هدف حرب إسرائيل هو تدمير بنية لبنان للمشاركة في ثورة على المقاومة الإسلامي

هدف حرب إسرائيل هو تدمير بنية لبنان للمشاركة في ثورة على المقاومة الإسلامي
 

طالب سماحة المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله، بدراسة انتصار المقاومة على إسرائيل، بعد أن تحول الانتصار إلى مشكلة سياسية ذات أهمية في إسرائيل، كما طالب قادة الدول العربية والإسلامية بالارتفاع إلى مستوى الشعوب.

وأكّد سماحته في لقاء مع "الوطن"، أن "المواجهة المباشرة مع جنود العدو الذين كانوا يهربون ويصرخون، أدخلت روحية جديدة في العالم، خصوصاً بعد الانتفاضة الشعبية في مختلف مواقع العالم العربي والإسلامي".

وقال: إن "المعركة الأخيرة لا تتبعها أية معركة أخرى، ولكن يمكن أن تتحول إلى حرب سياسية أو أمنية على مستوى المخابرات، مضيفاً أن "من السابق لأوانه نزع سلاح المقاومة الإسلامية، لعدم وجود ضمانات أمنية".

وأبدى استنكاره وألمه الشديد لبعض التصريحات العربية حول الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، إلى درجة أن "إسرائيل صرحت بالفم الملآن أنها ولأول مرة تخوض الحرب تحت غطاء عربي".

وأوضح أن "الحرب كانت أمريكية بدرجة الامتياز، وكانت بدايةً لمشروع الشرق الأوسط الجديد"، موضحاً أن "أمريكا فرضت على إسرائيل هذه الحرب".

واتهم السيد فضل الله بوش بالقتل، وحمَّل إدارته مسؤولية الدمار الذي استهدف المدنيين، وهدم المنازل على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ، وكذلك أبدى استغرابه من موافقة بعض الدول العربية على نقل القنابل الذكية عبر مطاراتها، أي أن هناك تنسيقاً عربياً أمريكياً.

وأشاد بـ"الموقف الكويتي الحكيم، خصوصاً بعد انطلاق الشعب الكويتي بكل فئاته السياسية والإسلامية بدعم المقاومة الإسلامية، إضافةً إلى تقديم المساعدات والمعونات".

وفيما يلي تفاصيل اللقاء:

روحية جديدة

س: سماحة السيد، ماذا تتوقع بعد هذه المعركة والاعتداء الإسرائيلي على لبنان؟

ج: عندما ندرس مفاعيل هذه المعركة، نجد أنها استطاعت أن تصنع روحاً جديدة للعالم العربي والإسلامي، الذي عاش مدة طويلة تحت تأثير القهر الإسرائيلي الذي عمل على إذلال النفسية العربية والإسلامية إلى الدرجة التي كان يخيل معها، أن هذا العالم العربي والإسلامي سقط بالضربة الإسرائيلية القاضية، ولم يعد قادراً على أن يصنع أي انتصار. لذلك لاحظنا في كل هذه الانتفاضة الشعبية، في مختلف مواقع العالم العربي والإسلامي، أن هناك روحاً جديدة دخلت في روحية هذا العالم، وأن انتصار المجاهدين في معركتهم ضد العدو الصهيوني في لبنان، استطاع أن يجعل كل مسلم وعربي منتصراً في هذه الحرب، لأنه أصبح يعي أن من الممكن جداً للأمة من خلال مجاهديها، تملّك الموقع المتقدم في مواجهة العدوّ الصهيوني، خصوصاً بعد أن استطاع المجاهدون إسقاط الآليات الإسرائيلية المتطوّرة، وتحويل المعركة إلى مجازر لهذه الآليات، إضافةً إلى المواجهة المباشرة التي جعلت جنود العدو يهربون ويصرخون، والقصف الذي طاول شمال فلسطين المحتلة، والذي استطاع أن يحقق هزيمة حقيقية في الواقع الإسرائيلي.

لذلك، أعتقد أن هناك تاريخاً جديداً يصنع، على الأمة أن تدرس جيداً كيفية الاستفادة منه، وكيف يمكن أن تحقق النتائج الإيجابية على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي من جهة، وعلى مستوى المواجهة للسياسة الأمريكية التي دخلت الحرب مع إسرائيل بكل ما لديها من قوة، من جهة أخرى.

معارك من نوع آخر

س: إذاً، هل ستكون هذه المعركة، في اعتقادكم، المعركة الأخيرة مع العدو الإسرائيلي؟

ج: في دراسة للمستقبل القريب، نعتقد أنّ هذه المعركة لا تتبعها معركة أخرى في المستقبل، ولكننا نتصور أنّ المشكلة الحالية التي نواجهها هي في التخطيط الأمريكي حول الحرب في المنطقة، والذي يتحرك في تحالف استراتيجي مع إسرائيل، خصوصاً أن أمريكا انطلقت في هذه الحرب من خلال مشروعها، وهو مشروع الشرق الأوسط الجديد، ولم تنطلق من خلال مواجهة خطف الجنديين الإسرائيليين، أو تجاوز الخط الأزرق من قبل المقاومة الإسلامية. لذلك، فإن أمريكا التي تعيش الآن في أكثر من مشكلة سياسية وأمنية في العراق وأفغانستان وتلتها مشكلتها في لبنان، لابد لها من أن تخطط لحرب استباقية جديدة، ولاسيما أنها تتحدث في إعلامها السياسي عن أنّ القضية اللبنانية هي قضية تدخل في المحور الإيراني ـ السوري، ولذلك فإنها تعمل على أساس أن تدخل الحرب بطريقة أو بأخرى، وليس من الضروري أن تكون حرباً عسكرية، بل ربما تكون حرباً سياسية أو أمنية على مستوى المخابرات في هذا المجال، وخصوصاً بعد دراسة الملف النووي الإيراني، الذي تعمل أمريكا على أساس أن تحركه في مجلس الأمن، لتدخل من خلاله في صراع جديد ضد إيران وضد المنطقة كلها.

نزع السلاح سابق لأوانه

س: بعد القرارين الدوليين 1559 و1701، وانتشار الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في الجنوب، هل تعتقد أنه حان وقت نزع سلاح المقاومة الإسلامية؟

ج: في تصوري، لم يحن حتى الآن وقت نزع سلاح المقاومة الإسلامية، إن كان ذلك هدفاً مشروعاً، وذلك لسبب بسيط، وهو أن المقاومة الإسلامية في حركة سلاحها في لبنان، لم تنطلق من رغبة ذاتية في أن يكون سلاحها مقابل بقية الطوائف أو الأحزاب، بل كانت منطلقة من خلال ما تؤمن به من استراتيجية الدفاع عن لبنان أمام العدوان الإسرائيلي الذي رافق الواقع اللبناني منذ عشرات السنين، في ظلّ غياب تسلّح الجيش اللبناني باعتراف الحكومة اللبنانية، بالمستوى الذي يمكّنه من الدّفاع عن حدود لبنان أمام العدو الإسرائيلي، ومن خلال عدم وجود أية ضمانات للبنان لعدم تكرار أيّ عدوان إسرائيلي عليه في هذا المجال. أما مسألة القوات الدولية "اليونيفيل"، فندرك جلياً أنه خلال الفترة الأخيرة، كانت إسرائيل تقصف هذه القوات، ولا يستطيع مجلس الأمن إدانتها على قتلها أكثر من عنصر من عناصر اليونيفيل، ولذلك فإن قوات اليونيفيل عندما تواجه أية مشكلة من قبل إسرائيل، فإن من الطبيعي أن تسحب الدول المشاركة جنودها، لأنهم لا يريدون أن تسقط قواتهم أمام أي عدوان إسرائيلي، ونعلم جيداً أن اليونيفيل لم تواجه من خلال اللبنانيين أو المقاومة الإسلامية طيلة هذه السنوات، ولكنّها ووجهت من قبل إسرائيل. لذا، ليست هناك ضمانات في الواقع اللبناني الأمني تبرر نزع سلاح حزب الله، لأنه هو القوة الوحيدة التي أثبتت قدرتها على مواجهة إسرائيل كما واجهته في هذه الحرب، وما دامت هذه التحديات اللبنانية في لبنان، فلابد من أن يبقى سلاح حزب الله.

وقد أعلن حزب الله، أنّه عندما نصل إلى الدولة القوية القادرة التي تستطيع أن تواجه إسرائيل عند قيامها بأي عدوان، فإن حزب الله على استعداد للتعاون عندما يشعر بأنه لم يعد هناك حاجة لحمل السلاح.

تعقيدات سياسية

س: سؤال يتبادر إلى الذهن... أين الدول العربية من قوات اليونيفيل؟

ج: مع الأسف، لم نجد أي استعداد من دولة عربية للدخول ضمن قوات اليونيفيل، ربما قد يعود عدم المشاركة إلى بعض التعقيدات السياسية في الدول العربية من دخول الجيوش العربية إلى لبنان، انطلاقاً من التجربة السابقة بعد أن دخلت بعض الجيوش العربية إلى لبنان واضطرت للانسحاب منه بعد ذلك.

غطاء عربي للعدوان الإسرائيلي

س: إذاً، هل ينطلق ذلك من سلبية بعض الدول العربية تجاه التضامن اللبناني ضد العدو الإسرائيلي؟

ج: نحن نتألم جداً عندما نسمع إسرائيل تصرِّح بالفم الملآن أنّها تخوض هذه الحرب لأول مرة في تاريخها تحت غطاء عربي، وذلك من خلال بعض التصريحات العربية التي حمَّلت المقاومة الإسلامية مسؤولية هذه الحرب، ولم تحمِّلها لإسرائيل، تماماً كما لو كانت تقول إن لإسرائيل الحق في هذه الحرب التدميرية، بل ربّما كانت بعض الدول العربية تتحدث مع إسرائيل أثناء الحرب بأن عليها الاستمرار في هذه الحرب ريثما تصل إلى هدفها المعلن، وهو نزع سلاح حزب الله وإسقاط المقاومة.

الحرب من أجل المشروع الأمريكي

س: لابد أنّكم شاهدتم حجم الكارثة، فهل كان ذلك نتيجة الحقد والكراهية للمقاومة الإسلامية، أم من أجل إزالة حزب الله والشيعة وكذلك لبنان من الخريطة؟

ج: في تصوري، إن الحرب التي واجهناها هي حرب أمريكية بامتياز، وإسرائيلية بالدرجة الثانية، ولعلنا نستذكر جميعاً، أن بعض السياسيين الإسرائيليين كانوا يتحدثون ويقولون إن أمريكا تفرض علينا حربها في هذه المرحلة، لأنها تريد تهيئة الظروف للمشروع الذي أعلنته رايس، وهو "مشروع الشرق الأوسط الجديد". لذلك أتصور أن أمريكا مسؤولة عن كل هذا الدمار الذي استهدف المدنيين تحت سمع العالم وبصره، فهي مسؤولة عن هدم المنازل على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ، وعن الامتناع عن تشجيع وقف إطلاق النار، على الرغم من أن كثيراً من دول العالم كانت تتحدث بأعلى صوتها وتنادي بضرورة وقف إطلاق النار. وفي هذا الجو الذي كانت أمريكا تعرف فيه أن إسرائيل توجِّه قنابلها نحو المدنيين وتستهدف تدمير البنية التحتية، ولم تكن موجّهة فقط إلى جنود حزب الله، كانت تنصب جسراً جوياً لإرسال القنابل الذكية المتطورة التي يراد من خلالها قتل اللبنانيين، ولاسيما الأطفال الذين تشكل نسبتهم ثلث قتلى المدنيين في هذا المجال. لذلك نعتقد أن الرئيس بوش هو القاتل مع إدارته، لأنه ليس من الطبيعي أن ترسل قنابل متطورة لإسرائيل أثناء الحرب، وهي تعلم بأن إسرائيل تستهدف المدنيين في هذا المجال، حتى إنّ بعض الصحف البريطانية قدّمت اعتراضها على رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لسماحه بمرور الطائرات التي تحمل هذه القنابل لقتل اللبنانيين في هذه الحرب. وعليه، نعتقد أن هدف هذه الحرب هو تدمير البنية التحتية في لبنان، من أجل المشاركة في ثورة الشعب اللبناني على المقاومة الإسلامية، باعتبارها هي المسؤولة عن هذه الحرب، لتستطيع إسرائيل أن تحصل على السلم، وهو ما لم تستطع الحصول عليه في الحرب.

تنسيق عربي أمريكي

س: ولكن الغريب أن هذه الأسلحة مرت عبر بعض المطارات العربية؟

ج: إننا لا نفرِّق في هذا المجال بين المطارات البريطانية وبعض المطارات العربية التي تنسق مع أمريكا في هذه الحرب، وكذلك مع إسرائيل، حيث إننا نعتبر أن المعركة كانت أمريكية إسرائيلية عربية في بعض المواقع.

موقف كويتي حكيم

س: أين موقع الكويت في قلوب اللبنانيين؟

ج: عندما ندرس الطريقة التي أدارت بها الكويت هذه المسألة، نلاحظ أن الشعب الكويتي بكل فئاته السياسية، وكذلك بفئاته الإسلامية، ارتفع إلى مستوى المعركة، خصوصاً أنهم لم يعتبروا هذه المعركة معركة حزب الله مع إسرائيل، أو معركة الشيعة مع إسرائيل، بل اعتبروها معركة العرب والمسلمين ضد العدو الصهيوني، الذي لا يزال يفرض قوته علي الواقع العربي والإسلامي.

لذلك انطلق الشعب الكويتي من موقع واحد وصوت واحد، ليقف بكل قوة مع المقاومة الإسلامية، ويقف ضد إسرائيل وأمريكا وكل الذين ساروا في هذا الاتجاه، كما أن الشعب الكويتي بادر إلى تقديم المساعدات والمعونات بشكل أو بآخر للشعب اللبناني المنكوب في هذه الحرب.

ونلاحظ إلى جانب ذلك، أن إدارة الحكومة الكويتية فيما يتعلّق بهذه المسألة، كانت إدارة متوازنة وحكيمة في هذا المقام، بطريقة تختلف عن كل الدول الأخرى، حتى الدول الخليجية، وبدورنا، نشكر هذه الإدارة الحكيمة التي وفق فيها الشعب والسلطة في تأييد المقاومة الإسلامية ضد العدو الإسرائيلي.

مرحلة الصِّراع

س: سماحة السيِّد، هل من كلمة في ختام هذا اللقاء؟

ج: إنني أتوجه إلى كل الشعوب في العالمين العربي والإسلامي، في هذه المرحلة من صراعنا ضد العدو الإسرائيلي، حيث سجَّل شبابنا انتصاراً في أول حرب تعترف فيها إسرائيل بالهزيمة، وتفرض عليها مشكلة سياسية ذات أهمية في الداخل، أتوجّه إلى هذه الشعوب أن تدرس هذه التجربة، وأن تقف مع حركة المقاومة في العالم العربي والإسلامي، وأن تأخذ منها درساً، وهو أن الشعوب عندما تؤكد إرادتها في المواجهة، وتقف موقفاً قوياً من خلال إيمانها بقضاياها المصيرية، فإنها تستطيع أن تحقق الانتصار. ونقول لكل الأنظمة التي تشرف على العالم العربي والإسلامي إنّ شعوبكم ارتفعت إلى مستوى المرحلة، وعليكم أن ترتفعوا إلى مستوى هذه الشعوب.

عباس دشتي: بيروت

 

طالب سماحة المرجع الديني السيد محمد حسين فضل الله، بدراسة انتصار المقاومة على إسرائيل، بعد أن تحول الانتصار إلى مشكلة سياسية ذات أهمية في إسرائيل، كما طالب قادة الدول العربية والإسلامية بالارتفاع إلى مستوى الشعوب.

وأكّد سماحته في لقاء مع "الوطن"، أن "المواجهة المباشرة مع جنود العدو الذين كانوا يهربون ويصرخون، أدخلت روحية جديدة في العالم، خصوصاً بعد الانتفاضة الشعبية في مختلف مواقع العالم العربي والإسلامي".

وقال: إن "المعركة الأخيرة لا تتبعها أية معركة أخرى، ولكن يمكن أن تتحول إلى حرب سياسية أو أمنية على مستوى المخابرات، مضيفاً أن "من السابق لأوانه نزع سلاح المقاومة الإسلامية، لعدم وجود ضمانات أمنية".

وأبدى استنكاره وألمه الشديد لبعض التصريحات العربية حول الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، إلى درجة أن "إسرائيل صرحت بالفم الملآن أنها ولأول مرة تخوض الحرب تحت غطاء عربي".

وأوضح أن "الحرب كانت أمريكية بدرجة الامتياز، وكانت بدايةً لمشروع الشرق الأوسط الجديد"، موضحاً أن "أمريكا فرضت على إسرائيل هذه الحرب".

واتهم السيد فضل الله بوش بالقتل، وحمَّل إدارته مسؤولية الدمار الذي استهدف المدنيين، وهدم المنازل على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ، وكذلك أبدى استغرابه من موافقة بعض الدول العربية على نقل القنابل الذكية عبر مطاراتها، أي أن هناك تنسيقاً عربياً أمريكياً.

وأشاد بـ"الموقف الكويتي الحكيم، خصوصاً بعد انطلاق الشعب الكويتي بكل فئاته السياسية والإسلامية بدعم المقاومة الإسلامية، إضافةً إلى تقديم المساعدات والمعونات".

وفيما يلي تفاصيل اللقاء:

روحية جديدة

س: سماحة السيد، ماذا تتوقع بعد هذه المعركة والاعتداء الإسرائيلي على لبنان؟

ج: عندما ندرس مفاعيل هذه المعركة، نجد أنها استطاعت أن تصنع روحاً جديدة للعالم العربي والإسلامي، الذي عاش مدة طويلة تحت تأثير القهر الإسرائيلي الذي عمل على إذلال النفسية العربية والإسلامية إلى الدرجة التي كان يخيل معها، أن هذا العالم العربي والإسلامي سقط بالضربة الإسرائيلية القاضية، ولم يعد قادراً على أن يصنع أي انتصار. لذلك لاحظنا في كل هذه الانتفاضة الشعبية، في مختلف مواقع العالم العربي والإسلامي، أن هناك روحاً جديدة دخلت في روحية هذا العالم، وأن انتصار المجاهدين في معركتهم ضد العدو الصهيوني في لبنان، استطاع أن يجعل كل مسلم وعربي منتصراً في هذه الحرب، لأنه أصبح يعي أن من الممكن جداً للأمة من خلال مجاهديها، تملّك الموقع المتقدم في مواجهة العدوّ الصهيوني، خصوصاً بعد أن استطاع المجاهدون إسقاط الآليات الإسرائيلية المتطوّرة، وتحويل المعركة إلى مجازر لهذه الآليات، إضافةً إلى المواجهة المباشرة التي جعلت جنود العدو يهربون ويصرخون، والقصف الذي طاول شمال فلسطين المحتلة، والذي استطاع أن يحقق هزيمة حقيقية في الواقع الإسرائيلي.

لذلك، أعتقد أن هناك تاريخاً جديداً يصنع، على الأمة أن تدرس جيداً كيفية الاستفادة منه، وكيف يمكن أن تحقق النتائج الإيجابية على مستوى الصراع العربي الإسرائيلي من جهة، وعلى مستوى المواجهة للسياسة الأمريكية التي دخلت الحرب مع إسرائيل بكل ما لديها من قوة، من جهة أخرى.

معارك من نوع آخر

س: إذاً، هل ستكون هذه المعركة، في اعتقادكم، المعركة الأخيرة مع العدو الإسرائيلي؟

ج: في دراسة للمستقبل القريب، نعتقد أنّ هذه المعركة لا تتبعها معركة أخرى في المستقبل، ولكننا نتصور أنّ المشكلة الحالية التي نواجهها هي في التخطيط الأمريكي حول الحرب في المنطقة، والذي يتحرك في تحالف استراتيجي مع إسرائيل، خصوصاً أن أمريكا انطلقت في هذه الحرب من خلال مشروعها، وهو مشروع الشرق الأوسط الجديد، ولم تنطلق من خلال مواجهة خطف الجنديين الإسرائيليين، أو تجاوز الخط الأزرق من قبل المقاومة الإسلامية. لذلك، فإن أمريكا التي تعيش الآن في أكثر من مشكلة سياسية وأمنية في العراق وأفغانستان وتلتها مشكلتها في لبنان، لابد لها من أن تخطط لحرب استباقية جديدة، ولاسيما أنها تتحدث في إعلامها السياسي عن أنّ القضية اللبنانية هي قضية تدخل في المحور الإيراني ـ السوري، ولذلك فإنها تعمل على أساس أن تدخل الحرب بطريقة أو بأخرى، وليس من الضروري أن تكون حرباً عسكرية، بل ربما تكون حرباً سياسية أو أمنية على مستوى المخابرات في هذا المجال، وخصوصاً بعد دراسة الملف النووي الإيراني، الذي تعمل أمريكا على أساس أن تحركه في مجلس الأمن، لتدخل من خلاله في صراع جديد ضد إيران وضد المنطقة كلها.

نزع السلاح سابق لأوانه

س: بعد القرارين الدوليين 1559 و1701، وانتشار الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل في الجنوب، هل تعتقد أنه حان وقت نزع سلاح المقاومة الإسلامية؟

ج: في تصوري، لم يحن حتى الآن وقت نزع سلاح المقاومة الإسلامية، إن كان ذلك هدفاً مشروعاً، وذلك لسبب بسيط، وهو أن المقاومة الإسلامية في حركة سلاحها في لبنان، لم تنطلق من رغبة ذاتية في أن يكون سلاحها مقابل بقية الطوائف أو الأحزاب، بل كانت منطلقة من خلال ما تؤمن به من استراتيجية الدفاع عن لبنان أمام العدوان الإسرائيلي الذي رافق الواقع اللبناني منذ عشرات السنين، في ظلّ غياب تسلّح الجيش اللبناني باعتراف الحكومة اللبنانية، بالمستوى الذي يمكّنه من الدّفاع عن حدود لبنان أمام العدو الإسرائيلي، ومن خلال عدم وجود أية ضمانات للبنان لعدم تكرار أيّ عدوان إسرائيلي عليه في هذا المجال. أما مسألة القوات الدولية "اليونيفيل"، فندرك جلياً أنه خلال الفترة الأخيرة، كانت إسرائيل تقصف هذه القوات، ولا يستطيع مجلس الأمن إدانتها على قتلها أكثر من عنصر من عناصر اليونيفيل، ولذلك فإن قوات اليونيفيل عندما تواجه أية مشكلة من قبل إسرائيل، فإن من الطبيعي أن تسحب الدول المشاركة جنودها، لأنهم لا يريدون أن تسقط قواتهم أمام أي عدوان إسرائيلي، ونعلم جيداً أن اليونيفيل لم تواجه من خلال اللبنانيين أو المقاومة الإسلامية طيلة هذه السنوات، ولكنّها ووجهت من قبل إسرائيل. لذا، ليست هناك ضمانات في الواقع اللبناني الأمني تبرر نزع سلاح حزب الله، لأنه هو القوة الوحيدة التي أثبتت قدرتها على مواجهة إسرائيل كما واجهته في هذه الحرب، وما دامت هذه التحديات اللبنانية في لبنان، فلابد من أن يبقى سلاح حزب الله.

وقد أعلن حزب الله، أنّه عندما نصل إلى الدولة القوية القادرة التي تستطيع أن تواجه إسرائيل عند قيامها بأي عدوان، فإن حزب الله على استعداد للتعاون عندما يشعر بأنه لم يعد هناك حاجة لحمل السلاح.

تعقيدات سياسية

س: سؤال يتبادر إلى الذهن... أين الدول العربية من قوات اليونيفيل؟

ج: مع الأسف، لم نجد أي استعداد من دولة عربية للدخول ضمن قوات اليونيفيل، ربما قد يعود عدم المشاركة إلى بعض التعقيدات السياسية في الدول العربية من دخول الجيوش العربية إلى لبنان، انطلاقاً من التجربة السابقة بعد أن دخلت بعض الجيوش العربية إلى لبنان واضطرت للانسحاب منه بعد ذلك.

غطاء عربي للعدوان الإسرائيلي

س: إذاً، هل ينطلق ذلك من سلبية بعض الدول العربية تجاه التضامن اللبناني ضد العدو الإسرائيلي؟

ج: نحن نتألم جداً عندما نسمع إسرائيل تصرِّح بالفم الملآن أنّها تخوض هذه الحرب لأول مرة في تاريخها تحت غطاء عربي، وذلك من خلال بعض التصريحات العربية التي حمَّلت المقاومة الإسلامية مسؤولية هذه الحرب، ولم تحمِّلها لإسرائيل، تماماً كما لو كانت تقول إن لإسرائيل الحق في هذه الحرب التدميرية، بل ربّما كانت بعض الدول العربية تتحدث مع إسرائيل أثناء الحرب بأن عليها الاستمرار في هذه الحرب ريثما تصل إلى هدفها المعلن، وهو نزع سلاح حزب الله وإسقاط المقاومة.

الحرب من أجل المشروع الأمريكي

س: لابد أنّكم شاهدتم حجم الكارثة، فهل كان ذلك نتيجة الحقد والكراهية للمقاومة الإسلامية، أم من أجل إزالة حزب الله والشيعة وكذلك لبنان من الخريطة؟

ج: في تصوري، إن الحرب التي واجهناها هي حرب أمريكية بامتياز، وإسرائيلية بالدرجة الثانية، ولعلنا نستذكر جميعاً، أن بعض السياسيين الإسرائيليين كانوا يتحدثون ويقولون إن أمريكا تفرض علينا حربها في هذه المرحلة، لأنها تريد تهيئة الظروف للمشروع الذي أعلنته رايس، وهو "مشروع الشرق الأوسط الجديد". لذلك أتصور أن أمريكا مسؤولة عن كل هذا الدمار الذي استهدف المدنيين تحت سمع العالم وبصره، فهي مسؤولة عن هدم المنازل على رؤوس الأطفال والنساء والشيوخ، وعن الامتناع عن تشجيع وقف إطلاق النار، على الرغم من أن كثيراً من دول العالم كانت تتحدث بأعلى صوتها وتنادي بضرورة وقف إطلاق النار. وفي هذا الجو الذي كانت أمريكا تعرف فيه أن إسرائيل توجِّه قنابلها نحو المدنيين وتستهدف تدمير البنية التحتية، ولم تكن موجّهة فقط إلى جنود حزب الله، كانت تنصب جسراً جوياً لإرسال القنابل الذكية المتطورة التي يراد من خلالها قتل اللبنانيين، ولاسيما الأطفال الذين تشكل نسبتهم ثلث قتلى المدنيين في هذا المجال. لذلك نعتقد أن الرئيس بوش هو القاتل مع إدارته، لأنه ليس من الطبيعي أن ترسل قنابل متطورة لإسرائيل أثناء الحرب، وهي تعلم بأن إسرائيل تستهدف المدنيين في هذا المجال، حتى إنّ بعض الصحف البريطانية قدّمت اعتراضها على رئيس الوزراء البريطاني توني بلير لسماحه بمرور الطائرات التي تحمل هذه القنابل لقتل اللبنانيين في هذه الحرب. وعليه، نعتقد أن هدف هذه الحرب هو تدمير البنية التحتية في لبنان، من أجل المشاركة في ثورة الشعب اللبناني على المقاومة الإسلامية، باعتبارها هي المسؤولة عن هذه الحرب، لتستطيع إسرائيل أن تحصل على السلم، وهو ما لم تستطع الحصول عليه في الحرب.

تنسيق عربي أمريكي

س: ولكن الغريب أن هذه الأسلحة مرت عبر بعض المطارات العربية؟

ج: إننا لا نفرِّق في هذا المجال بين المطارات البريطانية وبعض المطارات العربية التي تنسق مع أمريكا في هذه الحرب، وكذلك مع إسرائيل، حيث إننا نعتبر أن المعركة كانت أمريكية إسرائيلية عربية في بعض المواقع.

موقف كويتي حكيم

س: أين موقع الكويت في قلوب اللبنانيين؟

ج: عندما ندرس الطريقة التي أدارت بها الكويت هذه المسألة، نلاحظ أن الشعب الكويتي بكل فئاته السياسية، وكذلك بفئاته الإسلامية، ارتفع إلى مستوى المعركة، خصوصاً أنهم لم يعتبروا هذه المعركة معركة حزب الله مع إسرائيل، أو معركة الشيعة مع إسرائيل، بل اعتبروها معركة العرب والمسلمين ضد العدو الصهيوني، الذي لا يزال يفرض قوته علي الواقع العربي والإسلامي.

لذلك انطلق الشعب الكويتي من موقع واحد وصوت واحد، ليقف بكل قوة مع المقاومة الإسلامية، ويقف ضد إسرائيل وأمريكا وكل الذين ساروا في هذا الاتجاه، كما أن الشعب الكويتي بادر إلى تقديم المساعدات والمعونات بشكل أو بآخر للشعب اللبناني المنكوب في هذه الحرب.

ونلاحظ إلى جانب ذلك، أن إدارة الحكومة الكويتية فيما يتعلّق بهذه المسألة، كانت إدارة متوازنة وحكيمة في هذا المقام، بطريقة تختلف عن كل الدول الأخرى، حتى الدول الخليجية، وبدورنا، نشكر هذه الإدارة الحكيمة التي وفق فيها الشعب والسلطة في تأييد المقاومة الإسلامية ضد العدو الإسرائيلي.

مرحلة الصِّراع

س: سماحة السيِّد، هل من كلمة في ختام هذا اللقاء؟

ج: إنني أتوجه إلى كل الشعوب في العالمين العربي والإسلامي، في هذه المرحلة من صراعنا ضد العدو الإسرائيلي، حيث سجَّل شبابنا انتصاراً في أول حرب تعترف فيها إسرائيل بالهزيمة، وتفرض عليها مشكلة سياسية ذات أهمية في الداخل، أتوجّه إلى هذه الشعوب أن تدرس هذه التجربة، وأن تقف مع حركة المقاومة في العالم العربي والإسلامي، وأن تأخذ منها درساً، وهو أن الشعوب عندما تؤكد إرادتها في المواجهة، وتقف موقفاً قوياً من خلال إيمانها بقضاياها المصيرية، فإنها تستطيع أن تحقق الانتصار. ونقول لكل الأنظمة التي تشرف على العالم العربي والإسلامي إنّ شعوبكم ارتفعت إلى مستوى المرحلة، وعليكم أن ترتفعوا إلى مستوى هذه الشعوب.

عباس دشتي: بيروت

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير