فروعها الدولية للتجسس على الأحرار هو معصية كبيرة يستحق القائم بها دخول النار، ولا بد لنا من اكتشاف كل الذين يشاركون في هذه الأجهزة، لإنقاذ الأمة من شرورهم الإجرامية..

وضع الكلام في ميزان القضايا

وأخيراً، إن العدو لا يزال يهدد لبنان ويتوعّده ، ويستعرض عضلاته في طيرانه الذي يخرق جدار الصوت بين منطقة وأخرى، تحت تأثير خوفه من عودة المقاومة إلى عملياتها الجهادية للتحرير. ولذلك، فإننا نستغرب أن تظل الساحة السياسية الداخلية تضجّ بالحديث عن مسائل لا يمكن أن يستفيد منها إلا العدو..

إننا ندعو الجميع إلى "التقنين" في كلامهم الداخلي المثير، وإلى وضع هذا الكلام في ميزان القضايا الكبرى التي تهم البلد والمنطقة، لأن الوضع من حولنا هو أكبر بكثير من هذا اللغو الذي يأخذ الكثير من وقتنا، ويفرض نفسه على ساحتنا الإعلامية والسياسية بشكل مستغرَب ومفاجئ..

إن ما ينتظرنا على مستوى المنطقة كلها هو أكبر بكثير من الصورة الداخلية التي يتصوّرها البعض لحجم الأخطار المحدقة بلبنان ومحيطه العربي والإسلامي، ولذلك لا بد أن ينطلق الكلام عن كيفية تنسيق لبنان مع هذا المحيط، وأن تتزايد الاستعدادات للتصدي للعدو في الساحات المفتوحة التي يريد إقفالها لمصلحته، أو في الساحات المقفلة التي قد يعمل على فتحها لمصلحته..

نحو مزيد من الوعي والتفاهم

إننا نعتقد أن مساحة التفاهم لا تزال قائمة أمام الجميع، ولذلك فعلى كل من يتحرك في خط المسؤولية أن يهجر أسلوب التكتيك لمصلحة الاستراتيجيا، لأن من غير المسموح لبعض التكتيكات أن تأكل قضية المصير، في مرحلة نحن أحوج ما نكون فيها للوحدة الداخلية لمواجهة الأخطار الخارجية، وما أكثرها..

إن المنطقة تعيش تحت تأثير العواصف الأمنية والسياسية التي قد تجتاح الكثير من الأوضاع، وإن القضية الفلسطينية التي تختصر كل قضايا المنطقة في الحاضر والمستقبل لم تعد مجرد قضية فلسطينية في دائرتها الإقليمية، بل إنها امتدت لتكون في مستوى القضية العربية والإسلامية بكل مفاعيلها السياسية والأمنية على الواقع الدولي كله، ما يفرض علينا الوعي للمرحلة كلها.

في انتظار المهدي (عج) ومعركة العدل الداخلي: علينا أن نعدّ أنفسنا لنكون من جنده


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

ليلة يستجاب فيها الدعاء

نعيش في هذه الأيام مناسبتين: المناسبة الأولى هي أن هذه الليلة بحسب فتاوانا الشرعية هي ليلة النصف من شعبان ـ وذلك حسبما تبيّن لنا بأن يوم السبت ما قبل الماضي كان أول أيام شهر شعبان ـ وإن كان هناك فتوى أخرى تقول بأنها ليلة الأحد، وعلى كل، فإن هذه الليلة المباركة هي من الليالي التي وردت النصوص فيها على أنها من الليالي التي يُستجاب فيها الدعاء، ويُستحب فيها التفرّغ لعبادة الله تعالى، وقراءة دعاء "كميل بن زياد"، و"المناجاة الشعبانية"، وغير ذلك من كل ما يمكن أن يدعو به الإنسان ربه ويتقرّب به إليه، لأن مسألة الدعاء لا تنحصر في مناسبة معيّنة، بل إن الله تعالى أرادنا أن ندعوه في كل وقت، في الصباح والمساء، في حال الجلوس والحركة، في السرّ والعلن، لأن الله سبحانه يريد من الإنسان المؤمن أن يكون بكله معه، عندما يتألم ويفرح ويُبتلى بمشكلة أو يواجه مصيبة.

الإحساس بحضور الله

إن الله تعالى يريد من الإنسان المؤمن أن يعبّر له عن محبته له وخوفه منه، وعن طلبه العفو والمغفرة، لأن ذلك كله يجعل الإنسان يحسّ بحضور الله معه، وأنه ليس غيباً من الغيب، فنحن عندما نتحدث مع الله تعالى في كل ما أهمّنا وفي كل ما نتطلّع إليه ونعيشه، فإن ذلك يجعلنا نشعر أننا نجلس بين يديه، وأننا نعيش معه، وعندما يتحسس الإنسان حضور الله تعالى في حياته، فإنه يشعر برقابة الله سبحانه عليه، فينضبط ويتوازن ويستحي من ربه، ويخاف منه، عندما تأمره نفسه الأمّارة بالسوء بمعصية الله تعالى.

الشعور بالأمن والطمأنينة

لذلك، لا تتركوا الدعاء، {قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم}، فالله تعالى يعتني بالإنسان الذي يدعوه دائماً، لأنك عندما تدعو الله تعالى وتذكره وتشكره وتعظّمه وتسبّحه في كل حال وفي كل وقت، فإنك تشعر بأن حضور الله تعالى في نفسك أكثر من حضور أيّ شخص آخر، فيكمل لك إيمانك، ويقوى التزامك. وهناك نقطة بيّنتها أكثر من مرة، وهي أنه ليس من الضروري أن تقرأ الدعاء من خلال كتاب، بل ادعُ الله تعالى بحسب لغتك ولهجتك، لأنك عندما تنشئ الدعاء من نفسك، فإنه يخرج من قلبك وأحاسيسك وألمك.. وبذلك يشعر الإنسان بالأمن والطمأنينة، لأنه وضع طلباته عند ربّ رحيم كريم، وعندما ندرس الأدعية التي وردت في القرآن أو عن لسان النبي(ص) أو الأئمة(ع)، فإننا نلاحظ أنهم دعوا الله تعالى بكل شيء، فموسى(ع) عندما خرج خائفاً يترقّب دعا ربه، ولما فرّج الله تعالى عنه عبّر له عن شكره له، وقد علّم الله تعالى نبيّه(ص) أن يدعوه ويقول: {وقل ربّ زدني علماً}..فينبغي لنا أن لا نجعل الدعاء مخصوصاً بموسم معيّن، بل أن ندعو الله في كل حال، {وقال ربكم ادعوني أستجب لكم}، لأننا عندما ندعو الله، فإننا نتقرب إليه أكثر ونلتزم بطاعته أكثر. فعلينا أن نهتم بهذه الليلة المباركة، وإذا أحبّ أحد أن يحتاط فلا بأس أن يحيي ليلة السبت وليلة الأحد، حتى يحصل على الخير كله وعلى استجابة الدعاء وقضاء الحاجات إن شاء الله. ومن المستحبات في الليلة أيضاً زيارة الإمام الحسين(ع)، وهي من الزيارات المأثورة، وإذا لم يتمكّن الإنسان من الذهاب إلى مرقد الإمام الحسين(ع)، فليزره عن بُعد، فإنه يُعطى ثواب زيارته(ع).

معركة العدل العالمي

والمناسبة الثانية هي ذكرى ولادة إمامنا وسيدنا حجة الله تعالى في الأرض الإمام المهدي(عج)، فقد وُلد في اليوم الخامس عشر من شهر شعبان، ونحن نؤمن بالإمام(عج)، لأن رسول الله (ص) - مما رواه السنّة والشيعة معاً - تحدث عن أنه لن تنتهي الدنيا، "حتى يبعث الله رجلاً من ولدي اسمه اسمي، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت ظلماً وجورا"، ولكن هناك اختلافاً في أن الإمام المهدي وُلد أم لم يولد، الغالب من أهل السنّة يقولون إنه لم يولد، وبعضهم قال إنه وُلد وهو محمد بن الحسن العسكري، ولكن الشيعة متفقون على أنه وُلد وأن الله تعالى حفظه وحماه عندما هجم جنود بني العباس على بيت الإمام العسكري(ع) بعد وفاته حتى يروا من هو ولده، فيقضوا عليه وتنقطع الإمامة.

أما مسألة الغيبة فقد استُفيدت من أكثر من حديث من أحاديث الأئمة من أهل البيت(ع)، واستُفيدت من بعض أحاديث النبي(ص)، وهو أمر تسالم أتباع أهل البيت(ع) عليه، فلا يناقش فيه أحد، وغيبته(عج) هي غيب من غيب الله، كما أن ظهوره هو غيب من غيب الله، ولا بدّ لنا أن نُرجع الأمر في ذلك إلى الله تعالى، وأن علينا أن ننتظره لنعدّ أنفسنا لنكون من جنده والسائرين على خطه والمستشهدين بين يديه، لأن الإمام(عج) ـ على حسب ما وردت الأحاديث ـ يخرج من أجل أن يخوض معركة العدل العالمي ويحارب كل الظالمين من أجل أن يغيّر الواقع العالمي من الظلم إلى العدل، سواء الظلم العام أو الخاص.

التربية على العدل

لذلك، إذا كنا نفكّر بأن نكون من جنده والسائرين معه، فعلينا أن نربي أنفسنا على العدل، فليس من الطبيعي أن تكون جندياً في معركة العدل وأنت ظالم، أو تعاون الظالمين وتبرر لهم ظلمهم، لأن معنى ذلك أنك ستكون في المعسكر الآخر، لأن الإمام(عج) يحارب الظلم في واقع الظالمين، ويحارب الظلم في الذين يساعدون الظالمين ويبررون لهم ظلمهم. لذلك، إذا أردت أن تكون من أنصار صاحب الزمان(عج)، عليك أن لا تظلم نفسك بالمعصية، وأن لا تظلم غيرك بالبغي والعدوان، فلا تظلم الناس حقوقهم، ولا تظلم أولادك بأن تتعسّف، ولا تظلم أبويك وزوجتك في حقوقها الإنسانية والزوجية، ولا تظلم الزوجة زوجها في حقوقه، أن لا تظلم الناس الذين تبايعهم وتشاريهم، وما إلى ذلك من الظلم العام، لأن مجتمعنا عندما يكون مجتمع الظالمين، فمعنى ذلك أننا سوف لن نكون معه، لأن من يتربى على الظلم كيف يكون مع قيادة العدل. وهذا ما واجهه أمير المؤمنين(ع) عندما أُبعد عن حقه، لأن العصبيات كانت هي التي تتحكّم في المجتمع الإسلامي، وهذا ما واجهه الإمام الحسين(ع) الذي بايعه ثمانية عشر ألف شخص في الكوفة من خلال سفيره "مسلم بن عقيل" ولكن الكثيرين من هؤلاء خرجوا إلى حربه، لأن "قلوبهم معه وسيوفهم عليه"، فقد تربوا تربية جعلوا فيها مصالحهم وأطماعهم هي الأساس.

نحن الآن مسلمون ونتبع أهل البيت(ع)، لماذا ننحرف ونثير الفتنة فيما بيننا؟ لماذا نساعد الظالمين ونبرر للمجرمين إجرامهم إذا كانوا من أقربائنا وأهلنا؟ لأن الهدف في الحياة - غالباً ولا نشمل كل الناس - ليس الله، إنما الهدف مصالحنا وأطماعنا وعصبياتنا، العصبية العائلية والحزبية والطائفية والمذهبية، حتى لو كانت عائلته أو حزبه أو طائفته أو مذهبه ظالماً..

التأكيد على خط العدل

لذلك، في هذه الذكرى التي تنطلق فيها رسالة الإمام(عج) تحت عنوان رسالة العدل، العدل هو أن تعطي كل ذي حق حقه، على المستوى الفردي والاجتماعي، وأن لا تظلم الناس حقوقهم، ولا بد لنا أن نؤكد على هذا الخط في حياتنا العائلية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، وأن نربي أنفسنا على العدل، والله تعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط شهداء لله - لا لحساب فلان - ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}، ولا بد أن تشهد بالعدل حتى لخصمك الديني أو العائلي أو السياسي إذا كان صاحب حق، والله تعالى يقول: {ولا يجرمنّكم شنآن - والشنآن هو الخصومة والعداوة - قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى}..

والإمام(عج) قد يخرج في أية لحظة، "إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً"، لذلك علينا أن ندرّب أنفسنا على السلاح الذي نحارب به شيطان أنفسنا وشهواتها المحرّمة، وكيف نحارب الشياطين من الجن والإنس. وهذا اليوم هو "يوم المستضعفين" الذي ينبغي أن يتوحّدوا فيه من أجل مواجهة الاستكبار.

إن هذه المناسبات الإسلامية لا بدّ أن تكون مناسبات لا نقتصر فيها على التذكّر، بل أن نجعل من التذكّر وسيلة من وسائل تربية أنفسنا وتغييرها وتطويرها وتنميتها وتصفيتها وتزكيتها، لنكون على الصورة التي يحبها الله ورسوله، حتى نحصل على رضى الله في ذلك. نسأل الله تعالى أن يجعلنا من أنصاره وأعوانه والمستَشهدين بين يديه، وأن يرينا الطلعة الرشيدة والغرّة الحميدة.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا الاستكبار كله في "يوم المستضعفين"، الذين وعدهم الله تعالى بالتمكين لهم في الأرض إذا آمنوا به ونصروه وإذا أكدوا المواقف في مواجهة المستكبرين، لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الشيطان هي السفلى، فالله تعالى قد يعطي المستكبرين بعض الفرص ويمهلهم، ولكن المستضعفين هم المنتصرون في النتيجة، ولذلك لا بد للمستضعفين أن ينصروا الله لينصرهم، وأن لا ينحنوا للمستكبرين ويخشعوا لهم، لأن الله تعالى لا يعتبر الضعف عذراً إلا إذا كان الضعف محيطاً بالإنسان من جميع جوانبه، بحيث لا يملك أية فرصة للتخلّص.. والله تعالى يريدنا كمستضعفين أن نتوحّد ونأخذ القوة من أنفسنا في وحدتنا، ولكن مشكلة المستضعفين في الأرض أنهم يخضعون للمستكبرين ويعيشون الخلافات فيما بينهم.. ونحن نعيش في واقعنا الإسلامي التحديات التي يوجهها الاستكبار ضد المسلمين والمستضعفين، فتعالوا لنرى ماذا هناك.

إسرائيل في مأزق الانتفاضة

لا تزال الانتفاضة الشعبية المنطلقة من وجدان الشعب الفلسطيني بجميع اتجاهاته من أجل التحرير مستمرة، ولا يزال الكيان الصهيوني يقتل ويجرح ويدمّر ويقصف السيارات والمواقع المدنية، من دون أن يصدر أيّ احتجاج دوليّ حتى من الأمم المتحدة، التي لن تسمح ـ بتأثير الضغط الأمريكي ـ باتخاذ أي قرار يقضي بإرسال قوات دولية لحماية الشعب الفلسطيني الأعزل من الآلة العسكرية الصهيونية التي تدعمها أمريكا المشغولة بانتخاباتها، حيث تعمل ـ رئيساً وإدارة ـ على إنقاذ إسرائيل من مأزقها الأمني والسياسي الذي يهزّ كيانها من الداخل، ويحرّك الرأي العام العالمي ضده، من خلال الصورة البشعة التي تمارس فيها قتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب بالسلاح المدمّر..

أمريكا..الحفاظ على الكيان الصهيوني

إن القضية لدى أمريكا هي الضغط على الجانب الفلسطيني لإيقاف الانتفاضة باسم إيقاف العنف الذي بدأته حليفتها إسرائيل، حيث وقف الشعب الفلسطيني للدفاع عن نفسه.. إن المسألة الأساسية عند أمريكا هي الحفاظ على الأمن اليهودي وعلى خطط الكيان الصهيوني السياسية في السيطرة على القدس وإبقاء المستوطنات، ومنع الفلسطينيين المشرّدين من العودة إلى أوطانهم، وهذا ما نراه في دعوة "كلينتون" لـ"عرفات" للضغط عليه من أجل إصدار الأوامر للشعب الفلسطيني للتوقف عن مواصلة انتفاضته.. أما دعوته لـ"باراك"، فإنها من أجل تجديد تأييده أمريكياً، وتقوية موقعه في كيانه، ليعود إلى فلسطين في صورة المنتصر..

القمة الإسلامية..هل من قرارات؟

وفي الوقت نفسه، تنعقد القمة الإسلامية بعد أن أعلنت "قطر" إغلاق المكتب التجاري للعدو فيها، تحت تأثير الضغط الذي مارسته أكثر من دولة إسلامية بالامتناع عن حضور القمة مع الإبقاء على المكتب، ولكننا نخشى أن يكون هذا الإغلاق مؤقتاً يقتصر على مدة انعقاد القمة ـ بحسب ما يوحي به تصريح وزير خارجية "قطر" ـ والسؤال: هل تكون قرارات القمة الإسلامية باهتة شاحبة كقرارات القمة العربية، تحت عنوان تقديم الاعتدال على التطرف، وإعطاء أمريكا فرصة للسعي في إيقاف "العنف" من دون تحقيق أيّ مطلب فعليّ للفلسطينيين في تحقيق أهدافهم، وهذا ما نراه الآن، لأن أغلب دول "منظمة المؤتمر الإسلامي" - بكل أسف - خاضعة للسياسة الأمريكية، فلا يملكون الموقف الحاسم القوي الذي يحمي الشعب الفلسطيني من عملية القهر والإبادة والتجويع والحصار والتدمير، وهذا ما يجعلنا لا نأمل الكثير من هذه القمة..

ندعو إلى استمرار الانتفاضة

إننا نؤكد ضرورة متابعة الشعب الفلسطيني لانتفاضته، ليفرض إرادته على إسرائيل وأمريكا، وليوسّع المأزق للعدو في حركته الوحشية، لأنه لا يجوز ـ تحت تأثير أيّ ظرف أو أيّ ضغط ـ أن تذهب كل الدماء الطاهرة هدراً، وأن تصادَر الانتفاضة من قِبَل أمريكا وإسرائيل، لتخرج بدون مكاسب سياسية وأمنية، ولتكون النتيجة هي المساواة بين المجرم والضحية في عنوان العنف، الذي أصبح عنواناً سياسياً في الخطاب الدولي، لا سيما في أمريكا وأوروبا..

الشعوب العربية..متابعة التحرك

وإننا ندعو ـ أمام خطورة المرحلة ـ الشعوب العربية والإسلامية أن تنزل إلى الشوارع من جديد، لترفع الصوت عالياً ضد الظلم الدولي ـ ولا سيما الأمريكي ـ الذي يمارس على الشعب الفلسطيني، وللضغط على أنظمتها، لتتخذ القرارات القوية الضاغطة التي يرى العالم المستكبر فيها أن مصالحه سوف تتعرض للخطر إذا لم يردع اليهود عن عدوانهم، ولم يساعد الشعب الفلسطيني في الحصول على حقوقه الشرعية كاملة.. إن على هذه الشعوب الاستمرار في التحرك، ليعرف العالم أن هناك أمة عربية وإسلامية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام عملية الإبادة للشعب الفلسطيني..

وعلينا الانتباه إلى ما أعلنته الإدارة الأمريكية من العمل على تقوية أجهزة المخابرات المركزية الأمريكية، بتوظيف عناصر جديدة في المواقع السياسية والاقتصادية والأمنية - وربما الدينية - لاكتشاف كل التيارات المعارضة للسياسة الأمريكية، وللقضاء على كل القوى المضادة للاستكبار العالمي.. إن علينا الانتباه إلى ذلك كله، لأن أيّ انتماء إلى المخابرات المركزية الأمريكية أو فروعها الدولية للتجسس على الأحرار هو معصية كبيرة يستحق القائم بها دخول النار، ولا بد لنا من اكتشاف كل الذين يشاركون في هذه الأجهزة، لإنقاذ الأمة من شرورهم الإجرامية..

وضع الكلام في ميزان القضايا

وأخيراً، إن العدو لا يزال يهدد لبنان ويتوعّده ، ويستعرض عضلاته في طيرانه الذي يخرق جدار الصوت بين منطقة وأخرى، تحت تأثير خوفه من عودة المقاومة إلى عملياتها الجهادية للتحرير. ولذلك، فإننا نستغرب أن تظل الساحة السياسية الداخلية تضجّ بالحديث عن مسائل لا يمكن أن يستفيد منها إلا العدو..

إننا ندعو الجميع إلى "التقنين" في كلامهم الداخلي المثير، وإلى وضع هذا الكلام في ميزان القضايا الكبرى التي تهم البلد والمنطقة، لأن الوضع من حولنا هو أكبر بكثير من هذا اللغو الذي يأخذ الكثير من وقتنا، ويفرض نفسه على ساحتنا الإعلامية والسياسية بشكل مستغرَب ومفاجئ..

إن ما ينتظرنا على مستوى المنطقة كلها هو أكبر بكثير من الصورة الداخلية التي يتصوّرها البعض لحجم الأخطار المحدقة بلبنان ومحيطه العربي والإسلامي، ولذلك لا بد أن ينطلق الكلام عن كيفية تنسيق لبنان مع هذا المحيط، وأن تتزايد الاستعدادات للتصدي للعدو في الساحات المفتوحة التي يريد إقفالها لمصلحته، أو في الساحات المقفلة التي قد يعمل على فتحها لمصلحته..

نحو مزيد من الوعي والتفاهم

إننا نعتقد أن مساحة التفاهم لا تزال قائمة أمام الجميع، ولذلك فعلى كل من يتحرك في خط المسؤولية أن يهجر أسلوب التكتيك لمصلحة الاستراتيجيا، لأن من غير المسموح لبعض التكتيكات أن تأكل قضية المصير، في مرحلة نحن أحوج ما نكون فيها للوحدة الداخلية لمواجهة الأخطار الخارجية، وما أكثرها..

إن المنطقة تعيش تحت تأثير العواصف الأمنية والسياسية التي قد تجتاح الكثير من الأوضاع، وإن القضية الفلسطينية التي تختصر كل قضايا المنطقة في الحاضر والمستقبل لم تعد مجرد قضية فلسطينية في دائرتها الإقليمية، بل إنها امتدت لتكون في مستوى القضية العربية والإسلامية بكل مفاعيلها السياسية والأمنية على الواقع الدولي كله، ما يفرض علينا الوعي للمرحلة كلها.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير