حوار حول قضايا المرأة

حوار حول قضايا المرأة
 

أجرت مجلة "التضامن العربي والدولي" حواراً مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، تناول فيه قضايا المرأة بمختلف تفرعاتها وتمظهراتها، كالولاية والحجاب، والجمال، وعلاقة ذلك بحركة المجتمع، وقد جاء في الحوار:

يحاول العلامة محمد حسين فضل الله عبر فكره ومؤلفاته أن يرتفع بالإنسان إلى مرتبة أعلى... مع السيد المرجع كان حوارنا حول قضايا المرأة في سلوكها السلبي والإيجابي.

القرآن يركز على القيمة الإنسانية للمرأة

* ما سبب اهتمام سماحتكم الواسع بقضايا المرأة؟

ـ عندما قرأت الإسلام، ولا سيما القرآن، رأيت أن القرآن لم يتحدث عن المرأة بأية سلبية مما تعيشه الذهنية الإسلامية في النظرة السلبية إلى المرأة، بل رأيت أن القرآن يساوي بين الرجل والمرأة في القيمة السلبية والإيجابية كما رأيناه يقدم المرأة في سلوكها السلبي والإيجابي مثلاً للرجال والنساء، ونراه يتحدث عن مسؤولية في حركة المرأة والرجل. {والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، هذه الآية تدل على أن المؤمنين والمؤمنات يتعاونون في كل قضايا العالم، وهكذا نلاحظ أنه حتى في الأمور التي ميز فيها الرجل عن المرأة لم يكن تمييزاً في القيمة، بل تمييزاً في الدور من خلال تنويعه.

لقد قرأت ذلك كله ورأيت أن تاريخ الواقع الإسلامي قد أبعد المرأة عن حركة الحياة وأهملها وحصرها في دائرة حاجة الرجل، بحيث أصبحت على هامش الرجل فيما هي إنسان يعيش إنسانيته إلى جانب الرجل ليتكاملا مع بعضهما البعض {خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها}.

لذلك شعرت أنه من واجبي أن أقوم بتوضيح القيمة الإنسانية الإسلامية للمرأة وأن أدعو إلى إعادة إنسانيتها إلى حركة الواقع، وأدعوها إلى أن تثقف نفسها من جديد، لأن كل التراكمات التاريخية أفقدتها ثقتها بنفسها، فعندما كانوا يقولون إن المرأة "ضعيفة العقل" أو أنها "بربع عقل" كانت تشعر أنها كذلك، وتسكن إلى ذلك.

إنني أعتقد أن سلامة أية أمة في حركتها التاريخية هي في أن ينطلق الإنسان واحداً في كل تنوعاته، وأنا في هذا المجال لا أريد أن أنتقص من شأن البيت وشأن الأمومة، لكن شأن الأمومة كشأن الأبوة ينطلق من أجل رعاية الأجيال المقبلة، وباعتقادي فإن الأمومة لا تحاصر المرأة في داخل نطاقها كما أن الأبوة لا تحاصر الرجل في ذلك، فللمرأة آفاق تغني أمومتها بها كما يغتني المجتمع بها، وهكذا بالنسبة إلى أبوّة الرجل، وقد رأينا من خلال التجربة التاريخية والمعاصرة أن المرأة استطاعت أن تخوض في مسائل السياسة ومسائل الاجتماع والاقتصاد، وأنها إذا لم تتفوق على الرجل في بعض المواقع، فإنها لا تقل عنه في نجاحاتها الواقعية.

الولاية على المرأة

* هل يحق لزوج المرأة أو أخيها أي ولي أمرها أن يمنعها عن العمل؟

ـ في الإسلام من وجهة نظرنا، البالغة الرشيدة كالبالغ الرشيد هي إنسان مستقل من الناحية الحقوقية الشرعية، ليس لأحد ولاية عليها حتى في زواجها. وإذا كانت هناك نظريات فقهية تفرض ولياً على المرأة أو البكر في زواجها فإننا لا نرى ذلك، وإن كنا نفضل أن تأخذ رأي من يملك الرأي من أقاربها ولا سيما الأب والأم والجد حتى لا تخدع ولا تغش، لأنهم أكثر تجربة، ولكننا لا نعتقد أن زواجها مربوط بذلك، لذلك فهي مستقلة من ناحية قانونية مئة في المئة، غاية الأمر أن الزواج عقد، وعندما تدخل المرأة في الحياة الزوجية بمقتضى العقد الذي يمثل التزاماً بينها وبين زوجها، فإن عليها أن تشترط لنفسها ما شاءت. لأن الزواج يقيد حرية المرأة وحرية الرجل، فلذلك فإن عليها أن تحتاط لنفسها بأن تأخذ لنفسها شرطاً في العمل أو في أمور أخرى.

الحجاب وتخلف المجتمع

* هناك العديد ممن يربطون بين الحجاب وتخلف المجتمع، ما رأيكم؟

ـ لو قلنا إن العالم كله متخلف، لأنه محجب، ولأن المرأة في العالم محجبة على الأقل في نصف جسدها، وإذا كنا نتكلم عن الحجاب كمبدأ فأين الفرق بين حجاب الرأس وحجاب الصدر وحجاب الأعضاء الحساسة للإنسان، بل إن الرجال يمارسون الحجاب في أعضائهم الحساسة، لذلك هل نؤمن بالحجاب أو بالعري؟ لا بد أن تطرح المسألة من الناحية القيمية، هل العري هو القيمة أو الحجاب هو القيمة، وهل العري هو الجمال، عندما نسأل لماذا حجاب الأعضاء الحساسة الجنسية؟ يقال: لكي لا تحصل الإثارة، لكننا إذا درسنا مسألة الإثارة فإنها مسألة نسبية في هذا المجال. ربما يجد بعض الناس أن شعر المرأة هو الذي يعطيها جمالاً قد لا تتمثل به في ما لو كانت مثلاً مغطية شعرها.

ثم هناك نقطة قد تعالج في هذا المقام، هل مسألة الجنس في كل درجاتها من حريات الإنسان المطلقة أم أنها من المسائل المقيدة بضوابط؟ فإذا قلنا، كما تقول بعض الفلسفات أن الإنسان حر في جسده وأن المسألة الجنسية هي مسألة شخصية، فعلينا أن نلغي كل الضوابط بما في ذلك الزواج، عند ذلك لا تعود الخيانة الزوجية لها معنى.

صحيح أنه ربما رأينا في الغرب الآن أن الزوج يحاكم على اغتصاب زوجته في حاجته الجنسية، وتعطى الحرية للزوجة في أن تمتنع عن زوجها إذا مارس الزنى، ما يدفع بالمجتمع إلى الفوضى، وعلى هذا الأساس ينبغي أن لا نتحدث عن العفة وعن الحجاب. أما إذا تحدثنا عن أن الجنس حالة مضبوطة في الزواج، فلا بد أن نضع له بعض المناخات التي تحافظ على هذه الضوابط، لأننا عندما نطلق لعنان للمرأة، والتي هي رمز الجنس في الوجدان الإنساني بقطع النظر عن السبب في ذلك، هل هو سبب ذاتي أو تاريخي، فإن ذلك سوف يجعل المجتمع لا شعورياً يعيش حالة طوارىء جنسية، وهذا ما نلاحظه.

لا أتحدث عن القرآن والكتاب والسنة، بل حتى في المجتمعات الحرة نجد أن حوادث الاغتصاب تسجل أرقاماً قياسية ليست موجودة في المناطق المحافظة، وهذا موجود في معاكسة رؤساء الدوائر للسكرتيرات والموظفات، وربما وصل الأمر إلى وزراء ورؤساء كالرئيس كلينتون. إننا نتساءل لماذا يحدث ذلك مع أنهم يعيشون كل الحرية؟ لأن المسألة الغريزية ليست من المسائل الفكرية، بل تتحرك تماماً كما هي النار عندما تصادف شيئاً قابلاً للاحتراق.

لذلك فإن الإسلام عندما لاحظ المعنى أراد أن يضع ضوابط للمسألة الجنسية، وأراد أن يخلق مناخاً يساعد فيه المرأة والرجل على إيجاد وسائل عملية للعفة بالإضافة إلى الوسائل النفسية والروحية حتى لا يقال إن الحجاب وحده لا يكفي لتوفر العفة، صحيح ذلك، لكن هذا يخلق جواً مؤاتياً في هذا المقام حتى لا تكون المسألة على طريقة قول الشاعر:

ألقاء في اليـمّ مكفوفـاً          وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

بين جمال المرأة وجمال الطبيعة

من ناحية ثانية فإن للمرأة شخصيتان، شخصية الإنسان التي توحي أنها عقل وقلب وإرادة وحركة، وأنها عنصر فاعل في المجتمع، بحيث ينفتح الآخرون عليها من هذا الموقع على أساس انفتاح الإنسان على الإنسان. وشخصية المرأة التي هي شخصية الأنثى، ومن الطبيعي أن الشخصية الأنثوية هي شخصية تتصل بالجانب الجمالي وبإحساس المرأة بجمالها وبإحساس الآخرين بالجمال.

ومن الطبيعي أن الإحساس بجمال المرأة يختلف عن الإحساس بجمال الطبيعة، لأن الإحساس بجمال المرأة يختزن في داخله حركة الغريزة في الانفتاح على هذا الجمال وفي الانجذاب الجسدي إليه، وهذا الأمر لا يحتاج إلى فلسفة، بل إننا نلاحظه في كل العلاقات التي تحدث الآن بين الرجال والنساء، بحيث لولا الحواجز الاجتماعية لرأينا الأمور تتجه في اتجاه آخر.

لذلك فإن الحجاب بشكله المعقول هو أن تستر المرأة جسدها ما عدا الوجه والكفين، ما يجعل المرأة تخرج إلى المجتمع كإنسانة لا تثير الرغبة بالشكل الفاقع وإن كان للوجه الدور الجمالي، لكنه دور يمثل الجمال الهادىء، بينما تنطلق حالات اللاحجاب بتطوراتها التي استغلتها الحضارة المعاصرة، والتي جعلت المرأة فيها جسداً في الرواية والقصة والمسرح والإعلان وما إلى ذلك بالمستوى الذي يجعل الإنسان ينظر إلى المرأة كمادة للاشتهاء.

هذا ما نلاحظه في المجتمع، وإلا ماذا يربط المدير بالسكرتيرة والموظفات المتعلمات اللواتي يملكن اختصاصاً؟ ولماذا تدور المعاكسات في تلك المجتمعات في الإدارات المختلطة؟

الإسلام كان واقعياً إنه طرح هذا السؤال: هل تريدون الأخلاق؟ اخلقوا لها مناخاتها. وإذا كنتم لا تريدون الأخلاق فعليكم أن لا تحاسبوا أحداً على الانحراف الأخلاقي، لكننا في الشرق نجمع بين بعض القيم الأخلاقية وبين الانفلات في الضوابط، فإذا انحرفت المرأة ونحن الذين دفعناها للانحراف يأتي كل رجال القبيلة على طريقة "لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى تُراق على جوانبه الدماء". وبذلك وقعنا في فضيحة قضايا الشرف وغسل العار التي تبرر للرجل أن يقتل ابنته أو أخته أو زوجته تحت عنوان غسل العار وهو الذي دفعها إلى ذلك.

أعيش فكري بمسؤولية

* ليس انفتاحكم معهوداً لدى رجال الدين، ما قولكم في ذلك، وألا يساهم هذا الأمر في زيادة أعدائكم؟

ـ أنا إنسان لا أعتبر أن الدين يعلبني، بل أعتبر أن الدين الذي يربطني بالله، يفتح آفاقي على كل العالم، حتى عالم الغيب. أنا أعتقد أن على الإنسان أن يعيش فكره بمسؤولية وأن يعيش حريته بضوابط، وأن يتحمل مسؤوليته في إطلاق الفكر الذي يرى أنه يرتفع بالإنسان حتى يقربه إلى الله، ولذلك ليست مشكلة أن يتحدث الآخرون الذين لا يوافقون على هذا الفكر، لأن كل أساليب السباب والشتائم والتكفير والتضليل تغني الفكرة وتقويها أكثر مما تضعفها أو تلغيها، لأنني أعتبر بكل تواضع أن معركتي مع كل هؤلاء هي معركة وعي مع حركة التخلف، حركة الإسلام المنفتح على الإنسان كله والعصر كله بأصالته وحضارته وبين المفهوم المتخلف للإسلام الذي يريد أن يدفن الإنسان في المغاور والكهوف.

تعدد شرعي وتعدد غير شرعي

* هل تزوجتم أكثر من مرة؟

ـ لم أتزوج أكثر من مرة، أنا لا أعتبر الزواج المتعدد ضد القيمة بالرغم مما فيه من سلبيات، لأني لا أعتبر أن هناك تشريعاً لا يواجه سلبيات، لأن عالمنا محدود، لكن الزواج المتعدد في الوقت الذي قد يخلق فيه سلبية لامرأة يخلق إيجابية لأكثر من إمرأة. أنا أتساءل لماذا نحاول دائماً أن ندافع عن امرأة واحدة في قضية إنكار الزواج المتعدد ولا ندافع عن أكثر من امرأة تحولن إلى عوانس لو لم ينقذهن الزواج المتعدد.

إن المسألة في كثير من المجتمعات هي النظرة إلى القضايا من بعد واحد. إنني أتصور أن الزواج الواحد فيه إيجابيات كبيرة وفيه سلبيات، وإن الزواج المتعدد فيه إيجابيات وفيه سلبيات، علينا أن لا نحاول دائماً أن ننظر نظرة سوداء مئة في المئة إلى ما فيه بعض البياض، بل أن ننظر نظرة بيضاء إلى ما فيه بعض من السواد. إن السؤال الذي يفرض نفسه هو أن هناك كثيراً من الظروف الاجتماعية والأمنية والسياسية قد تترك ملايين من النساء بلا زواج، ما هو الحل لذلك؟

لقد سمعت (ولم أتأكد) أنه بعد الحرب العالمية الثانية عندما قتل الكثير من الرجال بعد الحرب طرح في البرلمان الألماني تشريع تعدد الزوجات من أجل هذه القضية. إن المسألة تحتاج إلى بحث واسع، ولكن المشكلة عندنا في الشرق الإسلامي أن بعض المثقفين أغمضوا عينيهم وأرادوا في الغرب أن يقولوا عنهم إنهم متقدمون فرجموا الزواج المتعدد بالحجارة، ولكنهم هللوا للانحراف المتعدد.

لو قمنا باستفتاء في الغرب لأكثر الغربيين فكم عشيقة لأكثر من رجل متزوج، وقد شرع الغرب الحق للعشيقة أن تأخذ بعض امتيازات الزوجة في هذا المجال. عندما نريد أن نرجم التعدد بالحجارة علينا أن نرجم التعدد كله. لماذا نرجم التعدد الشرعي ونتقبل التعدد غير الشرعي؟ هذا هو السؤال الذي يوجه إلى كثير من الذين يسيطرون على العالم الإسلامي باسم التقدم.

 

أجرت مجلة "التضامن العربي والدولي" حواراً مع سماحة العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله، تناول فيه قضايا المرأة بمختلف تفرعاتها وتمظهراتها، كالولاية والحجاب، والجمال، وعلاقة ذلك بحركة المجتمع، وقد جاء في الحوار:

يحاول العلامة محمد حسين فضل الله عبر فكره ومؤلفاته أن يرتفع بالإنسان إلى مرتبة أعلى... مع السيد المرجع كان حوارنا حول قضايا المرأة في سلوكها السلبي والإيجابي.

القرآن يركز على القيمة الإنسانية للمرأة

* ما سبب اهتمام سماحتكم الواسع بقضايا المرأة؟

ـ عندما قرأت الإسلام، ولا سيما القرآن، رأيت أن القرآن لم يتحدث عن المرأة بأية سلبية مما تعيشه الذهنية الإسلامية في النظرة السلبية إلى المرأة، بل رأيت أن القرآن يساوي بين الرجل والمرأة في القيمة السلبية والإيجابية كما رأيناه يقدم المرأة في سلوكها السلبي والإيجابي مثلاً للرجال والنساء، ونراه يتحدث عن مسؤولية في حركة المرأة والرجل. {والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}، هذه الآية تدل على أن المؤمنين والمؤمنات يتعاونون في كل قضايا العالم، وهكذا نلاحظ أنه حتى في الأمور التي ميز فيها الرجل عن المرأة لم يكن تمييزاً في القيمة، بل تمييزاً في الدور من خلال تنويعه.

لقد قرأت ذلك كله ورأيت أن تاريخ الواقع الإسلامي قد أبعد المرأة عن حركة الحياة وأهملها وحصرها في دائرة حاجة الرجل، بحيث أصبحت على هامش الرجل فيما هي إنسان يعيش إنسانيته إلى جانب الرجل ليتكاملا مع بعضهما البعض {خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها}.

لذلك شعرت أنه من واجبي أن أقوم بتوضيح القيمة الإنسانية الإسلامية للمرأة وأن أدعو إلى إعادة إنسانيتها إلى حركة الواقع، وأدعوها إلى أن تثقف نفسها من جديد، لأن كل التراكمات التاريخية أفقدتها ثقتها بنفسها، فعندما كانوا يقولون إن المرأة "ضعيفة العقل" أو أنها "بربع عقل" كانت تشعر أنها كذلك، وتسكن إلى ذلك.

إنني أعتقد أن سلامة أية أمة في حركتها التاريخية هي في أن ينطلق الإنسان واحداً في كل تنوعاته، وأنا في هذا المجال لا أريد أن أنتقص من شأن البيت وشأن الأمومة، لكن شأن الأمومة كشأن الأبوة ينطلق من أجل رعاية الأجيال المقبلة، وباعتقادي فإن الأمومة لا تحاصر المرأة في داخل نطاقها كما أن الأبوة لا تحاصر الرجل في ذلك، فللمرأة آفاق تغني أمومتها بها كما يغتني المجتمع بها، وهكذا بالنسبة إلى أبوّة الرجل، وقد رأينا من خلال التجربة التاريخية والمعاصرة أن المرأة استطاعت أن تخوض في مسائل السياسة ومسائل الاجتماع والاقتصاد، وأنها إذا لم تتفوق على الرجل في بعض المواقع، فإنها لا تقل عنه في نجاحاتها الواقعية.

الولاية على المرأة

* هل يحق لزوج المرأة أو أخيها أي ولي أمرها أن يمنعها عن العمل؟

ـ في الإسلام من وجهة نظرنا، البالغة الرشيدة كالبالغ الرشيد هي إنسان مستقل من الناحية الحقوقية الشرعية، ليس لأحد ولاية عليها حتى في زواجها. وإذا كانت هناك نظريات فقهية تفرض ولياً على المرأة أو البكر في زواجها فإننا لا نرى ذلك، وإن كنا نفضل أن تأخذ رأي من يملك الرأي من أقاربها ولا سيما الأب والأم والجد حتى لا تخدع ولا تغش، لأنهم أكثر تجربة، ولكننا لا نعتقد أن زواجها مربوط بذلك، لذلك فهي مستقلة من ناحية قانونية مئة في المئة، غاية الأمر أن الزواج عقد، وعندما تدخل المرأة في الحياة الزوجية بمقتضى العقد الذي يمثل التزاماً بينها وبين زوجها، فإن عليها أن تشترط لنفسها ما شاءت. لأن الزواج يقيد حرية المرأة وحرية الرجل، فلذلك فإن عليها أن تحتاط لنفسها بأن تأخذ لنفسها شرطاً في العمل أو في أمور أخرى.

الحجاب وتخلف المجتمع

* هناك العديد ممن يربطون بين الحجاب وتخلف المجتمع، ما رأيكم؟

ـ لو قلنا إن العالم كله متخلف، لأنه محجب، ولأن المرأة في العالم محجبة على الأقل في نصف جسدها، وإذا كنا نتكلم عن الحجاب كمبدأ فأين الفرق بين حجاب الرأس وحجاب الصدر وحجاب الأعضاء الحساسة للإنسان، بل إن الرجال يمارسون الحجاب في أعضائهم الحساسة، لذلك هل نؤمن بالحجاب أو بالعري؟ لا بد أن تطرح المسألة من الناحية القيمية، هل العري هو القيمة أو الحجاب هو القيمة، وهل العري هو الجمال، عندما نسأل لماذا حجاب الأعضاء الحساسة الجنسية؟ يقال: لكي لا تحصل الإثارة، لكننا إذا درسنا مسألة الإثارة فإنها مسألة نسبية في هذا المجال. ربما يجد بعض الناس أن شعر المرأة هو الذي يعطيها جمالاً قد لا تتمثل به في ما لو كانت مثلاً مغطية شعرها.

ثم هناك نقطة قد تعالج في هذا المقام، هل مسألة الجنس في كل درجاتها من حريات الإنسان المطلقة أم أنها من المسائل المقيدة بضوابط؟ فإذا قلنا، كما تقول بعض الفلسفات أن الإنسان حر في جسده وأن المسألة الجنسية هي مسألة شخصية، فعلينا أن نلغي كل الضوابط بما في ذلك الزواج، عند ذلك لا تعود الخيانة الزوجية لها معنى.

صحيح أنه ربما رأينا في الغرب الآن أن الزوج يحاكم على اغتصاب زوجته في حاجته الجنسية، وتعطى الحرية للزوجة في أن تمتنع عن زوجها إذا مارس الزنى، ما يدفع بالمجتمع إلى الفوضى، وعلى هذا الأساس ينبغي أن لا نتحدث عن العفة وعن الحجاب. أما إذا تحدثنا عن أن الجنس حالة مضبوطة في الزواج، فلا بد أن نضع له بعض المناخات التي تحافظ على هذه الضوابط، لأننا عندما نطلق لعنان للمرأة، والتي هي رمز الجنس في الوجدان الإنساني بقطع النظر عن السبب في ذلك، هل هو سبب ذاتي أو تاريخي، فإن ذلك سوف يجعل المجتمع لا شعورياً يعيش حالة طوارىء جنسية، وهذا ما نلاحظه.

لا أتحدث عن القرآن والكتاب والسنة، بل حتى في المجتمعات الحرة نجد أن حوادث الاغتصاب تسجل أرقاماً قياسية ليست موجودة في المناطق المحافظة، وهذا موجود في معاكسة رؤساء الدوائر للسكرتيرات والموظفات، وربما وصل الأمر إلى وزراء ورؤساء كالرئيس كلينتون. إننا نتساءل لماذا يحدث ذلك مع أنهم يعيشون كل الحرية؟ لأن المسألة الغريزية ليست من المسائل الفكرية، بل تتحرك تماماً كما هي النار عندما تصادف شيئاً قابلاً للاحتراق.

لذلك فإن الإسلام عندما لاحظ المعنى أراد أن يضع ضوابط للمسألة الجنسية، وأراد أن يخلق مناخاً يساعد فيه المرأة والرجل على إيجاد وسائل عملية للعفة بالإضافة إلى الوسائل النفسية والروحية حتى لا يقال إن الحجاب وحده لا يكفي لتوفر العفة، صحيح ذلك، لكن هذا يخلق جواً مؤاتياً في هذا المقام حتى لا تكون المسألة على طريقة قول الشاعر:

ألقاء في اليـمّ مكفوفـاً          وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء

بين جمال المرأة وجمال الطبيعة

من ناحية ثانية فإن للمرأة شخصيتان، شخصية الإنسان التي توحي أنها عقل وقلب وإرادة وحركة، وأنها عنصر فاعل في المجتمع، بحيث ينفتح الآخرون عليها من هذا الموقع على أساس انفتاح الإنسان على الإنسان. وشخصية المرأة التي هي شخصية الأنثى، ومن الطبيعي أن الشخصية الأنثوية هي شخصية تتصل بالجانب الجمالي وبإحساس المرأة بجمالها وبإحساس الآخرين بالجمال.

ومن الطبيعي أن الإحساس بجمال المرأة يختلف عن الإحساس بجمال الطبيعة، لأن الإحساس بجمال المرأة يختزن في داخله حركة الغريزة في الانفتاح على هذا الجمال وفي الانجذاب الجسدي إليه، وهذا الأمر لا يحتاج إلى فلسفة، بل إننا نلاحظه في كل العلاقات التي تحدث الآن بين الرجال والنساء، بحيث لولا الحواجز الاجتماعية لرأينا الأمور تتجه في اتجاه آخر.

لذلك فإن الحجاب بشكله المعقول هو أن تستر المرأة جسدها ما عدا الوجه والكفين، ما يجعل المرأة تخرج إلى المجتمع كإنسانة لا تثير الرغبة بالشكل الفاقع وإن كان للوجه الدور الجمالي، لكنه دور يمثل الجمال الهادىء، بينما تنطلق حالات اللاحجاب بتطوراتها التي استغلتها الحضارة المعاصرة، والتي جعلت المرأة فيها جسداً في الرواية والقصة والمسرح والإعلان وما إلى ذلك بالمستوى الذي يجعل الإنسان ينظر إلى المرأة كمادة للاشتهاء.

هذا ما نلاحظه في المجتمع، وإلا ماذا يربط المدير بالسكرتيرة والموظفات المتعلمات اللواتي يملكن اختصاصاً؟ ولماذا تدور المعاكسات في تلك المجتمعات في الإدارات المختلطة؟

الإسلام كان واقعياً إنه طرح هذا السؤال: هل تريدون الأخلاق؟ اخلقوا لها مناخاتها. وإذا كنتم لا تريدون الأخلاق فعليكم أن لا تحاسبوا أحداً على الانحراف الأخلاقي، لكننا في الشرق نجمع بين بعض القيم الأخلاقية وبين الانفلات في الضوابط، فإذا انحرفت المرأة ونحن الذين دفعناها للانحراف يأتي كل رجال القبيلة على طريقة "لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى تُراق على جوانبه الدماء". وبذلك وقعنا في فضيحة قضايا الشرف وغسل العار التي تبرر للرجل أن يقتل ابنته أو أخته أو زوجته تحت عنوان غسل العار وهو الذي دفعها إلى ذلك.

أعيش فكري بمسؤولية

* ليس انفتاحكم معهوداً لدى رجال الدين، ما قولكم في ذلك، وألا يساهم هذا الأمر في زيادة أعدائكم؟

ـ أنا إنسان لا أعتبر أن الدين يعلبني، بل أعتبر أن الدين الذي يربطني بالله، يفتح آفاقي على كل العالم، حتى عالم الغيب. أنا أعتقد أن على الإنسان أن يعيش فكره بمسؤولية وأن يعيش حريته بضوابط، وأن يتحمل مسؤوليته في إطلاق الفكر الذي يرى أنه يرتفع بالإنسان حتى يقربه إلى الله، ولذلك ليست مشكلة أن يتحدث الآخرون الذين لا يوافقون على هذا الفكر، لأن كل أساليب السباب والشتائم والتكفير والتضليل تغني الفكرة وتقويها أكثر مما تضعفها أو تلغيها، لأنني أعتبر بكل تواضع أن معركتي مع كل هؤلاء هي معركة وعي مع حركة التخلف، حركة الإسلام المنفتح على الإنسان كله والعصر كله بأصالته وحضارته وبين المفهوم المتخلف للإسلام الذي يريد أن يدفن الإنسان في المغاور والكهوف.

تعدد شرعي وتعدد غير شرعي

* هل تزوجتم أكثر من مرة؟

ـ لم أتزوج أكثر من مرة، أنا لا أعتبر الزواج المتعدد ضد القيمة بالرغم مما فيه من سلبيات، لأني لا أعتبر أن هناك تشريعاً لا يواجه سلبيات، لأن عالمنا محدود، لكن الزواج المتعدد في الوقت الذي قد يخلق فيه سلبية لامرأة يخلق إيجابية لأكثر من إمرأة. أنا أتساءل لماذا نحاول دائماً أن ندافع عن امرأة واحدة في قضية إنكار الزواج المتعدد ولا ندافع عن أكثر من امرأة تحولن إلى عوانس لو لم ينقذهن الزواج المتعدد.

إن المسألة في كثير من المجتمعات هي النظرة إلى القضايا من بعد واحد. إنني أتصور أن الزواج الواحد فيه إيجابيات كبيرة وفيه سلبيات، وإن الزواج المتعدد فيه إيجابيات وفيه سلبيات، علينا أن لا نحاول دائماً أن ننظر نظرة سوداء مئة في المئة إلى ما فيه بعض البياض، بل أن ننظر نظرة بيضاء إلى ما فيه بعض من السواد. إن السؤال الذي يفرض نفسه هو أن هناك كثيراً من الظروف الاجتماعية والأمنية والسياسية قد تترك ملايين من النساء بلا زواج، ما هو الحل لذلك؟

لقد سمعت (ولم أتأكد) أنه بعد الحرب العالمية الثانية عندما قتل الكثير من الرجال بعد الحرب طرح في البرلمان الألماني تشريع تعدد الزوجات من أجل هذه القضية. إن المسألة تحتاج إلى بحث واسع، ولكن المشكلة عندنا في الشرق الإسلامي أن بعض المثقفين أغمضوا عينيهم وأرادوا في الغرب أن يقولوا عنهم إنهم متقدمون فرجموا الزواج المتعدد بالحجارة، ولكنهم هللوا للانحراف المتعدد.

لو قمنا باستفتاء في الغرب لأكثر الغربيين فكم عشيقة لأكثر من رجل متزوج، وقد شرع الغرب الحق للعشيقة أن تأخذ بعض امتيازات الزوجة في هذا المجال. عندما نريد أن نرجم التعدد بالحجارة علينا أن نرجم التعدد كله. لماذا نرجم التعدد الشرعي ونتقبل التعدد غير الشرعي؟ هذا هو السؤال الذي يوجه إلى كثير من الذين يسيطرون على العالم الإسلامي باسم التقدم.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير