لبنان الدولة والمقاومة، والقضية الفلسطينية

لبنان الدولة والمقاومة، والقضية الفلسطينية

سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله هو مرجعية من مرجعيات التقليد لدى المسلمين الشيعة على المستوى العالمي، حيث تحظى هذه المرجعية باحترام وتقدير. كما مرجعية الأزهر الشريف عند المسلمين السنة ولكن العلامة فضل الله يُطل على الساحة الإسلامية العامة بعيداً عن الجانب المذهبي حيث له حظوة كبيرة لدى الحركات الإسلامية مثل " حماس" و "الجهاد الإسلامي" في فلسطين "وجبهة الإنقاذ الجزائرية" ويتمتع بنفوذ روجي كبير في تركيا لدى "الرفاه" وملحقاته، وكتبه تترجم من قبل الإسلاميين الأتراك فور صدورها.

تصفه وسائل الإعلام الغربية بأنه الزعيم الروحي لحزب الله ولكنه طالما نفى هذا الأمر مشيراً إلى أن الارتباط السياسي بالمعنى العضوي لا يتحرك في حياته مع أي حزب ولكنه يمارس ويعيش مرجعية دينية إسلامية تنفتح على مواقع أوسع من مواقع حزب الله.

يقول بعض المقربين منه أنه ما من قضية حظيت باهتمام سماحته كالقضية الفلسطينية، فقد وجه نداء في اذاعة القدس أثناء حصار المخيمات في لبنان العامين1985 و1986 قائلاً للفلسطينيين: "كلوا حشائش الأرض ولا تخضعوا لعدوكم". وفي الانتفاضة كان يقول للفلسطينيين: "ليس من شيء تخسرونه سوى قيودكم"، وكان يردد كلمات الإمام الصادق للفلسطينيين: "إن الحرّ حُر في جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها وإن تداكت عليه المصائب لم تكسره ولم تقهره وإن أستبعد وأسر وقهر".

قال الصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل عن فضل الله: "هو إنسان لا تستطيع أن تختلف معه وهو مظلوم أن يبقى في لبنان لأنه مرجعية إسلامية كبيرة".

أحد القيادات الإسلامية السنية قال عنه: "هو الشيعي الوحيد المقروء لدى السنة"، حتى أن بعض المسيحيين في لبنان يعتبرونه مرشداً روحياً لهم.

في دارته في الضاحية الجنوبية من بيروت حيث تعيش غالبية شيعة كان لـ "الأيام هذا الحوار الصريح مع العلامة فضل الله.

لبنان الدولة والمقاومة

س: سأبدأ بالسؤال حول النوايا التي تبديها السلطة اللبنانية تجاه المعارضة ويبدو أن لدى السلطة مشروعاً وطنياً يتجلى بدعم العمليات العسكرية ضد إسرائيل، من خلال استقبال الرئيس لحود لمقاتلي حزب الله وتوسيمهم، فهل بتقديرك أن الدولة اللبنانية تسير في عملية تحد حقيقي من خلال مشروع وطني مع ما يحمله تاريخ النظام اللبناني من غموض؟

ج: عندما ندرس حركة الواقع السياسي من خلال تجربة الحرب والدور السوري في لبنان والعلاقات المميزة بين سورية ولبنان نلاحظ أن هناك تبدلاً حيوياً في السياسة اللبنانية على مستوى الانفتاح على القضايا العربية وحركة الصراع العربي ـ الإسرائيلي فنلاحظ ان لبنان السياسي قبل الحرب وفي موقع منه بعد الحرب لم يكن متحمساً لأية عملية مقاومة ضد إسرائيل بل كانت الفكرة الباطنية في الوسط السياسي الحاكم في لبنان وفي بعض مواقع السياسة اللبنانية هي محاولة حل مشكلة الاحتلال الإسرائيلي للبنان أو حل قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي بالمفاوضات ولكن المتغيرات السياسية داخل لبنان من خلال ما أشرنا إليه وبعض الظروف الدولية التي أقرت الدور السوري في لبنان حركت السياسة اللبنانية الرسمية لتكون منسجمة مع السياسة السورية في مسألة الصراع مع إسرائيل وفي مسالة المقاومة ضد إسرائيل. وهذا هو الذي جعل حركة الدولة تتطور تدريجياً في دعم المقاومة، ففي مرحلة سابقة كان الحديث في الدولة عن ضرورة التنسيق بين المقاومة وبين الدولة ثم تطور الحديث إلى حالة تناغم بين المقاومة وبين الدولة. وقد بلغ هذا التطور أوجه في المرحلة الحاضرة عندما أعلنت الدولة بشكل رسمي والطبقة السياسية عن التزامها بالمقاومة ودعمها لحركة المقاومة ما عبرت عنه الدولة في تقديم التكريم لوفد من المقاومة وتثمين دورها وما إلى ذلك، ما يوحي بان الدولة قد حسمت خيارها في الوقوف مع المقاومة وفي حماية المقاومة ولذا فإننا نعتقد ان هناك تنسيقاً جيداً بين المقاومة وبين الجيش اللبناني وان هناك نوعاً من الدقة في تحرك الجيش اللبناني بطريقة لا يصطدم فيها مع المقاومة ولا يعطل حركتها. أن هذا التطور قد فرضته المرحلة السياسية الجديدة التي جعلت العلاقات بين سورية وبين لبنان تصل إلى مستوى وحدة الخطوط السياسية الكبرى.

س: كيف تضع هذا التحليل في سياق الانسحاب الأخير من جزين؟

ج:إنني أعتقد أن الانسحاب من جزين هو تجربة إسرائيلية للإنسحاب من لبنان على أساس أن جزين لم تدخل في دائرة الاحتلال الإسرائيلي بشكل رسمي لأنها كانت متأخرة عن الاحتلال الإسرائيلي الذي حدث العام 1978 ولأن لجزين حساسية خاصة لدى المسيحيين حتى انها كانت تمثل مركز اهتمام البابا عندما وضع ممثلاً له في جزين منذ مدة، وإذا فهمنا أن جيش لبنان الجنوبي قاعدته مسيحية فمن الطبيعي ان وضع جزين والمشاكل التي تحصل من خلال حركة الصراع بين المقاومة وإسرائيل وميليشيا لحد تنعكس سلباً على العلاقات المسيحية هناك وتثير كثيرا من التعقيدات لجيش لبنان الجنوبي. لذلك فإن مسالة الانسحاب من جزين تحمل بعداً محلياً في واقع الميليشيا هناك كما تحمل تجربة إسرائيلية للنتائج التي يمكن أن تحدث بعد الانسحاب لتدرس انسحاباتها الباقية على أساس ذلك إضافة إلى أن الضربات التي وجهتها المقاومة الإسلامية من جزين قد أنزلت خسائر كبرى بالإسرائيليين وبالميليشا العميلة وخلقت حالة من التفكك في جيش العملاء ما جعل المسألة تتجه إلى المزيد من تفكيك هذا الجيش في هذه المنطقة ما قد يؤدي إلى تفكيكه في مناطق أخرى لهذا ربما كانت مسألة الانسحاب تحرك في إطار تخفيف المشاكل التي تحدث لجيش العملاء من خلال المقاومة.

الانسحاب مسألة حاسمة

س: عندما تقول انها تجربة لانسحابات أخرى، فهل تقديرك أن هناك انسحابات أخرى فعلياً من الجنوب اللبناني؟

ج: انا اعتقد أن مسألة الانسحاب من الجنوب مسألة حاسمة بالنسبة للعدو لسبب بسيط جداً وهو أن الاحتلال الإسرائيلي لقسم من لبنان أصبح مأزقاً أمنياً وسياسياً لإسرائيل لذلك لاحظنا لأول مرة في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي أن هناك دعوات تتنطلق من القوى العسكرية والسياسية بشكل صارخ للانسحاب من لبنان ولو كان من جانب واحد، كما لاحظنا أيضاً كيف أصبح الانسحاب من لبنان لافتة سياسية لدى المرشحين للانتخابات الإسرائيلية في المرحلة المقبلة، ما يجعل مسألة الانسحاب من لبنان مسألة داخلية إسرائيلية قبل أن تكون مسألة داخلة في الصراع العربي ـ الإسرائيلي على المستوى السياسي وبفعل ضربات المقاومة التي استطاعت أن تهزم إسرائيل في عنفوانها بشكل لم يسبق له مثيل، طبعاً بحجم العلميات التي قامت بها المقاومة. لذلك فإن مسالة الانسحاب هي مسألة أساسية، وأنا أتصور لولا الضغط الأميركي على إسرائيل في تأخير الانسحاب لتدخله أمريكا في المفاوضات المقبلة لكانت إسرائيل انسحبت قبل مدة طويلة. وقد تبين ذلك بوضوح من خلال تدخل السفير الأميركي في تل أبيب وأعلن آنذاك بأن الانسحاب من جانب واحد ليس مصلحة إسرائيلية وليس مصلحة لأحد.

س: وماذا عن مشكلة المياه التي هي عنصر أساسي من عناصر اهتمام اسرائيل في لبنان، فهل بتقديرك يمكن أن يكون هناك انسحابً قبل الاتفاق على مسألة المياه؟

ج: إنني اتصور ان الانسحاب دخل بفعل التعقيدات السياسية في دائرة حركة التسوية، ومن الطبيعي أن مسألة المياه هي من المسائل الحيوية للعدو سواء أكانت مياه لبنان أم مياه سورية ومن الطبيعي أن تدرس هذه المسألة إما في المفاوضات الثنائية أو في نطاق مشروع المياه في المنطقة.

الفلسطينيون.. ومسألة التوطين

س: لاحظنا في الفترة الأخيرة أن السلطة اللبنانية أخذت بعض المواقف الإيجابية فيما يخص الفلسطينيين، مثلاً إلغاء تأشيرة الدخول والخروج التي فرضت العام 1995 لكنها ما زالت متشددة في موضوعات أساسية بالنسبة للمخيمات في صور أو بيروت وهذه المخيمات شبه محاصرة حتى الان وهناك منع للبناء والترميم، وليست هناك ضجة من قبل المعارضة حول الوضع المأساوي في المخيمات الفلسطينية فهل يمكننا أن نقول أن هناك مشروعاً لإنهاء المخيمات بمباركة المعارضة؟

ج: هناك نقطة حيوية لا بد من تدارسها فيما يخص مسألة الوجود الفلسطيني في لبنان فإن العنوان الكبير، العنوان السياسي للوجود الفلسطيني الذي أطلق والذي لا يزال يزايد فيه بعض اللبنانيين على بعض، هي مسألة التوطين، لأن اللبنانيين ولا سيما غير المسلمين يتعقدون من التواجد الفلسطيني في لبنان باعتبار أنه يسيء للتوازن الطائفي في لبنان ولاعتبارات سياسية اخرى، كما ان هناك نوعاً من انواع التحفظات لدى المسلمين من نواحي الضغط السكاني أو ما إلى ذلك، لهذا فإن السياسة اللبنانية التي أنتجت الحرب اللبنانية باعتبار أن المسالة كانت بعد اتفاق القاهرة، هل يتولى الفلسطينيون أمن المخيمات أم تتولى الدولة هذا الأمن. وبدأت الدوامة من هناك حتى انتهت بالحرب اللبنانية ـ اللبنانية إذا صح التعبير. لذلك فإن السياسة اللبنانية سائرة على أساس أن لا يشعر الفلسطينيون بالاستقرار لا سيما وأن أغلب الفلسطينيين الآن في لبنان هم من مواليد لبنان ومن الذين لا يعرفون فلسطين أو لا يتذكرونها، لهذا فإني أتصور أن السياسة اللبنانية تجاه الفلسطينيين تنطلق من خلال هذا الهاجس من التوطين لا سيما إذا عرفنا ان الواقع السياسي في القضية الفلسطينية لا يترك فرصة مستقبلية لعودة الفلسطينيين إلى فلسطين. لذلك فإن الخوف يزداد من التوطين كلما طرحت مسألة عودة اللاجئين إلى ديارهم، وربما تكون هناك مسالة أخرى خفية وهي أنَّ هناك سياسة دولية قد تشارك فيها جهات فلسطينية وربما تطل عليها بعض ألوان السياسة الإسرائيلية في الضغط على الفلسطينيين من أجلأن يهاجروا إلى بلدان لعالم ، كندا واستراليا وأميركا وما إلى ذلك، لأن تواجد الفلسطينيين إلى جانب الكيان الصهيوني في فلسطين سوف يبقي فلسطين في وجدان أي جيل ينشأ، حيث يرى الحدود أمامه فيشعر بالحنين إلى بلده وما إلى ذلك، وهكذا قد تتحرك اللعبة الدولية في حل المشكلة الفلسطينية من خلال توزيع الفلسطينيين في البلاد الأخرى واستقرارهم فيها. قد يكون وراء ذلك خطة دولية من جهة الظروف اللبنانية من جهة أخرى والواقع أن المعارضة لم توافق على ذلك. وارتفعت الأصوات أكثر من مرة، وربما شعرت المعارضة بأن هذه الأصوات لن تنتهي إلى نتيجة أمام كثير من التراكمات الداخلية والخارجية في حركة الصراع مع إسرائيل ما جعل المسالة من المسائل غير الحارة على مستوى البعد السياسي الواقعي، إننا نرفض هذا الأسلوب في التعامل مع الفلسطينيين وقد تحدثنا أكثر من مرة في هذا المجال ورفعنا الصوت عالياً في أكثر من مناسبة ولكن يبدو أن هذه من الأمور الحادة لتي قد تخضع لتوافق إقليمي ودولي.

س: يلاحظ أن هناك تقارباً ما بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، فما رأيك بهذا التقارب، إستناداً إلى أنّ السلطة في حالة تفاوض مع إسرائيل؟

ج: نحن نعتقد من موقعنا الإسلامي أن أي نوع من انواع التفاوض الذي يعطي شرعية لمن اغتصب أرضك وتوقع على ورقة الطابو السياسي والاقتصادي والأمني له، فمعنى ذلك أنك تتنازل عن وطنك وبالتالي تتنازل عن هويتك، لذلك قد تقول السلطة الوطنية الفلسطينية إننا لا نستطيع أن نحصل إلا على ما تعطينا إسرائيل إياه وما تسمح به أميركا التي لا تبتعد عما تريده إسرائيل، سواء لجهة حجم ومساحة الأرض التي تسلم الآن للفلسطينيين أو في حجم الخدمات التي تعطى لهم، فمن الطبيعي أن حركة حماس الإسلامية لا يمكنها أن توافق على ذلك لأنها تعتبر أنه إذا ضاق بنا الحاضر فليس من الضرورة أن يضيق بنا المستقبل. وعلينا أن نتحمل مسؤولية الأجيال الجديدة ولا نغلق عنها باب فلسطين. لهذا فإن الممانعة الإسلامية في حماس انطلقت من هذه الرؤية المبدئية من جهة والمستقبلية من جهة أخرى. لكن لاحظنا أن سلطة الحكم الذاتي أعطت لإسرائيل مواثيقها على أن تلغي الاتفاق مع حركة حماس من خلال الشروط الإسرائيلية الأميركية القاسية على سلطة الحكم الذاتي التي شعرت أن لا حول لها ولا قوة أمام الضغوط الإسرائيلية والأميركية وإنها لن تحصل على شيء إلا بهذه الطريقة، لهذا وجهت ضغوطها إلى الانتفاضة من خلال الاستيلاء على سلاحها ومن خلال اعتقال قيادتها ومن خلال مصادرة مواقعها الحيوية ومناطق امتدادها في جمعياتها الخيرية وما إلى ذلك حتى تثبت لإسرائيل ولأميركا أنها تبسط نفوذها على كل المناطق الواقعة تحت سيطرتها وبذلك فقد وقع الإسلاميون في حصار من الأهل قد يكون من وجهة نظر بعضهم أقسى من الحصار الإسرائيلي، حتى أن بعضهم يتحدثون خطأ أو صوابا ولا نؤكد ذلك، أن ما يلاقونه من سلطة الحكم الذاتي لم يلقوه في سجون إسرائيل. لهذا فإني اتصور أن الأخوة في حماس مع اختتام تقويمهم للأحداث أو النتائج شعروا بأنهم بين أمرين؛ إما الإلغاء الكلي البقاء في الأرض مع الشعب الفلسطيني وهذا الأمر يتطلب شيئاً من المرونة السياحية وهم يضمنون بأن سلطة الحكم الذاتي عندما تستقر بدولة أو من دون غير قادر على أن تمنع الإسرائيليين من ممارسة التفرقات المذلة والمهينة للشعب الفلسطيني وهذا ما يتكفل بعودة الانتفاضة من خلال حركة القهر الفلسطيني وهذا ما نلاحظه الآن بعد أن سكتت الانتفاضة العسكرية كيف أن المرأة والطفل والشيخ ينتفضون انتفاضة صغيرة هنا وهناك عندما تصادر أرض أو يهدد بيت بالهدم وما إلى ذلك ما يعني أن الشعب الفلسطيني بدأ يختزن الكثير من الآلام ريثما يسمح له المستقبل بفتح ثغرة هنا وثغرة هناك. إنني اعتقد ان حماس كانت مخلصة لشعبها الفلسطيني، باعتبار انها لاحظت أن إسرائيل سوف تنتصر من خلال حدة الصراع بينها وبين سلطة الحكم الذاتي من دون أن تطلق رصاصة واحدة ولهذا فإنني أعتقد أن المسألة كانت مسألة منع الفتنة ومراقبة الأحداث وإعطاء سلطة الحكم الذاتي الفرصة لتجرب حظها الذي لم يكن سعيداً إن عاجلاً أم آجلاً، ليست القضية أن الأخوة في حماس يعترفون بسلطة الحكم الذاتي أو يعترفون بشرعية مفاوضتها لإسرائيل أو يعترفون بإسرائيل ولكن قد يقرأون قول الله تعالى:{فمن أضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} وهم يفكرون كما نفكر نحن إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، فإذا ضاق الحاضر فلن يضيق المستقبل ونحن نتعلم من أعدائنا أن فلسطين كانت حلماً خيالياً في وجدان اليهود ولكنهم خططوا في مدى خمسين سنة حتى وصلوا إلى فلسطين ونحن ابتعدنا عن التخطيط لمدى عشرت السنين، حتى أضعنا فلسطين ولا مانع من أن نضيّع خمسين سنة أو مئة سنة لنستعيد فلسطين لأن مسألة السنين ليست مسألة إعدادٍ في نطاق قضية الوطن أو قضية الأمة ولكنها قضية الإرادة الصلبة التي لا تيأس ولا تفشل ونبقى نقرأ قول الله تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس} ليست هناك قوة خالدة وليس هناك ضعف خالد. فالقوي اليوم يمكن أن يكون ضعيفاً غداً، والضعيف اليوم يمكن أن يكون قوياً غداً، وعلينا أن نراقب حركة الإنسان في الزمن على أساس المتغيرات.

س: في الفترة الأخيرة حدث فتح لملفات الفساد في لبنان ولكن لوحظ أن هذا الأمر لم يمس إلا فئة معينة ولم يتم تناول الفساد لدى أجهزة أو أشخاص ينتمون إلى طوائف معينة، فما رأيك؟

ج: أنا لا أتصور أن المسألة تتعلق بفئة خاصة ولكن المسألة حسب الظاهر تتصل بظروف وإمكانات خاصة، لأنه من الصعب أن يتناول كافة القضايا دفعة واحدة ربما تفكر الدولة بأن تحريك مسألة هنا قد تتحول إلى فزاعة هناك فتمنع الذين يفسدون أن يفسدوا وتعطي الفرصة لملاحقة من أفسد بطريقة أو بأخرى. لعل المسألة أن هذه الملاحقة تخلق مناخاً يشعر فيه الجميع أنه لا استثناء لأحد وعلينا أن ننتظر المستقبل لنرى كم هي جادة هذه الخطوط في الوصول إلى عمق القضايا والأشخاص.

التسوية مقبلة

س: هناك كلام يبدو جاداً حول اتفاقية سلام بين سورية ولبنان وإسرائيل، وهناك كلام عن فك المسارين اللبناني والسوري...

ج: أنا لا أتصور أن هناك في المستقبل أو في الواقع السياسي المطروح في المنطقة حتى على مستوى اللعبة الدولية أن هناك نوعاً من انواع الفكاك بين المسارين السوري واللبناني لأن الدور السوري في لبنان ما زال معترفاً به دولياً بما في ذلك أميركا التي تدعم إسرائيل حيث لا تريد لإسرائيل أن تستقل بالمنطقة ولسورية دورها الكبير في ضبط المتطرفين كما يقولون سواء أكانوا إسلاميين أم غير إسلاميين، لذلك فأنني أعتقد أنه ليس هناك خطة لإضعاف سورية وإذا عرفنا أن أميركا تريد للتسوية أن تتم بأقل قدر ممكن من الخسائر لإسرائيل وبأقل قدر ممكن من المكاسب العربية فإن من الطبيعي أن تكون وحدة المسارين سبباً لإيجاد حيوية في المفاوضات بين سورية وبين إسرائيل، فالتسوية مقبلة ولكن هناك بعض التعقيدات فيها. وأنا قد اختلف مع الذين يتحدثون عن أن مشكلة التسوية قد توقفت بسبب حزب الليكود أو شخص نتنياهو بل المسألة هي أن هذه المرحلة هي مرحلة نهاية الفوضى الإسرائيلية في حركة في المنطقة لأن المرحلة قاربت أن تتحول فيها إسرائيل إلى دولة من دول المنطقة ترتبط بالمنطقة بعلاقات دبلوماسية، لذلك فهي تريد قبل أن تشرب هذا الكأس وقبل أن تنتهي لهذه الغاية أن تحصل على أكبر قدر ممكن من المكاسب ولذلك فنحن نلاحظ أن باراك يتحدث بلغة سلفه نتنياهو مع بعض التغيير في الأسلوب وأن الخلاف بينهما في الأسلوب لا في الاستراتيجية، لهذا فإنني أتصور أن التسوية مقبلة لأن المرحلة الحالية والجمود لم يعد مقبولا دولياً وعربياً وإسرائيلياً. لعلي أتصور أنه حتى لو نجح الليكود لكانت المسألة هي ذاتها المسألة مع بعض التعقيدات التي قد لا تكون موجودة في الأسلوب. لهذا أتصور أن التسوية مقبلة وأن هناك أكثر من فرصة لإيجاد حيوية في المفاوضات السورية اللبنانية الإسرائيلية.

س: أريد أن أسألك عن القدس ومستقبلها في ضوء ما يجري؟

ج: من الصعب جداً أن نتحدث عن قدس فلسطينية لأن القضية ليست هي أن يتراجع الفلسطينيون ولكن القضية هي كم يملك الفلسطينيون من الضغط على إسرائيل من أجل التنازل عن القدس الشرقية بعد أن صوت الكونغرس على أن القدس هي عاصمة إسرائيل الموحدة وإذا أخذنا بالاعتبار أن أوروبا التي ترفض أو تتحفظ في هذه المسألة لا تملك أية قوة للضغط على إسرائيل في هذا المجال ما دامت أميركا تخطط مع إسرائيل لبقاء القدس إسرائيلية وإذا نظرنا إلى الواقع العربي فإن الواقع العربي يعيش في حالة انعدام الوزن أمام إسرائيل حتى مع هذه العنتريات العربية بين وقت وآخر، عرفنا أن المسألة في نطاق الواقع ليست من المسائل التي تشجع على الأمل الكبير في هذه المسالة. ربما تخلق قدس جديدة للفلسطينيين تحفظ لهم ماء الوجه. ومن الطبيعي أن للقدس وللمسجد الأقصى في موقعها الديني عمقاً إسلامياً في وجدان كل مسلم ولكننا نخطئ في تحجيم القضية الفلسطينية إلى أن تكون قضية قدس أو مستوطنات وهذا ما أرادت السياسية الإسرائيلية أن تخطط له وتنفذه. أن تنقلنا من موقع إلى موقع كانت فلسطين كلها هي الهدف الإسلامي والعربي والفلسطيني ثم أصبحت الأراضي المحتلة ثم أصبحت القدس أو المستوطنات. أن إسرائيل معنية أن تدخلنا في التفاصيل لننسى القضايا الأساسية الكبرى. إننا مع فلسطين كلها ونحن نعتبر أن أي اعتراف بشرعية الاحتلال اليهودي لأي جزء من فلسطين هو أمر مناف للإسلام بل إننا صرحنا في أكثر من موقف أن اليهود لو دخلوا في الإسلام بأجمعهم لقلنا لهم أخرجوا من فلسطين لأنه لا يجوز لمسلم أن يتصرف بمال امرئ مسلم إلاّ بإذنه. ونحن لا نعتقد أن أية سلطة فلسطينية تملك الحق في أن تسلّم فلسطين لليهود وان توقع على ورقة الطابو، فلسطين ليست ملكاً لهذا الجيل ولو أنّ السلطة تملك قرار هذا الجيل، لأنّ فلسطين للأجيال المستقبلية ولم تفوض الأجيال المستقبلية أيةسلطة فلسطينيةأو عربية أو إسلامية بالتوقيع على ورقة الطابو.

الحركات الإسلامية والديمقراطية:

س: نلاحظ ان الحركات الإسلامية عندما تستلم السلطة السياسية في بلدانها، وقد حصل ذلك لا تبشر بوجود ديمقراطية وتعددية ما يطرح تساؤلات حول مستقبل المنطقة عموماً؟

ج: إنني أتساءل عن أية ديمقراطية عربية تتحدث هل هناك في الأساس، في الواقع العربي ديمقراطية بالطريقة التي تعرف فيها الديمقراطية من التعددية الحقيقية التي يعترف فيها فريق بالفريق الآخر. قد يكون هناك ديكور ديمقراطية تأتي فيه نتائج الانتخابات 99,9 بالمئة. وربما يتواضع بعض الرؤساء العرب فينزل القضية إلى 97 بالمئة أو 98 بالمئة حفظاً لماء وجه الديقراطية، لذلك نحن نقول إنّ الحركات الإسلامية لا تزال وليدة الظروف الموضوعية التي عاشتها المنطقة في هذا المجال ونتيجة النظرة الثقافية إلى أنّ الإسلام هو الحق وأن ما عداه هو الباطل وأننا لا نسمح للباطل أن يأخذ حريته أو يخطط من أجل أن يقلب الطاولة على رؤوس الإسلاميين. ولكني اعتقد أن هناك اتجاها ثقافياً إسلامياً يتحرك من أجل القبول بالآخر وهذا ما نلاحظه في الحركة الإسلامية اللبنانية وأقصد حركة حزب الله وربما الجماعة الإسلامية حيث أنّ هذه الحركة انفتحت على الآخر وتحالفت وتعاونت معه سواء كان الآخر مسيحياً في الدائرة الطائفية الإسلامية المسيحية أو علمانياً في دائرة الحركات العلمانية ولن يتغير الواقع حتى عندما تتعاظم قوة الإسلاميين في لبنان وقد فمثلاً في الجزائر رأينا أن جبهة الإنقاذ الإسلامية التي صرح قادتها عندما ربحوا الجولة الأولى في الانتخابات بأنهم لن يسمحوا للتيارات الأخرى ان تأخذ موقعها لاحظنا أنهم دخلوا في اتفاق مع عشرة تيارات في اجتماع عقد في روما. ووافقت جبهة الإنقاذ الإسلامية على أن تتعايش مع العلمانيين ومع الإسلاميين الآخرين. ولو أن الحكم الجزائري السابق أفسح المجال لهذه الفئات من أن تتحرك سياسياً لأمكن أن نرى جزائر يتوافق فيها الإسلاميون مع العلمانيين بطريقة أو بأخرى ومما نعرف عنه أن الإسلاميين قد تتغير أساليبهم في العمل السياسي نتيجة التجارب أو الصدمات وأنهم لا يتجمدون أمام الواقع. أما المذابح والمجازر التي يتحدثون عنها فإن معلوماتنا الدقيقة تفيد أن هناك جماعات مسلحة تربت في افغانستان على نوع من أنواع التخلف في فهم الإسلام وأن سبعين بالمئة من هذه العمليات تقوم بها أجهزة الأمن الجزائرية التي اخترقت هؤلاء والتي تعمل على تشويه صورة الإسلاميين حتى تخرج الإسلام الحركي الفاعل من ذهن الجزائري، وهذا ما اعترفت به الصحافة العالمية واعترف به النظام الجزائري عندما تحدث عن بعض الأعمال التي كانت تقوم بها بعض الفئات الخاصة وحتى عندما ندرس خطاب عبد العزيز بوتفليقه نجد أنه يتحدث عن ذلك بطريقة إيحائية. لذلك فإنني أتصور أن الأعمال التي تنسب إلى الجماعة الإسلامية المسلمة أو الجماعة الإسلامية في مصر كانت محل استنكار الإسلاميين خارج الجزائر وخارج مصر بل حتى في الجزائر ونحن استنكرنا من موقعنا في لبنان خطف الطائرات والمذابح وقلنا أنها ليست من الإسلام في شيء.

وأنا اتصور أن أغلب التيارات السياسية في الواقع العربي قامت بمثل هذا ولكن بطريقة أخرى وعندما ندرس نحن الصراعات العربية العربية على مستوى الحروب العربية العربية والاغتيالات التي حدثت هنا وهناك وندرس الساحة اللبنانية المتحركة التي كان أكثر الفرقاء يعملون من أجل مجزرة هنا ومجزرة هناك تعرف أن ما يحدث الآن في الجزائر أو مصر أو افغانستان هو من بقايا المرحلة المتوترة التي عاشتها المنطقة ممن لم يستوعبوا المتغيرات الجديدة التي حدثت في الواقع السياسي وأتصور أن مثل هذه النتوءات سوف تبتعد عن الساحة واعتقد أن هناك عدة مظاهر لحركات إسلامية وخصوصاً في إيران وفي السودان أو في لبنان وحتى في مناطق أخرى مثل الأخوان المسلمين في مصر لا تؤمن بعملية العنف بهذه الطريقة.

س: سماحتكم أين نختلف، وأين يتفق مع القوى التالية:

حزب الله وحركة ثورة الجياع (الطفيلي) في لبنان، وحركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين؟

ج: نحن نعتقد أن مسيرة حزب الله الجهادية ومسيرته الإسلامية العامة هي المسيرة التي نعتقد أنها المسيرة التي يعرضها الخط الإسلامي والمرحلة الإسلامية وربما نختلف في بعض الأساليب أو في بعض المفردات الفكرية، أما بالنسبة إلى حماس فإني مع حماس في الخط الإسلامي العام وجهادها ضد العدو واعتقد أن حماس استطاعت أن تطور نفسها في أساليبها السياسية وحتى خطوطها الفكرية، أما الجهاد الإسلامي فإنه يملك الرؤية الإسلامية الجيدة لكنه لا يملك هذا الامتداد في الواقع في بالطريقة التي يستطيع ان يكون فيها عنصراً بالغ التأثير في الساحة.

س: في أحاديثك تتحدث عن حركة الواقع وصيرورة هذه الحركة وكأنما تبدو مقاربتكم وكأنها تلتقي مع الفكر الجدلي الماركسي...

ج: أنا أومن أن لدي خطأً أنه ليس في الإسلام مثال بالمعنى الفوقي الذي يبتعد عن الواقع. قد تكون القيم الإسلامية عناوين كبيرة معلقة في الوجدان ولكنها تحاول أن تتخذ لنفسها طريقاً إلى الواقع لأنه يبقى في دائرة المثال ويبتعد عن الواقع لأن الفكر للإنسان، والإنسان لا يعيش في عالم المثال وإنما يعيش في عالم الواقع وقيمة الإنسان في ان يغير الواقع {إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، فالله جعل قضاءنا وقدرنا فيما نملك الاختيار فيه بيدنا. أنا لا أعتقد أن الواقع هو الذي يؤكد الحقيقة. الحقيقة موجودة في حركة الرسالات في خطوطها العامة العريضة التي تفرض الرسالات على اتباعها أن يحققوها. إنني أؤمن بالواقع ولكنني أفرّق بين السياسة الواقعية بمعنى الاستسلام للواقع وبين السياسة الواقعية بمعنى تقدير الواقع بأدوات الواقع ونحن لا نعتقد أن الواقع هو الذي ينتج الفكر بل نعتقد أن الفكرة عندما تأخذ بالعناصر الواقعية لوجودها تماماً كما هو وجود الإنسان الذي لا بد ان ينطلق من عناصر واقعية فإنها تغير الواقع، فعندما تغير نفسك، عندما تغير فكرك، وعندما تغير فهمك للحياة وللواقع، عندما تغير أساليبك يتغير الواقع، فليس الإنسان هو نتيجة الواقع بل الواقع هو نتيجة الإنسان فيما يحمله من خصائص، وبهذا نفترق بالنظرة عن الجدلية الماركسية.

المرأة لها كل حقوق الرجل

س: يلاحظ أن في الدول العربية تتدفق مساعدات على المنظمات الأهلية والمنظمات الحكومية من دول غربية بهدف توظيفها في نشاطات اجتماعية وتنموية وأحياناً كثيرة يفرض ما نحو هذه المساعدات أن يذهب الجزء الكبر منها إلى مشاريع تهدف إلى تطوير وضع المرأة في مجتمعاتنا وهذا الأمر يرى فيه البعض وكأنه يستهدف قيمنا الاجتماعية في الوقت الذي تحتاج مجتمعاتنا إلى مساعدات لجوانب حيوية من الحياة، فكيف ترى هذا الأمر؟

ج: أنا أعتبر أن المرأة إنسان كالرجل لها حقوق الرجل لأن لها كل حقوق الإنسان، فللمرأة الحق في أن تتعلم كما يتعلم الرجل ولها أن تخوض العمل الاجتماعي والاقتصادي وتطور نفسها وطاقاتها وإمكاناتها والمرأة شخصية قانونية مستقلة في كل الأمور فليس لأبيها ولا لزوجها ولا لأخيها ولا لأي رجل كان سلطة عليها عندما تكون بالغة رشيدة تماماً كما هو الرجل عندما يكون بالغاً رشيداً، حتى أننا في الشأن السياسي نعتقد أن من حق المرأة أن تنتخب وأن تنتخب وأن تدخل في ساحة الصراع السياسي ومن الطبيعي أن أي عمل في حركة الإنسان رجلاً كان أو امرأة لا بد وان يخضع للبرنامج الأخلاقي الذي يفرضه الإنسان، فالإسلام لا يفرض على المرأة ضريبة أخلاقية لا يفرضها على الرجل، إذا اعتبرت الأخلاق ضريبة. كما أن الرجل لا بد أن يتعلم في مناخ أخلاقي يحفظ له دينه وإنسانيته واستقامته، فالقضية كذلك بالنسبة للمرأة ، لهذا فنحن لا نمانع في ان تدخل المرأة ساحة المسؤولية وساحة الصراع بإمكاناتها وإذا كانت هناك من فروق بين الرجل والمرأة فإن هذه الفروق تنطلق من خلال خصوصية الأنوثة في المرأة والذكورة في الرجل باعتبار ان هاتين الخصوصيتين الانسانيتين تتكاملان فكما هما تتكاملان في أن يأخذ كل واحد منهما دورا يكمل به دور الآخر في عملية التناسل مثلاً كذلك في عملية التفاعل الحضاري والتفاعل الإنساني يمكن أن يأخذ كل واحد منهما خصوصيته لتتكامل الخصوصية مع الخصوصية الأخرى. وبهذا جعل الإسلام دوراً للمرأة في الحياة الزوجية على أساس أن يتكاملا مع بعضهما لا على أساس أن يتنافرا أو يتضادا أو يضطهد أحدهما الآخر لأن لا سلطة للرجل على المرأة في العلاقة الزوجية إلا من خلال الحق الزوجي والعكس هو الصحيح. إنّ الحقوق الزوجية في بعدها القانوني في الإسلام تنطلق من التزامات المرأة والرجل كما في أي عقد آخر يلتزمان به مسألة يأخذ كل واحد منهما دوره في مسؤوليته في هذا المجال. لذلك نحن نعتقد أن المساعدات التي تعطى لتطوير المرأة لا مانع أن تؤسس مدارس للبنات ونوادي رياضية للمرأة تمارس فيها الرياضة والسباحة وما إلى ذلك في حدود إسلامية لهذا المجال. نحن نؤمن بأنّ على المرأة أن تشارك في حركة الحياة تماماً كما تشارك في عملية الحياة ولا بد أن يكون ذلك في نطاق البرامج الأخلاقية والعملانية تماماً كما هو الرجل من دون فرق بينهما. {والمؤمنون والمؤمنان بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} وإذا عرفنا أن المعروف يتسع لكل عمل أو خط أو موقف يرفع من مستوى الإنسان والمنكر كل عمل أو خط أو موقف ينزل مستوى الإنسان لعرفنا أن المرأة والرجل لا بد وأن يتكاملا في كل الأعمال الإنسانية إيجابياً فيما يرتفع بالإنسان وسلباً فيما ينخفض بالإنسان إلى الدرك الأسفل. نحن نقول أن الله لم يفرق بين رجل وامرأة في المسؤولية بل انه ساوى بينهما في المسؤوليات وإن كانت مسؤولية أحدهما عن الآخر حسب اختلاف دوره وخصوصيته ونخن نرى أن الله ضرب المثل بالمرأة للرجال في الجانب السلبي والإيجابي. {وضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعونإذ قالت رب ابني لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين} . {ومريم بنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} وهذا يعني أن المرأة تصلح لأن تكون النموذج الذي يقتدي به هؤلاء والذي يبتعد عن الاقتداء به أولئك.

الهامش : نص المقابلة التي أجراها نصري الحجاج من صحيفة "الأيام" مع سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله في السادس عشر من آب 1999م الموافق الخامس من جمادى الأولى 1420هـ وقد تناولت لبنان الدولة والمقاومة ، والقضية الفلسطينية وبعض القضايا المتعلقة بها: مسألة التسوية التي رأى أنَها قادمة ، مسألة التوطين ، علاقة الإسلاميين بالسلطات القائمة،إضافة إلى مسألة حقوق المرأة.

سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله هو مرجعية من مرجعيات التقليد لدى المسلمين الشيعة على المستوى العالمي، حيث تحظى هذه المرجعية باحترام وتقدير. كما مرجعية الأزهر الشريف عند المسلمين السنة ولكن العلامة فضل الله يُطل على الساحة الإسلامية العامة بعيداً عن الجانب المذهبي حيث له حظوة كبيرة لدى الحركات الإسلامية مثل " حماس" و "الجهاد الإسلامي" في فلسطين "وجبهة الإنقاذ الجزائرية" ويتمتع بنفوذ روجي كبير في تركيا لدى "الرفاه" وملحقاته، وكتبه تترجم من قبل الإسلاميين الأتراك فور صدورها.

تصفه وسائل الإعلام الغربية بأنه الزعيم الروحي لحزب الله ولكنه طالما نفى هذا الأمر مشيراً إلى أن الارتباط السياسي بالمعنى العضوي لا يتحرك في حياته مع أي حزب ولكنه يمارس ويعيش مرجعية دينية إسلامية تنفتح على مواقع أوسع من مواقع حزب الله.

يقول بعض المقربين منه أنه ما من قضية حظيت باهتمام سماحته كالقضية الفلسطينية، فقد وجه نداء في اذاعة القدس أثناء حصار المخيمات في لبنان العامين1985 و1986 قائلاً للفلسطينيين: "كلوا حشائش الأرض ولا تخضعوا لعدوكم". وفي الانتفاضة كان يقول للفلسطينيين: "ليس من شيء تخسرونه سوى قيودكم"، وكان يردد كلمات الإمام الصادق للفلسطينيين: "إن الحرّ حُر في جميع أحواله، إن نابته نائبة صبر لها وإن تداكت عليه المصائب لم تكسره ولم تقهره وإن أستبعد وأسر وقهر".

قال الصحافي المصري الكبير محمد حسنين هيكل عن فضل الله: "هو إنسان لا تستطيع أن تختلف معه وهو مظلوم أن يبقى في لبنان لأنه مرجعية إسلامية كبيرة".

أحد القيادات الإسلامية السنية قال عنه: "هو الشيعي الوحيد المقروء لدى السنة"، حتى أن بعض المسيحيين في لبنان يعتبرونه مرشداً روحياً لهم.

في دارته في الضاحية الجنوبية من بيروت حيث تعيش غالبية شيعة كان لـ "الأيام هذا الحوار الصريح مع العلامة فضل الله.

لبنان الدولة والمقاومة

س: سأبدأ بالسؤال حول النوايا التي تبديها السلطة اللبنانية تجاه المعارضة ويبدو أن لدى السلطة مشروعاً وطنياً يتجلى بدعم العمليات العسكرية ضد إسرائيل، من خلال استقبال الرئيس لحود لمقاتلي حزب الله وتوسيمهم، فهل بتقديرك أن الدولة اللبنانية تسير في عملية تحد حقيقي من خلال مشروع وطني مع ما يحمله تاريخ النظام اللبناني من غموض؟

ج: عندما ندرس حركة الواقع السياسي من خلال تجربة الحرب والدور السوري في لبنان والعلاقات المميزة بين سورية ولبنان نلاحظ أن هناك تبدلاً حيوياً في السياسة اللبنانية على مستوى الانفتاح على القضايا العربية وحركة الصراع العربي ـ الإسرائيلي فنلاحظ ان لبنان السياسي قبل الحرب وفي موقع منه بعد الحرب لم يكن متحمساً لأية عملية مقاومة ضد إسرائيل بل كانت الفكرة الباطنية في الوسط السياسي الحاكم في لبنان وفي بعض مواقع السياسة اللبنانية هي محاولة حل مشكلة الاحتلال الإسرائيلي للبنان أو حل قضية الصراع العربي ـ الإسرائيلي بالمفاوضات ولكن المتغيرات السياسية داخل لبنان من خلال ما أشرنا إليه وبعض الظروف الدولية التي أقرت الدور السوري في لبنان حركت السياسة اللبنانية الرسمية لتكون منسجمة مع السياسة السورية في مسألة الصراع مع إسرائيل وفي مسالة المقاومة ضد إسرائيل. وهذا هو الذي جعل حركة الدولة تتطور تدريجياً في دعم المقاومة، ففي مرحلة سابقة كان الحديث في الدولة عن ضرورة التنسيق بين المقاومة وبين الدولة ثم تطور الحديث إلى حالة تناغم بين المقاومة وبين الدولة. وقد بلغ هذا التطور أوجه في المرحلة الحاضرة عندما أعلنت الدولة بشكل رسمي والطبقة السياسية عن التزامها بالمقاومة ودعمها لحركة المقاومة ما عبرت عنه الدولة في تقديم التكريم لوفد من المقاومة وتثمين دورها وما إلى ذلك، ما يوحي بان الدولة قد حسمت خيارها في الوقوف مع المقاومة وفي حماية المقاومة ولذا فإننا نعتقد ان هناك تنسيقاً جيداً بين المقاومة وبين الجيش اللبناني وان هناك نوعاً من الدقة في تحرك الجيش اللبناني بطريقة لا يصطدم فيها مع المقاومة ولا يعطل حركتها. أن هذا التطور قد فرضته المرحلة السياسية الجديدة التي جعلت العلاقات بين سورية وبين لبنان تصل إلى مستوى وحدة الخطوط السياسية الكبرى.

س: كيف تضع هذا التحليل في سياق الانسحاب الأخير من جزين؟

ج:إنني أعتقد أن الانسحاب من جزين هو تجربة إسرائيلية للإنسحاب من لبنان على أساس أن جزين لم تدخل في دائرة الاحتلال الإسرائيلي بشكل رسمي لأنها كانت متأخرة عن الاحتلال الإسرائيلي الذي حدث العام 1978 ولأن لجزين حساسية خاصة لدى المسيحيين حتى انها كانت تمثل مركز اهتمام البابا عندما وضع ممثلاً له في جزين منذ مدة، وإذا فهمنا أن جيش لبنان الجنوبي قاعدته مسيحية فمن الطبيعي ان وضع جزين والمشاكل التي تحصل من خلال حركة الصراع بين المقاومة وإسرائيل وميليشيا لحد تنعكس سلباً على العلاقات المسيحية هناك وتثير كثيرا من التعقيدات لجيش لبنان الجنوبي. لذلك فإن مسالة الانسحاب من جزين تحمل بعداً محلياً في واقع الميليشيا هناك كما تحمل تجربة إسرائيلية للنتائج التي يمكن أن تحدث بعد الانسحاب لتدرس انسحاباتها الباقية على أساس ذلك إضافة إلى أن الضربات التي وجهتها المقاومة الإسلامية من جزين قد أنزلت خسائر كبرى بالإسرائيليين وبالميليشا العميلة وخلقت حالة من التفكك في جيش العملاء ما جعل المسألة تتجه إلى المزيد من تفكيك هذا الجيش في هذه المنطقة ما قد يؤدي إلى تفكيكه في مناطق أخرى لهذا ربما كانت مسألة الانسحاب تحرك في إطار تخفيف المشاكل التي تحدث لجيش العملاء من خلال المقاومة.

الانسحاب مسألة حاسمة

س: عندما تقول انها تجربة لانسحابات أخرى، فهل تقديرك أن هناك انسحابات أخرى فعلياً من الجنوب اللبناني؟

ج: انا اعتقد أن مسألة الانسحاب من الجنوب مسألة حاسمة بالنسبة للعدو لسبب بسيط جداً وهو أن الاحتلال الإسرائيلي لقسم من لبنان أصبح مأزقاً أمنياً وسياسياً لإسرائيل لذلك لاحظنا لأول مرة في تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي أن هناك دعوات تتنطلق من القوى العسكرية والسياسية بشكل صارخ للانسحاب من لبنان ولو كان من جانب واحد، كما لاحظنا أيضاً كيف أصبح الانسحاب من لبنان لافتة سياسية لدى المرشحين للانتخابات الإسرائيلية في المرحلة المقبلة، ما يجعل مسألة الانسحاب من لبنان مسألة داخلية إسرائيلية قبل أن تكون مسألة داخلة في الصراع العربي ـ الإسرائيلي على المستوى السياسي وبفعل ضربات المقاومة التي استطاعت أن تهزم إسرائيل في عنفوانها بشكل لم يسبق له مثيل، طبعاً بحجم العلميات التي قامت بها المقاومة. لذلك فإن مسالة الانسحاب هي مسألة أساسية، وأنا أتصور لولا الضغط الأميركي على إسرائيل في تأخير الانسحاب لتدخله أمريكا في المفاوضات المقبلة لكانت إسرائيل انسحبت قبل مدة طويلة. وقد تبين ذلك بوضوح من خلال تدخل السفير الأميركي في تل أبيب وأعلن آنذاك بأن الانسحاب من جانب واحد ليس مصلحة إسرائيلية وليس مصلحة لأحد.

س: وماذا عن مشكلة المياه التي هي عنصر أساسي من عناصر اهتمام اسرائيل في لبنان، فهل بتقديرك يمكن أن يكون هناك انسحابً قبل الاتفاق على مسألة المياه؟

ج: إنني اتصور ان الانسحاب دخل بفعل التعقيدات السياسية في دائرة حركة التسوية، ومن الطبيعي أن مسألة المياه هي من المسائل الحيوية للعدو سواء أكانت مياه لبنان أم مياه سورية ومن الطبيعي أن تدرس هذه المسألة إما في المفاوضات الثنائية أو في نطاق مشروع المياه في المنطقة.

الفلسطينيون.. ومسألة التوطين

س: لاحظنا في الفترة الأخيرة أن السلطة اللبنانية أخذت بعض المواقف الإيجابية فيما يخص الفلسطينيين، مثلاً إلغاء تأشيرة الدخول والخروج التي فرضت العام 1995 لكنها ما زالت متشددة في موضوعات أساسية بالنسبة للمخيمات في صور أو بيروت وهذه المخيمات شبه محاصرة حتى الان وهناك منع للبناء والترميم، وليست هناك ضجة من قبل المعارضة حول الوضع المأساوي في المخيمات الفلسطينية فهل يمكننا أن نقول أن هناك مشروعاً لإنهاء المخيمات بمباركة المعارضة؟

ج: هناك نقطة حيوية لا بد من تدارسها فيما يخص مسألة الوجود الفلسطيني في لبنان فإن العنوان الكبير، العنوان السياسي للوجود الفلسطيني الذي أطلق والذي لا يزال يزايد فيه بعض اللبنانيين على بعض، هي مسألة التوطين، لأن اللبنانيين ولا سيما غير المسلمين يتعقدون من التواجد الفلسطيني في لبنان باعتبار أنه يسيء للتوازن الطائفي في لبنان ولاعتبارات سياسية اخرى، كما ان هناك نوعاً من انواع التحفظات لدى المسلمين من نواحي الضغط السكاني أو ما إلى ذلك، لهذا فإن السياسة اللبنانية التي أنتجت الحرب اللبنانية باعتبار أن المسالة كانت بعد اتفاق القاهرة، هل يتولى الفلسطينيون أمن المخيمات أم تتولى الدولة هذا الأمن. وبدأت الدوامة من هناك حتى انتهت بالحرب اللبنانية ـ اللبنانية إذا صح التعبير. لذلك فإن السياسة اللبنانية سائرة على أساس أن لا يشعر الفلسطينيون بالاستقرار لا سيما وأن أغلب الفلسطينيين الآن في لبنان هم من مواليد لبنان ومن الذين لا يعرفون فلسطين أو لا يتذكرونها، لهذا فإني أتصور أن السياسة اللبنانية تجاه الفلسطينيين تنطلق من خلال هذا الهاجس من التوطين لا سيما إذا عرفنا ان الواقع السياسي في القضية الفلسطينية لا يترك فرصة مستقبلية لعودة الفلسطينيين إلى فلسطين. لذلك فإن الخوف يزداد من التوطين كلما طرحت مسألة عودة اللاجئين إلى ديارهم، وربما تكون هناك مسالة أخرى خفية وهي أنَّ هناك سياسة دولية قد تشارك فيها جهات فلسطينية وربما تطل عليها بعض ألوان السياسة الإسرائيلية في الضغط على الفلسطينيين من أجلأن يهاجروا إلى بلدان لعالم ، كندا واستراليا وأميركا وما إلى ذلك، لأن تواجد الفلسطينيين إلى جانب الكيان الصهيوني في فلسطين سوف يبقي فلسطين في وجدان أي جيل ينشأ، حيث يرى الحدود أمامه فيشعر بالحنين إلى بلده وما إلى ذلك، وهكذا قد تتحرك اللعبة الدولية في حل المشكلة الفلسطينية من خلال توزيع الفلسطينيين في البلاد الأخرى واستقرارهم فيها. قد يكون وراء ذلك خطة دولية من جهة الظروف اللبنانية من جهة أخرى والواقع أن المعارضة لم توافق على ذلك. وارتفعت الأصوات أكثر من مرة، وربما شعرت المعارضة بأن هذه الأصوات لن تنتهي إلى نتيجة أمام كثير من التراكمات الداخلية والخارجية في حركة الصراع مع إسرائيل ما جعل المسالة من المسائل غير الحارة على مستوى البعد السياسي الواقعي، إننا نرفض هذا الأسلوب في التعامل مع الفلسطينيين وقد تحدثنا أكثر من مرة في هذا المجال ورفعنا الصوت عالياً في أكثر من مناسبة ولكن يبدو أن هذه من الأمور الحادة لتي قد تخضع لتوافق إقليمي ودولي.

س: يلاحظ أن هناك تقارباً ما بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس، فما رأيك بهذا التقارب، إستناداً إلى أنّ السلطة في حالة تفاوض مع إسرائيل؟

ج: نحن نعتقد من موقعنا الإسلامي أن أي نوع من انواع التفاوض الذي يعطي شرعية لمن اغتصب أرضك وتوقع على ورقة الطابو السياسي والاقتصادي والأمني له، فمعنى ذلك أنك تتنازل عن وطنك وبالتالي تتنازل عن هويتك، لذلك قد تقول السلطة الوطنية الفلسطينية إننا لا نستطيع أن نحصل إلا على ما تعطينا إسرائيل إياه وما تسمح به أميركا التي لا تبتعد عما تريده إسرائيل، سواء لجهة حجم ومساحة الأرض التي تسلم الآن للفلسطينيين أو في حجم الخدمات التي تعطى لهم، فمن الطبيعي أن حركة حماس الإسلامية لا يمكنها أن توافق على ذلك لأنها تعتبر أنه إذا ضاق بنا الحاضر فليس من الضرورة أن يضيق بنا المستقبل. وعلينا أن نتحمل مسؤولية الأجيال الجديدة ولا نغلق عنها باب فلسطين. لهذا فإن الممانعة الإسلامية في حماس انطلقت من هذه الرؤية المبدئية من جهة والمستقبلية من جهة أخرى. لكن لاحظنا أن سلطة الحكم الذاتي أعطت لإسرائيل مواثيقها على أن تلغي الاتفاق مع حركة حماس من خلال الشروط الإسرائيلية الأميركية القاسية على سلطة الحكم الذاتي التي شعرت أن لا حول لها ولا قوة أمام الضغوط الإسرائيلية والأميركية وإنها لن تحصل على شيء إلا بهذه الطريقة، لهذا وجهت ضغوطها إلى الانتفاضة من خلال الاستيلاء على سلاحها ومن خلال اعتقال قيادتها ومن خلال مصادرة مواقعها الحيوية ومناطق امتدادها في جمعياتها الخيرية وما إلى ذلك حتى تثبت لإسرائيل ولأميركا أنها تبسط نفوذها على كل المناطق الواقعة تحت سيطرتها وبذلك فقد وقع الإسلاميون في حصار من الأهل قد يكون من وجهة نظر بعضهم أقسى من الحصار الإسرائيلي، حتى أن بعضهم يتحدثون خطأ أو صوابا ولا نؤكد ذلك، أن ما يلاقونه من سلطة الحكم الذاتي لم يلقوه في سجون إسرائيل. لهذا فإني اتصور أن الأخوة في حماس مع اختتام تقويمهم للأحداث أو النتائج شعروا بأنهم بين أمرين؛ إما الإلغاء الكلي البقاء في الأرض مع الشعب الفلسطيني وهذا الأمر يتطلب شيئاً من المرونة السياحية وهم يضمنون بأن سلطة الحكم الذاتي عندما تستقر بدولة أو من دون غير قادر على أن تمنع الإسرائيليين من ممارسة التفرقات المذلة والمهينة للشعب الفلسطيني وهذا ما يتكفل بعودة الانتفاضة من خلال حركة القهر الفلسطيني وهذا ما نلاحظه الآن بعد أن سكتت الانتفاضة العسكرية كيف أن المرأة والطفل والشيخ ينتفضون انتفاضة صغيرة هنا وهناك عندما تصادر أرض أو يهدد بيت بالهدم وما إلى ذلك ما يعني أن الشعب الفلسطيني بدأ يختزن الكثير من الآلام ريثما يسمح له المستقبل بفتح ثغرة هنا وثغرة هناك. إنني اعتقد ان حماس كانت مخلصة لشعبها الفلسطيني، باعتبار انها لاحظت أن إسرائيل سوف تنتصر من خلال حدة الصراع بينها وبين سلطة الحكم الذاتي من دون أن تطلق رصاصة واحدة ولهذا فإنني أعتقد أن المسألة كانت مسألة منع الفتنة ومراقبة الأحداث وإعطاء سلطة الحكم الذاتي الفرصة لتجرب حظها الذي لم يكن سعيداً إن عاجلاً أم آجلاً، ليست القضية أن الأخوة في حماس يعترفون بسلطة الحكم الذاتي أو يعترفون بشرعية مفاوضتها لإسرائيل أو يعترفون بإسرائيل ولكن قد يقرأون قول الله تعالى:{فمن أضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه} وهم يفكرون كما نفكر نحن إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، فإذا ضاق الحاضر فلن يضيق المستقبل ونحن نتعلم من أعدائنا أن فلسطين كانت حلماً خيالياً في وجدان اليهود ولكنهم خططوا في مدى خمسين سنة حتى وصلوا إلى فلسطين ونحن ابتعدنا عن التخطيط لمدى عشرت السنين، حتى أضعنا فلسطين ولا مانع من أن نضيّع خمسين سنة أو مئة سنة لنستعيد فلسطين لأن مسألة السنين ليست مسألة إعدادٍ في نطاق قضية الوطن أو قضية الأمة ولكنها قضية الإرادة الصلبة التي لا تيأس ولا تفشل ونبقى نقرأ قول الله تعالى: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس} ليست هناك قوة خالدة وليس هناك ضعف خالد. فالقوي اليوم يمكن أن يكون ضعيفاً غداً، والضعيف اليوم يمكن أن يكون قوياً غداً، وعلينا أن نراقب حركة الإنسان في الزمن على أساس المتغيرات.

س: في الفترة الأخيرة حدث فتح لملفات الفساد في لبنان ولكن لوحظ أن هذا الأمر لم يمس إلا فئة معينة ولم يتم تناول الفساد لدى أجهزة أو أشخاص ينتمون إلى طوائف معينة، فما رأيك؟

ج: أنا لا أتصور أن المسألة تتعلق بفئة خاصة ولكن المسألة حسب الظاهر تتصل بظروف وإمكانات خاصة، لأنه من الصعب أن يتناول كافة القضايا دفعة واحدة ربما تفكر الدولة بأن تحريك مسألة هنا قد تتحول إلى فزاعة هناك فتمنع الذين يفسدون أن يفسدوا وتعطي الفرصة لملاحقة من أفسد بطريقة أو بأخرى. لعل المسألة أن هذه الملاحقة تخلق مناخاً يشعر فيه الجميع أنه لا استثناء لأحد وعلينا أن ننتظر المستقبل لنرى كم هي جادة هذه الخطوط في الوصول إلى عمق القضايا والأشخاص.

التسوية مقبلة

س: هناك كلام يبدو جاداً حول اتفاقية سلام بين سورية ولبنان وإسرائيل، وهناك كلام عن فك المسارين اللبناني والسوري...

ج: أنا لا أتصور أن هناك في المستقبل أو في الواقع السياسي المطروح في المنطقة حتى على مستوى اللعبة الدولية أن هناك نوعاً من انواع الفكاك بين المسارين السوري واللبناني لأن الدور السوري في لبنان ما زال معترفاً به دولياً بما في ذلك أميركا التي تدعم إسرائيل حيث لا تريد لإسرائيل أن تستقل بالمنطقة ولسورية دورها الكبير في ضبط المتطرفين كما يقولون سواء أكانوا إسلاميين أم غير إسلاميين، لذلك فأنني أعتقد أنه ليس هناك خطة لإضعاف سورية وإذا عرفنا أن أميركا تريد للتسوية أن تتم بأقل قدر ممكن من الخسائر لإسرائيل وبأقل قدر ممكن من المكاسب العربية فإن من الطبيعي أن تكون وحدة المسارين سبباً لإيجاد حيوية في المفاوضات بين سورية وبين إسرائيل، فالتسوية مقبلة ولكن هناك بعض التعقيدات فيها. وأنا قد اختلف مع الذين يتحدثون عن أن مشكلة التسوية قد توقفت بسبب حزب الليكود أو شخص نتنياهو بل المسألة هي أن هذه المرحلة هي مرحلة نهاية الفوضى الإسرائيلية في حركة في المنطقة لأن المرحلة قاربت أن تتحول فيها إسرائيل إلى دولة من دول المنطقة ترتبط بالمنطقة بعلاقات دبلوماسية، لذلك فهي تريد قبل أن تشرب هذا الكأس وقبل أن تنتهي لهذه الغاية أن تحصل على أكبر قدر ممكن من المكاسب ولذلك فنحن نلاحظ أن باراك يتحدث بلغة سلفه نتنياهو مع بعض التغيير في الأسلوب وأن الخلاف بينهما في الأسلوب لا في الاستراتيجية، لهذا فإنني أتصور أن التسوية مقبلة لأن المرحلة الحالية والجمود لم يعد مقبولا دولياً وعربياً وإسرائيلياً. لعلي أتصور أنه حتى لو نجح الليكود لكانت المسألة هي ذاتها المسألة مع بعض التعقيدات التي قد لا تكون موجودة في الأسلوب. لهذا أتصور أن التسوية مقبلة وأن هناك أكثر من فرصة لإيجاد حيوية في المفاوضات السورية اللبنانية الإسرائيلية.

س: أريد أن أسألك عن القدس ومستقبلها في ضوء ما يجري؟

ج: من الصعب جداً أن نتحدث عن قدس فلسطينية لأن القضية ليست هي أن يتراجع الفلسطينيون ولكن القضية هي كم يملك الفلسطينيون من الضغط على إسرائيل من أجل التنازل عن القدس الشرقية بعد أن صوت الكونغرس على أن القدس هي عاصمة إسرائيل الموحدة وإذا أخذنا بالاعتبار أن أوروبا التي ترفض أو تتحفظ في هذه المسألة لا تملك أية قوة للضغط على إسرائيل في هذا المجال ما دامت أميركا تخطط مع إسرائيل لبقاء القدس إسرائيلية وإذا نظرنا إلى الواقع العربي فإن الواقع العربي يعيش في حالة انعدام الوزن أمام إسرائيل حتى مع هذه العنتريات العربية بين وقت وآخر، عرفنا أن المسألة في نطاق الواقع ليست من المسائل التي تشجع على الأمل الكبير في هذه المسالة. ربما تخلق قدس جديدة للفلسطينيين تحفظ لهم ماء الوجه. ومن الطبيعي أن للقدس وللمسجد الأقصى في موقعها الديني عمقاً إسلامياً في وجدان كل مسلم ولكننا نخطئ في تحجيم القضية الفلسطينية إلى أن تكون قضية قدس أو مستوطنات وهذا ما أرادت السياسية الإسرائيلية أن تخطط له وتنفذه. أن تنقلنا من موقع إلى موقع كانت فلسطين كلها هي الهدف الإسلامي والعربي والفلسطيني ثم أصبحت الأراضي المحتلة ثم أصبحت القدس أو المستوطنات. أن إسرائيل معنية أن تدخلنا في التفاصيل لننسى القضايا الأساسية الكبرى. إننا مع فلسطين كلها ونحن نعتبر أن أي اعتراف بشرعية الاحتلال اليهودي لأي جزء من فلسطين هو أمر مناف للإسلام بل إننا صرحنا في أكثر من موقف أن اليهود لو دخلوا في الإسلام بأجمعهم لقلنا لهم أخرجوا من فلسطين لأنه لا يجوز لمسلم أن يتصرف بمال امرئ مسلم إلاّ بإذنه. ونحن لا نعتقد أن أية سلطة فلسطينية تملك الحق في أن تسلّم فلسطين لليهود وان توقع على ورقة الطابو، فلسطين ليست ملكاً لهذا الجيل ولو أنّ السلطة تملك قرار هذا الجيل، لأنّ فلسطين للأجيال المستقبلية ولم تفوض الأجيال المستقبلية أيةسلطة فلسطينيةأو عربية أو إسلامية بالتوقيع على ورقة الطابو.

الحركات الإسلامية والديمقراطية:

س: نلاحظ ان الحركات الإسلامية عندما تستلم السلطة السياسية في بلدانها، وقد حصل ذلك لا تبشر بوجود ديمقراطية وتعددية ما يطرح تساؤلات حول مستقبل المنطقة عموماً؟

ج: إنني أتساءل عن أية ديمقراطية عربية تتحدث هل هناك في الأساس، في الواقع العربي ديمقراطية بالطريقة التي تعرف فيها الديمقراطية من التعددية الحقيقية التي يعترف فيها فريق بالفريق الآخر. قد يكون هناك ديكور ديمقراطية تأتي فيه نتائج الانتخابات 99,9 بالمئة. وربما يتواضع بعض الرؤساء العرب فينزل القضية إلى 97 بالمئة أو 98 بالمئة حفظاً لماء وجه الديقراطية، لذلك نحن نقول إنّ الحركات الإسلامية لا تزال وليدة الظروف الموضوعية التي عاشتها المنطقة في هذا المجال ونتيجة النظرة الثقافية إلى أنّ الإسلام هو الحق وأن ما عداه هو الباطل وأننا لا نسمح للباطل أن يأخذ حريته أو يخطط من أجل أن يقلب الطاولة على رؤوس الإسلاميين. ولكني اعتقد أن هناك اتجاها ثقافياً إسلامياً يتحرك من أجل القبول بالآخر وهذا ما نلاحظه في الحركة الإسلامية اللبنانية وأقصد حركة حزب الله وربما الجماعة الإسلامية حيث أنّ هذه الحركة انفتحت على الآخر وتحالفت وتعاونت معه سواء كان الآخر مسيحياً في الدائرة الطائفية الإسلامية المسيحية أو علمانياً في دائرة الحركات العلمانية ولن يتغير الواقع حتى عندما تتعاظم قوة الإسلاميين في لبنان وقد فمثلاً في الجزائر رأينا أن جبهة الإنقاذ الإسلامية التي صرح قادتها عندما ربحوا الجولة الأولى في الانتخابات بأنهم لن يسمحوا للتيارات الأخرى ان تأخذ موقعها لاحظنا أنهم دخلوا في اتفاق مع عشرة تيارات في اجتماع عقد في روما. ووافقت جبهة الإنقاذ الإسلامية على أن تتعايش مع العلمانيين ومع الإسلاميين الآخرين. ولو أن الحكم الجزائري السابق أفسح المجال لهذه الفئات من أن تتحرك سياسياً لأمكن أن نرى جزائر يتوافق فيها الإسلاميون مع العلمانيين بطريقة أو بأخرى ومما نعرف عنه أن الإسلاميين قد تتغير أساليبهم في العمل السياسي نتيجة التجارب أو الصدمات وأنهم لا يتجمدون أمام الواقع. أما المذابح والمجازر التي يتحدثون عنها فإن معلوماتنا الدقيقة تفيد أن هناك جماعات مسلحة تربت في افغانستان على نوع من أنواع التخلف في فهم الإسلام وأن سبعين بالمئة من هذه العمليات تقوم بها أجهزة الأمن الجزائرية التي اخترقت هؤلاء والتي تعمل على تشويه صورة الإسلاميين حتى تخرج الإسلام الحركي الفاعل من ذهن الجزائري، وهذا ما اعترفت به الصحافة العالمية واعترف به النظام الجزائري عندما تحدث عن بعض الأعمال التي كانت تقوم بها بعض الفئات الخاصة وحتى عندما ندرس خطاب عبد العزيز بوتفليقه نجد أنه يتحدث عن ذلك بطريقة إيحائية. لذلك فإنني أتصور أن الأعمال التي تنسب إلى الجماعة الإسلامية المسلمة أو الجماعة الإسلامية في مصر كانت محل استنكار الإسلاميين خارج الجزائر وخارج مصر بل حتى في الجزائر ونحن استنكرنا من موقعنا في لبنان خطف الطائرات والمذابح وقلنا أنها ليست من الإسلام في شيء.

وأنا اتصور أن أغلب التيارات السياسية في الواقع العربي قامت بمثل هذا ولكن بطريقة أخرى وعندما ندرس نحن الصراعات العربية العربية على مستوى الحروب العربية العربية والاغتيالات التي حدثت هنا وهناك وندرس الساحة اللبنانية المتحركة التي كان أكثر الفرقاء يعملون من أجل مجزرة هنا ومجزرة هناك تعرف أن ما يحدث الآن في الجزائر أو مصر أو افغانستان هو من بقايا المرحلة المتوترة التي عاشتها المنطقة ممن لم يستوعبوا المتغيرات الجديدة التي حدثت في الواقع السياسي وأتصور أن مثل هذه النتوءات سوف تبتعد عن الساحة واعتقد أن هناك عدة مظاهر لحركات إسلامية وخصوصاً في إيران وفي السودان أو في لبنان وحتى في مناطق أخرى مثل الأخوان المسلمين في مصر لا تؤمن بعملية العنف بهذه الطريقة.

س: سماحتكم أين نختلف، وأين يتفق مع القوى التالية:

حزب الله وحركة ثورة الجياع (الطفيلي) في لبنان، وحركة حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين؟

ج: نحن نعتقد أن مسيرة حزب الله الجهادية ومسيرته الإسلامية العامة هي المسيرة التي نعتقد أنها المسيرة التي يعرضها الخط الإسلامي والمرحلة الإسلامية وربما نختلف في بعض الأساليب أو في بعض المفردات الفكرية، أما بالنسبة إلى حماس فإني مع حماس في الخط الإسلامي العام وجهادها ضد العدو واعتقد أن حماس استطاعت أن تطور نفسها في أساليبها السياسية وحتى خطوطها الفكرية، أما الجهاد الإسلامي فإنه يملك الرؤية الإسلامية الجيدة لكنه لا يملك هذا الامتداد في الواقع في بالطريقة التي يستطيع ان يكون فيها عنصراً بالغ التأثير في الساحة.

س: في أحاديثك تتحدث عن حركة الواقع وصيرورة هذه الحركة وكأنما تبدو مقاربتكم وكأنها تلتقي مع الفكر الجدلي الماركسي...

ج: أنا أومن أن لدي خطأً أنه ليس في الإسلام مثال بالمعنى الفوقي الذي يبتعد عن الواقع. قد تكون القيم الإسلامية عناوين كبيرة معلقة في الوجدان ولكنها تحاول أن تتخذ لنفسها طريقاً إلى الواقع لأنه يبقى في دائرة المثال ويبتعد عن الواقع لأن الفكر للإنسان، والإنسان لا يعيش في عالم المثال وإنما يعيش في عالم الواقع وقيمة الإنسان في ان يغير الواقع {إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}، فالله جعل قضاءنا وقدرنا فيما نملك الاختيار فيه بيدنا. أنا لا أعتقد أن الواقع هو الذي يؤكد الحقيقة. الحقيقة موجودة في حركة الرسالات في خطوطها العامة العريضة التي تفرض الرسالات على اتباعها أن يحققوها. إنني أؤمن بالواقع ولكنني أفرّق بين السياسة الواقعية بمعنى الاستسلام للواقع وبين السياسة الواقعية بمعنى تقدير الواقع بأدوات الواقع ونحن لا نعتقد أن الواقع هو الذي ينتج الفكر بل نعتقد أن الفكرة عندما تأخذ بالعناصر الواقعية لوجودها تماماً كما هو وجود الإنسان الذي لا بد ان ينطلق من عناصر واقعية فإنها تغير الواقع، فعندما تغير نفسك، عندما تغير فكرك، وعندما تغير فهمك للحياة وللواقع، عندما تغير أساليبك يتغير الواقع، فليس الإنسان هو نتيجة الواقع بل الواقع هو نتيجة الإنسان فيما يحمله من خصائص، وبهذا نفترق بالنظرة عن الجدلية الماركسية.

المرأة لها كل حقوق الرجل

س: يلاحظ أن في الدول العربية تتدفق مساعدات على المنظمات الأهلية والمنظمات الحكومية من دول غربية بهدف توظيفها في نشاطات اجتماعية وتنموية وأحياناً كثيرة يفرض ما نحو هذه المساعدات أن يذهب الجزء الكبر منها إلى مشاريع تهدف إلى تطوير وضع المرأة في مجتمعاتنا وهذا الأمر يرى فيه البعض وكأنه يستهدف قيمنا الاجتماعية في الوقت الذي تحتاج مجتمعاتنا إلى مساعدات لجوانب حيوية من الحياة، فكيف ترى هذا الأمر؟

ج: أنا أعتبر أن المرأة إنسان كالرجل لها حقوق الرجل لأن لها كل حقوق الإنسان، فللمرأة الحق في أن تتعلم كما يتعلم الرجل ولها أن تخوض العمل الاجتماعي والاقتصادي وتطور نفسها وطاقاتها وإمكاناتها والمرأة شخصية قانونية مستقلة في كل الأمور فليس لأبيها ولا لزوجها ولا لأخيها ولا لأي رجل كان سلطة عليها عندما تكون بالغة رشيدة تماماً كما هو الرجل عندما يكون بالغاً رشيداً، حتى أننا في الشأن السياسي نعتقد أن من حق المرأة أن تنتخب وأن تنتخب وأن تدخل في ساحة الصراع السياسي ومن الطبيعي أن أي عمل في حركة الإنسان رجلاً كان أو امرأة لا بد وان يخضع للبرنامج الأخلاقي الذي يفرضه الإنسان، فالإسلام لا يفرض على المرأة ضريبة أخلاقية لا يفرضها على الرجل، إذا اعتبرت الأخلاق ضريبة. كما أن الرجل لا بد أن يتعلم في مناخ أخلاقي يحفظ له دينه وإنسانيته واستقامته، فالقضية كذلك بالنسبة للمرأة ، لهذا فنحن لا نمانع في ان تدخل المرأة ساحة المسؤولية وساحة الصراع بإمكاناتها وإذا كانت هناك من فروق بين الرجل والمرأة فإن هذه الفروق تنطلق من خلال خصوصية الأنوثة في المرأة والذكورة في الرجل باعتبار ان هاتين الخصوصيتين الانسانيتين تتكاملان فكما هما تتكاملان في أن يأخذ كل واحد منهما دورا يكمل به دور الآخر في عملية التناسل مثلاً كذلك في عملية التفاعل الحضاري والتفاعل الإنساني يمكن أن يأخذ كل واحد منهما خصوصيته لتتكامل الخصوصية مع الخصوصية الأخرى. وبهذا جعل الإسلام دوراً للمرأة في الحياة الزوجية على أساس أن يتكاملا مع بعضهما لا على أساس أن يتنافرا أو يتضادا أو يضطهد أحدهما الآخر لأن لا سلطة للرجل على المرأة في العلاقة الزوجية إلا من خلال الحق الزوجي والعكس هو الصحيح. إنّ الحقوق الزوجية في بعدها القانوني في الإسلام تنطلق من التزامات المرأة والرجل كما في أي عقد آخر يلتزمان به مسألة يأخذ كل واحد منهما دوره في مسؤوليته في هذا المجال. لذلك نحن نعتقد أن المساعدات التي تعطى لتطوير المرأة لا مانع أن تؤسس مدارس للبنات ونوادي رياضية للمرأة تمارس فيها الرياضة والسباحة وما إلى ذلك في حدود إسلامية لهذا المجال. نحن نؤمن بأنّ على المرأة أن تشارك في حركة الحياة تماماً كما تشارك في عملية الحياة ولا بد أن يكون ذلك في نطاق البرامج الأخلاقية والعملانية تماماً كما هو الرجل من دون فرق بينهما. {والمؤمنون والمؤمنان بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} وإذا عرفنا أن المعروف يتسع لكل عمل أو خط أو موقف يرفع من مستوى الإنسان والمنكر كل عمل أو خط أو موقف ينزل مستوى الإنسان لعرفنا أن المرأة والرجل لا بد وأن يتكاملا في كل الأعمال الإنسانية إيجابياً فيما يرتفع بالإنسان وسلباً فيما ينخفض بالإنسان إلى الدرك الأسفل. نحن نقول أن الله لم يفرق بين رجل وامرأة في المسؤولية بل انه ساوى بينهما في المسؤوليات وإن كانت مسؤولية أحدهما عن الآخر حسب اختلاف دوره وخصوصيته ونخن نرى أن الله ضرب المثل بالمرأة للرجال في الجانب السلبي والإيجابي. {وضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعونإذ قالت رب ابني لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين} . {ومريم بنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} وهذا يعني أن المرأة تصلح لأن تكون النموذج الذي يقتدي به هؤلاء والذي يبتعد عن الاقتداء به أولئك.

الهامش : نص المقابلة التي أجراها نصري الحجاج من صحيفة "الأيام" مع سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله في السادس عشر من آب 1999م الموافق الخامس من جمادى الأولى 1420هـ وقد تناولت لبنان الدولة والمقاومة ، والقضية الفلسطينية وبعض القضايا المتعلقة بها: مسألة التسوية التي رأى أنَها قادمة ، مسألة التوطين ، علاقة الإسلاميين بالسلطات القائمة،إضافة إلى مسألة حقوق المرأة.
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير