الإمام علي بن موسى الرضا(ع) حيـاة الفكـر والرسـالة

الإمام علي بن موسى الرضا(ع) حيـاة الفكـر والرسـالة

العظمة في تجليات الإمامة

من أئمة أهل البيت(ع)، الإمام عليّ بن موسى الرضا(ع).. ونحن عندما نلتقي بأيِّ إمامٍ من أئمتنا، فلا بدَّ أن نعيش مع سيرته وكلماته ووصاياه وتعاليمه ومواعظه وإرشاداته، لأنَّ إمامتهم(ع) تمتدُّ في مدى حياتنا، باعتبار أنَّهم لا يتحرّكون في نطاق المرحلة التي عاشوا فيها، بل ينطلقون مع الحياة كلِّها.. فالرسالة الإسلاميّة هي رسالة الله تعالى إلى الناس جميعاً في الزمن كلِّه وفي المدى كلِّه.

لقد عاش الإمام الرضا(ع) بعد أبيه الإمام الكاظم(ع)، وامتدَّ تأثيره في الحياة الإسلاميّة كلِّها والواقع الإسلاميّ كلِّه، فكان الناس يَرِدون إليه ليتعلّموا منه، وكان يواجه كلَّ القضايا التي تتحرّك في المرحلة التي عاش فيها، من قضايا الصراع الفكري والتنوّع الديني.. فتلك هي مهمة أهل البيت(ع)، أن يرصدوا كلَّ الواقع، الواقع الثقافي ليصحّحوا المفاهيم التي يمكن أن تختلط فيها التفاسير، أو الواقع الفكريّ ليصحّحوا الكثير من الأفكار التي يمكن أن تثير الشبهات في داخلها، أو الواقع الاجتماعي ليصحّحوا مسار الطريق عندما ينحرف الناس عن الطريق المستقيم.

وعلى هذا، كان الإمام الرضا(ع) يجلس إلى النصارى واليهود والصابئة والملاحدة ليحاورهم وليدخل معهم في حديث الإسلام، مناقشاً أديانهم وأفكارهم، وكانوا ـ حسب شهادة الناس الذين عاصروه وعاصروا تلك الحوارات ـ لا يملكون جواباً أمامه، بل يسكتون سكوت الإنسان الذي لا يجد لديه حجّة في الردِّ عليه..

وحتى نتعرّف على صورة الإمام الرضا(ع) في عمقها الرسالي، لا بدَّ أن نتوقف عما قاله عنه بعض معاصريه أو مَن تلاهم. وقد جاء عن محمد بن عيسى اليقطيني: "لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا(ع)، جُمعت من مسائله مما سُئِل عنه وأجاب فيه ثمانية عشر ألف مسألة، وقد روى عنه جماعة من المصنّفين، منهم أبو بكر الخطيب في تاريخه، والثعلبيّ في تفسيره، والسمعانيّ في رسالته، وابن المعتزّ في كتابه وغيرهم"().

وروى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن الفضل بن العباس عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهرويّ قال: "ما رأيت أعلم من عليّ بن موسى الرضا(ع) ولا رآه عالمٌ إلاَّ شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين، فغلبهم عن آخرهم، حتى ما بقي أحدٌ منهم إلا أقرَّ له بالفضل وأقرَّ على نفسه بالقصور.. ولقد سمعت عليَّ بن موسى الرضا(ع) يقول: "كنت أجلس في الروضة ـ بجوار قبر النبيِّ(ص) ـ والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألةٍ أشاروا إليَّ بأجمعهم وبعثوا إليَّ بالمسائل فأُجيب عنها"(2).

ويقول بعض مَن عاش معه، وهو إبراهيم بن العباس: "ما سُئِل الرضا(ع) عن شي‏ءٍ إلاَّ علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقت عصره، وكان المأمون الخليفة العباسيّ آنذاك يمتحنه بالسؤال عن كلِّ شي‏ء، فيجيبه الجواب الشافي، وكان كلامه كلّه وجوابه وتمثّله انتزاعات من القرآن (3)، بحيث يكون القرآن هو القاعدة الفكريّة التي يستمدّ الإمام منها كلَّ حركة فكره في التفاصيل في كلِّ الأسئلة التي تُوجَّه إليه، من أجل الإيحاء بأنَّ القرآن إذا تأمّله الإنسان وتدبّره وعاش في آفاقه وتعمّق في أسراره، فإنَّه يستطيع أن يفهم الحياة في مفرداتها، ويتعرّف خطوطها وتفاصيلها من خلال إيحاءات القرآن تارةً، ومن خلال مضامينه أخرى، فكان(ع) يقرأ القران بتفكّر وتدبّر، لذلك يقول(ع): "ما مررت بآية قطّ إلاَّ فكّرت فيها، وفي أيِّ شي‏ءٍ نزلت وفي أيِّ وقت"(4).

وقد واجه(ع) الكثيرين من أهل الفلسفات ومن المتصوّفة، وكان يخاطب كلّ واحد منهم بالمستوى العلمي الذي يملكه، ورأى فيه كلُّ هؤلاء الإمام الموسوعيَّ الذي لم يتعقّد من سؤال ولم يتوقّف أمام أيّة مشكلة، بل كان يفيض بالعلم، وكان القرآن ـ كما قلنا ـ هو القاعدة التي انطلق منها وارتكز عليها في كلِّ ذلك.. وقد قال أبو الصلت: حدّثني محمد ابن إسحاق بن موسى بن جعفر عن أبيه، أنَّ موسى بن جعفر كان يقول لبنيه: "هذا أخوكم عليُّ بن موسى عالم آلِ محمّد، فاسألوه عن أديانكم، واحفظوا ما يقول لكم"(5).

وفيما يرويه علي بن يقطين أحد خواصّ الإمام الكاظم(ع): يقول: "قال لي موسى بن جعفر(ع) ابتداءً منه: هذا أفقه وُلْدي ـ وأشار بيده إلى الرضا(ع) ـ قد نحلته كنيتي"(6).

وذكر العلاّمة سبط بن الجوزي نقلاً عن الواقدي في ما يصف به الإمام الرضا(ع): "وكان ثقةً يفتي بمسجد رسول الله(ص)، وهو ابن نيّف وعشرين سنة"(7). ويذكر أيضاً عن الواقدي أنَّ الإمام الرضا(ع) عندما قَدِم إلى نيشابور خلال مسيره من المدينة إلى خراسان قال: "خرج إليه علماؤها مثل يحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه ومحمد بن رافع وأحمد بن حرب وغيرهم لطلب الحديث والرواية والتبرُّك به"(8).

ولهذا، فنحن نتصوّر أنَّه لا بدَّ من دراسة كلِّ تراث هذا الإمام المعصوم العظيم، لأنَّه يمثِّل تراثاً واسعاً في الجوانب الفلسفيّة والفقهيّة والتفسيريّة والأخلاقيّة والحركيّة، بحيث إنَّ الإنسان الذي يدرسه يستطيع أن يخرج بثقافةٍ إسلاميّة متنوّعة الجوانب متعدّدة الأبعاد.

وهذا ما ندعو إليه في إثارتنا لكلِّ الأحاديث عن أهل البيت(ع)، وهو ألاَّ تكون المأساة كلَّ حديثنا عنهم، ولكن أن يكون حديثنا عن تراثهم الذي يُغني الإنسانية، والذي يُمكننا إذا درسناه وأوضحناه وحلّلناه أن نقدّمه للعصر، وأن نجعل العصر يتمثّل هؤلاء الأئمة(ع)، كما لو كانوا حاضرين فيه، يعالجون قضاياه، ويحلّون مشاكله، وينطلقون به نحو الخطِّ المستقيم.

إنسانيّة الرسالة في أخلاق الإمام الرضا(ع)

هذه صورةٌ في علم الإمام(ع) وانفتاحه على ربِّه، أما صورته في أخلاقه مع الناس، وسيرته وتهذيبه الأخلاقيّ وتواضعه لمن هو أدنى منه وأقلّ، فيقول عنها في ما رُويَ عن إبراهيم بن العبّاس قال: "ما رأيت أبا الحسن الرضا(ع) جَفَا أحداً بكلام قطّ ـ عاش(ع) مع الناس كلِّهم، مع الصغير والكبير، مع أصدقائه وأعدائه، ومع الطبقات الدنيا في المجتمع.. ومن الطبيعي أنَّ الإنسان الذي يعيش مثل هذه التجربة في علاقته بالناس، لا بدَّ أن يصطدم مع الناس، وأن يتألم من مواقفهم السلبيّة، ويتأذّى بشي‏ءٍ يأتيه من هذا وذاك، وكم هم الناس الذين كانوا يؤذون أهل البيت(ع) في داخل السلطة وخارجها، ومن الطبيعي أن يعبّر الإنسان عندما يؤذيه الناس الآخرون ويتعسّفون معه، بأن تصدر منه كلمةٌ قاسيةٌ ضدَّ من يؤذيه، أو كلمةٌ غليظةٌ ضدّ مَن يعتدي عليه.. أليست هذه سيرة الناس في ما يواجهونه من مشاكل ومن عُقَد؟ ولكنّ الإمام الرضا(ع) كان يملك تهذيب الكلمة، لأنَّه كان يقرأ القرآن قراءةً تنفتح على الإنسان في سلوكه، وكان يقرأ قوله تعالى: {وقُلْ لِعِبادي يقولُوا الّتي هي أَحْسَن} [الإسراء:53].

كان يطلق الكلمة الأحسن مع أعدائه ومع أصدقائه على السواء، ويتحدّث بالكلمة الأفضل مع الذين يؤذونه ومع الذين يُحسنون إليه، لأنَّ قصة الكلمة عندما تصدر منك، إنَّما هي قصتك أنت، فالكلمة تمثّل روحك وعقلك وقلبك، فإذا كنت الإنسان الطيّب، لا بدَّ أن تكون كلمتك طيّبة، وهذا رسول الله(ص) أسوتنا وقدوتنا في ذلك، وأهل البيت(ع) يقتدون به، وهم فرعٌ من ذاك الأصل، ويقول الله تعالى عن رسوله(ص): {فَبِمَا رحمةٍ مِنَ اللّه لِنْتَ لَهُم وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَليظَ القَلْبِ لانفضُّوا مِن حولِك} [آل عمران:159]، فإذا تعلّمنا أن نطلق في مواقفنا الكلمة الطيّبة الحلوة، وتعلّمنا أن نهدّى‏ء أعصابنا، وأن نُحضر عقولنا عندما نتكلّم، فإنَّ ذلك يمكن أن يحقّق لنا الكثير على مستوى العلاقات الاجتماعية التي تحوّل أعداءنا إلى أصدقاء. وهذا ما ذهبت إليه الآية الكريمة: {ادفعْ بالتي هي أحْسَنُ فإذا الذي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عداوةٌ كأنَّهُ وليٌّ حميمٌ} [فصّلت:34].

آدابٌ نبويّة

وكان الإمام(ع) يحترم الناس الذين يتحدّثون إليه، فيجعلهم يسترسلون في كلامهم دون أن يقاطعهم، لأنَّ ذلك قد يؤذيهم ويسي‏ء إليهم وإلى ما يحبون أن يعبّروا عنه، وإن كان بعض الناس قد يسترسل بالكلام بما لا ينبغي وبما لا يحتاج إليه ـ ولا رأيته قطع على أحدٍ كلامه حتى يفرغ منه ـ فلا يقاطع الشخص الذي يحدّثه، فلعلَّ له حديثاً في نهاية كلامه يختلف عما نفهمه في بداية كلامه، والإنسان يحبُّ أن يتحدّث ويستمع الآخرون إليه، ولذلك، فإنَّ من الأخلاق أن تكون مستمعاً أكثر مما تكون متكلّماً، إنَّك عندما تستمع، فإنَّ استماعك قد يضيف إلى معلوماتك معلومات وإلى تجاربك تجارب، لأنَّك قد تستطيع أن تفهم الناس أكثر عندما تسمعهم أكثر.

ـ وما ردَّ أحداً عن حاجةٍ يقدر عليها ـ كان لا يتعقّد من حاجة الناس إليه، بل كان ـ كما ورد في روايات أخرى إذا سأله أحدٌ عن حاجةٍ، فإنَّه يستعجل قضاءها، لأنَّه يخاف إذا أخّر قضاءها أن يستغني ذلك الرجل عنه، فيفقد نعمةً من نِعَم الله عليه، وهي قضاء حاجات الناس، وهذا خلاف ما نفعله ويفعله الكثيرون منا، حيث نؤخّر الإنسان في حاجته، فلا نقضيها ليملَّ من ذلك ويزهد في سؤالنا من جديد. ولكنّ الإمام(ع) يعلّمنا أنَّ حاجة النّاس إلينا هي من نِعَمِ الله علينا، حيث لم يردّ(ع) أحداً في حاجته وهو يقدر عليها.

ويضيف ابن العباس في روايته عن الرضا(ع): ـ ولا مدَّ رجليه بين يدي جليسه ـ كان(ع) يحترم جليسه، فلا يمدّ رجليه أمامه، حتى لا يسي‏ء إليه في مجلسه، لأنَّ الأخلاق الاجتماعية تعتبر أنَّ مدَّ الرجلين أمام الجليس إساءة للجليس ـ ولا رأيته اتكأ بين يدي جليس له قطّ ـ كان لا يتكى‏ء حتى لو أحسَّ بالتعب، حتى يتواضع لجليسه في ذلك، لأنّ الاتكاء أمام الجليس يوحي بشي‏ءٍ من العظمة والخيلاء والتميّز واحتقار الإنسان الآخر في كثير من الحالات الاجتماعيّة ـ ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومن مماليكه ـ من خَدَمِه ومَن هم تحت يده. ومن الطبيعي أن أيّ شخص عنده عمالٌ وموظّفون أن يسي‏ء إليه أحدٌ في كلامه أو عمله أو التزامه بأوقاته، وإنَّ الإنسان أمام هذه الحالات قد يغضب ويسبّ ويشتم، ولكنّ الإمام(ع) كان لا يفعل ذلك.

ـ ولا رأيته تفل ـ كان إذا أراد أن يتفل فإنَّه يُخفي ذلك حتى لا يتأذّى أحدٌ منه ـ ولا رأيته يقهقه في ضحكه قطّ، بل كان ضحكه التبسّم"(9).

وتظهر أخلاقه في ما تتجسّد إنسانيته في عطفه على الفقراء والمساكين وتحنّنه على خَدَمِه وعبيده، وقد جاء في الرواية عنه: "وكان(ع) إذا خلا جمع حشمَه كلَّهم عنده، الصغير والكبير، فيحدّثهم ويأنس بهم ويؤنسهم، وكان(ع) إذا جلس على المائدة لا يَدَعُ صغيراً ولا كبيراً حتى السائس والحجّام إلاّ أقعده معه على مائدته"().

لم يكن(ع) ككثير من الناس الذين إذا أرادوا أن ينصبوا مائدةً، فإنَّهم يتركون عمالهم ومواليهم وخَدمهم في مائدة جانبيّة احتقاراً لهم أو تعظيماً للطبقة الأخرى التي هم منها، وقد قال بعض أصحابه: "كنت مع الرضا(ع) في سفره إلى خراسان، فدعا يوماً بمائدة له، فجمع عليها مواليه (عبيده) من السودان ـ أصحاب البشرة السوداء ـ وغيرهم، فقلت: جُعلت فداك، لو عزلتَ لهؤلاء مائدة؟ فقال: مَهْ ـ اسكت ـ إنَّ الربَّ تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال"()، فنحن جميعاً أبناء آدم {إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات:13].

وقد تكلّم معه بعض أصحابه بما تكلّم به هذا الشخص، فقال له(ع): "حلفت بالعتق ـ تحرير العبيد ـ ألا أحلف بالعتق إلاَّ أعتقت رقبة، وأعتقت بعدها جميع ما أملك إن كان يرى أنّي خير من هذا ـ وأشار إلى عبد أسود من غلمانه ـ بقرابتي من رسول الله(ص)، إلاَّ أن يكون لي عملٌ صالحٌ فأكون أفضل به منه"(12).

إنَّ القرابة وحدها لا تعطي الإنسان فضلاً قيميّاً، بمعنى أن تكون قيمته أكثر من الناس الآخرين، فأبناء رسول الله(ص) قد تكون لهم قيمة النسب، ولكنَّ النسَب لا يمثّل قيمةًً في الإسلام، وهكذا نجد أنَّ أهل البيت(ع) لا يريدون أن يؤكّدوا على أنَّ الانتساب قيمة تجعل إنساناً ما أفضل من بقية الناس، لأنَّ النسب شي‏ءٌ لم نختره، وإنَّما هو شي‏ءٌ عشناه، وإنَّ ما نختاره هو عملنا وطاعتنا لله. "إنَّ وليّ محمد من أطاع الله وإن بَعُدت قرابتُه، وإنّ عدوّ محمد مَن عصى الله وإن قربت قرابته".

عبـادتـه

ويحدّثنا المؤرخون عن عبادته(ع)، حيث "كان يُكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآ، فإذا مرَّ بآيةٍ فيها ذكْرُ جنّة أو نار بكى، وسأل الله الجنّة، وتعوّذ به من النار"(13). يضيف إبراهيم بن العباس الصولي واصفاً عبادته، فيقول: "وكان قليل النوم بالليل، كثير السهر، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصبح، وكان كثير الصيام، فلا يفوته صيام ثلاثة أيّام في الشهر، ويقول: ذلك صوم الدهر، وكان كثير المعروف والصدقة في السرّ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنَّه رأى مثله في فضله فلا تُصدّق"(14).

ويصفه(ع) وهو يناجي ربَّه: "فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار، فاستاك (استعمل المسواك) ثم توضّأ ثم قام إلى صلاة الليل، فصلّى ثماني ركعات ويسلّم في كلِّ ركعتين، يقرأ في الأوليين منها في كلِّ ركعة الحمد مرّة، وقل هو الله أحد ثلاثين مرّة، ويصلّي صلاة جعفر بن أبي طالب(ع) أربع ركعات، يُسلّم في كلّ ركعتين ويقنت في كلِّ ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد التسبيح ويحتسب بها من صلاة الليل، ثم يصلّي الركعتين الباقيتين، يقرأ في الأولى الحمد وسورة المُلك، وفي الثانية الحمد و"هل أتى على الإنسان"، ثم يقوم فيصلّي ركعتي الشفع يقرأ في كلِّ ركعةٍ منهما الحمد مرّةً، و(قل هو الله أحد) ثلاث مرّات و(قل أعوذ بربِّ الفلق) مرّة واحدة و(قل أعوذ بربِّ الناس) مرّة واحدة ويقنت فيها بعد الركوع وبعد القراءة، ويقول في قنوته: "اللهم صَلِّ على محمد وال محمّد، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولّنا فيمن تولّيت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شرَّ ما قضيت، فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك، إنَّه لا يُذَلُّ من واليت ولا يُعَزُّ مَنْ عاديت، تباركت ربّنا وتعاليت” ثم يقول: “أستغفر الله وأسأله التوبة سبعين مرّةً، فإذا سلّم جلس في التعقيب ما شاء الله.. فإذا قرب من الفجر قام فصلّى ركعتي نافلة الفجر، يقرأ في الأولى الحمد )وقل يا أيّها الكافرون( وفي الثانية الحمد و)قل هو الله أحد(، فإذا طلع الفجر أذّن وصلّى الغداة ركعتين، فإذا سلّم جلس في التعقيب حتى تطلع الشمس، ثم سجد سجدتي الشكر حتى يتعالى النهار"(15).

هذا هو خطُّ أهل البيت(ع) في الاستغراق بالله حبّاً وشوقاً، هذا الحبُّ الذي ينعكس على الواقع مسؤوليّةً من خلال شموليّة النظرة الإسلامية إلى الحياة التي تنفتح فيها العبادة على الكون والإنسان والحياة، فلا تختنق في الآفاق الضيّقة، بل تطلُّ على الساحة كلِّها، اجتماعياً وسياسيّاً واقتصاديّاً من خلال نظرة الإسلام إلى كلِّ ذلك.

وهكذا ترجم أئمة أهل البيت(ع) العبادة طلباً لمرضاة الله، وجهاداً في سبيله، وتوجيهاً للأمة في الالتزام بالإسلام نهجاً في الحياة، وخطّاً في العقيدة، وانفتاحاً على الواقع كلِّه في قضاياه الكبيرة.. وقد شهد لهم بذلك المحبون والمناوئون، وهذا هو المأمون الخليفة العباسي يشهد بولاية العهد للإمام الرضا(ع) "محبة أن يلقى الله سبحانه وتعالى مناصحاً له في دينه وعباده، ومختاراً لولاية عهده ورعاية الأمة من بعده، أفضل من يقدر عليه في دينه وورعه وعلمه، وأرجاهم للقيام بأمر الله تعالى وحقِّه عليّ بن موسى الرضا، لِما رأى من فضله البارع، وعلمه الذائع، وورعه الظاهر الشائع، وزهده الخالص النافع، وتخلّيه عن الدنيا، وتفرّده عن الناس، وقد استبان ما لم تزل الأخبار عليه مطبقة، والألسن عليه متفقة، والكلمة فيه جامعة، والأخبار واسعة، ولما لم نزل نعرفه به من الفضل يافعاً وناشئاً وحَدَثاً وكهلاً، فلذلك عَقَد له بالعهد والخلافة من بعده"().

ويصفه رجاء بن أبي الضحّاك الذي لازمه في سفره من المدينة إلى (مَرُوْ) فيقول: "فكنت معه من المدينة إلى مرو، فوالله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله تعالى منه، ولا أكثر ذكراً لله في جميع أوقاته منه، ولا أشدّ خوفاً لله عزَّ وجلَّ منه، وكان إذا أصبح صلّى الغداة، فإذا سلّم جلس في مصلاّه يسبح الله ويحمده ويكبّره ويهلّله ويصلّي على النبيّ(ص) حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدةً يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثم أقبل على الناس يحدّثهم ويعظهم إلى قُرب الزوال"(17). ويروي أحد أصحابه، فيقول: "دخلت على عليّ بن موسى الرضا(ع) وبين يديه إبريقٌ يريد أن يتهيّأ منه للصلاة، فدنوت منه لأصبَّ عليه، فأبى ذلك، وقال: مه، فقلت له: لِمَ تنهاني أن أصبَّ على يدك، تكره أن أؤجر؟ قال: تؤجَر أنت وأؤزر أنا، فقلت له: وكيف ذلك؟ فقال: أما سمعت الله عزَّ وجلَّ يقول: {فمَنْ كان يرجو لقاءَ ربِّه فليعملْ عملاً صالحاً ولا يُشرك بعبادة ربِّه أحداً} وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد"(18). وعن منهجه العبادي المنطلق من التوحيد، جاء في الرواية، أنَّه(ع) في مسيره من المدينة إلى خراسان، حيث كان المأمون هناك، كان الناس يتجمّعون في كلِّ محطةٍ ينزل بها الإمام(ع)، وفي إحدى المحطات، اجتمع إليه المحدّثون الذين يروون عن رسول الله(ص) ليحدّثهم حديثاً عنه(ص) يكتبونه، فروى لهم الحديث المعروف بسلسلة الذهب، فقال(ع): "حدّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدّثني أبي محمد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدّثني أبي الحسين، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب، قال: حدّثني رسول الله عن جبرائيل عن الله أنَّه قال: كلمة لا إله إلاَّ الله حصني، فمن دخل حصني أمن عذابي"(19).

إنَّ التوحيد هو الأساس، فكلُّ شي‏ءٍ في العقيدة الإسلاميّة وفي الخطِّ الإسلامي يرجع إلى التوحيد، فالتوحيد عنوان العقيدة والعمل، وهو عنوان كلِّ العلاقات التي يتحرّك فيها الإنسان في كلِّ حياته، ولذلك اختصر القرآن الكريم الدين كلَّه في التوحيد: {إنَّ الذينَ قالُوا ربُّنا الله ثم استقاموا تتنزّلُ عليهُمُ الملائكةُ ألاَّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة التي كُنتُم تُوعَدُون} [فصلت:30]، وانطلق الإسلام ليؤكِّد للناس أنَّ توحيد الله هو الذي يفتح عقول الناس على الشريعة وعلى اليوم الآخر، ولذلك أراد للناس أن ينطلقوا من التوحيد في علاقاتهم ومواقفهم وكلِّ أوضاعهم..

والتوحيد بمعناه العقيدي، هو ألاَّ يعتقد الإنسان بإله إلا الله، وبمعناه العبادي ألاَّ يعبد الإنسان إلا الله، وبمعناه الالتزامي ألا يلتزم الإنسان طاعة أحد إلا الله.. وبذلك، فالتوحيد يعني الابتعادَ عن كلِّ التزام أو طاعة أو خضوع لأيِّ مخلوق مهما كان.. وقد لاحظ الإمام(ع) أنَّ بعض الناس يسيئون الفهم لمثل هذه الكلمة، ليقولوا إنَّنا كلنا نشهد ألاَّ إله إلاَّ الله وأنَّ محمداً رسول الله، ولذلك، فإنَّنا نستطيع أن نشعر بالأمن من عذاب الله مهما فعلنا وعملنا، فالتفت الإمام إليهم وأخرج رأسه من المحمل وقال لهم كما تقول الرواية : "بشرطها وشروطها ـ أي أن تؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر، وأن تتبع النور الذي أنزله الله وهو القرآن، وأن تتبع القيادة الشرعيّة بشرطها وشروطها ـ وأنا من شروطها"، لأنَّه(ع) كان يمثّل القيادة الشرعيّة في خطِّ الإمامة.. وهكذا نفهم أنَّه لا يكفي للإنسان أن يكون مؤمناً بالله ورسوله، بل لا بدَّ أن يكون منطلقاً في حياته الفكريّة والعمليّة من خطِّ الله ورسوله، وهذا ما نلاحظه في أنَّ الله تعالى لم يتحدّث في أيِّ موقع ذُكر فيه الإيمان إلا وقرنه بالعمل الصالح، حيث لا يستطيع الإنسان أن يكون الرابح عند الله إلاَّ إذا آمن وعمل صالحاً.

المصادر:

(1) مناقب آل أبي طالب، ج:4، ص:341.

(2) بحار الأنوار،ج:49، ص:100.

(3) الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة، ص:251، ابن الصبّاغ المالكي وعيون أخبار الرضا، ج:2، ص:179.

(4) عيون أخبار الرضا، ج:2، ص:180.

(5) بحار الأنوار، ج:49، ص:100.

(6) الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج:1، ص:22.

(7) سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص:351.

(8) المصدر نفسه، ص:353.

(9) الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج:2، ص:184.

(10)الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج:2، ص:156.

(11)بحار الأنوار (نقلاً عن الكافي)، ج:49، ص:101.

(12)الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج:2، ص:237.

(13)المصدر السابق، ج:2، ص:182.

(14)الصدوق، عيون الأخبار، ج:2، ص:184.

(15)المصدر السابق، ج :2، ص:181.

(16)ابن الصبّاغ المالكي، الفصول المهمة، ص:258.

(17)الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج:2، ص:180.

(18)الكافي، ج:3، ص:69.

(19)الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج:2، ص:134.

العظمة في تجليات الإمامة

من أئمة أهل البيت(ع)، الإمام عليّ بن موسى الرضا(ع).. ونحن عندما نلتقي بأيِّ إمامٍ من أئمتنا، فلا بدَّ أن نعيش مع سيرته وكلماته ووصاياه وتعاليمه ومواعظه وإرشاداته، لأنَّ إمامتهم(ع) تمتدُّ في مدى حياتنا، باعتبار أنَّهم لا يتحرّكون في نطاق المرحلة التي عاشوا فيها، بل ينطلقون مع الحياة كلِّها.. فالرسالة الإسلاميّة هي رسالة الله تعالى إلى الناس جميعاً في الزمن كلِّه وفي المدى كلِّه.

لقد عاش الإمام الرضا(ع) بعد أبيه الإمام الكاظم(ع)، وامتدَّ تأثيره في الحياة الإسلاميّة كلِّها والواقع الإسلاميّ كلِّه، فكان الناس يَرِدون إليه ليتعلّموا منه، وكان يواجه كلَّ القضايا التي تتحرّك في المرحلة التي عاش فيها، من قضايا الصراع الفكري والتنوّع الديني.. فتلك هي مهمة أهل البيت(ع)، أن يرصدوا كلَّ الواقع، الواقع الثقافي ليصحّحوا المفاهيم التي يمكن أن تختلط فيها التفاسير، أو الواقع الفكريّ ليصحّحوا الكثير من الأفكار التي يمكن أن تثير الشبهات في داخلها، أو الواقع الاجتماعي ليصحّحوا مسار الطريق عندما ينحرف الناس عن الطريق المستقيم.

وعلى هذا، كان الإمام الرضا(ع) يجلس إلى النصارى واليهود والصابئة والملاحدة ليحاورهم وليدخل معهم في حديث الإسلام، مناقشاً أديانهم وأفكارهم، وكانوا ـ حسب شهادة الناس الذين عاصروه وعاصروا تلك الحوارات ـ لا يملكون جواباً أمامه، بل يسكتون سكوت الإنسان الذي لا يجد لديه حجّة في الردِّ عليه..

وحتى نتعرّف على صورة الإمام الرضا(ع) في عمقها الرسالي، لا بدَّ أن نتوقف عما قاله عنه بعض معاصريه أو مَن تلاهم. وقد جاء عن محمد بن عيسى اليقطيني: "لما اختلف الناس في أمر أبي الحسن الرضا(ع)، جُمعت من مسائله مما سُئِل عنه وأجاب فيه ثمانية عشر ألف مسألة، وقد روى عنه جماعة من المصنّفين، منهم أبو بكر الخطيب في تاريخه، والثعلبيّ في تفسيره، والسمعانيّ في رسالته، وابن المعتزّ في كتابه وغيرهم"().

وروى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن الفضل بن العباس عن أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهرويّ قال: "ما رأيت أعلم من عليّ بن موسى الرضا(ع) ولا رآه عالمٌ إلاَّ شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلمين، فغلبهم عن آخرهم، حتى ما بقي أحدٌ منهم إلا أقرَّ له بالفضل وأقرَّ على نفسه بالقصور.. ولقد سمعت عليَّ بن موسى الرضا(ع) يقول: "كنت أجلس في الروضة ـ بجوار قبر النبيِّ(ص) ـ والعلماء بالمدينة متوافرون، فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألةٍ أشاروا إليَّ بأجمعهم وبعثوا إليَّ بالمسائل فأُجيب عنها"(2).

ويقول بعض مَن عاش معه، وهو إبراهيم بن العباس: "ما سُئِل الرضا(ع) عن شي‏ءٍ إلاَّ علمه، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان إلى وقت عصره، وكان المأمون الخليفة العباسيّ آنذاك يمتحنه بالسؤال عن كلِّ شي‏ء، فيجيبه الجواب الشافي، وكان كلامه كلّه وجوابه وتمثّله انتزاعات من القرآن (3)، بحيث يكون القرآن هو القاعدة الفكريّة التي يستمدّ الإمام منها كلَّ حركة فكره في التفاصيل في كلِّ الأسئلة التي تُوجَّه إليه، من أجل الإيحاء بأنَّ القرآن إذا تأمّله الإنسان وتدبّره وعاش في آفاقه وتعمّق في أسراره، فإنَّه يستطيع أن يفهم الحياة في مفرداتها، ويتعرّف خطوطها وتفاصيلها من خلال إيحاءات القرآن تارةً، ومن خلال مضامينه أخرى، فكان(ع) يقرأ القران بتفكّر وتدبّر، لذلك يقول(ع): "ما مررت بآية قطّ إلاَّ فكّرت فيها، وفي أيِّ شي‏ءٍ نزلت وفي أيِّ وقت"(4).

وقد واجه(ع) الكثيرين من أهل الفلسفات ومن المتصوّفة، وكان يخاطب كلّ واحد منهم بالمستوى العلمي الذي يملكه، ورأى فيه كلُّ هؤلاء الإمام الموسوعيَّ الذي لم يتعقّد من سؤال ولم يتوقّف أمام أيّة مشكلة، بل كان يفيض بالعلم، وكان القرآن ـ كما قلنا ـ هو القاعدة التي انطلق منها وارتكز عليها في كلِّ ذلك.. وقد قال أبو الصلت: حدّثني محمد ابن إسحاق بن موسى بن جعفر عن أبيه، أنَّ موسى بن جعفر كان يقول لبنيه: "هذا أخوكم عليُّ بن موسى عالم آلِ محمّد، فاسألوه عن أديانكم، واحفظوا ما يقول لكم"(5).

وفيما يرويه علي بن يقطين أحد خواصّ الإمام الكاظم(ع): يقول: "قال لي موسى بن جعفر(ع) ابتداءً منه: هذا أفقه وُلْدي ـ وأشار بيده إلى الرضا(ع) ـ قد نحلته كنيتي"(6).

وذكر العلاّمة سبط بن الجوزي نقلاً عن الواقدي في ما يصف به الإمام الرضا(ع): "وكان ثقةً يفتي بمسجد رسول الله(ص)، وهو ابن نيّف وعشرين سنة"(7). ويذكر أيضاً عن الواقدي أنَّ الإمام الرضا(ع) عندما قَدِم إلى نيشابور خلال مسيره من المدينة إلى خراسان قال: "خرج إليه علماؤها مثل يحيى بن يحيى وإسحاق بن راهويه ومحمد بن رافع وأحمد بن حرب وغيرهم لطلب الحديث والرواية والتبرُّك به"(8).

ولهذا، فنحن نتصوّر أنَّه لا بدَّ من دراسة كلِّ تراث هذا الإمام المعصوم العظيم، لأنَّه يمثِّل تراثاً واسعاً في الجوانب الفلسفيّة والفقهيّة والتفسيريّة والأخلاقيّة والحركيّة، بحيث إنَّ الإنسان الذي يدرسه يستطيع أن يخرج بثقافةٍ إسلاميّة متنوّعة الجوانب متعدّدة الأبعاد.

وهذا ما ندعو إليه في إثارتنا لكلِّ الأحاديث عن أهل البيت(ع)، وهو ألاَّ تكون المأساة كلَّ حديثنا عنهم، ولكن أن يكون حديثنا عن تراثهم الذي يُغني الإنسانية، والذي يُمكننا إذا درسناه وأوضحناه وحلّلناه أن نقدّمه للعصر، وأن نجعل العصر يتمثّل هؤلاء الأئمة(ع)، كما لو كانوا حاضرين فيه، يعالجون قضاياه، ويحلّون مشاكله، وينطلقون به نحو الخطِّ المستقيم.

إنسانيّة الرسالة في أخلاق الإمام الرضا(ع)

هذه صورةٌ في علم الإمام(ع) وانفتاحه على ربِّه، أما صورته في أخلاقه مع الناس، وسيرته وتهذيبه الأخلاقيّ وتواضعه لمن هو أدنى منه وأقلّ، فيقول عنها في ما رُويَ عن إبراهيم بن العبّاس قال: "ما رأيت أبا الحسن الرضا(ع) جَفَا أحداً بكلام قطّ ـ عاش(ع) مع الناس كلِّهم، مع الصغير والكبير، مع أصدقائه وأعدائه، ومع الطبقات الدنيا في المجتمع.. ومن الطبيعي أنَّ الإنسان الذي يعيش مثل هذه التجربة في علاقته بالناس، لا بدَّ أن يصطدم مع الناس، وأن يتألم من مواقفهم السلبيّة، ويتأذّى بشي‏ءٍ يأتيه من هذا وذاك، وكم هم الناس الذين كانوا يؤذون أهل البيت(ع) في داخل السلطة وخارجها، ومن الطبيعي أن يعبّر الإنسان عندما يؤذيه الناس الآخرون ويتعسّفون معه، بأن تصدر منه كلمةٌ قاسيةٌ ضدَّ من يؤذيه، أو كلمةٌ غليظةٌ ضدّ مَن يعتدي عليه.. أليست هذه سيرة الناس في ما يواجهونه من مشاكل ومن عُقَد؟ ولكنّ الإمام الرضا(ع) كان يملك تهذيب الكلمة، لأنَّه كان يقرأ القرآن قراءةً تنفتح على الإنسان في سلوكه، وكان يقرأ قوله تعالى: {وقُلْ لِعِبادي يقولُوا الّتي هي أَحْسَن} [الإسراء:53].

كان يطلق الكلمة الأحسن مع أعدائه ومع أصدقائه على السواء، ويتحدّث بالكلمة الأفضل مع الذين يؤذونه ومع الذين يُحسنون إليه، لأنَّ قصة الكلمة عندما تصدر منك، إنَّما هي قصتك أنت، فالكلمة تمثّل روحك وعقلك وقلبك، فإذا كنت الإنسان الطيّب، لا بدَّ أن تكون كلمتك طيّبة، وهذا رسول الله(ص) أسوتنا وقدوتنا في ذلك، وأهل البيت(ع) يقتدون به، وهم فرعٌ من ذاك الأصل، ويقول الله تعالى عن رسوله(ص): {فَبِمَا رحمةٍ مِنَ اللّه لِنْتَ لَهُم وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَليظَ القَلْبِ لانفضُّوا مِن حولِك} [آل عمران:159]، فإذا تعلّمنا أن نطلق في مواقفنا الكلمة الطيّبة الحلوة، وتعلّمنا أن نهدّى‏ء أعصابنا، وأن نُحضر عقولنا عندما نتكلّم، فإنَّ ذلك يمكن أن يحقّق لنا الكثير على مستوى العلاقات الاجتماعية التي تحوّل أعداءنا إلى أصدقاء. وهذا ما ذهبت إليه الآية الكريمة: {ادفعْ بالتي هي أحْسَنُ فإذا الذي بَيْنَكَ وبَيْنَهُ عداوةٌ كأنَّهُ وليٌّ حميمٌ} [فصّلت:34].

آدابٌ نبويّة

وكان الإمام(ع) يحترم الناس الذين يتحدّثون إليه، فيجعلهم يسترسلون في كلامهم دون أن يقاطعهم، لأنَّ ذلك قد يؤذيهم ويسي‏ء إليهم وإلى ما يحبون أن يعبّروا عنه، وإن كان بعض الناس قد يسترسل بالكلام بما لا ينبغي وبما لا يحتاج إليه ـ ولا رأيته قطع على أحدٍ كلامه حتى يفرغ منه ـ فلا يقاطع الشخص الذي يحدّثه، فلعلَّ له حديثاً في نهاية كلامه يختلف عما نفهمه في بداية كلامه، والإنسان يحبُّ أن يتحدّث ويستمع الآخرون إليه، ولذلك، فإنَّ من الأخلاق أن تكون مستمعاً أكثر مما تكون متكلّماً، إنَّك عندما تستمع، فإنَّ استماعك قد يضيف إلى معلوماتك معلومات وإلى تجاربك تجارب، لأنَّك قد تستطيع أن تفهم الناس أكثر عندما تسمعهم أكثر.

ـ وما ردَّ أحداً عن حاجةٍ يقدر عليها ـ كان لا يتعقّد من حاجة الناس إليه، بل كان ـ كما ورد في روايات أخرى إذا سأله أحدٌ عن حاجةٍ، فإنَّه يستعجل قضاءها، لأنَّه يخاف إذا أخّر قضاءها أن يستغني ذلك الرجل عنه، فيفقد نعمةً من نِعَم الله عليه، وهي قضاء حاجات الناس، وهذا خلاف ما نفعله ويفعله الكثيرون منا، حيث نؤخّر الإنسان في حاجته، فلا نقضيها ليملَّ من ذلك ويزهد في سؤالنا من جديد. ولكنّ الإمام(ع) يعلّمنا أنَّ حاجة النّاس إلينا هي من نِعَمِ الله علينا، حيث لم يردّ(ع) أحداً في حاجته وهو يقدر عليها.

ويضيف ابن العباس في روايته عن الرضا(ع): ـ ولا مدَّ رجليه بين يدي جليسه ـ كان(ع) يحترم جليسه، فلا يمدّ رجليه أمامه، حتى لا يسي‏ء إليه في مجلسه، لأنَّ الأخلاق الاجتماعية تعتبر أنَّ مدَّ الرجلين أمام الجليس إساءة للجليس ـ ولا رأيته اتكأ بين يدي جليس له قطّ ـ كان لا يتكى‏ء حتى لو أحسَّ بالتعب، حتى يتواضع لجليسه في ذلك، لأنّ الاتكاء أمام الجليس يوحي بشي‏ءٍ من العظمة والخيلاء والتميّز واحتقار الإنسان الآخر في كثير من الحالات الاجتماعيّة ـ ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومن مماليكه ـ من خَدَمِه ومَن هم تحت يده. ومن الطبيعي أن أيّ شخص عنده عمالٌ وموظّفون أن يسي‏ء إليه أحدٌ في كلامه أو عمله أو التزامه بأوقاته، وإنَّ الإنسان أمام هذه الحالات قد يغضب ويسبّ ويشتم، ولكنّ الإمام(ع) كان لا يفعل ذلك.

ـ ولا رأيته تفل ـ كان إذا أراد أن يتفل فإنَّه يُخفي ذلك حتى لا يتأذّى أحدٌ منه ـ ولا رأيته يقهقه في ضحكه قطّ، بل كان ضحكه التبسّم"(9).

وتظهر أخلاقه في ما تتجسّد إنسانيته في عطفه على الفقراء والمساكين وتحنّنه على خَدَمِه وعبيده، وقد جاء في الرواية عنه: "وكان(ع) إذا خلا جمع حشمَه كلَّهم عنده، الصغير والكبير، فيحدّثهم ويأنس بهم ويؤنسهم، وكان(ع) إذا جلس على المائدة لا يَدَعُ صغيراً ولا كبيراً حتى السائس والحجّام إلاّ أقعده معه على مائدته"().

لم يكن(ع) ككثير من الناس الذين إذا أرادوا أن ينصبوا مائدةً، فإنَّهم يتركون عمالهم ومواليهم وخَدمهم في مائدة جانبيّة احتقاراً لهم أو تعظيماً للطبقة الأخرى التي هم منها، وقد قال بعض أصحابه: "كنت مع الرضا(ع) في سفره إلى خراسان، فدعا يوماً بمائدة له، فجمع عليها مواليه (عبيده) من السودان ـ أصحاب البشرة السوداء ـ وغيرهم، فقلت: جُعلت فداك، لو عزلتَ لهؤلاء مائدة؟ فقال: مَهْ ـ اسكت ـ إنَّ الربَّ تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال"()، فنحن جميعاً أبناء آدم {إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات:13].

وقد تكلّم معه بعض أصحابه بما تكلّم به هذا الشخص، فقال له(ع): "حلفت بالعتق ـ تحرير العبيد ـ ألا أحلف بالعتق إلاَّ أعتقت رقبة، وأعتقت بعدها جميع ما أملك إن كان يرى أنّي خير من هذا ـ وأشار إلى عبد أسود من غلمانه ـ بقرابتي من رسول الله(ص)، إلاَّ أن يكون لي عملٌ صالحٌ فأكون أفضل به منه"(12).

إنَّ القرابة وحدها لا تعطي الإنسان فضلاً قيميّاً، بمعنى أن تكون قيمته أكثر من الناس الآخرين، فأبناء رسول الله(ص) قد تكون لهم قيمة النسب، ولكنَّ النسَب لا يمثّل قيمةًً في الإسلام، وهكذا نجد أنَّ أهل البيت(ع) لا يريدون أن يؤكّدوا على أنَّ الانتساب قيمة تجعل إنساناً ما أفضل من بقية الناس، لأنَّ النسب شي‏ءٌ لم نختره، وإنَّما هو شي‏ءٌ عشناه، وإنَّ ما نختاره هو عملنا وطاعتنا لله. "إنَّ وليّ محمد من أطاع الله وإن بَعُدت قرابتُه، وإنّ عدوّ محمد مَن عصى الله وإن قربت قرابته".

عبـادتـه

ويحدّثنا المؤرخون عن عبادته(ع)، حيث "كان يُكثر بالليل في فراشه من تلاوة القرآ، فإذا مرَّ بآيةٍ فيها ذكْرُ جنّة أو نار بكى، وسأل الله الجنّة، وتعوّذ به من النار"(13). يضيف إبراهيم بن العباس الصولي واصفاً عبادته، فيقول: "وكان قليل النوم بالليل، كثير السهر، يحيي أكثر لياليه من أولها إلى الصبح، وكان كثير الصيام، فلا يفوته صيام ثلاثة أيّام في الشهر، ويقول: ذلك صوم الدهر، وكان كثير المعروف والصدقة في السرّ، وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنَّه رأى مثله في فضله فلا تُصدّق"(14).

ويصفه(ع) وهو يناجي ربَّه: "فإذا كان الثلث الأخير من الليل قام من فراشه بالتسبيح والتحميد والتكبير والتهليل والاستغفار، فاستاك (استعمل المسواك) ثم توضّأ ثم قام إلى صلاة الليل، فصلّى ثماني ركعات ويسلّم في كلِّ ركعتين، يقرأ في الأوليين منها في كلِّ ركعة الحمد مرّة، وقل هو الله أحد ثلاثين مرّة، ويصلّي صلاة جعفر بن أبي طالب(ع) أربع ركعات، يُسلّم في كلّ ركعتين ويقنت في كلِّ ركعتين في الثانية قبل الركوع وبعد التسبيح ويحتسب بها من صلاة الليل، ثم يصلّي الركعتين الباقيتين، يقرأ في الأولى الحمد وسورة المُلك، وفي الثانية الحمد و"هل أتى على الإنسان"، ثم يقوم فيصلّي ركعتي الشفع يقرأ في كلِّ ركعةٍ منهما الحمد مرّةً، و(قل هو الله أحد) ثلاث مرّات و(قل أعوذ بربِّ الفلق) مرّة واحدة و(قل أعوذ بربِّ الناس) مرّة واحدة ويقنت فيها بعد الركوع وبعد القراءة، ويقول في قنوته: "اللهم صَلِّ على محمد وال محمّد، اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولّنا فيمن تولّيت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شرَّ ما قضيت، فإنَّك تقضي ولا يُقضى عليك، إنَّه لا يُذَلُّ من واليت ولا يُعَزُّ مَنْ عاديت، تباركت ربّنا وتعاليت” ثم يقول: “أستغفر الله وأسأله التوبة سبعين مرّةً، فإذا سلّم جلس في التعقيب ما شاء الله.. فإذا قرب من الفجر قام فصلّى ركعتي نافلة الفجر، يقرأ في الأولى الحمد )وقل يا أيّها الكافرون( وفي الثانية الحمد و)قل هو الله أحد(، فإذا طلع الفجر أذّن وصلّى الغداة ركعتين، فإذا سلّم جلس في التعقيب حتى تطلع الشمس، ثم سجد سجدتي الشكر حتى يتعالى النهار"(15).

هذا هو خطُّ أهل البيت(ع) في الاستغراق بالله حبّاً وشوقاً، هذا الحبُّ الذي ينعكس على الواقع مسؤوليّةً من خلال شموليّة النظرة الإسلامية إلى الحياة التي تنفتح فيها العبادة على الكون والإنسان والحياة، فلا تختنق في الآفاق الضيّقة، بل تطلُّ على الساحة كلِّها، اجتماعياً وسياسيّاً واقتصاديّاً من خلال نظرة الإسلام إلى كلِّ ذلك.

وهكذا ترجم أئمة أهل البيت(ع) العبادة طلباً لمرضاة الله، وجهاداً في سبيله، وتوجيهاً للأمة في الالتزام بالإسلام نهجاً في الحياة، وخطّاً في العقيدة، وانفتاحاً على الواقع كلِّه في قضاياه الكبيرة.. وقد شهد لهم بذلك المحبون والمناوئون، وهذا هو المأمون الخليفة العباسي يشهد بولاية العهد للإمام الرضا(ع) "محبة أن يلقى الله سبحانه وتعالى مناصحاً له في دينه وعباده، ومختاراً لولاية عهده ورعاية الأمة من بعده، أفضل من يقدر عليه في دينه وورعه وعلمه، وأرجاهم للقيام بأمر الله تعالى وحقِّه عليّ بن موسى الرضا، لِما رأى من فضله البارع، وعلمه الذائع، وورعه الظاهر الشائع، وزهده الخالص النافع، وتخلّيه عن الدنيا، وتفرّده عن الناس، وقد استبان ما لم تزل الأخبار عليه مطبقة، والألسن عليه متفقة، والكلمة فيه جامعة، والأخبار واسعة، ولما لم نزل نعرفه به من الفضل يافعاً وناشئاً وحَدَثاً وكهلاً، فلذلك عَقَد له بالعهد والخلافة من بعده"().

ويصفه رجاء بن أبي الضحّاك الذي لازمه في سفره من المدينة إلى (مَرُوْ) فيقول: "فكنت معه من المدينة إلى مرو، فوالله ما رأيت رجلاً كان أتقى لله تعالى منه، ولا أكثر ذكراً لله في جميع أوقاته منه، ولا أشدّ خوفاً لله عزَّ وجلَّ منه، وكان إذا أصبح صلّى الغداة، فإذا سلّم جلس في مصلاّه يسبح الله ويحمده ويكبّره ويهلّله ويصلّي على النبيّ(ص) حتى تطلع الشمس، ثم يسجد سجدةً يبقى فيها حتى يتعالى النهار، ثم أقبل على الناس يحدّثهم ويعظهم إلى قُرب الزوال"(17). ويروي أحد أصحابه، فيقول: "دخلت على عليّ بن موسى الرضا(ع) وبين يديه إبريقٌ يريد أن يتهيّأ منه للصلاة، فدنوت منه لأصبَّ عليه، فأبى ذلك، وقال: مه، فقلت له: لِمَ تنهاني أن أصبَّ على يدك، تكره أن أؤجر؟ قال: تؤجَر أنت وأؤزر أنا، فقلت له: وكيف ذلك؟ فقال: أما سمعت الله عزَّ وجلَّ يقول: {فمَنْ كان يرجو لقاءَ ربِّه فليعملْ عملاً صالحاً ولا يُشرك بعبادة ربِّه أحداً} وها أنا ذا أتوضأ للصلاة وهي العبادة، فأكره أن يشركني فيها أحد"(18). وعن منهجه العبادي المنطلق من التوحيد، جاء في الرواية، أنَّه(ع) في مسيره من المدينة إلى خراسان، حيث كان المأمون هناك، كان الناس يتجمّعون في كلِّ محطةٍ ينزل بها الإمام(ع)، وفي إحدى المحطات، اجتمع إليه المحدّثون الذين يروون عن رسول الله(ص) ليحدّثهم حديثاً عنه(ص) يكتبونه، فروى لهم الحديث المعروف بسلسلة الذهب، فقال(ع): "حدّثني أبي موسى بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمد، قال: حدّثني أبي محمد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدّثني أبي الحسين، قال: حدّثني أبي عليّ بن أبي طالب، قال: حدّثني رسول الله عن جبرائيل عن الله أنَّه قال: كلمة لا إله إلاَّ الله حصني، فمن دخل حصني أمن عذابي"(19).

إنَّ التوحيد هو الأساس، فكلُّ شي‏ءٍ في العقيدة الإسلاميّة وفي الخطِّ الإسلامي يرجع إلى التوحيد، فالتوحيد عنوان العقيدة والعمل، وهو عنوان كلِّ العلاقات التي يتحرّك فيها الإنسان في كلِّ حياته، ولذلك اختصر القرآن الكريم الدين كلَّه في التوحيد: {إنَّ الذينَ قالُوا ربُّنا الله ثم استقاموا تتنزّلُ عليهُمُ الملائكةُ ألاَّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنّة التي كُنتُم تُوعَدُون} [فصلت:30]، وانطلق الإسلام ليؤكِّد للناس أنَّ توحيد الله هو الذي يفتح عقول الناس على الشريعة وعلى اليوم الآخر، ولذلك أراد للناس أن ينطلقوا من التوحيد في علاقاتهم ومواقفهم وكلِّ أوضاعهم..

والتوحيد بمعناه العقيدي، هو ألاَّ يعتقد الإنسان بإله إلا الله، وبمعناه العبادي ألاَّ يعبد الإنسان إلا الله، وبمعناه الالتزامي ألا يلتزم الإنسان طاعة أحد إلا الله.. وبذلك، فالتوحيد يعني الابتعادَ عن كلِّ التزام أو طاعة أو خضوع لأيِّ مخلوق مهما كان.. وقد لاحظ الإمام(ع) أنَّ بعض الناس يسيئون الفهم لمثل هذه الكلمة، ليقولوا إنَّنا كلنا نشهد ألاَّ إله إلاَّ الله وأنَّ محمداً رسول الله، ولذلك، فإنَّنا نستطيع أن نشعر بالأمن من عذاب الله مهما فعلنا وعملنا، فالتفت الإمام إليهم وأخرج رأسه من المحمل وقال لهم كما تقول الرواية : "بشرطها وشروطها ـ أي أن تؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر، وأن تتبع النور الذي أنزله الله وهو القرآن، وأن تتبع القيادة الشرعيّة بشرطها وشروطها ـ وأنا من شروطها"، لأنَّه(ع) كان يمثّل القيادة الشرعيّة في خطِّ الإمامة.. وهكذا نفهم أنَّه لا يكفي للإنسان أن يكون مؤمناً بالله ورسوله، بل لا بدَّ أن يكون منطلقاً في حياته الفكريّة والعمليّة من خطِّ الله ورسوله، وهذا ما نلاحظه في أنَّ الله تعالى لم يتحدّث في أيِّ موقع ذُكر فيه الإيمان إلا وقرنه بالعمل الصالح، حيث لا يستطيع الإنسان أن يكون الرابح عند الله إلاَّ إذا آمن وعمل صالحاً.

المصادر:

(1) مناقب آل أبي طالب، ج:4، ص:341.

(2) بحار الأنوار،ج:49، ص:100.

(3) الفصول المهمة في معرفة أحوال الأئمة، ص:251، ابن الصبّاغ المالكي وعيون أخبار الرضا، ج:2، ص:179.

(4) عيون أخبار الرضا، ج:2، ص:180.

(5) بحار الأنوار، ج:49، ص:100.

(6) الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج:1، ص:22.

(7) سبط ابن الجوزي، تذكرة الخواص، ص:351.

(8) المصدر نفسه، ص:353.

(9) الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج:2، ص:184.

(10)الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج:2، ص:156.

(11)بحار الأنوار (نقلاً عن الكافي)، ج:49، ص:101.

(12)الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج:2، ص:237.

(13)المصدر السابق، ج:2، ص:182.

(14)الصدوق، عيون الأخبار، ج:2، ص:184.

(15)المصدر السابق، ج :2، ص:181.

(16)ابن الصبّاغ المالكي، الفصول المهمة، ص:258.

(17)الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج:2، ص:180.

(18)الكافي، ج:3، ص:69.

(19)الشيخ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج:2، ص:134.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير