الصدق والأمانة من سمات المجتمع الرسالي المؤمن

الصدق والأمانة من سمات المجتمع الرسالي المؤمن

الصدق والأمانة من سمات المجتمع الرسالي المؤمن


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

تركّز حركة الرسالات التي جاء بها الأنبياء، على تربية الإنسان في حياته الخاصة، وفي أوضاعه في خطِّ المسؤولية، وفي علاقاته مع الناس، على قيمتين أخلاقيتين هما: قيمة الصدق وقيمة الأمانة.

الصدق والأمانة أساس الاستقرار في المجتمع

فالله تعالى يريد للإنسان أن يكون صادقاً في حديثه، بحيث لا يغيّر الحقيقة، بل يتحدث عنها بشكل دقيق، وفي خط هذا الصدق في الحديث، يأتي الصدق في النيّة، فلا يعيش الإنسان الغش في نيّته تجاه الناس، والصدق في الموقف، فلا يقف الموقف المنحرف الذي يبتعد به عن القضية الكبرى أو عن مصلحة الناس. وهكذا في مسألة الأمانة، أراد الله تعالى للإنسان أن يكون أميناً على أموال الناس وأعراضهم، وفي المسؤوليات التي يتحمّلها، وأميناً على التكاليف التي كلّفه الله بها، بحيث لا ينحرف عن خط الأمانة، فلا يخون الله في شريعته ورسالته، ولا يخون الرسول(ص)، ولا يخون الناس في علاقاته بهم.

وقد ورد في القرآن الكريم: {والذي جاء بالصدق وصدّق به} (الزمر:33)، وجاء فيه أيضاً: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، فإذا أردت أن تقف مع أية قيادة، فعليك أن تسأل هل هي قيادة صادقة أم لا؟ ومع هذه الجهة؛ هل هي جهة صادقة في طروحاتها ومواقفها وأهدافها ووسائلها، أو ليست كذلك؟

وفي الحديث عن الأمانة يقول الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} (النساء:57)، وقد تحدّث أيضاً عن المسؤولية وأعطاها صفة الأمانة، فقال سبحانه: {إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ـ وهذا وارد على سبيل الكناية، فكأن الله عرض المسؤولية على الجبال والسموات والأرض على ضخامة ما هي عليه، لتقف أمام الحساب، فأجابت: يا ربّ، لن نستطيع أن نحفظ الأمانة ونتحمّلها، لأننا نخاف من أن ننحرف بها فنتعرّض لغضبك وسخطك ـ وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً} (الأحزاب:72). ويقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم} (الأنفال:27) .

لذلك، فإن الله تعالى يريد للمؤمن أن يكون صادقاً في وعده وعهده وفي حديثه مع الناس كلهم، حتى إنه ورد: "لا يكذب الكاذب وهو مؤمن"، فالكذب يُخرج الإنسان من الإيمان الذي يمثِّل الارتباط بالحقيقة، لأنّ الكذب يمثل الارتباط بغير الحقيقة. وهكذا بالنسبة إلى الأمانة، وهي تمتد إلى المسؤولية، فإذا كنت موظفاً في دائرة، فعليك أن تكون أميناً على وظيفتك فلا تعبث بها، وإذا كنت عاملاً في متجر أو في أيّ موقع، فإنّ عليك أن لا تخون الأمانة في ذلك فتمد يدك إلى المال الذي لا تستحقّه، وعندما تنشئ عائلةً فعليك أن تكون أميناً على عائلتك، سواء كنت زوجاً أو زوجةً، بحيث يؤدي كل منكما للآخر حقوقه، ولا يخون أيّ منكما الأمانة الزوجية، لأن الزواج يمثل أمانة الله لدى كل من الزوجين.

وهذا هو الذي يمكن أن يؤدي إلى استقرار المجتمع وثقته، بأن يكون أفراد المجتمع صادقين وأمناء، بحيث يأمن بعضهم بعضاً، ويشعر كل منهم بالاطمئنان، والثقة بأنّه لا أحد يكذب عليهم، ولا يتعرضون للخيانة. أما إذا كان الناس يتعاملون بالكذب ويتحرَّكون بالخيانة، فإن المجتمع لن يستقرَّ، بل سيعيش أفراده في قلق دائم إزاء كل حديث أو وعد أو عهد، من أن يكون مَنْ وعدهم أو حدّثهم أو عاهدهم كاذباً. ولذلك اعتبر الإسلام أنّ الصدق في الوعد والحديث هما أساس العدالة، وورد: "من عامل الناس فلم يظلمهم ـ كان أميناً على أموالهم وأوضاعهم ـ وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته".

هذا هو الخط الإسلامي، وهذا هو العنوان الكبير لشخصية النبي محمد(ص) قبل أن يُبعث بالرسالة، فقد كان النبي في مجتمعه ـ قبل أن يكون نبياً ـ يُعرف بـ"الصادق الأمين"، حتى غلب هذا اللقب على اسمه. ونجد أن عليّاً(ع) عندما كان يتحدث عن علاقته برسول الله(ص)، كان يتحدث عن أن النبي(ص) لم يجد عنده أي كذبة أو خلل في الصدق. وورد في بعض الأحاديث: "إن الله لم يبعث نبياً إلا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر"، وورد في الحديث عن الإمام الصادق(ع) قوله: "إنَّ ضارب عليٍّ بالسَّيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحن واستشارني ثمَّ قبلت ذلك منه، لأدّيت إليه الأمانة".

السبل إلى معرفة الإنسان المؤمن

وورد عن الإمام الصادق(ع) في كيفيَّة معرفة المؤمن ـ لأن بعض الناس يعتبر أن المؤمن هو الذي يصلّي صلاة الليل ويسبّح ولا يعرف إلا سجادته وسُبَّحته وقرآنه، ومع أنّ هذه الصفات هي من مظاهر الإيمان؛ إلا أنّها ليست الدليل عليه ـ يقول(ع): "لا تغترُّوا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإن الرجل ربما لو لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش ـ بعض الناس تتحوّل الصلاة والصيام عنده إلى عادة كبقية العادات. ألا نجد أن بعض الناس يصوم في شهر رمضان مثلاً ولا يصلّي؟ ـ ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة"، انظروا إلى الشخص إذا حدّث هل يصدق أو يكذب؟ وإذا ائتُمن هل يخون الأمانة أو يؤدّيها؟ فإن ذلك دليل إيمانه من عدمه.

وكان الإمام الباقر(ع) يقول للرواة الذي يريدون أن يرووا عنه الحديث: "تعلّموا الصدق قبل الحديث". وما أكثر ما يكذب بعض الرواة في بعض ما يروونه عن النبي وأهل بيته(ع)، ومن هؤلاء شخص يُدعى أبو الخطاب، وكان من أصحاب الإمام الباقر(ع)، وكان الإمام الصادق(ع) يقول عنه: "لقد دسّ في كتب أصحاب أبي أربعة آلاف حديث"، فهو ينسبها إلى الإمام الباقر(ع) وهي كذب، وهو ما أوجب عندنا التدقيق في الروايات لكي نتبيّن الراوي الصادق من الكاذب. وفي حديث، جاء شخص إلى الإمام الصادق(ع) وهو (أبو كهمس) قال: قلت لأبي عبد الله: عبد الله بن أبي يعفور يقرئك السلام، فقال: "عليه وعليك السلام، إذا أتيت عبد الله فأقرئه السلام وقل له: إن جعفر بن محمد يقول لك: انظر ما بلغ به عليّ عند رسول الله فالزمه، فإن عليّاً إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله(ص) بصدق الحديث وأداء الأمانة".

وفي حديث عن الإمام الصادق(ع): "إن الصادق أول من يصدّقه الله عزّ وجلّ، يعلم أنّه صادق وتصدّقه نفسه تعلم أنّه صادق"، وعن ربيع بن سعد قال: قال لي أبو جعفر الباقر(ع): "يا ربيع، إن الرجل ليصدق حتى يكتبه الله صدّيقاً"، ويقول الإمام الصادق(ع) في حديث موجّه إلى الخطباء والعلماء وكل المسلمين: "كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع"، فلا يكفي أن تكون شيخاً تخطب في الناس وتعظهم، بل ينبغي أن تكون قدوةً، بحيث يرى الناس منك الاجتهاد في العبادة والموقف والورع عن الحرام، والصدق في الحديث.

هذه هي أحاديث رسول الله(ص) والأئمة من أهل بيته(ع)، وهذا هو خط القرآن الكريم، وعلينا أن نعمل لنكون مجتمعاً صادقاً أميناً، ولننطلق مع الصادقين.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتّقوا الله، وواجهوا الموقف بكل مسؤولية، ولتكن لديكم ذهنية الالتزام بالأمَّة، والابتعاد عن الحالة الفردية التي يواجه الإنسان فيها قضايا أمته بطريقة اللامبالاة، لأنَّ الله تعالى يريد من الإنسان المسلم أن يشعر أنه جزء من هذه الأسرة المسلمة؛ يهمُّه ما يهمّها، ويحزنه ما يحزنها، ويتحمّل مسؤولياتها بحسب ما يملك من طاقة، وقد أراد الله تعالى للمؤمن أن يشعر بالأخوّة الإيمانية ليتعامل مع كل المؤمنين تعامل الأخ مع إخوانه، كما أراده أن يكون مع المؤمنين كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

ونحن نواجه في واقعنا الإسلامي الكثير من المشاكل التي تصيب المسلمين والمؤمنين في أموالهم وأنفسهم وأعراضهم ومواقعهم، فعلينا أن نكون حزمة واحدة نساعد بعضنا بعضاً ونتعاون مع بعضنا البعض بما نملك من إرادة وقوة، لنتجاوز هذه المرحلة الصعبة التي يمرّ بها عالمنا الإسلامي على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية. فماذا هناك؟

استكمال الاستراتيجية الصهيونية في السيطرة على فلسطين

في المشهد الفلسطيني، أطلقت أكثر من دولة أوروبية مبادرة سلام تتمحور حول إطلاق مؤتمر دولي. ولكن إسرائيل رفضت ذلك جملةً وتفصيلاً، لأنها لا تريد لأية دولة أخرى، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، أن يكون لها دور في هذا الصراع، لتبقى أمريكا هي الدولة الوحيدة التي تتدخل فيه، ذلك أنّ إسرائيل تخطط منذ تأسيسها لتملك الحرية في عدوانها على الشعب الفلسطيني قتلاً واعتقالاً وتدميراً للبنية التحتية وتهديماً للمنازل وتجريفاً للمزارع واستيطاناً ومصادرة للأراضي الفلسطينية وحصاراً اقتصادياً وإغلاقاً للحدود، وهذا ما تحدّث به بعض المسؤولين الصهاينة في الآونة الأخيرة، من أنّ الفلسطينيين براغيث يجب رشّهم، ولا بد من تجفيف المستنقعات التي تنتجهم.

أما الإدارة الأمريكية، فهي تنسق مع الدولة العبرية في حركة اللعبة السياسية والعسكرية، لاستكمال الاستراتيجية الصهيونية في السيطرة على فلسطين كلها بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك باللعب على الوقت، حيث تقوم الإدارة الأمريكية بالخداع والنفاق السياسي من خلال إرسال المندوبين، وبالتشجيع على إرباك الحكومة التي تقودها حماس، وإيجاد الظروف الملائمة لمحاصرتها من خلال ما تمارسه من ضغوط على أكثر من حكومة عربية في ممارساتها السياسية والاقتصادية...

الانتفاضة ردّ فعل على العدوان

ولذلك، فإن دخول الأمم المتحدة من جهة، والاتحاد الأوروبي وروسيا من جهة أخرى على خط الصراع، قد يضع قيوداً لسلوك إسرائيل الوحشي ضد الفلسطينيين الذين لا يزالون يواجهون المعاناة العدوانية في غزة والضفة الغربية بحجة الردّ على صواريخ القسَّام التي يطلقها رجال الانتفاضة على المستوطنات الصهيونية، في الوقت الذي يعرف الجميع، أن حركة المجاهدين كانت ردّ فعل على العدوان الصهيوني، وأن امتناع إسرائيل عن عدوانها وانسحابها من الأراضي المحتلة، سوف يوقف مثل هذا الهجوم الجهادي. ولا تزال أمريكا تلعب لعبة اعتبار الحرب الإسرائيلية على الشعب الأعزل والمدنيين الأبرياء دفاعاً عن النفس، وهي ترفض أن يكون للفلسطينيين حق الرد، لأنهم ـ في نظر أمريكا ـ يمثلون الإرهاب الذي لا بد للعالم من محاربته دفاعاً عن إسرائيل التي هي الضحية في فلسطين، كما يقولون.

إننا نهيب بالشعب الفلسطيني أن يخرج من دوامة الجدل حول حكومة الوحدة الوطنية على أكثر من صعيد، لأن المرحلة التي تحيط بالقضية الفلسطينية أصبحت تشكّل خطراً على الكيان كله، كما أننا ندعو الدول العربية إلى أن تحترم عروبتها في الوقوف مع هذا الشعب في حمايته ومساعدته، بدلاً من التآمر عليه بالوسائل الخفية التي تتحرك بها بفعل التعليمات الأمريكية في تجميد الوضع الفلسطيني إلى ما لا نهاية، ونريد للشعوب العربية والإسلامية أن تبقى مع القدس الذي يمثل الرمز المقدّس، ومع فلسطين التي هي عروس العروبة والإسلام، لأن سقوط فلسطين يعني سقوط الحاضر والمستقبل على مستوى القضية المصيرية للأمة كلها.

الإدارة الأمريكية تتخبّط في طروحاتها

إن الإدارة الأمريكية لا تزال تتخبط في طروحاتها بعدما أكّد وزير الخارجية الأميركية الأسبق اليهودي، هنري كيسنجر، أنّ الانتصار في العراق غير وارد، وكيسنجر هذا هو الشخص الذي يقدم الاستشارات للإدارة الأمريكية وللرئيس بوش، ويبقى في آرائه السياسية خادماً لإسرائيل من خلال يهوديته المتعصِّبة. وهكذا تنطلق المواقف المثيرة للجدل في داخل هذه الإدارة، من خلال طروحات اللجنة التي تقدم لها الاقتراحات للأخذ بالواقعية السياسية المتمثّلة بإقامة حوار مع سوريا وإيران، لأنهما تمثِّلان الدولتين اللتين تملكان أفق الحل في المنطقة، إلا أنهما من الناحية الأخرى، تملكان الكثير من الإمكانات التي تدفع المنطقة إلى الحرية لشعوبها ضد الاحتلال والاستكبار الأمريكي الذي يطبق على مصالح المستضعفين في العالم كله... الأمر الذي سيؤدّي إلى سقوط الامتداد الأمريكي السياسي، وإلى تعاظم كراهة الشعوب لهذه الدولة المستكبرة.

تحريم القتل بين المسلمين

ولا يزال العراق يعاني من تأثير الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني من خلال ممارساته العدوانية والظروف السلبية التي أحاطت بهذا البلد المنكوب بفعل خطط الإدارة الأمريكية التي يتحرك فيها سفيرها في بغداد، وخصوصاً في طروحات التقسيم التي تمزق العراق الموحّد التي أطلقها أكثر من مسؤول أمريكي في إطار البحث عن حلّ للمأزق الأمريكي في الاحتلال. كذلك يعاني العراق من جانب آخر من اللعبة المذهبية في عملية الفعل وردِّ الفعل اغتيالاً وتفجيراً وقصفاً وخطفاً وتهجيراً وتجويعاً وإفساداً للواقع كله، وإنتاجاً للحقد بين أفراد الشعب الذي هو بحاجة إلى الرحمة والمحبة... إننا نناشد أهلنا في العراق، بجميع أعراقهم وطوائفهم ومذهبياتهم وأحزابهم، أن يرحموا الناس الذين يواجهون القتل اليومي، حتى بلغت أعداد الضحايا الشهر الماضي ـ بحسب بعض الإحصاءات ـ نحو 3700 قتيل، إلى جانب سقوط عدد كبير من الجرحى، بينما لم يتعدَّ عدد قتلى الجنود الأمريكيين منذ الاحتلال الثلاثة آلاف جندي...

إننا نقول للذين يبرِّرون للتكفيريين وسائلهم في قتل العراقيين بحجة أنهم يقفون مع المحتل وأنهم مرتدون عن الإسلام... ويعتبرونهم في الجانب الآخر من رجال المقاومة، إننا نقول لهم، إن هذا التبرير ليس إسلامياً، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه»، وإن المقاومة التي تحترم نفسها وشعبها لا تتحرك بقتل العمال والنساء والشيوخ والأطفال في المخابز والأسواق والمعابد...

إننا نطلق النداء صارخاً من موقعنا الإسلامي: أنّه لا يجوز للسني أن يقتل الشيعي ولا يجوز للشيعي أن يقتل السني، وهذا هو قول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (الإسراء:33) . وعلى العالم الإسلامي كلِّه، بكل فعالياته وعلمائه ومسؤوليه وشعوبه، أن يرفع الصوت عالياً ضد هذه الممارسات الوحشية الهمجية التكفيرية العدوانية، التي لا يستفيد منها إلا الاحتلال الغاشم.

لبنان يواجه وضعاً قلقاً ومعقّداً

أما لبنان، فإنه ينتقل من كارثة إلى كارثة ومن عنف إلى عنف، في استهداف إجرامي للأشخاص الذين يملكون المواقع السياسية، بما يؤدي إلى تصاعد حالات التشنُّج والإثارة للمشاعر الطائفية والمذهبية، ويفاقم من العداء السياسي الذي توزَّع فيه الاتهامات من دون تقديم أية أدلة على ذلك، لأن الخلفيات السياسية المحلية والإقليمية والدولية هي التي يتداولها الناس تنفيساً للاحتقان السياسي ضد هذه الجهة أو تلك... إننا نواجه وضعاً قلقاً معقّداً لا يخضع لأية قاعدة؛ حتى الحوار الذي استهلكته القيادات السياسية حواراً وتشاوراً لم يتوصّل إلى أية نتيجة إيجابية حاسمة. وقد جاء الاغتيال الأخير ليزيد الأوضاع تعقيداً ويقلب الأمور رأساً على عقب...

محاسبة المسؤولين عن الأمن

إننا نلاحظ أن جميع الفرقاء لا يتحركون خطوةً واحدةً إلى خطِّ الوسط، بل يبقى كل واحد في مكانه مطلقاً الاتهامات والشعارات المتنوعة للمزيد من الإثارة... إننا نقول للبنانيين، إنّ من مسؤولياتكم، وأنتم أصحاب المصلحة في كل قضايا الوطن؛ في اقتصاده وأمنه وسياسته، أن تحاسبوا المسؤولين عن الأمن؛ لماذا لم يخططوا لأمن قويٍّ متماسك يأمن فيه الكبار والصغار على أنفسهم؟! وأن تطلبوا من الجميع أن يواجهوا المشاكل المعقدة التاريخية في الهدر والفساد والمحسوبيات والإثارة المذهبية بكل مسؤولية.

إنّ على الفرقاء من كل الاتجاهات أن يمتنعوا عن تهديد استقرار البلد بإطلاق الكلمات الحادّة والمواقف العنيفة، لأن ذلك سوف يسقط الهيكل على رؤوس الجميع، ولن يحصل لبنان على أي مكسب من ذلك.

إنَّ اللبنانيين يقفون على حافة الخوف على الحاضر والمستقبل، فمن الذي يمنحهم الأمان؟

الصدق والأمانة من سمات المجتمع الرسالي المؤمن


ألقى سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:

تركّز حركة الرسالات التي جاء بها الأنبياء، على تربية الإنسان في حياته الخاصة، وفي أوضاعه في خطِّ المسؤولية، وفي علاقاته مع الناس، على قيمتين أخلاقيتين هما: قيمة الصدق وقيمة الأمانة.

الصدق والأمانة أساس الاستقرار في المجتمع

فالله تعالى يريد للإنسان أن يكون صادقاً في حديثه، بحيث لا يغيّر الحقيقة، بل يتحدث عنها بشكل دقيق، وفي خط هذا الصدق في الحديث، يأتي الصدق في النيّة، فلا يعيش الإنسان الغش في نيّته تجاه الناس، والصدق في الموقف، فلا يقف الموقف المنحرف الذي يبتعد به عن القضية الكبرى أو عن مصلحة الناس. وهكذا في مسألة الأمانة، أراد الله تعالى للإنسان أن يكون أميناً على أموال الناس وأعراضهم، وفي المسؤوليات التي يتحمّلها، وأميناً على التكاليف التي كلّفه الله بها، بحيث لا ينحرف عن خط الأمانة، فلا يخون الله في شريعته ورسالته، ولا يخون الرسول(ص)، ولا يخون الناس في علاقاته بهم.

وقد ورد في القرآن الكريم: {والذي جاء بالصدق وصدّق به} (الزمر:33)، وجاء فيه أيضاً: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين}، فإذا أردت أن تقف مع أية قيادة، فعليك أن تسأل هل هي قيادة صادقة أم لا؟ ومع هذه الجهة؛ هل هي جهة صادقة في طروحاتها ومواقفها وأهدافها ووسائلها، أو ليست كذلك؟

وفي الحديث عن الأمانة يقول الله تعالى: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها} (النساء:57)، وقد تحدّث أيضاً عن المسؤولية وأعطاها صفة الأمانة، فقال سبحانه: {إنّا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ـ وهذا وارد على سبيل الكناية، فكأن الله عرض المسؤولية على الجبال والسموات والأرض على ضخامة ما هي عليه، لتقف أمام الحساب، فأجابت: يا ربّ، لن نستطيع أن نحفظ الأمانة ونتحمّلها، لأننا نخاف من أن ننحرف بها فنتعرّض لغضبك وسخطك ـ وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً} (الأحزاب:72). ويقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم} (الأنفال:27) .

لذلك، فإن الله تعالى يريد للمؤمن أن يكون صادقاً في وعده وعهده وفي حديثه مع الناس كلهم، حتى إنه ورد: "لا يكذب الكاذب وهو مؤمن"، فالكذب يُخرج الإنسان من الإيمان الذي يمثِّل الارتباط بالحقيقة، لأنّ الكذب يمثل الارتباط بغير الحقيقة. وهكذا بالنسبة إلى الأمانة، وهي تمتد إلى المسؤولية، فإذا كنت موظفاً في دائرة، فعليك أن تكون أميناً على وظيفتك فلا تعبث بها، وإذا كنت عاملاً في متجر أو في أيّ موقع، فإنّ عليك أن لا تخون الأمانة في ذلك فتمد يدك إلى المال الذي لا تستحقّه، وعندما تنشئ عائلةً فعليك أن تكون أميناً على عائلتك، سواء كنت زوجاً أو زوجةً، بحيث يؤدي كل منكما للآخر حقوقه، ولا يخون أيّ منكما الأمانة الزوجية، لأن الزواج يمثل أمانة الله لدى كل من الزوجين.

وهذا هو الذي يمكن أن يؤدي إلى استقرار المجتمع وثقته، بأن يكون أفراد المجتمع صادقين وأمناء، بحيث يأمن بعضهم بعضاً، ويشعر كل منهم بالاطمئنان، والثقة بأنّه لا أحد يكذب عليهم، ولا يتعرضون للخيانة. أما إذا كان الناس يتعاملون بالكذب ويتحرَّكون بالخيانة، فإن المجتمع لن يستقرَّ، بل سيعيش أفراده في قلق دائم إزاء كل حديث أو وعد أو عهد، من أن يكون مَنْ وعدهم أو حدّثهم أو عاهدهم كاذباً. ولذلك اعتبر الإسلام أنّ الصدق في الوعد والحديث هما أساس العدالة، وورد: "من عامل الناس فلم يظلمهم ـ كان أميناً على أموالهم وأوضاعهم ـ وحدثهم فلم يكذبهم، ووعدهم فلم يخلفهم، فهو ممن كملت مروءته، وظهرت عدالته".

هذا هو الخط الإسلامي، وهذا هو العنوان الكبير لشخصية النبي محمد(ص) قبل أن يُبعث بالرسالة، فقد كان النبي في مجتمعه ـ قبل أن يكون نبياً ـ يُعرف بـ"الصادق الأمين"، حتى غلب هذا اللقب على اسمه. ونجد أن عليّاً(ع) عندما كان يتحدث عن علاقته برسول الله(ص)، كان يتحدث عن أن النبي(ص) لم يجد عنده أي كذبة أو خلل في الصدق. وورد في بعض الأحاديث: "إن الله لم يبعث نبياً إلا بصدق الحديث وأداء الأمانة إلى البرّ والفاجر"، وورد في الحديث عن الإمام الصادق(ع) قوله: "إنَّ ضارب عليٍّ بالسَّيف وقاتله لو ائتمنني واستنصحن واستشارني ثمَّ قبلت ذلك منه، لأدّيت إليه الأمانة".

السبل إلى معرفة الإنسان المؤمن

وورد عن الإمام الصادق(ع) في كيفيَّة معرفة المؤمن ـ لأن بعض الناس يعتبر أن المؤمن هو الذي يصلّي صلاة الليل ويسبّح ولا يعرف إلا سجادته وسُبَّحته وقرآنه، ومع أنّ هذه الصفات هي من مظاهر الإيمان؛ إلا أنّها ليست الدليل عليه ـ يقول(ع): "لا تغترُّوا بصلاتهم ولا بصيامهم، فإن الرجل ربما لو لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش ـ بعض الناس تتحوّل الصلاة والصيام عنده إلى عادة كبقية العادات. ألا نجد أن بعض الناس يصوم في شهر رمضان مثلاً ولا يصلّي؟ ـ ولكن اختبروهم عند صدق الحديث وأداء الأمانة"، انظروا إلى الشخص إذا حدّث هل يصدق أو يكذب؟ وإذا ائتُمن هل يخون الأمانة أو يؤدّيها؟ فإن ذلك دليل إيمانه من عدمه.

وكان الإمام الباقر(ع) يقول للرواة الذي يريدون أن يرووا عنه الحديث: "تعلّموا الصدق قبل الحديث". وما أكثر ما يكذب بعض الرواة في بعض ما يروونه عن النبي وأهل بيته(ع)، ومن هؤلاء شخص يُدعى أبو الخطاب، وكان من أصحاب الإمام الباقر(ع)، وكان الإمام الصادق(ع) يقول عنه: "لقد دسّ في كتب أصحاب أبي أربعة آلاف حديث"، فهو ينسبها إلى الإمام الباقر(ع) وهي كذب، وهو ما أوجب عندنا التدقيق في الروايات لكي نتبيّن الراوي الصادق من الكاذب. وفي حديث، جاء شخص إلى الإمام الصادق(ع) وهو (أبو كهمس) قال: قلت لأبي عبد الله: عبد الله بن أبي يعفور يقرئك السلام، فقال: "عليه وعليك السلام، إذا أتيت عبد الله فأقرئه السلام وقل له: إن جعفر بن محمد يقول لك: انظر ما بلغ به عليّ عند رسول الله فالزمه، فإن عليّاً إنما بلغ ما بلغ به عند رسول الله(ص) بصدق الحديث وأداء الأمانة".

وفي حديث عن الإمام الصادق(ع): "إن الصادق أول من يصدّقه الله عزّ وجلّ، يعلم أنّه صادق وتصدّقه نفسه تعلم أنّه صادق"، وعن ربيع بن سعد قال: قال لي أبو جعفر الباقر(ع): "يا ربيع، إن الرجل ليصدق حتى يكتبه الله صدّيقاً"، ويقول الإمام الصادق(ع) في حديث موجّه إلى الخطباء والعلماء وكل المسلمين: "كونوا دعاة للناس بالخير بغير ألسنتكم، ليروا منكم الاجتهاد والصدق والورع"، فلا يكفي أن تكون شيخاً تخطب في الناس وتعظهم، بل ينبغي أن تكون قدوةً، بحيث يرى الناس منك الاجتهاد في العبادة والموقف والورع عن الحرام، والصدق في الحديث.

هذه هي أحاديث رسول الله(ص) والأئمة من أهل بيته(ع)، وهذا هو خط القرآن الكريم، وعلينا أن نعمل لنكون مجتمعاً صادقاً أميناً، ولننطلق مع الصادقين.

الخطبة الثانية

بسم الله الرحمن الرحيم

عباد الله... اتّقوا الله، وواجهوا الموقف بكل مسؤولية، ولتكن لديكم ذهنية الالتزام بالأمَّة، والابتعاد عن الحالة الفردية التي يواجه الإنسان فيها قضايا أمته بطريقة اللامبالاة، لأنَّ الله تعالى يريد من الإنسان المسلم أن يشعر أنه جزء من هذه الأسرة المسلمة؛ يهمُّه ما يهمّها، ويحزنه ما يحزنها، ويتحمّل مسؤولياتها بحسب ما يملك من طاقة، وقد أراد الله تعالى للمؤمن أن يشعر بالأخوّة الإيمانية ليتعامل مع كل المؤمنين تعامل الأخ مع إخوانه، كما أراده أن يكون مع المؤمنين كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.

ونحن نواجه في واقعنا الإسلامي الكثير من المشاكل التي تصيب المسلمين والمؤمنين في أموالهم وأنفسهم وأعراضهم ومواقعهم، فعلينا أن نكون حزمة واحدة نساعد بعضنا بعضاً ونتعاون مع بعضنا البعض بما نملك من إرادة وقوة، لنتجاوز هذه المرحلة الصعبة التي يمرّ بها عالمنا الإسلامي على المستويات الدولية والإقليمية والمحلية. فماذا هناك؟

استكمال الاستراتيجية الصهيونية في السيطرة على فلسطين

في المشهد الفلسطيني، أطلقت أكثر من دولة أوروبية مبادرة سلام تتمحور حول إطلاق مؤتمر دولي. ولكن إسرائيل رفضت ذلك جملةً وتفصيلاً، لأنها لا تريد لأية دولة أخرى، بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، أن يكون لها دور في هذا الصراع، لتبقى أمريكا هي الدولة الوحيدة التي تتدخل فيه، ذلك أنّ إسرائيل تخطط منذ تأسيسها لتملك الحرية في عدوانها على الشعب الفلسطيني قتلاً واعتقالاً وتدميراً للبنية التحتية وتهديماً للمنازل وتجريفاً للمزارع واستيطاناً ومصادرة للأراضي الفلسطينية وحصاراً اقتصادياً وإغلاقاً للحدود، وهذا ما تحدّث به بعض المسؤولين الصهاينة في الآونة الأخيرة، من أنّ الفلسطينيين براغيث يجب رشّهم، ولا بد من تجفيف المستنقعات التي تنتجهم.

أما الإدارة الأمريكية، فهي تنسق مع الدولة العبرية في حركة اللعبة السياسية والعسكرية، لاستكمال الاستراتيجية الصهيونية في السيطرة على فلسطين كلها بشكل مباشر أو غير مباشر، وذلك باللعب على الوقت، حيث تقوم الإدارة الأمريكية بالخداع والنفاق السياسي من خلال إرسال المندوبين، وبالتشجيع على إرباك الحكومة التي تقودها حماس، وإيجاد الظروف الملائمة لمحاصرتها من خلال ما تمارسه من ضغوط على أكثر من حكومة عربية في ممارساتها السياسية والاقتصادية...

الانتفاضة ردّ فعل على العدوان

ولذلك، فإن دخول الأمم المتحدة من جهة، والاتحاد الأوروبي وروسيا من جهة أخرى على خط الصراع، قد يضع قيوداً لسلوك إسرائيل الوحشي ضد الفلسطينيين الذين لا يزالون يواجهون المعاناة العدوانية في غزة والضفة الغربية بحجة الردّ على صواريخ القسَّام التي يطلقها رجال الانتفاضة على المستوطنات الصهيونية، في الوقت الذي يعرف الجميع، أن حركة المجاهدين كانت ردّ فعل على العدوان الصهيوني، وأن امتناع إسرائيل عن عدوانها وانسحابها من الأراضي المحتلة، سوف يوقف مثل هذا الهجوم الجهادي. ولا تزال أمريكا تلعب لعبة اعتبار الحرب الإسرائيلية على الشعب الأعزل والمدنيين الأبرياء دفاعاً عن النفس، وهي ترفض أن يكون للفلسطينيين حق الرد، لأنهم ـ في نظر أمريكا ـ يمثلون الإرهاب الذي لا بد للعالم من محاربته دفاعاً عن إسرائيل التي هي الضحية في فلسطين، كما يقولون.

إننا نهيب بالشعب الفلسطيني أن يخرج من دوامة الجدل حول حكومة الوحدة الوطنية على أكثر من صعيد، لأن المرحلة التي تحيط بالقضية الفلسطينية أصبحت تشكّل خطراً على الكيان كله، كما أننا ندعو الدول العربية إلى أن تحترم عروبتها في الوقوف مع هذا الشعب في حمايته ومساعدته، بدلاً من التآمر عليه بالوسائل الخفية التي تتحرك بها بفعل التعليمات الأمريكية في تجميد الوضع الفلسطيني إلى ما لا نهاية، ونريد للشعوب العربية والإسلامية أن تبقى مع القدس الذي يمثل الرمز المقدّس، ومع فلسطين التي هي عروس العروبة والإسلام، لأن سقوط فلسطين يعني سقوط الحاضر والمستقبل على مستوى القضية المصيرية للأمة كلها.

الإدارة الأمريكية تتخبّط في طروحاتها

إن الإدارة الأمريكية لا تزال تتخبط في طروحاتها بعدما أكّد وزير الخارجية الأميركية الأسبق اليهودي، هنري كيسنجر، أنّ الانتصار في العراق غير وارد، وكيسنجر هذا هو الشخص الذي يقدم الاستشارات للإدارة الأمريكية وللرئيس بوش، ويبقى في آرائه السياسية خادماً لإسرائيل من خلال يهوديته المتعصِّبة. وهكذا تنطلق المواقف المثيرة للجدل في داخل هذه الإدارة، من خلال طروحات اللجنة التي تقدم لها الاقتراحات للأخذ بالواقعية السياسية المتمثّلة بإقامة حوار مع سوريا وإيران، لأنهما تمثِّلان الدولتين اللتين تملكان أفق الحل في المنطقة، إلا أنهما من الناحية الأخرى، تملكان الكثير من الإمكانات التي تدفع المنطقة إلى الحرية لشعوبها ضد الاحتلال والاستكبار الأمريكي الذي يطبق على مصالح المستضعفين في العالم كله... الأمر الذي سيؤدّي إلى سقوط الامتداد الأمريكي السياسي، وإلى تعاظم كراهة الشعوب لهذه الدولة المستكبرة.

تحريم القتل بين المسلمين

ولا يزال العراق يعاني من تأثير الاحتلال الأمريكي ـ البريطاني من خلال ممارساته العدوانية والظروف السلبية التي أحاطت بهذا البلد المنكوب بفعل خطط الإدارة الأمريكية التي يتحرك فيها سفيرها في بغداد، وخصوصاً في طروحات التقسيم التي تمزق العراق الموحّد التي أطلقها أكثر من مسؤول أمريكي في إطار البحث عن حلّ للمأزق الأمريكي في الاحتلال. كذلك يعاني العراق من جانب آخر من اللعبة المذهبية في عملية الفعل وردِّ الفعل اغتيالاً وتفجيراً وقصفاً وخطفاً وتهجيراً وتجويعاً وإفساداً للواقع كله، وإنتاجاً للحقد بين أفراد الشعب الذي هو بحاجة إلى الرحمة والمحبة... إننا نناشد أهلنا في العراق، بجميع أعراقهم وطوائفهم ومذهبياتهم وأحزابهم، أن يرحموا الناس الذين يواجهون القتل اليومي، حتى بلغت أعداد الضحايا الشهر الماضي ـ بحسب بعض الإحصاءات ـ نحو 3700 قتيل، إلى جانب سقوط عدد كبير من الجرحى، بينما لم يتعدَّ عدد قتلى الجنود الأمريكيين منذ الاحتلال الثلاثة آلاف جندي...

إننا نقول للذين يبرِّرون للتكفيريين وسائلهم في قتل العراقيين بحجة أنهم يقفون مع المحتل وأنهم مرتدون عن الإسلام... ويعتبرونهم في الجانب الآخر من رجال المقاومة، إننا نقول لهم، إن هذا التبرير ليس إسلامياً، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه»، وإن المقاومة التي تحترم نفسها وشعبها لا تتحرك بقتل العمال والنساء والشيوخ والأطفال في المخابز والأسواق والمعابد...

إننا نطلق النداء صارخاً من موقعنا الإسلامي: أنّه لا يجوز للسني أن يقتل الشيعي ولا يجوز للشيعي أن يقتل السني، وهذا هو قول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (الإسراء:33) . وعلى العالم الإسلامي كلِّه، بكل فعالياته وعلمائه ومسؤوليه وشعوبه، أن يرفع الصوت عالياً ضد هذه الممارسات الوحشية الهمجية التكفيرية العدوانية، التي لا يستفيد منها إلا الاحتلال الغاشم.

لبنان يواجه وضعاً قلقاً ومعقّداً

أما لبنان، فإنه ينتقل من كارثة إلى كارثة ومن عنف إلى عنف، في استهداف إجرامي للأشخاص الذين يملكون المواقع السياسية، بما يؤدي إلى تصاعد حالات التشنُّج والإثارة للمشاعر الطائفية والمذهبية، ويفاقم من العداء السياسي الذي توزَّع فيه الاتهامات من دون تقديم أية أدلة على ذلك، لأن الخلفيات السياسية المحلية والإقليمية والدولية هي التي يتداولها الناس تنفيساً للاحتقان السياسي ضد هذه الجهة أو تلك... إننا نواجه وضعاً قلقاً معقّداً لا يخضع لأية قاعدة؛ حتى الحوار الذي استهلكته القيادات السياسية حواراً وتشاوراً لم يتوصّل إلى أية نتيجة إيجابية حاسمة. وقد جاء الاغتيال الأخير ليزيد الأوضاع تعقيداً ويقلب الأمور رأساً على عقب...

محاسبة المسؤولين عن الأمن

إننا نلاحظ أن جميع الفرقاء لا يتحركون خطوةً واحدةً إلى خطِّ الوسط، بل يبقى كل واحد في مكانه مطلقاً الاتهامات والشعارات المتنوعة للمزيد من الإثارة... إننا نقول للبنانيين، إنّ من مسؤولياتكم، وأنتم أصحاب المصلحة في كل قضايا الوطن؛ في اقتصاده وأمنه وسياسته، أن تحاسبوا المسؤولين عن الأمن؛ لماذا لم يخططوا لأمن قويٍّ متماسك يأمن فيه الكبار والصغار على أنفسهم؟! وأن تطلبوا من الجميع أن يواجهوا المشاكل المعقدة التاريخية في الهدر والفساد والمحسوبيات والإثارة المذهبية بكل مسؤولية.

إنّ على الفرقاء من كل الاتجاهات أن يمتنعوا عن تهديد استقرار البلد بإطلاق الكلمات الحادّة والمواقف العنيفة، لأن ذلك سوف يسقط الهيكل على رؤوس الجميع، ولن يحصل لبنان على أي مكسب من ذلك.

إنَّ اللبنانيين يقفون على حافة الخوف على الحاضر والمستقبل، فمن الذي يمنحهم الأمان؟

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير