إيران ليست معصومة عن الخطأ وولاية الفقيه فيها تزاوج بين الديمقراطية في الانتخاب وبين مسألة الولاية فضل الله:الإسلام يختزن الدولة في داخله، فلا معنى أن نفصل بين الدّين والدولة

إيران ليست معصومة عن الخطأ وولاية الفقيه فيها تزاوج بين الديمقراطية في الانتخاب وبين مسألة الولاية فضل الله:الإسلام يختزن الدولة في داخله، فلا معنى أن نفصل بين الدّين والدولة

إيران ليست معصومة عن الخطأ وولاية الفقيه فيها تزاوج بين الديمقراطية في الانتخاب وبين مسألة الولاية

فضل الله:الإسلام يختزن الدولة في داخله، فلا معنى أن نفصل بين الدّين والدولة


في التاريخ رجال كبار، وفي كلّ عصر عظماء وعلماء قدّموا إلى البشرية إنجازاً ما أو طوّروا شيئاً ما. العلامة السيّد محمّد حسين فضل الله، واحد من هؤلاء الكبار الذين خرقوا سكون العقل وكسروا جموده، ليفتح أبواب الجدل بهدف الوصول إلى اليقين. وعلى أساس ما قاله وأفتاه، تفجّرت إمكانات العقل والتطوّر. آمن بأنّ الدّين يُسر وليس عسراً، وبأنّ الله سبحانه وتعالى علّم الإنسان ما لم يعلم، فاستعان بالعلم الذي يعكس الحقيقة ويعبّرٍ عنها، فاستحقّ ألقاباً متعدّدةً منها العلاّمة، وهو لقب يحوي ما هو مخزون داخل هذا الرجل الكبير من فكرٍ وإيمان وعلم، بل وكفاح ونضال دفاعاً عن المحرومين والمظلومين والأيتام والفقراء وفلسطين. أصاب في كلّ ما قاله، فكان محلّلاً استراتيجياً من الدرجة الأولى. أغضب العدوّ الإسرائيلي فحاول اغتياله، ونجا مواصلاً الطريق الذي رسمه، رغم أنّ هذا الطريق كان شاقاًّ وصعباً.

كنّا نتمنى أن يطول الحوار معه، لكن سلسلة المواعيد التي ارتبط بها منعتنا من ذلك، رغم أنّه، وبناءً على طلبنا، استجاب لنا بلطفٍ ومدّد اللّقاء.

-ولاية الفقيه
- ولاية الفقيه ولبنان
-فصل الدين عن الدولة
-ايران ليست معصومةً من الخطأ
-الوضع العراقي
-مرجعيّة إسلاميّة شيعيّة
-الهلال والحسابات الفلكية
-شرعية الاستنساخ
-زواج المتعة
-الاعتماد على الحسابات الفلكية
-مستقبل لبنان

نصّ الحوار

- ولاية الفقيه

س: هناك أهداف سياسية حول موضوع ولاية الفقيه، فما رأي سماحتكم في ولاية الفقيه من الناحية الدينية والسياسية؟

ج: أساساً، بتعريف ولاية الفقيه، نستطيع القول إنها نظرية فقهية، سياسية. فعندما يبحث الفقهاء عن الشّخص المؤهّل ليكون قائداً في الدولة، ففي هذا المنحى، هناك نظريّتان: نظرية الشورى، ونظرية ولاية الفقيه.

أوّلاً، نظرية الشورى ترتكز على أنّ الأمّة تتشاور فيما بينها وتختار القائد الذي يتمتّع بمواصفات معيّنة في الدولة الإسلامية التي ترتكز في نظامها وقانونها على الفقه الإسلامي، والذي يمثّل ثورةً قانونيةً يُعتدّ بها من خلال آراء المجتهدين في فهمهم للكتاب والسنّة.

أمّا النظرية الثانية الموجودة، فهي نظرية ولاية الفقيه، وهي تتمثّل بالآتي:

أنه إذا كان هناك دولة إسلامية، فمن الطبيعي أن يحكمها الفقيه الخبير الذي يعرف أمور زمانه، ويملك القدرة على الإدارة في السياسة، بحيث تحيط به مجموعة من المستشارين، ويُنتخب من خلال المجلس الذي ينتخبه الشّعب. ولذلك، فقضية ولاية الفقيه فيها تزاوج بين الديمقراطية في انتخاب الوليّ الفقيه وبين مسألة الولاية. ويمكن للمجلس الذي انتخب الفقيه بالأكثرية أن يعزله ولذلك، فهي تمثل قيادةً «تمثيلية» في حركة تنفيذية للقانون.

وفي النظرية الإسلامية، تجوز المعارضة حتى لوليّ الفقيه، فهو عندما يخطئ أو ينحرف مثلاً، فمن الطبيعي أن ينتقده البعض. وقد كان أبو بكر الصدّيق يقول: «ولِّيتُ عليكم ولستُ بخيركم».

وكان الإمام عليّ(ع) يقول: «فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة (أهل السّيف والقوّة)، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقّ قيل لي، ولا التماس إعظامٍ لنفسي، فإنّه من استثقل الحقّ أن يُقال له، أو العدل أن يُعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه».

إنّ الحكم في الإسلام، سواء أخضعناه لنظريّة الشّورى، أو لنظريّة ولاية الفقيه، هو ليس حكماً استبداديّاً، بل حكماً منفتحاً يرعى شعوب الأمّة، ويتقبّل الملاحظات عندما يخطئ الحاكم. ولمّا كانت هذه النّظريّة نظريةً فقهيّة اجتهاديّةً، فمن الطّبيعي أن يختلف العلماء حولها كأيّ نظرية أخرى.

إنّنا نلاحظ أنّ علماء المسلمين الشّيعة ومجتهديهم يختلفون حول هذه المسألة، فالكثيرون لا يرون ولايةّ عامّةً للفقيه، بل يرون أنّ للفقيه ولايةً خاصّةً في الإشراف على الأيتام أو القُصّر أو على الأوقاف التي لا وليّ لها. ولذلك، فمن الطّبيعيّ أن يكون موقع ولاية الفقيه ليس الدّولة الإسلاميّة، بل المجتمع الإسلامي الذي يغلب فيه المسلمون مثلاً، أمّا في مجتمعٍ مثل لبنان، فليس هناك واقعية لولاية الفقيه.

ولذلك، نحن نعتبر أنّ الجدل السياسيّ حول القول بولاية الفقيه من قبل بعض الجهات في لبنان، لا معنى له، لأنّه ليس هناك أيّ جهة سياسية قادرة على أن تحكم النظام اللّبناني بنظام ولاية الفقيه، لأنّ النظام اللّبناني كما أسميته، هو «نظام عجائبي»، ولن يكون جمهوريةً إسلاميةً ولا جمهوريةً مسيحيةً، بل سيكون جمهوريةً مختلطةً فيها ديمقراطية، حتى إنّها ليست الديمقراطية بالمعنى الذي نفهم فيه خطوط «الديمقراطية»، بل هي أقرب إلى «المزرعة منها إلى الدولة».

أنا لا أرى ولاية الفقيه المطلقة، لكنّني أرى أنّ هناك قاعدةً في الإسلام، وهي حفظ نظام المجتمع، وحفظ النّظام الأمني والاقتصاديّ والاجتماعيّ، وإذا توقّف حفظ النظام على أن يتولّى الفقيه بمستشاريه الحكم، فنقرّها، أمّا إذا لم يتوقّف حفظ النظام عليها، فيمكننا أن نختار شخصاً أميناً، مخلصاً، ومستشارين خبراء يستطيعون أن يعاونوه ويساعدوه في إدارة شؤون الدولة، وبالتالي لا ضرورة لولاية الفقيه.

مع العلم أنّ على هذا الشخص المختار أن يكون لديه فكرة عامّة عن الفقه، وأن يكون إلى جانبه الفقهاء الذين يستشيرهم في أمور الفقه، أمّا الخبراء، فيستشيرهم في الجوانب الإدارية الأخرى.
 إنّ الحكم في الإسلام، سواء أخضعناه لنظرية الشورى، أو لنظريّة ولاية الفقيه، هو ليس حكماً استبدادياً، بل حكماً منفتحاً يرعى حقّ الشعب.

- ولاية الفقيه ولبنان


س: سماحتكم تقولون إنّ ولاية الفقيه لا تتمتّع بالأهمية في النّظام اللّبناني، لكن ألا يوجد لها آثارٌ سلبية تنعكس على الواقع السياسي؟

ج: سأكتفي بالقول إنّ هناك فريقاً من الناس يلتزمون بولاية الفقيه، باعتبار أنّهم يرجعون بالفتوى إلى «الفقيه» الذي يرون ولايته في هذا الموضوع، ولذا فهم يلتزمون بها التزاماً دينياً. لذلك، هي لا تمثّل أية مشكلة للوضع اللّبناني السياسي، إضافةً إلى أنّه لا يوجد أحد ينادي بتقليد الوليّ الفقيه في القضايا السياسية والاقتصادية، ولكن هي مسألة أقرب إلى المسألة الدينية منها إلى المسألة السياسية عندما تطرح في الوسط الثقافي.

- فصل الدين عن الدولة

س: هل تؤيّدون سماحتكم نظريّة فصل الدين عن الدولة؟

ج: شعار فصل الدين عن الدولة هو شعارٌ انطلق من خلال التّجربة الغربيّة للدين، باعتبار أنّ المؤسسات الدينية كانت تتدخّل في الدولة، كما أنّها كانت تضطهد العلماء الذين يختلفون في نظرياتهم العلمية مع بعض النظريات التي يتبنّاها رجال الدين ولا يتبنّاها الدين. ولذلك انفصلت أوروبا أو الغرب بشكل عام عن الدين كقاعدة لنظام الدولة أو منهج للسياسة وما إلى ذلك، واعتبرت أن الدين هو علاقة بين الإنسان وربّه.

أمّا بالنسبة إلى الإسلام، فعندما ندرس الإسلام من جوانبه المختلفة، نرى أنّ هناك الفقه الإسلامي الذي يمثّل التنظيم القانوني الشرعيّ للحياة في العبادات والمعاملات والعلاقات العامّة، على مستوى المجتمع، وعلى مستوى الدول وقضايا الحرب والسلم.

لذلك، فالإسلام يختزن الدولة في داخله، فلا معنى أن نفصل بين الدّين والدولة في هذا المجال، لأنّ الدين يختزن الدولة، فبذلك كأنك تريد أن تفصل بين الشيء وذاتياته. ونحن عندما ندرس التراث الفقهي في الإسلام، سواء فيما تركه العلماء المسلمون من السنّة أو من الشّيعة، لا نرى أنّ هناك أيّة قضية من القضايا التي تتعلّق بالإنسان الفرد في حياته الخاصّة أو العامّة، وبارتباطات الدول بعضها ببعض، وبحقوق الإنسان وما إلى ذلك، إلا وتمّت معالجتها.

فنحن نرى أنّ الدين لا نقصان فيه، وما دام باب الاجتهاد مفتوحاً عند السنّة والشيعة، فإنّ أيّة قضيّة جديدة تفرض نفسها على الواقع، فإنّ المسلمين المجتهدين تباعاً يجتمعون ويقدّمون الحكم الشرعي الإسلامي الذي ينظّم لهذا الحدث الجديد مساره وطريقه. حتى إنّ الفقه الإسلامي عالج قضيّة علاقة المسلمين مع غير المسلمين ممّن يعيشون في المجتمع الإسلامي أو في الدولة الإسلامية. ونحن نعلم أنّ النبيّ محمّداً (ص)، عندما هاجر إلى المدينة، كتب وثيقةً بين المسلمين واليهود، وأعطى اليهود حقوقهم الحياتية والشخصية تماماً كما هي للمسلمين في هذا المجال، وكانت هذه أوّل وثيقة رسمية قانونية إسلامية أكّدت مسألة المواطنة، باعتبار أن اليهود حتى وإن لم يكونوا مسلمين، إلا أنّهم مواطنون، لذلك أعطاهم الإسلام حقّ المواطنة.

ونحن نستمع إلى ما يقوله بعض المسيحيين في جدالهم السياسي، أنّ المسلمين يريدون أن يجعلونا أهل ذمّة. وأوضّح هنا، أنّ قانون الذمّة عندما يُدرس في عناصره القانونية، سيتبيّن أنّه قانون إنسانيّ ، ولكن إلى جانب هذا القانون، هناك قانون المعاهدة، وهو أن يقوم نوع من المعاهدة الاجتماعية بين فئات المجتمع، بحيث لو كان هناك أكثرية إسلامية وكان هناك يهود أو بوذيون، فالإسلام يعقد معهم على هذا الأساس معاهدةً تحفظ حقوقهم الإنسانية والدينية، أو الطريقة التي يعيشون فيها حياةً طبيعيةً. فنحن نعرف، كما كنت أقول لبعض الغربيين، أنّ المسلمين هم الذين قاموا بحماية اليهود، فاليهود موجودون في كلّ العالم الإسلامي، بينما الغرب هو مَن اضطهدهم.

حتى إنّ الكنائس المسيحيّة موجودة في كلّ العالم الإسلامي، ونحن نعلم أنّ الزردشتية ما زالت موجودةً في إيران، على الرغم من أنّ إيران دولة إسلامية ،إضافةً إلى وجود ممثلين لليهود والنصارى في مجلس الشورى الإسلامي.

 لذلك، نحن نقول إنّ مسألة فصل الدين عن الدولة هو أمرٌ لا ينسجم مع طبيعة التكوين القانوني والفكري والحركي للإسلام، هذا قد ينطبق على المسيحية، لأنّها لا تملك نظاماً قانونياً شاملاً كما هي المسألة في الإسلام، وعلى أساس ما يردّدونه: «دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر».
فصل الدين عن الدولة لا ينسجم مع طبيعة التكوين الفكري والقانوني والحركي للإسلام

- ايران ليست معصومةً من الخطأ


س: أشرتم سابقاً إلى أنّ الإسلام يجيز المعارضة، وأعطيتم الأمثلة عن الخلفاء الراشدين، فهل تشير بشكل ما إلى المعارضة في إيران؟

ج: أنا أتصوّر أنّ هناك معارضةً في إيران، وأنّ ما حدث إنّما هو نوعٌ من أنواع المعارضة، والمعروف أنّ في إيران إصلاحيّين ومحافظين، ومجلس الشورى يضمّ الاثنين في تركيبته.

وقد حدثت الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة على أساس أنّ الشّعب الإيراني انطلق بكلّه، فعندما ينطلق أكثر من 40 مليون إيراني ليضعوا أوراقهم في صناديق الاقتراع، فلا بدّ من أن يكون هناك رابح وخاسر. وبما أنّ هناك تعقيدات موجودة في الداخل، وبفعل الحرب الإعلاميّة العالميّة التي بدأت منذ زمن طويل ضدّ إيران ولا تزال، خصوصاً في الجانب الإعلامي في هذا المقام، فإنّ من الطّبيعيّ أن يكون هناك نوعٌ من الإثارة تجعل الخاسر يشعر بسلبيّة.

وقد قيل للمعارضين من قبل المسؤولين في إيران، إنّ هناك قانوناً ودستوراً يحدّد طبيعة الانتخابات، وحصولها على الجانب القانوني أو عدم حصولها عليه. ولكنّ المعارضين لم يقبلوا ذلك، وقيل لهم تعالوا وقدّموا ما عندكم ممّا تسجّلونه على الانتخابات كي يُصار إلى إعادة الانتخابات من جديد، وهم لم يقدّموا ذلك، بل قدّموا ما يدّعونه، وقدّموا بعض الأشياء التي درستها مصلحة مجلس صيانة الدستور.

لذلك، فالقضيّة في إيران كانت مماثلةً للقضيّة في لبنان، فالخاسرون هنا أيضاً يتحدّثون بالعودة إلى المجلس الدستوري، ولكن في إيران لم يقبلوا، فإيران ليست معصومةً من الخطأ، ففيها معارضة، وفيها من هم مع النظام و مَن هم ضدّ النظام.

وربّما أرادت الدولة أن تكون التظاهرات سلميةً، لكن دخل عليها مَن حوّلها إلى ما يشبه الفوضى، وانطلقت الحرب الإعلاميّة لتصبّ الزيت على النار.

حتّى إنّنا نعرف، أن الرئيس السابق جورج بوش عندما نجح، إنّما نجح من خلال المحكمة العليا، لأنّه كان هناك جدل في الانتخابات إن كانت تعطى له الرئاسة أو تعطى لآل غور مثلاً.

وهذا الأمر كان طبيعيّاً في إيران، ولكنّ طبيعة الأوضاع المحيطة بالجمهوريّة الإسلاميّة، من خلال تعاطي أميركا والغرب، وكذلك إسرائيل، مع إيران، ونظرتهم إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، كلّ هذه العوامل اجتمعت وأدّت إلى هذا الجوّ المحقون وغير المتوازن.

- الوضع العراقي

س: ماذا تقولون عن الوضع في العراق؟

ج: أنا لا أثق بأميركا، لأنّها عندما دخلت العراق، قال «جوني أبو زيد» ـ هذا القائد الأميركي  اللّبناني الأصل ـ: «لقد دخلنا العراق للسيطرة على النّفط، ولأنّ العراق جسر لكلّ الدول المجاورة» (جسر للسّعودية، لتركيا، لسورية ولإيران).

لذلك، فإنّ أميركا دخلت العراق من جهة السيطرة عليه كموقع استراتيجي لحماية مصالحها في المنطقة، لكن كما يُقال: «لم يجر حساب الحقل على حساب البيدر»، فقد عانت من العراق كثيراً، فنحن نقرأ في الإحصائيات أنّ عدد قتلى الجيش الأميركي زاد على 4 آلاف، وأن الجرحى يزيدون عن 30 ألفاً. لذلك، فإنّ الوضع الأميركي في العراق أصبح وضعاً مثيراً للرأي العام الأميركي، ولا سيّما بعدما دخلت الحرب في باكستان، وهي أيضاً تعمل على ما كان يسمّيه بوش: «الفوضى الخلاّقة»، بحيث إنّها دخلت لتربك الواقع في الصومال وفي السودان، وحتى في لبنان، كما نلاحظه في موقفها في أثناء الانتخابات النّيابيّة، وفي موقفها الآن في تعقيد قضيّة تأليف الحكومة وما إلى ذلك.

ولاحظنا أنّ نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، عندما جاء إلى العراق، حاول أوّلاً التدخل في قضية المصالحة بين العراقيين والأكراد والعرب، وكان يقول: إذا امتدّ العنف فسوف تتخلّى أميركا عن التزاماتها في العراق.

ثمّ إنّنا نلاحظ أن أميركا التي وقّعت اتفاقيةً أمنيّةً مع الحكومة العراقية، وبدأت الآن في الانتقال من داخل المدن إلى خارجها، ربّما تفكّر، من خلال التطوّرات، في أن تجعل من العراق قاعدةً عسكريّةً، تماماً كما هي القواعد في الكويت وقطر.

أنا لا أثق بأمريكا، باعتبار أنّها تعمل على أن تكون بيدها قيادة العالم، وكذلك هي تخاف من أن يحصل العراق على قوّة عسكريّة، لأنّها دخلت العراق من أجل إسرائيل، كما صرّح بعض القادة الأميركيّين: «إنّنا أنقدنا إسرائيل من قوّة كبرى كانت تمثّل خطراً عليها، وهي العراق"، لذلك كان من بين أهداف أميركا إضعاف العراق، وإسقاط قوته من اجل حماية إسرائيل من كلّ المواقع القوية العربية التي تحيط بها.

وإسرائيل بالنسبة إلى أميركا تمثّل موقعاً يكاد يكون أقوى من أية ولاية أميركية، ولذلك كنت أقول لبعض الصحافيين الأميركيين، إنّ الانطباع عندنا في العالم العربي والإسلامي، أن إسرائيل هي التي تحكم أميركا وليس العكس.

ولعلّنا نلاحظ ذلك في موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما من قضية إزالة المستوطنات، حيث تتمرّد إسرائيل على أميركا في هذا المجال بطريقة أو بأخرى.

وعندما رأت إسرائيل أوباما يتحدّث عن الدّولتين، تحدّث بالتّالي نتنياهو عن دولة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، دولة لا تملك جيشاً ولا سلطة لها على المياه والحدود، ولا سلطة لها على أيّة علاقات مع الخارج، وتبقى المستوطنات.

وقد ارتاح أوباما لمجرّد كلمة الدّولة الثّانية، وإن كانت فارغةً من المضمون. وإنّني قرأت لمسؤول إسرائيلي قوله: «فليسمّوها دولةً، فليسمّوها إمبراطوريةً، هذا أمر لا يخصّنا، المهمّ نحن علينا أن نعمل على ما يمثّل مصالحنا، وأما التسويات، فلتناقش بحسب ما يريدون».

كأنّهم يضحكون على ذقون العرب كما ضحكوا عليها مدّة ستّين سنةً وأكثر.
أمريكا دخلت العراق للسّيطرة على النّفط، وعليه كموقع استراتيجي لحماية مصالحها في المنطقة ولكن لم يجر حساب الحقل على حساب البيدر

- مرجعيّة إسلاميّة شيعيّة


س: يقول الكثيرون إنّ مرجعيّتكم محصورة فقط بالطّائفة الشّيعيّة، مع العلم أنّها مقبولة عند مختلف الطّوائف، ولا سيّما عند الطّائفة السنيّة، فما هي الخطوات لتوحيد المسلمين؟

ج: الكلام عن انحصار حركتي الاجتهاديّة والفقهيّة بالدّائرة الشيعيّة غير واقعيّ، لأنّني منفتح على الواقع الإسلامي، وأنا انطلقت في الحياة، منذ أوّل الخمسينات، كإسلامي.

وأذكر أنّه في أوّل سفرة أتيت فيها إلى لبنان سنة 1952، وأنا في الأصل ولدت في العراق، ألقيت قصيدةً في بيروت في تأبين السيّد محسن الأمين، دعوت فيها إلى الوحدة الإسلامية، وأنا أحمل لواء الوحدة منذ ذلك الوقت.

وأنا على يقين من أنّ الكثير من إخواننا المسلمين السنّة يصومون ويفطرون بناءً على الفتوى التي أفتيها على أساس الحسابات الفلكيّة العلميّة.

وأنا قلْت إنّه لا فرقَ بيننا وبين السنّة في أوقات الصّلاة، لذلك كانت تأتينا بعض الاستفتاءات تسأل عمّا إذا كان يحقّ لمسلمة شيعيّة متزوّجة من مسلم سنّي، أن تفطر معهم بحسب توقيتهم عندما يحين موعد الإفطار، لأنّ الشّيعة عادةً لا يفطرون إلا بعد ذهاب الحمرة المشرقيّة، وأنا قلت لهم إنّكم تستطيعون أن تفطروا معهم، لأنّنا نتّفق مع إخواننا المسلمين السنّة في قضيّة أنّ الغروب يتحقّق بسقوط قرص الشّمس.
أحمل لواء الوحدة الإسلامية منذ الخمسينات، ومرجعيتي ليست محصورةً بالشيعة فقط

- الحسابات الفلكية

س: أين أصبحت فتواكم في العالم الإسلامي بالنسبة إلى موضوع اعتماد الفلك؟

ج: أنا أعطيت هذه الفتوى انطلاقاً من دراسة عميقة، وهي أنّ العلماء المسلمين من السنّة والشيعة، يعتمدون على قول الرسول(ص): «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، فيعتبرون أنّ الرؤية هي الأساس، أمّا أنا، فأرى أنّ الرؤية هي وسيلة من وسائل المعرفة وليست لها موضوعيّة، بحيث يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، ولذلك كنت أضرب المثل الآتي لبعض الناس الذين يستفهمون في هذا الشأن؛ إنّه إذا قال لك شخص: إذا رأيت فلاناً فأخبره هذا الخبر، ولكنّه اتصل بك ولم تره ألا تخبره؟ ما يدلّ على أنّ الرؤية إنّما هي وسيلة من وسائل المعرفة.

هذا جانب، أمّا الجانب الثّاني، فهو أنّ الحسابات الفلكيّة أدقّ من الرؤية، لأنّ الفضاء أصبح ملوّثاً من خلال المصانع والمعامل، حتى إنّه يمكننا رؤية عشرين هلالاً في الأفق وليس بينها هلال حقيقي.

لذلك، فالرؤية قد تخطئ، ولكنّ الحسابات الفلكيّة لن تخطئ حتى بنسبة 1% في هذا الموضوع. ولذلك كنت أقول إنّ الشهر يمثّل النظام الكوني في الزمن، لأنّه ليس هناك حواجز مادّية بين شهر قمري وشهر قمري آخر، وإنّما ينطلق الشهر القمري إذا دخل القمر في المحاق، أي إذا دخل في الجانب المظلم ينتهي الشّهر، وإذا دخل في الجانب المضيء يبدأ الشهر الآخر.

فالقضّية أنّ الله، سبحانه وتعالى، يقول: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ} [التوبة:36]، فالله خلق الشّهور قبل أن يخلق العيون.
الحسابات الفلكيّة أدقّ من الرؤية بالنسبة لولادة الهلال، ولن تخطئ ولو حتى بنسبة واحد في المائة!

- شرعيّة الاستنساخ

س: سماحتكم اجتهدتم، فأفتيتم بحليّة الاستنساخ، لماذا؟

ج: الاستنساخ فيه جانبان: أوّلاً الجانب الذي يتّصل بالخلق، وثانياً الجانب الذي يتّصل بمسألة المفاسد الواقعيّة المترتّبة عليه.

أمّا فيما يتعلّق بالجانب الأوّل، فالاستنساخ لا يُعتبر خلقاً، لأنّ الخلق هو خلق القانون لا خلق الشّكل، ولذلك، فنحن مثلاً نشرّع طفل الأنبوب والتّلقيح الصناعي، لأن مسألة ولادة الكائن الحيّ يخضع لخلية كروموزوماتها 46 المتكونة من 23 من النطفة و23 من البويضة.

والمستنسخ يفرّغ البويضة من الـ23، ويأتي بخليّة ناضجة ويزرعها، فيتحقّق الكائن الحيّ. فإذاً معناها أنّنا مازلنا على قانون الـ46، وهو القانون الذي أودع الله فيه «سرّ الخلق»، وهذا معناه أنّ الإنسان لم يتحوّل إلى خالق، ولكنّه استهدى الخالق في القانون الذي يتمكّن من خلاله من تكوين الكائن الحيّ.

أمّا في مسألة تحويل الاستنساخ إلى واقع، فهذا لا بدّ من أن يدرس من خلال التّجربة، وهل إنّ النّفع أكثر من الضّرر أو إنّ الضّرر أكثر من النّفع؟

هذا لا نستطيع أن نحكم به الآن، إلا بعد أن ينتشر الاستنساخ، وهذا ليس وارداً ولا يملك فرصةً، لأنّ الناس تستخدم موانع الحمل كي تحدّ من الإنجاب. كما أنّ الاستنساخ بحاجة إلى مال وجهد وما إلى ذلك.

ولهذا، فهو مجرّد نظريّة علميّة قد نحتاج إليها في ما إذا أمكن استنساخ عضو واحد مثلاً أو ما شابه ذلك، وعملية استخدام الأعضاء إذا كان هذا واقعياً. ولذلك لا أرى ذلك حراماً، إذ ليس هناك أساس للتّحريم.
الاستنساخ لا يُعتبر خلقاً، لأنّ الخلق هو خلق القانون لا خلق الشّكل

- زواج المتعة

س: السنّة يرون أنّ زواج المتعة غير جائز، بعكس ما يراه الشّيعة، فما قولكم في ذلك؟

ج: إذا أردنا الاعتراض على زواج المتعة، فهل نعترض على الرّسول الأكرم(ص) الذي شرّعه، لأنّ المسلمين كانوا في غزوة، وجاؤوا إلى رسول الله ورخّص لهم الاستمتاع. والسنّة والشّيعة متّفقون على أنّ النبي شرّع المتعة.

ولكنّ السنّة يقولون إنّه نسخ بعد ذلك، بينما يقول الشيعة إنّه لم ينسخ، ويروون عن ابن عباس، وعن عبد الله ابن عمر، أنّهم كانوا يستمتعون في عهد الرسول وفي عهد أبي بكر وفي قسم من عهد عمر، حتى حرّمها عمر، وقال في بعض ما يروى عنه: «متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما، متعة النساء، ومتعة الحج». وقيل إنّ هذا تحريم إداري، وأن ليس له حقّ التشريع.

والمسألة هي محلّ جدل فقهيّ بين السنّة والشّيعة، وقد كُتِبَتْ فيها الكتب الكثيرة، بين مَن يثبت النسخ ويقول إنّها غير شرعية، ومَن ينفي النسخ وهم الشيعة.

ولذلك أتصوّر أنّ المسألة لا بدّ من أن تُدرَس فقهيّاً، ولا يرجع في هذا المجال إلى الوسائل التشهيرية التي ربّما يكذّب بها أحدنا الآخر، لأنها مجرّد مسألة فقهيّة لا بدّ من أن تبحث في الأصول الفقهيّة.
مسألة زواج المتعة هي محلّ جدل فقهي بين السنّة والشّيعة

- الاعتماد على الحسابات الفلكية


س: مع اقتراب شهر رمضان المبارك، ماذا تقولون في مسألة اختلاف بدايته ونهايته حتى بين الشيعة أنفسهم والسنّة أنفسهم؟

ج: إنّ الوقائع العلميّة التي شهدها العالم كلّه، وخصوصاً في السّنوات القليلة الماضية، تؤكّد أنّ الحلّ المنطقيّ والشرعيّ لهذه المسألة يتمثّل بالأخذ بالحسابات الفلكيّة الدقيقة، ولكننّي منفتح على أيّ مؤتمر يضمّ الفعاليات العلميّة والوحدويّة السنية والشّيعية، لأنّنا منفتحون على كلّ ما يمثّل مصلحة الأمّة ومصلحة الإسلام في مختلف المسائل الشرعية والميدانية.

س: هل يفسد طلاء الأظافر الوضوء؟

ج: كلّ شيء لاصق لا يفسد الوضوء. ولقد أصدرت فتوى في هذا الموضوع.

- مستقبل لبنان

س: بالنسبة إلى مستقبل لبنان في ظلّ الوضع السياسي الحالي، ما هي  رؤيتكم؟

ج: أستشهد ببيت شعر يصف الحال:

كأنّنا والماء من حولنا       قوم جلوسٌ حولهم ماءُ     

إنّ لبنان سوف يبقى مجرّد رئة تتنفّس فيها مشكلات كلّ المنطقة، ومجرّد شعب يتّبع أشخاصاً.

أجرى الحوار: أسامة الزين - هانية غندور

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 22 رجب 1430 هـ  الموافق: 15/07/2009 م

إيران ليست معصومة عن الخطأ وولاية الفقيه فيها تزاوج بين الديمقراطية في الانتخاب وبين مسألة الولاية

فضل الله:الإسلام يختزن الدولة في داخله، فلا معنى أن نفصل بين الدّين والدولة


في التاريخ رجال كبار، وفي كلّ عصر عظماء وعلماء قدّموا إلى البشرية إنجازاً ما أو طوّروا شيئاً ما. العلامة السيّد محمّد حسين فضل الله، واحد من هؤلاء الكبار الذين خرقوا سكون العقل وكسروا جموده، ليفتح أبواب الجدل بهدف الوصول إلى اليقين. وعلى أساس ما قاله وأفتاه، تفجّرت إمكانات العقل والتطوّر. آمن بأنّ الدّين يُسر وليس عسراً، وبأنّ الله سبحانه وتعالى علّم الإنسان ما لم يعلم، فاستعان بالعلم الذي يعكس الحقيقة ويعبّرٍ عنها، فاستحقّ ألقاباً متعدّدةً منها العلاّمة، وهو لقب يحوي ما هو مخزون داخل هذا الرجل الكبير من فكرٍ وإيمان وعلم، بل وكفاح ونضال دفاعاً عن المحرومين والمظلومين والأيتام والفقراء وفلسطين. أصاب في كلّ ما قاله، فكان محلّلاً استراتيجياً من الدرجة الأولى. أغضب العدوّ الإسرائيلي فحاول اغتياله، ونجا مواصلاً الطريق الذي رسمه، رغم أنّ هذا الطريق كان شاقاًّ وصعباً.

كنّا نتمنى أن يطول الحوار معه، لكن سلسلة المواعيد التي ارتبط بها منعتنا من ذلك، رغم أنّه، وبناءً على طلبنا، استجاب لنا بلطفٍ ومدّد اللّقاء.

-ولاية الفقيه
- ولاية الفقيه ولبنان
-فصل الدين عن الدولة
-ايران ليست معصومةً من الخطأ
-الوضع العراقي
-مرجعيّة إسلاميّة شيعيّة
-الهلال والحسابات الفلكية
-شرعية الاستنساخ
-زواج المتعة
-الاعتماد على الحسابات الفلكية
-مستقبل لبنان

نصّ الحوار

- ولاية الفقيه

س: هناك أهداف سياسية حول موضوع ولاية الفقيه، فما رأي سماحتكم في ولاية الفقيه من الناحية الدينية والسياسية؟

ج: أساساً، بتعريف ولاية الفقيه، نستطيع القول إنها نظرية فقهية، سياسية. فعندما يبحث الفقهاء عن الشّخص المؤهّل ليكون قائداً في الدولة، ففي هذا المنحى، هناك نظريّتان: نظرية الشورى، ونظرية ولاية الفقيه.

أوّلاً، نظرية الشورى ترتكز على أنّ الأمّة تتشاور فيما بينها وتختار القائد الذي يتمتّع بمواصفات معيّنة في الدولة الإسلامية التي ترتكز في نظامها وقانونها على الفقه الإسلامي، والذي يمثّل ثورةً قانونيةً يُعتدّ بها من خلال آراء المجتهدين في فهمهم للكتاب والسنّة.

أمّا النظرية الثانية الموجودة، فهي نظرية ولاية الفقيه، وهي تتمثّل بالآتي:

أنه إذا كان هناك دولة إسلامية، فمن الطبيعي أن يحكمها الفقيه الخبير الذي يعرف أمور زمانه، ويملك القدرة على الإدارة في السياسة، بحيث تحيط به مجموعة من المستشارين، ويُنتخب من خلال المجلس الذي ينتخبه الشّعب. ولذلك، فقضية ولاية الفقيه فيها تزاوج بين الديمقراطية في انتخاب الوليّ الفقيه وبين مسألة الولاية. ويمكن للمجلس الذي انتخب الفقيه بالأكثرية أن يعزله ولذلك، فهي تمثل قيادةً «تمثيلية» في حركة تنفيذية للقانون.

وفي النظرية الإسلامية، تجوز المعارضة حتى لوليّ الفقيه، فهو عندما يخطئ أو ينحرف مثلاً، فمن الطبيعي أن ينتقده البعض. وقد كان أبو بكر الصدّيق يقول: «ولِّيتُ عليكم ولستُ بخيركم».

وكان الإمام عليّ(ع) يقول: «فلا تكلّموني بما تكلّم به الجبابرة، ولا تتحفّظوا منّي بما يتحفّظ به عند أهل البادرة (أهل السّيف والقوّة)، ولا تخالطوني بالمصانعة، ولا تظنّوا بي استثقالاً في حقّ قيل لي، ولا التماس إعظامٍ لنفسي، فإنّه من استثقل الحقّ أن يُقال له، أو العدل أن يُعرض عليه، كان العمل بهما أثقل عليه».

إنّ الحكم في الإسلام، سواء أخضعناه لنظريّة الشّورى، أو لنظريّة ولاية الفقيه، هو ليس حكماً استبداديّاً، بل حكماً منفتحاً يرعى شعوب الأمّة، ويتقبّل الملاحظات عندما يخطئ الحاكم. ولمّا كانت هذه النّظريّة نظريةً فقهيّة اجتهاديّةً، فمن الطّبيعي أن يختلف العلماء حولها كأيّ نظرية أخرى.

إنّنا نلاحظ أنّ علماء المسلمين الشّيعة ومجتهديهم يختلفون حول هذه المسألة، فالكثيرون لا يرون ولايةّ عامّةً للفقيه، بل يرون أنّ للفقيه ولايةً خاصّةً في الإشراف على الأيتام أو القُصّر أو على الأوقاف التي لا وليّ لها. ولذلك، فمن الطّبيعيّ أن يكون موقع ولاية الفقيه ليس الدّولة الإسلاميّة، بل المجتمع الإسلامي الذي يغلب فيه المسلمون مثلاً، أمّا في مجتمعٍ مثل لبنان، فليس هناك واقعية لولاية الفقيه.

ولذلك، نحن نعتبر أنّ الجدل السياسيّ حول القول بولاية الفقيه من قبل بعض الجهات في لبنان، لا معنى له، لأنّه ليس هناك أيّ جهة سياسية قادرة على أن تحكم النظام اللّبناني بنظام ولاية الفقيه، لأنّ النظام اللّبناني كما أسميته، هو «نظام عجائبي»، ولن يكون جمهوريةً إسلاميةً ولا جمهوريةً مسيحيةً، بل سيكون جمهوريةً مختلطةً فيها ديمقراطية، حتى إنّها ليست الديمقراطية بالمعنى الذي نفهم فيه خطوط «الديمقراطية»، بل هي أقرب إلى «المزرعة منها إلى الدولة».

أنا لا أرى ولاية الفقيه المطلقة، لكنّني أرى أنّ هناك قاعدةً في الإسلام، وهي حفظ نظام المجتمع، وحفظ النّظام الأمني والاقتصاديّ والاجتماعيّ، وإذا توقّف حفظ النظام على أن يتولّى الفقيه بمستشاريه الحكم، فنقرّها، أمّا إذا لم يتوقّف حفظ النظام عليها، فيمكننا أن نختار شخصاً أميناً، مخلصاً، ومستشارين خبراء يستطيعون أن يعاونوه ويساعدوه في إدارة شؤون الدولة، وبالتالي لا ضرورة لولاية الفقيه.

مع العلم أنّ على هذا الشخص المختار أن يكون لديه فكرة عامّة عن الفقه، وأن يكون إلى جانبه الفقهاء الذين يستشيرهم في أمور الفقه، أمّا الخبراء، فيستشيرهم في الجوانب الإدارية الأخرى.
 إنّ الحكم في الإسلام، سواء أخضعناه لنظرية الشورى، أو لنظريّة ولاية الفقيه، هو ليس حكماً استبدادياً، بل حكماً منفتحاً يرعى حقّ الشعب.

- ولاية الفقيه ولبنان


س: سماحتكم تقولون إنّ ولاية الفقيه لا تتمتّع بالأهمية في النّظام اللّبناني، لكن ألا يوجد لها آثارٌ سلبية تنعكس على الواقع السياسي؟

ج: سأكتفي بالقول إنّ هناك فريقاً من الناس يلتزمون بولاية الفقيه، باعتبار أنّهم يرجعون بالفتوى إلى «الفقيه» الذي يرون ولايته في هذا الموضوع، ولذا فهم يلتزمون بها التزاماً دينياً. لذلك، هي لا تمثّل أية مشكلة للوضع اللّبناني السياسي، إضافةً إلى أنّه لا يوجد أحد ينادي بتقليد الوليّ الفقيه في القضايا السياسية والاقتصادية، ولكن هي مسألة أقرب إلى المسألة الدينية منها إلى المسألة السياسية عندما تطرح في الوسط الثقافي.

- فصل الدين عن الدولة

س: هل تؤيّدون سماحتكم نظريّة فصل الدين عن الدولة؟

ج: شعار فصل الدين عن الدولة هو شعارٌ انطلق من خلال التّجربة الغربيّة للدين، باعتبار أنّ المؤسسات الدينية كانت تتدخّل في الدولة، كما أنّها كانت تضطهد العلماء الذين يختلفون في نظرياتهم العلمية مع بعض النظريات التي يتبنّاها رجال الدين ولا يتبنّاها الدين. ولذلك انفصلت أوروبا أو الغرب بشكل عام عن الدين كقاعدة لنظام الدولة أو منهج للسياسة وما إلى ذلك، واعتبرت أن الدين هو علاقة بين الإنسان وربّه.

أمّا بالنسبة إلى الإسلام، فعندما ندرس الإسلام من جوانبه المختلفة، نرى أنّ هناك الفقه الإسلامي الذي يمثّل التنظيم القانوني الشرعيّ للحياة في العبادات والمعاملات والعلاقات العامّة، على مستوى المجتمع، وعلى مستوى الدول وقضايا الحرب والسلم.

لذلك، فالإسلام يختزن الدولة في داخله، فلا معنى أن نفصل بين الدّين والدولة في هذا المجال، لأنّ الدين يختزن الدولة، فبذلك كأنك تريد أن تفصل بين الشيء وذاتياته. ونحن عندما ندرس التراث الفقهي في الإسلام، سواء فيما تركه العلماء المسلمون من السنّة أو من الشّيعة، لا نرى أنّ هناك أيّة قضية من القضايا التي تتعلّق بالإنسان الفرد في حياته الخاصّة أو العامّة، وبارتباطات الدول بعضها ببعض، وبحقوق الإنسان وما إلى ذلك، إلا وتمّت معالجتها.

فنحن نرى أنّ الدين لا نقصان فيه، وما دام باب الاجتهاد مفتوحاً عند السنّة والشيعة، فإنّ أيّة قضيّة جديدة تفرض نفسها على الواقع، فإنّ المسلمين المجتهدين تباعاً يجتمعون ويقدّمون الحكم الشرعي الإسلامي الذي ينظّم لهذا الحدث الجديد مساره وطريقه. حتى إنّ الفقه الإسلامي عالج قضيّة علاقة المسلمين مع غير المسلمين ممّن يعيشون في المجتمع الإسلامي أو في الدولة الإسلامية. ونحن نعلم أنّ النبيّ محمّداً (ص)، عندما هاجر إلى المدينة، كتب وثيقةً بين المسلمين واليهود، وأعطى اليهود حقوقهم الحياتية والشخصية تماماً كما هي للمسلمين في هذا المجال، وكانت هذه أوّل وثيقة رسمية قانونية إسلامية أكّدت مسألة المواطنة، باعتبار أن اليهود حتى وإن لم يكونوا مسلمين، إلا أنّهم مواطنون، لذلك أعطاهم الإسلام حقّ المواطنة.

ونحن نستمع إلى ما يقوله بعض المسيحيين في جدالهم السياسي، أنّ المسلمين يريدون أن يجعلونا أهل ذمّة. وأوضّح هنا، أنّ قانون الذمّة عندما يُدرس في عناصره القانونية، سيتبيّن أنّه قانون إنسانيّ ، ولكن إلى جانب هذا القانون، هناك قانون المعاهدة، وهو أن يقوم نوع من المعاهدة الاجتماعية بين فئات المجتمع، بحيث لو كان هناك أكثرية إسلامية وكان هناك يهود أو بوذيون، فالإسلام يعقد معهم على هذا الأساس معاهدةً تحفظ حقوقهم الإنسانية والدينية، أو الطريقة التي يعيشون فيها حياةً طبيعيةً. فنحن نعرف، كما كنت أقول لبعض الغربيين، أنّ المسلمين هم الذين قاموا بحماية اليهود، فاليهود موجودون في كلّ العالم الإسلامي، بينما الغرب هو مَن اضطهدهم.

حتى إنّ الكنائس المسيحيّة موجودة في كلّ العالم الإسلامي، ونحن نعلم أنّ الزردشتية ما زالت موجودةً في إيران، على الرغم من أنّ إيران دولة إسلامية ،إضافةً إلى وجود ممثلين لليهود والنصارى في مجلس الشورى الإسلامي.

 لذلك، نحن نقول إنّ مسألة فصل الدين عن الدولة هو أمرٌ لا ينسجم مع طبيعة التكوين القانوني والفكري والحركي للإسلام، هذا قد ينطبق على المسيحية، لأنّها لا تملك نظاماً قانونياً شاملاً كما هي المسألة في الإسلام، وعلى أساس ما يردّدونه: «دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر».
فصل الدين عن الدولة لا ينسجم مع طبيعة التكوين الفكري والقانوني والحركي للإسلام

- ايران ليست معصومةً من الخطأ


س: أشرتم سابقاً إلى أنّ الإسلام يجيز المعارضة، وأعطيتم الأمثلة عن الخلفاء الراشدين، فهل تشير بشكل ما إلى المعارضة في إيران؟

ج: أنا أتصوّر أنّ هناك معارضةً في إيران، وأنّ ما حدث إنّما هو نوعٌ من أنواع المعارضة، والمعروف أنّ في إيران إصلاحيّين ومحافظين، ومجلس الشورى يضمّ الاثنين في تركيبته.

وقد حدثت الانتخابات الرئاسيّة الأخيرة على أساس أنّ الشّعب الإيراني انطلق بكلّه، فعندما ينطلق أكثر من 40 مليون إيراني ليضعوا أوراقهم في صناديق الاقتراع، فلا بدّ من أن يكون هناك رابح وخاسر. وبما أنّ هناك تعقيدات موجودة في الداخل، وبفعل الحرب الإعلاميّة العالميّة التي بدأت منذ زمن طويل ضدّ إيران ولا تزال، خصوصاً في الجانب الإعلامي في هذا المقام، فإنّ من الطّبيعيّ أن يكون هناك نوعٌ من الإثارة تجعل الخاسر يشعر بسلبيّة.

وقد قيل للمعارضين من قبل المسؤولين في إيران، إنّ هناك قانوناً ودستوراً يحدّد طبيعة الانتخابات، وحصولها على الجانب القانوني أو عدم حصولها عليه. ولكنّ المعارضين لم يقبلوا ذلك، وقيل لهم تعالوا وقدّموا ما عندكم ممّا تسجّلونه على الانتخابات كي يُصار إلى إعادة الانتخابات من جديد، وهم لم يقدّموا ذلك، بل قدّموا ما يدّعونه، وقدّموا بعض الأشياء التي درستها مصلحة مجلس صيانة الدستور.

لذلك، فالقضيّة في إيران كانت مماثلةً للقضيّة في لبنان، فالخاسرون هنا أيضاً يتحدّثون بالعودة إلى المجلس الدستوري، ولكن في إيران لم يقبلوا، فإيران ليست معصومةً من الخطأ، ففيها معارضة، وفيها من هم مع النظام و مَن هم ضدّ النظام.

وربّما أرادت الدولة أن تكون التظاهرات سلميةً، لكن دخل عليها مَن حوّلها إلى ما يشبه الفوضى، وانطلقت الحرب الإعلاميّة لتصبّ الزيت على النار.

حتّى إنّنا نعرف، أن الرئيس السابق جورج بوش عندما نجح، إنّما نجح من خلال المحكمة العليا، لأنّه كان هناك جدل في الانتخابات إن كانت تعطى له الرئاسة أو تعطى لآل غور مثلاً.

وهذا الأمر كان طبيعيّاً في إيران، ولكنّ طبيعة الأوضاع المحيطة بالجمهوريّة الإسلاميّة، من خلال تعاطي أميركا والغرب، وكذلك إسرائيل، مع إيران، ونظرتهم إلى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، كلّ هذه العوامل اجتمعت وأدّت إلى هذا الجوّ المحقون وغير المتوازن.

- الوضع العراقي

س: ماذا تقولون عن الوضع في العراق؟

ج: أنا لا أثق بأميركا، لأنّها عندما دخلت العراق، قال «جوني أبو زيد» ـ هذا القائد الأميركي  اللّبناني الأصل ـ: «لقد دخلنا العراق للسيطرة على النّفط، ولأنّ العراق جسر لكلّ الدول المجاورة» (جسر للسّعودية، لتركيا، لسورية ولإيران).

لذلك، فإنّ أميركا دخلت العراق من جهة السيطرة عليه كموقع استراتيجي لحماية مصالحها في المنطقة، لكن كما يُقال: «لم يجر حساب الحقل على حساب البيدر»، فقد عانت من العراق كثيراً، فنحن نقرأ في الإحصائيات أنّ عدد قتلى الجيش الأميركي زاد على 4 آلاف، وأن الجرحى يزيدون عن 30 ألفاً. لذلك، فإنّ الوضع الأميركي في العراق أصبح وضعاً مثيراً للرأي العام الأميركي، ولا سيّما بعدما دخلت الحرب في باكستان، وهي أيضاً تعمل على ما كان يسمّيه بوش: «الفوضى الخلاّقة»، بحيث إنّها دخلت لتربك الواقع في الصومال وفي السودان، وحتى في لبنان، كما نلاحظه في موقفها في أثناء الانتخابات النّيابيّة، وفي موقفها الآن في تعقيد قضيّة تأليف الحكومة وما إلى ذلك.

ولاحظنا أنّ نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، عندما جاء إلى العراق، حاول أوّلاً التدخل في قضية المصالحة بين العراقيين والأكراد والعرب، وكان يقول: إذا امتدّ العنف فسوف تتخلّى أميركا عن التزاماتها في العراق.

ثمّ إنّنا نلاحظ أن أميركا التي وقّعت اتفاقيةً أمنيّةً مع الحكومة العراقية، وبدأت الآن في الانتقال من داخل المدن إلى خارجها، ربّما تفكّر، من خلال التطوّرات، في أن تجعل من العراق قاعدةً عسكريّةً، تماماً كما هي القواعد في الكويت وقطر.

أنا لا أثق بأمريكا، باعتبار أنّها تعمل على أن تكون بيدها قيادة العالم، وكذلك هي تخاف من أن يحصل العراق على قوّة عسكريّة، لأنّها دخلت العراق من أجل إسرائيل، كما صرّح بعض القادة الأميركيّين: «إنّنا أنقدنا إسرائيل من قوّة كبرى كانت تمثّل خطراً عليها، وهي العراق"، لذلك كان من بين أهداف أميركا إضعاف العراق، وإسقاط قوته من اجل حماية إسرائيل من كلّ المواقع القوية العربية التي تحيط بها.

وإسرائيل بالنسبة إلى أميركا تمثّل موقعاً يكاد يكون أقوى من أية ولاية أميركية، ولذلك كنت أقول لبعض الصحافيين الأميركيين، إنّ الانطباع عندنا في العالم العربي والإسلامي، أن إسرائيل هي التي تحكم أميركا وليس العكس.

ولعلّنا نلاحظ ذلك في موقف الرئيس الأميركي باراك أوباما من قضية إزالة المستوطنات، حيث تتمرّد إسرائيل على أميركا في هذا المجال بطريقة أو بأخرى.

وعندما رأت إسرائيل أوباما يتحدّث عن الدّولتين، تحدّث بالتّالي نتنياهو عن دولة لا لون لها ولا طعم ولا رائحة، دولة لا تملك جيشاً ولا سلطة لها على المياه والحدود، ولا سلطة لها على أيّة علاقات مع الخارج، وتبقى المستوطنات.

وقد ارتاح أوباما لمجرّد كلمة الدّولة الثّانية، وإن كانت فارغةً من المضمون. وإنّني قرأت لمسؤول إسرائيلي قوله: «فليسمّوها دولةً، فليسمّوها إمبراطوريةً، هذا أمر لا يخصّنا، المهمّ نحن علينا أن نعمل على ما يمثّل مصالحنا، وأما التسويات، فلتناقش بحسب ما يريدون».

كأنّهم يضحكون على ذقون العرب كما ضحكوا عليها مدّة ستّين سنةً وأكثر.
أمريكا دخلت العراق للسّيطرة على النّفط، وعليه كموقع استراتيجي لحماية مصالحها في المنطقة ولكن لم يجر حساب الحقل على حساب البيدر

- مرجعيّة إسلاميّة شيعيّة


س: يقول الكثيرون إنّ مرجعيّتكم محصورة فقط بالطّائفة الشّيعيّة، مع العلم أنّها مقبولة عند مختلف الطّوائف، ولا سيّما عند الطّائفة السنيّة، فما هي الخطوات لتوحيد المسلمين؟

ج: الكلام عن انحصار حركتي الاجتهاديّة والفقهيّة بالدّائرة الشيعيّة غير واقعيّ، لأنّني منفتح على الواقع الإسلامي، وأنا انطلقت في الحياة، منذ أوّل الخمسينات، كإسلامي.

وأذكر أنّه في أوّل سفرة أتيت فيها إلى لبنان سنة 1952، وأنا في الأصل ولدت في العراق، ألقيت قصيدةً في بيروت في تأبين السيّد محسن الأمين، دعوت فيها إلى الوحدة الإسلامية، وأنا أحمل لواء الوحدة منذ ذلك الوقت.

وأنا على يقين من أنّ الكثير من إخواننا المسلمين السنّة يصومون ويفطرون بناءً على الفتوى التي أفتيها على أساس الحسابات الفلكيّة العلميّة.

وأنا قلْت إنّه لا فرقَ بيننا وبين السنّة في أوقات الصّلاة، لذلك كانت تأتينا بعض الاستفتاءات تسأل عمّا إذا كان يحقّ لمسلمة شيعيّة متزوّجة من مسلم سنّي، أن تفطر معهم بحسب توقيتهم عندما يحين موعد الإفطار، لأنّ الشّيعة عادةً لا يفطرون إلا بعد ذهاب الحمرة المشرقيّة، وأنا قلت لهم إنّكم تستطيعون أن تفطروا معهم، لأنّنا نتّفق مع إخواننا المسلمين السنّة في قضيّة أنّ الغروب يتحقّق بسقوط قرص الشّمس.
أحمل لواء الوحدة الإسلامية منذ الخمسينات، ومرجعيتي ليست محصورةً بالشيعة فقط

- الحسابات الفلكية

س: أين أصبحت فتواكم في العالم الإسلامي بالنسبة إلى موضوع اعتماد الفلك؟

ج: أنا أعطيت هذه الفتوى انطلاقاً من دراسة عميقة، وهي أنّ العلماء المسلمين من السنّة والشيعة، يعتمدون على قول الرسول(ص): «صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته»، فيعتبرون أنّ الرؤية هي الأساس، أمّا أنا، فأرى أنّ الرؤية هي وسيلة من وسائل المعرفة وليست لها موضوعيّة، بحيث يدور الحكم مدارها وجوداً وعدماً، ولذلك كنت أضرب المثل الآتي لبعض الناس الذين يستفهمون في هذا الشأن؛ إنّه إذا قال لك شخص: إذا رأيت فلاناً فأخبره هذا الخبر، ولكنّه اتصل بك ولم تره ألا تخبره؟ ما يدلّ على أنّ الرؤية إنّما هي وسيلة من وسائل المعرفة.

هذا جانب، أمّا الجانب الثّاني، فهو أنّ الحسابات الفلكيّة أدقّ من الرؤية، لأنّ الفضاء أصبح ملوّثاً من خلال المصانع والمعامل، حتى إنّه يمكننا رؤية عشرين هلالاً في الأفق وليس بينها هلال حقيقي.

لذلك، فالرؤية قد تخطئ، ولكنّ الحسابات الفلكيّة لن تخطئ حتى بنسبة 1% في هذا الموضوع. ولذلك كنت أقول إنّ الشهر يمثّل النظام الكوني في الزمن، لأنّه ليس هناك حواجز مادّية بين شهر قمري وشهر قمري آخر، وإنّما ينطلق الشهر القمري إذا دخل القمر في المحاق، أي إذا دخل في الجانب المظلم ينتهي الشّهر، وإذا دخل في الجانب المضيء يبدأ الشهر الآخر.

فالقضّية أنّ الله، سبحانه وتعالى، يقول: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ} [التوبة:36]، فالله خلق الشّهور قبل أن يخلق العيون.
الحسابات الفلكيّة أدقّ من الرؤية بالنسبة لولادة الهلال، ولن تخطئ ولو حتى بنسبة واحد في المائة!

- شرعيّة الاستنساخ

س: سماحتكم اجتهدتم، فأفتيتم بحليّة الاستنساخ، لماذا؟

ج: الاستنساخ فيه جانبان: أوّلاً الجانب الذي يتّصل بالخلق، وثانياً الجانب الذي يتّصل بمسألة المفاسد الواقعيّة المترتّبة عليه.

أمّا فيما يتعلّق بالجانب الأوّل، فالاستنساخ لا يُعتبر خلقاً، لأنّ الخلق هو خلق القانون لا خلق الشّكل، ولذلك، فنحن مثلاً نشرّع طفل الأنبوب والتّلقيح الصناعي، لأن مسألة ولادة الكائن الحيّ يخضع لخلية كروموزوماتها 46 المتكونة من 23 من النطفة و23 من البويضة.

والمستنسخ يفرّغ البويضة من الـ23، ويأتي بخليّة ناضجة ويزرعها، فيتحقّق الكائن الحيّ. فإذاً معناها أنّنا مازلنا على قانون الـ46، وهو القانون الذي أودع الله فيه «سرّ الخلق»، وهذا معناه أنّ الإنسان لم يتحوّل إلى خالق، ولكنّه استهدى الخالق في القانون الذي يتمكّن من خلاله من تكوين الكائن الحيّ.

أمّا في مسألة تحويل الاستنساخ إلى واقع، فهذا لا بدّ من أن يدرس من خلال التّجربة، وهل إنّ النّفع أكثر من الضّرر أو إنّ الضّرر أكثر من النّفع؟

هذا لا نستطيع أن نحكم به الآن، إلا بعد أن ينتشر الاستنساخ، وهذا ليس وارداً ولا يملك فرصةً، لأنّ الناس تستخدم موانع الحمل كي تحدّ من الإنجاب. كما أنّ الاستنساخ بحاجة إلى مال وجهد وما إلى ذلك.

ولهذا، فهو مجرّد نظريّة علميّة قد نحتاج إليها في ما إذا أمكن استنساخ عضو واحد مثلاً أو ما شابه ذلك، وعملية استخدام الأعضاء إذا كان هذا واقعياً. ولذلك لا أرى ذلك حراماً، إذ ليس هناك أساس للتّحريم.
الاستنساخ لا يُعتبر خلقاً، لأنّ الخلق هو خلق القانون لا خلق الشّكل

- زواج المتعة

س: السنّة يرون أنّ زواج المتعة غير جائز، بعكس ما يراه الشّيعة، فما قولكم في ذلك؟

ج: إذا أردنا الاعتراض على زواج المتعة، فهل نعترض على الرّسول الأكرم(ص) الذي شرّعه، لأنّ المسلمين كانوا في غزوة، وجاؤوا إلى رسول الله ورخّص لهم الاستمتاع. والسنّة والشّيعة متّفقون على أنّ النبي شرّع المتعة.

ولكنّ السنّة يقولون إنّه نسخ بعد ذلك، بينما يقول الشيعة إنّه لم ينسخ، ويروون عن ابن عباس، وعن عبد الله ابن عمر، أنّهم كانوا يستمتعون في عهد الرسول وفي عهد أبي بكر وفي قسم من عهد عمر، حتى حرّمها عمر، وقال في بعض ما يروى عنه: «متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أحرّمهما وأعاقب عليهما، متعة النساء، ومتعة الحج». وقيل إنّ هذا تحريم إداري، وأن ليس له حقّ التشريع.

والمسألة هي محلّ جدل فقهيّ بين السنّة والشّيعة، وقد كُتِبَتْ فيها الكتب الكثيرة، بين مَن يثبت النسخ ويقول إنّها غير شرعية، ومَن ينفي النسخ وهم الشيعة.

ولذلك أتصوّر أنّ المسألة لا بدّ من أن تُدرَس فقهيّاً، ولا يرجع في هذا المجال إلى الوسائل التشهيرية التي ربّما يكذّب بها أحدنا الآخر، لأنها مجرّد مسألة فقهيّة لا بدّ من أن تبحث في الأصول الفقهيّة.
مسألة زواج المتعة هي محلّ جدل فقهي بين السنّة والشّيعة

- الاعتماد على الحسابات الفلكية


س: مع اقتراب شهر رمضان المبارك، ماذا تقولون في مسألة اختلاف بدايته ونهايته حتى بين الشيعة أنفسهم والسنّة أنفسهم؟

ج: إنّ الوقائع العلميّة التي شهدها العالم كلّه، وخصوصاً في السّنوات القليلة الماضية، تؤكّد أنّ الحلّ المنطقيّ والشرعيّ لهذه المسألة يتمثّل بالأخذ بالحسابات الفلكيّة الدقيقة، ولكننّي منفتح على أيّ مؤتمر يضمّ الفعاليات العلميّة والوحدويّة السنية والشّيعية، لأنّنا منفتحون على كلّ ما يمثّل مصلحة الأمّة ومصلحة الإسلام في مختلف المسائل الشرعية والميدانية.

س: هل يفسد طلاء الأظافر الوضوء؟

ج: كلّ شيء لاصق لا يفسد الوضوء. ولقد أصدرت فتوى في هذا الموضوع.

- مستقبل لبنان

س: بالنسبة إلى مستقبل لبنان في ظلّ الوضع السياسي الحالي، ما هي  رؤيتكم؟

ج: أستشهد ببيت شعر يصف الحال:

كأنّنا والماء من حولنا       قوم جلوسٌ حولهم ماءُ     

إنّ لبنان سوف يبقى مجرّد رئة تتنفّس فيها مشكلات كلّ المنطقة، ومجرّد شعب يتّبع أشخاصاً.

أجرى الحوار: أسامة الزين - هانية غندور

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 22 رجب 1430 هـ  الموافق: 15/07/2009 م
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير