تجسيد حيّ لحركة الوحدة الإسلامية

تجسيد حيّ لحركة الوحدة الإسلامية

الاهتمام بقضايا المسلمين والانفتاح على همومهم:
تجسيد حيّ لحركة الوحدة الإسلامية


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

الانفتاح على قضايا المسلمين

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ} (آل عمران/19)، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران/85). حتى يكون الإنسان مسلماً بالمعنى الشرعي، فيما هو مصطلح الإسلام، عليه أن يشهد الشهادتين، وأن يلتزم بكتاب الله ورسله وملائكته واليوم الآخر. ولكنّ هناك أحاديث عن الرسول(ص)، فيما استوحاه منها أئمة أهل البيت(ع)، تجعل للإسلام عمقاً في شخصية الإنسان المسلم، بحيث لا يُكتفى بإعلان الشهادتين، أو الإيمان بما أُريد الإيمان به ليكون مسلماً، ولكنه يتمثل أيضاً في علاقة الإنسان المسلم بالمسلمين، بأن يكون منفتحاً على كلّ قضاياهم، في كل اهتماماته، وفي كل مساعداته، وفي كلّ ما يتّصل بقضايا الحرية والعزة والكرامة والقوة في حياتهم؛ أن لا يجعل الإسلام يعيش في ذاتياته، وينعزل عن قضايا الإسلام والمسلمين، في الوقت الذي تهتز الأوضاع الإسلامية أمام التحديات، على طريقة الكلمة الشعبية التي يتحدث بها بعض الناس عندما يختلف المسلمون مع غيرهم: «فخّار يكسّر بعضه بعضاً»، أو: «ما لنا وللدخول بين السلاطين»؟!

أن تكون مسلماً، هو أن تكون اهتمامات المسلمين اهتماماتك، وأن تكون قضاياهم قضاياك، وأن تفجّر كل طاقاتك في كل ما يرفع مستواهم وما ينفعهم في كل أمورهم، في السياسة والاقتصاد والاجتماع، أن تعتبر نفسك جزءاً من عائلة، وأكثر من ذلك، عضواً في جسد، فالمسلمون جسد واحد وأنت عضو في هذا الجسد.

لنقرأ ما جاء عن رسول الله(ص) في هذه المسألة. عن أبي عبد الله الإمام الصادق(ع) قال: "قال رسول الله(ص): من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ـ عندما تستفيق في الصباح، فتفتح الإذاعة أو تقرأ الصحف، وتجد أن هناك بلداً مسلماً يضطهده المستكبرون، وأن هناك شعباً مسلماً يتعرض للمجازر من قبل اليهود، أو من قبل أعداء الله ورسوله، فلا يتحرّك عقلك ليفكر كيف يمكن أن تتفاعل مع ذلك، ولا ينفتح قلبك وتنطلق مشاعرك وأحاسيسك في اتجاه قضيته، بل تواجه الموقف بطريقة اللامبالاة، فأنت، بحسب هذا الحديث، لست بمسلم، لأنّك لم تعش معنى الإسلام في ذاتك، وإن كنت تمارس فروضه في جسدك، إذ ينبغي أن يكون المسلمون جزءاً من مشاعرك، وحركةً في عقلك، ونبضةً في قلبك، وخفقةً في أحاسيسك؛ أن تحمل الهم، سواء كنت قادراً على أن تحوّل هذا الهم إلى عمل، أو أن تكتفي بالجانب الشعوري في تفاعلك معه ـ ومن سمع رجلاًَ ـ شعباً، أمةً ـ ينادي يا للمسلمين ـ يستغيث بالمسلمين، لأن المستكبرين يهجمون عليه، ويصادرون مصالحه ويقتلون أطفاله ونساءه وشيوخه، ويحتلون أرضه، ولا يتحركون لنجدته، بل تبقى مساجدهم ونواديهم ومجتمعاتهم على حالها ـ فلم يجبه ـ وهو قادر على أن يجيبه، وربما لا يتحقق ذلك بالأفراد، بل من خلال المسؤولين الذين يملكون السلطة والمال والسلاح ـ فليس بمسلم». وبذلك نفهم من كلام رسول الله(ص)، أن الإسلام ليس كلمة أو عاطفة، وإنما هو حركة في كل حياة المسلمين. وقد ورد عن النبي(ص) في حديث المؤمنين: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمّى والسّهر».

نحو وحدة إسلامية وجدانية وعملية

وعندما ننطلق إلى الجانب الشعوري في حياة الإنسان المسلم تجاه المسلمين، نقرأ عن رسول الله(ص): «أنسك الناس نسكاً ـ والنسك هو العبادة والطاعة، والناسك هو العابد القائم بالطاعات والقربات. فمن هو أكثر الناس عبادة وطاعة وقرباً من الله؟ ـ أنصحهم جيباً ـ والجيب هو الصدر ـ وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين»، أي أكثر القلوب سلامة وانفتاحاً على المسلمين، وأكثر الصدور نصحاً وإخلاصاً لهم.

وفي الحديث عن النبي(ص): «الخلق عيال الله ـ الله تعالى هو الذي يرزقنا ويعطينا ويتعهَّدنا ويرحمنا، وهو الذي يشرف على كل أمورنا، تماماً كما هو الأب بالنسبة إلى أولاده، فالله هو ربنا وخالقنا، وهو الذي يمثِّل الأبوة الربوبية والروحية لنا؛ أبوّة الخلق والرحمة والنعمة ـ فأحبُّهم إلى الله من نفع عيال الله ـ عندما تكون صاحب عائلة، ويكون هناك من يتعهّد عائلتك بالعطاء والخدمة والرعاية، فكيف تكون محبتك له؟! فالذين يتعهدون خلق الله ويعيلونهم، وينفعونهم في العلم والمال والسياسة والعزة والكرامة، هم أحبّ الخلق إلى الله. ومن يصلِّي ويصوم، ولكنه غير مستعد لأن يساعد أو ينفع أحداً من عيال الله، هو إنسانٌ لا يحصل على محبة الله، من خلال ما يطَّلع به الله على روحيته ـ وأدخل على أهل بيت سروراً»، فكيف هي حال من يدخل الحزن والأذية إليهم.

وفي حديث عن رسول الله(ص)، وقد سئل: من أحبّ الناس إلى الله؟ قال(ص): «أنفع الناس للناس»، من تكون حياته كلها نفعاً للناس فيما يملك من طاقات. وقد سئل الإمام الرضا(ع): من أحسن الناس معاشاً؟ قال(ع): «من حَسُن معاش غيره في معاشه»، الذي إذا عاش يعيش غيره معه، من خلال ما يبذل من طاقات وما يقدّم من خدمات وما يهيئ من فرص العمل والعيش الكريم. وسئل: ومن أسوأ الناس معاشاً؟ قال(ع): «من لم يعش غيره في معاشه».

وفي حديث الإمام الصادق(ع)، وقد قال لأحد أصحابه: «عليك بالنصح لله في خلقه ـ أن تفتح عقلك وقلبك وطاقاتك لخلق الله بما ينفعهم ويرفع مستواهم ـ فإنك لن تلقاه بعمل أفضل منه». وفي الحديث عن رسول الله(ص): «من ردّ عن قوم من المسلمين عادية ماءٍ أو ناراً ـ عندما تجتاح السيول أو النيران منازل الآمنين وأرزاقهم ـ وجبت له الجنة». وأية جائزة أعظم من هذه الجائزة؟ وقال الصادق(ع) في تفسير ما ذكره الله تعالى في النبي عيسى(ع): {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} (مريم/31)، قال: «أي جعلني نفّاعاً للناس».

هذا هو الإسلام في امتداده العملي في حياة المسلمين، وعلى المسلمين أن يتمثّلوا ذلك في وحدة إسلامية شعورية عملية خدماتية. ونحن بحاجة إلى ذلك في مثل هذه الظروف الصعبة التي يقف فيها الاستكبار كله والكفر كله ضد الإسلام والمسلمين، من أجل أن يواجهوهم بكل عمليات القتل والتدمير، وبكل عمليات الإذلال والمصادرة لمصالحهم، وعلى المسلمين أن يقفوا صفاً واحداً، من أجل أن تشمل هذه القاعدة الإسلامية كل العالم، ولاسيما أن المسلمين ليسوا أقلية أو ضعفاء، ولكن مشكلتهم أنهم لا يعيشون هذه الوحدة التي تجمعهم وتجعلهم يفجّرون طاقاتهم من أجل الأمة كلها والمستقبل كله.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف من موقع واحد، لأن الله {يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف/4)، فماذا هناك؟

الشخصية اليهودية تختزن الحقد

لا يزال الجرح الفلسطيني ينـزف يومياً، من خلال ذبح الأطفال في بيوتهم ومدارسهم، والنّساء في منازلهنّ، والشيوخ في مهاجعهم، لأنَّ الحقد الكامن في شخصيّة اليهود، يتفجَّر بكل الوسائل الوحشية منذ احتلالهم فلسطين، على الرغم من أن العالم العربي والإسلامي حفظ اليهود ورعاهم وحماهم، عندما كانوا مشرَّدين في الآفاق ومضطهدين في الغرب، ولكنهم اختزنوا في شخصياتهم العنصرية المعقَّدة، الحقد ضد الإنسان كله، ما جعلهم يخطِّطون للمجازر التي تتحرك في إبادة الآخرين، وهذا ما قاموا به أخيراً في بيت حانون التي حوَّلوها أطلالاً، وهدَّموا بيوتها ومساجدها ومزارعها، وقصفوا عوائلها الآمنة، بما فيها الأطفال الرضَّع وطلاب الروضات في مدارسهم.

هذا وينطلق صوت الرئيس المجرم بوش ليبرر ذلك كله بأنه دفاع عن النفس، وليحتفل ـ مع إدارته ـ بأعداد الشهداء والجرحى وبتدمير البنية التحتية، لأن حربه هي حرب إسرائيل من خلال الخطة الأمريكية الإسرائيلية المشتركة في اجتياح المنطقة. أمَّا اللجنة الرباعيّة الدولية، فإنها تقف موقف المتفرِّج على الشعب الفلسطيني وهو يُذبَحُ بيد يهودية، وتنتظر سقوط الحكومة الفلسطينية التي تقودها حماس من خلال الحصار الدولي والعربي على المستويين السياسي والاقتصادي، كعقوبة لها لأنها لم تعترف بإسرائيل الدولة المدلَّلة لدى الجميع الذين لا يعترفون بحقوق الإنسان الفلسطيني، والذين تآمروا على تشريده وقهره وإبادته من دون أي اعتبار لأيّ معنى إنساني، لأن ذلك هو خطُّ الحضارة الغربية المتوحِّشة التي صادرت منذ القرن الماضي كل الواقع السياسي والاقتصادي والأمني للعالم العربي.

السياسة الأمريكية منتج للإرهاب

إنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية وحلفاءها وعملاءها يتحدَّثون عن الإرهاب وانتشاره في العالم الإسلامي، في الوقت الذي يعرف الجميع أنَّ الخطط التي يتحرَّكون بها فيما يسمَّى الحرب على الإرهاب، هي التي تشجِّع الإرهاب، لأنَّ السياسات الأمريكية التي تضطهد الشعوب وتصادر مصالحها هي التي تدفع هذه الشعوب إلى مواجهتها بالعنف وإلى الدفاع عن حريَّتها وكرامتها، وهي التي تجعل المستضعفين يكرهون أمريكا في كل خطوطها السياسية والأمنية، ويسعون لإسقاط عنفوانها وتهديد مصالحها وإلحاق الهزيمة بكل خططها الاستراتيجية، ما يمنعها من تحقيق أي انتصار عسكري أو سياسي في العراق وفي أفغانستان أو باكستان أو لبنان وإيران.

الشعب الأمريكي يعاقب إدارته

ولعلَّ نتائج الانتخابات الأخيرة التي خسرت فيها هذه الإدارة بعض مواقعها، تدلُّ على أنَّ الشعب الأمريكي بدأ يعاقب إدارته التي أوقعته في الكثير من الهزائم والخسائر، وزادت كراهية الشعوب المستضعفة له. وفي هذا الإطار، نريد لهذا الشعب أن يتابع حركة كلِّ مسؤوليه في السياسة والاقتصاد والأمن، ليواجه خلفيات الجهات المعقَّدة، كاللوبي اليهودي والمحافظين الجدد من المسيحيين المتصهينين، لإنقاذ نفسه منها، لأننا نريد كشعوب عربية وإسلامية أن نكون أصدقاء للشعب الأمريكي في التعاون على أساس قضايا السلام العادل والمصالح المشتركة بعيداً عن حالات الاستكبار.

تخلٍّ عربيّ عن القضية الفلسطينية

ونبقى مع الكارثة الفلسطينية، لنسجِّل على الدول العربية تخلِّيها عن الشعب الفلسطيني وخذلانها له خضوعاً للأوامر الأمريكية، حتى إنَّ الكثيرين منهم تنكَّروا لقراراتهم التاريخية في مقاطعة إسرائيل، ودخلوا معها في عمليات تجارية وأنشطة اقتصادية، ويبقى للشعوب العربية أن تقوم بعملية المقاطعة لتعطِّل على حاكميها خطَّتهم الإسرائيلية.

إنَّنا ندعو الشعب الفلسطيني الذي أثبت قدرته على الاستمرار في الصمود والمواجهة، إلى أن يتحرّك على أساس الوحدة الوطنيَّة في كلِّ أوضاعه الحكومية والسياسية، لأن المرحلة لا تحتمل التأجيل للمواقف الحاسمة في الخطِّ الاستراتيجي، ونريد للشعوب العربية أن تقف وقفةً صارخةً قويّةً ضدّ هذا الظلم اليهودي الأمريكي ـ الأوروبي الذي يشارك العدوَّ في مجازره بشكلٍ غير مباشر.

العراق: لا خروج للاحتلال إلا بالمقاومة

ويبقى للعراق نصيبه من الكارثة الوحشيَّة التي تهيمن عليه من خلال الاحتلال في خططه المتحرِّكة الباحثة عن إثارة الفوضى الأمنية، وإفقار الشعب العراقي، وتحريك المسألة الطائفية، وتشجيع الإرهاب التكفيري بطريقةٍ غير مباشرة. ونحن ندعو الشعب العراقي بجميع فئاته، إلى التحرُّر من خلافاته السياسية والطائفية، ليواجه الاحتلال بالمقاومة الفاعلة الشريفة، لأن الكارثة في هذا البلد الطيِّب لن تنتهي إلا بخروج الاحتلال منه؛ وإذا كان الرئيس بوش يتحدّث عن تحقيق انتصار من خلال هذا الاحتلال، فإنّ ذلك يوجب علينا ألاّ نسمح له بالحصول عليه، لأن انتصاره في خططه الاستراتيجية سوف يؤدِّي إلى هزيمةٍ للمصالح الحيوية والقضايا المصيرية للشعب العراقي.

الحذر من سياسات بوش الجنونية

ومن جانب آخر، فإنَّ أمريكا التي تقود مجلس الأمن وتهيمن على قراراته، لا تزال تخطِّط مع الاتّحاد الأوروبي لإصدار قرار يهدف إلى معاقبة إيران ظلماً وعدواناً، لاتّهامها بأنها تعمل لصنع السلاح النووي، في الوقت الذي صرّحت الجمهورية الإسلامية بأنها تخطِّط للمشروع النووي السلمي. وقد تحدث الرئيس الأمريكي مع حليفه الرئيس الفرنسي شيراك، بأن إسرائيل قد تقصف المشروع النووي في إيران، وأن أمريكا تتفهَّم ذلك. ونحن نعلم أن هذا التهديد لا ينطلق من واقعية عسكرية، لأنّ إيران تملك القدرة على الدفاع عن نفسها وعلى مواجهة إسرائيل بما يفسح في المجال لاتساع نطاق المواجهة، وهذا ما تأكَّد منه العالم في متابعته للمناورات الإيرانية، ولكن الجميع يعرفون أن عدوان إسرائيل على إيران سوف يكون له ردُّ فعل منها، ما يقدِّم لأمريكا فرصة الدخول في الحرب للدفاع عن إسرائيل، الأمر الذي قد يؤدي إلى احتراق المنطقة، وهذا ما ينبغي لدول الخليج الحذر منه، ولاسيما بعدما مدَّت إيران يدها إليها للدخول في اتفاقات أمنية دفاعية مشتركة.

إننا نخشى من أن تؤدي خسارة الرئيس الأمريكي في الانتخابات، إلى دفعه للقيام بعمل جنوني في المنطقة، من خلال إدارته الحاقدة على الشعوب، والتي تبحث عن حرب جديدة لتلبية طموحاتها المعقَّدة. وعلى العالم أن يواجه ذلك، لأن نجاح هذه الخطط قد يهدد أمن المنطقة والعالم، ويؤدِّي إلى نشر الاضطراب في الواقع كله وعلى جميع المستويات.

لبنان: الاعتماد على الخارج حديث خادع

ويبقى لبنان المشغول بالسِّجالات المعقَّدة التي يطلقها فريق ضد فريق، في نطاق قضايا الانقسام السياسي الذي أدخل البلد في حال من الإرباك والقلق الشعبي الذي يعيش وضعاًَ ضاغطاً على الأمن والاقتصاد، ولاسيما أن اللبنانيين فقدوا الثقة بالقيادات، كما فقدوا الإحساس بدولتهم التي لم تخطّط لإنقاذ الاقتصاد المنهار الذي بدأ اللبنانيون يرزحون تحت تأثير وطأته، وخصوصاً أن هناك حديثاً باقتراب الدَّين العام من الخمسين مليار دولار على ذمَّة بعض التقارير. ولا شك في أن الجدل السياسي والانقسام الطائفي والاهتزاز الحكوميّ، يزيد المسألة تعقيداًَ وإشكالاً.

إنَّنا نقول للجميع، إنَّ الوطن لا يزال ساحةً للتجاذبات الإقليمية والدولية بالرغم من رفض الجميع مقولة السَّاحة، وإنَّ حديث الخارج عن الاهتمام بالداخل والاستعداد لمساعدته ودفع الأخطار عنه، هو حديث غير ذي موضوع، بل هو حديث خادع كاذب، لأننا لم نسمع وعوداً صادقة بتقوية الجيش اللبناني بالأسلحة الدفاعية المتطورة للدفاع عن أمنه الوطني، لأن مقتضيات الخطة الأميركية ـ الإسرائيلية لا تسمح للبنان في أن يكون قوياً في مواجهة العدوّ.

إننا نقول لجميع اللبنانيين: احفظوا لبنان من كلِّ هذا الجدل البيزنطي الذي سيغرق الشعب في وحول العصبيات الطائفية التي تسقط كلَّ مستقبله.

الاهتمام بقضايا المسلمين والانفتاح على همومهم:
تجسيد حيّ لحركة الوحدة الإسلامية


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

الانفتاح على قضايا المسلمين

يقول الله تعالى في كتابه المجيد: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ} (آل عمران/19)، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (آل عمران/85). حتى يكون الإنسان مسلماً بالمعنى الشرعي، فيما هو مصطلح الإسلام، عليه أن يشهد الشهادتين، وأن يلتزم بكتاب الله ورسله وملائكته واليوم الآخر. ولكنّ هناك أحاديث عن الرسول(ص)، فيما استوحاه منها أئمة أهل البيت(ع)، تجعل للإسلام عمقاً في شخصية الإنسان المسلم، بحيث لا يُكتفى بإعلان الشهادتين، أو الإيمان بما أُريد الإيمان به ليكون مسلماً، ولكنه يتمثل أيضاً في علاقة الإنسان المسلم بالمسلمين، بأن يكون منفتحاً على كلّ قضاياهم، في كل اهتماماته، وفي كل مساعداته، وفي كلّ ما يتّصل بقضايا الحرية والعزة والكرامة والقوة في حياتهم؛ أن لا يجعل الإسلام يعيش في ذاتياته، وينعزل عن قضايا الإسلام والمسلمين، في الوقت الذي تهتز الأوضاع الإسلامية أمام التحديات، على طريقة الكلمة الشعبية التي يتحدث بها بعض الناس عندما يختلف المسلمون مع غيرهم: «فخّار يكسّر بعضه بعضاً»، أو: «ما لنا وللدخول بين السلاطين»؟!

أن تكون مسلماً، هو أن تكون اهتمامات المسلمين اهتماماتك، وأن تكون قضاياهم قضاياك، وأن تفجّر كل طاقاتك في كل ما يرفع مستواهم وما ينفعهم في كل أمورهم، في السياسة والاقتصاد والاجتماع، أن تعتبر نفسك جزءاً من عائلة، وأكثر من ذلك، عضواً في جسد، فالمسلمون جسد واحد وأنت عضو في هذا الجسد.

لنقرأ ما جاء عن رسول الله(ص) في هذه المسألة. عن أبي عبد الله الإمام الصادق(ع) قال: "قال رسول الله(ص): من أصبح لا يهتم بأمور المسلمين فليس بمسلم ـ عندما تستفيق في الصباح، فتفتح الإذاعة أو تقرأ الصحف، وتجد أن هناك بلداً مسلماً يضطهده المستكبرون، وأن هناك شعباً مسلماً يتعرض للمجازر من قبل اليهود، أو من قبل أعداء الله ورسوله، فلا يتحرّك عقلك ليفكر كيف يمكن أن تتفاعل مع ذلك، ولا ينفتح قلبك وتنطلق مشاعرك وأحاسيسك في اتجاه قضيته، بل تواجه الموقف بطريقة اللامبالاة، فأنت، بحسب هذا الحديث، لست بمسلم، لأنّك لم تعش معنى الإسلام في ذاتك، وإن كنت تمارس فروضه في جسدك، إذ ينبغي أن يكون المسلمون جزءاً من مشاعرك، وحركةً في عقلك، ونبضةً في قلبك، وخفقةً في أحاسيسك؛ أن تحمل الهم، سواء كنت قادراً على أن تحوّل هذا الهم إلى عمل، أو أن تكتفي بالجانب الشعوري في تفاعلك معه ـ ومن سمع رجلاًَ ـ شعباً، أمةً ـ ينادي يا للمسلمين ـ يستغيث بالمسلمين، لأن المستكبرين يهجمون عليه، ويصادرون مصالحه ويقتلون أطفاله ونساءه وشيوخه، ويحتلون أرضه، ولا يتحركون لنجدته، بل تبقى مساجدهم ونواديهم ومجتمعاتهم على حالها ـ فلم يجبه ـ وهو قادر على أن يجيبه، وربما لا يتحقق ذلك بالأفراد، بل من خلال المسؤولين الذين يملكون السلطة والمال والسلاح ـ فليس بمسلم». وبذلك نفهم من كلام رسول الله(ص)، أن الإسلام ليس كلمة أو عاطفة، وإنما هو حركة في كل حياة المسلمين. وقد ورد عن النبي(ص) في حديث المؤمنين: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمّى والسّهر».

نحو وحدة إسلامية وجدانية وعملية

وعندما ننطلق إلى الجانب الشعوري في حياة الإنسان المسلم تجاه المسلمين، نقرأ عن رسول الله(ص): «أنسك الناس نسكاً ـ والنسك هو العبادة والطاعة، والناسك هو العابد القائم بالطاعات والقربات. فمن هو أكثر الناس عبادة وطاعة وقرباً من الله؟ ـ أنصحهم جيباً ـ والجيب هو الصدر ـ وأسلمهم قلباً لجميع المسلمين»، أي أكثر القلوب سلامة وانفتاحاً على المسلمين، وأكثر الصدور نصحاً وإخلاصاً لهم.

وفي الحديث عن النبي(ص): «الخلق عيال الله ـ الله تعالى هو الذي يرزقنا ويعطينا ويتعهَّدنا ويرحمنا، وهو الذي يشرف على كل أمورنا، تماماً كما هو الأب بالنسبة إلى أولاده، فالله هو ربنا وخالقنا، وهو الذي يمثِّل الأبوة الربوبية والروحية لنا؛ أبوّة الخلق والرحمة والنعمة ـ فأحبُّهم إلى الله من نفع عيال الله ـ عندما تكون صاحب عائلة، ويكون هناك من يتعهّد عائلتك بالعطاء والخدمة والرعاية، فكيف تكون محبتك له؟! فالذين يتعهدون خلق الله ويعيلونهم، وينفعونهم في العلم والمال والسياسة والعزة والكرامة، هم أحبّ الخلق إلى الله. ومن يصلِّي ويصوم، ولكنه غير مستعد لأن يساعد أو ينفع أحداً من عيال الله، هو إنسانٌ لا يحصل على محبة الله، من خلال ما يطَّلع به الله على روحيته ـ وأدخل على أهل بيت سروراً»، فكيف هي حال من يدخل الحزن والأذية إليهم.

وفي حديث عن رسول الله(ص)، وقد سئل: من أحبّ الناس إلى الله؟ قال(ص): «أنفع الناس للناس»، من تكون حياته كلها نفعاً للناس فيما يملك من طاقات. وقد سئل الإمام الرضا(ع): من أحسن الناس معاشاً؟ قال(ع): «من حَسُن معاش غيره في معاشه»، الذي إذا عاش يعيش غيره معه، من خلال ما يبذل من طاقات وما يقدّم من خدمات وما يهيئ من فرص العمل والعيش الكريم. وسئل: ومن أسوأ الناس معاشاً؟ قال(ع): «من لم يعش غيره في معاشه».

وفي حديث الإمام الصادق(ع)، وقد قال لأحد أصحابه: «عليك بالنصح لله في خلقه ـ أن تفتح عقلك وقلبك وطاقاتك لخلق الله بما ينفعهم ويرفع مستواهم ـ فإنك لن تلقاه بعمل أفضل منه». وفي الحديث عن رسول الله(ص): «من ردّ عن قوم من المسلمين عادية ماءٍ أو ناراً ـ عندما تجتاح السيول أو النيران منازل الآمنين وأرزاقهم ـ وجبت له الجنة». وأية جائزة أعظم من هذه الجائزة؟ وقال الصادق(ع) في تفسير ما ذكره الله تعالى في النبي عيسى(ع): {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} (مريم/31)، قال: «أي جعلني نفّاعاً للناس».

هذا هو الإسلام في امتداده العملي في حياة المسلمين، وعلى المسلمين أن يتمثّلوا ذلك في وحدة إسلامية شعورية عملية خدماتية. ونحن بحاجة إلى ذلك في مثل هذه الظروف الصعبة التي يقف فيها الاستكبار كله والكفر كله ضد الإسلام والمسلمين، من أجل أن يواجهوهم بكل عمليات القتل والتدمير، وبكل عمليات الإذلال والمصادرة لمصالحهم، وعلى المسلمين أن يقفوا صفاً واحداً، من أجل أن تشمل هذه القاعدة الإسلامية كل العالم، ولاسيما أن المسلمين ليسوا أقلية أو ضعفاء، ولكن مشكلتهم أنهم لا يعيشون هذه الوحدة التي تجمعهم وتجعلهم يفجّرون طاقاتهم من أجل الأمة كلها والمستقبل كله.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتقوا الله، وواجهوا الموقف من موقع واحد، لأن الله {يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف/4)، فماذا هناك؟

الشخصية اليهودية تختزن الحقد

لا يزال الجرح الفلسطيني ينـزف يومياً، من خلال ذبح الأطفال في بيوتهم ومدارسهم، والنّساء في منازلهنّ، والشيوخ في مهاجعهم، لأنَّ الحقد الكامن في شخصيّة اليهود، يتفجَّر بكل الوسائل الوحشية منذ احتلالهم فلسطين، على الرغم من أن العالم العربي والإسلامي حفظ اليهود ورعاهم وحماهم، عندما كانوا مشرَّدين في الآفاق ومضطهدين في الغرب، ولكنهم اختزنوا في شخصياتهم العنصرية المعقَّدة، الحقد ضد الإنسان كله، ما جعلهم يخطِّطون للمجازر التي تتحرك في إبادة الآخرين، وهذا ما قاموا به أخيراً في بيت حانون التي حوَّلوها أطلالاً، وهدَّموا بيوتها ومساجدها ومزارعها، وقصفوا عوائلها الآمنة، بما فيها الأطفال الرضَّع وطلاب الروضات في مدارسهم.

هذا وينطلق صوت الرئيس المجرم بوش ليبرر ذلك كله بأنه دفاع عن النفس، وليحتفل ـ مع إدارته ـ بأعداد الشهداء والجرحى وبتدمير البنية التحتية، لأن حربه هي حرب إسرائيل من خلال الخطة الأمريكية الإسرائيلية المشتركة في اجتياح المنطقة. أمَّا اللجنة الرباعيّة الدولية، فإنها تقف موقف المتفرِّج على الشعب الفلسطيني وهو يُذبَحُ بيد يهودية، وتنتظر سقوط الحكومة الفلسطينية التي تقودها حماس من خلال الحصار الدولي والعربي على المستويين السياسي والاقتصادي، كعقوبة لها لأنها لم تعترف بإسرائيل الدولة المدلَّلة لدى الجميع الذين لا يعترفون بحقوق الإنسان الفلسطيني، والذين تآمروا على تشريده وقهره وإبادته من دون أي اعتبار لأيّ معنى إنساني، لأن ذلك هو خطُّ الحضارة الغربية المتوحِّشة التي صادرت منذ القرن الماضي كل الواقع السياسي والاقتصادي والأمني للعالم العربي.

السياسة الأمريكية منتج للإرهاب

إنَّ الولايات المتَّحدة الأمريكية وحلفاءها وعملاءها يتحدَّثون عن الإرهاب وانتشاره في العالم الإسلامي، في الوقت الذي يعرف الجميع أنَّ الخطط التي يتحرَّكون بها فيما يسمَّى الحرب على الإرهاب، هي التي تشجِّع الإرهاب، لأنَّ السياسات الأمريكية التي تضطهد الشعوب وتصادر مصالحها هي التي تدفع هذه الشعوب إلى مواجهتها بالعنف وإلى الدفاع عن حريَّتها وكرامتها، وهي التي تجعل المستضعفين يكرهون أمريكا في كل خطوطها السياسية والأمنية، ويسعون لإسقاط عنفوانها وتهديد مصالحها وإلحاق الهزيمة بكل خططها الاستراتيجية، ما يمنعها من تحقيق أي انتصار عسكري أو سياسي في العراق وفي أفغانستان أو باكستان أو لبنان وإيران.

الشعب الأمريكي يعاقب إدارته

ولعلَّ نتائج الانتخابات الأخيرة التي خسرت فيها هذه الإدارة بعض مواقعها، تدلُّ على أنَّ الشعب الأمريكي بدأ يعاقب إدارته التي أوقعته في الكثير من الهزائم والخسائر، وزادت كراهية الشعوب المستضعفة له. وفي هذا الإطار، نريد لهذا الشعب أن يتابع حركة كلِّ مسؤوليه في السياسة والاقتصاد والأمن، ليواجه خلفيات الجهات المعقَّدة، كاللوبي اليهودي والمحافظين الجدد من المسيحيين المتصهينين، لإنقاذ نفسه منها، لأننا نريد كشعوب عربية وإسلامية أن نكون أصدقاء للشعب الأمريكي في التعاون على أساس قضايا السلام العادل والمصالح المشتركة بعيداً عن حالات الاستكبار.

تخلٍّ عربيّ عن القضية الفلسطينية

ونبقى مع الكارثة الفلسطينية، لنسجِّل على الدول العربية تخلِّيها عن الشعب الفلسطيني وخذلانها له خضوعاً للأوامر الأمريكية، حتى إنَّ الكثيرين منهم تنكَّروا لقراراتهم التاريخية في مقاطعة إسرائيل، ودخلوا معها في عمليات تجارية وأنشطة اقتصادية، ويبقى للشعوب العربية أن تقوم بعملية المقاطعة لتعطِّل على حاكميها خطَّتهم الإسرائيلية.

إنَّنا ندعو الشعب الفلسطيني الذي أثبت قدرته على الاستمرار في الصمود والمواجهة، إلى أن يتحرّك على أساس الوحدة الوطنيَّة في كلِّ أوضاعه الحكومية والسياسية، لأن المرحلة لا تحتمل التأجيل للمواقف الحاسمة في الخطِّ الاستراتيجي، ونريد للشعوب العربية أن تقف وقفةً صارخةً قويّةً ضدّ هذا الظلم اليهودي الأمريكي ـ الأوروبي الذي يشارك العدوَّ في مجازره بشكلٍ غير مباشر.

العراق: لا خروج للاحتلال إلا بالمقاومة

ويبقى للعراق نصيبه من الكارثة الوحشيَّة التي تهيمن عليه من خلال الاحتلال في خططه المتحرِّكة الباحثة عن إثارة الفوضى الأمنية، وإفقار الشعب العراقي، وتحريك المسألة الطائفية، وتشجيع الإرهاب التكفيري بطريقةٍ غير مباشرة. ونحن ندعو الشعب العراقي بجميع فئاته، إلى التحرُّر من خلافاته السياسية والطائفية، ليواجه الاحتلال بالمقاومة الفاعلة الشريفة، لأن الكارثة في هذا البلد الطيِّب لن تنتهي إلا بخروج الاحتلال منه؛ وإذا كان الرئيس بوش يتحدّث عن تحقيق انتصار من خلال هذا الاحتلال، فإنّ ذلك يوجب علينا ألاّ نسمح له بالحصول عليه، لأن انتصاره في خططه الاستراتيجية سوف يؤدِّي إلى هزيمةٍ للمصالح الحيوية والقضايا المصيرية للشعب العراقي.

الحذر من سياسات بوش الجنونية

ومن جانب آخر، فإنَّ أمريكا التي تقود مجلس الأمن وتهيمن على قراراته، لا تزال تخطِّط مع الاتّحاد الأوروبي لإصدار قرار يهدف إلى معاقبة إيران ظلماً وعدواناً، لاتّهامها بأنها تعمل لصنع السلاح النووي، في الوقت الذي صرّحت الجمهورية الإسلامية بأنها تخطِّط للمشروع النووي السلمي. وقد تحدث الرئيس الأمريكي مع حليفه الرئيس الفرنسي شيراك، بأن إسرائيل قد تقصف المشروع النووي في إيران، وأن أمريكا تتفهَّم ذلك. ونحن نعلم أن هذا التهديد لا ينطلق من واقعية عسكرية، لأنّ إيران تملك القدرة على الدفاع عن نفسها وعلى مواجهة إسرائيل بما يفسح في المجال لاتساع نطاق المواجهة، وهذا ما تأكَّد منه العالم في متابعته للمناورات الإيرانية، ولكن الجميع يعرفون أن عدوان إسرائيل على إيران سوف يكون له ردُّ فعل منها، ما يقدِّم لأمريكا فرصة الدخول في الحرب للدفاع عن إسرائيل، الأمر الذي قد يؤدي إلى احتراق المنطقة، وهذا ما ينبغي لدول الخليج الحذر منه، ولاسيما بعدما مدَّت إيران يدها إليها للدخول في اتفاقات أمنية دفاعية مشتركة.

إننا نخشى من أن تؤدي خسارة الرئيس الأمريكي في الانتخابات، إلى دفعه للقيام بعمل جنوني في المنطقة، من خلال إدارته الحاقدة على الشعوب، والتي تبحث عن حرب جديدة لتلبية طموحاتها المعقَّدة. وعلى العالم أن يواجه ذلك، لأن نجاح هذه الخطط قد يهدد أمن المنطقة والعالم، ويؤدِّي إلى نشر الاضطراب في الواقع كله وعلى جميع المستويات.

لبنان: الاعتماد على الخارج حديث خادع

ويبقى لبنان المشغول بالسِّجالات المعقَّدة التي يطلقها فريق ضد فريق، في نطاق قضايا الانقسام السياسي الذي أدخل البلد في حال من الإرباك والقلق الشعبي الذي يعيش وضعاًَ ضاغطاً على الأمن والاقتصاد، ولاسيما أن اللبنانيين فقدوا الثقة بالقيادات، كما فقدوا الإحساس بدولتهم التي لم تخطّط لإنقاذ الاقتصاد المنهار الذي بدأ اللبنانيون يرزحون تحت تأثير وطأته، وخصوصاً أن هناك حديثاً باقتراب الدَّين العام من الخمسين مليار دولار على ذمَّة بعض التقارير. ولا شك في أن الجدل السياسي والانقسام الطائفي والاهتزاز الحكوميّ، يزيد المسألة تعقيداًَ وإشكالاً.

إنَّنا نقول للجميع، إنَّ الوطن لا يزال ساحةً للتجاذبات الإقليمية والدولية بالرغم من رفض الجميع مقولة السَّاحة، وإنَّ حديث الخارج عن الاهتمام بالداخل والاستعداد لمساعدته ودفع الأخطار عنه، هو حديث غير ذي موضوع، بل هو حديث خادع كاذب، لأننا لم نسمع وعوداً صادقة بتقوية الجيش اللبناني بالأسلحة الدفاعية المتطورة للدفاع عن أمنه الوطني، لأن مقتضيات الخطة الأميركية ـ الإسرائيلية لا تسمح للبنان في أن يكون قوياً في مواجهة العدوّ.

إننا نقول لجميع اللبنانيين: احفظوا لبنان من كلِّ هذا الجدل البيزنطي الذي سيغرق الشعب في وحول العصبيات الطائفية التي تسقط كلَّ مستقبله.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير