محمَّد حسين فضل الله: العقلانيَّة والحوار من أجل التَّغيير

محمَّد حسين فضل الله: العقلانيَّة والحوار من أجل التَّغيير

من ضمن سلسلة كتب مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، وهو "مؤسّسة فكرية تنشط في ميدان البحث العلمي من خلال عدم القطيعة مع الأصول والمنطلقات الفكرية الثابتة، قبول النقد والانفتاح"، يتابع إصدار عدة سلاسل بحثيَّة، هي: سلسلة الدراسات القرآنية، وسلسلة الدراسات الحضارية، وسلسلة أعلام الفكر والإصلاح في العالم الإسلامي، وسلسلة دراسات الفكر الإيراني المعاصر، تكشف سلسلة أعلام الفكر والإصلاح في العالم العربي الصَّادرة عن المركز عن كتاب مهمّ ولافت بعنوانه الَّذي يحمل اسم "محمد حسين فضل الله: العقلانية والحوار من أجل التَّغيير"، ويحمل مجموعة مصطلحات اختصّ بها العلَّامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، وهي: العقلانية، والحوار، والتَّغيير.

ونحن نستعيد هذا الكتاب في أجواء الذكرى السنوية الثانية عشرة لرحيله في الرابع من تموز.

فماذا في هذا الكتاب:

مشروعه النهضوي

اللَّافت في الكتاب هو تفرّده بإحصاء إنتاج السيد الراحل (1935 – 2010)، والذي وصل إلى 116 مؤَلّفاً توّزع ما بين الفقهي والتأصيلي والاجتماعي والشبابي والحواريات والشّعر والتفسير القرآني والمقاومة وفلسطين والوحدة الإسلاميّة والحوار الديني والمرأة، والتي توّزعت على عشرات المؤلَّفات.

فلم يترك السيد عنواناً إلا وتناوله من موقعه كمتصدّ للقيادة الإسلامية الحركية المتنوّرة التي ساهمت بشكل كبير في تشكيل المقاومة في المنطقة وتوجيهها، ولا سيّما في لبنان وفلسطين.

وبالعودة إلى مفردات سماحة السيد المُفضَّلة، والتي تناولها البحّاثة: نجيب نورالدين وجعفر فضل الله من لبنان، ومحمد دكير من المغرب، وجابر عليوي ومحمد الحسيني من العراق، ونبيل علي صالح من سوريا، في هذا الكتاب التوثيقي، نجد أنَّ تعبيرات المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله باتت تحتلّ حيّزاً مهمّاً من تفكير الجمهور الإسلامي والعربي واللبّناني المختصّ أو العام.

ضدّ التقليد

شغل السيّد فضل الله الإعلام طويلاً منذ إطلالته الإولى من مسجد الإمام الرضا في بئر العبد، ومواجهته اتفاق 17 أيار/مايو، ومساهمته في إرساء واعد للإسلام الحركيّ، على حدّ تعبيره، وشغل الساحة النابضة بمحاولاته الإصلاحية على الصعد الاجتماعية التي وجدت صخرة كبيرة تصدّه، صخرة التقاليد الراسخة. وكان إنتاجه البحثي والتأليفي والمنبري والمسجدي والندواتي مكثّفاً من أجل سدّ ثغرة في فجوة صنعها التقليد العربي في مجتمع يجتاحه الفقر وتسوده الأميّة والعُرف والانتقام والثأر.

الحوار

الحوار كان لُغته، والحريّة همّه، والعقلانيّة أداته من أجل تغيير، ولو بسيط، فقد تناول الباحث نبيل علي صالح في الفصل الرابع من الكتاب - المكوّن من أربعة فصول - والَّذي هو أكبر فصل، ويضمّ بين دفّتيه أكثر الموضوعات إشكاليّة في فكر السيّد محمد حسين فضل الله، تناول منهجية فضل الله في دراسة التاريخ الإسلامي والحداثة الغربية، ومسألة الحوار والعلاقة بين الغرب والإسلام والحريَّة والمرأة والصحوة الإسلامية.

ففي هذا الفصل البارز - الذي بلغ 157 صفحة - تظهر شخصيَّة المرجع فضل الله المعروف بها والبارزة، رغم تناول الفصلين الثاني والثالث مسألة المنهج الاجتهادي والمنهج التفسيري عند سماحته، في حين أضاء الفصل الأوَّل على سيرته الذاتية والعلمية.

وقد رأى الباحث نبيل علي صالح في نصّه أنّ السيد فضل الله "حمل الهمَّ الفكري والثقافي الإسلامي والإنساني للأمَّة منذ بدايات تفتّحه الأولى، ثم انطلق ليدرس ويجتهد ويكتب ويحاور ويُخاطب الشرق والغرب في دعوة سامية للحوار والتعارف".

لا مقدَّسات في الحوار

وأطلق السيِّد الراحل قولاً اعتمد فيما بعد لدى الكثيرين، وخصوصاً الإسلاميين الحركيين، أنه "لا مقدَّسات في الحوار". هذه المقولة شجَّعت الكثيرين على التعبير عن تطلّعاتهم نحو العقل الإسلامي الشيعي الذي لم يتحدَّث به كعنوان مذهبي إطلاقاً، بل كلّ تعبيراته كانت تحت عنوان "الإسلام بجناحيه".

واللَّافت أنّ مقولته هذه طبّقها على نفسه، حيث شجَّع منتقديه انطلاقاً من مسؤوليّته أمام المجتمع والناس والأمَّة.

واكب السيد فضل الله الثورة الإسلاميَّة منذ بداياتها، فكان موقفه في "المنطلق" كمرافق فكري للثورة، وقد انشغل فكره باكراً بمستقبل هذه الثورة / المشروع، والدولة / الحلم.

ولم يكن مذهبيّاً حتى حين تناول الفتوى، بل كانت فتاواه تنبع من صميم البحث عن حلول شرعيَّة لجيل شابّ، وناهض، ومختلف عن جيل مرحلة الستينيات اليسارية، وما حملته في طياتها من أحداث انقلابية في المنطقة العربية.

الخلاف السني - الشيعي

واعتبر الخلاف السني - الشيعي عبارة عن هواجس مفتعلة غير حقيقية، مع رفضه التام للتشدّد الديني وحركاته التي تخدم الغرب وسياساته بطرق متنوّعة، بل مدعومة من الإعلام الصهيوني.

الحريّة

مقابل الحرية في الغرب، يعاني المجتمع الإسلامي والعربي التخلّف والاستبداد، وهو، في رأيه، مرض عُضال، حيث يدخل من فهمه لهذا المرض إلى قضيَّة المرأة الَّتي أخذها على عاتقه، فدافع عن المرأة، وشرَّع ما يحفظ حقَّها، فكان أن ثارت بوجهه تيارات الرجعية، وانطلق بخطّه هذا من القرآن الذي يتحدَّث عن المرأة والرجل بوصفهما إنساناً، فلم يُفرّق الشرع بينهما إلَّا لناحية مستوى العبادة ودرجات التقرّب إلى الله والمسؤوليَّة أمام الله، وهي قمة المساواة التي نادى بها الإسلام، وهي رؤية متقدّمة على الغرب بطروحاته النسوّية.

وأخيراً...

ما يُميّز المشروع النهضوي للمرجع السيِّد محمد حسين فضل الله، هو عدم الاستغراق في التنظير البعيد من الواقع، فكلّ منهاجه الفكريّ جاء انطلاقاً من تماسه اليومي مع الناس في القضايا المعيشية والوطنية والفقهية والسياسية والثقافية كافّةً، حيث كان يمثّل مرجعية الحياة.

ويبقى السّؤال: من سيتابع مشروعه النهضويّ الإسلاميّ؟ وما هي أدوات المشروع المستقبليَّة في ظلّ تغييرات مهولة؟

*حدث أون لاين، بتاريخ: 2 تموز 2022م.

من ضمن سلسلة كتب مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي، وهو "مؤسّسة فكرية تنشط في ميدان البحث العلمي من خلال عدم القطيعة مع الأصول والمنطلقات الفكرية الثابتة، قبول النقد والانفتاح"، يتابع إصدار عدة سلاسل بحثيَّة، هي: سلسلة الدراسات القرآنية، وسلسلة الدراسات الحضارية، وسلسلة أعلام الفكر والإصلاح في العالم الإسلامي، وسلسلة دراسات الفكر الإيراني المعاصر، تكشف سلسلة أعلام الفكر والإصلاح في العالم العربي الصَّادرة عن المركز عن كتاب مهمّ ولافت بعنوانه الَّذي يحمل اسم "محمد حسين فضل الله: العقلانية والحوار من أجل التَّغيير"، ويحمل مجموعة مصطلحات اختصّ بها العلَّامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، وهي: العقلانية، والحوار، والتَّغيير.

ونحن نستعيد هذا الكتاب في أجواء الذكرى السنوية الثانية عشرة لرحيله في الرابع من تموز.

فماذا في هذا الكتاب:

مشروعه النهضوي

اللَّافت في الكتاب هو تفرّده بإحصاء إنتاج السيد الراحل (1935 – 2010)، والذي وصل إلى 116 مؤَلّفاً توّزع ما بين الفقهي والتأصيلي والاجتماعي والشبابي والحواريات والشّعر والتفسير القرآني والمقاومة وفلسطين والوحدة الإسلاميّة والحوار الديني والمرأة، والتي توّزعت على عشرات المؤلَّفات.

فلم يترك السيد عنواناً إلا وتناوله من موقعه كمتصدّ للقيادة الإسلامية الحركية المتنوّرة التي ساهمت بشكل كبير في تشكيل المقاومة في المنطقة وتوجيهها، ولا سيّما في لبنان وفلسطين.

وبالعودة إلى مفردات سماحة السيد المُفضَّلة، والتي تناولها البحّاثة: نجيب نورالدين وجعفر فضل الله من لبنان، ومحمد دكير من المغرب، وجابر عليوي ومحمد الحسيني من العراق، ونبيل علي صالح من سوريا، في هذا الكتاب التوثيقي، نجد أنَّ تعبيرات المرجع السيِّد محمد حسين فضل الله باتت تحتلّ حيّزاً مهمّاً من تفكير الجمهور الإسلامي والعربي واللبّناني المختصّ أو العام.

ضدّ التقليد

شغل السيّد فضل الله الإعلام طويلاً منذ إطلالته الإولى من مسجد الإمام الرضا في بئر العبد، ومواجهته اتفاق 17 أيار/مايو، ومساهمته في إرساء واعد للإسلام الحركيّ، على حدّ تعبيره، وشغل الساحة النابضة بمحاولاته الإصلاحية على الصعد الاجتماعية التي وجدت صخرة كبيرة تصدّه، صخرة التقاليد الراسخة. وكان إنتاجه البحثي والتأليفي والمنبري والمسجدي والندواتي مكثّفاً من أجل سدّ ثغرة في فجوة صنعها التقليد العربي في مجتمع يجتاحه الفقر وتسوده الأميّة والعُرف والانتقام والثأر.

الحوار

الحوار كان لُغته، والحريّة همّه، والعقلانيّة أداته من أجل تغيير، ولو بسيط، فقد تناول الباحث نبيل علي صالح في الفصل الرابع من الكتاب - المكوّن من أربعة فصول - والَّذي هو أكبر فصل، ويضمّ بين دفّتيه أكثر الموضوعات إشكاليّة في فكر السيّد محمد حسين فضل الله، تناول منهجية فضل الله في دراسة التاريخ الإسلامي والحداثة الغربية، ومسألة الحوار والعلاقة بين الغرب والإسلام والحريَّة والمرأة والصحوة الإسلامية.

ففي هذا الفصل البارز - الذي بلغ 157 صفحة - تظهر شخصيَّة المرجع فضل الله المعروف بها والبارزة، رغم تناول الفصلين الثاني والثالث مسألة المنهج الاجتهادي والمنهج التفسيري عند سماحته، في حين أضاء الفصل الأوَّل على سيرته الذاتية والعلمية.

وقد رأى الباحث نبيل علي صالح في نصّه أنّ السيد فضل الله "حمل الهمَّ الفكري والثقافي الإسلامي والإنساني للأمَّة منذ بدايات تفتّحه الأولى، ثم انطلق ليدرس ويجتهد ويكتب ويحاور ويُخاطب الشرق والغرب في دعوة سامية للحوار والتعارف".

لا مقدَّسات في الحوار

وأطلق السيِّد الراحل قولاً اعتمد فيما بعد لدى الكثيرين، وخصوصاً الإسلاميين الحركيين، أنه "لا مقدَّسات في الحوار". هذه المقولة شجَّعت الكثيرين على التعبير عن تطلّعاتهم نحو العقل الإسلامي الشيعي الذي لم يتحدَّث به كعنوان مذهبي إطلاقاً، بل كلّ تعبيراته كانت تحت عنوان "الإسلام بجناحيه".

واللَّافت أنّ مقولته هذه طبّقها على نفسه، حيث شجَّع منتقديه انطلاقاً من مسؤوليّته أمام المجتمع والناس والأمَّة.

واكب السيد فضل الله الثورة الإسلاميَّة منذ بداياتها، فكان موقفه في "المنطلق" كمرافق فكري للثورة، وقد انشغل فكره باكراً بمستقبل هذه الثورة / المشروع، والدولة / الحلم.

ولم يكن مذهبيّاً حتى حين تناول الفتوى، بل كانت فتاواه تنبع من صميم البحث عن حلول شرعيَّة لجيل شابّ، وناهض، ومختلف عن جيل مرحلة الستينيات اليسارية، وما حملته في طياتها من أحداث انقلابية في المنطقة العربية.

الخلاف السني - الشيعي

واعتبر الخلاف السني - الشيعي عبارة عن هواجس مفتعلة غير حقيقية، مع رفضه التام للتشدّد الديني وحركاته التي تخدم الغرب وسياساته بطرق متنوّعة، بل مدعومة من الإعلام الصهيوني.

الحريّة

مقابل الحرية في الغرب، يعاني المجتمع الإسلامي والعربي التخلّف والاستبداد، وهو، في رأيه، مرض عُضال، حيث يدخل من فهمه لهذا المرض إلى قضيَّة المرأة الَّتي أخذها على عاتقه، فدافع عن المرأة، وشرَّع ما يحفظ حقَّها، فكان أن ثارت بوجهه تيارات الرجعية، وانطلق بخطّه هذا من القرآن الذي يتحدَّث عن المرأة والرجل بوصفهما إنساناً، فلم يُفرّق الشرع بينهما إلَّا لناحية مستوى العبادة ودرجات التقرّب إلى الله والمسؤوليَّة أمام الله، وهي قمة المساواة التي نادى بها الإسلام، وهي رؤية متقدّمة على الغرب بطروحاته النسوّية.

وأخيراً...

ما يُميّز المشروع النهضوي للمرجع السيِّد محمد حسين فضل الله، هو عدم الاستغراق في التنظير البعيد من الواقع، فكلّ منهاجه الفكريّ جاء انطلاقاً من تماسه اليومي مع الناس في القضايا المعيشية والوطنية والفقهية والسياسية والثقافية كافّةً، حيث كان يمثّل مرجعية الحياة.

ويبقى السّؤال: من سيتابع مشروعه النهضويّ الإسلاميّ؟ وما هي أدوات المشروع المستقبليَّة في ظلّ تغييرات مهولة؟

*حدث أون لاين، بتاريخ: 2 تموز 2022م.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير