مولدُ الحسينِ (ع): مولدُ العزَّةِ والحرّيّةِ والإباءِ

مولدُ الحسينِ (ع): مولدُ العزَّةِ والحرّيّةِ والإباءِ

في الثالث من شعبان، كان مولد الإمام الحسين (ع). والحسين ليس مجرَّد شخص من لحم ودم، وإن كان اللَّحم والدَّم يمثّلان ذاته في معنى المادَّة، ولكنّه كونٌ في معنى العقل والرّوح والرّسالة والحركة والروحانيَّة والذَّوبان في الله وفي كلِّ عباد الله من خلال الله.

إنَّه كون رحيب واسع ممتدّ، ينتج في كلِّ جيل كوناً جديداً، لأنَّ الحسين (ع) أطلق كلماته وسقاها بالدَّم، وجعل الرِّسالة تجري في داخل عروقه، وواجه التحدّيات بأقوى تحدٍّ مضادّ.

والحسين (ع) تجسَّد رسالةً في معنى الحريَّة ومعنى العزَّة: "لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد1 ". فالحرّ لا يمكن أن يمنح الَّذين يريدون أن يستعبدوا موقفه أو دوره أو حركته، الفرصة في ذلك، لأنَّ الحرية ليست حالة طارئة في الأحرار، ولكنَّها معنى إنسانيَّتهم.

وعندما يكون الحرّ إماماً، فإنَّ الإمامة تمثّل كلَّ امتدادات الحريَّة في العقل والقلب والحياة...2

لقد عاش هذا الإمام العظيم كلّ حياته لله وللإسلام، وكان الله كلّ دعوته، وكان الإسلام كلَّ همّه، عاش حياته من أجل أن يرفع مستوى النَّاس ليكونوا من المقرَّبين لله، ليعرفوا الله كما ينبغي أن يعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، وإذا عبدوه، استطاعوا أن يجعلوا الحياة كلَّها في خطّه، وطوع مناهج دينه.

وهو الإنسان الّذي شعر بأنَّ الإسلام هو أمانة الله ورسوله عنده، فكان الإمام الَّذي يتحرَّك حيث يُراد للإسلام أن يفرض حركته على واقع النَّاس، وكان يقف عندما يُراد للإسلام أن يتوقَّف من خلال ما يصلح أمره وأمر المسلمين جميعاً.

كان (ع) الثَّائر على كلِّ الانحراف الَّذي يصيب الواقع الإسلاميَّ، سواء كان الانحراف يتمثَّل في المسؤول الأوَّل في السلطة الإسلاميَّة، أو كان يتمثَّل في الذين يتولّون أمور المسلمين، وكان يريد للمسلمين أن يعيشوا العزَّة، كلَّ العزَّة، داخل دولتهم، ويرفض أن يتحرَّك المسؤول الأوَّل وجماعته في الدَّولة ليستعبدوا النَّاس، وأن يستأثروا بمال الأمَّة، ليجعله الحكم شركة بينه وبين جماعته، وكان يتحدَّث عن المجتمع من حوله: "اتخذوا مال الله دولاً - يتداولونه فيما بينهم - وعباده خولاً"3.

وعندما قرَّر الإمام الحسين (ع) أن يتحرَّك، قال في وصيَّته لأخيه محمد بن الحنفية، إن حركته ليست حركة إنسان يريد العلوّ في الأرض من خلال عقدة ذاتيّة في الاستعلاء، أو يريد التحكّم في الناس من خلال شهوة الحكم، ولكنَّه تحرَّك من أجل أن ينقذ الواقع الإسلاميَّ كلَّه من الانحراف عن خطِّ الإسلام.

كان (ع) يواجه الانحراف الثقافي في تصوّر المسلمين للإسلام، والانحراف السياسي في مسألة السّلطة والحكم الَّذي يفقد الشرعيّة، والانحراف الاجتماعي في التمزقات التي كانت تحصل بين المسلمين، أو في إقبال الكثيرين منهم على أتباع الَّذين يتحركون من خلال صوتٍ هنا ومالٍ هناك، بعيداً من شرعية الحقّ4 .

وقد تحوّل الحسين (ع) إلى رمز للرّسالة وللجهاد ولكلّ القيم الروحيّة والأخلاقيّة، بحيث إنَّنا نشعر الآن بعد أربعة عشر قرناً تقريباً، بأنَّه (ع) حاضر فينا بكلِّ معنى الرّسالة والتضحية والعطاء والجهاد في سبيل الله.

وبقي الحسين (ع) يوحي لنا بالتمرّد على كلّ الظالمين والمستكبرين، وبقي (ع) فينا ليسير بنا في كلّ جيل، حتى نخرج دائماً في كلِّ مواقعنا لنطلب الإصلاح في أمَّة جدِّه (ص)، لنأمر بالمعروف كلّ من يترك المعروف، سواء كان معروفاً شرعياً أو حركياً أو سياسياً أو اجتماعياً، ولنقف ضدّ كلّ من يفعل المنكر، بقي الحسين (ع) لنا منهجاً وخطاً في كلّ موقع كان فيه للإسلام قضيّة وللمسلمين معركة5 .

[1]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 45، ص 7.

[2]النّدوة، ج8.

[3]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج31، ص537.

[4]من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 11 تشرين أوَّل 2002م، الموافق: 4 شعبان 1423هـ.

[5]من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 12 – 11 -1999، الموافق: 4 شعبان 1430ه.

في الثالث من شعبان، كان مولد الإمام الحسين (ع). والحسين ليس مجرَّد شخص من لحم ودم، وإن كان اللَّحم والدَّم يمثّلان ذاته في معنى المادَّة، ولكنّه كونٌ في معنى العقل والرّوح والرّسالة والحركة والروحانيَّة والذَّوبان في الله وفي كلِّ عباد الله من خلال الله.

إنَّه كون رحيب واسع ممتدّ، ينتج في كلِّ جيل كوناً جديداً، لأنَّ الحسين (ع) أطلق كلماته وسقاها بالدَّم، وجعل الرِّسالة تجري في داخل عروقه، وواجه التحدّيات بأقوى تحدٍّ مضادّ.

والحسين (ع) تجسَّد رسالةً في معنى الحريَّة ومعنى العزَّة: "لا والله، لا أعطيكم بيدي إعطاء الذّليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد1 ". فالحرّ لا يمكن أن يمنح الَّذين يريدون أن يستعبدوا موقفه أو دوره أو حركته، الفرصة في ذلك، لأنَّ الحرية ليست حالة طارئة في الأحرار، ولكنَّها معنى إنسانيَّتهم.

وعندما يكون الحرّ إماماً، فإنَّ الإمامة تمثّل كلَّ امتدادات الحريَّة في العقل والقلب والحياة...2

لقد عاش هذا الإمام العظيم كلّ حياته لله وللإسلام، وكان الله كلّ دعوته، وكان الإسلام كلَّ همّه، عاش حياته من أجل أن يرفع مستوى النَّاس ليكونوا من المقرَّبين لله، ليعرفوا الله كما ينبغي أن يعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، وإذا عبدوه، استطاعوا أن يجعلوا الحياة كلَّها في خطّه، وطوع مناهج دينه.

وهو الإنسان الّذي شعر بأنَّ الإسلام هو أمانة الله ورسوله عنده، فكان الإمام الَّذي يتحرَّك حيث يُراد للإسلام أن يفرض حركته على واقع النَّاس، وكان يقف عندما يُراد للإسلام أن يتوقَّف من خلال ما يصلح أمره وأمر المسلمين جميعاً.

كان (ع) الثَّائر على كلِّ الانحراف الَّذي يصيب الواقع الإسلاميَّ، سواء كان الانحراف يتمثَّل في المسؤول الأوَّل في السلطة الإسلاميَّة، أو كان يتمثَّل في الذين يتولّون أمور المسلمين، وكان يريد للمسلمين أن يعيشوا العزَّة، كلَّ العزَّة، داخل دولتهم، ويرفض أن يتحرَّك المسؤول الأوَّل وجماعته في الدَّولة ليستعبدوا النَّاس، وأن يستأثروا بمال الأمَّة، ليجعله الحكم شركة بينه وبين جماعته، وكان يتحدَّث عن المجتمع من حوله: "اتخذوا مال الله دولاً - يتداولونه فيما بينهم - وعباده خولاً"3.

وعندما قرَّر الإمام الحسين (ع) أن يتحرَّك، قال في وصيَّته لأخيه محمد بن الحنفية، إن حركته ليست حركة إنسان يريد العلوّ في الأرض من خلال عقدة ذاتيّة في الاستعلاء، أو يريد التحكّم في الناس من خلال شهوة الحكم، ولكنَّه تحرَّك من أجل أن ينقذ الواقع الإسلاميَّ كلَّه من الانحراف عن خطِّ الإسلام.

كان (ع) يواجه الانحراف الثقافي في تصوّر المسلمين للإسلام، والانحراف السياسي في مسألة السّلطة والحكم الَّذي يفقد الشرعيّة، والانحراف الاجتماعي في التمزقات التي كانت تحصل بين المسلمين، أو في إقبال الكثيرين منهم على أتباع الَّذين يتحركون من خلال صوتٍ هنا ومالٍ هناك، بعيداً من شرعية الحقّ4 .

وقد تحوّل الحسين (ع) إلى رمز للرّسالة وللجهاد ولكلّ القيم الروحيّة والأخلاقيّة، بحيث إنَّنا نشعر الآن بعد أربعة عشر قرناً تقريباً، بأنَّه (ع) حاضر فينا بكلِّ معنى الرّسالة والتضحية والعطاء والجهاد في سبيل الله.

وبقي الحسين (ع) يوحي لنا بالتمرّد على كلّ الظالمين والمستكبرين، وبقي (ع) فينا ليسير بنا في كلّ جيل، حتى نخرج دائماً في كلِّ مواقعنا لنطلب الإصلاح في أمَّة جدِّه (ص)، لنأمر بالمعروف كلّ من يترك المعروف، سواء كان معروفاً شرعياً أو حركياً أو سياسياً أو اجتماعياً، ولنقف ضدّ كلّ من يفعل المنكر، بقي الحسين (ع) لنا منهجاً وخطاً في كلّ موقع كان فيه للإسلام قضيّة وللمسلمين معركة5 .

[1]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 45، ص 7.

[2]النّدوة، ج8.

[3]بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج31، ص537.

[4]من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 11 تشرين أوَّل 2002م، الموافق: 4 شعبان 1423هـ.

[5]من خطبة جمعة لسماحته، بتاريخ: 12 – 11 -1999، الموافق: 4 شعبان 1430ه.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير