الشؤون الداخلية والدولية والإقليمية

الشؤون الداخلية والدولية والإقليمية

نص الحوار الذي أجرته صحيفة "الديار" في الثاني عشر من كانون الأول 1999، مع سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله حفظه المولى، ويتناول فيه آخر ما شهدته الساحة من مستجدات، وما طرأ عليها من تطورات، لا سيما فيما يخص عملية التسوية، وانعكاس ذلك على المنطقة، وفي ما يلي ما جاء في الحوار:

يطلق العبارات.. يحلل المواقف.. ينطلق بالفكرة.. ويعطي كل شيء مداه الطبيعي فيشدد على انفتاحه على الحوار واللقاء. وما طرأ عليها من تحولات

ويرفض عبودية الشخص ومصادرة الرأي والحرية.. في السياسة يرى أن ما يجري في المنطقة حالياً يبدو أنه نتيجة ترتيبات وتحضيرات لشيء ما، وليست المسألة وليدة ساعتها وليست متعلقة بشخص السيد محمد حسين فضل الله ننطلق بحديثنا معه حول مستجدات الساعة والتطورات التي بدأت تتحكم بالبوصلة السياسية والداخلية لدول المنطقة.

فيعتبر ان الإدارة الأميركية الحالية تريد الانتهاء من الملفين السوري واللبناني في إطار استراتيجيتها في المنطقة وليس لنصر يريد أن يحققه كلينتون فقط. بل أن القضايا شارفت من هنا فإن المرحلة وفقاً لوجهة نظره حساسة ودقيقة وبذات الوقت مقبلة على التسوية.

ويرى المرجع الديني بكلام الرئيس الروسي وتصريحه استهلاكاً داخلياً لبلاده، لأن الصين وروسيا لم يصلا لدرجة استغنائهما عن أوروبا والولايات المتحدة، ولكن أميركا تريد إنهاء الملف لتتفرغ لاستكمال استراتيجيتها الجديدة.

أما إنعكاس التسوية على التيارات الإسلامية يقول السيد المرجع ان ذلك منطقي وان التسوية بحد ذاتها تشكل نكسة للمشروع الإسلامي الرافض لوجود إسرائيل. لكن الحالة الإسلامية تجذرت في لبنان والمنطقة العربية وليس من السهل والبساطة إنهاؤها.. ويؤكد ان الإسلاميين بلغوا سن الرشد ويعرفون كيف يتعاطون مع التطورات والقضايا.

وفي الموقف الشرعي يشير إلى انه لو اعترف العالم كله بإسرائيل فإننا لن نعترف بوجودها وشرعيتها لأن الله لا يرضى لنا ذلك.

وأكد ان العلاقة اللبنانية ـ السورية سوف تقوى وتتفاعل أكثر في مرحلة التسوية لأن هذا الموضوع من القضايا الكبرى التي لا يمكن لأحد المراهنة على المتغيرات فيه لأن العلاقة عضوية بين لبنان وسوريا والرئيس لحود يعي ذلك أكثر من أي مسؤول في البلد فهو المسؤول الأول.

حديث مطول مع السيد فضل الله حول كل شيء دولياً وإقليمياً وداخلياً بما في ذلك وصفه للشخصانية التي حلت مكان الطائفية في لبنان.

س: كان هذا الأسبوع مليئاً بالتطورات السياسية ان على المستوين الداخلي أو الإقليمي بما يعني استئناف المفاوضات وبالتالي من هنا سنبدأ حديثنا مع سماحتكم فهل تعتقدون أن كل الأجواء المشحونة السابقة حول الانسحاب الجزئي، كانت مقدمة للمستجدات حول استئناف المفاوضات على المسار السوري ـ الإسرائيلي؟

ج: لقد كنت أعيش الإحساس بأن هناك شيئاً جدياً وراء الكواليس وذلك من خلال اكثر من إشارة في التصريحات المتحركة في هذه الدائرة، وكنت ألاحظ أن هذا العنف الكلامي الذي يثار من الجانب الإسرائيلي او بعض المواقع كان عنفاً يستهدف ترويض بعض الخطوط وبعض الأوضاع من جهة، كما كان يتحرك في دائرة احتواء السلبيات الشعبية من جهة أخرى، لأن مثل هذه القرارات الصعبة أو المؤلمة حسب التعبير الإسرائيلي أو الأميركي. تحتاج إلى إعداد للذهنية الشعبية ينفتح على العنفوان ثم بعد ذلك يصل إلى النتائج، كما لو كان وفي قسطه للعلى، لذلك كنت أفكر في تلك المرحلة وما بعدها بأن التسوية سائرة في طريقها المرسوم لكنها ببعض الصعوبات وها نحن نجد ان التسوية قد مرت بصعوبات كثيرة حتى وصلت إلى هذه النتائج. ولعل ثقل الموقع الأميركي في المسألة كان له دوره للوصول إلى هذه النتيجة مع ملاحظة مهمة، وهي ان رئيس العدو يريد تحقيق التسوية في عهده.

س: ولذلك أسباب؟

ج: لأن مسألة بقاء التسوية في متاهات الشد والجذب سوف يجعلها منفتحة على المجهول وإنني أتصور أن الرجل قد وعد لأن يصل إلى ما يسميه سلام، كما أن أمريكا بحاجة لأن تتجاوز مسألة انتخاباتها. وأن تطل على مصالحها في المنطقة باعتبار أن هناك تحركاً أوروبياً من جهة وروسيا وصينياً من جهة اخرى، يحاول أن يثبت أقدامه في المنطقة مستغلاً السلبيات السياسية الموجهة ضد أميركا في المنطقة من خلال المسألة الإسرائيلية، لهذا فإني اتصور أن المسالة في حسابات أميركا، لا تتصل بالجانب الشخصي للرئيس كلينتون، على أساس ما تمثله من ورقة كبيرة ضاغطة في الانتخابات.

س: هل تعتقدون أن الهامش المتبقي للرئيس كلينتون يمكن ان يمنحه الفرصة والدفع ليصل بعملية السلام إلى نهاياتها؟

ج: أنا لا اعتبر القضية شخصية فحسب وتتصل بطموحات الرئيس الأميركي، نعم للمسالة بعض هذا البعد، لكن المسألة أعمق من ذلك، باعتبار أن الظروف الموضوعية التي وصلت إليها مسألة التسوية سواء في الدائرة الفلسطينية أو السورية ـ اللبنانية أو في الواقع العربي، قد لا تتوفر في المرحلة القادمة، لو ان الحزب لجمهوري نجح في الانتخابات.

لقضية الآن في التفاصيل:

س: إلى أي مدى برأيكم ستكون المفاوضات في أميركا ثم في المنطقة قادرة على تحقيق التسوية؟

ج: عندما نقرأ التصريحات الصادرة من المعنيين أن كلِ ما تبقى للمفاوضات، تمثل نسبته العشرين بالمئة من جملة المسائل العالقة. فإن ذلك يوحي بأن المرحلة قد تجاوزت القضايا الأساسية، التي تحتوي كل مفردات المفاوضات كما توحي بذلك التصريحات أو خلفياتها التي وصل إليها الطرفان في عهد رابين، فمعنى ذلك أن علينا أن نأخذ محصلة تلك المرحلة لنضعها في حساب المرحلة الجدية، مما يعني أن التسوية قد تجاوزت الخطوط الحمراء وأصبحت القضية الآن في التفاصيل ولعل تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية بأن سنة 2000 ستكون سنة سلام، مع التحفظات الصادرة منها ومن كلينتون يوحي بان المسألة وصلت إلى درجة حرارة ملفتة للنظر.

س: ويدخل في ذلك رفع المستوى في المفاوضات؟

ج: من الطبيعي أن رفع المستوى كان مطلباً إسرائيلياً ولم تكن سوريا معارضة لهذه المسألة لكنها كانت تتحدث على أن الوقت لم يحن لذلك، وتشكيل وفد بهذا المستوى من المتفاوضين يعني أن الوقت قد حان، مما يوحي بأن هناك شيئاً ما قد يمثل حاجة للجميع من أجل الوصول إلى النتائج قبل فوات الاوان.

س:لأي درجة قضت المرحلة بتصوركم بهذه السرعة لتحقيق التسوية؟

ج: إننا لا نتصور بأن هناك سرعة في سير المفاوضات، فأننا عندما نستمع إلى الرئيس الأميركي بأنه أجرى واحدا وثلاثين تلفوناً بالرئيس السوري وبرئيس وزراء العدو. معنى ذلك أن المسألة بذلك قطعت شوطاً كبيراً من التعقيدات والمفاوضات وفي الأخذ والرد وراء الكواليس.

النقطة الدولية الأخرى:

س: يقال أن الأميركيين يسعون لإنهاء الملف في الشرق الأوسط لأنهم ينظرون بالعين الأخرى إلى نقطة دولية أخرى يريدون التحرك فيها براحة أكثر؟

ج: أنا أختلف مع الذين يعتبرون أن انشغال دولة كبرى بمشكلة يعقد انشغالها بمشكلة أخرى. لأننا نعرف أن الدول الكبرى قد استنفذت كل الحلول وأصبحت كل التفاصيل موجودة لدى الأطراف المعنية مما يعني أنه ليس هناك جديد، لذلك أعتقد أن مسألة ما يسمى بالشرق الأوسط قد وصلت إلى نهاية النفق.

وأن المرحلة هي المرحلة التي تقف فيها أكثر المحاور الدولية، ربما منها المحاور العربية للإنتهاء من هذا الملف.

موت الشرق الأوسطية الاقتصادية

س: هل تعتقدون أن المرحلة القادمة، هي مرحلة الشرق أوسطية اقتصادية؟

ج: إنني أتصور أن مسألة الشرق أوسطية قد ماتت من حين ولادتها، وأن المستقبل للشرق الوسط على المستوى الاقتصادي أو على المستوى السياسي لن يكون بتخطيط إسرائيلي بل سوف يكون ساحة للتجاذب الأميركي ـ الأوروبي وملحقاتهما من الأسيوي والياباني، الشرق الأوسط يختلف عن أي منطقة أخرى من حيث الأهمية الاستراتيجية الاقتصادية، على مستوى الثروات الطبيعية والمستويات الأخرى من أي منطقة، ولهذا فإن القضية لن تترك للتخطيط الإسرائيلي في هذا المجال. من الطبيعي أن اميركا من خلال تحالفها الاستراتيجي سوف تجعل لإسرائيل دوراً ضمن الخطة الأميركية، وربما تلعب اسرائيل بحسب هامش الحرية الذي تملكه لعبة التجاذب الأوروبي ـ الأميركي لأن إسرائيل تختلف عن أي دولة من دول المنطقة هي انها تشتغل لحسابها في الوقت الذي يشتغل فيه الكثير من الدول لحساب الآخرين. وربما تنفتح المنطقة على الدور التركي الذي تعمل اميركا على ان تضخيمه وإعطائه مساحة من حرية الحركة من خلال ضغطها على الاتحاد الأوروبي لإدخال تركيا إليه ومن خلال ما تحاوله من توظيف الدور التركي للقوقاز وما إلى ذلك وهذا ما لاحظناه في العلاقة التركية ـ الشيشانية التي تقدمت في علاقاتها للشيشان على أية دولة إسلامية أخرى وكذلك ومن خلال خط الأنابيب الذي انطلق من بحر قزوين إلى الموانئ التركية.

كلام يلتسين النووي

س: هل يمكن اعتبار الحديث عن تحالف استراتيجي صيني ـ روسي هو بداية لشيء ما. وعليه نفهم هذه العجلة كسبب من أسبابها، بما في ذلك تذكير الرئيس الروسي لأميركا بأن روسيا دولة نووية وعظمى في العالم؟

ج: إنني لا اتصور أن المسألة بلغت هذا المستوى من القوة في الموقع الروسي ـ الصيني ليتحرك ضد أميركا أو ضد الغرب، لأن كل واحد منهما، أي من الصين وروسيا لا يزال بحاجة بطريقة وبأخرى للغرب، وإنني أتصور أن هذا التصريح للرئيس الروسي، كان للاستهلاك الداخلي ولإبراز بقايا العنفوان الروسي أمام الغرب، دون ان يكون له أية نتيجة ولذا بادر رئيس وزراء روسيا إلى التخفيف من آثار هذا التصريح.

الإسلاميون والتسوية:

س: مولانا يجري الحديث عن أن المتضرر من التسوية القادمة هي التيارات الإسلامية، ونتائجها لبنانياً يجب أن تطاول الحالة الإسلامية التي بنظرهم خطراً على عملية السلام هذا الطرح القديم ، التي بدأنا نسمعه مجدداً.

ج: من الطبيعي أن نجاح التسوية وسقوط فلسطين في وحول التسوية سوف يمثل نكسة للمشروع الإسلامي، الذي كان وما يزال يصرّ على عدم شرعية قيام إسرائيل. ومن الطبيعي أيضاً أن تتوجه الضغوط الإقليمية والدولية إلى التيار الإسلامي، سواء في لبنان أو غير لبنانأما كعملية وقائية، حتى لا يقوم التيار الإسلامي بأي عمل يسيء إلى نتائج التسوية، او عملية هجومية من جهة ودفاعية من جهة، إذا قام التيار الإسلامي ببعض الأعمال التي تزعج نتائج التسوية، لكننا لا نستطيع ان نتحدث في هذه المسألة بالمطلق، لأن السياسة لا تختزن المطلق، بل لا بدّ أن ندرس الظروف الموضوعية التي سوف تواجه المسألة الإسلامية، والخصوصيات السياسية في لبنان أو غيره من الدول العربية لأن هناك نقطة حية في لبنان وفي أي منطقة عربية أخرى، وهي أنّ التيار الإسلامي أصبح أمراً واقعياً مع بعض الخصوصيات هنا وهناك ولا سيما إذا عرفنا حقيقة سياسة واقعية. وهي ان التيار الإسلامي خصوصاً في لبنان، استطاع باعتراف الجميع أن يعطي الحرية للبلد كله، لأنه ساهم مساهمة فعّالة وحيوية لزوال الاحتلال الإسرائيلي بحيث تحول الاحتلال إلى مأزق للمحتل من الناحية الأمنية، وإلى مشكلة سياسية، داخل المجتمع الصهيوني، كما استطاعت الحركة الإسلامية في لبنان ان تلهب مشاعر العرب والمسلمين بأنها استطاعت ان تؤكد معنى المقاومة والجهاد وما إلى ذلك أمام الغطرسة الإسرائيلية، التي ما يزال كل عربي وكل مسلم يشعر بالعقدة أمامها من خلال الهزيمة السياسية والنفسية العربية في مواجهتها، لذلك فهي تختلف عن أي حركة إسلامية في أي بلد عربي آخر، لأنها لم تدخل في أي نزاع أمني داخلي، وإذا كانت قد عاشت بعض المشكلة في هذا المجال، فإنها تعتبر ان ذلك فرض عليها ولم تختره.

من جهة ثانية، الحركة الإسلامية استطاعت أن تتأقلم مع الواقع السياسي في لبنان وفي المنطقة، ووصلت إلى حالة من الرشد السياسي في أساليبها ومواقعها وفي انفتاحها على مفردات اللعبة، لذلك فإن مسألة إسقاط هذه الحركة بفعل التسوية، ليست بهذه البساطة لا سيما ان الحركة الإسلامية لا تتحرك في المغامرات.

س: لكن في الفترة الأخيرة لاحظنا أن بعض الناس بدأوا يبتعدون بحديثهم عن فضل الحركة الإسلامية في مقاومة الاحتلال حتى أنّهم لم يكلفوا أنفسهم بكلمة شكر لها على خلفية أن السلام أو التسوية ستأتي على حساب هؤلاء؟

ج: عندما أتحدث في المسألة، فإني لا أبعد من الحسابات، بأن القوة التي حصلت عليها الحركة الإسلامية بفعل الظروف سوف تتكمش عندما تتجاوز الظروف المرحلة. لكنني أتحدث أنه من الصعب جداً ان تسقط الحركة الإسلامية، لأنها استطاعت أن تتجذر في الوجدان الشعبي اللبناني من جهة والعربي والإسلامي من جهة اخرى. واستطاعت أن تحرك أساليب العمل بالمستوى التي تنفتح به على كل الاتجاهات حتى الاتجاهات التي تقف منها موقفاً مضاداً بنسبة كبيرة من الناحية العقيدية.

س: هناك مثال حي أمامنا بالأمس كان الافغان مجاهدين وأسامة بن لادن مجاهداً مدعوماً من أميركا ضد السوفيات واليوم تحول إلى إرهابي مطارد؟

ج: هناك فرق بين الحالتين، لأن المسألة الأفغانية لا تزال واقعة في دائرة التجاذب الدولي، كما ان العناصر الأفغانية لا تزال ولا سيما في مسألة ابن لادن تتحرك بأسلوب المغامرات، بينما الحركة الإسلامية في لبنان ابتعدت عن هذا الأسلوب وأصبحت لا تتحرك بطريقة المغامرات

مرونة الحالة الإسلامية ... التكتيك:

س: هل يمكن أن يتغير الخطاب الإسلامي في المرحلة المقلبة؟

ج: إنني لا أتصور أن الخطاب الإسلامي سوف يتغير من خلال القضايا الاستراتيجية، ولكن قد يتغير التكتيك في هذا المجال، ولا أعتقد ان هناك مشكلة، ولا سيما في الصرعة الأميركية التي تعتبر أن في اعتبار الديمقراطية والحريات هي العناوين الكبيرة لما تريده في المنطقة، وكل ما تطرحه الآن من قضايا في الساحة إنما، هي الوقوف ضد الإرهاب لا الوقوف ضد الرأي المعارض، لذلك فإن الحالة الإسلامية، تملك من المرونة ما تستطيع التحرك وتتجاوز مثل هذه.

س: مولانا، هل تتوقعون أن تجد الحركة الإسلامية تحت المظلة الديمقراطية الأميركية فسحة أكبر؟

ج: إننا نلاحظ ان نشاط الإسلاميين في الغرب هو أكثر حيوية وقوة وحرية من نشاطهم في البلاد الإسلامية تحت تأثير الأنظمة الإسلامية.

الرهان على النفوذ السوري:

س: مولانا هناك من يتحدث أنه في حال جرت التسوية سوف يتأثر النفوذ السوري في لبنان والعلاقة المميزة؟

ج: إنني لا اعتقد أن المستقبل سيحمل ما يؤدي إلى انحسار الدور السوري في لينان، بل سوف يتأكد اكثر، لأن هناك اعترافاً دولياً بضرورة بقاء الدور السوري في لبنان، وهناك الارتباط العضوي، سواء على المستوى الشعبي والاقتصادي بين سوريا ولبنان، هو أمر حيوي بالنسبة إلى البلدين، لذلك من الصعب جداً ان ينفك هذا الرابط العضوي ونلاحظ انه إذا أريد للبنان ان يستقر فلا بد أن يبقى مرتبطاً بهذه الدائرة، ومن الطبيعي جداً ان ما يدور في المنطقة سوف يطور العلاقات بين سوريا ولبنان لأن الظروف المقبلة تختلف عن الظروف الحالية.

الرئيس لحود.. يعي

س: لأكون أكثر وضوحاً، هناك من يراهن على أن الرئيس لحود سيكون أكثر قوة في اتخاذ القرارات بوجود التسوية؟

ج: إنني أتصور اتخاذ مثل هذه القرارات الصعبة، لا يمكن أن يقوم بها شخص مهما كانت قوته، فالمسألة متصلة ببعض المعادلات الإقليمية والدولية على مستوى المنطقة، ومن الطبيعي ان المسؤول، ولا سيما المسؤول الأول في لبنان لا بد ان يكون واعياً لطبيعة الظروف الموضوعية التي تفرض بقاء دور هنا وإلغاء دور هناك. وإننا نعتقد أن الرئيس لحود يعي حيوية العلاقات بين سوريا ولينان من حيث الارتباط العضوي أكثر مما يعيه الكثيرون في البلد.

الفرق بين التسوية والسلام:

س: تشددون دائماً على تعبير التسوية والسلام هل هناك فرق بينهما؟

ج: أن الفرق بين التسوية والسلام هي أن التسوية تنطلق من الظروف الفوقية على أساس الضغوط الدولية التي لا تملك الأنظمة أن تتواجه معها، اما السلام فينطلق من خلال الإرادة الشعبية، ومن خلال المصالح الحقيقية للشعوب. وإنني أتصور أن الشعوب العربية والإسلامية لم تصل إلى درجة تنفتح فيها قومياً وإسلامياً على مسألة إسرائيل في المنطقة التي تعني ضياع فلسطين وإذا كان البعض قد تعب من الصراع فإن المسالة هي مسألة الاضطرار وليست مسالة الاقتناع.

س: هنا نطرح دور الإسلاميين والمراجع والقيادات بعد التسوية؟

ج: لقد قلت أكثر من مرة أن مسألة عدم شرعية الوجود الإسرائيلي في فلسطين، هي مسألة تتصل بالحكم الشرعي الإسلامي وهو أنّ الغصب حرام. وإذا كان غصب الأرض من مالكها دون أية عناوين سياسية محرمة ولا يمكن لأي مجتهد مسلم أن يفتي بحليتها فإنّ الغصب الذي يتصل بالأرض وبالوطن كله وبالسلطة لا يمكن ان يبرره مسلم. لهذا لو اعترف العالم كله بما فيهم الفلسطينيون. في الدائرة السياسية. بإسرائيل فإننا لا نعترف بها. لأن الله لا يرضى لنا أن نعترف بها. وإنني اعتقد أن كل فلسطيني وكل عربي أو مسلم أو فلسطيني لا يزال يملك في وجدانه الديني وفي عقله السياسي ولذلك لن ينال أي شرعية وجود اليهود على راس السلطة السياسية، واتخاذهم لفلسطين كوطن قومي لليهود. ولذلك نحن نعتقد أن المستقبل لن بكون مع إسرائيل لأنه من الصعب جداً ان يكون التعايش مع اليهود بعنصريتهم وبكل مطامعهم ومطامحهم في المنطقة وبين أهل المنطقة.

س: يعني مرحلة جديدة من المواجهة؟

ج: إننا أطلقنا شعاراً هو انه إذا الحاضر ضاق ببعض المشاريع فإن المستقبل قد يتسع بما لا يتسع إليه الحاضر، أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً.

مشروع قانون الانتخاب:

س: على المستوى المحلي المرتبط بالمنطقة، غلى أي مدى تعتقد ان مشروع قانون الانتخابات مرتبط بالمتغيرات في المنطقة، علماً أنه في خطبة الجمعة تحدثتم عما يجري في المنطقة وعن المساعي في لبنان لقسمة الكوفة في المشروع الانتخابي؟

ج: أنني لا أريد الدخول في التفاصيل ولكني أتساءل عن القانون، إن أي قانون في أي قضية حيوية تتصل بالشعب كله، وتنفتح على المستقبل قي القرارات والقوانين والمشاريع، لا بد ان تخضع لقاعدة سياسية، عندما نتحدث عن الخطوط السياسية، من هنا نتساءل لماذا الانتخاب؟ هل هو من أجل أن يشعر كل فرد من الشعب، أن لديه فرصة ليختار ممثله الذي يعرفه ويعيش حياته بكل خصوصياته، أو أن المطلوب هو ما يقال عن الاندماج الطائفي أو المذهبي، ليعيش اللبنانيون اختيار تشكيلة متنوعة من هذه الفيسفاء الطائفية فينتخب المسلم المسيحي او المقصود هو ترتيب الأوضاع بحسب الظروف الطارئة التي تتحرك واقعياً في مشكلة هنا يراد حلها على حساب قانون الانتخاب أو مشكلة هنا يراد حلها لحساب شخصية نافذة داخلياً أو خارجية، أن البلد الذي يحترم نفسه هو الذي ينطلق من قاعدة تشمل الوطن كله. ومن الطبيعي ان الدائرة كلما صغرت أكثر كلما استطاعت ان تعطي تمثيلاً أفضل، أما الحديث عن الانصهار الوطني فهي نكتة سياسية، لأنه يكفي من الانصهار الوطني، المجلس النيابي، فعندما تلتقي كل الطوائف في المجلس ويرى كل نائب في نفسه أنه نائب عن لبنان ويتحدث عن وطنه كله وينفتح الناس على كل هؤلاء وهم يتحدثون عن كل المشاريع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية فمن الطبيعي أن يتحقق الانصهار، الانصهار لا يتحقق باللعبة الانتخابية إنما يتحقق من العلاقات المعيشية الشعبية على اختلافها بشكلها اليومي، هناك انصهار وطنياً في لبنان فقد تأتي الإنتخابات وتعقده بدلاً من أن تفسح المجال له أكثر، لذلك مسألة الدوائر بدأت من خلال ملاحظة وضع معين وعندما أريد لهذا الوضع أن يكون شاملاً، تحركت من حساسية هنا ومشكلة هناك لتركب هذا الواقع.

س: بعد سنة من عهد العماد لحود كيف ترى الوضع هل تقدم أو أنه يراوح مكانه او تراجع؟

ج: من الصعب أن تحكم على أية مرحلة سياسية في البلد في وضع مفلس اقتصادياً ورثته هذه المرحلة، لأن أي مشروع لحل او تخفيف العبء الاقتصادي لا بد أن يمر بتجربة طويلة لذلك لا اتصور ان سنة أو سنتين يمكن ان يحقق حكماً عادلاً واقعياً على هذه المرحلة.

تراجع من الطائفية إلى الشخصانية

س: هل تعتقدون كما يتداول في الأحاديث بأن الحل سيكون على حساب الشيعة الذين واجهوا الاحتلال؟

ج: أتصور أن التسوية سلبية وكل نتائجها سلبية بنظرنا سوف تأتي على اللبنانيين جميعاً وعلى العرب فلندرسها في الأردن فالشعبالأردني لم يستفد منها حتى اقتصادياً، بل اصبحنا عبئاً اقتصادياً، وكذلك لم تحقق شيئاً في مصر، أما الفلسطينيون فقد خلقت لهم مشاكل لا حد لها. لن يستطيع عربي واحد بأن يقدم له أي يهودي شيئاً أو أن يفيده، لذلك ليست مسألة شيعة أو سنة أو موارنة. لكن من الطبيعي عندما ندرس الواقع داخل لبنان، فإننا نعتقد أن المشكلة التي قد يعيشها بعض الشيعة قد تعيشها بعض الطوائف الأخرى هي مسألة الشخصانية، يعني أن يختصر شخص الطائفة في نفسه، هذه هي المشكلة التي قد تتمثل بالشيعة وقد تتمثل عند المسلمين الآخرين والمسيحيين أيضاً، ان المشكلة في الشرق هي مشكلة الشخصانية، ولذا كنت أقول إنّ المشكلة اللبنانية،لم تعد المشكلة الطائفية وإن كانت للطائفية مشاكلها، لكن المشكلة اللبنانية اصبحت مشكلة الأشخاص الذين يختصرون طوائفهم في أنفسهم، لقد تراجع الوضع في لبنان حتى أصبحت الشخصانية هي البديل للطائفية. وأصبح كل شخص يعمل على ان يفصل الوطن على قياسه لا على قياس طائفته. وهذا موجود في كل الطائف أو أكثرها. وأصبح الشخص يحرك الطائفة لمشاريعه الخاصة، بدل أن يحرك مشاريعه لخدمة الطائفة، ولهذا فقد اصبحت الطوائف من خلال هذا النوع من المصادرة لأفكارها وطموحاتها، تبحث عن زعيم الطائفة لتغتني به وبحجمه، على طريقة ذلك الشاعر الذي يقول:

إلهي بني تغلب عن كل مكرمة

س: هل سماحتكم تدعو لإعادة أحياء اللقاء الخماسي الشيعي الذي يضم سماحتكم وسماحة الإمام شمس الدين والرئيس بري والسيد نصر الله والمفتي قبلان؟

ج: إنني من الدعاة إلى ان لا يختصر شخص الأمة مهما كان كبيراً على مستوى لبنان وعلى مستوى الخارج، واذكر إنني كتبت موضوعات تحت عنوان "خط البطل وبطل الخط" في السبعينات، كنت أرفض ان نقول أن خمينيين أو ناصريين وحتى أرفض ان نقول إننا محمديون، بل نقول نحن مسلمون، وإن محمد "صلى الله عليه وآله وسلم"، هو نبي الإسلام وهو الذي تجسد الإسلام فيه، ولكن الله أرادنا ان نكون مسلمين ونرتبط به من خلال أنه رسول الله، ولذلك أنني ضد الارتباط بالشخص، حتى الارتباط بي شخصياً لذلك عملت وقد سمع مني الكثيرون عندما قال لي بعض تلامذتي إننا محسوبون عليك وإننا من جماعتك. قلت إنني احترم جماعتي وتلامذتي ان لا يكونوا محسوبين على شخص. فنحن جميعاً محسوبون على الإسلام لذلك إن مشكلة أي شخص يختصر الطائفة أو الشعب او الأمة في شخصه، سوف يدخل كل تعقيداته وكل نقاط ضعفه للأمة التي لا يريد لها أن تسبح وتحدث باسمه، أنا ضد عبودية الأشخاص، نحن نحترم الأشخاص لنا لا نعبدهم. نحن نحترم ونقدر الأنبياء والأئمة لكنا لا نعبدهم. إننا نقرأ في صلاتنا دائماً في التشهد، أشهد أن محمداً عبده ورسوله، وان عظمته في عبوديته لله وفي رسالته، ولم يأت من أجل أن يربط الناس بشخصه، بل انه ربط بالله. وقد قلت مراراً وصرحت أمام الرأي العام. إنّ قلبي مفتوح للجميع ويدي ممدودة للجميع في غير ضعف وإنني منفتح على الحوار، لكن مشكلتي أنني أتلقى الشتائم من هنا وهناك ولا أجد ان هناك شخصاً يعمل لينفتح على الحوار، قلت مراراً وأقولها لست معصوماً فيما أفكر أو فيما أتكلم فكلنا خطاؤون، لكن أقول، ليس لنا أن نحكم على أي شخص إلا من خلال الاقتراب منه ليعرف ما نفكر به ونعرف ما يفكر بنا، مشكلتنا هي التراشق من بعيد بالاتهامات والشتائم، وإنني لم أتعلم في كل حياتي لا في البيت ولا في الحوزة ولا في حياتي العامة أن أشتم احداً.

س: ألا ترون أن المرحلة تستدعي اللقاءات الشيعية والحوار بين قيادتها؟!

ج: إنني مع كل جهد للقاء مع أية فعّالية في دائرة الطائفة وفي خارجها.

نص الحوار الذي أجرته صحيفة "الديار" في الثاني عشر من كانون الأول 1999، مع سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله حفظه المولى، ويتناول فيه آخر ما شهدته الساحة من مستجدات، وما طرأ عليها من تطورات، لا سيما فيما يخص عملية التسوية، وانعكاس ذلك على المنطقة، وفي ما يلي ما جاء في الحوار:

يطلق العبارات.. يحلل المواقف.. ينطلق بالفكرة.. ويعطي كل شيء مداه الطبيعي فيشدد على انفتاحه على الحوار واللقاء. وما طرأ عليها من تحولات

ويرفض عبودية الشخص ومصادرة الرأي والحرية.. في السياسة يرى أن ما يجري في المنطقة حالياً يبدو أنه نتيجة ترتيبات وتحضيرات لشيء ما، وليست المسألة وليدة ساعتها وليست متعلقة بشخص السيد محمد حسين فضل الله ننطلق بحديثنا معه حول مستجدات الساعة والتطورات التي بدأت تتحكم بالبوصلة السياسية والداخلية لدول المنطقة.

فيعتبر ان الإدارة الأميركية الحالية تريد الانتهاء من الملفين السوري واللبناني في إطار استراتيجيتها في المنطقة وليس لنصر يريد أن يحققه كلينتون فقط. بل أن القضايا شارفت من هنا فإن المرحلة وفقاً لوجهة نظره حساسة ودقيقة وبذات الوقت مقبلة على التسوية.

ويرى المرجع الديني بكلام الرئيس الروسي وتصريحه استهلاكاً داخلياً لبلاده، لأن الصين وروسيا لم يصلا لدرجة استغنائهما عن أوروبا والولايات المتحدة، ولكن أميركا تريد إنهاء الملف لتتفرغ لاستكمال استراتيجيتها الجديدة.

أما إنعكاس التسوية على التيارات الإسلامية يقول السيد المرجع ان ذلك منطقي وان التسوية بحد ذاتها تشكل نكسة للمشروع الإسلامي الرافض لوجود إسرائيل. لكن الحالة الإسلامية تجذرت في لبنان والمنطقة العربية وليس من السهل والبساطة إنهاؤها.. ويؤكد ان الإسلاميين بلغوا سن الرشد ويعرفون كيف يتعاطون مع التطورات والقضايا.

وفي الموقف الشرعي يشير إلى انه لو اعترف العالم كله بإسرائيل فإننا لن نعترف بوجودها وشرعيتها لأن الله لا يرضى لنا ذلك.

وأكد ان العلاقة اللبنانية ـ السورية سوف تقوى وتتفاعل أكثر في مرحلة التسوية لأن هذا الموضوع من القضايا الكبرى التي لا يمكن لأحد المراهنة على المتغيرات فيه لأن العلاقة عضوية بين لبنان وسوريا والرئيس لحود يعي ذلك أكثر من أي مسؤول في البلد فهو المسؤول الأول.

حديث مطول مع السيد فضل الله حول كل شيء دولياً وإقليمياً وداخلياً بما في ذلك وصفه للشخصانية التي حلت مكان الطائفية في لبنان.

س: كان هذا الأسبوع مليئاً بالتطورات السياسية ان على المستوين الداخلي أو الإقليمي بما يعني استئناف المفاوضات وبالتالي من هنا سنبدأ حديثنا مع سماحتكم فهل تعتقدون أن كل الأجواء المشحونة السابقة حول الانسحاب الجزئي، كانت مقدمة للمستجدات حول استئناف المفاوضات على المسار السوري ـ الإسرائيلي؟

ج: لقد كنت أعيش الإحساس بأن هناك شيئاً جدياً وراء الكواليس وذلك من خلال اكثر من إشارة في التصريحات المتحركة في هذه الدائرة، وكنت ألاحظ أن هذا العنف الكلامي الذي يثار من الجانب الإسرائيلي او بعض المواقع كان عنفاً يستهدف ترويض بعض الخطوط وبعض الأوضاع من جهة، كما كان يتحرك في دائرة احتواء السلبيات الشعبية من جهة أخرى، لأن مثل هذه القرارات الصعبة أو المؤلمة حسب التعبير الإسرائيلي أو الأميركي. تحتاج إلى إعداد للذهنية الشعبية ينفتح على العنفوان ثم بعد ذلك يصل إلى النتائج، كما لو كان وفي قسطه للعلى، لذلك كنت أفكر في تلك المرحلة وما بعدها بأن التسوية سائرة في طريقها المرسوم لكنها ببعض الصعوبات وها نحن نجد ان التسوية قد مرت بصعوبات كثيرة حتى وصلت إلى هذه النتائج. ولعل ثقل الموقع الأميركي في المسألة كان له دوره للوصول إلى هذه النتيجة مع ملاحظة مهمة، وهي ان رئيس العدو يريد تحقيق التسوية في عهده.

س: ولذلك أسباب؟

ج: لأن مسألة بقاء التسوية في متاهات الشد والجذب سوف يجعلها منفتحة على المجهول وإنني أتصور أن الرجل قد وعد لأن يصل إلى ما يسميه سلام، كما أن أمريكا بحاجة لأن تتجاوز مسألة انتخاباتها. وأن تطل على مصالحها في المنطقة باعتبار أن هناك تحركاً أوروبياً من جهة وروسيا وصينياً من جهة اخرى، يحاول أن يثبت أقدامه في المنطقة مستغلاً السلبيات السياسية الموجهة ضد أميركا في المنطقة من خلال المسألة الإسرائيلية، لهذا فإني اتصور أن المسالة في حسابات أميركا، لا تتصل بالجانب الشخصي للرئيس كلينتون، على أساس ما تمثله من ورقة كبيرة ضاغطة في الانتخابات.

س: هل تعتقدون أن الهامش المتبقي للرئيس كلينتون يمكن ان يمنحه الفرصة والدفع ليصل بعملية السلام إلى نهاياتها؟

ج: أنا لا اعتبر القضية شخصية فحسب وتتصل بطموحات الرئيس الأميركي، نعم للمسالة بعض هذا البعد، لكن المسألة أعمق من ذلك، باعتبار أن الظروف الموضوعية التي وصلت إليها مسألة التسوية سواء في الدائرة الفلسطينية أو السورية ـ اللبنانية أو في الواقع العربي، قد لا تتوفر في المرحلة القادمة، لو ان الحزب لجمهوري نجح في الانتخابات.

لقضية الآن في التفاصيل:

س: إلى أي مدى برأيكم ستكون المفاوضات في أميركا ثم في المنطقة قادرة على تحقيق التسوية؟

ج: عندما نقرأ التصريحات الصادرة من المعنيين أن كلِ ما تبقى للمفاوضات، تمثل نسبته العشرين بالمئة من جملة المسائل العالقة. فإن ذلك يوحي بأن المرحلة قد تجاوزت القضايا الأساسية، التي تحتوي كل مفردات المفاوضات كما توحي بذلك التصريحات أو خلفياتها التي وصل إليها الطرفان في عهد رابين، فمعنى ذلك أن علينا أن نأخذ محصلة تلك المرحلة لنضعها في حساب المرحلة الجدية، مما يعني أن التسوية قد تجاوزت الخطوط الحمراء وأصبحت القضية الآن في التفاصيل ولعل تصريحات وزيرة الخارجية الأميركية بأن سنة 2000 ستكون سنة سلام، مع التحفظات الصادرة منها ومن كلينتون يوحي بان المسألة وصلت إلى درجة حرارة ملفتة للنظر.

س: ويدخل في ذلك رفع المستوى في المفاوضات؟

ج: من الطبيعي أن رفع المستوى كان مطلباً إسرائيلياً ولم تكن سوريا معارضة لهذه المسألة لكنها كانت تتحدث على أن الوقت لم يحن لذلك، وتشكيل وفد بهذا المستوى من المتفاوضين يعني أن الوقت قد حان، مما يوحي بأن هناك شيئاً ما قد يمثل حاجة للجميع من أجل الوصول إلى النتائج قبل فوات الاوان.

س:لأي درجة قضت المرحلة بتصوركم بهذه السرعة لتحقيق التسوية؟

ج: إننا لا نتصور بأن هناك سرعة في سير المفاوضات، فأننا عندما نستمع إلى الرئيس الأميركي بأنه أجرى واحدا وثلاثين تلفوناً بالرئيس السوري وبرئيس وزراء العدو. معنى ذلك أن المسألة بذلك قطعت شوطاً كبيراً من التعقيدات والمفاوضات وفي الأخذ والرد وراء الكواليس.

النقطة الدولية الأخرى:

س: يقال أن الأميركيين يسعون لإنهاء الملف في الشرق الأوسط لأنهم ينظرون بالعين الأخرى إلى نقطة دولية أخرى يريدون التحرك فيها براحة أكثر؟

ج: أنا أختلف مع الذين يعتبرون أن انشغال دولة كبرى بمشكلة يعقد انشغالها بمشكلة أخرى. لأننا نعرف أن الدول الكبرى قد استنفذت كل الحلول وأصبحت كل التفاصيل موجودة لدى الأطراف المعنية مما يعني أنه ليس هناك جديد، لذلك أعتقد أن مسألة ما يسمى بالشرق الأوسط قد وصلت إلى نهاية النفق.

وأن المرحلة هي المرحلة التي تقف فيها أكثر المحاور الدولية، ربما منها المحاور العربية للإنتهاء من هذا الملف.

موت الشرق الأوسطية الاقتصادية

س: هل تعتقدون أن المرحلة القادمة، هي مرحلة الشرق أوسطية اقتصادية؟

ج: إنني أتصور أن مسألة الشرق أوسطية قد ماتت من حين ولادتها، وأن المستقبل للشرق الوسط على المستوى الاقتصادي أو على المستوى السياسي لن يكون بتخطيط إسرائيلي بل سوف يكون ساحة للتجاذب الأميركي ـ الأوروبي وملحقاتهما من الأسيوي والياباني، الشرق الأوسط يختلف عن أي منطقة أخرى من حيث الأهمية الاستراتيجية الاقتصادية، على مستوى الثروات الطبيعية والمستويات الأخرى من أي منطقة، ولهذا فإن القضية لن تترك للتخطيط الإسرائيلي في هذا المجال. من الطبيعي أن اميركا من خلال تحالفها الاستراتيجي سوف تجعل لإسرائيل دوراً ضمن الخطة الأميركية، وربما تلعب اسرائيل بحسب هامش الحرية الذي تملكه لعبة التجاذب الأوروبي ـ الأميركي لأن إسرائيل تختلف عن أي دولة من دول المنطقة هي انها تشتغل لحسابها في الوقت الذي يشتغل فيه الكثير من الدول لحساب الآخرين. وربما تنفتح المنطقة على الدور التركي الذي تعمل اميركا على ان تضخيمه وإعطائه مساحة من حرية الحركة من خلال ضغطها على الاتحاد الأوروبي لإدخال تركيا إليه ومن خلال ما تحاوله من توظيف الدور التركي للقوقاز وما إلى ذلك وهذا ما لاحظناه في العلاقة التركية ـ الشيشانية التي تقدمت في علاقاتها للشيشان على أية دولة إسلامية أخرى وكذلك ومن خلال خط الأنابيب الذي انطلق من بحر قزوين إلى الموانئ التركية.

كلام يلتسين النووي

س: هل يمكن اعتبار الحديث عن تحالف استراتيجي صيني ـ روسي هو بداية لشيء ما. وعليه نفهم هذه العجلة كسبب من أسبابها، بما في ذلك تذكير الرئيس الروسي لأميركا بأن روسيا دولة نووية وعظمى في العالم؟

ج: إنني لا اتصور أن المسألة بلغت هذا المستوى من القوة في الموقع الروسي ـ الصيني ليتحرك ضد أميركا أو ضد الغرب، لأن كل واحد منهما، أي من الصين وروسيا لا يزال بحاجة بطريقة وبأخرى للغرب، وإنني أتصور أن هذا التصريح للرئيس الروسي، كان للاستهلاك الداخلي ولإبراز بقايا العنفوان الروسي أمام الغرب، دون ان يكون له أية نتيجة ولذا بادر رئيس وزراء روسيا إلى التخفيف من آثار هذا التصريح.

الإسلاميون والتسوية:

س: مولانا يجري الحديث عن أن المتضرر من التسوية القادمة هي التيارات الإسلامية، ونتائجها لبنانياً يجب أن تطاول الحالة الإسلامية التي بنظرهم خطراً على عملية السلام هذا الطرح القديم ، التي بدأنا نسمعه مجدداً.

ج: من الطبيعي أن نجاح التسوية وسقوط فلسطين في وحول التسوية سوف يمثل نكسة للمشروع الإسلامي، الذي كان وما يزال يصرّ على عدم شرعية قيام إسرائيل. ومن الطبيعي أيضاً أن تتوجه الضغوط الإقليمية والدولية إلى التيار الإسلامي، سواء في لبنان أو غير لبنانأما كعملية وقائية، حتى لا يقوم التيار الإسلامي بأي عمل يسيء إلى نتائج التسوية، او عملية هجومية من جهة ودفاعية من جهة، إذا قام التيار الإسلامي ببعض الأعمال التي تزعج نتائج التسوية، لكننا لا نستطيع ان نتحدث في هذه المسألة بالمطلق، لأن السياسة لا تختزن المطلق، بل لا بدّ أن ندرس الظروف الموضوعية التي سوف تواجه المسألة الإسلامية، والخصوصيات السياسية في لبنان أو غيره من الدول العربية لأن هناك نقطة حية في لبنان وفي أي منطقة عربية أخرى، وهي أنّ التيار الإسلامي أصبح أمراً واقعياً مع بعض الخصوصيات هنا وهناك ولا سيما إذا عرفنا حقيقة سياسة واقعية. وهي ان التيار الإسلامي خصوصاً في لبنان، استطاع باعتراف الجميع أن يعطي الحرية للبلد كله، لأنه ساهم مساهمة فعّالة وحيوية لزوال الاحتلال الإسرائيلي بحيث تحول الاحتلال إلى مأزق للمحتل من الناحية الأمنية، وإلى مشكلة سياسية، داخل المجتمع الصهيوني، كما استطاعت الحركة الإسلامية في لبنان ان تلهب مشاعر العرب والمسلمين بأنها استطاعت ان تؤكد معنى المقاومة والجهاد وما إلى ذلك أمام الغطرسة الإسرائيلية، التي ما يزال كل عربي وكل مسلم يشعر بالعقدة أمامها من خلال الهزيمة السياسية والنفسية العربية في مواجهتها، لذلك فهي تختلف عن أي حركة إسلامية في أي بلد عربي آخر، لأنها لم تدخل في أي نزاع أمني داخلي، وإذا كانت قد عاشت بعض المشكلة في هذا المجال، فإنها تعتبر ان ذلك فرض عليها ولم تختره.

من جهة ثانية، الحركة الإسلامية استطاعت أن تتأقلم مع الواقع السياسي في لبنان وفي المنطقة، ووصلت إلى حالة من الرشد السياسي في أساليبها ومواقعها وفي انفتاحها على مفردات اللعبة، لذلك فإن مسألة إسقاط هذه الحركة بفعل التسوية، ليست بهذه البساطة لا سيما ان الحركة الإسلامية لا تتحرك في المغامرات.

س: لكن في الفترة الأخيرة لاحظنا أن بعض الناس بدأوا يبتعدون بحديثهم عن فضل الحركة الإسلامية في مقاومة الاحتلال حتى أنّهم لم يكلفوا أنفسهم بكلمة شكر لها على خلفية أن السلام أو التسوية ستأتي على حساب هؤلاء؟

ج: عندما أتحدث في المسألة، فإني لا أبعد من الحسابات، بأن القوة التي حصلت عليها الحركة الإسلامية بفعل الظروف سوف تتكمش عندما تتجاوز الظروف المرحلة. لكنني أتحدث أنه من الصعب جداً ان تسقط الحركة الإسلامية، لأنها استطاعت أن تتجذر في الوجدان الشعبي اللبناني من جهة والعربي والإسلامي من جهة اخرى. واستطاعت أن تحرك أساليب العمل بالمستوى التي تنفتح به على كل الاتجاهات حتى الاتجاهات التي تقف منها موقفاً مضاداً بنسبة كبيرة من الناحية العقيدية.

س: هناك مثال حي أمامنا بالأمس كان الافغان مجاهدين وأسامة بن لادن مجاهداً مدعوماً من أميركا ضد السوفيات واليوم تحول إلى إرهابي مطارد؟

ج: هناك فرق بين الحالتين، لأن المسألة الأفغانية لا تزال واقعة في دائرة التجاذب الدولي، كما ان العناصر الأفغانية لا تزال ولا سيما في مسألة ابن لادن تتحرك بأسلوب المغامرات، بينما الحركة الإسلامية في لبنان ابتعدت عن هذا الأسلوب وأصبحت لا تتحرك بطريقة المغامرات

مرونة الحالة الإسلامية ... التكتيك:

س: هل يمكن أن يتغير الخطاب الإسلامي في المرحلة المقلبة؟

ج: إنني لا أتصور أن الخطاب الإسلامي سوف يتغير من خلال القضايا الاستراتيجية، ولكن قد يتغير التكتيك في هذا المجال، ولا أعتقد ان هناك مشكلة، ولا سيما في الصرعة الأميركية التي تعتبر أن في اعتبار الديمقراطية والحريات هي العناوين الكبيرة لما تريده في المنطقة، وكل ما تطرحه الآن من قضايا في الساحة إنما، هي الوقوف ضد الإرهاب لا الوقوف ضد الرأي المعارض، لذلك فإن الحالة الإسلامية، تملك من المرونة ما تستطيع التحرك وتتجاوز مثل هذه.

س: مولانا، هل تتوقعون أن تجد الحركة الإسلامية تحت المظلة الديمقراطية الأميركية فسحة أكبر؟

ج: إننا نلاحظ ان نشاط الإسلاميين في الغرب هو أكثر حيوية وقوة وحرية من نشاطهم في البلاد الإسلامية تحت تأثير الأنظمة الإسلامية.

الرهان على النفوذ السوري:

س: مولانا هناك من يتحدث أنه في حال جرت التسوية سوف يتأثر النفوذ السوري في لبنان والعلاقة المميزة؟

ج: إنني لا اعتقد أن المستقبل سيحمل ما يؤدي إلى انحسار الدور السوري في لينان، بل سوف يتأكد اكثر، لأن هناك اعترافاً دولياً بضرورة بقاء الدور السوري في لبنان، وهناك الارتباط العضوي، سواء على المستوى الشعبي والاقتصادي بين سوريا ولبنان، هو أمر حيوي بالنسبة إلى البلدين، لذلك من الصعب جداً ان ينفك هذا الرابط العضوي ونلاحظ انه إذا أريد للبنان ان يستقر فلا بد أن يبقى مرتبطاً بهذه الدائرة، ومن الطبيعي جداً ان ما يدور في المنطقة سوف يطور العلاقات بين سوريا ولبنان لأن الظروف المقبلة تختلف عن الظروف الحالية.

الرئيس لحود.. يعي

س: لأكون أكثر وضوحاً، هناك من يراهن على أن الرئيس لحود سيكون أكثر قوة في اتخاذ القرارات بوجود التسوية؟

ج: إنني أتصور اتخاذ مثل هذه القرارات الصعبة، لا يمكن أن يقوم بها شخص مهما كانت قوته، فالمسألة متصلة ببعض المعادلات الإقليمية والدولية على مستوى المنطقة، ومن الطبيعي ان المسؤول، ولا سيما المسؤول الأول في لبنان لا بد ان يكون واعياً لطبيعة الظروف الموضوعية التي تفرض بقاء دور هنا وإلغاء دور هناك. وإننا نعتقد أن الرئيس لحود يعي حيوية العلاقات بين سوريا ولينان من حيث الارتباط العضوي أكثر مما يعيه الكثيرون في البلد.

الفرق بين التسوية والسلام:

س: تشددون دائماً على تعبير التسوية والسلام هل هناك فرق بينهما؟

ج: أن الفرق بين التسوية والسلام هي أن التسوية تنطلق من الظروف الفوقية على أساس الضغوط الدولية التي لا تملك الأنظمة أن تتواجه معها، اما السلام فينطلق من خلال الإرادة الشعبية، ومن خلال المصالح الحقيقية للشعوب. وإنني أتصور أن الشعوب العربية والإسلامية لم تصل إلى درجة تنفتح فيها قومياً وإسلامياً على مسألة إسرائيل في المنطقة التي تعني ضياع فلسطين وإذا كان البعض قد تعب من الصراع فإن المسالة هي مسألة الاضطرار وليست مسالة الاقتناع.

س: هنا نطرح دور الإسلاميين والمراجع والقيادات بعد التسوية؟

ج: لقد قلت أكثر من مرة أن مسألة عدم شرعية الوجود الإسرائيلي في فلسطين، هي مسألة تتصل بالحكم الشرعي الإسلامي وهو أنّ الغصب حرام. وإذا كان غصب الأرض من مالكها دون أية عناوين سياسية محرمة ولا يمكن لأي مجتهد مسلم أن يفتي بحليتها فإنّ الغصب الذي يتصل بالأرض وبالوطن كله وبالسلطة لا يمكن ان يبرره مسلم. لهذا لو اعترف العالم كله بما فيهم الفلسطينيون. في الدائرة السياسية. بإسرائيل فإننا لا نعترف بها. لأن الله لا يرضى لنا أن نعترف بها. وإنني اعتقد أن كل فلسطيني وكل عربي أو مسلم أو فلسطيني لا يزال يملك في وجدانه الديني وفي عقله السياسي ولذلك لن ينال أي شرعية وجود اليهود على راس السلطة السياسية، واتخاذهم لفلسطين كوطن قومي لليهود. ولذلك نحن نعتقد أن المستقبل لن بكون مع إسرائيل لأنه من الصعب جداً ان يكون التعايش مع اليهود بعنصريتهم وبكل مطامعهم ومطامحهم في المنطقة وبين أهل المنطقة.

س: يعني مرحلة جديدة من المواجهة؟

ج: إننا أطلقنا شعاراً هو انه إذا الحاضر ضاق ببعض المشاريع فإن المستقبل قد يتسع بما لا يتسع إليه الحاضر، أعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً.

مشروع قانون الانتخاب:

س: على المستوى المحلي المرتبط بالمنطقة، غلى أي مدى تعتقد ان مشروع قانون الانتخابات مرتبط بالمتغيرات في المنطقة، علماً أنه في خطبة الجمعة تحدثتم عما يجري في المنطقة وعن المساعي في لبنان لقسمة الكوفة في المشروع الانتخابي؟

ج: أنني لا أريد الدخول في التفاصيل ولكني أتساءل عن القانون، إن أي قانون في أي قضية حيوية تتصل بالشعب كله، وتنفتح على المستقبل قي القرارات والقوانين والمشاريع، لا بد ان تخضع لقاعدة سياسية، عندما نتحدث عن الخطوط السياسية، من هنا نتساءل لماذا الانتخاب؟ هل هو من أجل أن يشعر كل فرد من الشعب، أن لديه فرصة ليختار ممثله الذي يعرفه ويعيش حياته بكل خصوصياته، أو أن المطلوب هو ما يقال عن الاندماج الطائفي أو المذهبي، ليعيش اللبنانيون اختيار تشكيلة متنوعة من هذه الفيسفاء الطائفية فينتخب المسلم المسيحي او المقصود هو ترتيب الأوضاع بحسب الظروف الطارئة التي تتحرك واقعياً في مشكلة هنا يراد حلها على حساب قانون الانتخاب أو مشكلة هنا يراد حلها لحساب شخصية نافذة داخلياً أو خارجية، أن البلد الذي يحترم نفسه هو الذي ينطلق من قاعدة تشمل الوطن كله. ومن الطبيعي ان الدائرة كلما صغرت أكثر كلما استطاعت ان تعطي تمثيلاً أفضل، أما الحديث عن الانصهار الوطني فهي نكتة سياسية، لأنه يكفي من الانصهار الوطني، المجلس النيابي، فعندما تلتقي كل الطوائف في المجلس ويرى كل نائب في نفسه أنه نائب عن لبنان ويتحدث عن وطنه كله وينفتح الناس على كل هؤلاء وهم يتحدثون عن كل المشاريع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتربوية فمن الطبيعي أن يتحقق الانصهار، الانصهار لا يتحقق باللعبة الانتخابية إنما يتحقق من العلاقات المعيشية الشعبية على اختلافها بشكلها اليومي، هناك انصهار وطنياً في لبنان فقد تأتي الإنتخابات وتعقده بدلاً من أن تفسح المجال له أكثر، لذلك مسألة الدوائر بدأت من خلال ملاحظة وضع معين وعندما أريد لهذا الوضع أن يكون شاملاً، تحركت من حساسية هنا ومشكلة هناك لتركب هذا الواقع.

س: بعد سنة من عهد العماد لحود كيف ترى الوضع هل تقدم أو أنه يراوح مكانه او تراجع؟

ج: من الصعب أن تحكم على أية مرحلة سياسية في البلد في وضع مفلس اقتصادياً ورثته هذه المرحلة، لأن أي مشروع لحل او تخفيف العبء الاقتصادي لا بد أن يمر بتجربة طويلة لذلك لا اتصور ان سنة أو سنتين يمكن ان يحقق حكماً عادلاً واقعياً على هذه المرحلة.

تراجع من الطائفية إلى الشخصانية

س: هل تعتقدون كما يتداول في الأحاديث بأن الحل سيكون على حساب الشيعة الذين واجهوا الاحتلال؟

ج: أتصور أن التسوية سلبية وكل نتائجها سلبية بنظرنا سوف تأتي على اللبنانيين جميعاً وعلى العرب فلندرسها في الأردن فالشعبالأردني لم يستفد منها حتى اقتصادياً، بل اصبحنا عبئاً اقتصادياً، وكذلك لم تحقق شيئاً في مصر، أما الفلسطينيون فقد خلقت لهم مشاكل لا حد لها. لن يستطيع عربي واحد بأن يقدم له أي يهودي شيئاً أو أن يفيده، لذلك ليست مسألة شيعة أو سنة أو موارنة. لكن من الطبيعي عندما ندرس الواقع داخل لبنان، فإننا نعتقد أن المشكلة التي قد يعيشها بعض الشيعة قد تعيشها بعض الطوائف الأخرى هي مسألة الشخصانية، يعني أن يختصر شخص الطائفة في نفسه، هذه هي المشكلة التي قد تتمثل بالشيعة وقد تتمثل عند المسلمين الآخرين والمسيحيين أيضاً، ان المشكلة في الشرق هي مشكلة الشخصانية، ولذا كنت أقول إنّ المشكلة اللبنانية،لم تعد المشكلة الطائفية وإن كانت للطائفية مشاكلها، لكن المشكلة اللبنانية اصبحت مشكلة الأشخاص الذين يختصرون طوائفهم في أنفسهم، لقد تراجع الوضع في لبنان حتى أصبحت الشخصانية هي البديل للطائفية. وأصبح كل شخص يعمل على ان يفصل الوطن على قياسه لا على قياس طائفته. وهذا موجود في كل الطائف أو أكثرها. وأصبح الشخص يحرك الطائفة لمشاريعه الخاصة، بدل أن يحرك مشاريعه لخدمة الطائفة، ولهذا فقد اصبحت الطوائف من خلال هذا النوع من المصادرة لأفكارها وطموحاتها، تبحث عن زعيم الطائفة لتغتني به وبحجمه، على طريقة ذلك الشاعر الذي يقول:

إلهي بني تغلب عن كل مكرمة

س: هل سماحتكم تدعو لإعادة أحياء اللقاء الخماسي الشيعي الذي يضم سماحتكم وسماحة الإمام شمس الدين والرئيس بري والسيد نصر الله والمفتي قبلان؟

ج: إنني من الدعاة إلى ان لا يختصر شخص الأمة مهما كان كبيراً على مستوى لبنان وعلى مستوى الخارج، واذكر إنني كتبت موضوعات تحت عنوان "خط البطل وبطل الخط" في السبعينات، كنت أرفض ان نقول أن خمينيين أو ناصريين وحتى أرفض ان نقول إننا محمديون، بل نقول نحن مسلمون، وإن محمد "صلى الله عليه وآله وسلم"، هو نبي الإسلام وهو الذي تجسد الإسلام فيه، ولكن الله أرادنا ان نكون مسلمين ونرتبط به من خلال أنه رسول الله، ولذلك أنني ضد الارتباط بالشخص، حتى الارتباط بي شخصياً لذلك عملت وقد سمع مني الكثيرون عندما قال لي بعض تلامذتي إننا محسوبون عليك وإننا من جماعتك. قلت إنني احترم جماعتي وتلامذتي ان لا يكونوا محسوبين على شخص. فنحن جميعاً محسوبون على الإسلام لذلك إن مشكلة أي شخص يختصر الطائفة أو الشعب او الأمة في شخصه، سوف يدخل كل تعقيداته وكل نقاط ضعفه للأمة التي لا يريد لها أن تسبح وتحدث باسمه، أنا ضد عبودية الأشخاص، نحن نحترم الأشخاص لنا لا نعبدهم. نحن نحترم ونقدر الأنبياء والأئمة لكنا لا نعبدهم. إننا نقرأ في صلاتنا دائماً في التشهد، أشهد أن محمداً عبده ورسوله، وان عظمته في عبوديته لله وفي رسالته، ولم يأت من أجل أن يربط الناس بشخصه، بل انه ربط بالله. وقد قلت مراراً وصرحت أمام الرأي العام. إنّ قلبي مفتوح للجميع ويدي ممدودة للجميع في غير ضعف وإنني منفتح على الحوار، لكن مشكلتي أنني أتلقى الشتائم من هنا وهناك ولا أجد ان هناك شخصاً يعمل لينفتح على الحوار، قلت مراراً وأقولها لست معصوماً فيما أفكر أو فيما أتكلم فكلنا خطاؤون، لكن أقول، ليس لنا أن نحكم على أي شخص إلا من خلال الاقتراب منه ليعرف ما نفكر به ونعرف ما يفكر بنا، مشكلتنا هي التراشق من بعيد بالاتهامات والشتائم، وإنني لم أتعلم في كل حياتي لا في البيت ولا في الحوزة ولا في حياتي العامة أن أشتم احداً.

س: ألا ترون أن المرحلة تستدعي اللقاءات الشيعية والحوار بين قيادتها؟!

ج: إنني مع كل جهد للقاء مع أية فعّالية في دائرة الطائفة وفي خارجها.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير