الإمام الصّادق(ع) أستاذنا

الإمام الصّادق(ع) أستاذنا

إنه الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع)، الذي إذا قرأناه وتابعنا مدرسته، فإننا نجد أنها المدرسة التي التقى الجميع عليها، سواء في خطها الفكري، أو في خطها الروحي، أو في خطها الحركي، أو في عطاءاتها الاجتماعية، أو في إيحاءاتها وخطوطها السياسية.

إنني لا أستطيع أن أتصور الإمام جعفر الصادق(ع) إنساناً عاش قبل ما يقارب (13) قرناً، ولكني أشعر به كما لو كان يعيش معنا في كلّ العناوين التي تحدث بها. كان أصحاب المذاهب يلتقون عنده، وكانوا ينفتحون على فكره وعلى روحانيته، حتى رأينا (مالك بن أنس) يحدّثنا عن هذه الروحانية التي تفيض على كلّ جلسائه، فلقد كان أسلوبه أسلوب القرآن، ولقد كان يقول التي هي أحسن ويدفع بالتي هي أحسن.

وكان يصبر على نزوات السائلين الذين يتحركون في أسئلتهم إلى مستوى الجرأة، فتصوّر الإمام(ع) جالساً إلى جانب بيت الله الحرام، وهناك قائل يقول له كما لو كان يسخر وهو يشير إلى الطائفين في الكعبة: إلى كم تدوسون هذا البيدر؟! ولا ينفعل الإمام، بل إنّه يتحدث معه برفق، ولكن بحذر، حتى يعرّفه أن كلامه ليس كلام عاقل يريد أن يحاور، ولكنه كلام معقّد يريد أن ينفّس عن عقدته.

وهكذا رأيناه يتقبّل كل سؤال، فيأتي إليه شخص يقول له: دلّني عل معبودي؟ ويتحدث معه برفق الكلمة التي يريدها أن تكون رقيقة في عمق المعنى، لتدخل إلى عقله برفق، ولتملأ عقله بالفكر، وكان يأتيه بعض الناس ليطرح سؤالاً أشبه بأسئلة التحدي غير العقلاني منها بالأسئلة التي تمثل جانب الحوار والتعقّل: هل يستطيع ربك أن يدخل الدنيا في بيضة، فلا تكبر البيضة، ولا تصغر الدنيا؟! وأراد الإمام(ع) لهذا الشخص الذي لا يتحدث بفكر، وإنما يتحدث بسذاجة، أن يفتح عقله، فقال له: تطلّع بعينيك، ماذا ترى؟ فقال له: إنني أرى سماءً وأرضاً وجبالاً وأناساً وما إلى ذلك.

فقال له الإمام(ع): إنّ الله الذي هو قادر على أن يجعل كلّ هذا في البؤبؤ، قادر على أن يفعل كلّ شيء، ولكن هذا لا يكون، فالبيضة لا قابليّة لها أن تحتوي الدنيا. وإذاً، فالعجز ليس في القادر ولكنّ العجز في المقدور. قال: "إن الله قادر على كل شيء، ولكن هذا لا يكون".

كان يجيب عن كلّ سؤال ولا يتعقّد من أي سؤال، كان يجلس إلى الناس ليستمع إليهم ويتحدث إليهم بكل رفق.

ومن هنا ـ أيها الأحبة ـ إذا أردنا أن نتحرّك في خطّ الإمامة، فإن خط إمامته، ولا سيما للعلماء وللمفكرين، أن يجلس العالم إلى الناس دائماً في كلّ شيء، ليجيب عن كل ما يستطيع الإجابة عنه، لا يمكن أن يتحوّل العلماء في كل زمان ومكان إلى طبقة تعلو على الناس بحيث يهابها الناس، لا هيبة العلم، ولكن هيبة المركز المتعالي، بل أن يتواضع العالم للناس كما يتواضع الناس للعالم، تواضعاً لطالب العلم هنا، وتواضعاً للعالم هناك.

كان الصادق(ع) الإنسان الذي قال عنه بعض الذين يُقال عنهم إنهم من الزنادقة: "ما أقول في رجل إذا أراد أن يتجسّد تارةً ويتروّح تارة"، يعني بحيث إنه يصفو صفاءً تشعر معه بأن هناك روحاً تنفتح أمامك كما لو لم يكن هناك جسد يحمل هذه الرّوح، وإذا أراد أن يتجسّد ليبرز إليك بوجوده المادي، رأيته أمامك، لأنه إنسان يعيش الروح كما يعيش الجسد في وجوده.

أيّها الأحبة، إنّ الإمام الصادق(ع) كما هو إمامنا فإنه أستاذنا، لأننا لانزال نقرأ كل فقهه، ونقرأ كل فلسفته وكل الخطوط الفكرية والعملية في مدى الأشياء التي نحتاجها في الحياة. لذلك، عندما تريدون أن تنتموا إليه، فعليكم أن تدخلوا إلى كلّ حياته وإلى كلّ رسالته وإلى كلّ تراثه، لأنه استطاع أن يعرّفنا الإسلام كأفضل ما تكون المعرفة، ونحن نريد ـ أيّها الأحبّة ـ أن نتوقّف عند بعض كلماته لنرى، كيف كان يفكر قبل أن يكون إماماً بالمعنى العقيدي للإمامة، وكيف كان يخطّط، ففي الحديث عن بعض أصحابه وهو (هشام بن سالم)، حيث ينقل عن أبي عبد الله(ع) قال: لما حضرت الوفاة أبي الإمام محمد الباقر(ع)، قال: "يا جعفر، أوصيك بأصحابي خيراً"، هؤلاء الذين رباهم، وهؤلاء الذين كانوا يتعلمون عنده ـ قلت: "جُعلت فداك، والله لأدعنّهم والرّجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحداً"، أي سأعلّمهم بحيث لا يحتاجون إلى علم أحدٍ. فما هي دلالة هذا الكلام؟

إنّ الإمام(ع) كان قبل أن يتسلم زمام الإمامة، يخطّط لأن يكون الناس الذين ربّاهم أبوه، والذين يعيشون معه بعد ذلك، على تربية علمية وثقافية، بحيث يملكون العلم بالمستوى الذي لا يحتاجون فيه إلى أن يسألوا أحداً.. هذا المستوى من التخطيط العالي لإغناء الناس بالثقافة، بحيث إنه لا يقتصر على أن يسألوه ليجيب، بل إنه كان يريد أن يحيط بهم من جميع الجوانب، حتى يعطيهم هذا العلم، وحتى يعمل على أن يتمثلوا هذا العلم في أفكارهم وفي عقولهم.

وكان الإمام الباقر(ع) يعرف ذلك، حيث ينقل بعض أصحابه، وهو (أبو الصباح الكناني)، يقول: نظر أبو جعفر محمد الباقر إلى أبي عبد الله الصّادق(ع)، فقال: هذا والله من الذين قال الله عزّ وجلّ: {ونريدُ أن نمنَّ على الذين استُضْعِفوا في الأرضِ ونجعلَهُم أئمّةً ونجعلَهُم الوارثين}.

كان يعرف طاقاته، ويعرف كلّ إحساسه بالمسؤوليّة، لأنّ قضية أيّ إمام من الأئمة(ع) فيما نعتقده، ليست أنه عالم يريد أن يعلّم الناس، ولكنه يتمثل مسؤوليته في كونه امتداداً للرسول من دون رسولية ومن دون نبوّة، بحيث يعيش همّ الإسلام وهمّ المسلمين بالدّرجة التي يريد أن يحوّل الحياة كلّها إسلاماً في الخطّ الأصيل.

*من كتاب "الندوة ،ج4".

إنه الإمام جعفر بن محمد الصادق(ع)، الذي إذا قرأناه وتابعنا مدرسته، فإننا نجد أنها المدرسة التي التقى الجميع عليها، سواء في خطها الفكري، أو في خطها الروحي، أو في خطها الحركي، أو في عطاءاتها الاجتماعية، أو في إيحاءاتها وخطوطها السياسية.

إنني لا أستطيع أن أتصور الإمام جعفر الصادق(ع) إنساناً عاش قبل ما يقارب (13) قرناً، ولكني أشعر به كما لو كان يعيش معنا في كلّ العناوين التي تحدث بها. كان أصحاب المذاهب يلتقون عنده، وكانوا ينفتحون على فكره وعلى روحانيته، حتى رأينا (مالك بن أنس) يحدّثنا عن هذه الروحانية التي تفيض على كلّ جلسائه، فلقد كان أسلوبه أسلوب القرآن، ولقد كان يقول التي هي أحسن ويدفع بالتي هي أحسن.

وكان يصبر على نزوات السائلين الذين يتحركون في أسئلتهم إلى مستوى الجرأة، فتصوّر الإمام(ع) جالساً إلى جانب بيت الله الحرام، وهناك قائل يقول له كما لو كان يسخر وهو يشير إلى الطائفين في الكعبة: إلى كم تدوسون هذا البيدر؟! ولا ينفعل الإمام، بل إنّه يتحدث معه برفق، ولكن بحذر، حتى يعرّفه أن كلامه ليس كلام عاقل يريد أن يحاور، ولكنه كلام معقّد يريد أن ينفّس عن عقدته.

وهكذا رأيناه يتقبّل كل سؤال، فيأتي إليه شخص يقول له: دلّني عل معبودي؟ ويتحدث معه برفق الكلمة التي يريدها أن تكون رقيقة في عمق المعنى، لتدخل إلى عقله برفق، ولتملأ عقله بالفكر، وكان يأتيه بعض الناس ليطرح سؤالاً أشبه بأسئلة التحدي غير العقلاني منها بالأسئلة التي تمثل جانب الحوار والتعقّل: هل يستطيع ربك أن يدخل الدنيا في بيضة، فلا تكبر البيضة، ولا تصغر الدنيا؟! وأراد الإمام(ع) لهذا الشخص الذي لا يتحدث بفكر، وإنما يتحدث بسذاجة، أن يفتح عقله، فقال له: تطلّع بعينيك، ماذا ترى؟ فقال له: إنني أرى سماءً وأرضاً وجبالاً وأناساً وما إلى ذلك.

فقال له الإمام(ع): إنّ الله الذي هو قادر على أن يجعل كلّ هذا في البؤبؤ، قادر على أن يفعل كلّ شيء، ولكن هذا لا يكون، فالبيضة لا قابليّة لها أن تحتوي الدنيا. وإذاً، فالعجز ليس في القادر ولكنّ العجز في المقدور. قال: "إن الله قادر على كل شيء، ولكن هذا لا يكون".

كان يجيب عن كلّ سؤال ولا يتعقّد من أي سؤال، كان يجلس إلى الناس ليستمع إليهم ويتحدث إليهم بكل رفق.

ومن هنا ـ أيها الأحبة ـ إذا أردنا أن نتحرّك في خطّ الإمامة، فإن خط إمامته، ولا سيما للعلماء وللمفكرين، أن يجلس العالم إلى الناس دائماً في كلّ شيء، ليجيب عن كل ما يستطيع الإجابة عنه، لا يمكن أن يتحوّل العلماء في كل زمان ومكان إلى طبقة تعلو على الناس بحيث يهابها الناس، لا هيبة العلم، ولكن هيبة المركز المتعالي، بل أن يتواضع العالم للناس كما يتواضع الناس للعالم، تواضعاً لطالب العلم هنا، وتواضعاً للعالم هناك.

كان الصادق(ع) الإنسان الذي قال عنه بعض الذين يُقال عنهم إنهم من الزنادقة: "ما أقول في رجل إذا أراد أن يتجسّد تارةً ويتروّح تارة"، يعني بحيث إنه يصفو صفاءً تشعر معه بأن هناك روحاً تنفتح أمامك كما لو لم يكن هناك جسد يحمل هذه الرّوح، وإذا أراد أن يتجسّد ليبرز إليك بوجوده المادي، رأيته أمامك، لأنه إنسان يعيش الروح كما يعيش الجسد في وجوده.

أيّها الأحبة، إنّ الإمام الصادق(ع) كما هو إمامنا فإنه أستاذنا، لأننا لانزال نقرأ كل فقهه، ونقرأ كل فلسفته وكل الخطوط الفكرية والعملية في مدى الأشياء التي نحتاجها في الحياة. لذلك، عندما تريدون أن تنتموا إليه، فعليكم أن تدخلوا إلى كلّ حياته وإلى كلّ رسالته وإلى كلّ تراثه، لأنه استطاع أن يعرّفنا الإسلام كأفضل ما تكون المعرفة، ونحن نريد ـ أيّها الأحبّة ـ أن نتوقّف عند بعض كلماته لنرى، كيف كان يفكر قبل أن يكون إماماً بالمعنى العقيدي للإمامة، وكيف كان يخطّط، ففي الحديث عن بعض أصحابه وهو (هشام بن سالم)، حيث ينقل عن أبي عبد الله(ع) قال: لما حضرت الوفاة أبي الإمام محمد الباقر(ع)، قال: "يا جعفر، أوصيك بأصحابي خيراً"، هؤلاء الذين رباهم، وهؤلاء الذين كانوا يتعلمون عنده ـ قلت: "جُعلت فداك، والله لأدعنّهم والرّجل منهم يكون في المصر فلا يسأل أحداً"، أي سأعلّمهم بحيث لا يحتاجون إلى علم أحدٍ. فما هي دلالة هذا الكلام؟

إنّ الإمام(ع) كان قبل أن يتسلم زمام الإمامة، يخطّط لأن يكون الناس الذين ربّاهم أبوه، والذين يعيشون معه بعد ذلك، على تربية علمية وثقافية، بحيث يملكون العلم بالمستوى الذي لا يحتاجون فيه إلى أن يسألوا أحداً.. هذا المستوى من التخطيط العالي لإغناء الناس بالثقافة، بحيث إنه لا يقتصر على أن يسألوه ليجيب، بل إنه كان يريد أن يحيط بهم من جميع الجوانب، حتى يعطيهم هذا العلم، وحتى يعمل على أن يتمثلوا هذا العلم في أفكارهم وفي عقولهم.

وكان الإمام الباقر(ع) يعرف ذلك، حيث ينقل بعض أصحابه، وهو (أبو الصباح الكناني)، يقول: نظر أبو جعفر محمد الباقر إلى أبي عبد الله الصّادق(ع)، فقال: هذا والله من الذين قال الله عزّ وجلّ: {ونريدُ أن نمنَّ على الذين استُضْعِفوا في الأرضِ ونجعلَهُم أئمّةً ونجعلَهُم الوارثين}.

كان يعرف طاقاته، ويعرف كلّ إحساسه بالمسؤوليّة، لأنّ قضية أيّ إمام من الأئمة(ع) فيما نعتقده، ليست أنه عالم يريد أن يعلّم الناس، ولكنه يتمثل مسؤوليته في كونه امتداداً للرسول من دون رسولية ومن دون نبوّة، بحيث يعيش همّ الإسلام وهمّ المسلمين بالدّرجة التي يريد أن يحوّل الحياة كلّها إسلاماً في الخطّ الأصيل.

*من كتاب "الندوة ،ج4".

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير