العداوة لله وللرّسالة وللرّسل

العداوة لله وللرّسالة وللرّسل

كان الحديث في الأسبوع الماضي عن أوّل عداوة في التاريخ، وهي عداوة الشيطان للإنسان، وذيول هذه العداوة وامتداداتها على مدى الزمن، والَّتي تجلَّت في وسائل وأساليب متنوّعة تحدَّثنا عنها. والحديث في هذا اللّقاء عن جهة أخرى من العداوة؛ إنها العداوة لله وللرسالة وللرسل.

أعداء الله

لقد تحدَّثت أكثر من آية قرآنية عن عدوّ الله تارة، وعن أعدائه تارة أخرى؛ ففي سورة البقرة، جاء قوله تعالى: {مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ}[1]، ونستوحي منه، أنَّ العداوة لله تندمج في موقف هؤلاء الناس من عداوتهم للملائكة، ومنهم جبريل ـ الذي كان يعاديه اليهود ـ وميكال، ولرسل الله أيضاً، فإن الملائكة والرسل لا يمثلون أنفسهم، لتكون العداوة لهم شأناً ذاتياً، بل إنهم يمثلون الموقع القريب لله، مما يحملونه من رسالة، ويبلّغونه من أمور، أو يقومون به من وظائف، الأمر الذي يجعل العداوة الموجّهة إليهم عداوةً لله بشكل غير مباشر، ولذلك، اعتبرهم معادين لله، وإن كانوا لا يعترفون بعداوته بشكل مباشر.. وفي نهاية الآية، يؤكّد الله سبحانه وتعالى أنّه عدوّ لهم بلحاظ كفرهم الذي يؤدّي بهم إلى هذا الموقف السلبي من الرّسل في رسالاتهم ومن الملائكة. وهكذا، نعرف أنّ العداوة لله ليست عداوةً له بذاته، بل هي عداوة لرسله وملائكته، التي تتحوّل إلى عداوة للخطّ الأصيل للرسالات النازلة من الله، الموجَّهة إلى عباده، ليكون الارتباط بالرسل تابعاً للارتباط بها.

ونقرأ في سورة فصّلت/ الآية 19، المصير الّذي ينتظر هؤلاء الذين يعادون الله، باختيارهم الكفر به أو الشّرك بعبادته، ويعاديهم الله جزاءً لذلك، وهو قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}[2]، لأنَّ النار هي جزاء الكافرين، حيث أقام الله عليهم الحجّة في مسألة الإيمان، مما أدركته عقولهم وبما جاءت به الرّسل.

ونقرأ في سورة فصّلت/ الآيتان 27، 28، قوله تعالى: {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}[3]. فالكافرون الّذين يجحدون بآيات الله، ويعملون الأعمال السيّئة المنحرفة عن مواقع رضاه، المنفتحة على مواقع غضبه، هؤلاء هم أعداء الله، لأنّ مواقفهم مضادّة لله ولتعاليمه، ومتمرّدة على أوامره ونواهيه، ومنحرفة عن خطّه المستقيم، وصادَّة عن سبيله، ومحارِبة لأوليائه، وتلك هي قمّة العداوة في معناها الفكري والعملي.

وقد تحدَّث الله عن فرعون ـ في وحيه لأمّ موسى ـ بأنّه عدوٌّ له، لأنه تمرّد على الله في دعواه الربوبية، ودعوته الناس إلى عبادته من دونه، وإنكاره لألوهيّته وتوحيده، كما هو عدوّ لموسى، من خلال عداوته لقومه، حيث كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، وذلك هو قوله تعالى: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}[4].

كما تحدّث عن النبي إبراهيم(ع) الذي تبرأ من أبيه عندما تبيَّن له أنه عدوّ لله، لرفضه الإيمان به، والتزامه بعبادة الأصنام، وعداوته لإبراهيم وللمؤمنين معه، لأنهم دعوه إلى توحيد الله والابتعاد عن الأوثان، وذلك هو قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}[5].

وقد أكَّد الله للمؤمنين، أنَّ عدوّهم الذي يعاديهم بسبب إيمانهم بالله ورسله ورسالاته، هو في الوقت نفسه عدوّ الله، لأنّ موقف العداوة في العمق يتوجّه إلى الله، لا بمعنى الذات، بل بمعنى دينه القويم وخطّه المستقيم، وأراد لهم ألا يتخذوا السّائرين في خطّ العداوة أولياء، لأنّ الولاية في معناها الروحي والعملي، تفرض الانسجام في الخط الفكري، واللقاء في الجانب الشعوري والعملي، وهذا مما لا يمكن أن يلتقي بالعداوة في موقف الناس الذين يعلنون العداوة للناس وللرسالة، وذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ}، ثم يشرح لهم أساس هذه العداوة الذي ينبغي أن يبعدهم عن موالاتهم: {وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ}، وهذه هي العداوة الفكرية: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ * إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}[6]، وهذه هي العداوة العملية السلوكية.

طريقة التعامل مع الأعداء

وهذا هو المنهج الإسلامي الذي لا يريد للمسلمين أن ينظروا إلى الآخرين الذين يختلفون معهم في الدين أو في الكفر نظرة حقد وعداوة وبغضاء، لمجرد الاختلاف الفكري أو الديني، بل يريد لهم أن يأخذوا بأسباب الوعي والحذر الواقعي في علاقتهم بهؤلاء الذي يبطنون لهم العداوة في جميع الحالات، ويظهرونها في بعض الحالات، حتى لا يسقطوا ـ في غفلتهم وبساطتهم الروحية وعفويتهم الإنسانية ـ تحت تأثير خططهم التآمرية التي يخططون فيها لفتنتهم عن دينهم والإجهاز على قوتهم.

ولعلَّ أوضح صورة لهذا المنهج الإسلامي في توعية المسلمين للتعامل مع هؤلاء الأعداء الذين أربكوا المسيرة الإسلامية كلها في عهد الدعوة الأول، ولا سيما من المشركين واليهود، هو ما جاء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[7]، فهذه الآيات تمثل الصورة الإنسانية التي كان يتمتَّع بها المسلمون في علاقتهم بأهل الكتاب ـ ولا سيما اليهود ـ على مستوى المشاعر الشخصيَّة أو العلاقات الاجتماعيَّة، فهي علاقة محبَّة، من ناحية نفسيَّة، وعلاقة إيمان بكتابهم، لأنهم يؤمنون بالكتاب كلّه، بينما كان اليهود يختزنون البغضاء في نفوسهم، ويتحسَّسون الغيظ في صدورهم، في حقد عميق دفين، ولذلك، جاءت هذه الآية لتضع المسألة في نصابها الحقيقي، ولتحذّر المسلمين من الاستسلام لهؤلاء الذين يكيدون لهم، ويستغلون غفلة المسلمين عن مشاعرهم العدوانية الحقيقية، كوسيلة من وسائل الحماية في حركة الوعي الإنساني للواقع.

وقد أراد الله للمسلمين، إضافةً إلى الامتناع عن اتخاذ هؤلاء أولياء، أن يعدُّوا لهم القوّة، في مقابل القوّة التي يملكونها للعدوان على المسيرة الإسلاميّة، لأنَّ القوّة لا تردُّ إلا بالقوّة، وهذا ما جاء في قوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}[8]، فإنّ المطلوب لأيّ شعب أو أية أمّة، أن تملك القوّة الكبرى التي تمنع القوّة الأخرى من العدوان عليها، من خلال ضخامة القوّة الإسلامية التي يحسب الآخرون لها ألف حساب في حركة الهجوم في ساحات المعركة؛ إنها القوة الوقائية التي تحاول تأكيد تهيئة الوسائل الدفاعيّة من الناحيتين النفسيَّة والواقعيّة.

أعداء الأنبياء

وللأنبياء أعداؤهم أيضاً، باعتبار أنَّ الرسالات التي حملوها كانت تصطدم بالناس الذين يرفضون دعوة التوحيد، ممن يعبدون الأصنام، أو الذين يملكون بعض الامتيازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تتيح لهم أكثر من فرصة للحصول على مواقع النفوذ في المجتمع، ما يدفعهم إلى الحؤول دون وصول أي شخص، أو أية جهة، أو أية دعوة فكرية دينية أو غير دينية، إلى الدرجة التي يملك فيها التأثير في تلك الاتجاهات المضادة، أو القوى النافذة التي تتحرك لإعلان الحرب على الأنبياء، واستخدام كلّ ما لديها من وسائل القوة ضدهم، وتأليب الناس عليهم بمختلف الأساليب المثيرة لمشاعرهم والمحرِّكة لعصبياتهم، لإسقاط دعوتهم، وإضعاف موقعهم، الأمر الذي تتحوّل معه هذه الأوضاع إلى حالة من العداوة الحاقدة التي تستخدم كلّ الوسائل ضدّ الرسل في رسالتهم، ومنها الإشارة إلى بعض نقاط الضعف، كما في قوله تعالى في الحديث عن منطقهم: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}[9]، أو اتهام الرسول بالجنون أو بالسحر أو بالكهانة ـ في استغلال للسذاجة الشعبية التي لا تفكر ـ لإسقاط موقعه الروحي المرتبط بالله، بتحويله إلى حالة عقلية شاذة، أو إلى حالة بشرية عادية... وهذا هو ما عبّرت عنه الآية الكريمة في سورة الفرقان/ الآية 31: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}[10]، هؤلاء الذين يخطّطون للجريمة في واقع الناس، لأنهم لا يفكرون في المصلحة العامّة، بل ينطلقون من عقدتهم الذاتيّة التي تتنفّس بالإجرام في حياتهم، أو بالمحافظة على نفوذهم الاجتماعي الذي اكتسبوه باللّعب على عواطف الناس السّاذجة، واستغلال نقاط الضعف عندهم.. وربما كانت كلمة (المجرمين) فيما ورد في الآية الكريمة، إشارة إلى ما تمثّله هذه العداوة للنبي ولرسالته من جريمة في حقّ الإنسانيّة، لأنها تبعدهم عن الله، وتجعلهم في قبضة الشّيطان الَّذي يعدهم ويمنّيهم، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.

وفي آية أخرى، يتحدّث القرآن الكريم عن شياطين الجنّ والإنس، الذين يمثلون حالة العداوة للنبي بأساليبهم المتنوعة، سواء منها الخفيّة التي يأخذ بها شياطين الجنّ وبالوسائل الشيطانيّة، أو البارزة التي يمارسها شياطين الإنس بالوسائل البشريّة، لأنّ مسألة النبوّة تمثل خطراً على كل الشياطين الذين يضلّون الناس، ويصدّون عن سبيل الله، ويبغونها عوجاً، وذلك قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}[11]، وجاءت هذه الآية لتتحدَّث عن هذه السّلسلة التاريخية الطويلة من أعداء الرسل والرسالات، فقد أشارت إلى رسول الله(ص) فيما واجهه من مظاهر العداوة، من جحود وكفر ونكران، ومحاولة لإضلال المؤمنين به، وبيَّنت له أنَّ المسألة لا تختصّ به، بل تشمل كلّ الأنبياء من قبله، لأنها سنّة الله التي أودعها في نظام المجتمع وحركته، فهناك الذين ينسجمون مع الخط الرسالي، وينفتحون على جميع معانيه ومفاهيمه، وهناك الذين يتنكرون له ويتمردون عليه، ما يجعلهم معقَّدين أمامه، ليتحول ـ بعد ذلك ـ إلى عقدة ضدّ صاحب الخطّ ورسوله، سواء في شياطين الإنس الّذين يعملون في السر والعلن، من أجل التخطيط للقضاء على الرسول أو الرسالة، أو شياطين الجنّ الذين يتبعون سبيل الوسوسة في إبعاد الإنسان عن الحقّ والعدل، وتزيين الباطل له، وتشويه القيم الروحية والأخلاقية في الحياة، وإثارة الشّهوات، من أجل تحريك كلّ نقاط الضعف فيه.

ويتلاقى هؤلاء الشياطين في اجتماعات صغيرة أو كبيرة، مغلقة أو مفتوحة، ليتحدثوا فيما بينهم في أقرب الوسائل للضغط على الرسول، وفي أفضل الكلمات التي تحرك النوازع السيئة الخبيثة التي تمنع الإنسان من الانفتاح على الله، وفي أكثر الأساليب خداعاً وتغريراً، فـ {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً}، في عملية إيحاء بالشرّ والضّلال، في أجواء حميمة محبّبة إلى النّفس، في كلمات حلوة تنفذ إلى القلب في أعمق مشاعره وأدقِّ نبضاته.

وهكذا، يبدأ الضّلال في عقول الناس كلمات حلوة، وأساليب جميلة، وأجواء حالمة، وشهوات محرّمة، مما تزينه الشياطين، وتثيره وتحركه في حياة الناس البسطاء الطيّبين الساذجين، الذين لا يعرفون فنون الحيل، وأساليب الخداع، بل يقبلون على كلّ ما يسمونه، بالطّيبة التي توحي بالثقة، وبالطّهارة التي تقود إلى الاستسلام، حتى إذا اكتشفوا وجه الحيلة عند نهاية المطاف، أصابتهم الدهشة، وأثارهم العجب، وتساءلوا كيف يمكن أن يوجد في الكون مثل هؤلاء الناس الذين يخدعون عباد الله، ولا يخافون الله في ما يقولون وفي ما يفعلون، وفي ما يدبّرون من مكائد ومصائد.

وقد كان للأنبياء أعداء لا يعرفون من الحياة إلا الأساليب الخفيَّة التي سرعان ما تنكشف للنّاس، فيبطل مفعولها من خلال ذلك، كما تحدّث لنا القرآن عن صاحب إبراهيم(ع)، عندما قال على ملأ قومه جواباً لإبراهيم(ع) الذي قال: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ}، كأسلوبٍ من أساليب تضليل البسطاء من النّاس، الّذين يرون أنّ أمر الحياة والموت بيد الملوك الّذين يستطيعون أن يهبوا الحياة للإنسان، فيرفعوا عنه القتل، وأن يسلبوا منه الحياة، فيحكموا عليه بالموت، {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[12]. وهكذا، رأينا كيف كانت أساليب فرعون الظّاهرة والخفيّة في الكيد لموسى(ع). وتتوالى الأحداث مع الأنبياء، ويكون الحلّ الأخير لأعدائهم، هو القوّة التي قد تنجح أحياناً، وقد تفشل في كثير من الحالات، عندما تتدخل القوة الغيبيّة، لتنقذ الأنبياء من كيدهم وطغيانهم.

المعركة المستمرة

ومرت قافلة الأنبياء، وجاء بعدها الأئمة والأولياء والعلماء، الذين حملوا الرسالات بقوة وصدق، ووقفت قافلة أعداء الله في الطريق تواصل مسيرة التصدّي والتحدّي والكيد والتخريب، وتنوَّعت وسائل ذلك، فاستخدمت كلّ أدوات العلم والفنّ والإعلام، في سبيل المزيد من التشويه، والتمويه، والترغيب، والترهيب، والتخييل، والإيهام، وتغيير الواقع بما يتناسب مع أفكار الكفر والضلال. وما زالت المؤامرة على الإسلام والمسلمين مستمرّة، وما زال الناس يتساقطون في دينهم وعقيدتهم وسلوكهم أمام عناصر المؤامرة وأساليبها، بفعل القوة المدمرة، والاحتواء الشامل لكلّ الساحة في جميع أوضاعها ومجالاتها... وما زال المجاهدون الدعاة إلى الله في قلب المعركة؛ معركة الأنبياء مع شياطين الإنس والجنّ، الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً.

وتلك هي إرادة الله في ما أقام عليه الكون من سننه الحتمية، التي تترك للناس أن يختاروا ما يحلو لهم، فلا يشلّ قدرتهم على الاختيار، بل يوجّهها في نطاق الحرية المسؤولة، فإذا انحرفوا عن الطريق، لم يتدخّل بإرادته الفاعلة ليمنعهم من الانحراف، وذلك هو مفهوم الآية الكريمة: {وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ}، لأنهم لم يتمرّدوا على أنبياء الله ورسله من موقع قوّة ذاتية يملكون ـ من خلالها ـ مجابهة الله في سلطانه، وإنما فعلوا ذلك في نطاق السنن الكونية التي أودعها الله في الكون، فهم يتصرفون في نطاق حركة القدرة الإلهية في ما أعطاهم الله من حرية الإرادة وحركة الاختيار، {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}، ودعهم، ولا تلتفت إليهم، لأنهم لن يضرّوك شيئاً ما دمت سائراً في طريق الله بقوّةٍ وعزيمةٍ وإخلاص، إنهم يعيشون مع أفكارهم الشيطانيّة، ويحسبون أنها تجلب لهم الفلاح والنجاح، ولكنها لن تفيدهم شيئاً، ولن تغيّر شيئاً من مصيرهم، فذرهم وما يفترون من أفكار وآراء، فإنَّ وحي الله معك، فهو النّور وهو الحقيقة، {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ}[13]، وهذه هي النتائج التي ينتظرها عدوُّ النبيّ في كلّ زمان ومكان، أن يجد أذناً تصغي إليه، وقلباً يرضى بزخرفه وغروره، وأناساً يسيرون على خطّته، ويقترفون الجرائم التي يأمرهم بارتكابها.

إنَّ دوره أن يحرّك السّاحة لمصلحة الكفر، ويحقّق لها شروط نموِّها وتطوّرها في الاتجاه الذي يريد، فقد نجد في بعض الحالات مجموعة من النّاس تعيش أجواء الكفر، ولكنّها لا تجد القيادة التي تستفيد من هذه الأجواء من أجل الحصول على نتائج كبيرة، ولا تجد الظّروف الموضوعيّة التي تنمّي فيها قابليّة الانطلاق، فتقف في الظلّ طويلاً تتطلّع إلى الفرص القادمة، فإذا جاءها ذلك كله، تحولت إلى حركة قوية متمردة في ما تسمع، وفي ما تؤيد، وفي ما تعمل، وتلك هي سنّة الله في الحياة، في ما أراده الله من تنظيم للكون، في أن يمارس الإنسان عملية الإرادة من موقع الحرية، وأن تتحرك الحرية في الأجواء التي تحمل في ساحاتها فرص الهدى وفرص الضلال.

عداوة باختيار

ويبقى أن نشير إلى تساؤلٍ مهمّ قد يطرح على هامش قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}[14]، إذ كيف يجعل الله لكلّ نبيّ عدوّاً، وكيف ينسجم ذلك مع فكرة الحريّة؟! وفي جواب ذلك نقول: إنَّ الله عندما يتحدَّث عن نسبة أيّ فعل من أفعال الخير أو الشّرّ إلى ذاته المقدّسة، فإنّه لا يتحدَّث عن ذلك بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، يلغي فيه دور الإرادة الإنسانيّة في الفعل، بل يتحدّث عنه في الإطار العام للخلق، في ما أودعه فيه من النظم الكونيّة والحياتيّة التي تتحرّك في نطاق قانون السببيّة، فلكلّ عمل سببه الذي لا يوجد إلا به، وإذا كانت الإرادة الإنسانيّة هي أحد أسباب وجود الفعل الإنساني، فإنها تؤكّد عمليّة الاختيار ولا تلغيها، وبذلك، كانت نسبة جعل الأعداء للنبي إلى الله، منطلقةً من أنَّ طبيعة الرسالة التي أرسلها الله إلى الناس، تفرض أن يكون لها أناس يؤمنون بها، وأناس يكفرون بها، وذلك بالنّظر إلى اختيارهم الشخصي في قضيّة الإيمان والكفر، ما يجعل القضيّة مرتبطةً بالله من جهة، من خلال خلقه للإرادة الحرّة في الإنسان، وبالمكلّف من جهة أخرى، من خلال مباشرته لعمليَّة الاختيار بحريّته، وهذا الأسلوب ليس ببعيد عن عالم الإسناد المجازيّ في اللّغة العربيّة.

*ندوة الشام الأسبوعيّة، فكر وثقافة


[1]  [البقرة: 98].

[2]  [فصلت: 19].

[3]  [فصلت: 27، 28].

[4]  [طه: 39].

[5]  [التوبة: 114].

[6]  [الممتحنة: 1، 2].

[7]  [آل عمران: 118 ـ 120].

[8]  [الأنفال: 60].

[9]  [هود: 27].

[10]  [الفرقان: 31].

[11]  [الأنعام: 112].

[12]  [البقرة: 258].

[13]  [الأنعام: 112، 113].

[14]  [الفرقان: 31].


كان الحديث في الأسبوع الماضي عن أوّل عداوة في التاريخ، وهي عداوة الشيطان للإنسان، وذيول هذه العداوة وامتداداتها على مدى الزمن، والَّتي تجلَّت في وسائل وأساليب متنوّعة تحدَّثنا عنها. والحديث في هذا اللّقاء عن جهة أخرى من العداوة؛ إنها العداوة لله وللرسالة وللرسل.

أعداء الله

لقد تحدَّثت أكثر من آية قرآنية عن عدوّ الله تارة، وعن أعدائه تارة أخرى؛ ففي سورة البقرة، جاء قوله تعالى: {مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ}[1]، ونستوحي منه، أنَّ العداوة لله تندمج في موقف هؤلاء الناس من عداوتهم للملائكة، ومنهم جبريل ـ الذي كان يعاديه اليهود ـ وميكال، ولرسل الله أيضاً، فإن الملائكة والرسل لا يمثلون أنفسهم، لتكون العداوة لهم شأناً ذاتياً، بل إنهم يمثلون الموقع القريب لله، مما يحملونه من رسالة، ويبلّغونه من أمور، أو يقومون به من وظائف، الأمر الذي يجعل العداوة الموجّهة إليهم عداوةً لله بشكل غير مباشر، ولذلك، اعتبرهم معادين لله، وإن كانوا لا يعترفون بعداوته بشكل مباشر.. وفي نهاية الآية، يؤكّد الله سبحانه وتعالى أنّه عدوّ لهم بلحاظ كفرهم الذي يؤدّي بهم إلى هذا الموقف السلبي من الرّسل في رسالاتهم ومن الملائكة. وهكذا، نعرف أنّ العداوة لله ليست عداوةً له بذاته، بل هي عداوة لرسله وملائكته، التي تتحوّل إلى عداوة للخطّ الأصيل للرسالات النازلة من الله، الموجَّهة إلى عباده، ليكون الارتباط بالرسل تابعاً للارتباط بها.

ونقرأ في سورة فصّلت/ الآية 19، المصير الّذي ينتظر هؤلاء الذين يعادون الله، باختيارهم الكفر به أو الشّرك بعبادته، ويعاديهم الله جزاءً لذلك، وهو قوله تعالى: {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ}[2]، لأنَّ النار هي جزاء الكافرين، حيث أقام الله عليهم الحجّة في مسألة الإيمان، مما أدركته عقولهم وبما جاءت به الرّسل.

ونقرأ في سورة فصّلت/ الآيتان 27، 28، قوله تعالى: {فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ * ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ}[3]. فالكافرون الّذين يجحدون بآيات الله، ويعملون الأعمال السيّئة المنحرفة عن مواقع رضاه، المنفتحة على مواقع غضبه، هؤلاء هم أعداء الله، لأنّ مواقفهم مضادّة لله ولتعاليمه، ومتمرّدة على أوامره ونواهيه، ومنحرفة عن خطّه المستقيم، وصادَّة عن سبيله، ومحارِبة لأوليائه، وتلك هي قمّة العداوة في معناها الفكري والعملي.

وقد تحدَّث الله عن فرعون ـ في وحيه لأمّ موسى ـ بأنّه عدوٌّ له، لأنه تمرّد على الله في دعواه الربوبية، ودعوته الناس إلى عبادته من دونه، وإنكاره لألوهيّته وتوحيده، كما هو عدوّ لموسى، من خلال عداوته لقومه، حيث كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، وذلك هو قوله تعالى: {أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي}[4].

كما تحدّث عن النبي إبراهيم(ع) الذي تبرأ من أبيه عندما تبيَّن له أنه عدوّ لله، لرفضه الإيمان به، والتزامه بعبادة الأصنام، وعداوته لإبراهيم وللمؤمنين معه، لأنهم دعوه إلى توحيد الله والابتعاد عن الأوثان، وذلك هو قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ}[5].

وقد أكَّد الله للمؤمنين، أنَّ عدوّهم الذي يعاديهم بسبب إيمانهم بالله ورسله ورسالاته، هو في الوقت نفسه عدوّ الله، لأنّ موقف العداوة في العمق يتوجّه إلى الله، لا بمعنى الذات، بل بمعنى دينه القويم وخطّه المستقيم، وأراد لهم ألا يتخذوا السّائرين في خطّ العداوة أولياء، لأنّ الولاية في معناها الروحي والعملي، تفرض الانسجام في الخط الفكري، واللقاء في الجانب الشعوري والعملي، وهذا مما لا يمكن أن يلتقي بالعداوة في موقف الناس الذين يعلنون العداوة للناس وللرسالة، وذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ}، ثم يشرح لهم أساس هذه العداوة الذي ينبغي أن يبعدهم عن موالاتهم: {وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ}، وهذه هي العداوة الفكرية: {يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ * إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ}[6]، وهذه هي العداوة العملية السلوكية.

طريقة التعامل مع الأعداء

وهذا هو المنهج الإسلامي الذي لا يريد للمسلمين أن ينظروا إلى الآخرين الذين يختلفون معهم في الدين أو في الكفر نظرة حقد وعداوة وبغضاء، لمجرد الاختلاف الفكري أو الديني، بل يريد لهم أن يأخذوا بأسباب الوعي والحذر الواقعي في علاقتهم بهؤلاء الذي يبطنون لهم العداوة في جميع الحالات، ويظهرونها في بعض الحالات، حتى لا يسقطوا ـ في غفلتهم وبساطتهم الروحية وعفويتهم الإنسانية ـ تحت تأثير خططهم التآمرية التي يخططون فيها لفتنتهم عن دينهم والإجهاز على قوتهم.

ولعلَّ أوضح صورة لهذا المنهج الإسلامي في توعية المسلمين للتعامل مع هؤلاء الأعداء الذين أربكوا المسيرة الإسلامية كلها في عهد الدعوة الأول، ولا سيما من المشركين واليهود، هو ما جاء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}[7]، فهذه الآيات تمثل الصورة الإنسانية التي كان يتمتَّع بها المسلمون في علاقتهم بأهل الكتاب ـ ولا سيما اليهود ـ على مستوى المشاعر الشخصيَّة أو العلاقات الاجتماعيَّة، فهي علاقة محبَّة، من ناحية نفسيَّة، وعلاقة إيمان بكتابهم، لأنهم يؤمنون بالكتاب كلّه، بينما كان اليهود يختزنون البغضاء في نفوسهم، ويتحسَّسون الغيظ في صدورهم، في حقد عميق دفين، ولذلك، جاءت هذه الآية لتضع المسألة في نصابها الحقيقي، ولتحذّر المسلمين من الاستسلام لهؤلاء الذين يكيدون لهم، ويستغلون غفلة المسلمين عن مشاعرهم العدوانية الحقيقية، كوسيلة من وسائل الحماية في حركة الوعي الإنساني للواقع.

وقد أراد الله للمسلمين، إضافةً إلى الامتناع عن اتخاذ هؤلاء أولياء، أن يعدُّوا لهم القوّة، في مقابل القوّة التي يملكونها للعدوان على المسيرة الإسلاميّة، لأنَّ القوّة لا تردُّ إلا بالقوّة، وهذا ما جاء في قوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ}[8]، فإنّ المطلوب لأيّ شعب أو أية أمّة، أن تملك القوّة الكبرى التي تمنع القوّة الأخرى من العدوان عليها، من خلال ضخامة القوّة الإسلامية التي يحسب الآخرون لها ألف حساب في حركة الهجوم في ساحات المعركة؛ إنها القوة الوقائية التي تحاول تأكيد تهيئة الوسائل الدفاعيّة من الناحيتين النفسيَّة والواقعيّة.

أعداء الأنبياء

وللأنبياء أعداؤهم أيضاً، باعتبار أنَّ الرسالات التي حملوها كانت تصطدم بالناس الذين يرفضون دعوة التوحيد، ممن يعبدون الأصنام، أو الذين يملكون بعض الامتيازات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تتيح لهم أكثر من فرصة للحصول على مواقع النفوذ في المجتمع، ما يدفعهم إلى الحؤول دون وصول أي شخص، أو أية جهة، أو أية دعوة فكرية دينية أو غير دينية، إلى الدرجة التي يملك فيها التأثير في تلك الاتجاهات المضادة، أو القوى النافذة التي تتحرك لإعلان الحرب على الأنبياء، واستخدام كلّ ما لديها من وسائل القوة ضدهم، وتأليب الناس عليهم بمختلف الأساليب المثيرة لمشاعرهم والمحرِّكة لعصبياتهم، لإسقاط دعوتهم، وإضعاف موقعهم، الأمر الذي تتحوّل معه هذه الأوضاع إلى حالة من العداوة الحاقدة التي تستخدم كلّ الوسائل ضدّ الرسل في رسالتهم، ومنها الإشارة إلى بعض نقاط الضعف، كما في قوله تعالى في الحديث عن منطقهم: {وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ}[9]، أو اتهام الرسول بالجنون أو بالسحر أو بالكهانة ـ في استغلال للسذاجة الشعبية التي لا تفكر ـ لإسقاط موقعه الروحي المرتبط بالله، بتحويله إلى حالة عقلية شاذة، أو إلى حالة بشرية عادية... وهذا هو ما عبّرت عنه الآية الكريمة في سورة الفرقان/ الآية 31: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}[10]، هؤلاء الذين يخطّطون للجريمة في واقع الناس، لأنهم لا يفكرون في المصلحة العامّة، بل ينطلقون من عقدتهم الذاتيّة التي تتنفّس بالإجرام في حياتهم، أو بالمحافظة على نفوذهم الاجتماعي الذي اكتسبوه باللّعب على عواطف الناس السّاذجة، واستغلال نقاط الضعف عندهم.. وربما كانت كلمة (المجرمين) فيما ورد في الآية الكريمة، إشارة إلى ما تمثّله هذه العداوة للنبي ولرسالته من جريمة في حقّ الإنسانيّة، لأنها تبعدهم عن الله، وتجعلهم في قبضة الشّيطان الَّذي يعدهم ويمنّيهم، وما يعدهم الشيطان إلا غروراً.

وفي آية أخرى، يتحدّث القرآن الكريم عن شياطين الجنّ والإنس، الذين يمثلون حالة العداوة للنبي بأساليبهم المتنوعة، سواء منها الخفيّة التي يأخذ بها شياطين الجنّ وبالوسائل الشيطانيّة، أو البارزة التي يمارسها شياطين الإنس بالوسائل البشريّة، لأنّ مسألة النبوّة تمثل خطراً على كل الشياطين الذين يضلّون الناس، ويصدّون عن سبيل الله، ويبغونها عوجاً، وذلك قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}[11]، وجاءت هذه الآية لتتحدَّث عن هذه السّلسلة التاريخية الطويلة من أعداء الرسل والرسالات، فقد أشارت إلى رسول الله(ص) فيما واجهه من مظاهر العداوة، من جحود وكفر ونكران، ومحاولة لإضلال المؤمنين به، وبيَّنت له أنَّ المسألة لا تختصّ به، بل تشمل كلّ الأنبياء من قبله، لأنها سنّة الله التي أودعها في نظام المجتمع وحركته، فهناك الذين ينسجمون مع الخط الرسالي، وينفتحون على جميع معانيه ومفاهيمه، وهناك الذين يتنكرون له ويتمردون عليه، ما يجعلهم معقَّدين أمامه، ليتحول ـ بعد ذلك ـ إلى عقدة ضدّ صاحب الخطّ ورسوله، سواء في شياطين الإنس الّذين يعملون في السر والعلن، من أجل التخطيط للقضاء على الرسول أو الرسالة، أو شياطين الجنّ الذين يتبعون سبيل الوسوسة في إبعاد الإنسان عن الحقّ والعدل، وتزيين الباطل له، وتشويه القيم الروحية والأخلاقية في الحياة، وإثارة الشّهوات، من أجل تحريك كلّ نقاط الضعف فيه.

ويتلاقى هؤلاء الشياطين في اجتماعات صغيرة أو كبيرة، مغلقة أو مفتوحة، ليتحدثوا فيما بينهم في أقرب الوسائل للضغط على الرسول، وفي أفضل الكلمات التي تحرك النوازع السيئة الخبيثة التي تمنع الإنسان من الانفتاح على الله، وفي أكثر الأساليب خداعاً وتغريراً، فـ {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً}، في عملية إيحاء بالشرّ والضّلال، في أجواء حميمة محبّبة إلى النّفس، في كلمات حلوة تنفذ إلى القلب في أعمق مشاعره وأدقِّ نبضاته.

وهكذا، يبدأ الضّلال في عقول الناس كلمات حلوة، وأساليب جميلة، وأجواء حالمة، وشهوات محرّمة، مما تزينه الشياطين، وتثيره وتحركه في حياة الناس البسطاء الطيّبين الساذجين، الذين لا يعرفون فنون الحيل، وأساليب الخداع، بل يقبلون على كلّ ما يسمونه، بالطّيبة التي توحي بالثقة، وبالطّهارة التي تقود إلى الاستسلام، حتى إذا اكتشفوا وجه الحيلة عند نهاية المطاف، أصابتهم الدهشة، وأثارهم العجب، وتساءلوا كيف يمكن أن يوجد في الكون مثل هؤلاء الناس الذين يخدعون عباد الله، ولا يخافون الله في ما يقولون وفي ما يفعلون، وفي ما يدبّرون من مكائد ومصائد.

وقد كان للأنبياء أعداء لا يعرفون من الحياة إلا الأساليب الخفيَّة التي سرعان ما تنكشف للنّاس، فيبطل مفعولها من خلال ذلك، كما تحدّث لنا القرآن عن صاحب إبراهيم(ع)، عندما قال على ملأ قومه جواباً لإبراهيم(ع) الذي قال: {قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِـي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ}، كأسلوبٍ من أساليب تضليل البسطاء من النّاس، الّذين يرون أنّ أمر الحياة والموت بيد الملوك الّذين يستطيعون أن يهبوا الحياة للإنسان، فيرفعوا عنه القتل، وأن يسلبوا منه الحياة، فيحكموا عليه بالموت، {قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[12]. وهكذا، رأينا كيف كانت أساليب فرعون الظّاهرة والخفيّة في الكيد لموسى(ع). وتتوالى الأحداث مع الأنبياء، ويكون الحلّ الأخير لأعدائهم، هو القوّة التي قد تنجح أحياناً، وقد تفشل في كثير من الحالات، عندما تتدخل القوة الغيبيّة، لتنقذ الأنبياء من كيدهم وطغيانهم.

المعركة المستمرة

ومرت قافلة الأنبياء، وجاء بعدها الأئمة والأولياء والعلماء، الذين حملوا الرسالات بقوة وصدق، ووقفت قافلة أعداء الله في الطريق تواصل مسيرة التصدّي والتحدّي والكيد والتخريب، وتنوَّعت وسائل ذلك، فاستخدمت كلّ أدوات العلم والفنّ والإعلام، في سبيل المزيد من التشويه، والتمويه، والترغيب، والترهيب، والتخييل، والإيهام، وتغيير الواقع بما يتناسب مع أفكار الكفر والضلال. وما زالت المؤامرة على الإسلام والمسلمين مستمرّة، وما زال الناس يتساقطون في دينهم وعقيدتهم وسلوكهم أمام عناصر المؤامرة وأساليبها، بفعل القوة المدمرة، والاحتواء الشامل لكلّ الساحة في جميع أوضاعها ومجالاتها... وما زال المجاهدون الدعاة إلى الله في قلب المعركة؛ معركة الأنبياء مع شياطين الإنس والجنّ، الذين يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً.

وتلك هي إرادة الله في ما أقام عليه الكون من سننه الحتمية، التي تترك للناس أن يختاروا ما يحلو لهم، فلا يشلّ قدرتهم على الاختيار، بل يوجّهها في نطاق الحرية المسؤولة، فإذا انحرفوا عن الطريق، لم يتدخّل بإرادته الفاعلة ليمنعهم من الانحراف، وذلك هو مفهوم الآية الكريمة: {وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ}، لأنهم لم يتمرّدوا على أنبياء الله ورسله من موقع قوّة ذاتية يملكون ـ من خلالها ـ مجابهة الله في سلطانه، وإنما فعلوا ذلك في نطاق السنن الكونية التي أودعها الله في الكون، فهم يتصرفون في نطاق حركة القدرة الإلهية في ما أعطاهم الله من حرية الإرادة وحركة الاختيار، {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}، ودعهم، ولا تلتفت إليهم، لأنهم لن يضرّوك شيئاً ما دمت سائراً في طريق الله بقوّةٍ وعزيمةٍ وإخلاص، إنهم يعيشون مع أفكارهم الشيطانيّة، ويحسبون أنها تجلب لهم الفلاح والنجاح، ولكنها لن تفيدهم شيئاً، ولن تغيّر شيئاً من مصيرهم، فذرهم وما يفترون من أفكار وآراء، فإنَّ وحي الله معك، فهو النّور وهو الحقيقة، {وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ}[13]، وهذه هي النتائج التي ينتظرها عدوُّ النبيّ في كلّ زمان ومكان، أن يجد أذناً تصغي إليه، وقلباً يرضى بزخرفه وغروره، وأناساً يسيرون على خطّته، ويقترفون الجرائم التي يأمرهم بارتكابها.

إنَّ دوره أن يحرّك السّاحة لمصلحة الكفر، ويحقّق لها شروط نموِّها وتطوّرها في الاتجاه الذي يريد، فقد نجد في بعض الحالات مجموعة من النّاس تعيش أجواء الكفر، ولكنّها لا تجد القيادة التي تستفيد من هذه الأجواء من أجل الحصول على نتائج كبيرة، ولا تجد الظّروف الموضوعيّة التي تنمّي فيها قابليّة الانطلاق، فتقف في الظلّ طويلاً تتطلّع إلى الفرص القادمة، فإذا جاءها ذلك كله، تحولت إلى حركة قوية متمردة في ما تسمع، وفي ما تؤيد، وفي ما تعمل، وتلك هي سنّة الله في الحياة، في ما أراده الله من تنظيم للكون، في أن يمارس الإنسان عملية الإرادة من موقع الحرية، وأن تتحرك الحرية في الأجواء التي تحمل في ساحاتها فرص الهدى وفرص الضلال.

عداوة باختيار

ويبقى أن نشير إلى تساؤلٍ مهمّ قد يطرح على هامش قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ}[14]، إذ كيف يجعل الله لكلّ نبيّ عدوّاً، وكيف ينسجم ذلك مع فكرة الحريّة؟! وفي جواب ذلك نقول: إنَّ الله عندما يتحدَّث عن نسبة أيّ فعل من أفعال الخير أو الشّرّ إلى ذاته المقدّسة، فإنّه لا يتحدَّث عن ذلك بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، يلغي فيه دور الإرادة الإنسانيّة في الفعل، بل يتحدّث عنه في الإطار العام للخلق، في ما أودعه فيه من النظم الكونيّة والحياتيّة التي تتحرّك في نطاق قانون السببيّة، فلكلّ عمل سببه الذي لا يوجد إلا به، وإذا كانت الإرادة الإنسانيّة هي أحد أسباب وجود الفعل الإنساني، فإنها تؤكّد عمليّة الاختيار ولا تلغيها، وبذلك، كانت نسبة جعل الأعداء للنبي إلى الله، منطلقةً من أنَّ طبيعة الرسالة التي أرسلها الله إلى الناس، تفرض أن يكون لها أناس يؤمنون بها، وأناس يكفرون بها، وذلك بالنّظر إلى اختيارهم الشخصي في قضيّة الإيمان والكفر، ما يجعل القضيّة مرتبطةً بالله من جهة، من خلال خلقه للإرادة الحرّة في الإنسان، وبالمكلّف من جهة أخرى، من خلال مباشرته لعمليَّة الاختيار بحريّته، وهذا الأسلوب ليس ببعيد عن عالم الإسناد المجازيّ في اللّغة العربيّة.

*ندوة الشام الأسبوعيّة، فكر وثقافة


[1]  [البقرة: 98].

[2]  [فصلت: 19].

[3]  [فصلت: 27، 28].

[4]  [طه: 39].

[5]  [التوبة: 114].

[6]  [الممتحنة: 1، 2].

[7]  [آل عمران: 118 ـ 120].

[8]  [الأنفال: 60].

[9]  [هود: 27].

[10]  [الفرقان: 31].

[11]  [الأنعام: 112].

[12]  [البقرة: 258].

[13]  [الأنعام: 112، 113].

[14]  [الفرقان: 31].

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير