في ذكرى وفاته..

السيد محمد حسين فضل الله

استطعت أن أقيم علاقة شخصيَّة وفكرية مع السيِّد محمد حسين فضل الله (رحمه الله) هي من أفضل العلاقات التي أقمتها في حياتي، كمثل علاقتي بالسيِّد محمَّد بحر العلوم، والشيخ محمد مهدي شمس الدين (رحمهما الله).
كنت أحبّ السيّد فضل الله كشخص، وأقلّده كفقيه فيما يستجدّ من المسائل، حيث كنت في الأصل أقلد السيّد محمد باقر الصَّدر، منذ سنوات شبابي الأولى، وما أزال.
أطلقتُ في إحدى كتاباتي وصف "الفقيه الممارس للعمل السياسي" على السيِّد فضل الله. وهذا وصف مطابق للواقع فيما أراه. فالسيِّد لم يكتفِ بالإفتاء في المسائل الدينيَّة، وإنما غاص إلى عمق السياسات المتعلّقة بأقطار العالم الإسلامي، وفي المقدّمة منها بطبيعة الحال، العراق ولبنان وفلسطين. وتميزت ممارسته للسياسة، نظراً وعملاً، ببعدها العالمي، فلم يكن يفصل بين ما يحدث في العالم الإسلامي وبين المعادلات الدوليَّة المعقَّدة. وكان في هذا ذلك الفقيه السياسي الملتزم بالخطِّ المبدئي والمصلحة الإسلاميَّة العليا، ولهذا كان مستهدفاً جسديّاً من قبل الدول المعادية، حتى إنَّه تعرَّض عدة مرات لمحاولات اغتيال أنجاه أجله منها.
سياسياً، كان ملتزماً بقضايا الاستقلال والتحرّر ومعاداة الاستعمار والصهيونيَّة، وكان الصوت المعبِّر عن معاناة المحرومين والمستعبدين في العالم. فكرياً، تميَّز بعقل منفتح، سواء في فهم الإسلام من نصوصه التأسيسيَّة، أي القرآن والثابت من سنَّة النبي والأئمة المعصومين؛ وسواء في اطلاعه على التجارب الفكرية العالمية والتفاعل معها، والاستفادة منها في تحريك الجامد من ساحات الفكر الإسلامي.
وأكسبه هذا الموقف التنويري عداءً، أو على الأقلّ عدم ارتياح الجامدين في ساحة الفكر الإسلامي، فأطلقوا عليه أوصافاً ظالمة لا تليق به، لكن حسبه أن ما قام به أنَّه لوجه الله، وطلباً لمرضاته، وليس طلباً لمرضاة المخلوقين.
أكسبني قربي الشَّديد منه قدرةً على خوض مسائل فكريَّة وسياسيَّة ما كنت لأقدر على خوضها لولاه، مثل "الفهم الحضاري للإسلام"، و"دولة الإنسان"، و"المشروع الحضاري الإسلامي". وبخصوص النقطة الأخيرة، أتاح لي السيِّد أن أجري معه حوارات مطوَّلة على مدى أشهر في ظلِّ أوضاع الساحة اللبنانية الملتهبة عن "المشروع الحضاري الإسلامي"، تمت طباعة القسم الأول منها بنفس العنوان في بيروت من قبل الصَّديق ميثم الجواهري. ولم يتسنّ لي إتمام الحوارات، بسبب مغادرتي لبنان نهائياً في نيسان من العام ١٩٩٠ إلى لندن. وكان فهمي للمشروع الحضاري الإسلامي من خلال هذه المحاورات أساساً لتبلور فكرة الدولة الحضارية الحديثة فيما بعد. وكنت طرحت فكرة "المشروع الحضاري الإسلامي" على السيد نوري المالكي، بوصفه أميناً عاماً لحزب الدعوة الإسلامية، واقترحت عليه أن يتبناها الحزب رسمياً بديلاً من فكرة "الدولة الإسلامية" التي سحبها الحزب من التَّداول منذ صدور "بيان التفاهم" في العام ١٩٨٠. ولا أعتقد أن السيد المالكي استجاب لهذا المقترح.
يقال "موتُ العالِم ثُلمة في الإسلام، لا يسدُّها شيء ما طرد اللَّيل والنَّهار". وهذا القول ينطبق أشد الانطباق على علماء أفذاذ، منهم وفي مقدَّمهم، السيِّد فضل الله. فنحن مازلنا نشعر بالفراغ الَّذي تركه السيِّد في الساحة الفكرية والسياسية الإسلامية، كالفراغ الذي تركه الشهيدان الصّدران، وغيرهما من كبار علماء أمّة المسلمين في هذا الجيل. نحتاج أن ينهض من بين هذا الركام، أو "التيه"، كما يقول أخونا وصديقنا السفير لقمان الفيلي، رجال ونساء متنوّرون، حداثيون، يفقهون الإسلام من خلال ثقافة العصر، قادرون على طرح مشروع للنهضة يخرج الأمَّة من تيه تخلفها وتخبطها في بناء الإنسان والمجتمع والدَّولة، بما يحقِّق الاستقامة على الطَّريقة المثلى، والسَّعادة في الدنيا والآخرة.
*  صفحة صحيفة العالم الإلكترونيّة


استطعت أن أقيم علاقة شخصيَّة وفكرية مع السيِّد محمد حسين فضل الله (رحمه الله) هي من أفضل العلاقات التي أقمتها في حياتي، كمثل علاقتي بالسيِّد محمَّد بحر العلوم، والشيخ محمد مهدي شمس الدين (رحمهما الله).
كنت أحبّ السيّد فضل الله كشخص، وأقلّده كفقيه فيما يستجدّ من المسائل، حيث كنت في الأصل أقلد السيّد محمد باقر الصَّدر، منذ سنوات شبابي الأولى، وما أزال.
أطلقتُ في إحدى كتاباتي وصف "الفقيه الممارس للعمل السياسي" على السيِّد فضل الله. وهذا وصف مطابق للواقع فيما أراه. فالسيِّد لم يكتفِ بالإفتاء في المسائل الدينيَّة، وإنما غاص إلى عمق السياسات المتعلّقة بأقطار العالم الإسلامي، وفي المقدّمة منها بطبيعة الحال، العراق ولبنان وفلسطين. وتميزت ممارسته للسياسة، نظراً وعملاً، ببعدها العالمي، فلم يكن يفصل بين ما يحدث في العالم الإسلامي وبين المعادلات الدوليَّة المعقَّدة. وكان في هذا ذلك الفقيه السياسي الملتزم بالخطِّ المبدئي والمصلحة الإسلاميَّة العليا، ولهذا كان مستهدفاً جسديّاً من قبل الدول المعادية، حتى إنَّه تعرَّض عدة مرات لمحاولات اغتيال أنجاه أجله منها.
سياسياً، كان ملتزماً بقضايا الاستقلال والتحرّر ومعاداة الاستعمار والصهيونيَّة، وكان الصوت المعبِّر عن معاناة المحرومين والمستعبدين في العالم. فكرياً، تميَّز بعقل منفتح، سواء في فهم الإسلام من نصوصه التأسيسيَّة، أي القرآن والثابت من سنَّة النبي والأئمة المعصومين؛ وسواء في اطلاعه على التجارب الفكرية العالمية والتفاعل معها، والاستفادة منها في تحريك الجامد من ساحات الفكر الإسلامي.
وأكسبه هذا الموقف التنويري عداءً، أو على الأقلّ عدم ارتياح الجامدين في ساحة الفكر الإسلامي، فأطلقوا عليه أوصافاً ظالمة لا تليق به، لكن حسبه أن ما قام به أنَّه لوجه الله، وطلباً لمرضاته، وليس طلباً لمرضاة المخلوقين.
أكسبني قربي الشَّديد منه قدرةً على خوض مسائل فكريَّة وسياسيَّة ما كنت لأقدر على خوضها لولاه، مثل "الفهم الحضاري للإسلام"، و"دولة الإنسان"، و"المشروع الحضاري الإسلامي". وبخصوص النقطة الأخيرة، أتاح لي السيِّد أن أجري معه حوارات مطوَّلة على مدى أشهر في ظلِّ أوضاع الساحة اللبنانية الملتهبة عن "المشروع الحضاري الإسلامي"، تمت طباعة القسم الأول منها بنفس العنوان في بيروت من قبل الصَّديق ميثم الجواهري. ولم يتسنّ لي إتمام الحوارات، بسبب مغادرتي لبنان نهائياً في نيسان من العام ١٩٩٠ إلى لندن. وكان فهمي للمشروع الحضاري الإسلامي من خلال هذه المحاورات أساساً لتبلور فكرة الدولة الحضارية الحديثة فيما بعد. وكنت طرحت فكرة "المشروع الحضاري الإسلامي" على السيد نوري المالكي، بوصفه أميناً عاماً لحزب الدعوة الإسلامية، واقترحت عليه أن يتبناها الحزب رسمياً بديلاً من فكرة "الدولة الإسلامية" التي سحبها الحزب من التَّداول منذ صدور "بيان التفاهم" في العام ١٩٨٠. ولا أعتقد أن السيد المالكي استجاب لهذا المقترح.
يقال "موتُ العالِم ثُلمة في الإسلام، لا يسدُّها شيء ما طرد اللَّيل والنَّهار". وهذا القول ينطبق أشد الانطباق على علماء أفذاذ، منهم وفي مقدَّمهم، السيِّد فضل الله. فنحن مازلنا نشعر بالفراغ الَّذي تركه السيِّد في الساحة الفكرية والسياسية الإسلامية، كالفراغ الذي تركه الشهيدان الصّدران، وغيرهما من كبار علماء أمّة المسلمين في هذا الجيل. نحتاج أن ينهض من بين هذا الركام، أو "التيه"، كما يقول أخونا وصديقنا السفير لقمان الفيلي، رجال ونساء متنوّرون، حداثيون، يفقهون الإسلام من خلال ثقافة العصر، قادرون على طرح مشروع للنهضة يخرج الأمَّة من تيه تخلفها وتخبطها في بناء الإنسان والمجتمع والدَّولة، بما يحقِّق الاستقامة على الطَّريقة المثلى، والسَّعادة في الدنيا والآخرة.
*  صفحة صحيفة العالم الإلكترونيّة


اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير