التيارات الإسلامية واقع ومستقبل

التيارات الإسلامية واقع ومستقبل

رغم حرصه الشديد على الحركات الإسلامية والدفاع عنها والتأكيد على دورها المستقبلي فإن المرجع الإسلامي العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله لا يتوانى عن ذكر بعض سلبيات هذه الحركات، خصوصاً لجهة استعمال بعضها للعنف الداخلي أو بسبب تزمّتها الثقافي والفكري.
لم يتخل منذ حوالي الخمسين سنة عن دوره في الدعوة إلى التغيير نحو الأفضل على مستوى أساليب العمل والاجتهادات الفكرية من أجل مواكبة التطورات السياسية والاجتماعية والعلمية، ولكي لا يقع الإسلاميون في الجمود السياسي والفكري، رغم تشديده في التأكيد على الثوابت الإسلامية على مستوى الأهداف والأفكار والعمل لإقامة الحكم الإسلامي في كل بقاع العالم، في حوار نهاية العام ونهاية الألفية الثانية، ومع الإطلالة على القرن الجديد، كان هذا اللقاء الذي أجرته صحيفة الأمان الأسبوعية بتاريخ 31 كانون الأول 1999، 23 رمضان 1420هـ مع العلامة فضل الله في تقييم شامل لدور الإسلاميين وفي قراءة لبعض التحديات الجديدة، حرص خلاله على الدعوة للمحافظة على الإسلام وتنوع الأساليب في العمل والدعوة، وعدم التقوقع في إطار واحد، خصوصاً بعد ان نجح الإسلاميون في إخراج الإسلام من القمقم. وهنا نص الحوار:

س: نحن على أبواب القرن، هل لهذا الموضوع دلالة على المستوى الإسلامي، أم أنه موضوع تقليدي؟

ج: لعل الفكرة التي تراود ذهني دائماً هي ان البدايات التقليدية للزمن أو النهايات لا تمثل شيئاً في معنى حركة الإنسان بشكل دقيق، إلا أن ما يفكر فيه الإنسان من ان تجدد الزمن يفرض عليه ان يجدّد نفسه فيما يفكر إذا استهلك فكرة، أو فيما يعيش من واقع إذا كان بحاجة لأن يصححه أو يعود إليه، لأن الزمن يمثل وحدة في الكون، فليس هناك زمن أفضل من زمن في طبيعته في النظام الكوني، لهذا أن نتحدث عن أول قرن أو أول ألفية فهذا حديث لا يعني شيئاً في الخصوصية، بل كل ما هناك أن النظرية الإسلامية هي أن يبقى الإنسان في حالة تصاعدية نحو الأعلى في كل حركة للزمن في عمره، فنحن نقرأ في الدعاء: "اللهم اجعل مستقبل أمري خيراً من ماضّي، وخير أعمالي خواتيمها، وخير أيامي يوم ألقاك" ونقرأ "من استوى يوماه فهو مغبون". من خلال ذلك يمكن أن نتحدث مع الحركة الإسلامية أن عليها أن تدرس دائماً في أية مرحلة زمنية هي وموقعها وأفكارها وعلاقاتها وحركتها وما إلى ذلك مما يتصل بالقيمة الموضوعية للحركة، لأننا نتصور أن الحركة الإسلامية في أي موقع من مواقع المكان لا بد لها من ان تعيد النظر دائماً في مضمونها الفكري، لا أقصد بالمضمون الفكري الخط الإسلامي للمضمون فهو ثابت لمن آمن به، ولكني أقصد الاجتهادات التي تتحرك داخل هذا المضمون أو في امتداداته، لأننا نعرف من خلال التاريخ الإسلامي في الجانب الثقافي أن الاجتهادات تتنوع من خلال المقولة التي تقول: "كم ترك الأول للآخر" لذلك على العاملين في الحركة الإسلامية أن يعيدوا النظر فيما يملكون من فكر وفيما يتحركون من مشاريع ومن أساليب، وأن لا تكون نجاحاتهم في جانب تجعلهم يتصورون انهم في الموقع المتقدم حتى في المواقع الأخرى. إن الحركات الإسلامية وعلى المسلمين المؤمنين حتى بالأسلوب التقليدي للإسلام أن يدرسوا مدى الألفية الثانية وما قبلها، أن يدرسوا التاريخ الإسلامي في نقاط ضعفه وقوته، في هزائمه وانتصاراته، في تخلفه وتقدمه على مستوى الفكر والسياسة والاجتماع والأخلاق وما إلى ذلك، مقارنة بما وصلت إليه الأفكار الأخرى والأديان الأخرى من تطور وانفتاح. لنتحسس موقع الإسلام الصحيح في المدى الزمني الجديد الذي يحاول الآخرون ان يخططوا له، فلنخطط كما يخططون ، ولندرس كما يدرسون، ولنحاسب الساحة في كل سلبياتها وإيجابياتها كما يفعلون، لأن علينا دائماً ان نعرف من نحن ومن أين وإلى أين نحن سائرون.

س: هل أفضت طروحتكم الانفتاحية على جميع التيارات إلى نتيجة عملية إيجابية في تغيير الصورة الموجودة عن القادة الإسلاميين؟

ج: لعل ما أتلقاه من ردود فعل حول الاطروحات التي طرحتها وحول الانفتاح الذي أنا معنيٌ به على مستوى كل الواقع من خلال ما نطرح بأنه لا مقدسات في الحوار وان الحقيقة بنت الحوار وأن الله حاور إبليس كما حاور الملائكة، وأنه اعتمد في القرآن الحوار مع كل الفئات، مع المشركين والملحدين والمنافقين، كما طرحه مع المؤمنين. إني أشعر بأنّ هناك إيجابيات كبيرة على مستوى المناخ، بحيث أنني أتحسس وجود مناخ لا يخلو من الجدة في انفتاح الناس على هذه المفردات الحوارية،. ومن الطبيعي أن هناك تعقيدات كبيرة في ساحاتنا الشرقية، وربما الإسلامية بشكل خاص، قد تنصب الكثير من الحواجز أمام حركية الحوار لأنها تعيش الإنغلاق من خلال ما تعيشه من تخلف فكري ومن جمود ثقافي ومن عصبية عمياء. إنّ مثل هذه الأجواء التي يخلقها هؤلاء قد تنصب حواجز داخل المجتمع وقد تثير الفوضى أمام حركية الحوار. إن الإنسان يستطيع أن يدخل في عقل الإنسان الآخر عندما يحترم فكره ليقود الإنسان الآخر إلى احترام فكره، إنني أتصور أننا نستطيع ان ندخل الحياة عندما تنطلق الحياة في تطور جديد، وإذا عشنا إنسانيتنا في إنسانية الإنسان الآخر، والحوار هو أن نعيش معنى الإنسانية في داخلنا، في معنى إنسانية الإنسان الآخر.

لقد عانيت الكثير من خلال هذه الدعوة للحوار، ولكنني عشت الكثير من التجدد النفسي والثقافي من خلال هذه الخطة الحوارية، وشعرت بأني أربح شيئاً جديداً على مستوى الأسلوب وعلى مستوى الإنسان ، إنني أتقرب إلى قلوب وعقول الناس من خلال ما أحاول فيه من تأكيد معنى المحبة لأجل أن أنزع الحقد من قلوبهم. إني أعيش مع الناس لأقربهم إلى الله ولم أعش لحظة في حياتي من أجل أن أقربهم إلى ذاتي، لأن الإنسان الذي يعيش ذاتيته في ذاته هو إنسان لا يعيش إنسانيته في الهواء الطلق.

س: ما هي في رأيكم إيجابيات وسلبيات المرحلة السابقة والمرحلة الحالية بالنسبة للإسلاميين، وخصوصاً على مدى القرن السابق؟

ج: إن الجانب الإيجابي الكبير الذي استطاع الإسلاميون أن يحققوه هو أنهم اخرجوا الإسلام من القمقم وحرّكوه في واقع الحياة، بعد أن كان يعيش الاسترخاء الثقافي والسياسي والاجتماعي، بحيث استطاعت قوى التخلف أن تجعله على هامش الواقع وأن تحصره في دائرة معينة. لذلك فإن حركة الإسلام في هذا القرن كانت حركة نهضة بشكل عام، حيث انطلق المفكرون المسلمون يواجهون التحديات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تنطلق منها التيارات الأخرى من علمانية وغيرها.

إنّ التطورات التي عاشتها الحركات الإسلامية استطاعت أن تجعل الإسلام همّ العالم، بحيث يتصوره الآخرون إيجابياً في معنى الفكر عندما يتحدث عنه المفكرون في بعض تجاربهم الفكرية، وسلبياً عندما يتحدث عنه السياسيون الذين يرون أن الإسلام يمثل خطراً على المقدرات لدى الاستكبار العالمي السياسية والاقتصادية والأمنية من خلال الحيوية التي يعيشها الإسلام في نفوس المسلمين على خط الحرية والعدالة وما إلى ذلك. إنني أعتقد أن الإسلام استطاع أن يحقق إيجابيات كبيرة من خلال الحركات الإسلامية في الخط العام، أما في الجوانب السلبية فهو هذا النوع من التعدد التمزقي للحركات الإسلامية، وهذا النوع من الارتباك في أساليب التحرك حين تنطلق حركة هنا في حالة من العنف الذي لا ينسجم مع الإسلام، حتى تلك التي يشرعها في جانب العنف الوقائي، أو في طبيعة المضمون الإسلامي الذي يعيش التخلف لدى بعض الحركات الإسلامية، أو في هذه التجزيئية بين ما هو ثقافي واجتماعي وسياسي، حيث نجد أن حركة إسلامية هنا وحركة إسلامية هناك، نرى أنها تشتغل في جوانب وتهمل أخرى، مما يؤدي إلى ضعف في التصور وضعف في الأسلوب وضعف في الحركات. ولكن هذه السلبيات مهما بلغت قيمتها من التأثير السلبي فإنها لا تستطيع أن تلغي الإيجابيات الكبيرة، وهي أن الإسلام دخل في وجدان العالم بعد أن كان غريباً عن هذا الوجدان.

س: لنتوقف قليلاً عند الشأن السياسي في المنطقة رددتم أن التسوية ممكنة لكن لا سلام، ما هي المعطيات التي تعتمدون عليها في ذلك؟

ج: إن المعطيان التي اعتمد عليها في ذلك هي أن السلام لا بد أن ينطلق من اقتناع وجداني شعبي بالآخر، بمعنى أن يعترف طرفا السلام ببعضهما البعض، وبكل العناصر الحيية التي يمثلها فريق بالفريق الآخر بما ينسجم مع مصالحه ومبادئه وقضاياه. ونحن عندما ندرس الواقع العربي والإسلامي مقارناً بالوضع اليهودي فإننا نرى أن هناك شمولية في الوجدان لعربي والإسلامي في النظرة السلبية لليهود في الناحية الدينية، باعتبار أن القرآن الكريم يقول: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود}. كذلك يتحدث عن اليهود بأنهم ينكثون عهد الله بعد ميثاقه، ويقتلون النبيين بغير حق، ويتحركون في خط الفساد والإفساد للناس، وأنهم يعيشون العنصرية التي تجعلهم يتصورون أنفسهم أولياء الله وأحباءه، وأنهم يقولون لغير اليهود {ليس علينا في الأميين سبيل}، هذا بالإضافة إلى التاريخ الذي عاشه المسلمون مع اليهود في بداية عهد الدعوة حيث نقضوا العهد وأربكوا الواقع الإسلامي في بداياته بعد ما فتح لهم الإسلام ذراعيه وبعد ان أدخلهم في المعاهدة التي أقامها في مجتمع المدينة بيم كل أفراد المجتمع، فتحالفوا مع المشركين ضد الإسلام، وقالوا عن المشركين الذين يعبدون الأوثان {هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا}.

وهكذا عندما جاؤوا في التاريخ الحديث ليسيطروا على فلسطين وليربكوا الحياة العربية في هذا القرن ما جعل الدماء تسيل... أوجدوا حالة تدميرية على مستوى الواقع السياسي والاقتصادي والبشري. لهذا من الصعب أن يلغي العالم العربي والإسلامي كل هذه المفردات السلبية تجاه اليهود وإنني أعتقد أنه لو قام المسؤولون باستفتاء في العالم العربي والإسلامي في مسألة السلام مع "إسرائيل" على أن تبقى "اسرائيل" في فلسطين وأن يبقى الفلسطينيون مشردين وموزعين حصلنا على صوت واحد لمصلحة السلام. وأن ما يقبل به الناس بعد هذا التعب الأمني وهذه الفوضى وهذا الإرباك إنما هو نتيجة الضغوط الدولية والأميركية التي حاولت أن تجعل "إسرائيل"أقوى دولة في المنطقة كلها حتى بالسلاح النووي، حيث تقف أميركا لتحارب كل دول العالم الثالث إذا امتلكت السلاح النووي كما حدث بالنسبة للهند وباكستان، ولكنها لا تحرك ساكناً بالنسبة لإسرائيل بل هي تدافع عنها.

س: هل ستتم التسوية خاصة، إذا دخلت فيها سوريا ولبنان، وهل سيتغير الجو العام في المنطقة؟

ج: أني أتصور أن التسوية سوف تحصل لأن الضغوط الدولية من جهة والأوضاع الداخلية من جهة أخرى سوف تفرض نجاح التسوية، حيث يلهث الجميع نحو التسوية بقطع النظر عن رغبتهم أو عدم رغبتهم فيها. اما قضية انها هل تغير الواقع؟؟ فالقضية هي كيف تتصرف أنت في مسؤوليتك عن هذا الواقع.

س: الوضع اللبناني مختلف عن الوضع المصري والأردني وهنا يأتي الخوف من التطبيع؟

ج: اتصور أنه ربما يحصل هناك شي من التطبيع لا سيما وأن فريقاً من اللبنانيين ـ وربما أكثر من فريق ـ لا يجد عقدة منذ البداية في "إسرائيل" ولكن اللبنانيين عندما يعيشون التجربة الإسرائيلية في دخول "إسرائيل" على المفاصل اللبنانية الاقتصادية وغير الاقتصادية فإنهم سوف يشعرون بمدى خطورة "اسرائيل" على لبنان وعلى مصالحهم الخاصة هنا وهناك، إن فرقاً كبيراً بين أن ندرس "اسرائيل" من بعيد وأن ندرسها من قريب. وأتصور أن التجارب السابقة لم تستطيع أن تحقق الكثير من حصول"اسرائيل" على فرص بعيدة من حساب لبنان. فالوضع المصرفي بقي على حاله حتى أثناء الحرب، والوضع السياحي كذلك.. لذلك أعتقد ان هناك مناعة تاريخية تمنع من سقوط لبنان الشعبي أمام أي تطور جديد.

س: هل لا زلتم ترون العلاقة شائكة بين الإسلاميين والنظام الذي ينضوون تحته. علماً أنكم استبقتم الجميع بالدعوة إلى الانخراط داخل الدولة حفاظاً على المكتسبات؟

ج: نحن نشعر أن بعض الإسلاميين يقفون بشكل سلبي أمام أي نظام يعيشون فيه، عندما يحدقون دائماً بالحل الإسلامي الكامل فقط. أما إذا كان الإسلاميون واقعيين يدرسون حركة الإسلام في داخل المجتمع إلى جانب دراستهم لحركة الإسلام في داخل الدولة فإنهم عندما يفكرون بهذه الطريقة يدركون انهم يستطيعون ان يحققوا بعض الأهداف على مستوى الواقع الاجتماعي حتى في غياب الدولة الإسلامية، كما يتصورون انهم قد يلتقون مع النظام في بعض الأهداف المشتركة، كاللقاء الذي حدث في لبنان وفي بعض الأنظمة العلمانية في العالم الإسلامي في مواجهة الكيان الصهيوني ومواجهة بعض السياسات الأميركية. أن الإسلام يختلف عن الأنظمة الأخرى التي تفكر ان الحل لن يكون إلاَّ داخل النظام الذي تؤمن به. إنّ الإسلام يركز على الإنسان. ولذا يرى أن أي إصلاح للإنسان سواء في مجتمع الإسلام أو في مجتمع الكفر أو في دولة إسلامية أو غير إسلامية.. فإن هدف الإسلام هو الإنسان، فإذا استطعنا أن نصلح الإنسان حتى في مجتمع غير إسلامي أو حتى في دولة غير إسلامية مع بقاء بعض الأهداف الكبيرة، فإننا نرى ذلك واجباً شرعياً علينا، ولهذا فإن السلم لن يكون منعزلاً عن أي موقع من المواقع ما دام يجد فيه ما يؤكد رسالته في المستوى الجزئي هنا وهناك.

س: وكيف تقوّمون تجارب الإسلاميين السياسية في بعض الأقطار سواء عبر المشاركة في الحكم أو في المجالس النيابية او البلدية؟

ج: لقد كنت من الداعين منذ وقت طويل إلى أن يندمج الإسلاميون في الواقع السياسي وفي المجتمع وفي الأنظمة عندما تفسح هذه الأنظمة بالدخول إلى هذا الواقع السياسي مع إبقاء القاعدة الاستراتيجية على المستوى السياسي. وأتصور أن هذه التجربة في لبنان وفي الأردن واليمن مثلاً استطاعت ان تحقق إيجابيات عديدة لأنها أكدت الحضور الإسلامي في الساحة السياسية من جهة، واستطاعت ان تفتح الساحة الإسلامية على الحوار مع الساحة العلمانية في اكثر من جانب، وان تؤكد مقولتها في اللقاء على الكلمة السواء حتى مع الذين تختلف معهم في أساس العقيدة، إنني اتصور أن الإسلاميين نجحوا في تجربتهم هذه من حيث المبدأ، لذلك لم يعودوا مجرد حالة شاذة في المجتمع، بل أنهم دخلوا قلب المجتمع السياسي، ومن الطبيعي أن تقع بعض الأخطاء وبعض السلبيات وبعض نقاط الضعف من خلال حداثة التجربة من جهة ومن خلال الظروف الموضوعية من جهة اخرى، خصوصاً وأن الإسلاميين يتحركون في مناخ يختلف عن المناخ الذي ينطلقون فيه. ولكن لا بد من دراسة هذه التجربة في سلبياتها وإيجابياتها حتى نستطيع ان نكتشف العناصر السلبية والإيجابية، لأنني أرفض النظرة السلبية التي ينظر عبرها بعض المسلمين إلى التجربة السياسية للحركات الإسلامية، عندما يؤكدون على السلبيات ويتركون الإيجابيات، لأنه ما من إيجابية في الحياة إلا وفيها عناصر سلبية وما من سلبية إلا وفيها عناصر إيجابية، لأن العالم الذي نعيش فيه هو عالم محدود لا عالم مطلق.

س: ما هي أبرز العناوين التي تضعونها كخطوط عامة للإسلاميين في المرحلة المقبلة؟

ج: إنني أتصور أن على الإسلاميين أن يعيشوا عصرهم، وان يتفهموا ذهنية العصر وان يدرسوا الإسلام بأعمق مما يتمثلونه الآن، لأن للإسلام دوراً على مستوى العالم. وإنني أزعم ان المسلمين ـ والإسلاميين بالذات ـ لم يصلوا إلى تمثل هذا الدور العالمي للإسلام، باعتبار أن بعضهم لا يزال يعيش في الدوائر الضيقة كما لو كانت هذه الدوائر هي كل العالم.

رغم حرصه الشديد على الحركات الإسلامية والدفاع عنها والتأكيد على دورها المستقبلي فإن المرجع الإسلامي العلاّمة السيد محمد حسين فضل الله لا يتوانى عن ذكر بعض سلبيات هذه الحركات، خصوصاً لجهة استعمال بعضها للعنف الداخلي أو بسبب تزمّتها الثقافي والفكري.
لم يتخل منذ حوالي الخمسين سنة عن دوره في الدعوة إلى التغيير نحو الأفضل على مستوى أساليب العمل والاجتهادات الفكرية من أجل مواكبة التطورات السياسية والاجتماعية والعلمية، ولكي لا يقع الإسلاميون في الجمود السياسي والفكري، رغم تشديده في التأكيد على الثوابت الإسلامية على مستوى الأهداف والأفكار والعمل لإقامة الحكم الإسلامي في كل بقاع العالم، في حوار نهاية العام ونهاية الألفية الثانية، ومع الإطلالة على القرن الجديد، كان هذا اللقاء الذي أجرته صحيفة الأمان الأسبوعية بتاريخ 31 كانون الأول 1999، 23 رمضان 1420هـ مع العلامة فضل الله في تقييم شامل لدور الإسلاميين وفي قراءة لبعض التحديات الجديدة، حرص خلاله على الدعوة للمحافظة على الإسلام وتنوع الأساليب في العمل والدعوة، وعدم التقوقع في إطار واحد، خصوصاً بعد ان نجح الإسلاميون في إخراج الإسلام من القمقم. وهنا نص الحوار:

س: نحن على أبواب القرن، هل لهذا الموضوع دلالة على المستوى الإسلامي، أم أنه موضوع تقليدي؟

ج: لعل الفكرة التي تراود ذهني دائماً هي ان البدايات التقليدية للزمن أو النهايات لا تمثل شيئاً في معنى حركة الإنسان بشكل دقيق، إلا أن ما يفكر فيه الإنسان من ان تجدد الزمن يفرض عليه ان يجدّد نفسه فيما يفكر إذا استهلك فكرة، أو فيما يعيش من واقع إذا كان بحاجة لأن يصححه أو يعود إليه، لأن الزمن يمثل وحدة في الكون، فليس هناك زمن أفضل من زمن في طبيعته في النظام الكوني، لهذا أن نتحدث عن أول قرن أو أول ألفية فهذا حديث لا يعني شيئاً في الخصوصية، بل كل ما هناك أن النظرية الإسلامية هي أن يبقى الإنسان في حالة تصاعدية نحو الأعلى في كل حركة للزمن في عمره، فنحن نقرأ في الدعاء: "اللهم اجعل مستقبل أمري خيراً من ماضّي، وخير أعمالي خواتيمها، وخير أيامي يوم ألقاك" ونقرأ "من استوى يوماه فهو مغبون". من خلال ذلك يمكن أن نتحدث مع الحركة الإسلامية أن عليها أن تدرس دائماً في أية مرحلة زمنية هي وموقعها وأفكارها وعلاقاتها وحركتها وما إلى ذلك مما يتصل بالقيمة الموضوعية للحركة، لأننا نتصور أن الحركة الإسلامية في أي موقع من مواقع المكان لا بد لها من ان تعيد النظر دائماً في مضمونها الفكري، لا أقصد بالمضمون الفكري الخط الإسلامي للمضمون فهو ثابت لمن آمن به، ولكني أقصد الاجتهادات التي تتحرك داخل هذا المضمون أو في امتداداته، لأننا نعرف من خلال التاريخ الإسلامي في الجانب الثقافي أن الاجتهادات تتنوع من خلال المقولة التي تقول: "كم ترك الأول للآخر" لذلك على العاملين في الحركة الإسلامية أن يعيدوا النظر فيما يملكون من فكر وفيما يتحركون من مشاريع ومن أساليب، وأن لا تكون نجاحاتهم في جانب تجعلهم يتصورون انهم في الموقع المتقدم حتى في المواقع الأخرى. إن الحركات الإسلامية وعلى المسلمين المؤمنين حتى بالأسلوب التقليدي للإسلام أن يدرسوا مدى الألفية الثانية وما قبلها، أن يدرسوا التاريخ الإسلامي في نقاط ضعفه وقوته، في هزائمه وانتصاراته، في تخلفه وتقدمه على مستوى الفكر والسياسة والاجتماع والأخلاق وما إلى ذلك، مقارنة بما وصلت إليه الأفكار الأخرى والأديان الأخرى من تطور وانفتاح. لنتحسس موقع الإسلام الصحيح في المدى الزمني الجديد الذي يحاول الآخرون ان يخططوا له، فلنخطط كما يخططون ، ولندرس كما يدرسون، ولنحاسب الساحة في كل سلبياتها وإيجابياتها كما يفعلون، لأن علينا دائماً ان نعرف من نحن ومن أين وإلى أين نحن سائرون.

س: هل أفضت طروحتكم الانفتاحية على جميع التيارات إلى نتيجة عملية إيجابية في تغيير الصورة الموجودة عن القادة الإسلاميين؟

ج: لعل ما أتلقاه من ردود فعل حول الاطروحات التي طرحتها وحول الانفتاح الذي أنا معنيٌ به على مستوى كل الواقع من خلال ما نطرح بأنه لا مقدسات في الحوار وان الحقيقة بنت الحوار وأن الله حاور إبليس كما حاور الملائكة، وأنه اعتمد في القرآن الحوار مع كل الفئات، مع المشركين والملحدين والمنافقين، كما طرحه مع المؤمنين. إني أشعر بأنّ هناك إيجابيات كبيرة على مستوى المناخ، بحيث أنني أتحسس وجود مناخ لا يخلو من الجدة في انفتاح الناس على هذه المفردات الحوارية،. ومن الطبيعي أن هناك تعقيدات كبيرة في ساحاتنا الشرقية، وربما الإسلامية بشكل خاص، قد تنصب الكثير من الحواجز أمام حركية الحوار لأنها تعيش الإنغلاق من خلال ما تعيشه من تخلف فكري ومن جمود ثقافي ومن عصبية عمياء. إنّ مثل هذه الأجواء التي يخلقها هؤلاء قد تنصب حواجز داخل المجتمع وقد تثير الفوضى أمام حركية الحوار. إن الإنسان يستطيع أن يدخل في عقل الإنسان الآخر عندما يحترم فكره ليقود الإنسان الآخر إلى احترام فكره، إنني أتصور أننا نستطيع ان ندخل الحياة عندما تنطلق الحياة في تطور جديد، وإذا عشنا إنسانيتنا في إنسانية الإنسان الآخر، والحوار هو أن نعيش معنى الإنسانية في داخلنا، في معنى إنسانية الإنسان الآخر.

لقد عانيت الكثير من خلال هذه الدعوة للحوار، ولكنني عشت الكثير من التجدد النفسي والثقافي من خلال هذه الخطة الحوارية، وشعرت بأني أربح شيئاً جديداً على مستوى الأسلوب وعلى مستوى الإنسان ، إنني أتقرب إلى قلوب وعقول الناس من خلال ما أحاول فيه من تأكيد معنى المحبة لأجل أن أنزع الحقد من قلوبهم. إني أعيش مع الناس لأقربهم إلى الله ولم أعش لحظة في حياتي من أجل أن أقربهم إلى ذاتي، لأن الإنسان الذي يعيش ذاتيته في ذاته هو إنسان لا يعيش إنسانيته في الهواء الطلق.

س: ما هي في رأيكم إيجابيات وسلبيات المرحلة السابقة والمرحلة الحالية بالنسبة للإسلاميين، وخصوصاً على مدى القرن السابق؟

ج: إن الجانب الإيجابي الكبير الذي استطاع الإسلاميون أن يحققوه هو أنهم اخرجوا الإسلام من القمقم وحرّكوه في واقع الحياة، بعد أن كان يعيش الاسترخاء الثقافي والسياسي والاجتماعي، بحيث استطاعت قوى التخلف أن تجعله على هامش الواقع وأن تحصره في دائرة معينة. لذلك فإن حركة الإسلام في هذا القرن كانت حركة نهضة بشكل عام، حيث انطلق المفكرون المسلمون يواجهون التحديات الثقافية والسياسية والاجتماعية التي تنطلق منها التيارات الأخرى من علمانية وغيرها.

إنّ التطورات التي عاشتها الحركات الإسلامية استطاعت أن تجعل الإسلام همّ العالم، بحيث يتصوره الآخرون إيجابياً في معنى الفكر عندما يتحدث عنه المفكرون في بعض تجاربهم الفكرية، وسلبياً عندما يتحدث عنه السياسيون الذين يرون أن الإسلام يمثل خطراً على المقدرات لدى الاستكبار العالمي السياسية والاقتصادية والأمنية من خلال الحيوية التي يعيشها الإسلام في نفوس المسلمين على خط الحرية والعدالة وما إلى ذلك. إنني أعتقد أن الإسلام استطاع أن يحقق إيجابيات كبيرة من خلال الحركات الإسلامية في الخط العام، أما في الجوانب السلبية فهو هذا النوع من التعدد التمزقي للحركات الإسلامية، وهذا النوع من الارتباك في أساليب التحرك حين تنطلق حركة هنا في حالة من العنف الذي لا ينسجم مع الإسلام، حتى تلك التي يشرعها في جانب العنف الوقائي، أو في طبيعة المضمون الإسلامي الذي يعيش التخلف لدى بعض الحركات الإسلامية، أو في هذه التجزيئية بين ما هو ثقافي واجتماعي وسياسي، حيث نجد أن حركة إسلامية هنا وحركة إسلامية هناك، نرى أنها تشتغل في جوانب وتهمل أخرى، مما يؤدي إلى ضعف في التصور وضعف في الأسلوب وضعف في الحركات. ولكن هذه السلبيات مهما بلغت قيمتها من التأثير السلبي فإنها لا تستطيع أن تلغي الإيجابيات الكبيرة، وهي أن الإسلام دخل في وجدان العالم بعد أن كان غريباً عن هذا الوجدان.

س: لنتوقف قليلاً عند الشأن السياسي في المنطقة رددتم أن التسوية ممكنة لكن لا سلام، ما هي المعطيات التي تعتمدون عليها في ذلك؟

ج: إن المعطيان التي اعتمد عليها في ذلك هي أن السلام لا بد أن ينطلق من اقتناع وجداني شعبي بالآخر، بمعنى أن يعترف طرفا السلام ببعضهما البعض، وبكل العناصر الحيية التي يمثلها فريق بالفريق الآخر بما ينسجم مع مصالحه ومبادئه وقضاياه. ونحن عندما ندرس الواقع العربي والإسلامي مقارناً بالوضع اليهودي فإننا نرى أن هناك شمولية في الوجدان لعربي والإسلامي في النظرة السلبية لليهود في الناحية الدينية، باعتبار أن القرآن الكريم يقول: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود}. كذلك يتحدث عن اليهود بأنهم ينكثون عهد الله بعد ميثاقه، ويقتلون النبيين بغير حق، ويتحركون في خط الفساد والإفساد للناس، وأنهم يعيشون العنصرية التي تجعلهم يتصورون أنفسهم أولياء الله وأحباءه، وأنهم يقولون لغير اليهود {ليس علينا في الأميين سبيل}، هذا بالإضافة إلى التاريخ الذي عاشه المسلمون مع اليهود في بداية عهد الدعوة حيث نقضوا العهد وأربكوا الواقع الإسلامي في بداياته بعد ما فتح لهم الإسلام ذراعيه وبعد ان أدخلهم في المعاهدة التي أقامها في مجتمع المدينة بيم كل أفراد المجتمع، فتحالفوا مع المشركين ضد الإسلام، وقالوا عن المشركين الذين يعبدون الأوثان {هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا}.

وهكذا عندما جاؤوا في التاريخ الحديث ليسيطروا على فلسطين وليربكوا الحياة العربية في هذا القرن ما جعل الدماء تسيل... أوجدوا حالة تدميرية على مستوى الواقع السياسي والاقتصادي والبشري. لهذا من الصعب أن يلغي العالم العربي والإسلامي كل هذه المفردات السلبية تجاه اليهود وإنني أعتقد أنه لو قام المسؤولون باستفتاء في العالم العربي والإسلامي في مسألة السلام مع "إسرائيل" على أن تبقى "اسرائيل" في فلسطين وأن يبقى الفلسطينيون مشردين وموزعين حصلنا على صوت واحد لمصلحة السلام. وأن ما يقبل به الناس بعد هذا التعب الأمني وهذه الفوضى وهذا الإرباك إنما هو نتيجة الضغوط الدولية والأميركية التي حاولت أن تجعل "إسرائيل"أقوى دولة في المنطقة كلها حتى بالسلاح النووي، حيث تقف أميركا لتحارب كل دول العالم الثالث إذا امتلكت السلاح النووي كما حدث بالنسبة للهند وباكستان، ولكنها لا تحرك ساكناً بالنسبة لإسرائيل بل هي تدافع عنها.

س: هل ستتم التسوية خاصة، إذا دخلت فيها سوريا ولبنان، وهل سيتغير الجو العام في المنطقة؟

ج: أني أتصور أن التسوية سوف تحصل لأن الضغوط الدولية من جهة والأوضاع الداخلية من جهة أخرى سوف تفرض نجاح التسوية، حيث يلهث الجميع نحو التسوية بقطع النظر عن رغبتهم أو عدم رغبتهم فيها. اما قضية انها هل تغير الواقع؟؟ فالقضية هي كيف تتصرف أنت في مسؤوليتك عن هذا الواقع.

س: الوضع اللبناني مختلف عن الوضع المصري والأردني وهنا يأتي الخوف من التطبيع؟

ج: اتصور أنه ربما يحصل هناك شي من التطبيع لا سيما وأن فريقاً من اللبنانيين ـ وربما أكثر من فريق ـ لا يجد عقدة منذ البداية في "إسرائيل" ولكن اللبنانيين عندما يعيشون التجربة الإسرائيلية في دخول "إسرائيل" على المفاصل اللبنانية الاقتصادية وغير الاقتصادية فإنهم سوف يشعرون بمدى خطورة "اسرائيل" على لبنان وعلى مصالحهم الخاصة هنا وهناك، إن فرقاً كبيراً بين أن ندرس "اسرائيل" من بعيد وأن ندرسها من قريب. وأتصور أن التجارب السابقة لم تستطيع أن تحقق الكثير من حصول"اسرائيل" على فرص بعيدة من حساب لبنان. فالوضع المصرفي بقي على حاله حتى أثناء الحرب، والوضع السياحي كذلك.. لذلك أعتقد ان هناك مناعة تاريخية تمنع من سقوط لبنان الشعبي أمام أي تطور جديد.

س: هل لا زلتم ترون العلاقة شائكة بين الإسلاميين والنظام الذي ينضوون تحته. علماً أنكم استبقتم الجميع بالدعوة إلى الانخراط داخل الدولة حفاظاً على المكتسبات؟

ج: نحن نشعر أن بعض الإسلاميين يقفون بشكل سلبي أمام أي نظام يعيشون فيه، عندما يحدقون دائماً بالحل الإسلامي الكامل فقط. أما إذا كان الإسلاميون واقعيين يدرسون حركة الإسلام في داخل المجتمع إلى جانب دراستهم لحركة الإسلام في داخل الدولة فإنهم عندما يفكرون بهذه الطريقة يدركون انهم يستطيعون ان يحققوا بعض الأهداف على مستوى الواقع الاجتماعي حتى في غياب الدولة الإسلامية، كما يتصورون انهم قد يلتقون مع النظام في بعض الأهداف المشتركة، كاللقاء الذي حدث في لبنان وفي بعض الأنظمة العلمانية في العالم الإسلامي في مواجهة الكيان الصهيوني ومواجهة بعض السياسات الأميركية. أن الإسلام يختلف عن الأنظمة الأخرى التي تفكر ان الحل لن يكون إلاَّ داخل النظام الذي تؤمن به. إنّ الإسلام يركز على الإنسان. ولذا يرى أن أي إصلاح للإنسان سواء في مجتمع الإسلام أو في مجتمع الكفر أو في دولة إسلامية أو غير إسلامية.. فإن هدف الإسلام هو الإنسان، فإذا استطعنا أن نصلح الإنسان حتى في مجتمع غير إسلامي أو حتى في دولة غير إسلامية مع بقاء بعض الأهداف الكبيرة، فإننا نرى ذلك واجباً شرعياً علينا، ولهذا فإن السلم لن يكون منعزلاً عن أي موقع من المواقع ما دام يجد فيه ما يؤكد رسالته في المستوى الجزئي هنا وهناك.

س: وكيف تقوّمون تجارب الإسلاميين السياسية في بعض الأقطار سواء عبر المشاركة في الحكم أو في المجالس النيابية او البلدية؟

ج: لقد كنت من الداعين منذ وقت طويل إلى أن يندمج الإسلاميون في الواقع السياسي وفي المجتمع وفي الأنظمة عندما تفسح هذه الأنظمة بالدخول إلى هذا الواقع السياسي مع إبقاء القاعدة الاستراتيجية على المستوى السياسي. وأتصور أن هذه التجربة في لبنان وفي الأردن واليمن مثلاً استطاعت ان تحقق إيجابيات عديدة لأنها أكدت الحضور الإسلامي في الساحة السياسية من جهة، واستطاعت ان تفتح الساحة الإسلامية على الحوار مع الساحة العلمانية في اكثر من جانب، وان تؤكد مقولتها في اللقاء على الكلمة السواء حتى مع الذين تختلف معهم في أساس العقيدة، إنني اتصور أن الإسلاميين نجحوا في تجربتهم هذه من حيث المبدأ، لذلك لم يعودوا مجرد حالة شاذة في المجتمع، بل أنهم دخلوا قلب المجتمع السياسي، ومن الطبيعي أن تقع بعض الأخطاء وبعض السلبيات وبعض نقاط الضعف من خلال حداثة التجربة من جهة ومن خلال الظروف الموضوعية من جهة اخرى، خصوصاً وأن الإسلاميين يتحركون في مناخ يختلف عن المناخ الذي ينطلقون فيه. ولكن لا بد من دراسة هذه التجربة في سلبياتها وإيجابياتها حتى نستطيع ان نكتشف العناصر السلبية والإيجابية، لأنني أرفض النظرة السلبية التي ينظر عبرها بعض المسلمين إلى التجربة السياسية للحركات الإسلامية، عندما يؤكدون على السلبيات ويتركون الإيجابيات، لأنه ما من إيجابية في الحياة إلا وفيها عناصر سلبية وما من سلبية إلا وفيها عناصر إيجابية، لأن العالم الذي نعيش فيه هو عالم محدود لا عالم مطلق.

س: ما هي أبرز العناوين التي تضعونها كخطوط عامة للإسلاميين في المرحلة المقبلة؟

ج: إنني أتصور أن على الإسلاميين أن يعيشوا عصرهم، وان يتفهموا ذهنية العصر وان يدرسوا الإسلام بأعمق مما يتمثلونه الآن، لأن للإسلام دوراً على مستوى العالم. وإنني أزعم ان المسلمين ـ والإسلاميين بالذات ـ لم يصلوا إلى تمثل هذا الدور العالمي للإسلام، باعتبار أن بعضهم لا يزال يعيش في الدوائر الضيقة كما لو كانت هذه الدوائر هي كل العالم.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير