رأي المرجع فضل الله حول الخيانة الزّوجيّة والشّرف والتعدّديّة

رأي المرجع فضل الله حول الخيانة الزّوجيّة والشّرف والتعدّديّة
 

ثمة عناوين مهمّة في حياتنا الاجتماعيّة، تندرج تحتها مشاكل وارتكابات يوميّة مذهلة، تستدعي مقاربات وافية من أعلام لهم في أمور الدّنيا طول باع، ورؤيا ورأي، ليس على الصّعيد الفقهي البحت فحسب، إنما الإنساني الشّامل الذي يخرج عن المألوف الجامد، إلى حيث حركة الفكر والاجتهاد المبدع، حول الجنس والكبت والخيانة الزوجيّة والشّرف الرفيع الذي لا يُغسل إلا بجرائمه!

كانت لـ "سنوب" أسئلة وقفت على الإجابات عنها مع المرجع والعلامة في الفكر والعلم، سماحة السيّد محمد حسين فضل الله، وتضيء عليها.

فإلى ما غمرنا به السيّد العلامة فضل الله من آراء قيّمة.

دوافع الخيانة الزّوجيّة

 س: يعاني مجتمعنا اللّبناني واقعاً متدهوراً على مستوى الخيانة الزّوجيّة، وقد لعب التفكّك العائلي والواقع الاجتماعيّ دوراً في هذه المشكلة.. بتقدير سماحتكم، ما الدافع لهذه الخيانة؟

ج:  ربما تُفسّر القضية بالخطّ العام، وقد تُفسّر بالخصوصيات الفرديّة. أمّا في الخطّ العام، فإنّ هذا الجوّ الجنسيّ الذي يتحرّك في التلفزيون وفي الكتب الصّفراء وفي بعض الصّحف، وفي هذا الجوّ الذي يتنفّس فيه الإنسان جنساً، في الأزياء وفي آخر صيحات الموضة وحفلات ملكات الجمال، وفي المسابح المختلطة، وفي الأجواء المختلطة التي يحاول كلّ من الشابّ والفتاة من خلالها التعبير بشكل شعوري أو لاشعوري عن هذا الجانب الغريزي الطبيعي في الإنسان، في الجامعات والثّانويات، وفي الزيارات المختلطة التي ينطلق فيها الرّجال مع زوجاتهم وبناتهم لعائلات أخرى، بشكل تسقط فيه الحواجز التي تضبط الإيقاع... إن مثل هذه الأجواء، تجعل الإنسان - رجلاً كان أو امرأة - يعيش حالة طوارئ جنسيّة، بحيث يصبح الجنس حتى في داخل العلاقة الزوجيّة، شيئاً يتنفّسه الإنسان ويعيشه، بحيث قد يوحي إليه ذلك كلّه بأنّ السعادة في تلبية الرغبة الجنسية، فتكون هي الطّموح عنده، لأننا نعرف أنّ الأجواء قد تخلق نوعاً من أنواع الطّموح في عالم الرغبة بما لا تخلقه المبادئ. وبعبارة أخرى، إنّنا نعيش في أجواء جنسيّة عامّة قد تختلف في درجة تأثيرها وحركيّتها. هذا في الخطّ العام.

أمّا في الجانب الشخصي، فقد تنطلق الخيانة الزوجيّة من بعض الحالات التي تتزوّج فيها الفتاة شخصاً لا تحبّه، بفعل ضغط الأهل، وتكون تحبّ شخصاً آخر، أو ربما تلتقي من خلال الأجواء العامّة بشخص تجد لديه بعض الحنان الّذي افتقدته بفقدان حالة الحب تجاه زوجها، وربما تعيش بعض النّساء إهمالاً من زوجها، كالأشخاص الذين تشغلهم أعمالهم وأوضاعهم وعلاقاتهم عن زوجاتهم، بحيث لا يفكّر في الاهتمام بزوجته، لا رفضاً لها، ولكن بسبب هذه الضغوط الاجتماعية التي لا تترك له وقتاً يجلس فيه مع زوجته، وربما تلتقي الزوجة - وخصوصاً في المجتمعات المنفتحة - بسائق السيّارة الذي قد يكون جميلاً، أو بالخادم، أو ببعض أصدقاء الزوج الذين يستغلّون هذا الإهمال، ممن يملك أن يثير أمام الزّوجة بعض المشاعر والأحاسيس التي تشعرها بأنها إنسانة مرغوبة وما الى ذلك، في الحالة التي قد لا تكون فيها ملتزمة بهذا الجانب الّذي يُسمى الشّرف والعفّة التزاماً كبيراً، وقد يحصل أن نلتقي في هذه الحالات بحالة إهمال جنسيّ من قبل الزّوج، فهناك الكثير من الأزواج الذين يعيشون أنانيّة الرّغبة، فيحاول أن يُشبع رغبته من دون أن ينتظر أن تشبع زوجته رغبتها أيضاً، لأنّ هناك حديثاً طبيّاً ونفسياً يقول بأنّ وصول المرأة الى ما يحقّق رغبتها الجنسيّة أبطأ من وصول الرّجل إلى ذلك.. وربما تنطلق المسألة بعيداً من هذا الجانب، من خلال بعض العقد النفسية التي تعيشها المرأة، فتلتقي بشخص يوحي إليها بالحنان والعاطفة والاستماع الى عقدها وشكواها، وقد يتمثّل ذلك في طبيب، أو في شخصيّة أخرى، فيجذبها ذلك إليه لاشعوريّاً، لأنّ هناك حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها على مستوى الفكرة والتجربة، وهي أنّ أيّ حنان بين رجل وامرأة - طبعاً خارج نطاق المحارم - سوف يتطوّر ليكون شيئاً جنسياً في النهاية، وهذا ما يتحدّث عنه الكثير من علماء الاجتماع، بأن من الصعب أن توجد صداقة بريئة بين الرّجل والمرأة، لأنّ الصّداقة تجتذب الحنان، والحنان عندما يتعمّق ويكبر يجتذب الحبّ.

لعلّ مثل هذه الحالات قد تكون من خلفيّات الخيانة الزوجيّة، من خلال الضّغوط التي تعيشها المرأة أمام هذه الحالات العامّة أو الخاصّة، ونحن نعتقد أنّ التربية الدينية قد يكون لها دور كبير في حماية المرأة.

هل ترتبط الخيانة بالمرأة؟!

س: تفضّلت بالحديث عن خيانة الزّوجة.. لماذا يرتبط عنوان الخيانة دائماً بالمرأة، بينما لا يُلام الرّجل على خيانته؟

ج:  ليس هناك فرق في أيّ حالة انحراف جنسي غير شرعيّ بين الرّجل والمرأة، فكما أنّه لا يجوز للمرأة أن تخون زوجها ومبادئها بطريقة الزّنا، فإنّه لا يجوز أيضاً للزّوج أن يخون زوجته ومبادئه بطريقة الزنا.

هناك نقطة لا بدَّ أن يعرفها الجميع، وهي أنَّ الموقف الإسلاميّ من العلاقات غير الشرعيَّة لا فرق فيه بين الرّجل والمرأة، فالزانية والزّاني يُجلد كلّ واحد منهما مائة جلدة، فليس هناك أيّ فرق بين زنا الرّجل وزنا المرأة من حيث إنَّه مدان إسلاميّاً، كما أنّه لا فرق بينهما في العقوبة، كما لا فرق بينهما في المسألة المعنويّة على أساس الأخلاقيّة. ولكن المسألة هي مسألة التاريخ المنحرف والمعقّد الّذي جعل مسالة الشّرف مربوطة بالمرأة لا بالرّجل. لذلك، فإن المجتمعات الشرقية، وحتى المجتمعات الغربيّة سابقاً، مع بقايا موجودة فيها الآن، تعتبر مسالة انحراف المرأة مسألة تمسّ الشّرف والعنفوان.

الموقف الإسلاميّ من العلاقات غير الشرعيَّة لا فرق فيه بين الرّجل والمرأة، فالزانية والزّاني يُجلد كلّ منهما مائة جلدة

في الشّرق نتحدث عن الشّرف، وفي الغرب يتحدّثون عن عنفوان الزّوج أو الصّديق أو العشيق، ما يجعل الزوج أو العشيق في الغرب يقتل زوجته أو عشيقته عندما يضبطها متلبّسة بالخيانة، على الرّغم من الحريّة الجنسيّة الموجودة عندهم. ولعلّ هذه الفكرة تختزن اعتبار أنّ الجنس يمثّل حقّاً مطلقاً للرّجل، وأنّ شرف المرأة أو العائلة لا يتأثّر بذلك، بينما رُبطت مسألة شرف العائلة والعشيرة بالمرأة.

ولكنّنا من وجهة نظر إسلاميّة، نعتبر أنّ شرف كلّ إنسان يخصّه، إنّ مسألة الإساءة الى الشّرف هي مسألة الخطيئة - أيّاً كانت الخطيئة - فلا يسقط شرف الزوج بانحراف زوجته، كما لا يسقط شرف الزّوجة بانحراف زوجها، وهكذا بالنّسبة الى العشيرة أو العائلة عندما ندرس القضيّة في الخط الأخلاقي الإنساني. فعندما يكون هناك مثلاً عميل في العائلة، فإنّنا نعتبر أنّه هو الذي فَقَد الشّرف، أما العائلة التي ترفض العمالة، فإن شرفها يبقى، وهذا ما انطلق به القرآن الكريم من خلال قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، بمعنى أنّه لا يتحمّل أيّ إنسان الوزر والثّقل والخطيئة عن الإنسان الآخر، فالأب لا يتأثر شرفه بخطايا أولاده، وهكذا العائلة، وما إلى ذلك.

لهذا، فإنّنا نعتبر أنّ ما يسمّى "غسل العار"، وإن كان ناشئاً عن انحراف حقيقيّ للمرأة من خلال الزنا الحقيقي، أو إن كان ناشئاً عن شبهة أو تهمة، هو أمر غير شرعيّ، كما أنّ ما يثار من قضيّة القوانين التي تخفّف من عقوبة ما يسمى بـ"جرائم الشّرف"، والتي يتحرّك الآن الجوّ الاجتماعي والسياسي في الأردن من أجل إلغائها، هو أمر غير شرعيّ، فنحن نرفض - في اجتهادنا الخاصّ - أن يقتل الزوج زوجته حتى لو رآها متلبّسة بالزّنا.

قتل الرّجل زوجته الزّانية؟!

س: لو تفضّلتم وشرحتم لنا هذه الفكرة ؟

ج: إن الله تعالى لم يجعل الإنسان منفّذاً لأحكامه، فقد يكتشف الزّوج زوجته أو إحدى محارمه متلبّسة بالزنا، أوّلاً: ليس له الحقّ في أن يقوم بإعدامها، حتى لو فرضنا أنّ هناك حكماً بالإعدام، فلا بدّ من أن يُرفع الأمر إلى القضاء، والقضاء لا يحكم بالزّنا إلا عندما يُقدَّم إليه أربعة شهود عدول مستقيمين في الدّين، بحيث يشاهدون العمليّة الجنسيّة بتفاصيلها الدّقيقة.

س: ولكن هذا من تاسع المستحيلات…

ج:  في هذه الحالة (حالة الإثبات)، يمكن أن يُحكم عليها بالجلد إذا كانت غير محصّنة (أي غير متزوّجة)، أو بالإعدام رجماً إن كانت متزوّجة، والحكم واحد بالنّسبة إلى الرّجل أيضاً. فعقوبة الزّنا لا تختلف بين الرّجل والمرأة.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإنَّ القضاء يثير أمام هذا الزّوج أنّ هذه الزّوجة قد تكون خاضعة لحالة اغتصاب أو ابتزاز، فقد يأخذ بعض النّاس صورة لامرأة وهي عارية في ظروف عاديّة ليبتزّها بها، أو قد يعرف البعض شيئاً عن تاريخها الذي تابت عنه وقد يهدّدها به أمام زوجها، وقد تكون خاضعة لضغط جسديّ أو أيّ ضغط آخر... لذلك، فإنّ القانون الإسلاميّ يقول بأنّ "الحدود تُدرأ بالشبهات". فللمرأة الحقّ في أن تدافع عن نفسها بأني كنت خاضعة لضغط اجتماعي أو سياسي أو ضغط جسدي أو ما شابه ذلك.

لذلك، نحن نرفض من النّاحية الإسلاميّة أن تطبّق جرائم الشرف باسم القانون، فعن رسول الله (ص) بأنّه جاءه رجل وسأله عن شخص وجد امرأته خاضعة لعمليّة زنا، فهل يجوز له أن يقتلها؟ فقال رسول الله (ص): "وأين الأربعة شهود

إنّنا نعتبر أنّ ما يسمّى "غسل العار" هو أمر غير شرعيّ

ماذا عن التّطبيق؟!

س: إذاً هناك حماية للمرأة؟

ج: نحن نعتقد من الناحية الإسلاميّة، أنه ليس من حقّ الرّجل - أباً كان أو أخاً أو زوجاً أو أيّ قريب - وجد زوجته أو إحدى محارمه متلبّسة بالزّنا أن يقتلها، ويُحاسب لو فعل ذلك كأيّ قاتل.

س: ولكن ما هو منزل في القرآن الكريم غير موجود في عالم التطبيق!

ج: ربما تتنوّع الاجتهادات، فقد يكون هناك اجتهاد في بعض المذاهب أو بعض الآراء لبعض المجتهدين، أنّ الإنسان لو وجد زوجته متلبّسة بالزّنا فيجوز أن يقتلها ويقتله، ولكنّنا لا نرى هذا الرأي.

حقّ المرأة في العلاقة الجنسيّة

س: إنكم تتكلّمون عن الرّغبة الجنسيّة التي شرّع الإسلام للإنسان أن يلبّيها، ولكن الدّين المسيحي لا يرى أنّ الشّهوات الجنسيّة موجودة في الكتاب المقدَّس، بل تكلّم عنها وترجمها في كتابات الحبّ.

ج: نحن نقول بأنّ الجنس غريزة طبيعيّة من الغرائز الإنسانيّة التي يحتاج الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، الى إشباعها من ناحية ذاتيّة، ومن ناحية بقاء النوع الإنساني. ولذلك، فهي حاجة طبيعيّة كالأكل والشّرب، ولم يضع الإسلام أيّ تهاويل أو أيّ هالة حول مسألة الجنس، بحيث ينطلق كشيء مقدّس أو ما شابه ذلك، بل هي حالة طبيعيّة، فيمكن للرّجل مخاطبة امرأة لحاجته إلى ممارسة الجنس معها بطريقة شرعية، ويمكن للمرأة أن تعبّر عن رغبتها في ذلك.

فالإسلام لا يمنع المرأة من أن تعبّر عن حاجتها للزّواج، فنحن نروي في السيرة النبوية الشريفة أنّ امرأة جاءت الى النبيّ محمد (ص) وهو جالس بين أصحابه، فقالت: زوّجني يا رسول الله، ولم يعترض النبيّ (ص) ولا أحد من أصحابه على طلبها، بل اعتبروا المسألة طبيعيّة جداً، خلافاً لما عندنا من التقاليد التي لو حدث مثلها في ظلّها، لقيل عن هذه المرأة أن ليس لها حياء، فسأل النبي (ص): "من لها"؟ فقام شخص واحد، فسأله النبيّ (ص): "هل لديك مال"؟ فأجاب بالنّفي، فكرّر النبيّ (ص) السّؤال على أصحابه ثانية وثالثة، ولم يقم غير هذا الشّخص، فسأله النبيّ (ص): "هل معك شيء من القرآن"؟ بمعنى هل يحفظ شيئاً من القرآن ليعلّمها إيّاه، قال: نعم، فقال النبيّ (ص): "زوّجتكها بما معك من القرآن"..

حتى إنّ للمرأة الحقّ في أن تطلب من زوجها القيام بالممارسة الجنسيّة معها عندما تشعر بالحاجة لذلك، وفي اجتهادنا الفقهيّ، أنه يجب عليه أن يلبي رغبتها - إذا لم يكن هناك موانع أخرى - بمقتضى الالتزام العقدي في هذا المجال.

لذلك، فإنّ مسألة الجنس هي من المسائل الطبيعيّة جداً في الإسلام، ولذلك سهّل الإسلام قضيّة الزواج ولم يجعلها سراً، ولم يعطها أيّ تهاويل، إنما أعطاها بُعداً أخلاقيّاً، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}. والسّكن بمعنى الاطمئنان، فالعلاقة الزوجيّة تنطلق من المودّة التي تمثّل العاطفة القلبيّة والرّحمة، بأن يرحم كلّ إنسان الإنسان الآخر في ظروفه وحاجاته وقضاياه.

الرّابط بين الجنس والمادّة!

س:  نحن نشعر بأنّ المجتمع تطوّر وأصبح مجتمعاً مادّيّاً، فالرّجل حينما يأخذ استقلاليّته الماليّة ويصبح من الطبقة الغنيّة، فإنّ أوّل ما يفكّر فيه هو أن يعدّد في علاقاته الجنسيّة، فما الرّابط بين الجنس والمادّة؟

ج: أنا لا أتصوّر أنّ هذه المسألة مرتبطة بالغنى والفقر، لأنّنا نجد أنّ هذه الحاجات منطلقة من رغبة إنسانيّة قد تتعاظم وقد تنكمش.

س:  ولكن عندما يصبح الرّجل صاحب مال، فإنّه يفكّر مباشرة في المرأة!

ج: من الطبيعيّ أنّ الرّغبة موجودة، وعندما يعيش الإنسان هذه الرّغبة، فإنّه يحاول أن يستفيد من ظروفه التي تعطيه إشباعاً لها، بأن يفكّر في تلبية رغبته، سواء من ناحية شرعيّة أو غير شرعيّة، تبعاً لالتزامه الديني والأخلاقي في هذا المجال. نحن لا نعتبر أنّ تلبية هذه الرغبة بطريقة شرعيّة مشكلة إنسانيّة، فمن حقّ الإنسان أن يلبي رغباته في الحياة.

التعدّديّة للرّجل فقط!

س: لماذا يُسمح فقط للرّجل بالتعدديّة الزوجيّة، ولا يسمح للمرأة بذلك؟

ج: هناك عدّة نقاط للجواب.. النقطة الأولى، هي أنّ المجتمع الإسلاميّ، وربما العالميّ، هو مجتمع أبوي، حتى في المجتمعات التي تكون فيها المرأة حاكمة، فإنّ العائلة تنتسب إلى الأب، وعندما ترتبط مسألة الزواج أو العلاقات الجنسيّة بالأب، فمن الطبيعي أنّ المرأة - في الخطّ العام - عندما يتعدّد أزواجها، فإن نسب الأولاد يضيع بين هذا الزّوج أو ذاك، والإسلام قد أكّد المحافظة على توازن النسب.

أمّا النقطة الثانية، فإننا عندما ندرس ذهنيّة المرأة ونفسيّتها، سواء من ناحية الامتداد التاريخي، أو من ناحية دراستها في داخلها، فقد نلاحظ أنّها تميل إلى الوحدة ولا تميل إلى التعدّد. ولذلك، فإنّنا نجد في الخطّ التّاريخي - سواء في المجتمعات الملتزمة التقليدية أو المجتمعات الحرّة - أنّ المرأة لا تميل إلى التعدّد، وإذا كان هناك نوع من التعدّد، فهو تعدّد طارئ ينشأ من رغبة طارئة، ولكنّه لا يُشبع روحيّة المرأة من الدّاخل.

أمّا النقطة الثالثة، فهي أن طبيعة الرغبة الجنسية لدى الرجل طبيعة متحرّكة دائماً، إلا إذا كان عنده مرض البرود الجنسي، ولذلك نجد أنّ المرأة لا تثار بالسّرعة التي يثار بها الرّجل، وإلا كيف نفسّر حالات الاغتصاب؟ إنّ الرّجال الذين يعيشون الاكتفاء الجنسي والحريّة الجنسيّة، يتحركون من خلال عنصر الإثارة إذا ما تعرضوا لحالة إثارة معيّنة، لأنّ طبيعة التكوين الجنسي للرّجل تجعل عمليّة الإثارة عنده أسرع من المرأة.

فالإسلام عندما يشرّع التعدّد للرّجل ويضبطه ويقنّنه، ويمنح الزوجة حقوقاً في هذا التعدّد، فإنه يريد أن يضبط حركة الرّجل لكي يلبي رغبته، لأنّ التّشريع ينطلق من الواقع لا من المثاليات.. قد يقول بعض الناس إنّ التعدّد هو نوع من أنواع الإساءة إلى الزوجة، ولكنّنا نقول بأنّ الزّوجة تستطيع بمبادرتها أن تملأ حياة زوجها بحيث يستغني عن هذا التعدّد، ومن جهة ثانية، فإنه إذا دار الأمر أمام الزوجة بأن يُنشئ زوجها علاقات شرعيّة تحفظ لها حقوقها، وبين أن ينطلق في علاقاته بشكل عبثيّ كما ينطلق الرّجال في الغرب الذي منع تعدّد الزوجات، ولكنّه أطلق الحريّة للرّجل بتعدد العشيقات والصّديقات، حتى إنّه بدأ يعطي العشيقة حقوق الزّوجة، فإنّ الزّوجة عندما تكون بين هذين الخيارين، فإنها تختار التعدد الشرعي الذي يحفظ لها حقوقها ويضبط زوجها في علاقاته، فهو أهون الشرّين.

المرأة لا يلائمها التعدّد

س: لقد تحدّثت أنّ تركيبة الرّجل تختلف عن تركيبة المرأة من حيث الإثارة المباشرة، كيف تستطيع أن تحسم أنّ المرأة لا تثار؟!

ج: أنا لا أنفي وجود حالات لدى المرأة، ولكنّنا لا نتحدّث عن الحالات الخاصّة، بل نقول إنّ القانون - أيّ قانون - إنما يلاحظ النّوع ولا يلاحظ الخصوصيّات، وليس عندنا قانون كلّه إيجابيّات، لأننا نعيش في عالم المحدود، لا يوجد خير إلا وفي داخله بعض الشرّ، ولا يوجد شرّ إلا وفي داخله بعض الخير، لذلك القوانين توضع على أساس السبعين أو الثّمانين في المائة، ويبقى العشرون أو الثّلاثون في المائة سلبيات. لذلك، لو أعطينا المرأة الحقّ في التعدّد، فإنها ستفقد الكثير من إيجابياتها في الجوانب الأخرى، أي عندما تكون موزَّعة بين ثلاثة أو أربعة رجال، فيمكن لها أن تلبي رغبة، ولكنها ستفقد أشياء أخرى في حياتها، ولا نريد أن ننظر إلى القضيّة من جانب واحد.

الإسلام عندما درس الرّجل في تكوينه ورغباته، حاول أن يحدّده ويعطيه جوّاً معيّناً، لذلك قال الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، فإذا لم يستطع أن يتحمَّل مسؤوليَّة الزوجة، بأن يعطيها حقوقها في النفقات والجنس، فلا بدّ من الوحدة.

من يحمي المرأة؟!

س:  ولكن لماذا لا يُحاكم الرّجل من الناحية الشرعيّة؟

ج: إذا خان الرّجل في المعنى غير الشرعيّ بأن يزني، فإنه يُجلد إذا كان غير متزوّج، وقد يكون هذا الواقع غير موجود، لأنّ الشرع لا يُطبّق، بل ما يُطبّق في المجتمع هو الجاهليّة والعشائريّة والتخلّف، هناك تخلّف اجتماعيّ وعدوان اجتماعيّ على المرأة.

س: هذه الحماية الفعلية للمرأة ممن يجب أن تُطلب؟

ج: تُطلب من الرّجال والنساء، وعليهم أن يطالبوا بإلغاء هذا الواقع، ونحن لا نزال منذ عشرات السنين نقول إن جرائم الشّرف هي جرائم غير مبرّرة، وإذا كان هناك قوانين في بعض البلدان العربيّة تخفّف من عقوبة هذه الجرائم، فينبغي إزالتها…

س:  كما يحصل حاليّاً في الأردن؟

ج: نحن نتعاطف مع الذين يطالبون بإلغائها.

س:  لقد أصبح الطلاق صعباً في هذه الأيّام، ولكن، في رأيك، ما هي أسباب عدم احترام الواجبات الزوجيّة؟

ج: لقد تعقّدت الحياة الآن، وعندما تتعقّد الحياة، فإنّ العلاقات تتعقّد أيضاً. ولذلك، فمسألة الطلاق لا بدّ أن لا تسهّل، لوجود عنصر ثانٍ وهو عنصر الأولاد، لأنّ الطلاق قد ينطلق من عنصر انفعال، وقد يبرد بعد ذلك.

رغبة الرّجل ورغبة المرأة!

س: بالعودة الى موضوع الرغبة، نحن نعرف أنّ الرّغبة موجودة عند الرّجل والمرأة، فكيف تختلف هذه الرّغبة بين الاثنين؟

ج: إذا كان المقصود دراسة طبيعة الرّغبة، فإنّ هذا الموضوع يحتاج إلى جواب من المختصّين، لأنّنا لسنا من أهل الاختصاص، ولكنّنا نقرأ من أهل الاختصاص أنّ للمرأة وللرّجل رغبة مشتركة، ولكنّ حركية الرغبة عند المرأة هي أكثر بطأً منها عند الرّجل، وربما يعود هذا الأمر إلى طبيعة تكوين المرأة، لأنّ المرأة عادةً تكون في العمليّة الجنسيّة هي العنصر المنفعل، أمّا الرّجل، فإنّه العنصر الفاعل، فإنّ حركيّة المرأة في الرغبة قد تكون أبطأ من حركيّة الرّجل، وهذا هو الذي يخلق المشاكل النفسيّة للمرأة عندما تتزوّج رجلاً لا يملك وعي المسألة الجنسيّة عند زوجته.

س: إذا لم يكفِ الزّوج زوجته جنسيّاً، فهل تملك المرأة الحقّ في المطالبة بالطلاق؟

ج: هذه المسألة لا تُحلّ بالطلاق، لأنها قد تتزوّج شخصاً آخر لديه المشكلة نفسها، بل تعالج بأن تتدارس الزوجة هذه المشكلة مع زوجها، إمّا بشكل مباشر، أو بدخول طرف ثانٍ كأمّ الزّوج مثلاً، فالمسألة بحاجة إلى عملية تثقيف اجتماعي، لأنّ كلّ شيء يمكن أن يُحلّ بالمحاكم، إلا الجانب الحميم في علاقة الزّوج مع زوجته، وهناك توجيه إسلاميّ للرّجل بأن لا يستعجل الوصول إلى لذّته، بل عليه أن يتريّث إلى أن تبلغ زوجته حاجتها. فهذه المسألة لا تلزم الرّجل بالطلاق، لأنّه قد يبدي استعداداً لتلبيتها.

س: هل ترد إلى مكتبكم الشّرعيّ شكاوى عن مثل هذه الخيانات وتُطرح عليكم؟

ج: الخيانة الزوجيّة في مجتمعنا قليلة، ولعلّ السّبب في ذلك يعود إلى التربية الدينية التي تجعل المرأة تتمرّد على الخيانة الزوجية والانحراف، وعلى كثير من الجوانب، ولكن تُطرح بعض حالات الخيانة الزوجيّة التي تحدث نتيجة إهمال الزوج لزوجته، أو دخول عنصر آخر على البيت الزّوجي، أو بعض الأوضاع الاقتصادية، بأن تخضع الزوجة التي تعيش حالة فقر لإغراء شخص بالمال مثلاً.

التربية الجنسيّة

س: ما رأيكم في موضوع التربية الجنسيّة في المدارس؟

ج: إننا نؤكّد ضرورة الثقافة الجنسيّة، مع دراسة الأسلوب في أن يكون علمياً، ودراسة طبيعة المجتمعات في طريقة تحريك هذه الثّقافة لديها، من حيث عدم تحوّلها إلى بعض السلبيات الاجتماعيّة أو الأخلاقيّة.

س: لقد بدأنا نسمع كثيراً عن سفاح القربى…

ج:  أنا أعتقد أن سفاح القربى بدأ يتحرّك من خلال الأفلام الجنسيّة التي تُعرض في بعض التلفزيونات ودور السينما، ما أسقط هذا الحاجز الروحي القدسي الذي يعيشه الإنسان تجاه محارمه. وإننا نعتقد أنّ مثل هذا الجوّ سوف يدمّر الأسر، لأنه يُسقط كلّ الحواجز، ويحوّل العائلة إلى حالة من الفوضى التي تفقد فيها كلّ المقدّسات.

س: ما الحلّ في رأيكم؟

ج: إنّ الإسلام وضع المناهج للتربية الأخلاقيّة التي تجعل الضّوابط الإنسانيّة في هذا الجانب وفي غيره شيئاً في فكر الإنسان وقلبه وإحساسه وشعوره، بحيث يملك الإنسان أمام إحساسه برقابة الله عليه، وبحركيّة مبادئه في داخله، أن يقف عند هذه الضّوابط، وإلّا فإنّه سوف يسير الى دمار نفسيّ لا تعوّضه الرّغبة الجسديّة، وإلى مسؤوليّة كبرى أمام الله في الدنيا والآخرة.

* مقابلة أجرتها مجلّة سنوب - الحسناء - مع سماحة العلّامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله، وقد نشرتها في عدد تشرين الأوّل 2000م.

 

ثمة عناوين مهمّة في حياتنا الاجتماعيّة، تندرج تحتها مشاكل وارتكابات يوميّة مذهلة، تستدعي مقاربات وافية من أعلام لهم في أمور الدّنيا طول باع، ورؤيا ورأي، ليس على الصّعيد الفقهي البحت فحسب، إنما الإنساني الشّامل الذي يخرج عن المألوف الجامد، إلى حيث حركة الفكر والاجتهاد المبدع، حول الجنس والكبت والخيانة الزوجيّة والشّرف الرفيع الذي لا يُغسل إلا بجرائمه!

كانت لـ "سنوب" أسئلة وقفت على الإجابات عنها مع المرجع والعلامة في الفكر والعلم، سماحة السيّد محمد حسين فضل الله، وتضيء عليها.

فإلى ما غمرنا به السيّد العلامة فضل الله من آراء قيّمة.

دوافع الخيانة الزّوجيّة

 س: يعاني مجتمعنا اللّبناني واقعاً متدهوراً على مستوى الخيانة الزّوجيّة، وقد لعب التفكّك العائلي والواقع الاجتماعيّ دوراً في هذه المشكلة.. بتقدير سماحتكم، ما الدافع لهذه الخيانة؟

ج:  ربما تُفسّر القضية بالخطّ العام، وقد تُفسّر بالخصوصيات الفرديّة. أمّا في الخطّ العام، فإنّ هذا الجوّ الجنسيّ الذي يتحرّك في التلفزيون وفي الكتب الصّفراء وفي بعض الصّحف، وفي هذا الجوّ الذي يتنفّس فيه الإنسان جنساً، في الأزياء وفي آخر صيحات الموضة وحفلات ملكات الجمال، وفي المسابح المختلطة، وفي الأجواء المختلطة التي يحاول كلّ من الشابّ والفتاة من خلالها التعبير بشكل شعوري أو لاشعوري عن هذا الجانب الغريزي الطبيعي في الإنسان، في الجامعات والثّانويات، وفي الزيارات المختلطة التي ينطلق فيها الرّجال مع زوجاتهم وبناتهم لعائلات أخرى، بشكل تسقط فيه الحواجز التي تضبط الإيقاع... إن مثل هذه الأجواء، تجعل الإنسان - رجلاً كان أو امرأة - يعيش حالة طوارئ جنسيّة، بحيث يصبح الجنس حتى في داخل العلاقة الزوجيّة، شيئاً يتنفّسه الإنسان ويعيشه، بحيث قد يوحي إليه ذلك كلّه بأنّ السعادة في تلبية الرغبة الجنسية، فتكون هي الطّموح عنده، لأننا نعرف أنّ الأجواء قد تخلق نوعاً من أنواع الطّموح في عالم الرغبة بما لا تخلقه المبادئ. وبعبارة أخرى، إنّنا نعيش في أجواء جنسيّة عامّة قد تختلف في درجة تأثيرها وحركيّتها. هذا في الخطّ العام.

أمّا في الجانب الشخصي، فقد تنطلق الخيانة الزوجيّة من بعض الحالات التي تتزوّج فيها الفتاة شخصاً لا تحبّه، بفعل ضغط الأهل، وتكون تحبّ شخصاً آخر، أو ربما تلتقي من خلال الأجواء العامّة بشخص تجد لديه بعض الحنان الّذي افتقدته بفقدان حالة الحب تجاه زوجها، وربما تعيش بعض النّساء إهمالاً من زوجها، كالأشخاص الذين تشغلهم أعمالهم وأوضاعهم وعلاقاتهم عن زوجاتهم، بحيث لا يفكّر في الاهتمام بزوجته، لا رفضاً لها، ولكن بسبب هذه الضغوط الاجتماعية التي لا تترك له وقتاً يجلس فيه مع زوجته، وربما تلتقي الزوجة - وخصوصاً في المجتمعات المنفتحة - بسائق السيّارة الذي قد يكون جميلاً، أو بالخادم، أو ببعض أصدقاء الزوج الذين يستغلّون هذا الإهمال، ممن يملك أن يثير أمام الزّوجة بعض المشاعر والأحاسيس التي تشعرها بأنها إنسانة مرغوبة وما الى ذلك، في الحالة التي قد لا تكون فيها ملتزمة بهذا الجانب الّذي يُسمى الشّرف والعفّة التزاماً كبيراً، وقد يحصل أن نلتقي في هذه الحالات بحالة إهمال جنسيّ من قبل الزّوج، فهناك الكثير من الأزواج الذين يعيشون أنانيّة الرّغبة، فيحاول أن يُشبع رغبته من دون أن ينتظر أن تشبع زوجته رغبتها أيضاً، لأنّ هناك حديثاً طبيّاً ونفسياً يقول بأنّ وصول المرأة الى ما يحقّق رغبتها الجنسيّة أبطأ من وصول الرّجل إلى ذلك.. وربما تنطلق المسألة بعيداً من هذا الجانب، من خلال بعض العقد النفسية التي تعيشها المرأة، فتلتقي بشخص يوحي إليها بالحنان والعاطفة والاستماع الى عقدها وشكواها، وقد يتمثّل ذلك في طبيب، أو في شخصيّة أخرى، فيجذبها ذلك إليه لاشعوريّاً، لأنّ هناك حقيقة لا يستطيع أحد أن ينكرها على مستوى الفكرة والتجربة، وهي أنّ أيّ حنان بين رجل وامرأة - طبعاً خارج نطاق المحارم - سوف يتطوّر ليكون شيئاً جنسياً في النهاية، وهذا ما يتحدّث عنه الكثير من علماء الاجتماع، بأن من الصعب أن توجد صداقة بريئة بين الرّجل والمرأة، لأنّ الصّداقة تجتذب الحنان، والحنان عندما يتعمّق ويكبر يجتذب الحبّ.

لعلّ مثل هذه الحالات قد تكون من خلفيّات الخيانة الزوجيّة، من خلال الضّغوط التي تعيشها المرأة أمام هذه الحالات العامّة أو الخاصّة، ونحن نعتقد أنّ التربية الدينية قد يكون لها دور كبير في حماية المرأة.

هل ترتبط الخيانة بالمرأة؟!

س: تفضّلت بالحديث عن خيانة الزّوجة.. لماذا يرتبط عنوان الخيانة دائماً بالمرأة، بينما لا يُلام الرّجل على خيانته؟

ج:  ليس هناك فرق في أيّ حالة انحراف جنسي غير شرعيّ بين الرّجل والمرأة، فكما أنّه لا يجوز للمرأة أن تخون زوجها ومبادئها بطريقة الزّنا، فإنّه لا يجوز أيضاً للزّوج أن يخون زوجته ومبادئه بطريقة الزنا.

هناك نقطة لا بدَّ أن يعرفها الجميع، وهي أنَّ الموقف الإسلاميّ من العلاقات غير الشرعيَّة لا فرق فيه بين الرّجل والمرأة، فالزانية والزّاني يُجلد كلّ واحد منهما مائة جلدة، فليس هناك أيّ فرق بين زنا الرّجل وزنا المرأة من حيث إنَّه مدان إسلاميّاً، كما أنّه لا فرق بينهما في العقوبة، كما لا فرق بينهما في المسألة المعنويّة على أساس الأخلاقيّة. ولكن المسألة هي مسألة التاريخ المنحرف والمعقّد الّذي جعل مسالة الشّرف مربوطة بالمرأة لا بالرّجل. لذلك، فإن المجتمعات الشرقية، وحتى المجتمعات الغربيّة سابقاً، مع بقايا موجودة فيها الآن، تعتبر مسالة انحراف المرأة مسألة تمسّ الشّرف والعنفوان.

الموقف الإسلاميّ من العلاقات غير الشرعيَّة لا فرق فيه بين الرّجل والمرأة، فالزانية والزّاني يُجلد كلّ منهما مائة جلدة

في الشّرق نتحدث عن الشّرف، وفي الغرب يتحدّثون عن عنفوان الزّوج أو الصّديق أو العشيق، ما يجعل الزوج أو العشيق في الغرب يقتل زوجته أو عشيقته عندما يضبطها متلبّسة بالخيانة، على الرّغم من الحريّة الجنسيّة الموجودة عندهم. ولعلّ هذه الفكرة تختزن اعتبار أنّ الجنس يمثّل حقّاً مطلقاً للرّجل، وأنّ شرف المرأة أو العائلة لا يتأثّر بذلك، بينما رُبطت مسألة شرف العائلة والعشيرة بالمرأة.

ولكنّنا من وجهة نظر إسلاميّة، نعتبر أنّ شرف كلّ إنسان يخصّه، إنّ مسألة الإساءة الى الشّرف هي مسألة الخطيئة - أيّاً كانت الخطيئة - فلا يسقط شرف الزوج بانحراف زوجته، كما لا يسقط شرف الزّوجة بانحراف زوجها، وهكذا بالنّسبة الى العشيرة أو العائلة عندما ندرس القضيّة في الخط الأخلاقي الإنساني. فعندما يكون هناك مثلاً عميل في العائلة، فإنّنا نعتبر أنّه هو الذي فَقَد الشّرف، أما العائلة التي ترفض العمالة، فإن شرفها يبقى، وهذا ما انطلق به القرآن الكريم من خلال قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}، بمعنى أنّه لا يتحمّل أيّ إنسان الوزر والثّقل والخطيئة عن الإنسان الآخر، فالأب لا يتأثر شرفه بخطايا أولاده، وهكذا العائلة، وما إلى ذلك.

لهذا، فإنّنا نعتبر أنّ ما يسمّى "غسل العار"، وإن كان ناشئاً عن انحراف حقيقيّ للمرأة من خلال الزنا الحقيقي، أو إن كان ناشئاً عن شبهة أو تهمة، هو أمر غير شرعيّ، كما أنّ ما يثار من قضيّة القوانين التي تخفّف من عقوبة ما يسمى بـ"جرائم الشّرف"، والتي يتحرّك الآن الجوّ الاجتماعي والسياسي في الأردن من أجل إلغائها، هو أمر غير شرعيّ، فنحن نرفض - في اجتهادنا الخاصّ - أن يقتل الزوج زوجته حتى لو رآها متلبّسة بالزّنا.

قتل الرّجل زوجته الزّانية؟!

س: لو تفضّلتم وشرحتم لنا هذه الفكرة ؟

ج: إن الله تعالى لم يجعل الإنسان منفّذاً لأحكامه، فقد يكتشف الزّوج زوجته أو إحدى محارمه متلبّسة بالزنا، أوّلاً: ليس له الحقّ في أن يقوم بإعدامها، حتى لو فرضنا أنّ هناك حكماً بالإعدام، فلا بدّ من أن يُرفع الأمر إلى القضاء، والقضاء لا يحكم بالزّنا إلا عندما يُقدَّم إليه أربعة شهود عدول مستقيمين في الدّين، بحيث يشاهدون العمليّة الجنسيّة بتفاصيلها الدّقيقة.

س: ولكن هذا من تاسع المستحيلات…

ج:  في هذه الحالة (حالة الإثبات)، يمكن أن يُحكم عليها بالجلد إذا كانت غير محصّنة (أي غير متزوّجة)، أو بالإعدام رجماً إن كانت متزوّجة، والحكم واحد بالنّسبة إلى الرّجل أيضاً. فعقوبة الزّنا لا تختلف بين الرّجل والمرأة.

هذا من جهة، ومن جهة ثانية، فإنَّ القضاء يثير أمام هذا الزّوج أنّ هذه الزّوجة قد تكون خاضعة لحالة اغتصاب أو ابتزاز، فقد يأخذ بعض النّاس صورة لامرأة وهي عارية في ظروف عاديّة ليبتزّها بها، أو قد يعرف البعض شيئاً عن تاريخها الذي تابت عنه وقد يهدّدها به أمام زوجها، وقد تكون خاضعة لضغط جسديّ أو أيّ ضغط آخر... لذلك، فإنّ القانون الإسلاميّ يقول بأنّ "الحدود تُدرأ بالشبهات". فللمرأة الحقّ في أن تدافع عن نفسها بأني كنت خاضعة لضغط اجتماعي أو سياسي أو ضغط جسدي أو ما شابه ذلك.

لذلك، نحن نرفض من النّاحية الإسلاميّة أن تطبّق جرائم الشرف باسم القانون، فعن رسول الله (ص) بأنّه جاءه رجل وسأله عن شخص وجد امرأته خاضعة لعمليّة زنا، فهل يجوز له أن يقتلها؟ فقال رسول الله (ص): "وأين الأربعة شهود

إنّنا نعتبر أنّ ما يسمّى "غسل العار" هو أمر غير شرعيّ

ماذا عن التّطبيق؟!

س: إذاً هناك حماية للمرأة؟

ج: نحن نعتقد من الناحية الإسلاميّة، أنه ليس من حقّ الرّجل - أباً كان أو أخاً أو زوجاً أو أيّ قريب - وجد زوجته أو إحدى محارمه متلبّسة بالزّنا أن يقتلها، ويُحاسب لو فعل ذلك كأيّ قاتل.

س: ولكن ما هو منزل في القرآن الكريم غير موجود في عالم التطبيق!

ج: ربما تتنوّع الاجتهادات، فقد يكون هناك اجتهاد في بعض المذاهب أو بعض الآراء لبعض المجتهدين، أنّ الإنسان لو وجد زوجته متلبّسة بالزّنا فيجوز أن يقتلها ويقتله، ولكنّنا لا نرى هذا الرأي.

حقّ المرأة في العلاقة الجنسيّة

س: إنكم تتكلّمون عن الرّغبة الجنسيّة التي شرّع الإسلام للإنسان أن يلبّيها، ولكن الدّين المسيحي لا يرى أنّ الشّهوات الجنسيّة موجودة في الكتاب المقدَّس، بل تكلّم عنها وترجمها في كتابات الحبّ.

ج: نحن نقول بأنّ الجنس غريزة طبيعيّة من الغرائز الإنسانيّة التي يحتاج الإنسان، رجلاً كان أو امرأة، الى إشباعها من ناحية ذاتيّة، ومن ناحية بقاء النوع الإنساني. ولذلك، فهي حاجة طبيعيّة كالأكل والشّرب، ولم يضع الإسلام أيّ تهاويل أو أيّ هالة حول مسألة الجنس، بحيث ينطلق كشيء مقدّس أو ما شابه ذلك، بل هي حالة طبيعيّة، فيمكن للرّجل مخاطبة امرأة لحاجته إلى ممارسة الجنس معها بطريقة شرعية، ويمكن للمرأة أن تعبّر عن رغبتها في ذلك.

فالإسلام لا يمنع المرأة من أن تعبّر عن حاجتها للزّواج، فنحن نروي في السيرة النبوية الشريفة أنّ امرأة جاءت الى النبيّ محمد (ص) وهو جالس بين أصحابه، فقالت: زوّجني يا رسول الله، ولم يعترض النبيّ (ص) ولا أحد من أصحابه على طلبها، بل اعتبروا المسألة طبيعيّة جداً، خلافاً لما عندنا من التقاليد التي لو حدث مثلها في ظلّها، لقيل عن هذه المرأة أن ليس لها حياء، فسأل النبي (ص): "من لها"؟ فقام شخص واحد، فسأله النبيّ (ص): "هل لديك مال"؟ فأجاب بالنّفي، فكرّر النبيّ (ص) السّؤال على أصحابه ثانية وثالثة، ولم يقم غير هذا الشّخص، فسأله النبيّ (ص): "هل معك شيء من القرآن"؟ بمعنى هل يحفظ شيئاً من القرآن ليعلّمها إيّاه، قال: نعم، فقال النبيّ (ص): "زوّجتكها بما معك من القرآن"..

حتى إنّ للمرأة الحقّ في أن تطلب من زوجها القيام بالممارسة الجنسيّة معها عندما تشعر بالحاجة لذلك، وفي اجتهادنا الفقهيّ، أنه يجب عليه أن يلبي رغبتها - إذا لم يكن هناك موانع أخرى - بمقتضى الالتزام العقدي في هذا المجال.

لذلك، فإنّ مسألة الجنس هي من المسائل الطبيعيّة جداً في الإسلام، ولذلك سهّل الإسلام قضيّة الزواج ولم يجعلها سراً، ولم يعطها أيّ تهاويل، إنما أعطاها بُعداً أخلاقيّاً، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}. والسّكن بمعنى الاطمئنان، فالعلاقة الزوجيّة تنطلق من المودّة التي تمثّل العاطفة القلبيّة والرّحمة، بأن يرحم كلّ إنسان الإنسان الآخر في ظروفه وحاجاته وقضاياه.

الرّابط بين الجنس والمادّة!

س:  نحن نشعر بأنّ المجتمع تطوّر وأصبح مجتمعاً مادّيّاً، فالرّجل حينما يأخذ استقلاليّته الماليّة ويصبح من الطبقة الغنيّة، فإنّ أوّل ما يفكّر فيه هو أن يعدّد في علاقاته الجنسيّة، فما الرّابط بين الجنس والمادّة؟

ج: أنا لا أتصوّر أنّ هذه المسألة مرتبطة بالغنى والفقر، لأنّنا نجد أنّ هذه الحاجات منطلقة من رغبة إنسانيّة قد تتعاظم وقد تنكمش.

س:  ولكن عندما يصبح الرّجل صاحب مال، فإنّه يفكّر مباشرة في المرأة!

ج: من الطبيعيّ أنّ الرّغبة موجودة، وعندما يعيش الإنسان هذه الرّغبة، فإنّه يحاول أن يستفيد من ظروفه التي تعطيه إشباعاً لها، بأن يفكّر في تلبية رغبته، سواء من ناحية شرعيّة أو غير شرعيّة، تبعاً لالتزامه الديني والأخلاقي في هذا المجال. نحن لا نعتبر أنّ تلبية هذه الرغبة بطريقة شرعيّة مشكلة إنسانيّة، فمن حقّ الإنسان أن يلبي رغباته في الحياة.

التعدّديّة للرّجل فقط!

س: لماذا يُسمح فقط للرّجل بالتعدديّة الزوجيّة، ولا يسمح للمرأة بذلك؟

ج: هناك عدّة نقاط للجواب.. النقطة الأولى، هي أنّ المجتمع الإسلاميّ، وربما العالميّ، هو مجتمع أبوي، حتى في المجتمعات التي تكون فيها المرأة حاكمة، فإنّ العائلة تنتسب إلى الأب، وعندما ترتبط مسألة الزواج أو العلاقات الجنسيّة بالأب، فمن الطبيعي أنّ المرأة - في الخطّ العام - عندما يتعدّد أزواجها، فإن نسب الأولاد يضيع بين هذا الزّوج أو ذاك، والإسلام قد أكّد المحافظة على توازن النسب.

أمّا النقطة الثانية، فإننا عندما ندرس ذهنيّة المرأة ونفسيّتها، سواء من ناحية الامتداد التاريخي، أو من ناحية دراستها في داخلها، فقد نلاحظ أنّها تميل إلى الوحدة ولا تميل إلى التعدّد. ولذلك، فإنّنا نجد في الخطّ التّاريخي - سواء في المجتمعات الملتزمة التقليدية أو المجتمعات الحرّة - أنّ المرأة لا تميل إلى التعدّد، وإذا كان هناك نوع من التعدّد، فهو تعدّد طارئ ينشأ من رغبة طارئة، ولكنّه لا يُشبع روحيّة المرأة من الدّاخل.

أمّا النقطة الثالثة، فهي أن طبيعة الرغبة الجنسية لدى الرجل طبيعة متحرّكة دائماً، إلا إذا كان عنده مرض البرود الجنسي، ولذلك نجد أنّ المرأة لا تثار بالسّرعة التي يثار بها الرّجل، وإلا كيف نفسّر حالات الاغتصاب؟ إنّ الرّجال الذين يعيشون الاكتفاء الجنسي والحريّة الجنسيّة، يتحركون من خلال عنصر الإثارة إذا ما تعرضوا لحالة إثارة معيّنة، لأنّ طبيعة التكوين الجنسي للرّجل تجعل عمليّة الإثارة عنده أسرع من المرأة.

فالإسلام عندما يشرّع التعدّد للرّجل ويضبطه ويقنّنه، ويمنح الزوجة حقوقاً في هذا التعدّد، فإنه يريد أن يضبط حركة الرّجل لكي يلبي رغبته، لأنّ التّشريع ينطلق من الواقع لا من المثاليات.. قد يقول بعض الناس إنّ التعدّد هو نوع من أنواع الإساءة إلى الزوجة، ولكنّنا نقول بأنّ الزّوجة تستطيع بمبادرتها أن تملأ حياة زوجها بحيث يستغني عن هذا التعدّد، ومن جهة ثانية، فإنه إذا دار الأمر أمام الزوجة بأن يُنشئ زوجها علاقات شرعيّة تحفظ لها حقوقها، وبين أن ينطلق في علاقاته بشكل عبثيّ كما ينطلق الرّجال في الغرب الذي منع تعدّد الزوجات، ولكنّه أطلق الحريّة للرّجل بتعدد العشيقات والصّديقات، حتى إنّه بدأ يعطي العشيقة حقوق الزّوجة، فإنّ الزّوجة عندما تكون بين هذين الخيارين، فإنها تختار التعدد الشرعي الذي يحفظ لها حقوقها ويضبط زوجها في علاقاته، فهو أهون الشرّين.

المرأة لا يلائمها التعدّد

س: لقد تحدّثت أنّ تركيبة الرّجل تختلف عن تركيبة المرأة من حيث الإثارة المباشرة، كيف تستطيع أن تحسم أنّ المرأة لا تثار؟!

ج: أنا لا أنفي وجود حالات لدى المرأة، ولكنّنا لا نتحدّث عن الحالات الخاصّة، بل نقول إنّ القانون - أيّ قانون - إنما يلاحظ النّوع ولا يلاحظ الخصوصيّات، وليس عندنا قانون كلّه إيجابيّات، لأننا نعيش في عالم المحدود، لا يوجد خير إلا وفي داخله بعض الشرّ، ولا يوجد شرّ إلا وفي داخله بعض الخير، لذلك القوانين توضع على أساس السبعين أو الثّمانين في المائة، ويبقى العشرون أو الثّلاثون في المائة سلبيات. لذلك، لو أعطينا المرأة الحقّ في التعدّد، فإنها ستفقد الكثير من إيجابياتها في الجوانب الأخرى، أي عندما تكون موزَّعة بين ثلاثة أو أربعة رجال، فيمكن لها أن تلبي رغبة، ولكنها ستفقد أشياء أخرى في حياتها، ولا نريد أن ننظر إلى القضيّة من جانب واحد.

الإسلام عندما درس الرّجل في تكوينه ورغباته، حاول أن يحدّده ويعطيه جوّاً معيّناً، لذلك قال الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، فإذا لم يستطع أن يتحمَّل مسؤوليَّة الزوجة، بأن يعطيها حقوقها في النفقات والجنس، فلا بدّ من الوحدة.

من يحمي المرأة؟!

س:  ولكن لماذا لا يُحاكم الرّجل من الناحية الشرعيّة؟

ج: إذا خان الرّجل في المعنى غير الشرعيّ بأن يزني، فإنه يُجلد إذا كان غير متزوّج، وقد يكون هذا الواقع غير موجود، لأنّ الشرع لا يُطبّق، بل ما يُطبّق في المجتمع هو الجاهليّة والعشائريّة والتخلّف، هناك تخلّف اجتماعيّ وعدوان اجتماعيّ على المرأة.

س: هذه الحماية الفعلية للمرأة ممن يجب أن تُطلب؟

ج: تُطلب من الرّجال والنساء، وعليهم أن يطالبوا بإلغاء هذا الواقع، ونحن لا نزال منذ عشرات السنين نقول إن جرائم الشّرف هي جرائم غير مبرّرة، وإذا كان هناك قوانين في بعض البلدان العربيّة تخفّف من عقوبة هذه الجرائم، فينبغي إزالتها…

س:  كما يحصل حاليّاً في الأردن؟

ج: نحن نتعاطف مع الذين يطالبون بإلغائها.

س:  لقد أصبح الطلاق صعباً في هذه الأيّام، ولكن، في رأيك، ما هي أسباب عدم احترام الواجبات الزوجيّة؟

ج: لقد تعقّدت الحياة الآن، وعندما تتعقّد الحياة، فإنّ العلاقات تتعقّد أيضاً. ولذلك، فمسألة الطلاق لا بدّ أن لا تسهّل، لوجود عنصر ثانٍ وهو عنصر الأولاد، لأنّ الطلاق قد ينطلق من عنصر انفعال، وقد يبرد بعد ذلك.

رغبة الرّجل ورغبة المرأة!

س: بالعودة الى موضوع الرغبة، نحن نعرف أنّ الرّغبة موجودة عند الرّجل والمرأة، فكيف تختلف هذه الرّغبة بين الاثنين؟

ج: إذا كان المقصود دراسة طبيعة الرّغبة، فإنّ هذا الموضوع يحتاج إلى جواب من المختصّين، لأنّنا لسنا من أهل الاختصاص، ولكنّنا نقرأ من أهل الاختصاص أنّ للمرأة وللرّجل رغبة مشتركة، ولكنّ حركية الرغبة عند المرأة هي أكثر بطأً منها عند الرّجل، وربما يعود هذا الأمر إلى طبيعة تكوين المرأة، لأنّ المرأة عادةً تكون في العمليّة الجنسيّة هي العنصر المنفعل، أمّا الرّجل، فإنّه العنصر الفاعل، فإنّ حركيّة المرأة في الرغبة قد تكون أبطأ من حركيّة الرّجل، وهذا هو الذي يخلق المشاكل النفسيّة للمرأة عندما تتزوّج رجلاً لا يملك وعي المسألة الجنسيّة عند زوجته.

س: إذا لم يكفِ الزّوج زوجته جنسيّاً، فهل تملك المرأة الحقّ في المطالبة بالطلاق؟

ج: هذه المسألة لا تُحلّ بالطلاق، لأنها قد تتزوّج شخصاً آخر لديه المشكلة نفسها، بل تعالج بأن تتدارس الزوجة هذه المشكلة مع زوجها، إمّا بشكل مباشر، أو بدخول طرف ثانٍ كأمّ الزّوج مثلاً، فالمسألة بحاجة إلى عملية تثقيف اجتماعي، لأنّ كلّ شيء يمكن أن يُحلّ بالمحاكم، إلا الجانب الحميم في علاقة الزّوج مع زوجته، وهناك توجيه إسلاميّ للرّجل بأن لا يستعجل الوصول إلى لذّته، بل عليه أن يتريّث إلى أن تبلغ زوجته حاجتها. فهذه المسألة لا تلزم الرّجل بالطلاق، لأنّه قد يبدي استعداداً لتلبيتها.

س: هل ترد إلى مكتبكم الشّرعيّ شكاوى عن مثل هذه الخيانات وتُطرح عليكم؟

ج: الخيانة الزوجيّة في مجتمعنا قليلة، ولعلّ السّبب في ذلك يعود إلى التربية الدينية التي تجعل المرأة تتمرّد على الخيانة الزوجية والانحراف، وعلى كثير من الجوانب، ولكن تُطرح بعض حالات الخيانة الزوجيّة التي تحدث نتيجة إهمال الزوج لزوجته، أو دخول عنصر آخر على البيت الزّوجي، أو بعض الأوضاع الاقتصادية، بأن تخضع الزوجة التي تعيش حالة فقر لإغراء شخص بالمال مثلاً.

التربية الجنسيّة

س: ما رأيكم في موضوع التربية الجنسيّة في المدارس؟

ج: إننا نؤكّد ضرورة الثقافة الجنسيّة، مع دراسة الأسلوب في أن يكون علمياً، ودراسة طبيعة المجتمعات في طريقة تحريك هذه الثّقافة لديها، من حيث عدم تحوّلها إلى بعض السلبيات الاجتماعيّة أو الأخلاقيّة.

س: لقد بدأنا نسمع كثيراً عن سفاح القربى…

ج:  أنا أعتقد أن سفاح القربى بدأ يتحرّك من خلال الأفلام الجنسيّة التي تُعرض في بعض التلفزيونات ودور السينما، ما أسقط هذا الحاجز الروحي القدسي الذي يعيشه الإنسان تجاه محارمه. وإننا نعتقد أنّ مثل هذا الجوّ سوف يدمّر الأسر، لأنه يُسقط كلّ الحواجز، ويحوّل العائلة إلى حالة من الفوضى التي تفقد فيها كلّ المقدّسات.

س: ما الحلّ في رأيكم؟

ج: إنّ الإسلام وضع المناهج للتربية الأخلاقيّة التي تجعل الضّوابط الإنسانيّة في هذا الجانب وفي غيره شيئاً في فكر الإنسان وقلبه وإحساسه وشعوره، بحيث يملك الإنسان أمام إحساسه برقابة الله عليه، وبحركيّة مبادئه في داخله، أن يقف عند هذه الضّوابط، وإلّا فإنّه سوف يسير الى دمار نفسيّ لا تعوّضه الرّغبة الجسديّة، وإلى مسؤوليّة كبرى أمام الله في الدنيا والآخرة.

* مقابلة أجرتها مجلّة سنوب - الحسناء - مع سماحة العلّامة المرجع السيّد محمد حسين فضل الله، وقد نشرتها في عدد تشرين الأوّل 2000م.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير