حذارِ من الاسترسال في الأجواء المحرّمة

حذارِ من الاسترسال في الأجواء المحرّمة
علينا أن نقصر أسماعنا على ما هو حلال
 
 
الموسيقى والغناء بين التحليل والتحريم

من بين فقرات خطبة النبي (ص) التي استقبل بها شهر رمضان المبارك أنه قال: "وغضّوا عمّا لا يحلّ الاستماع إليه أسماعكم"، إذ يؤكد النبي(ص) في هذه الكلمة أن هناك من الأمور المسموعة ما لا يحل للإنسان أن يستمع إليه، لأنه يؤثر تأثيراً سلبياً عليه وعلى المجتمع.

ومن الأمور التي يحرم على الإنسان الاستماع إليها، لتأثيرها السلبي عليه من الناحية الأخلاقية، الموسيقى التي تثير الغرائز والشهوات، بحيث تخلق في مشاعر الإنسان وأحاسيسه حالة الرغبة المحرّمة بطريقة وبأخرى، وذلك بحسب طبيعة الموسيقى، حتى لو كان بعض الناس لا يتأثّر بها بشكل مباشر، ولكن الملحوظ في المسألة هو طبيعة اللحن، أو الموسيقى العنيفة التي تحطّم الأعصاب وتؤدي إلى ضرر على طبيعة توازنه النفسي.

فهذان النوعان من الموسيقى هما ما يحرم على الإنسان استماعه، أما الموسيقى التي تتضمّن إيحاءات روحية ونفسية توحي للنفس بما يسمو بها ويرتفع، أو الموسيقى الحماسية التي تثير الناس نحو القضايا المهمة في حالات التحدي ضد الأعداء، فهذه ليست محرّمة في رأينا ورأي الكثيرين من العلماء.

وهكذا بالنسبة إلى الغناء، وهو الكلام الذي يتحرَّك مع الموسيقى، فتارة يكون مضمون الغناء مخالفاً للحقّ، كما في الكلمات التي تثير الغرائز والشهوات في تأثيرها من خلال اللحن الذي يعمّق هذه المعاني الغريزية في داخل إحساس الإنسان وشعوره، أو الكلمات التي تتضمن عقائد باطلة أو مدحاً لظالم ومستكبر، أو تأييداً لخط من خطوط الظلم والاستكبار في المجتمع، أو لمدح وذم من لا يستحق المدح أو الذم، وما إلى ذلك مما يربط المسألة بالباطل ويُضعف الحق، فإن ذلك محرّم، لأن الله تعالى يقول: {واجتنبوا قول الزور}، وفُسّرت كلمة قول الزور بالغناء، والمقصود قول الباطل، وقد ورد في تفسير قوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله} بأن منه الغناء، وهو الحديث الذي يؤدي إلى إضلال الإنسان.

أما الغناء المشتمل على كلام حق، كما في مناجاة الله تعالى، أو في مدح النبي (ص) والأئمة (ع)، أو في التعبير عن القضايا المهمة في حياة الأمة، كما في الكلمات التي تتحدث عن الجهاد والحرية والحنين إلى الأهل والأوطان وعن وصف الطبيعة في جمالاتها وما إلى ذلك، فهذا ليس محرّماً، لأنه ليس كلام باطل، فعلى الناس أن تميّز بين ما هو حق وبين ما هو باطل، لأن الله تعالى عندما يحرّم شيئاً فإنه ينطلق من مصلحة الإنسان، لأن الله يريد له أن يتمتع بروحية ونفسية ومشاعر وأحاسيس نظيفة متوازنة، ونحن نعرف أن الموسيقى تدخل إلى إحساس الإنسان وشعوره، فتترك فيه الكثير من المؤثرات السلبية تارة أو الإيجابية أخرى بشكل غير اختياري، بحيث يهتز من غير أن يعرف لماذا اهتز، والله تعالى لا يريد للإنسان أن يخضع لأي عناصر غير اختيارية في مؤثراته النفسية أو العملية في هذا المجال، لأن الله يريد للإنسان أن تكون أخلاقيته متوازنة لا تتأثّر بالأمور الشعورية العاطفية التي تنفذ إليه بدون اختيار.

الغيبة من الكبائر

هذا جانب، والجانب الثاني مما لا يحلّ الاستماع إليه هو جانب الغيبة، فنحن نعرف أن الغيبة محرّمة، وهي من الكبائر التي يستحقُّ عليها الإنسان دخول النار، وقد ورد في بعض الأحاديث أن السامع هو أحد المغتابَين، إلا أن يمنع غيبة هذا الإنسان أو ينسحب من المجلس.

ومن الأمور التي أكد عليها القرآن الكريم، أن الإنسان إذا كان في مجلس من المجالس، وتحدث الناس بما يتنافى مع المنهج الإسلامي، كما إذا كان حديث سخرية بالله تعالى وآياته أو استهزاءً بها، أو غيبة لمؤمن أو تهجّماً على شخصية إسلامية أو إيمانية، فعلى الإنسان إذا كان قادراً على الردّ أن يرد، أما إذا لم يكن قادراً على الرد فعليه أن ينسحب، وإذا لم ينسحب فإن حكمه حكم المنافق، يقول تعالى في سورة النساء: {وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها ـ وآيات الله هي كل ما يرتبط بالله تعالى من رسله ورسالاته وكتبه وأحكامه ومن السائرين على خطه ـ فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً}.

والسرّ في هذا الموضوع هو أن الإنسان إذا حضر في مجلس يُتهجّم فيه على الله ورسله وأوليائه وشرائعه ويسكت، فإن السكوت بحسب الانطباع الاجتماعي علامة الرضى، ومعنى ذلك أنه منسجم مع الجوّ، ولذلك إذا لم تكن قادراً على ردّ التهجم على النبي (ص) أو غيبة العلماء والأولياء، فعليك أن تنسحب، وهذا موجود حتى في الأعراف الدبلوماسية، فلو كان هناك احتفال يحضره سفير أو قائم بأعمال يمثل دولة ما، وانطلق أحد الخطباء لمهاجمة هذه الدولة، فالمطلوب من هذا السفير الذي يمثل دولته أن ينسحب، لأنه بحسب العرف الدبلوماسي فإن السفير لا يستطيع أن يرد، ولكن عليه أن ينسحب حتى يُعلن احتجاجه وعدم رضاه في التهجّم على دولته، وإلا فإنه يعاقب من قبل دولته.

الإعراض عن اللغو والتهجم

النقطة الثانية في هذا الموضوع هي أن الناس الذين يأخذون حريتهم في التهجّم على الإسلام وأهله، ولا يجدون اعتراضاً واحتجاجاً من الناس، فإنهم يتشجّعون على ذلك، وسوف يزداد التهجم في هذا الاتجاه، فمقتضى النهي عن المنكر أنه "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان"، والإنكار بالقلب هو إظهار عدم الرضى بشكل سلمي وهو الانسحاب.

ومن الأمور التي نبّه عليها القرآن الكريم في صفات المؤمنين إذا سمعوا اللغو، واللغو هو الكلام الذي لا فائدة فيه، أو الكلام الذي يتحرك في خط الإساءة للناس وللقضايا الحيوية في المجتمع، يقول تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ـ لم يقبلوا عليه بل أظهروا الإعراض عنه ولم يتجاوبوا معه ـ وقالوا لنا أعمالكم ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين}. ومن بين الصفات التي وصف الله تعالى فيها اليهود في زمن النبي (ص): {سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين}، عندما تجلس مع من يتحدث بالأحاديث الكاذبة، عليك أن تعرض عنه حتى لا تشجعه على الاستمرار في كذبه، لا سيما إذا كانت الأكاذيب من الأمور التي تجذب الناس، بحيث يتأثرون بها ويسقطون تحت تأثيرها، {سمّاعون لقوم آخرين}، ممن لا يطلبون الحقيقة فيما يأخذون به من الكلام، بل يستمعون إلى قول هذا وقول ذاك، من دون ارتكاز على الحقيقة.

القرآن يدحض مزاعم الأفاكين

ومن الأمور التي عاشها مجتمع النبي (ص) وكانت تتصل ببيته وحياته الخاصة، والتي قد تكون محلّ ابتلائنا في كثير من الحالات، هي حادثة تسمى حادثة الإفك، حيث أن بعض زوجات النبي (ص) اتُهمت من خلال بعض المنافقين بالزنى، وقد حاصرت هذه الإشاعة بيت النبي (ص) وبدأ الناس يتحدثون ويدلون بآرائهم، لا سيما أنه عندما تتهم امرأة ـ وخصوصاً إذا كان لها موقع في مجتمعها ـ فإن هذه التهمة تستثير الناس، وكانوا يسألون النبي(ص): ما الرأي؟ وكان (ص) يقول: "أنتظر أمر ربي"، ونزلت آيات الإفك في سورة النور، وفي بعض هذه الآيات توجيه للمسلمين إذا سمعوا أمراً من هذا القبيل كيف يتصرفون، يقول تعالى: {إن الذين جاءوا بالإفك ـ وهو أقبح الكذب وأفحشه ـ عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم ـ لأنه سوف يوضّح الحقائق ويركز الأسس الشرعية في مثل هذه الحالات ـ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولّى كبره منهم له عذاب عظيم ـ وهو الشخص الذي أثار الإشاعة ورتّبها ـ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً ـ يحملون على الخير ولا يصدّقون هذا الخبر بمجرد سماعه ـ وقالوا هذا إفك مبين ـ هذا كذب واضح، لأن الإنسان عندما يدّعي دعوى لا بدّ أن يأتي ببيّنة عليها ـ لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء ـ على أن يكونوا من المؤمنين العدول، بحيث يكونون قد شاهدوا هذا الفعل بتفاصيله الدقيقة ـ فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون * ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسّكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين * ويبيّن الله لكم الآيات والله عليم حكيم * إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.؟!

التقوى طريق إلى الجنة

ومن خلال هذا التوجيه القرآني النبوي، فإن القضية لا تقتصر على الإشاعات التي تنطلق بالزنى أو غيرها، بل تشمل كل الإشاعات التي تتعرض لكرامات الأشخاص وأوضاعهم، لا سيما إذا كانوا من المؤمنين الصالحين والعلماء المجاهدين، فإن العقوبة تعظم كلما عظمت مكانة الشخص، وعظم الكذب الذي يُنسب إليه.

هذا ما يريدنا الله تعالى ورسوله (ص) أن نلتزم به، لكي نحصل على التقوى التي هي الأساس في قبول الصوم، وهي الأساس في دخول الجنة والحصول على رضى الله والنجاة من عذابه: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عمّا أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}.
 
الخطبة الثانية
 
عباد الله.. اتقوا الله في كل أموركم، فيما تسمعون وتتكلمون، ولا سيما أن الأوضاع المتطورة على مستوى الأوضاع المخابراتية في العالم تحاول أن تلتقط ما نتكلم به من أجل أن تستفيد منه في إثارة الفتنة بين الناس وتوجيههم إلى إسقاط من يريدون إسقاطه، ورفع من يريدون رفعه، من دون وجه حق، ونلاحظ أن المخابرات الدولية تعمل على صناعة الأكاذيب على مستوى المعلومات والأخبار والتحليلات السياسية والدينية والاجتماعية مما يثير المشاكل بين الناس، لأنهم إذا لم يفكروا فيما يسمعون أو يقرأون، فإنهم سوف يستثارون بذلك ويتحركون في الفتنة التي تثير الحساسيات والعصبيات.

وعلينا أن نعرف أن أجهزة المخابرات المتنوعة تملك مراكز للدراسات، تدرس الخلافات الدينية بين المسلمين والمسيحيين، أو بين المسلمين أنفسهم وبين المذاهب أنفسها، والخلافات القومية بين العرب والأكراد والفرس والتركمان، وما أشبه ذلك من عصبيات عائلية وعشائرية وحزبية، ليصنعوا من خلال ذلك الكثير من العوامل التي تثير الفتنة والعصبية، حتى يكون بأسنا بيننا شديداً ونسقط في معاركنا الداخلية قبل أن ننطلق إلى المعركة الخارجية، لذلك لا بد أن نكون الأمة الواعية التي لا تلتقط كل ما يُلقى إليها.. وعلينا أن نعرف كيف تتحرك هذه الخطط الخارجية ضد الإسلام والمسلمين، فماذا هناك في هذا الأسبوع؟

تعامي دولي عن الحقائق

لا تزال العقوبات الجماعية للمدنيين الفلسطينيين تتحرك في الساحة الفلسطينية، في محاصرة المدن والقرى والمخيّمات، وفي اعتقال العشرات منهم، وفي إطلاق الرصاص على الأطفال، وفي توسيع منطقة الاحتلال بشكل متحرّك، من دون استنكار أمريكي أو أوروبي أو روسي أو عربي، في الوقت الذي نجد فيه كل هؤلاء يستنكرون العمليات الدفاعية التي يقوم بها الفلسطينيون بطريقة استشهادية أو عسكرية ضد الاحتلال، من دون أن يدقق هؤلاء في صحة المعلومات، كما حدث في عملية الخليل..

ولم تخرج عن هذا السياق اللجنة الرباعية، التي لم تضع في حسابها مسألة الاحتلال والأعمال الإسرائيلية الوحشية التي تستتبع كل ردود الفعل الفلسطينية، بل إنها تنظر بعين واحدة لتحكم على رجال الانتفاضة بالإرهاب، تماماً كما لو كانت القضية قضية عادية لا تدخل في نطاق الحرب..

إعلان التعبئة ضرورة عربية وإسلامية

أما الشعب الفلسطيني فقد قرر الاستمرار في انتفاضته، باعتبارها الخيار الوحيد للوصول إلى حريته واستقلاله، بعيداً عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي تلتقي فيها الأكثرية اليهودية مع العنصرية النازية التي تقف ضد حق تقرير المصير للفلسطينيين..

وإننا أمام هذا الواقع، وبمناسبة يوم القدس، ندعو إلى تعبئة العالم العربي والإسلامي لإنتاج الموقف الجديد الذي يخطط لتأكيد المواجهة الشاملة للاحتلال الصهيوني، لأن القدس ليست مدينة في الحساب الجغرافي، بل هي منطقة عربية إسلامية في حسابات القضية الكبرى المقدّسة في الصراع ضد الصهيونية والاستكبار العالمي، ولا سيما الأمريكي الذي التزم الخطة الإسرائيلية في السيطرة على فلسطين كلها بشكل مباشر، وعلى المنطقة بشكل غير مباشر، من خلال التحالف الأمريكي ـ الصهيوني الاستراتيجي الذي يعمل على مصادرة كل الواقع العربي والإسلامي لاستعادة الاستعمار بشكلٍ جديد مختلف عن الاستعمار القديم، ولكنه أخطر منه..

إن الأخطار المحيطة بنا تمثّل وضعاً خطيراً على مستوى الحاضر والمستقبل، ما يفرض علينا الاستعداد بالتخطيط للوحدة على جميع المستويات، ولتجديد كل عناصر القوة في واقعنا، ومعالجة كل عناصر الضعف فيه.. وهذا هو وحي القدس، لأن هذا اليوم ليس مجرد مناسبة للهتاف والانفعال والمواقف الحماسية، ولكنه موقف للحركة، وتخطيط للمواجهة، وتأكيد للإرادة، ليخرج هذا اليوم من الدائرة الضيّقة للزمن، ليكون في حجم الزمن كله.

دعوة لسحب الأموال من المصارف الأمريكية

وفي جانب آخر، فقد أصدر الرئيس الأمريكي قراراً يبيح للأمريكيين الذين تعرّضوا للعنف أو كانوا من ضحايا هذه الدولة أو تلك ـ بحسب التعبير الأمريكي ـ أن يأخذوا حقوقهم من أموال هذه الدول المجمّدة في أمريكا.. والسؤال ـ باللغة القانونية ـ إذا كان العنف قد انطلق من خلال أفراد أو منظمات تسمّى إرهابية في هذه الدولة أو تلك ـ بحسب الاتهام الأمريكي ـ فما ذنب الشعوب التي تملك هذه الأموال، وكيف يضمن المتَّهمون العدالة في القضاء الأمريكي الذي تحوّل إلى قضاء خاضع لتدخّلات الإدارة الأمريكية، التي تصدر في كل يوم قانوناً جديداً يشرّع لمصادرة أموال الناس أو تجميدها، كما يحدث لأموال الجمعيات الإسلامية الخيرية التي لا علاقة لها بما تسمّيه أمريكا الإرهاب من قريب أو بعيد؟!

وإننا نسأل الرئيس الأمريكي: هل يسمح للفلسطينيين أو اللبنانيين الذي عاشوا المعاناة من العنف الإسرائيلي، ولا سيما ضحايا مجزرتي "قانا" و"جنين"، أن يطالبوا بتعويضهم من الأرصدة الإسرائيلية الموجودة في أمريكا؟؟ وهل تقبل أمريكا أن تعاملها الدول الأخرى بنفس القانون لضحايا العنف الأمريكي الذي قام به الجنود الأمريكيون من جرائم الحرب، بالإضافة إلى ضحايا المتفجّرات التي زرعتها المخابرات الأمريكية في أكثر من مكان في العالم، ولا سيما متفجّرة "بئر العبد"؟؟

إننا ـ وأمام هذا القرار الأمريكي الجديد ـ ندعو الدول العربية والإسلامية وأصحاب رؤوس الأموال من العرب والمسلمين إلى سحب أموالهم من المصارف أو الشركات الأمريكية، لأن أمريكا ـ بحسب قانونها الحالي وربما المستقبلي ـ لم تعد أمينة على أموال الناس، فهي تسرق الأموال العربية والإسلامية ولكن بطريقة تدّعي أنها قانونية.

لبنان: دراسة دقيقة للمعالجات

أما في لبنان، فإننا ندعو الجميع إلى الأخذ بمنطق العقل والمسؤولية والحسابات الدقيقة للأوضاع المالية وللمشاكل الاقتصادية، بعيداً عن عملية التجاذب والتنافس السياسي بما قد يُدخل الناس في دوّامة الضجيج الاستهلاكي الإعلامي، بحيث يدخلون من خلال ذلك في المتاهات الضائعة..

كما ندعو المسؤولين إلى أن يقدّموا للشعب الوضوح الكامل في أرقام الموازنة، وفي طبيعة المديونية، وفي نتائج الخصخصة.. وندعوهم إلى أن يعالجوا المشاكل الإنسانية التي يعيشها المعلّمون في أوضاعهم الصعبة التي لا تتناسب مع خدماتهم الكبيرة للأجيال، وأن يدخلوا في الحوار الجاد مع نقابتهم لإيجاد الحلول الواقعية التي تمنح الحقوق لأصحابها من دون أن تُسقط إمكانات الدولة..

ونضيف إلى ذلك، الدعوة إلى دراسة دقيقة لقوانين الضرائب المتحرّكة المباشرة وغير المباشرة، من خلال مقارنتها بالمأزق الاقتصادي للمواطنين الذين لا يجدون أية فرصة لتلبية حاجاتهم الضرورية، فكيف يمكنهم تلبية الجشع الضرائبي الذي يأكل كل مداخيلهم، لا سيما في المرحلة التي يقترب فيها البلد من حافة الانهيار..

إننا بحاجة إلى العقول التي تفكّر بمسؤولية، وإلى القلوب التي تنبض بمحبة، وإلى الحوار الذي ينفتح على المواطنية ولا ينغلق في الدوائر المذهبية والطائفية والشخصانية..

لنتعلم صناعة الفرح

وفي الختام، إننا نريد للجميع أن يستقبلوا العيد بروحية الفرح، لا أن يشوّهوا وجهه الجميل بملامح القبح، وأن يحرّكوه في أجواء صرخات الجائعين، لنتعلّم صناعة الفرح، فقد تعبنا من صناعة الحزن، حتى أصبحنا نردد مع القائل:
يفرح هذا الورى بعيدهم *  ونحن أعيادنا مآتمنا

علينا أن نقصر أسماعنا على ما هو حلال
 
 
الموسيقى والغناء بين التحليل والتحريم

من بين فقرات خطبة النبي (ص) التي استقبل بها شهر رمضان المبارك أنه قال: "وغضّوا عمّا لا يحلّ الاستماع إليه أسماعكم"، إذ يؤكد النبي(ص) في هذه الكلمة أن هناك من الأمور المسموعة ما لا يحل للإنسان أن يستمع إليه، لأنه يؤثر تأثيراً سلبياً عليه وعلى المجتمع.

ومن الأمور التي يحرم على الإنسان الاستماع إليها، لتأثيرها السلبي عليه من الناحية الأخلاقية، الموسيقى التي تثير الغرائز والشهوات، بحيث تخلق في مشاعر الإنسان وأحاسيسه حالة الرغبة المحرّمة بطريقة وبأخرى، وذلك بحسب طبيعة الموسيقى، حتى لو كان بعض الناس لا يتأثّر بها بشكل مباشر، ولكن الملحوظ في المسألة هو طبيعة اللحن، أو الموسيقى العنيفة التي تحطّم الأعصاب وتؤدي إلى ضرر على طبيعة توازنه النفسي.

فهذان النوعان من الموسيقى هما ما يحرم على الإنسان استماعه، أما الموسيقى التي تتضمّن إيحاءات روحية ونفسية توحي للنفس بما يسمو بها ويرتفع، أو الموسيقى الحماسية التي تثير الناس نحو القضايا المهمة في حالات التحدي ضد الأعداء، فهذه ليست محرّمة في رأينا ورأي الكثيرين من العلماء.

وهكذا بالنسبة إلى الغناء، وهو الكلام الذي يتحرَّك مع الموسيقى، فتارة يكون مضمون الغناء مخالفاً للحقّ، كما في الكلمات التي تثير الغرائز والشهوات في تأثيرها من خلال اللحن الذي يعمّق هذه المعاني الغريزية في داخل إحساس الإنسان وشعوره، أو الكلمات التي تتضمن عقائد باطلة أو مدحاً لظالم ومستكبر، أو تأييداً لخط من خطوط الظلم والاستكبار في المجتمع، أو لمدح وذم من لا يستحق المدح أو الذم، وما إلى ذلك مما يربط المسألة بالباطل ويُضعف الحق، فإن ذلك محرّم، لأن الله تعالى يقول: {واجتنبوا قول الزور}، وفُسّرت كلمة قول الزور بالغناء، والمقصود قول الباطل، وقد ورد في تفسير قوله تعالى: {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضلّ عن سبيل الله} بأن منه الغناء، وهو الحديث الذي يؤدي إلى إضلال الإنسان.

أما الغناء المشتمل على كلام حق، كما في مناجاة الله تعالى، أو في مدح النبي (ص) والأئمة (ع)، أو في التعبير عن القضايا المهمة في حياة الأمة، كما في الكلمات التي تتحدث عن الجهاد والحرية والحنين إلى الأهل والأوطان وعن وصف الطبيعة في جمالاتها وما إلى ذلك، فهذا ليس محرّماً، لأنه ليس كلام باطل، فعلى الناس أن تميّز بين ما هو حق وبين ما هو باطل، لأن الله تعالى عندما يحرّم شيئاً فإنه ينطلق من مصلحة الإنسان، لأن الله يريد له أن يتمتع بروحية ونفسية ومشاعر وأحاسيس نظيفة متوازنة، ونحن نعرف أن الموسيقى تدخل إلى إحساس الإنسان وشعوره، فتترك فيه الكثير من المؤثرات السلبية تارة أو الإيجابية أخرى بشكل غير اختياري، بحيث يهتز من غير أن يعرف لماذا اهتز، والله تعالى لا يريد للإنسان أن يخضع لأي عناصر غير اختيارية في مؤثراته النفسية أو العملية في هذا المجال، لأن الله يريد للإنسان أن تكون أخلاقيته متوازنة لا تتأثّر بالأمور الشعورية العاطفية التي تنفذ إليه بدون اختيار.

الغيبة من الكبائر

هذا جانب، والجانب الثاني مما لا يحلّ الاستماع إليه هو جانب الغيبة، فنحن نعرف أن الغيبة محرّمة، وهي من الكبائر التي يستحقُّ عليها الإنسان دخول النار، وقد ورد في بعض الأحاديث أن السامع هو أحد المغتابَين، إلا أن يمنع غيبة هذا الإنسان أو ينسحب من المجلس.

ومن الأمور التي أكد عليها القرآن الكريم، أن الإنسان إذا كان في مجلس من المجالس، وتحدث الناس بما يتنافى مع المنهج الإسلامي، كما إذا كان حديث سخرية بالله تعالى وآياته أو استهزاءً بها، أو غيبة لمؤمن أو تهجّماً على شخصية إسلامية أو إيمانية، فعلى الإنسان إذا كان قادراً على الردّ أن يرد، أما إذا لم يكن قادراً على الرد فعليه أن ينسحب، وإذا لم ينسحب فإن حكمه حكم المنافق، يقول تعالى في سورة النساء: {وقد نزّل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها ـ وآيات الله هي كل ما يرتبط بالله تعالى من رسله ورسالاته وكتبه وأحكامه ومن السائرين على خطه ـ فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً}.

والسرّ في هذا الموضوع هو أن الإنسان إذا حضر في مجلس يُتهجّم فيه على الله ورسله وأوليائه وشرائعه ويسكت، فإن السكوت بحسب الانطباع الاجتماعي علامة الرضى، ومعنى ذلك أنه منسجم مع الجوّ، ولذلك إذا لم تكن قادراً على ردّ التهجم على النبي (ص) أو غيبة العلماء والأولياء، فعليك أن تنسحب، وهذا موجود حتى في الأعراف الدبلوماسية، فلو كان هناك احتفال يحضره سفير أو قائم بأعمال يمثل دولة ما، وانطلق أحد الخطباء لمهاجمة هذه الدولة، فالمطلوب من هذا السفير الذي يمثل دولته أن ينسحب، لأنه بحسب العرف الدبلوماسي فإن السفير لا يستطيع أن يرد، ولكن عليه أن ينسحب حتى يُعلن احتجاجه وعدم رضاه في التهجّم على دولته، وإلا فإنه يعاقب من قبل دولته.

الإعراض عن اللغو والتهجم

النقطة الثانية في هذا الموضوع هي أن الناس الذين يأخذون حريتهم في التهجّم على الإسلام وأهله، ولا يجدون اعتراضاً واحتجاجاً من الناس، فإنهم يتشجّعون على ذلك، وسوف يزداد التهجم في هذا الاتجاه، فمقتضى النهي عن المنكر أنه "من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده، فمن لم يستطع فبلسانه، فمن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان"، والإنكار بالقلب هو إظهار عدم الرضى بشكل سلمي وهو الانسحاب.

ومن الأمور التي نبّه عليها القرآن الكريم في صفات المؤمنين إذا سمعوا اللغو، واللغو هو الكلام الذي لا فائدة فيه، أو الكلام الذي يتحرك في خط الإساءة للناس وللقضايا الحيوية في المجتمع، يقول تعالى: {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ـ لم يقبلوا عليه بل أظهروا الإعراض عنه ولم يتجاوبوا معه ـ وقالوا لنا أعمالكم ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين}. ومن بين الصفات التي وصف الله تعالى فيها اليهود في زمن النبي (ص): {سمّاعون للكذب سمّاعون لقوم آخرين}، عندما تجلس مع من يتحدث بالأحاديث الكاذبة، عليك أن تعرض عنه حتى لا تشجعه على الاستمرار في كذبه، لا سيما إذا كانت الأكاذيب من الأمور التي تجذب الناس، بحيث يتأثرون بها ويسقطون تحت تأثيرها، {سمّاعون لقوم آخرين}، ممن لا يطلبون الحقيقة فيما يأخذون به من الكلام، بل يستمعون إلى قول هذا وقول ذاك، من دون ارتكاز على الحقيقة.

القرآن يدحض مزاعم الأفاكين

ومن الأمور التي عاشها مجتمع النبي (ص) وكانت تتصل ببيته وحياته الخاصة، والتي قد تكون محلّ ابتلائنا في كثير من الحالات، هي حادثة تسمى حادثة الإفك، حيث أن بعض زوجات النبي (ص) اتُهمت من خلال بعض المنافقين بالزنى، وقد حاصرت هذه الإشاعة بيت النبي (ص) وبدأ الناس يتحدثون ويدلون بآرائهم، لا سيما أنه عندما تتهم امرأة ـ وخصوصاً إذا كان لها موقع في مجتمعها ـ فإن هذه التهمة تستثير الناس، وكانوا يسألون النبي(ص): ما الرأي؟ وكان (ص) يقول: "أنتظر أمر ربي"، ونزلت آيات الإفك في سورة النور، وفي بعض هذه الآيات توجيه للمسلمين إذا سمعوا أمراً من هذا القبيل كيف يتصرفون، يقول تعالى: {إن الذين جاءوا بالإفك ـ وهو أقبح الكذب وأفحشه ـ عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم ـ لأنه سوف يوضّح الحقائق ويركز الأسس الشرعية في مثل هذه الحالات ـ لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولّى كبره منهم له عذاب عظيم ـ وهو الشخص الذي أثار الإشاعة ورتّبها ـ لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً ـ يحملون على الخير ولا يصدّقون هذا الخبر بمجرد سماعه ـ وقالوا هذا إفك مبين ـ هذا كذب واضح، لأن الإنسان عندما يدّعي دعوى لا بدّ أن يأتي ببيّنة عليها ـ لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء ـ على أن يكونوا من المؤمنين العدول، بحيث يكونون قد شاهدوا هذا الفعل بتفاصيله الدقيقة ـ فإذا لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون * ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسّكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيّناً وهو عند الله عظيم * ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم * يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً إن كنتم مؤمنين * ويبيّن الله لكم الآيات والله عليم حكيم * إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون}.؟!

التقوى طريق إلى الجنة

ومن خلال هذا التوجيه القرآني النبوي، فإن القضية لا تقتصر على الإشاعات التي تنطلق بالزنى أو غيرها، بل تشمل كل الإشاعات التي تتعرض لكرامات الأشخاص وأوضاعهم، لا سيما إذا كانوا من المؤمنين الصالحين والعلماء المجاهدين، فإن العقوبة تعظم كلما عظمت مكانة الشخص، وعظم الكذب الذي يُنسب إليه.

هذا ما يريدنا الله تعالى ورسوله (ص) أن نلتزم به، لكي نحصل على التقوى التي هي الأساس في قبول الصوم، وهي الأساس في دخول الجنة والحصول على رضى الله والنجاة من عذابه: {يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم * يوم ترونها تذهل كل مرضعة عمّا أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد}.
 
الخطبة الثانية
 
عباد الله.. اتقوا الله في كل أموركم، فيما تسمعون وتتكلمون، ولا سيما أن الأوضاع المتطورة على مستوى الأوضاع المخابراتية في العالم تحاول أن تلتقط ما نتكلم به من أجل أن تستفيد منه في إثارة الفتنة بين الناس وتوجيههم إلى إسقاط من يريدون إسقاطه، ورفع من يريدون رفعه، من دون وجه حق، ونلاحظ أن المخابرات الدولية تعمل على صناعة الأكاذيب على مستوى المعلومات والأخبار والتحليلات السياسية والدينية والاجتماعية مما يثير المشاكل بين الناس، لأنهم إذا لم يفكروا فيما يسمعون أو يقرأون، فإنهم سوف يستثارون بذلك ويتحركون في الفتنة التي تثير الحساسيات والعصبيات.

وعلينا أن نعرف أن أجهزة المخابرات المتنوعة تملك مراكز للدراسات، تدرس الخلافات الدينية بين المسلمين والمسيحيين، أو بين المسلمين أنفسهم وبين المذاهب أنفسها، والخلافات القومية بين العرب والأكراد والفرس والتركمان، وما أشبه ذلك من عصبيات عائلية وعشائرية وحزبية، ليصنعوا من خلال ذلك الكثير من العوامل التي تثير الفتنة والعصبية، حتى يكون بأسنا بيننا شديداً ونسقط في معاركنا الداخلية قبل أن ننطلق إلى المعركة الخارجية، لذلك لا بد أن نكون الأمة الواعية التي لا تلتقط كل ما يُلقى إليها.. وعلينا أن نعرف كيف تتحرك هذه الخطط الخارجية ضد الإسلام والمسلمين، فماذا هناك في هذا الأسبوع؟

تعامي دولي عن الحقائق

لا تزال العقوبات الجماعية للمدنيين الفلسطينيين تتحرك في الساحة الفلسطينية، في محاصرة المدن والقرى والمخيّمات، وفي اعتقال العشرات منهم، وفي إطلاق الرصاص على الأطفال، وفي توسيع منطقة الاحتلال بشكل متحرّك، من دون استنكار أمريكي أو أوروبي أو روسي أو عربي، في الوقت الذي نجد فيه كل هؤلاء يستنكرون العمليات الدفاعية التي يقوم بها الفلسطينيون بطريقة استشهادية أو عسكرية ضد الاحتلال، من دون أن يدقق هؤلاء في صحة المعلومات، كما حدث في عملية الخليل..

ولم تخرج عن هذا السياق اللجنة الرباعية، التي لم تضع في حسابها مسألة الاحتلال والأعمال الإسرائيلية الوحشية التي تستتبع كل ردود الفعل الفلسطينية، بل إنها تنظر بعين واحدة لتحكم على رجال الانتفاضة بالإرهاب، تماماً كما لو كانت القضية قضية عادية لا تدخل في نطاق الحرب..

إعلان التعبئة ضرورة عربية وإسلامية

أما الشعب الفلسطيني فقد قرر الاستمرار في انتفاضته، باعتبارها الخيار الوحيد للوصول إلى حريته واستقلاله، بعيداً عن نتائج الانتخابات الإسرائيلية التي تلتقي فيها الأكثرية اليهودية مع العنصرية النازية التي تقف ضد حق تقرير المصير للفلسطينيين..

وإننا أمام هذا الواقع، وبمناسبة يوم القدس، ندعو إلى تعبئة العالم العربي والإسلامي لإنتاج الموقف الجديد الذي يخطط لتأكيد المواجهة الشاملة للاحتلال الصهيوني، لأن القدس ليست مدينة في الحساب الجغرافي، بل هي منطقة عربية إسلامية في حسابات القضية الكبرى المقدّسة في الصراع ضد الصهيونية والاستكبار العالمي، ولا سيما الأمريكي الذي التزم الخطة الإسرائيلية في السيطرة على فلسطين كلها بشكل مباشر، وعلى المنطقة بشكل غير مباشر، من خلال التحالف الأمريكي ـ الصهيوني الاستراتيجي الذي يعمل على مصادرة كل الواقع العربي والإسلامي لاستعادة الاستعمار بشكلٍ جديد مختلف عن الاستعمار القديم، ولكنه أخطر منه..

إن الأخطار المحيطة بنا تمثّل وضعاً خطيراً على مستوى الحاضر والمستقبل، ما يفرض علينا الاستعداد بالتخطيط للوحدة على جميع المستويات، ولتجديد كل عناصر القوة في واقعنا، ومعالجة كل عناصر الضعف فيه.. وهذا هو وحي القدس، لأن هذا اليوم ليس مجرد مناسبة للهتاف والانفعال والمواقف الحماسية، ولكنه موقف للحركة، وتخطيط للمواجهة، وتأكيد للإرادة، ليخرج هذا اليوم من الدائرة الضيّقة للزمن، ليكون في حجم الزمن كله.

دعوة لسحب الأموال من المصارف الأمريكية

وفي جانب آخر، فقد أصدر الرئيس الأمريكي قراراً يبيح للأمريكيين الذين تعرّضوا للعنف أو كانوا من ضحايا هذه الدولة أو تلك ـ بحسب التعبير الأمريكي ـ أن يأخذوا حقوقهم من أموال هذه الدول المجمّدة في أمريكا.. والسؤال ـ باللغة القانونية ـ إذا كان العنف قد انطلق من خلال أفراد أو منظمات تسمّى إرهابية في هذه الدولة أو تلك ـ بحسب الاتهام الأمريكي ـ فما ذنب الشعوب التي تملك هذه الأموال، وكيف يضمن المتَّهمون العدالة في القضاء الأمريكي الذي تحوّل إلى قضاء خاضع لتدخّلات الإدارة الأمريكية، التي تصدر في كل يوم قانوناً جديداً يشرّع لمصادرة أموال الناس أو تجميدها، كما يحدث لأموال الجمعيات الإسلامية الخيرية التي لا علاقة لها بما تسمّيه أمريكا الإرهاب من قريب أو بعيد؟!

وإننا نسأل الرئيس الأمريكي: هل يسمح للفلسطينيين أو اللبنانيين الذي عاشوا المعاناة من العنف الإسرائيلي، ولا سيما ضحايا مجزرتي "قانا" و"جنين"، أن يطالبوا بتعويضهم من الأرصدة الإسرائيلية الموجودة في أمريكا؟؟ وهل تقبل أمريكا أن تعاملها الدول الأخرى بنفس القانون لضحايا العنف الأمريكي الذي قام به الجنود الأمريكيون من جرائم الحرب، بالإضافة إلى ضحايا المتفجّرات التي زرعتها المخابرات الأمريكية في أكثر من مكان في العالم، ولا سيما متفجّرة "بئر العبد"؟؟

إننا ـ وأمام هذا القرار الأمريكي الجديد ـ ندعو الدول العربية والإسلامية وأصحاب رؤوس الأموال من العرب والمسلمين إلى سحب أموالهم من المصارف أو الشركات الأمريكية، لأن أمريكا ـ بحسب قانونها الحالي وربما المستقبلي ـ لم تعد أمينة على أموال الناس، فهي تسرق الأموال العربية والإسلامية ولكن بطريقة تدّعي أنها قانونية.

لبنان: دراسة دقيقة للمعالجات

أما في لبنان، فإننا ندعو الجميع إلى الأخذ بمنطق العقل والمسؤولية والحسابات الدقيقة للأوضاع المالية وللمشاكل الاقتصادية، بعيداً عن عملية التجاذب والتنافس السياسي بما قد يُدخل الناس في دوّامة الضجيج الاستهلاكي الإعلامي، بحيث يدخلون من خلال ذلك في المتاهات الضائعة..

كما ندعو المسؤولين إلى أن يقدّموا للشعب الوضوح الكامل في أرقام الموازنة، وفي طبيعة المديونية، وفي نتائج الخصخصة.. وندعوهم إلى أن يعالجوا المشاكل الإنسانية التي يعيشها المعلّمون في أوضاعهم الصعبة التي لا تتناسب مع خدماتهم الكبيرة للأجيال، وأن يدخلوا في الحوار الجاد مع نقابتهم لإيجاد الحلول الواقعية التي تمنح الحقوق لأصحابها من دون أن تُسقط إمكانات الدولة..

ونضيف إلى ذلك، الدعوة إلى دراسة دقيقة لقوانين الضرائب المتحرّكة المباشرة وغير المباشرة، من خلال مقارنتها بالمأزق الاقتصادي للمواطنين الذين لا يجدون أية فرصة لتلبية حاجاتهم الضرورية، فكيف يمكنهم تلبية الجشع الضرائبي الذي يأكل كل مداخيلهم، لا سيما في المرحلة التي يقترب فيها البلد من حافة الانهيار..

إننا بحاجة إلى العقول التي تفكّر بمسؤولية، وإلى القلوب التي تنبض بمحبة، وإلى الحوار الذي ينفتح على المواطنية ولا ينغلق في الدوائر المذهبية والطائفية والشخصانية..

لنتعلم صناعة الفرح

وفي الختام، إننا نريد للجميع أن يستقبلوا العيد بروحية الفرح، لا أن يشوّهوا وجهه الجميل بملامح القبح، وأن يحرّكوه في أجواء صرخات الجائعين، لنتعلّم صناعة الفرح، فقد تعبنا من صناعة الحزن، حتى أصبحنا نردد مع القائل:
يفرح هذا الورى بعيدهم *  ونحن أعيادنا مآتمنا

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير