لنجعل حياتنا كلها شهر رمضان في طاعة الله ورضاه

لنجعل حياتنا كلها شهر رمضان في طاعة الله ورضاه

في الاستعداد لوداع شهر المجاهدة والعمل:
لنجعل حياتنا كلها شهر رمضان في طاعة الله ورضاه


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

إننا نستعد لوداع شهر رمضان المبارك في هذين اليومين، لأننا سوف نلتقي بعيد الفطر المبارك يوم الأحد القادم، لأنه لا يمكن رؤية الهلال الليلة في كل أنحاء العالم، بحسب الحسابات الدقيقة من قبل أهل الخبرة من الفلكيين، ولذلك فإن يوم السبت يُعتبر هو اليوم المتمِّم لشهر رمضان، ويكون الشهر عندنا تاماً، لأنّ أولـه كان الجمعة، ونلتقي بالعيد المبارك يوم الأحد.

شهر الطاعة والجهاد

ونحن في هذه الرحلة التي قطعناها في شهر رمضان، بين صيام وقيام ودعاء وابتهال وحساب للنفس، في كل ما عاشه الإنسان في تاريخه، مما عصى الله تعالى فيه أو أطاعه، وفي كل عزم على تجديد إسلامه والتزامه وتقواه في ما يستقبله من حياته، لا بد لنا أن نقف لدراسة ما حصلنا عليه في هذا الشهر، وقد جاء في حديث الإمام عليّ (ع): "إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وقيامه ـ فهو عيد القيام بالمسؤولية، ونحن نحتفل بيوم العيد لأننا أطعنا الله في هذا الشهر ـ وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد"، حيث يستطيع الإنسان المؤمن أن يجعل كل أيام السنة أعياداً.

وهذا هو ما يُعبَّر عنه بالجهاد، لأن الجهاد لا يقتصر على جهاد الأعداء، بل يمتد إلى جهاد النفس وتوجيهها إلى ما أراده الله منها في العبادة وفي الطاعة، وقد وردت الأحاديث المتنوعة في الكتاب والسنّة في هذا المجال، مما لا بد لنا أن نعيشه في كل حياتنا، لأن المسألة هي أننا راحلون إلى الله: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه}، نحن الكادحون والعمّال الذين أراد الله لنا أن نحوّل كل العمر إلى ورشة عمل، وذلك بالقيام بما أمرنا الله به، والاجتناب عما نهانا عنه. هذه هي المهمة التي أوكلها الله إلينا في كل جوانب حياتنا، وقد ورد أن "الدنيا مزرعة الآخرة"، إنك في الدنيا تزرع ما شئت مما تريد أن تجنيه للآخرة، فإن زرعت خيراً حصدت خيراً، وإن زرعت شراً حصدت شراً، وهذا هو قوله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}.

وهذا ما يحتاج الإنسان إلى أن يتعمّق في التفكير فيه، لأن المشكلة في حياتنا الاجتماعية أننا مشغولون بالآخرين ولسنا مشغولين بأنفسنا، نحن نتحدث عن الآخرين: فلان يدخل الجنة وفلان يدخل النار وما إلى ذلك، أما هل إن الله راضٍ عنا أو أنه ليس راضياً، فكم مرة نفكر بها في اليوم؟ في العشر الأواخر من شهر رمضان نقرأ: "اللهمّ إنّي أسألك إن كنت رضيت عني في هذا الشهر أن تزيدني في ما بقي من عمري رضى، وإن كنت لم ترض عني في هذا الشهر فمن الآن فارضَ عني"، فعلى الإنسان أن يفكر هل أن الله راضٍ عنه أو أنه ليس راضياً، وذلك بدراسة كل أعماله وأقواله، ومحاولة تصحيح ما فسد من عمله والاستزادة مما صلح منه.

الاجتهاد في طاعة الله

ولنقرأ بعض النصوص التي تتحدث عن جهاد النفس الذي هو الجهاد الأكبر... يقول تعالى: {والذين جاهدوا فينا ـ بمعنى أنهم خطّطوا لأن يجاهدوا أنفسهم فيخضعوها لطاعة الله تعالى، وإذا عرف الله منّا أننا نجاهد أنفسنا فنحاسبها ونراقبها ونرصدها من أجل أن نصححها ونجعلها مطيعة لله، فإن الله سوف يزيدنا من ذلك ـ لنهدينّهم سبلنا ـ يدلنا على الطرق التي تؤدي بنا إليه ـ وإن الله لمن المحسنين". ويقول تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده}، {من جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين}، {ومن تزكّى فإنما يتزكّى لنفسه}.

وفي الأحاديث التي توجّه الإنسان إلى طاعة الله ومجاهدة النفس، في رواية عن الإمام الصادق(ع) يقول: "أعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته ـ وطاعة الله هي عنوان للإتيان بما أمر والاجتناب عمّا نهى ـ فإن الله لا يُدرك شيء من الخير عنده إلا بطاعته واجتناب محارمه"، فإذا أردت أن تحصل من الله على كلِّ ما يحقِّق لك النجاة ويرفع درجتك عنده، فعليك بالطاعة، وهذا أمر ورد على لسان رسول الله(ص) في آخر حياته عندما قال: "أيها الناس، لا يدّعي مدعٍ، ولا يتمنّى متمنٍ، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، لا ينجي إلا عمل مع رحمة، ولو عصيت لهويت"، وهذا ما نقرأه في القرآن الكريم عندما كان النبي(ص) يخاطب الناس الذين كانوا يريدون له أن يسير على خطهم: {قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم}.

ويقول الإمام الصادق (ع): "اعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه ملك مقرّب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك أقلّ من خلقه كلهم إلا طاعتهم له، فاجتهدوا في طاعة الله"، ويقول الإمام عليّ (ع): "عليكم بالجدّ والاجتهاد ـ لا تعيشوا الحياة على أساس العبث واللامبالاة ـ والتأهّب ـ لما تقبلون عليه ـ والاستعداد والتزوّد في منزل الزاد، ولا تغرنّكم الحياة الدنيا كما غرّت من كان قبلكم من الأمم الماضية والقرون الخالية"، الناس الذين كانوا قبلنا كانت لهم أحلامهم وأطماعهم وأهواؤهم، فأين صاروا؟ وسنصير إلى ما صاروا إليه.

وفي الحديث عن رسول الله (ص): "أفضل الجهاد من أصبح لا يهمّ بظلم أحد"، فأفضل ما تعيشه في علاقتك بالآخرين، هو أن لا تفكر في ظلم أيّ إنسان، والظلم هو أن تمنع الناس من حقهم، فعليك أن تعرف حقوق الناس لتعطي كلَّ ذي حق حقه. ويقول الإمام عليّ(ع): "جاهد في الله حق جهاده ولا تأخذك في الله لومة لائم"، قف مع الحق الذي يريد الله منك أن تقف معه ولو كان الناس كلهم ضدك، لا تفكر بملامة الناس لك، بل فكّر في رضى الله وضميرك وقناعتك، فالإمام (ع) يطلب منا أن نقتدي به، فقد عاش مع الحق وما ترك له من صديق، فقد كان "عليّ مع الحق والحق مع عليّ"، ولذلك كنا نقول إن الولاية لعليّ(ع) مكلفة، لأنها تقتضي أن تسير في خطه، وخطه هو الحق، ولذلك كان(ع) يقول: "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفّةٍ وسداد". فعلينا أن نأخذ بالحق ونتحمّل السبّ والشتّم في سبيل ذلك، وقدوتنا في ذلك رسول الله(ص) الذي بقي مصرّاً على دعوته بالرغم من كل الاتهامات، وعليّ (ع) الذي سُبّ سبعين سنة على المنابر، ولكن أين عليّ وأين هؤلاء؟ إن الله تعالى هو الذي يرفع وهو الذي يضع.

ونقرأ عن رسول الله (ص): "أشدُّ الناس اجتهاداً من ترك الذنوب"... وجاء شخص إلى الإمام الباقر(ع) وقال له: إني ضعيف العمل، قليل الصلاة، قليل الصوم، ولكن أرجو أن لا آكل إلا حلالاً، ولا أنكح إلا حلالاً، فقال له الإمام (ع): "وأيّ جهاد أفضل من عفّة بطن وفرج"؟

لذلك، في نهاية هذا الشهر وقد عشنا فيه الكثير من الأعمال، ونسأل الله تعالى أن تكون أعمالنا مقبولة، لكن المهم أن نحتفظ بمداد هذا الشهر، لنمد كل الروحانية التي عشناها، والطاعة التي انطلقنا فيها، والقرب من الله الذي حصلنا عليه، إلى كل أيام السنة، لأن شهر رمضان هو الشهر الذي أراد الله أن يؤكد فيه علاقة الإنسان بربه، لتكون كل حياتنا شهر رمضان، لا في الصوم فحسب، ولكن في طاعة الله، بالإتيان بما أمر به والاجتناب عمّا نهى عنه، وليس كمثل بعض الناس الذي يصوم ويصلي في شهر رمضان، فإذا ذهب الشهر ترك الصلاة.

يوم العيد هو يوم الجوائز التي يقف فيها الإنسان منتظراً "العيدية" من الله، وعيدية الله مغفرته ورحمته ورضوانه، فعلينا أن نستعدَّ لتقبّل جوائز الله تعالى، وكل عام وأنتم بخير.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا الحاضر والمستقبل بكل المسؤولية التي حمّلنا الله إياها في الاهتمام بأمور المسلمين والدفاع عنهم، والمواجهة لكل المستكبرين الذين يعملون على إسقاط المستضعفين، لنمتلك القوة المتنوّعة، ولنحقّق الوحدة والعزيمة والثبات، ولا سيما ونحن نعيش في مرحلة تنطلق كل قوى الشر من أجل إسقاطنا وإبعادنا عن حقوقنا، ولذلك لا بد أن تكون لنا ثقافة ما يحدث من حولنا، والخطة التي نواجه فيها ذلك كله، فماذا هناك:

القيادة التاريخية وثبات الواقع الفلسطيني

يدخل الشعب الفلسطيني مرحلة جديدة يملأها الضباب، لأنه سوف يواجه أوضاعاً صعبة لا عهد له بها على مستوى المؤسسات، ابتداءً من القيادة والسلطة والمنظمة والخطط السياسية والأمنية المنفتحة على واقع متحرك على صعيد المشاريع الدولية، ولا سيما في "خريطة الطريق" التي قام الأمريكيون والصهاينة بتجميدها تحت تأثير الشرط الذي وضعوه في تصفية الانتفاضة أولاً، وعزل القيادة الفلسطينية ثانياً، واعتبروا أنها مسؤولة عن حركة العنف بما في ذلك العمليات الاستشهادية، بحيث ربطوا المسألة السياسية بالمسألة الأمنية لحساب الأمن الصهيوني ضد الأمن الفلسطيني.

لقد كانت هناك قيادة واحدة للفلسطينيين اختصرت في موقعها كل المؤسسات من أجل وحدة القرار الفلسطيني في مواجهة العدو، أما الآن _ وبعد غياب القيادة التاريخية _ فقد تختلف الأمور، وقد تضطرب المواقف، وقد ترتبك المشاريع في تعددية القرارات، إضافةً إلى العلاقة بين الانتفاضة والسلطة، ما قد يعبث فيه العابثون، ويتآمر فيه المتآمرون، ولا سيما بفعل الضغط الأمريكي السياسي والعدوان الصهيوني الأمني، لأن المطلوب ـ أمريكياً وإسرائيلياً ـ هو استسلام الشعب الفلسطيني بسلطته وانتفاضته للعدو، ليؤكد شارون الجزار لليهود أنه استطاع إخضاع المقاومة لخطته، ليفرض على الفلسطينيين كل شروطه في تقديم دولة ممسوخة لا معنى لها حتى في مرحلة المفاوضات...

لقد كان اليهود يتحدثون أنه "ليس هناك شعب فلسطيني في فلسطين"، وأن هؤلاء الناس "لا يملكون أيّ وضع رسمي سابق، لأنه لم تكن هناك دولة فلسطينية، ولذلك فلا حق لهم في الدولة"، وقد أثبت هذا الشعب المقاوم هويّته في وجوده الفاعل وحركته القوية... ويتحدثون _ الآن _ في أمريكا عن دولة فلسطينية، ولكنهم لم يتحدثوا عن طبيعتها وجغرافيتها وهويّتها وقدرتها على الاستقلال والاستقرار، بل تحدثوا عن شرعية الجدار والمستوطنات ومنع عودة اللاجئين، ما يُفقد الدولة معناها...

إننا نريد للشعب الفلسطيني أن يكون هو القائد الذي تخاف منه القيادات، لأنه الشعب الذي يراقب ويحاسب ويرصد، ولا سيما أن المستقبل لا يزال مليئاً بالأخطار الدولية والإقليمية والمحلية، وإذا كان قد فقد قيادته التاريخية التي مهما اختلف الناس حولها، فإن الجميع لا يختلفون في أنها هي التي أكدت ثبات الواقع الفلسطيني في تطلعاته للمستقبل...

إن الشعب الفلسطيني هو الشعب الذي أكد الصمود من خلال معركة التحرير، ولن يسقط أبداً بالرغم من كل المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية، وسوف يؤكد قيادته للتحرير من خلال وحدته الجهادية.

نرفض الاحتلال وندين ممارساته

أما في العراق، فإن الاحتلال يستخدم آخر ما أنتجته المصانع الأمريكية من السلاح ضد المواقع المدنية في الفلوجة وغيرها، باسم الحصول على الإذن من الحكومة المؤقتة وبالتعاون مع القوات العراقية...

إننا ندين هذا الهجوم الذي يسقط فيه المدنيون بشكل هستيري، بمن فيهم الأطفال والشيوخ والنساء، في الوقت الذي ندين كل أعمال القتل والخطف والذبح العشوائي الوحشي التي تطاول الأبرياء في العراق، وتجعل منه ساحة للفوضى والعنف، باعتبار أن الطريقة التي تدار بها الأمور خلقت الكثير من المناخات الأمنية التي تجتاح الواقع كله، من دون أن نجد هناك خطة سياسية واقعية تخلق الظروف السلمية في دراسة دقيقة لمؤثراتها السلبية والإيجابية للمستقبل.

إن للاحتلال سياسته في حربه على الواقع العراقي، من أجل خدمة مصالحه وتحقيق شعاراته في أمريكا لاجتذاب الرأي العام الأمريكي، وللقوات العراقية مسؤوليتها في حماية شعبها ودعم أمنها، فلا مصلحة لها في مشاركة المحتل حربه على الشعب تحت تأثير الحرب ضد ما يسمّونه الإرهاب...

وإذا كنا نستنكر ذلك كله، فإننا نشجب بقوة ما تقوم به الجماعات الطائفية التي تحوّلت إلى قطّاع طرق، حيث تقوم بقتل الناس من طائفة إسلامية معينة بشكل عشوائي، ما جعل المنطقة تأخذ اسم مثلث الموت... إن مثل هذه الأعمال الوحشية، إضافةً إلى بعض الشعارات المذهبية السلبية التي تتحرك من خلال فعل تارة ورد فعل أخرى، سوف تسيء إلى الوحدة الإسلامية من جهة، والوطنية من جهة أخرى، وتمنح الفرصة للاحتلال أن يصل إلى خططه المرسومة في الحرب الأهلية في عنوانها المذهبي، أو في التخطيط لمشاكل دينية من خلال تفجير الكنائس لتهجير المسيحيين...

إننا نقول للعراقيين الأحرار: إن المستقبل يحمل الكثير من الأخطار المحيطة بالمنطقة كلها، وإن العراق أكبر من الأشخاص، وعلى الجميع أن يعملوا لإخراج المحتل بكل الوسائل الواقعية، وأبرزها وحدتهم الداخلية في مواجهة الفتنة ومحاولات التمزيق السياسي والحزبي والمذهبي.

لبنان: تعزيز الصمود

وفي لبنان، وفي يوم القدس الذي يمثل جزءاً من حركة الالتزام بالقضية الفلسطينية، لا بد لنا من الاستمرار في الموقف السياسي على أساس ما تمثله القدس من رمز ديني مقدّس في مسجدها، وفي تنوعاتها الدينية الموحدة في مواجهة الاحتلال، وفي القضية الرمز لمواجهة الاستكبار العالمي، ولا سيما الأمريكي الذي يدعم الصهيونية دعماً مطلقاً... إن على المسلمين والأحرار جميعاً الوقوف بقوة أمام مواجهة العدوان الحالي والمستقبلي على القدس المسجد والمدينة والمنطقة والقضية...

وعلينا في لبنان الذي لا تزال أرضه تحت الاحتلال، أن نواجه العدو بالصمود والتحدي والاستعداد لمواجهة العدوان، ولا سيما بعد تهديده المترافق مع الحشود الجديدة على حدود فلسطين، مع دعوات صهيونية بحرب وقائية ضد المقاومة بعد انتصارها السياسي والإعلامي عبر الطائرة الاستطلاعية... ونتساءل: لماذا بادر مجلس الأمن إلى استنكار طلعة هذه الطائرة واعتبرها خرقاً للخط الأزرق بما لم يبادر به في الطلعات المتتالية اليومية والاختراقات الإسرائيلية في البحر والجو؟!

وأخيراً، إننا نريد للبنان أن يدخل في حوار وطني جديّ حول القضايا السياسية والأمنية والاجتماعية بطريقة واقعية، ونتساءل عن الذين تحدثوا عن محاربة الهدر والفساد، وعن الحرية في هذا الموقع أو ذاك: ماذا فعلوا عندما كانوا في مواقع المسؤولية، وهل كانوا يوافقون على محاسبتهم من قبل الآخرين... بما ينتقدونه في الفريق الآخر؟؟ هل نتحدث عن شعار ضرورة القيام بثورة ضد الواقع السياسي في أكثريته، الذي عاش في مراحل كثيرة في مدرسة الفساد التي كانت ترفض لطلابها إطلاق شعار "من أين لك هذا" أمام الثروات الضخمة التي يملكها دعاة الإصلاح في أكثر من موقع؟!

والسؤال: هل يملك أحد الحل السحري للمشاكل المزمنة، أم أننا نبقى في هذه الدوامة التي يُفسد فيها الجيل القديم أجيالنا الجديدة، الأمر الذي يبقي البلد في أنفاق الفساد ومتاهات الهدر؟

في الاستعداد لوداع شهر المجاهدة والعمل:
لنجعل حياتنا كلها شهر رمضان في طاعة الله ورضاه


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك بحضور حشد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية وجمع غفير من المؤمنين ، ومما جاء في خطبته الأولى :

إننا نستعد لوداع شهر رمضان المبارك في هذين اليومين، لأننا سوف نلتقي بعيد الفطر المبارك يوم الأحد القادم، لأنه لا يمكن رؤية الهلال الليلة في كل أنحاء العالم، بحسب الحسابات الدقيقة من قبل أهل الخبرة من الفلكيين، ولذلك فإن يوم السبت يُعتبر هو اليوم المتمِّم لشهر رمضان، ويكون الشهر عندنا تاماً، لأنّ أولـه كان الجمعة، ونلتقي بالعيد المبارك يوم الأحد.

شهر الطاعة والجهاد

ونحن في هذه الرحلة التي قطعناها في شهر رمضان، بين صيام وقيام ودعاء وابتهال وحساب للنفس، في كل ما عاشه الإنسان في تاريخه، مما عصى الله تعالى فيه أو أطاعه، وفي كل عزم على تجديد إسلامه والتزامه وتقواه في ما يستقبله من حياته، لا بد لنا أن نقف لدراسة ما حصلنا عليه في هذا الشهر، وقد جاء في حديث الإمام عليّ (ع): "إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وقيامه ـ فهو عيد القيام بالمسؤولية، ونحن نحتفل بيوم العيد لأننا أطعنا الله في هذا الشهر ـ وكل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد"، حيث يستطيع الإنسان المؤمن أن يجعل كل أيام السنة أعياداً.

وهذا هو ما يُعبَّر عنه بالجهاد، لأن الجهاد لا يقتصر على جهاد الأعداء، بل يمتد إلى جهاد النفس وتوجيهها إلى ما أراده الله منها في العبادة وفي الطاعة، وقد وردت الأحاديث المتنوعة في الكتاب والسنّة في هذا المجال، مما لا بد لنا أن نعيشه في كل حياتنا، لأن المسألة هي أننا راحلون إلى الله: {يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه}، نحن الكادحون والعمّال الذين أراد الله لنا أن نحوّل كل العمر إلى ورشة عمل، وذلك بالقيام بما أمرنا الله به، والاجتناب عما نهانا عنه. هذه هي المهمة التي أوكلها الله إلينا في كل جوانب حياتنا، وقد ورد أن "الدنيا مزرعة الآخرة"، إنك في الدنيا تزرع ما شئت مما تريد أن تجنيه للآخرة، فإن زرعت خيراً حصدت خيراً، وإن زرعت شراً حصدت شراً، وهذا هو قوله تعالى: {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره}.

وهذا ما يحتاج الإنسان إلى أن يتعمّق في التفكير فيه، لأن المشكلة في حياتنا الاجتماعية أننا مشغولون بالآخرين ولسنا مشغولين بأنفسنا، نحن نتحدث عن الآخرين: فلان يدخل الجنة وفلان يدخل النار وما إلى ذلك، أما هل إن الله راضٍ عنا أو أنه ليس راضياً، فكم مرة نفكر بها في اليوم؟ في العشر الأواخر من شهر رمضان نقرأ: "اللهمّ إنّي أسألك إن كنت رضيت عني في هذا الشهر أن تزيدني في ما بقي من عمري رضى، وإن كنت لم ترض عني في هذا الشهر فمن الآن فارضَ عني"، فعلى الإنسان أن يفكر هل أن الله راضٍ عنه أو أنه ليس راضياً، وذلك بدراسة كل أعماله وأقواله، ومحاولة تصحيح ما فسد من عمله والاستزادة مما صلح منه.

الاجتهاد في طاعة الله

ولنقرأ بعض النصوص التي تتحدث عن جهاد النفس الذي هو الجهاد الأكبر... يقول تعالى: {والذين جاهدوا فينا ـ بمعنى أنهم خطّطوا لأن يجاهدوا أنفسهم فيخضعوها لطاعة الله تعالى، وإذا عرف الله منّا أننا نجاهد أنفسنا فنحاسبها ونراقبها ونرصدها من أجل أن نصححها ونجعلها مطيعة لله، فإن الله سوف يزيدنا من ذلك ـ لنهدينّهم سبلنا ـ يدلنا على الطرق التي تؤدي بنا إليه ـ وإن الله لمن المحسنين". ويقول تعالى: {وجاهدوا في الله حق جهاده}، {من جاهد فإنما يجاهد لنفسه إن الله لغني عن العالمين}، {ومن تزكّى فإنما يتزكّى لنفسه}.

وفي الأحاديث التي توجّه الإنسان إلى طاعة الله ومجاهدة النفس، في رواية عن الإمام الصادق(ع) يقول: "أعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته ـ وطاعة الله هي عنوان للإتيان بما أمر والاجتناب عمّا نهى ـ فإن الله لا يُدرك شيء من الخير عنده إلا بطاعته واجتناب محارمه"، فإذا أردت أن تحصل من الله على كلِّ ما يحقِّق لك النجاة ويرفع درجتك عنده، فعليك بالطاعة، وهذا أمر ورد على لسان رسول الله(ص) في آخر حياته عندما قال: "أيها الناس، لا يدّعي مدعٍ، ولا يتمنّى متمنٍ، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً، لا ينجي إلا عمل مع رحمة، ولو عصيت لهويت"، وهذا ما نقرأه في القرآن الكريم عندما كان النبي(ص) يخاطب الناس الذين كانوا يريدون له أن يسير على خطهم: {قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم}.

ويقول الإمام الصادق (ع): "اعلموا أنه ليس بين الله وبين أحد من خلقه ملك مقرّب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك أقلّ من خلقه كلهم إلا طاعتهم له، فاجتهدوا في طاعة الله"، ويقول الإمام عليّ (ع): "عليكم بالجدّ والاجتهاد ـ لا تعيشوا الحياة على أساس العبث واللامبالاة ـ والتأهّب ـ لما تقبلون عليه ـ والاستعداد والتزوّد في منزل الزاد، ولا تغرنّكم الحياة الدنيا كما غرّت من كان قبلكم من الأمم الماضية والقرون الخالية"، الناس الذين كانوا قبلنا كانت لهم أحلامهم وأطماعهم وأهواؤهم، فأين صاروا؟ وسنصير إلى ما صاروا إليه.

وفي الحديث عن رسول الله (ص): "أفضل الجهاد من أصبح لا يهمّ بظلم أحد"، فأفضل ما تعيشه في علاقتك بالآخرين، هو أن لا تفكر في ظلم أيّ إنسان، والظلم هو أن تمنع الناس من حقهم، فعليك أن تعرف حقوق الناس لتعطي كلَّ ذي حق حقه. ويقول الإمام عليّ(ع): "جاهد في الله حق جهاده ولا تأخذك في الله لومة لائم"، قف مع الحق الذي يريد الله منك أن تقف معه ولو كان الناس كلهم ضدك، لا تفكر بملامة الناس لك، بل فكّر في رضى الله وضميرك وقناعتك، فالإمام (ع) يطلب منا أن نقتدي به، فقد عاش مع الحق وما ترك له من صديق، فقد كان "عليّ مع الحق والحق مع عليّ"، ولذلك كنا نقول إن الولاية لعليّ(ع) مكلفة، لأنها تقتضي أن تسير في خطه، وخطه هو الحق، ولذلك كان(ع) يقول: "ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفّةٍ وسداد". فعلينا أن نأخذ بالحق ونتحمّل السبّ والشتّم في سبيل ذلك، وقدوتنا في ذلك رسول الله(ص) الذي بقي مصرّاً على دعوته بالرغم من كل الاتهامات، وعليّ (ع) الذي سُبّ سبعين سنة على المنابر، ولكن أين عليّ وأين هؤلاء؟ إن الله تعالى هو الذي يرفع وهو الذي يضع.

ونقرأ عن رسول الله (ص): "أشدُّ الناس اجتهاداً من ترك الذنوب"... وجاء شخص إلى الإمام الباقر(ع) وقال له: إني ضعيف العمل، قليل الصلاة، قليل الصوم، ولكن أرجو أن لا آكل إلا حلالاً، ولا أنكح إلا حلالاً، فقال له الإمام (ع): "وأيّ جهاد أفضل من عفّة بطن وفرج"؟

لذلك، في نهاية هذا الشهر وقد عشنا فيه الكثير من الأعمال، ونسأل الله تعالى أن تكون أعمالنا مقبولة، لكن المهم أن نحتفظ بمداد هذا الشهر، لنمد كل الروحانية التي عشناها، والطاعة التي انطلقنا فيها، والقرب من الله الذي حصلنا عليه، إلى كل أيام السنة، لأن شهر رمضان هو الشهر الذي أراد الله أن يؤكد فيه علاقة الإنسان بربه، لتكون كل حياتنا شهر رمضان، لا في الصوم فحسب، ولكن في طاعة الله، بالإتيان بما أمر به والاجتناب عمّا نهى عنه، وليس كمثل بعض الناس الذي يصوم ويصلي في شهر رمضان، فإذا ذهب الشهر ترك الصلاة.

يوم العيد هو يوم الجوائز التي يقف فيها الإنسان منتظراً "العيدية" من الله، وعيدية الله مغفرته ورحمته ورضوانه، فعلينا أن نستعدَّ لتقبّل جوائز الله تعالى، وكل عام وأنتم بخير.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله.. اتقوا الله وواجهوا الحاضر والمستقبل بكل المسؤولية التي حمّلنا الله إياها في الاهتمام بأمور المسلمين والدفاع عنهم، والمواجهة لكل المستكبرين الذين يعملون على إسقاط المستضعفين، لنمتلك القوة المتنوّعة، ولنحقّق الوحدة والعزيمة والثبات، ولا سيما ونحن نعيش في مرحلة تنطلق كل قوى الشر من أجل إسقاطنا وإبعادنا عن حقوقنا، ولذلك لا بد أن تكون لنا ثقافة ما يحدث من حولنا، والخطة التي نواجه فيها ذلك كله، فماذا هناك:

القيادة التاريخية وثبات الواقع الفلسطيني

يدخل الشعب الفلسطيني مرحلة جديدة يملأها الضباب، لأنه سوف يواجه أوضاعاً صعبة لا عهد له بها على مستوى المؤسسات، ابتداءً من القيادة والسلطة والمنظمة والخطط السياسية والأمنية المنفتحة على واقع متحرك على صعيد المشاريع الدولية، ولا سيما في "خريطة الطريق" التي قام الأمريكيون والصهاينة بتجميدها تحت تأثير الشرط الذي وضعوه في تصفية الانتفاضة أولاً، وعزل القيادة الفلسطينية ثانياً، واعتبروا أنها مسؤولة عن حركة العنف بما في ذلك العمليات الاستشهادية، بحيث ربطوا المسألة السياسية بالمسألة الأمنية لحساب الأمن الصهيوني ضد الأمن الفلسطيني.

لقد كانت هناك قيادة واحدة للفلسطينيين اختصرت في موقعها كل المؤسسات من أجل وحدة القرار الفلسطيني في مواجهة العدو، أما الآن _ وبعد غياب القيادة التاريخية _ فقد تختلف الأمور، وقد تضطرب المواقف، وقد ترتبك المشاريع في تعددية القرارات، إضافةً إلى العلاقة بين الانتفاضة والسلطة، ما قد يعبث فيه العابثون، ويتآمر فيه المتآمرون، ولا سيما بفعل الضغط الأمريكي السياسي والعدوان الصهيوني الأمني، لأن المطلوب ـ أمريكياً وإسرائيلياً ـ هو استسلام الشعب الفلسطيني بسلطته وانتفاضته للعدو، ليؤكد شارون الجزار لليهود أنه استطاع إخضاع المقاومة لخطته، ليفرض على الفلسطينيين كل شروطه في تقديم دولة ممسوخة لا معنى لها حتى في مرحلة المفاوضات...

لقد كان اليهود يتحدثون أنه "ليس هناك شعب فلسطيني في فلسطين"، وأن هؤلاء الناس "لا يملكون أيّ وضع رسمي سابق، لأنه لم تكن هناك دولة فلسطينية، ولذلك فلا حق لهم في الدولة"، وقد أثبت هذا الشعب المقاوم هويّته في وجوده الفاعل وحركته القوية... ويتحدثون _ الآن _ في أمريكا عن دولة فلسطينية، ولكنهم لم يتحدثوا عن طبيعتها وجغرافيتها وهويّتها وقدرتها على الاستقلال والاستقرار، بل تحدثوا عن شرعية الجدار والمستوطنات ومنع عودة اللاجئين، ما يُفقد الدولة معناها...

إننا نريد للشعب الفلسطيني أن يكون هو القائد الذي تخاف منه القيادات، لأنه الشعب الذي يراقب ويحاسب ويرصد، ولا سيما أن المستقبل لا يزال مليئاً بالأخطار الدولية والإقليمية والمحلية، وإذا كان قد فقد قيادته التاريخية التي مهما اختلف الناس حولها، فإن الجميع لا يختلفون في أنها هي التي أكدت ثبات الواقع الفلسطيني في تطلعاته للمستقبل...

إن الشعب الفلسطيني هو الشعب الذي أكد الصمود من خلال معركة التحرير، ولن يسقط أبداً بالرغم من كل المؤامرات الأمريكية والإسرائيلية، وسوف يؤكد قيادته للتحرير من خلال وحدته الجهادية.

نرفض الاحتلال وندين ممارساته

أما في العراق، فإن الاحتلال يستخدم آخر ما أنتجته المصانع الأمريكية من السلاح ضد المواقع المدنية في الفلوجة وغيرها، باسم الحصول على الإذن من الحكومة المؤقتة وبالتعاون مع القوات العراقية...

إننا ندين هذا الهجوم الذي يسقط فيه المدنيون بشكل هستيري، بمن فيهم الأطفال والشيوخ والنساء، في الوقت الذي ندين كل أعمال القتل والخطف والذبح العشوائي الوحشي التي تطاول الأبرياء في العراق، وتجعل منه ساحة للفوضى والعنف، باعتبار أن الطريقة التي تدار بها الأمور خلقت الكثير من المناخات الأمنية التي تجتاح الواقع كله، من دون أن نجد هناك خطة سياسية واقعية تخلق الظروف السلمية في دراسة دقيقة لمؤثراتها السلبية والإيجابية للمستقبل.

إن للاحتلال سياسته في حربه على الواقع العراقي، من أجل خدمة مصالحه وتحقيق شعاراته في أمريكا لاجتذاب الرأي العام الأمريكي، وللقوات العراقية مسؤوليتها في حماية شعبها ودعم أمنها، فلا مصلحة لها في مشاركة المحتل حربه على الشعب تحت تأثير الحرب ضد ما يسمّونه الإرهاب...

وإذا كنا نستنكر ذلك كله، فإننا نشجب بقوة ما تقوم به الجماعات الطائفية التي تحوّلت إلى قطّاع طرق، حيث تقوم بقتل الناس من طائفة إسلامية معينة بشكل عشوائي، ما جعل المنطقة تأخذ اسم مثلث الموت... إن مثل هذه الأعمال الوحشية، إضافةً إلى بعض الشعارات المذهبية السلبية التي تتحرك من خلال فعل تارة ورد فعل أخرى، سوف تسيء إلى الوحدة الإسلامية من جهة، والوطنية من جهة أخرى، وتمنح الفرصة للاحتلال أن يصل إلى خططه المرسومة في الحرب الأهلية في عنوانها المذهبي، أو في التخطيط لمشاكل دينية من خلال تفجير الكنائس لتهجير المسيحيين...

إننا نقول للعراقيين الأحرار: إن المستقبل يحمل الكثير من الأخطار المحيطة بالمنطقة كلها، وإن العراق أكبر من الأشخاص، وعلى الجميع أن يعملوا لإخراج المحتل بكل الوسائل الواقعية، وأبرزها وحدتهم الداخلية في مواجهة الفتنة ومحاولات التمزيق السياسي والحزبي والمذهبي.

لبنان: تعزيز الصمود

وفي لبنان، وفي يوم القدس الذي يمثل جزءاً من حركة الالتزام بالقضية الفلسطينية، لا بد لنا من الاستمرار في الموقف السياسي على أساس ما تمثله القدس من رمز ديني مقدّس في مسجدها، وفي تنوعاتها الدينية الموحدة في مواجهة الاحتلال، وفي القضية الرمز لمواجهة الاستكبار العالمي، ولا سيما الأمريكي الذي يدعم الصهيونية دعماً مطلقاً... إن على المسلمين والأحرار جميعاً الوقوف بقوة أمام مواجهة العدوان الحالي والمستقبلي على القدس المسجد والمدينة والمنطقة والقضية...

وعلينا في لبنان الذي لا تزال أرضه تحت الاحتلال، أن نواجه العدو بالصمود والتحدي والاستعداد لمواجهة العدوان، ولا سيما بعد تهديده المترافق مع الحشود الجديدة على حدود فلسطين، مع دعوات صهيونية بحرب وقائية ضد المقاومة بعد انتصارها السياسي والإعلامي عبر الطائرة الاستطلاعية... ونتساءل: لماذا بادر مجلس الأمن إلى استنكار طلعة هذه الطائرة واعتبرها خرقاً للخط الأزرق بما لم يبادر به في الطلعات المتتالية اليومية والاختراقات الإسرائيلية في البحر والجو؟!

وأخيراً، إننا نريد للبنان أن يدخل في حوار وطني جديّ حول القضايا السياسية والأمنية والاجتماعية بطريقة واقعية، ونتساءل عن الذين تحدثوا عن محاربة الهدر والفساد، وعن الحرية في هذا الموقع أو ذاك: ماذا فعلوا عندما كانوا في مواقع المسؤولية، وهل كانوا يوافقون على محاسبتهم من قبل الآخرين... بما ينتقدونه في الفريق الآخر؟؟ هل نتحدث عن شعار ضرورة القيام بثورة ضد الواقع السياسي في أكثريته، الذي عاش في مراحل كثيرة في مدرسة الفساد التي كانت ترفض لطلابها إطلاق شعار "من أين لك هذا" أمام الثروات الضخمة التي يملكها دعاة الإصلاح في أكثر من موقع؟!

والسؤال: هل يملك أحد الحل السحري للمشاكل المزمنة، أم أننا نبقى في هذه الدوامة التي يُفسد فيها الجيل القديم أجيالنا الجديدة، الأمر الذي يبقي البلد في أنفاق الفساد ومتاهات الهدر؟

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير