معاني ودلالات الحرب الدائرة في منطقة البلقان

معاني ودلالات الحرب الدائرة في منطقة البلقان

اجرى الاستاذ سركيس نعوم من صحيفة "النهار" حواراً سياسياً مع سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله دار حول معاني ودلالات الحرب الدائرة في منطقة البلقان، وتناول الخلفيات والاهداف ومسائل استراتيجية حساسة، ونشر على حلقات ابتداء من 13/4/1999م، الواقع في 1 محرم 1420 هـ.

الحلقة

العنوان

13/4/1999

حلف الاطلسي والدور الجديد

14/4/1999

اميركا مع دور روسي في كوسوفو.

15/4/1999

الصورة الاسلامية لأميركا لن تتحسن؟

16/4/1999

بين الغربين الاميركي والاوروبي فرق

17/4/1999

جمود المنطقة وصل الى نهايته


حلف الاطلسي والدور الجديد

13/4/1999

الحرب المشتعلة في البلقان، وتحديداً بين حلف شمال الاطلسي بقيادة الولايات المتحدة، ويوغوسلافيا الصربية بزعامة سلوبودان ميلوسيفيتش، بسبب "التطهير العرقي" الذي يمارسه الأخير في كوسوفو، الأقليم ذي الاكثرية الالبانية الساحقة، بعدما ألغى الحكم الذاتي فيه قبل اعوام، هذه الحرب حجبت كل القضايا والمشاكل والازمات التي تعصف بالعالم، واثارت تساؤلات عن دوافعها الحقيقة واسبابها. اذ اعتبر بعضهم انها صراع اثني بين الصرب وبقايا الشعوب التي اجتاحت المنطقة قبل مئات السنين بقيادة السلطنة العثمانية. واعتبر بعضهم الاخر انها حرب"دينية" بين المسيحيين والمسلمين، واعتبر بعضهم الاخير انها حرب بين الديكتاتورية الشيوعية ـ القومية والديمقراطية والحرية وحقوق الانسان.

لم تنته هذه الحرب حتى الآن، ولا احد يعرف طريقة انتهائها، لكنها شغلت إلى العالم الغربي، العالمين العربي والاسلامي اللذين يتعاطفان من جهة مع ألبان كوسوفو، لأن الأرض لهم ولأنهم مسلمون، ويتحفظان من جهة اخرى عن الطريقة التي تخوض بها الولايات المتحدة المعركة بواسطة حلف الاطلسي، لا بل عن الولايات المتحدة نفسها، بسبب مواقفها السلبية من قضاياهم، وفي مقدمها قضية فلسطين، واستمرار الحصار على العراق، وشغلت الحرب نفسها ايضاً لبنان، اذ يخشى بعضهم، ومنهم الرئيس السابق للجمهورية الياس الهراوي، ان ينتقل رذاذ حرب صربياـ الاطلسي إلى لبنان، حيث يتعايش مسلمون ومسيحيون، وحيث قامت حروب طويلة في الماضي بينهم، كان لها في بعض الاحيان طابعاً طائفياً. كما انها دفعت القيادة السياسية والدينية في العالمين العربي والاسلامي، إلى محاولة استجلاء حقيقة ما يجري، ربما تحصيناً لنفسها من انعكاساته مستقبلاً. والظاهر حتى الآن هو تأييد العالم الاسلامي المعتدل او غير الحركي، أذا جاز التعبير، تارة ضمناً وطوراً علناً الحرب على صربيا ميلوسيفيتش. والظاهر ايضاً قلق العالم الاسلامي الاصولي من هذه الحرب، رغم رفضه ما تفعله صربيا بالبان كوسوفو المسلمين ومن نتائجها، وخصوصاً اذا كانت في مصلحة تكريس الزعامة السياسية والعسكرية الاميركية للعالم. هذان التأييد والقلق المعبران عن الاهتمام المباشر بما يجري في كوسوفو وانعكاساته، هما اللذان دفعتا إلى محاولة معرفة موقف الاسلام الاصولي من الحرب المشتعلة في البلقان، فكان لقاء مع المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الشيعية اللبنانية، وحوار عن حقيقة المشكلة في كوسوفو وعن اسبابها، وقد عبر عن رأيه في كل ذلك بالاتي:

"من الصعب جداً، إذا اراد الانسان ان يبتعد عن الصورة الساذجة للمشكلة، ان يتحدث عن مشكلة اسلامية ـ ارثوذكسية، او يتحدث عن مشكلة عرقية، باعتبار انها هي العمق للمشكلة: فأننا عندما ندرس تاريخ المنطقة، لا نجد هناك شيئاً كبيراً في حركة هذين العنوانين، مع ملاحظة مهمة وهي ان من الطبيعي ان تحصل هناك بعض المشاكل بين عرق وعرق، أو بين اهل دين وأهل دين آخر، تماماً كما يحصل بين الصرب انفسهم والالبان انفسهم، وهكذا بين المسلمين انفسهم والمسيحيين انفسهم.

اننا نلاحظ ان مشكلة يوغوسلافيا انطلقت من موقع ان الاتحاد اليوغوسلافي لم يرتكز على أية قاعدة تجمع كل هذه الاعراق والمناطق. لقد كان النظام اليوغوسلافي، وكان تيتو بالذات، هو الذي جمع كل هذه الفسيسفاء، وعندما سقط النظام الشيوعي، لم يبق هناك ما يوحّد هذه المناطق، حتى اننا قد نزعم ان القومية الصربية لم تبرز كقومية تعمل على ان تجمع كل هذه المواقع في دولة واحدة. لذلك كانت التركة اليوغوسلافية تركة معدة لأي محور دولي ان يرثها، ولم تكن روسيا مهيأة لذلك، رغم انها كانت ترتبط بهذه المنطقة بطريقة وبأخرى، إما من ناحية التاريخ أو من ناحية الارثوذوكسية، وما إلى ذلك من العناوين والواجهات.

من الطبيعي جداً، عندما سقط الاتحاد السوفياتي وسقط الاتحاد اليوغوسلافي، ان تفكر بعض هذه المواقع ببعض التطورات. من الطبيعي ان يفكر الكوسوفويون بأن يكون لهم حكم ذاتي او استقلال، امام الاشارات التي تأتي من هذا المحور او ذاك، وخصوصاً إذا عرفنا ان يوغوسلافيا، أو صربيا بطريقة أدق، لم ترتب اوضاعها مع المحور الاوروبي او الاميركي بالطريقة التي تنسجم فيها مع الخط السياسي هنا والخط السياسي هناك، وخصوصاً بعدما برزت مسألة البوسنة والهرسك، التي كانت تملك اكثر من تعقيد، باعتبار وجود افرقاء ثلاثة هم: الكروات والصرب والمسلمون، وينخرطون في أزمة سياسية لا تحمل في داخلها أي قاعدة للحل، بحيث تجمع كل هذه المواقع في دولة تمثل الاكثرية الاسلامية او ما اشبه ذلك. ونلاحظ ان اميركا بدأت تفكر في ان يكون لها موطئ قدم هناك، باعتبار المواقع السياسية التي قد تستفيد منها مستقبلاً وتؤكد مواقعها، ان من خلال منع روسيا من الامتداد في هذا الجانب، أو من خلال منع صربيا من ان تتحول إلى ما يشبه الامبراطورية الصربية، على طريقة الامبراطورية الطورانية بالنسبة إلى تركيا، مروراً بما تخطط له اميركا من السيطرة على أوروبا الشرقية، كوسيلة من وسائل أضعاف الاتحاد الأوروبي الذي يعمل على ضم اوروبا الشرقية إلى اوروبا الغربية ليكون محوراً ينافس اميركا اقتصادياً وسياسياً، وخصوصاً ان هناك في تلك المنطقة امكانات عدة واعدة لبعض الاوضاع الاقتصادية، سواء في السوق او في بعض الثروات الموجودة في تلك المنطقة.

وهكذا ـ تابع المرجع الابرز ـ دخلت اميركا منطقة البوسنة والهرسك، ودخلت اوروبا على هامش اميركا.

فاوروبا بادرت إلى الدخول، وتركتها اميركا حتى غرقت في وحول تلك المنطقة، وجاءت لتمثل دور المنقذ في هذا المجال، وكانت اللعبة السياسية في ترتيب الوضع في البوسنة والهرسك بالطريقة التي لم تستطع ان تحل المشكلة بل ابقت اكثر من قنبلة موقوتة، باعتبار ما يُستقبل في هذا المجال، وكان من الطبيعي لصربيا التي حاولت ان تضم البوسنة والهرسك اليها بفعل العلاقات بين الصرب هنا والصرب هناك، كان من الطبيعي ان تعمل صربيا على ان تحمي نفسها من الالتفاف الاميركي، الذي يستخدم الادوات الاوروبية في هذا المجال، فكان الخطأ الكبير وهو الغاء الحكم الذاتي لالبان كوسوفو، مما جعل هناك اكثر من أفق لأن تنشأ أكثر من دعوة للاستقلال، علماً ان البانيا كان تعمل على اساس ان تدخل الاتحاد الاوروبي، ولذلك خرجت من منظمة المؤتمر الاسلامي حتى لا تحسب دولة مسلمة في اوروبا. واعتقد ان كل الناس دخلوا هذه الحرب، فقد دخلت اوروبا في هذا المجال، ودخلت اميركا على هامش الدخول الاوروبي اولاً، ثم سيطرت على المسألة .

ولذلك، اعتبر ان المسألة كانت سياسية ـ اميركية ـ اوروبية، لأن يوغوسلافيا،في ما يبدو، حاولت ولا تزال تحاول ان تحصل على موقع متقدم ينأى بنفسه عن المحور الاوروبي، او المحور الاميركي بالطريقة التي تعيش فيها تحت السيطرة هنا وهناك، وربما كانت روسيا تفكر ان تستفيد بطريقة وبأخرى من هذا الجانب، رغم ضعفها. هنا نلاحظ، مثلاً ان اوروبا حاولت ان تتدخل، وقد اعطيت الدور في المفاوضات المتحركة طوال هذه السنوات، حتى كانت المفاوضات الاخيرة في فرنسا، ودخلت اميركا على الخط، ونلتقي في هذا المجال بدور حلف شمال الاطلسي، أي دور هو هذا الدور؟ ان حلف الاطلسي أصبح حلفاً عسكرياً لا يملك عدواً مرئياً كبيراً، لذلك بدأت مسألة قيادة اميركا للحلف، اولاً من أجل ان تصنع له دوراً، كانت قد خططت له حين تحدثت عن مواجهة الخطر الاسلامي، لكن الدول الاسلامية لا تمثل محوراً متمرداً، حتى يمكن حلف الاطلسي ان يخوض الحرب ضده. اما بالنسبة الى روسيا، فان اميركا تحافظ على ابقاء روسيا في هذه الدائرة الضعيفة، دون ان تحركها في اتجاه حاد جداً، لأن ذلك يمكن ان يقلب الامور رأساً على عقب.

لهذا، فان المنطقة الوحيدة التي يمكن ان تتفجر، وتاخذ بعداً سياسياً من خلال البعد الانساني الموجود فيها، هو ان تتدخل بالطريقة التي تثير فيها الجو السياسي في داخل كوسوفو، لتستشعر صربيا الخطر من ذلك، وليحصل ما يحصل في هذا المجال. ولذلك، فان المطلوب اعطاء الحلف الاطلسي دوراً جديداً، حتى يكون هناك مبرر لبقائه كحلف عسكري، لا يعرف ضد من هو موجه. وربما كان التفكير الاميركي هو ان يكون الحلف الاطلسي بديلاً عن الأمم المتحدة في القضايا الحادة والحارة، لأن من الصعب جداً ان تستخدم اميركا ورقة الأمم المتحدة لأي قضية مشابهة في هذا المجال.

اميركا مع دور روسي في كوسوفو.

14/4/1999

تحدث المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الشيعية اللبنانية عن كيفية دخول اوروبا الحرب ضد يوغوسلافيا سلوبودان ميلوسيفيتش. قال:

"نشعر ان اوروبا في المسائل الدفاعية كانت طوال الوقت منذ الحرب العالمية الثانية، تحت المظلة الاميركية، ولذلك لم نجد هناك أي دور اوروبي مستقل مذذاك وربما قبل هذه الحرب إذا كانت اميركا هي التي ترعى هذا الدور. لذلك اضع المسألة في نطاق زوايا عدة. الزاوية الاعمق هي زاوية المصالح الاميركية التي تريد ان تسيطر على تلك المنطقة من العالم، ولا تريد أي مشاركة اوروبية في هذا المجال. وهذا ما لاحظناه في مسألة البوسنة والهرسك التي بدأت أوروبية لكنها انتهت اميركية تتحرك في خط السياسة الاميركية، وهذا ما يمكن ان تصل اليه المسألة في هذه المنطقة بالذات. وهناك زاوية ثانية ايضاً اميركية تتمثل في ارباك الوضع الاوروبي بايجاد منطقة متوترة اوروبية يمكن ان تشغل اوروبا ويمكن ان تبعد اوروبا الشرقية عن الاتحاد الاوروبي باعتبار ان يوغوسلافيا تعتبر من اوروبا الشرقية. ثالثا، منع روسيا من ان تتمدد وتستفيد من هذه الارثوذكسية او من بعض التاريخ السابق لتحصل على امتداد ولو مستقبلياً.

انني انتظر ـ وهذا امر للمستقبل ـ حصول مشكلات عدة امنية من خلال الدول المستقلة التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي، لان المطلوب هو ان تبقى روسيا وحدها، اما ان يكون هناك أي امتداد طبيعي لروسيا في المسألة الجغرافية سواء عبر اوروبا الشرقية او عبر الدول المستقلة فأني اتصور ان اميركا لا تسمح بذلك. فاذا امكن تطويع تلك المناطق بشكل سلمي على المستوى الاقتصادي او السياسي فليس هناك أي مشكلة لاي حرب، لكن عندما لا يحصل هناك أي تطويع سلمي، فمن الطبيعي ان تحصل هناك مشكلة، وخصوصاً اذا رأينا ان روسيا بدأت تتمدد اقتصاديا وربما سياسيا في المنطقة من خلال علاقتها مع ايران من جهة ومن جهة علاقاتها الجديدة، القديمة مع سوريا انني انتظر شيئاً ما في المستقبل.

لذلك اعتقد ان هذه المسألة سوف تتحرك في الاتجاه الذي تحركت فيه قضية البوسنة والهرسك وسوف تنتهي المسألة إلى حل اميركي في هذا المجال دون ان تحصل اوروبا على شيء من ذلك الا المزيد من المشكلات . اما المسلمون في كوسوفو فاعتقد ان علينا ان نتذكر الفلسطينيين مع بعض الخصوصيات التي تختلف فيها القضية الفلسطينية عن قضية كوسوفو".

س: لكن اميركا لم تفتعل المشكلة في كوسوفو؟

ج: "انا لم اقل انها افتعلت، بل قلت ان هناك وضعاً طبيعياً في المنطقة يمثل مواقع منفصلة بعضها عن بعض وخرجت من تحت نظام الاتحاد السوفياتي مما افرز بعض الخطوط السياسية كالاستقلال والحكم الذاتي مستفيداً من الوضع الديكتاتوري الموجود هناك. وقد شجعت اميركا هذا المجال، ولم اقل انها افتعلت الجو. ولكن عندما تنطلق دعوة استقلال في أي منطقة من المناطق التي تعتبر محلا لمطامع الاخرين فان الاخرين يستغلونها ويقودونها. ولا كيف نفسر مثلا ان جبهة تحرير كوسوفو التي كانت ترفض الحلول التي قدمت اوروبيا نجد انها بادرت في شكل سريع وبقدرة قادر إلى التوقيع، مع انها لا تتناسب مع الطرح الاوروبي لأنه لم يكن طرح استقلال؟

لذلك نحن لا نقول ان اميركا افتعلت المشكلة، بل استفادت من حركة المشكلات التي تجمعت فيها اكثر من مفردة وخصوصاً مسألة النظام الديكتاتوري في صربيا".ٍ

س: هل توافق اميركا على مشاركة روسيا في صنع حل مقبول منها لمشكلة كوسوفو؟

ج::"في تصوري ان اميركا تعمل على اساس ان تبقي ماء الوجه لروسيا ولكن دون قوة، وان اميركا ربما تعطي روسيا دورا في الحل عندما تجد ان صربيا بدأت تشرب من هذه الكأس وبدأت تبحث عن حل، لذلك يمكن ان يعطى لروسيا دور الدخول في الحل الدبلوماسي، لان اميركا تعمل على ان لا تسقط روسيا بالضربة القاضية. واتصور ان بعض التعقيدات التي بدأت في الرأي العام الاميركي وحتى في بعض التململ في اوروبا يمكن ان يجعل القضية تنتهي إلى حل سياسي ديبلوماسي يمكن ان تقوم روسيا به، وخصوصاً أنه في المرحلة السياسية الحاضرة الان وفي الخصوصيات الموجودة في المنطقة هناك فان العالم لا يتحمل الضربة القاضية لصربيا".

س: ما هو نوع المشكلات التي يمكن ان تفتعل بين روسيا وبعض دول "رابطة الدول المستقلة" التي كانت سابقاً جزءاً من الاتحاد السوفياتي المنهار؟

ج: اجاب المرجع الاسلامي الابرز:"لعل المشكلة الاقتصادية هي المشكلة الأم، ان الدول المستقلة كانت مرتبطة ارتباطاً عضوياً بروسيا التي هي الأم في الاتحاد السوفياتي، وأتصور ان حركة الدول المستقلة نحو بناء اقتصادها في شكل مستقل وخصوصاً مع ما نلاحظه من دخول اميركا واسرائيل على الخط في هذا المجال يمكن ان يدفع بها إلى إيجاد مشكلات معينة، ان المسألة تتحدد هل ان روسيا قادرة على الضغط ام لا؟ عندما تبدأ روسيا بالضغط فسوف تحصل هناك مشكلات، لكن اذا بقيت روسيا في هذا الجو المدجّن الذي يجعل المسألة مسألة شكلية فقط على غرار ان تجتمع الدول المستقلة عندما تحصل هناك مشكلات من دون أي خط حاد يتناول اوضاع تلك الدول بالعمق فلن يحصل هناك شيء".

س: قضية كوسوفو جزء من قضية البلقان حيث التنوع الطائفي والعرقي اللذان كانا وراء تفجير الاتحاد اليوغوسلافي . هل تتصور ان هناك مصلحة دولية وتحديداً اميركية في تفجير البلقان بكل دوله؟

ج: "لا أجد الان مصلحة لحرب في البلقان كله". اجاب المرجع الابرز، "انني اتصور انه اذا أريد تحريك بؤر التوتر الموجودة في مقدونيا أو اليونان أو تركيا فلا بد ان تطرح بالمفرق لا بالجملة، لأن حرب البلقان قد لا تستطيع اميركا ولا اوروبا ان تخوضها بهذه السعة. اما مسألة تركيا واليونان فاعتقد ان هناك ضوابط معينة من خلال الطبيعة المتداخلة للمنطقة، باعتبار ارتباطها بمنطقة الشرق الاوسط من جهة واوروبا من جهة اخرى. لذلك لم اعتقد ان من الصعب جداً ايجاد الحرب بين تركيا واليونان، وهذا هو الذي يفسر بقاء قبرص على هذا الوضع، حتى انه عندما انطلق الاتحاد السوفياتي ليعطي قبرص اليونانية صواريخ تدخلَ الوضع الدولي لتجميد هذه المسالة، ولذا لا يراد للوضع التركي ان يتفجر لأنه اذا تفجر فلن تكون المسألة مسألة تركيا واليونان، بل تكون تركيا بالذات".

س: هل لا يراد تفجير تركيا في المطلق أم الآن؟

ج: اجاب المرجع الاسلامي الابرز:"عندما تتحدث في المطلق فان تفجير تركيا لا بد ان يعيش في دائرة تفجر المنطقة، يعني لا بد ان نعيد النظر في "سايكس ـ بيكو"، لأن هذا الوضع الموجود في المنطقة هو الوضع الدولي الذي لا يزال الواقع الاميركي والاوروبي يحافظ عليه، لذلك عندما يبدأ خلط الدول في المنطقة يمكن ان نفكر في ان تتفجر تركيا. اما الآن فاننا لا نجد أي مصلحة لاي فريق".

الصورة الاسلامية لأميركا لن تتحسن؟

15/4/1999

علق المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الشيعية اللبنانية على تحذير الرئيس السابق للجمهورية الياس الهراوي من انتقال رذاذ الحرب في كوسوفو إلى لبنان الى الصدامات بين المسلمين والمسيحيين في مدينة الناصرة الفلسطينية. قال:

"اما هذا الرذاذ فأنني من خلال قراءتي للواقع اللبناني لا اجد هناك اية ظروف ولو بنسبة عشرة في المئة لمثل هذا، لان هذا الرذاذ اذا اريد له ان يصيب الارض اللبنانية فأنه قد يتحرك على اساس طائفي، وانا اجد انه ليست هناك أي مشكلة ارثوذكسية ـ اسلامية في الوجدان الاسلامي على الاقل، واعتقد ان الوجدان الارثوذكسي، بل ان المسيحية الشرقية التي تتمثل في الاثوذكس قد انفتحت ولا تزال على الواقع الاسلامي والواقع العربي في المنطقة. ومن هنا، فلم يحصل هناك اية مشكلة ارثوذكسية ـ اسلامية، ولا اجد في الواقع الاسلامي او الارثوذكسي من يتحدث بهذا لانني الاحظ ان الارثوذكس كانوا عاقلين جدا في عواطفهم ومشاعرهم بالنسبة إلى صربيا، وقد قرات اكثر من حديث. واحب ان اشير إلى حديث الصديق المطران جورج خضر الذي يعبّر عن عقلانية وانسانية في هذه المسألة، بحيث ان الارثوذكس لم يركبوا موجة رئيس صربيا، بل العكس وقفوا في شكل سلبي امام بعض ما يقوم به، كما ان المسلمين لم يحملوا الارثوذكس ذلك بل اعتبروها جزءاً من التعقيدات الدولية والمصالح الدولية التي لم يبرئوا منها اميركا في هذا المجال.

لذلك، لا اعتقد ان ثمة أي شيء ارثوذكسي ـ اسلامي اذا كان ما يراد تشبيه الرذاذ بهذا . ونحن نعمل بكل قوة وقسوة في سبيل منع ما قد يفكر بعض الناس ان يقوم به في هذا الاتجاه. واحب ان لا يلعب بعض المسيحيين لعبة الارثوذكس والمسبمين حتى يقارنوها بلعبة الكاثوليك والمسلمين وما إلى ذلك لأن اللبنانيين لا يتقنون هذه اللعبة الا اذا جاءت من الخارج ولا اعتقد ان هناك اية ظروف لتحريك هذه اللعبة في الخارج، على الاقل في المستقبل المنظور.

أما ما حصل في الناصرة، فاعتقد انه يمثل حالة ضيعوية عادية تحصل حتى عندنا في لبنان. فنحن نعرف ان هناك بعض القرى في الجنوب تحصل فيها مشاكل بين المسلمين والمسيحيين في أرض يريد المسلمون ان يقيموا عليها حسينية مثلاً ويريد المسيحيون ان يجعلوها ساحة للكنيسة وما إلى ذلك، ان هذه المسألة هي مسألة ضيعوية لكن الاعلام يحاول ان يحرك أي شيء فيه عنوان اسلامي ومسيحي ليدخله في المشكلة الاسلامية ـ المسيحية، تماماً كما لاحظناه في ما كان يحصل في الصعيد المصري عندما يختلف قبطي مع مسلم في قضايا الذهب او ثارات الشرف وما إلى ذلك، وكان الاعلام يحوّر الموضوع ليتحدث عن مشكلة الاقباط والمسلمين".

س: التحرك الاسلامي العام حيال مشكلة كوسوفو اما غائب وأما خجول. لماذا؟

ج: اجاب المرجع الاسلامي الابرز:"لعل الدول الاسلامية او دول المؤتمر الاسلامي لا تشعر انها قادرة على فعل شيء في مسألة كوسوفو كمسألة سياسية لانها في موقع ضعف، ولأنها فهمت ان اللعبة هي لعبة اميركية، وإذا عرفنا ان غالبية الدول الموجودة في منظمة المؤتمر الاسلامي تسير في الفلك الاميركي فمن الطبيعي ان نعرف انها لا تملك أي شيء في هذا المجال، لأن المسألة هي مسألة الضغط، واميركا تقف الان تحت واجهة انها تدافع عن المسلمين. فمن الطبيعي جدا ان الدول التي تسمى اسلامية لا بد ان تتحرك إلى جانب التحرك الاميركي في هذا المجال. اما البعد الانساني فاعتقد انه كان بعدا مائعا ولكنه بدأ الآن يأخذ بعض الحيوية من خلال ان اميركا والدول الاوروبية اصبحت تطلب من الدول العربية والاسلامية القيام بحملات لأعطاء القضية هذا البعد الانساني والدخول في هذه المسألة الانسانية، انها ليست مستعدة لأن تدخل المسلمين في المسألة السياسية، ولكن المسألة الانسانية هي المسألة التي يمكن ان تعطي بعداً كبيراً في هذا المجال".

س: هل يمكن ان تستفيد اميركا من تدخلها لمصلحة المسلمين في كوسوفو لتحسين صورتها عند المسلمين في العالم؟

ج: "لا اعتقد ذلك، لان هذه الصورة لا تزال صورة غائمة باعتبار ان الرأي العام الاسلامي خرج من السذاجة التي تجعل التحرك الاميركي تحركاً في مصلحة المسلمين، لأنه رأى ان التحرك الاميركي في البوسنة والهرسك لم يعط النتائج التي كان المسلمين يفكرون فيها، ولذلك فالمسألة في الوجدان الاسلامي هي مسألة مصالح اميركا وليست مصالح المسلمين، وربما كان لهذا التهجير الكبير جداً للمسلمين في كوسوفو والذي يمكن ان يحمل نوعاً من المسؤولية للاسلوب الذي قاد به الحلف الاطلسي هذه القضية، ربما كان هذا يعتبر عنصراً سلبياً من وجهة النظر الاسلامية، لان الناس بدأوا يستعيدون تهجير الفلسطينيين، وخصوصاً ان بعض الدول ككندا من الممكن ان يُعطي هؤلاء اللجوء في المستقبل، بحيث تتم عملية تفريغ كوسوفو من المسلمين لتبقى المسألة في المطلق كما بقيت مسألة اللاجئين الفلسطينيين. هذا إلى جانب ان اميركا في الوقت الذي تقصف فيه صربيا لحساب المسلمين ـ كما تحاول ان توحي ـ فهي تقصف العراق، واذا كان النظام العراقي لا يملك شعبية فالارض تملك في وجدان المسلمين معنى، وترى ان اميركا هي التي تمد المشكلة العراقية ولا تسمح لمجلس الامن ان يحل المشكلة بطريقة وبأخر. هذا إلى جانب ان المسلمين يعيشون في المسألة الاسرائيلية ـ العربية او الاسلامية الاسلوب الاميركي، فلماذا لم تبادر اميركا كما بادرت هناك إلى وضع الموقف الحاسم امام اسرائيل لتنفذ اتفاق"واي ريفر" ـ بغض النظر عن موقفنا منه ـ في الوقت الذي يعيش فيه الفلسطينيون في ارضهم هذا الشكل المأسوي.

لذلك اعتقد ان مسألة اميركا اصبحت خارج نطاق الثقة في الوجدان الاسلامي العام".

بين الغربين الاميركي والاوروبي فرق

16/4/1999

لا يعتقد المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الشيعية اللبنانية ان هناك ظروفاً سياسية او انسانية او امنية في ايران تتيح لاميركا توجيه ضربات اليها مثلما تفعل حالياً في صربيا ومثلما فعلت ولا تزال في العراق. "فايران تتحرك حتى الان بين الالغام التي تحاول اميركا ان تزرعها داخلها بحذر ووعي وذكاء".

س: اظهرت الانتخابات البلدية في ايران ان التيار غير المحافظ لا يزال يحظى بشعبية رغم المضايقات التي تعرض لها، علماً ان بعضهم كان خشي ان يفقد الرئيس غير المحافظ الدكتور محمد خاتمي وتياره عددا من المواقع بفعل تأثير المتشددين. هناك انتخابات نيابية ستحصل في مستقبل غير بعيد. وسيكرر المتشددون مضايقاتهم للمعتدلين والاصلاحيين. فهل تعتقد ان التجربة الخاتمية اجتازت مرحلة الخطر وانها ستبرهن ذلك في الانتخابات النيابية المقبلة؟

ج: اجاب المرجع الابرز:"لا اعتبر انها كانت منذ البداية تعيش حالة خطر، كانت تعيش حالة ارباك لانها لم تستكمل مواقعها وصورتها، فالتيار الخاتمي ـ اذا صح التعبير ـ ليس تياراً واحداً بل هو مجموعة تيارات تختلف في خطوطها الثقافية والسياسية. من هنا، كانت المسألة هي أن هذا التيار كان يمر في حركة التجاذب الموجودة في ايران ببعض النكسات الموجودة في داخله وببعض التحديات التي وُجهت اليه من التيار الاخر، لهذا كان كل فريق من الذين يمثلون هذا التيار أن يستفيد لنفسه في الحالات العادية، ولكنه عندما يشعر بالخطر في القضايا الحاسمة بحيث ان خسارته تقتضي خسارة الكل فانه يتجمع وهذا ما لاحظناه في الانتخابات البلدية. واتصور ان الانتخابات النيابية لن تكون اقل حيوية بالنسبة إلى هذا التيار من الانتخابات البلدية لسبب بسيط هو ان التيار الشبابي والنسائي لا يزال مع شخص خاتمي، ولا يزال الذين تجمعوا خلفه حتى لو لم يلتزموا خطه يشعرون بالخطر عندما يخسر السيد خاتمي موقعه السياسي في هذا المجال، لهذا اتصور ان المسالة قد تعبّر عن نفسها بطريقة اخرى ولكن بالتعبير نفسه الذي حصل".

س: في الانتخابات الاخيرة لمجلس الخبراء رفضت الهيئة المعنية ترشيحات كثيرة بسبب الانتماءات السياسية لأصحابها. فهل يمكن ان يحصل الشيء نفسه قبل الانتخابات النيابية؟

ج: اجاب المرجع الاسلامي الابرز: "لا، لان مجلس الخبراء محدود. هناك محدودية لمجلس الخبراء باعتبار انه يحتاج إلى مواصفات معينة، كأن يكون مجتهداً وغير ذلك، هذه المواصفات يمكن التدخل فيها وقد يكون حقيقياً، فليس من الضروري جداً ان يكون رسم علامة استفهام على هذا المرشح او ذاك المرشح انطلاقاً من خلفية سياسية تريد ان تبعد هذا او ذاك، بل ربما تكون القضية خاضعة للموازين التي وضعت لشرعية الترشيح هنا وهناك. اما بالنسبة إلى الانتخابات النيابية فانها لا تحمل مثل هذه الشروط المعقدة التي يمكن ان تختلف فيها الافكار، فالانتخابات النيابية كالانتخابات البلدية للبلاد كلها".

س: التجديد مرة واحدة لرئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية مسموح به دستوريا. هل يعني التجديد للرئيس محمد خاتمي في الموعد الدستوري اذا حصل ان التيار المعتدل او غير المحافظ بمكوناته المتنوعة قد كرس شعبيته ووجوده نهائياً داخل ايران؟ وهل يفتح ذلك الباب امام حل المشاكل المستعصية القائمة بين ايران والغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الاميركية؟

ج:"لا اتصور ان السيد خاتمي يلهث وراء اعادة العلاقات مع اميركا، كما ان المسألة ليست مجرد مسألة شخص ـ لو كان يرغب ـ ولكن القاعدة الشعبية حتى الان لا تملك هذه الحماسة لإعادة العلاقات مع اميركا، خصوصاً ان اميركا لم تتقدم خطوة واحدة في هذا الاتجاه. فنحن نلاحظ مثلاَ ان اميركا لا تزال تلاحق ايران في أي علاقة اقتصادية او عسكرية من ناحية الاسلحة، كما ان اميركا لم تفرج عن الارصدة الايرانية. لذلك، فان اميركا لم تقدم أي شيء بل هي تتحرك بالخطط التي يجد الشعب الايراني فيها انها خطط معادية للوضع في ايران، مع ملاحظة مهمة جداً وهي ان قوة التيار الاخر وقوة آية الله السيد خامنئي في المسألة التي تقف ضد اعادة العلاقة مع اميركا الا بشروط كبيرة جداً، تمنع ذلك. واعتقد ان السيد خاتمي لا يخرج عن هذه الدائرة، لكن نلاحظ ان هناك فرقاً بين غرب اميركا وغرب اوروبا، واعتقد ان اوروبا بدات تخترق الحاجز الاميركي في علاقاتها الاقتصادية مع ايران.

س: صحيح ان هناك تنافسا اقتصاديا ما دار بين اميركا واوروبا, ولكن صحيح ايضا ان اوروبا في حاجة دائمة إلى مظلة دفاعية اميركية.

ج:"هناك نقطة وهي انه ليست هناك مسألة دفاعية الان في ما يتصل بمسألة ايران او المنطقة. ولهذا فان المسألة الدفاعية التي تتحرك في نطاق الحفاظ على الخليج ونفطه لم تطرح الان على مستوى حار، بل ان ايران تتحرك في شكل طبيعي يتناسب مع اوضاعها الامنية في المنطقة لهذا تبقى المسألة اقتصادية. واعتقد ان المسألة الاقتصادية هي المساحة التي تسمح فيها اميركا لاوروبا ان تتحرك او تقف فيها امام اميركا بقوة كما حصل في وقوف فرنسا في ما يتصل بقانون"داماتو". واعتقد ان الشركات الاميركية بدات تعارض السياسة الاميركية في مسألة هذا القانون. ولعل من المفارقات اننا نجد ان كندا انضمت إلى فرنسا في الاتفاق النفطي الاخير بينها وبين ايران.

جمود المنطقة وصل الى نهايته

17/4/1999:

تحدث المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الشيعية اللبنانية عن الانتخابات الاسرائيلية العامة المقررة في السابع عشر من ايار المقبل.

ج: لا اتصور ان الانتخابات الاسرائيلية يمكن ان تحقق نتائج فوق العادة كما يتصور بعض العرب، لكنني اتوقع ان تتحرك مشكلة الشرق الاوسط بعد هذه الانتخابات ايا يكن الفائز، لان القضية ليست اسرائيلية في الخصوصيات الحزبية الاسرائيلية بل هي قضية الخطوط الدولية المتداخلة مع الخطوط الاسرائيلية، فاسرائيل لا تستطيع بعد الانتخابات ان تجمد مشكلة الشرق الاوسط باعتبار ان أي تجميد لها على الطريقة التي حصلت بعد اتفاق "واي ريفر" لن يقبلها احد حتى اميركا، لان ذلك يضر بمصالحها في المنطقة، كما ان اوروبا لا توافق على تجميد كهذا، بقدر ما تملك اوروبا من تأثير في هذا النطاق، مع ملاحظة ان الوضع الاسرائيلي الداخلي لا يسمح بابقاء العزلة الاسرائيلية عن المنطقة.

لذا اتصور ان الموضوع سوف يتحرك بطريقة وباخرى، ولعلنا نستطيع استيحاء هذه المؤشرات من حركة عرفات في الواقع الدولي لحشد التأييد للدولة الفلسطينية، ثم قوله انه لن يستعجل اعلانها من طرف واحد، ربما كان هذا يدل على ان هناك شيئاً في آخر النفق".

س: هل يقتصر تحرك مشكلة الشرق الاوسط على المسار الفلسطيني ام يشمل المسارين اللبناني والسوري؟

ج: "اعتقد ان القضية هي الشرق الاوسط، لانني اتصور، ولا ادري كم يمكن ان يكون هذا التصور دقيقاً، ان جمود المنطقة وصل إلى نهاياته والقضية تتصل بجمود الواقع السياسي في المنطقة. اما كيف تتحرك القضية؟ فمن الطبيعي جداً ان مرحلة اسرائيل الدولة قاربت النهاية، بمعنى وصول اسرائيل إلى شخصية الدولة".

س: هل ستعرض اسرائيل لبنان لامتحان صعب او تجربة صعبة بانسحابها الاحادي منه؟

ج:"اعتقد ان الانسحاب الاسرائيلي من جانب واحد تجاوزه الزمن، لان اسرائيل رغم الضربات التي وجهتها اليها المقاومة قد استوعبت الموضوع. واعتقد ان اكثر من جهة عربية ودولية لا توافق على الانسحاب من طرف واحد، لأنه يربك كثيراً من الخطط العربية والدولية معاً. لهذا لا وجود ولا لفرصة للانسحاب من طرف واحد حتى لو ان اسرائيل زادت في مأزقها. لاننا عندما ندرس ما حصل في الآونة الخيرة من محاولة احتواء هذا المأزق الاسرائيلي الصعب الحاد دولياً، وخاصة من اميركا وبعض الدول العربية والاوروبية، نعرف ان أي مأزق جديد سوف يكون له احتواء جديد".

س: شهد لبنان قبل اشهر ولادة عهد رئاسي جديد وحكومة جديدة. وحصلت تطورات كثيرة خلال هذه الفترة وفتحت ملفات معينة واختلف تقويم ذلك كله عند الكثيرين او تناقض. ما هو تقويمك للوضع اللبناني اليوم؟

ج: "لا بد لنا ان ندرس ان أي واقع جديد يحاول ان يتحرك لا يملك حرية الحركة الا اذا كان الميدان مفتوحاً ويمنحه حرية الحركة والتخطيط. اما الواقع الجديد الذي يأتي إلى أرض مملوءة بالالغام والاشواك وبكثير من التعقيدات الاقتصادية والسياسية فمن الطبيعي ان يلتقي عندما يريد ان يجرب حظه، الكثير من المشاكل التي تمنعه من حرية الحركة، لهذا اتصور ان الواقع الجديد لا يزال يبحث عن الطريق الذي يريد ان يقطعه بين الالغام. من الطبيعي انك عندما تاتي إلى واقع اقتصادي يقارب الافلاس فانك لا تملك الفرص لمعالجة هذا الواقع بعيداً من أي قرارات غير شعبية. وهكذا عندما نجد ان الواقع السياسي لا يزال واقعاً مريضاً بالعقد النفسية والفئوية وما إلى ذلك، فان من الطبيعي ان تواجه اية مبادرة تفسيرات سلبية كما تقرأ في الصحف.

ان على الجميع ان يلتقوا. لا بد ان تلتقي المعارضة والمولاة ـ اذا صح ان هناك معارضة وموالاة ـ من اجل دراسة الارضاللبنانية السياسية والاقتصادية والامنية، وما هي الامور التي يمكن ان تقوم بها المعارضة اذا عادت إلى الحكم او تتحرك بها الموالاة وهي تتحرك في هذا الحكم. ان القضية لا تزال ان هناك رغبة في تعقيد المبادرات. لهذا فان ما بدأه هذا الواقع الجديد في المساءلة عن بعض الصفات التي تتصل بالنفط من جهة او المساءلة في قضية تقرير ديوان المحاسبة لا يمثل أي تحد لأي فريق بالمعنى القانوني للتحدي. عندما تُطرح هذه الامور فمن حق الواقع الجديد ان يسال كيف حصل هذا؟ هل هناك مخالفة قانونية ام لا؟ اين ذهبت هذه الاموال او غيرها؟

ان علينا ان نشجع هذه المساءلة ولعله افضل تعبير بعيداً من الحساسيات، ونطلب من المسؤولين ان يجعلوا هذه المساءلة في الاطار القضائي والقانوني. وهكذا اذا أردنا ان ننقد الموازنة فان علينا ان ندرس هل هناك امكان لموازنة اخرى في الظروف الاقتصادية اللبنانية او ليس هناك من امكان؟ ان يسجل المسؤولون في السابق على المسؤولين في الحاضر انكم كنتم تنتقدوننا على الضرائب وغيرها، فهذه تفاصيل. ليس هناك فريق معصوم هنا وهناك.

على اللبنانيين المسؤولين ان تكون لهم ذهنية خدمة لبنان لا خدمة انفسهم. خدمة هؤلاء الناس. وعلى المسؤول ان يفكر في البلد؟ وهو خارج المسؤولية تماما كما يفكر وهو في داخل المسؤولية لان هذا الجدال الذي يتحرك هو جدال يوحي ان هناك شيئاً من التخلّف في ممارسة الواقع الصعب الذي يعيشه اللبنانيون اقتصاديا وسياسياً.

س: ما هي حرية مساحة التحرك للواقع الجديد هذا؟

ج:"لا بد ان يكون هناك حوار بين المسؤولين في السابق والمسؤولين في الحاضر، ان يكون هناك حوار جدي. عليّ ان اعمل وانا في خارج الحكم لأنجح حل المشكلة اللبنانية، لا ان اعمل على اساس ان يفشل غيري. يجب ان لا تكون القضية عندي ان اسجل عليك نقطة حتى لو سجلت عليّ نقطة في ما يتهم به البعض المسؤولين.

لا اتحدث عن مثاليات ولكنني اتحدث عن ان هذا الاسلوب الذي يتحرك به بعض السياسيين في لبنان يعني اننا سنبقى ندور في الحلقة المفرغة. اما اذا كان المقصود ما هي مساحة التحرك في الواقع الاقليمي فاعتقد ان هناك مساحة جيدة يملك المسؤولين فيها الحرية إلى حد ما.

س: هناك شعور بان الذين كانوا في الحكم وبعض من كانوا خارجه يعملون لتسجيل نقاط على المسؤولين الجدد. وهناك شعور بان المسؤولين الجدد يصفون حسابات مع المسؤولين القدامى؟

ج:"عندما نريد ان نتحدث عن مساحة الحرية فعلينا ان نعرف ان هناك وضعاً جديداً هنا وهناك، وانه يراد للوضع الجديد هنا وهناك ان يتحرك في حالة انسجام بعيدا من كثير مما يمثل الماضي هنا وهناك.

اجرى الاستاذ سركيس نعوم من صحيفة "النهار" حواراً سياسياً مع سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله دار حول معاني ودلالات الحرب الدائرة في منطقة البلقان، وتناول الخلفيات والاهداف ومسائل استراتيجية حساسة، ونشر على حلقات ابتداء من 13/4/1999م، الواقع في 1 محرم 1420 هـ.

الحلقة

العنوان

13/4/1999

حلف الاطلسي والدور الجديد

14/4/1999

اميركا مع دور روسي في كوسوفو.

15/4/1999

الصورة الاسلامية لأميركا لن تتحسن؟

16/4/1999

بين الغربين الاميركي والاوروبي فرق

17/4/1999

جمود المنطقة وصل الى نهايته


حلف الاطلسي والدور الجديد

13/4/1999

الحرب المشتعلة في البلقان، وتحديداً بين حلف شمال الاطلسي بقيادة الولايات المتحدة، ويوغوسلافيا الصربية بزعامة سلوبودان ميلوسيفيتش، بسبب "التطهير العرقي" الذي يمارسه الأخير في كوسوفو، الأقليم ذي الاكثرية الالبانية الساحقة، بعدما ألغى الحكم الذاتي فيه قبل اعوام، هذه الحرب حجبت كل القضايا والمشاكل والازمات التي تعصف بالعالم، واثارت تساؤلات عن دوافعها الحقيقة واسبابها. اذ اعتبر بعضهم انها صراع اثني بين الصرب وبقايا الشعوب التي اجتاحت المنطقة قبل مئات السنين بقيادة السلطنة العثمانية. واعتبر بعضهم الاخر انها حرب"دينية" بين المسيحيين والمسلمين، واعتبر بعضهم الاخير انها حرب بين الديكتاتورية الشيوعية ـ القومية والديمقراطية والحرية وحقوق الانسان.

لم تنته هذه الحرب حتى الآن، ولا احد يعرف طريقة انتهائها، لكنها شغلت إلى العالم الغربي، العالمين العربي والاسلامي اللذين يتعاطفان من جهة مع ألبان كوسوفو، لأن الأرض لهم ولأنهم مسلمون، ويتحفظان من جهة اخرى عن الطريقة التي تخوض بها الولايات المتحدة المعركة بواسطة حلف الاطلسي، لا بل عن الولايات المتحدة نفسها، بسبب مواقفها السلبية من قضاياهم، وفي مقدمها قضية فلسطين، واستمرار الحصار على العراق، وشغلت الحرب نفسها ايضاً لبنان، اذ يخشى بعضهم، ومنهم الرئيس السابق للجمهورية الياس الهراوي، ان ينتقل رذاذ حرب صربياـ الاطلسي إلى لبنان، حيث يتعايش مسلمون ومسيحيون، وحيث قامت حروب طويلة في الماضي بينهم، كان لها في بعض الاحيان طابعاً طائفياً. كما انها دفعت القيادة السياسية والدينية في العالمين العربي والاسلامي، إلى محاولة استجلاء حقيقة ما يجري، ربما تحصيناً لنفسها من انعكاساته مستقبلاً. والظاهر حتى الآن هو تأييد العالم الاسلامي المعتدل او غير الحركي، أذا جاز التعبير، تارة ضمناً وطوراً علناً الحرب على صربيا ميلوسيفيتش. والظاهر ايضاً قلق العالم الاسلامي الاصولي من هذه الحرب، رغم رفضه ما تفعله صربيا بالبان كوسوفو المسلمين ومن نتائجها، وخصوصاً اذا كانت في مصلحة تكريس الزعامة السياسية والعسكرية الاميركية للعالم. هذان التأييد والقلق المعبران عن الاهتمام المباشر بما يجري في كوسوفو وانعكاساته، هما اللذان دفعتا إلى محاولة معرفة موقف الاسلام الاصولي من الحرب المشتعلة في البلقان، فكان لقاء مع المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الشيعية اللبنانية، وحوار عن حقيقة المشكلة في كوسوفو وعن اسبابها، وقد عبر عن رأيه في كل ذلك بالاتي:

"من الصعب جداً، إذا اراد الانسان ان يبتعد عن الصورة الساذجة للمشكلة، ان يتحدث عن مشكلة اسلامية ـ ارثوذكسية، او يتحدث عن مشكلة عرقية، باعتبار انها هي العمق للمشكلة: فأننا عندما ندرس تاريخ المنطقة، لا نجد هناك شيئاً كبيراً في حركة هذين العنوانين، مع ملاحظة مهمة وهي ان من الطبيعي ان تحصل هناك بعض المشاكل بين عرق وعرق، أو بين اهل دين وأهل دين آخر، تماماً كما يحصل بين الصرب انفسهم والالبان انفسهم، وهكذا بين المسلمين انفسهم والمسيحيين انفسهم.

اننا نلاحظ ان مشكلة يوغوسلافيا انطلقت من موقع ان الاتحاد اليوغوسلافي لم يرتكز على أية قاعدة تجمع كل هذه الاعراق والمناطق. لقد كان النظام اليوغوسلافي، وكان تيتو بالذات، هو الذي جمع كل هذه الفسيسفاء، وعندما سقط النظام الشيوعي، لم يبق هناك ما يوحّد هذه المناطق، حتى اننا قد نزعم ان القومية الصربية لم تبرز كقومية تعمل على ان تجمع كل هذه المواقع في دولة واحدة. لذلك كانت التركة اليوغوسلافية تركة معدة لأي محور دولي ان يرثها، ولم تكن روسيا مهيأة لذلك، رغم انها كانت ترتبط بهذه المنطقة بطريقة وبأخرى، إما من ناحية التاريخ أو من ناحية الارثوذوكسية، وما إلى ذلك من العناوين والواجهات.

من الطبيعي جداً، عندما سقط الاتحاد السوفياتي وسقط الاتحاد اليوغوسلافي، ان تفكر بعض هذه المواقع ببعض التطورات. من الطبيعي ان يفكر الكوسوفويون بأن يكون لهم حكم ذاتي او استقلال، امام الاشارات التي تأتي من هذا المحور او ذاك، وخصوصاً إذا عرفنا ان يوغوسلافيا، أو صربيا بطريقة أدق، لم ترتب اوضاعها مع المحور الاوروبي او الاميركي بالطريقة التي تنسجم فيها مع الخط السياسي هنا والخط السياسي هناك، وخصوصاً بعدما برزت مسألة البوسنة والهرسك، التي كانت تملك اكثر من تعقيد، باعتبار وجود افرقاء ثلاثة هم: الكروات والصرب والمسلمون، وينخرطون في أزمة سياسية لا تحمل في داخلها أي قاعدة للحل، بحيث تجمع كل هذه المواقع في دولة تمثل الاكثرية الاسلامية او ما اشبه ذلك. ونلاحظ ان اميركا بدأت تفكر في ان يكون لها موطئ قدم هناك، باعتبار المواقع السياسية التي قد تستفيد منها مستقبلاً وتؤكد مواقعها، ان من خلال منع روسيا من الامتداد في هذا الجانب، أو من خلال منع صربيا من ان تتحول إلى ما يشبه الامبراطورية الصربية، على طريقة الامبراطورية الطورانية بالنسبة إلى تركيا، مروراً بما تخطط له اميركا من السيطرة على أوروبا الشرقية، كوسيلة من وسائل أضعاف الاتحاد الأوروبي الذي يعمل على ضم اوروبا الشرقية إلى اوروبا الغربية ليكون محوراً ينافس اميركا اقتصادياً وسياسياً، وخصوصاً ان هناك في تلك المنطقة امكانات عدة واعدة لبعض الاوضاع الاقتصادية، سواء في السوق او في بعض الثروات الموجودة في تلك المنطقة.

وهكذا ـ تابع المرجع الابرز ـ دخلت اميركا منطقة البوسنة والهرسك، ودخلت اوروبا على هامش اميركا.

فاوروبا بادرت إلى الدخول، وتركتها اميركا حتى غرقت في وحول تلك المنطقة، وجاءت لتمثل دور المنقذ في هذا المجال، وكانت اللعبة السياسية في ترتيب الوضع في البوسنة والهرسك بالطريقة التي لم تستطع ان تحل المشكلة بل ابقت اكثر من قنبلة موقوتة، باعتبار ما يُستقبل في هذا المجال، وكان من الطبيعي لصربيا التي حاولت ان تضم البوسنة والهرسك اليها بفعل العلاقات بين الصرب هنا والصرب هناك، كان من الطبيعي ان تعمل صربيا على ان تحمي نفسها من الالتفاف الاميركي، الذي يستخدم الادوات الاوروبية في هذا المجال، فكان الخطأ الكبير وهو الغاء الحكم الذاتي لالبان كوسوفو، مما جعل هناك اكثر من أفق لأن تنشأ أكثر من دعوة للاستقلال، علماً ان البانيا كان تعمل على اساس ان تدخل الاتحاد الاوروبي، ولذلك خرجت من منظمة المؤتمر الاسلامي حتى لا تحسب دولة مسلمة في اوروبا. واعتقد ان كل الناس دخلوا هذه الحرب، فقد دخلت اوروبا في هذا المجال، ودخلت اميركا على هامش الدخول الاوروبي اولاً، ثم سيطرت على المسألة .

ولذلك، اعتبر ان المسألة كانت سياسية ـ اميركية ـ اوروبية، لأن يوغوسلافيا،في ما يبدو، حاولت ولا تزال تحاول ان تحصل على موقع متقدم ينأى بنفسه عن المحور الاوروبي، او المحور الاميركي بالطريقة التي تعيش فيها تحت السيطرة هنا وهناك، وربما كانت روسيا تفكر ان تستفيد بطريقة وبأخرى من هذا الجانب، رغم ضعفها. هنا نلاحظ، مثلاً ان اوروبا حاولت ان تتدخل، وقد اعطيت الدور في المفاوضات المتحركة طوال هذه السنوات، حتى كانت المفاوضات الاخيرة في فرنسا، ودخلت اميركا على الخط، ونلتقي في هذا المجال بدور حلف شمال الاطلسي، أي دور هو هذا الدور؟ ان حلف الاطلسي أصبح حلفاً عسكرياً لا يملك عدواً مرئياً كبيراً، لذلك بدأت مسألة قيادة اميركا للحلف، اولاً من أجل ان تصنع له دوراً، كانت قد خططت له حين تحدثت عن مواجهة الخطر الاسلامي، لكن الدول الاسلامية لا تمثل محوراً متمرداً، حتى يمكن حلف الاطلسي ان يخوض الحرب ضده. اما بالنسبة الى روسيا، فان اميركا تحافظ على ابقاء روسيا في هذه الدائرة الضعيفة، دون ان تحركها في اتجاه حاد جداً، لأن ذلك يمكن ان يقلب الامور رأساً على عقب.

لهذا، فان المنطقة الوحيدة التي يمكن ان تتفجر، وتاخذ بعداً سياسياً من خلال البعد الانساني الموجود فيها، هو ان تتدخل بالطريقة التي تثير فيها الجو السياسي في داخل كوسوفو، لتستشعر صربيا الخطر من ذلك، وليحصل ما يحصل في هذا المجال. ولذلك، فان المطلوب اعطاء الحلف الاطلسي دوراً جديداً، حتى يكون هناك مبرر لبقائه كحلف عسكري، لا يعرف ضد من هو موجه. وربما كان التفكير الاميركي هو ان يكون الحلف الاطلسي بديلاً عن الأمم المتحدة في القضايا الحادة والحارة، لأن من الصعب جداً ان تستخدم اميركا ورقة الأمم المتحدة لأي قضية مشابهة في هذا المجال.

اميركا مع دور روسي في كوسوفو.

14/4/1999

تحدث المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الشيعية اللبنانية عن كيفية دخول اوروبا الحرب ضد يوغوسلافيا سلوبودان ميلوسيفيتش. قال:

"نشعر ان اوروبا في المسائل الدفاعية كانت طوال الوقت منذ الحرب العالمية الثانية، تحت المظلة الاميركية، ولذلك لم نجد هناك أي دور اوروبي مستقل مذذاك وربما قبل هذه الحرب إذا كانت اميركا هي التي ترعى هذا الدور. لذلك اضع المسألة في نطاق زوايا عدة. الزاوية الاعمق هي زاوية المصالح الاميركية التي تريد ان تسيطر على تلك المنطقة من العالم، ولا تريد أي مشاركة اوروبية في هذا المجال. وهذا ما لاحظناه في مسألة البوسنة والهرسك التي بدأت أوروبية لكنها انتهت اميركية تتحرك في خط السياسة الاميركية، وهذا ما يمكن ان تصل اليه المسألة في هذه المنطقة بالذات. وهناك زاوية ثانية ايضاً اميركية تتمثل في ارباك الوضع الاوروبي بايجاد منطقة متوترة اوروبية يمكن ان تشغل اوروبا ويمكن ان تبعد اوروبا الشرقية عن الاتحاد الاوروبي باعتبار ان يوغوسلافيا تعتبر من اوروبا الشرقية. ثالثا، منع روسيا من ان تتمدد وتستفيد من هذه الارثوذكسية او من بعض التاريخ السابق لتحصل على امتداد ولو مستقبلياً.

انني انتظر ـ وهذا امر للمستقبل ـ حصول مشكلات عدة امنية من خلال الدول المستقلة التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي، لان المطلوب هو ان تبقى روسيا وحدها، اما ان يكون هناك أي امتداد طبيعي لروسيا في المسألة الجغرافية سواء عبر اوروبا الشرقية او عبر الدول المستقلة فأني اتصور ان اميركا لا تسمح بذلك. فاذا امكن تطويع تلك المناطق بشكل سلمي على المستوى الاقتصادي او السياسي فليس هناك أي مشكلة لاي حرب، لكن عندما لا يحصل هناك أي تطويع سلمي، فمن الطبيعي ان تحصل هناك مشكلة، وخصوصاً اذا رأينا ان روسيا بدأت تتمدد اقتصاديا وربما سياسيا في المنطقة من خلال علاقتها مع ايران من جهة ومن جهة علاقاتها الجديدة، القديمة مع سوريا انني انتظر شيئاً ما في المستقبل.

لذلك اعتقد ان هذه المسألة سوف تتحرك في الاتجاه الذي تحركت فيه قضية البوسنة والهرسك وسوف تنتهي المسألة إلى حل اميركي في هذا المجال دون ان تحصل اوروبا على شيء من ذلك الا المزيد من المشكلات . اما المسلمون في كوسوفو فاعتقد ان علينا ان نتذكر الفلسطينيين مع بعض الخصوصيات التي تختلف فيها القضية الفلسطينية عن قضية كوسوفو".

س: لكن اميركا لم تفتعل المشكلة في كوسوفو؟

ج: "انا لم اقل انها افتعلت، بل قلت ان هناك وضعاً طبيعياً في المنطقة يمثل مواقع منفصلة بعضها عن بعض وخرجت من تحت نظام الاتحاد السوفياتي مما افرز بعض الخطوط السياسية كالاستقلال والحكم الذاتي مستفيداً من الوضع الديكتاتوري الموجود هناك. وقد شجعت اميركا هذا المجال، ولم اقل انها افتعلت الجو. ولكن عندما تنطلق دعوة استقلال في أي منطقة من المناطق التي تعتبر محلا لمطامع الاخرين فان الاخرين يستغلونها ويقودونها. ولا كيف نفسر مثلا ان جبهة تحرير كوسوفو التي كانت ترفض الحلول التي قدمت اوروبيا نجد انها بادرت في شكل سريع وبقدرة قادر إلى التوقيع، مع انها لا تتناسب مع الطرح الاوروبي لأنه لم يكن طرح استقلال؟

لذلك نحن لا نقول ان اميركا افتعلت المشكلة، بل استفادت من حركة المشكلات التي تجمعت فيها اكثر من مفردة وخصوصاً مسألة النظام الديكتاتوري في صربيا".ٍ

س: هل توافق اميركا على مشاركة روسيا في صنع حل مقبول منها لمشكلة كوسوفو؟

ج::"في تصوري ان اميركا تعمل على اساس ان تبقي ماء الوجه لروسيا ولكن دون قوة، وان اميركا ربما تعطي روسيا دورا في الحل عندما تجد ان صربيا بدأت تشرب من هذه الكأس وبدأت تبحث عن حل، لذلك يمكن ان يعطى لروسيا دور الدخول في الحل الدبلوماسي، لان اميركا تعمل على ان لا تسقط روسيا بالضربة القاضية. واتصور ان بعض التعقيدات التي بدأت في الرأي العام الاميركي وحتى في بعض التململ في اوروبا يمكن ان يجعل القضية تنتهي إلى حل سياسي ديبلوماسي يمكن ان تقوم روسيا به، وخصوصاً أنه في المرحلة السياسية الحاضرة الان وفي الخصوصيات الموجودة في المنطقة هناك فان العالم لا يتحمل الضربة القاضية لصربيا".

س: ما هو نوع المشكلات التي يمكن ان تفتعل بين روسيا وبعض دول "رابطة الدول المستقلة" التي كانت سابقاً جزءاً من الاتحاد السوفياتي المنهار؟

ج: اجاب المرجع الاسلامي الابرز:"لعل المشكلة الاقتصادية هي المشكلة الأم، ان الدول المستقلة كانت مرتبطة ارتباطاً عضوياً بروسيا التي هي الأم في الاتحاد السوفياتي، وأتصور ان حركة الدول المستقلة نحو بناء اقتصادها في شكل مستقل وخصوصاً مع ما نلاحظه من دخول اميركا واسرائيل على الخط في هذا المجال يمكن ان يدفع بها إلى إيجاد مشكلات معينة، ان المسألة تتحدد هل ان روسيا قادرة على الضغط ام لا؟ عندما تبدأ روسيا بالضغط فسوف تحصل هناك مشكلات، لكن اذا بقيت روسيا في هذا الجو المدجّن الذي يجعل المسألة مسألة شكلية فقط على غرار ان تجتمع الدول المستقلة عندما تحصل هناك مشكلات من دون أي خط حاد يتناول اوضاع تلك الدول بالعمق فلن يحصل هناك شيء".

س: قضية كوسوفو جزء من قضية البلقان حيث التنوع الطائفي والعرقي اللذان كانا وراء تفجير الاتحاد اليوغوسلافي . هل تتصور ان هناك مصلحة دولية وتحديداً اميركية في تفجير البلقان بكل دوله؟

ج: "لا أجد الان مصلحة لحرب في البلقان كله". اجاب المرجع الابرز، "انني اتصور انه اذا أريد تحريك بؤر التوتر الموجودة في مقدونيا أو اليونان أو تركيا فلا بد ان تطرح بالمفرق لا بالجملة، لأن حرب البلقان قد لا تستطيع اميركا ولا اوروبا ان تخوضها بهذه السعة. اما مسألة تركيا واليونان فاعتقد ان هناك ضوابط معينة من خلال الطبيعة المتداخلة للمنطقة، باعتبار ارتباطها بمنطقة الشرق الاوسط من جهة واوروبا من جهة اخرى. لذلك لم اعتقد ان من الصعب جداً ايجاد الحرب بين تركيا واليونان، وهذا هو الذي يفسر بقاء قبرص على هذا الوضع، حتى انه عندما انطلق الاتحاد السوفياتي ليعطي قبرص اليونانية صواريخ تدخلَ الوضع الدولي لتجميد هذه المسالة، ولذا لا يراد للوضع التركي ان يتفجر لأنه اذا تفجر فلن تكون المسألة مسألة تركيا واليونان، بل تكون تركيا بالذات".

س: هل لا يراد تفجير تركيا في المطلق أم الآن؟

ج: اجاب المرجع الاسلامي الابرز:"عندما تتحدث في المطلق فان تفجير تركيا لا بد ان يعيش في دائرة تفجر المنطقة، يعني لا بد ان نعيد النظر في "سايكس ـ بيكو"، لأن هذا الوضع الموجود في المنطقة هو الوضع الدولي الذي لا يزال الواقع الاميركي والاوروبي يحافظ عليه، لذلك عندما يبدأ خلط الدول في المنطقة يمكن ان نفكر في ان تتفجر تركيا. اما الآن فاننا لا نجد أي مصلحة لاي فريق".

الصورة الاسلامية لأميركا لن تتحسن؟

15/4/1999

علق المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الشيعية اللبنانية على تحذير الرئيس السابق للجمهورية الياس الهراوي من انتقال رذاذ الحرب في كوسوفو إلى لبنان الى الصدامات بين المسلمين والمسيحيين في مدينة الناصرة الفلسطينية. قال:

"اما هذا الرذاذ فأنني من خلال قراءتي للواقع اللبناني لا اجد هناك اية ظروف ولو بنسبة عشرة في المئة لمثل هذا، لان هذا الرذاذ اذا اريد له ان يصيب الارض اللبنانية فأنه قد يتحرك على اساس طائفي، وانا اجد انه ليست هناك أي مشكلة ارثوذكسية ـ اسلامية في الوجدان الاسلامي على الاقل، واعتقد ان الوجدان الارثوذكسي، بل ان المسيحية الشرقية التي تتمثل في الاثوذكس قد انفتحت ولا تزال على الواقع الاسلامي والواقع العربي في المنطقة. ومن هنا، فلم يحصل هناك اية مشكلة ارثوذكسية ـ اسلامية، ولا اجد في الواقع الاسلامي او الارثوذكسي من يتحدث بهذا لانني الاحظ ان الارثوذكس كانوا عاقلين جدا في عواطفهم ومشاعرهم بالنسبة إلى صربيا، وقد قرات اكثر من حديث. واحب ان اشير إلى حديث الصديق المطران جورج خضر الذي يعبّر عن عقلانية وانسانية في هذه المسألة، بحيث ان الارثوذكس لم يركبوا موجة رئيس صربيا، بل العكس وقفوا في شكل سلبي امام بعض ما يقوم به، كما ان المسلمين لم يحملوا الارثوذكس ذلك بل اعتبروها جزءاً من التعقيدات الدولية والمصالح الدولية التي لم يبرئوا منها اميركا في هذا المجال.

لذلك، لا اعتقد ان ثمة أي شيء ارثوذكسي ـ اسلامي اذا كان ما يراد تشبيه الرذاذ بهذا . ونحن نعمل بكل قوة وقسوة في سبيل منع ما قد يفكر بعض الناس ان يقوم به في هذا الاتجاه. واحب ان لا يلعب بعض المسيحيين لعبة الارثوذكس والمسبمين حتى يقارنوها بلعبة الكاثوليك والمسلمين وما إلى ذلك لأن اللبنانيين لا يتقنون هذه اللعبة الا اذا جاءت من الخارج ولا اعتقد ان هناك اية ظروف لتحريك هذه اللعبة في الخارج، على الاقل في المستقبل المنظور.

أما ما حصل في الناصرة، فاعتقد انه يمثل حالة ضيعوية عادية تحصل حتى عندنا في لبنان. فنحن نعرف ان هناك بعض القرى في الجنوب تحصل فيها مشاكل بين المسلمين والمسيحيين في أرض يريد المسلمون ان يقيموا عليها حسينية مثلاً ويريد المسيحيون ان يجعلوها ساحة للكنيسة وما إلى ذلك، ان هذه المسألة هي مسألة ضيعوية لكن الاعلام يحاول ان يحرك أي شيء فيه عنوان اسلامي ومسيحي ليدخله في المشكلة الاسلامية ـ المسيحية، تماماً كما لاحظناه في ما كان يحصل في الصعيد المصري عندما يختلف قبطي مع مسلم في قضايا الذهب او ثارات الشرف وما إلى ذلك، وكان الاعلام يحوّر الموضوع ليتحدث عن مشكلة الاقباط والمسلمين".

س: التحرك الاسلامي العام حيال مشكلة كوسوفو اما غائب وأما خجول. لماذا؟

ج: اجاب المرجع الاسلامي الابرز:"لعل الدول الاسلامية او دول المؤتمر الاسلامي لا تشعر انها قادرة على فعل شيء في مسألة كوسوفو كمسألة سياسية لانها في موقع ضعف، ولأنها فهمت ان اللعبة هي لعبة اميركية، وإذا عرفنا ان غالبية الدول الموجودة في منظمة المؤتمر الاسلامي تسير في الفلك الاميركي فمن الطبيعي ان نعرف انها لا تملك أي شيء في هذا المجال، لأن المسألة هي مسألة الضغط، واميركا تقف الان تحت واجهة انها تدافع عن المسلمين. فمن الطبيعي جدا ان الدول التي تسمى اسلامية لا بد ان تتحرك إلى جانب التحرك الاميركي في هذا المجال. اما البعد الانساني فاعتقد انه كان بعدا مائعا ولكنه بدأ الآن يأخذ بعض الحيوية من خلال ان اميركا والدول الاوروبية اصبحت تطلب من الدول العربية والاسلامية القيام بحملات لأعطاء القضية هذا البعد الانساني والدخول في هذه المسألة الانسانية، انها ليست مستعدة لأن تدخل المسلمين في المسألة السياسية، ولكن المسألة الانسانية هي المسألة التي يمكن ان تعطي بعداً كبيراً في هذا المجال".

س: هل يمكن ان تستفيد اميركا من تدخلها لمصلحة المسلمين في كوسوفو لتحسين صورتها عند المسلمين في العالم؟

ج: "لا اعتقد ذلك، لان هذه الصورة لا تزال صورة غائمة باعتبار ان الرأي العام الاسلامي خرج من السذاجة التي تجعل التحرك الاميركي تحركاً في مصلحة المسلمين، لأنه رأى ان التحرك الاميركي في البوسنة والهرسك لم يعط النتائج التي كان المسلمين يفكرون فيها، ولذلك فالمسألة في الوجدان الاسلامي هي مسألة مصالح اميركا وليست مصالح المسلمين، وربما كان لهذا التهجير الكبير جداً للمسلمين في كوسوفو والذي يمكن ان يحمل نوعاً من المسؤولية للاسلوب الذي قاد به الحلف الاطلسي هذه القضية، ربما كان هذا يعتبر عنصراً سلبياً من وجهة النظر الاسلامية، لان الناس بدأوا يستعيدون تهجير الفلسطينيين، وخصوصاً ان بعض الدول ككندا من الممكن ان يُعطي هؤلاء اللجوء في المستقبل، بحيث تتم عملية تفريغ كوسوفو من المسلمين لتبقى المسألة في المطلق كما بقيت مسألة اللاجئين الفلسطينيين. هذا إلى جانب ان اميركا في الوقت الذي تقصف فيه صربيا لحساب المسلمين ـ كما تحاول ان توحي ـ فهي تقصف العراق، واذا كان النظام العراقي لا يملك شعبية فالارض تملك في وجدان المسلمين معنى، وترى ان اميركا هي التي تمد المشكلة العراقية ولا تسمح لمجلس الامن ان يحل المشكلة بطريقة وبأخر. هذا إلى جانب ان المسلمين يعيشون في المسألة الاسرائيلية ـ العربية او الاسلامية الاسلوب الاميركي، فلماذا لم تبادر اميركا كما بادرت هناك إلى وضع الموقف الحاسم امام اسرائيل لتنفذ اتفاق"واي ريفر" ـ بغض النظر عن موقفنا منه ـ في الوقت الذي يعيش فيه الفلسطينيون في ارضهم هذا الشكل المأسوي.

لذلك اعتقد ان مسألة اميركا اصبحت خارج نطاق الثقة في الوجدان الاسلامي العام".

بين الغربين الاميركي والاوروبي فرق

16/4/1999

لا يعتقد المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الشيعية اللبنانية ان هناك ظروفاً سياسية او انسانية او امنية في ايران تتيح لاميركا توجيه ضربات اليها مثلما تفعل حالياً في صربيا ومثلما فعلت ولا تزال في العراق. "فايران تتحرك حتى الان بين الالغام التي تحاول اميركا ان تزرعها داخلها بحذر ووعي وذكاء".

س: اظهرت الانتخابات البلدية في ايران ان التيار غير المحافظ لا يزال يحظى بشعبية رغم المضايقات التي تعرض لها، علماً ان بعضهم كان خشي ان يفقد الرئيس غير المحافظ الدكتور محمد خاتمي وتياره عددا من المواقع بفعل تأثير المتشددين. هناك انتخابات نيابية ستحصل في مستقبل غير بعيد. وسيكرر المتشددون مضايقاتهم للمعتدلين والاصلاحيين. فهل تعتقد ان التجربة الخاتمية اجتازت مرحلة الخطر وانها ستبرهن ذلك في الانتخابات النيابية المقبلة؟

ج: اجاب المرجع الابرز:"لا اعتبر انها كانت منذ البداية تعيش حالة خطر، كانت تعيش حالة ارباك لانها لم تستكمل مواقعها وصورتها، فالتيار الخاتمي ـ اذا صح التعبير ـ ليس تياراً واحداً بل هو مجموعة تيارات تختلف في خطوطها الثقافية والسياسية. من هنا، كانت المسألة هي أن هذا التيار كان يمر في حركة التجاذب الموجودة في ايران ببعض النكسات الموجودة في داخله وببعض التحديات التي وُجهت اليه من التيار الاخر، لهذا كان كل فريق من الذين يمثلون هذا التيار أن يستفيد لنفسه في الحالات العادية، ولكنه عندما يشعر بالخطر في القضايا الحاسمة بحيث ان خسارته تقتضي خسارة الكل فانه يتجمع وهذا ما لاحظناه في الانتخابات البلدية. واتصور ان الانتخابات النيابية لن تكون اقل حيوية بالنسبة إلى هذا التيار من الانتخابات البلدية لسبب بسيط هو ان التيار الشبابي والنسائي لا يزال مع شخص خاتمي، ولا يزال الذين تجمعوا خلفه حتى لو لم يلتزموا خطه يشعرون بالخطر عندما يخسر السيد خاتمي موقعه السياسي في هذا المجال، لهذا اتصور ان المسالة قد تعبّر عن نفسها بطريقة اخرى ولكن بالتعبير نفسه الذي حصل".

س: في الانتخابات الاخيرة لمجلس الخبراء رفضت الهيئة المعنية ترشيحات كثيرة بسبب الانتماءات السياسية لأصحابها. فهل يمكن ان يحصل الشيء نفسه قبل الانتخابات النيابية؟

ج: اجاب المرجع الاسلامي الابرز: "لا، لان مجلس الخبراء محدود. هناك محدودية لمجلس الخبراء باعتبار انه يحتاج إلى مواصفات معينة، كأن يكون مجتهداً وغير ذلك، هذه المواصفات يمكن التدخل فيها وقد يكون حقيقياً، فليس من الضروري جداً ان يكون رسم علامة استفهام على هذا المرشح او ذاك المرشح انطلاقاً من خلفية سياسية تريد ان تبعد هذا او ذاك، بل ربما تكون القضية خاضعة للموازين التي وضعت لشرعية الترشيح هنا وهناك. اما بالنسبة إلى الانتخابات النيابية فانها لا تحمل مثل هذه الشروط المعقدة التي يمكن ان تختلف فيها الافكار، فالانتخابات النيابية كالانتخابات البلدية للبلاد كلها".

س: التجديد مرة واحدة لرئيس الجمهورية الاسلامية الايرانية مسموح به دستوريا. هل يعني التجديد للرئيس محمد خاتمي في الموعد الدستوري اذا حصل ان التيار المعتدل او غير المحافظ بمكوناته المتنوعة قد كرس شعبيته ووجوده نهائياً داخل ايران؟ وهل يفتح ذلك الباب امام حل المشاكل المستعصية القائمة بين ايران والغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الاميركية؟

ج:"لا اتصور ان السيد خاتمي يلهث وراء اعادة العلاقات مع اميركا، كما ان المسألة ليست مجرد مسألة شخص ـ لو كان يرغب ـ ولكن القاعدة الشعبية حتى الان لا تملك هذه الحماسة لإعادة العلاقات مع اميركا، خصوصاً ان اميركا لم تتقدم خطوة واحدة في هذا الاتجاه. فنحن نلاحظ مثلاَ ان اميركا لا تزال تلاحق ايران في أي علاقة اقتصادية او عسكرية من ناحية الاسلحة، كما ان اميركا لم تفرج عن الارصدة الايرانية. لذلك، فان اميركا لم تقدم أي شيء بل هي تتحرك بالخطط التي يجد الشعب الايراني فيها انها خطط معادية للوضع في ايران، مع ملاحظة مهمة جداً وهي ان قوة التيار الاخر وقوة آية الله السيد خامنئي في المسألة التي تقف ضد اعادة العلاقة مع اميركا الا بشروط كبيرة جداً، تمنع ذلك. واعتقد ان السيد خاتمي لا يخرج عن هذه الدائرة، لكن نلاحظ ان هناك فرقاً بين غرب اميركا وغرب اوروبا، واعتقد ان اوروبا بدات تخترق الحاجز الاميركي في علاقاتها الاقتصادية مع ايران.

س: صحيح ان هناك تنافسا اقتصاديا ما دار بين اميركا واوروبا, ولكن صحيح ايضا ان اوروبا في حاجة دائمة إلى مظلة دفاعية اميركية.

ج:"هناك نقطة وهي انه ليست هناك مسألة دفاعية الان في ما يتصل بمسألة ايران او المنطقة. ولهذا فان المسألة الدفاعية التي تتحرك في نطاق الحفاظ على الخليج ونفطه لم تطرح الان على مستوى حار، بل ان ايران تتحرك في شكل طبيعي يتناسب مع اوضاعها الامنية في المنطقة لهذا تبقى المسألة اقتصادية. واعتقد ان المسألة الاقتصادية هي المساحة التي تسمح فيها اميركا لاوروبا ان تتحرك او تقف فيها امام اميركا بقوة كما حصل في وقوف فرنسا في ما يتصل بقانون"داماتو". واعتقد ان الشركات الاميركية بدات تعارض السياسة الاميركية في مسألة هذا القانون. ولعل من المفارقات اننا نجد ان كندا انضمت إلى فرنسا في الاتفاق النفطي الاخير بينها وبين ايران.

جمود المنطقة وصل الى نهايته

17/4/1999:

تحدث المرجع الديني الابرز في التيارات الاسلامية الشيعية اللبنانية عن الانتخابات الاسرائيلية العامة المقررة في السابع عشر من ايار المقبل.

ج: لا اتصور ان الانتخابات الاسرائيلية يمكن ان تحقق نتائج فوق العادة كما يتصور بعض العرب، لكنني اتوقع ان تتحرك مشكلة الشرق الاوسط بعد هذه الانتخابات ايا يكن الفائز، لان القضية ليست اسرائيلية في الخصوصيات الحزبية الاسرائيلية بل هي قضية الخطوط الدولية المتداخلة مع الخطوط الاسرائيلية، فاسرائيل لا تستطيع بعد الانتخابات ان تجمد مشكلة الشرق الاوسط باعتبار ان أي تجميد لها على الطريقة التي حصلت بعد اتفاق "واي ريفر" لن يقبلها احد حتى اميركا، لان ذلك يضر بمصالحها في المنطقة، كما ان اوروبا لا توافق على تجميد كهذا، بقدر ما تملك اوروبا من تأثير في هذا النطاق، مع ملاحظة ان الوضع الاسرائيلي الداخلي لا يسمح بابقاء العزلة الاسرائيلية عن المنطقة.

لذا اتصور ان الموضوع سوف يتحرك بطريقة وباخرى، ولعلنا نستطيع استيحاء هذه المؤشرات من حركة عرفات في الواقع الدولي لحشد التأييد للدولة الفلسطينية، ثم قوله انه لن يستعجل اعلانها من طرف واحد، ربما كان هذا يدل على ان هناك شيئاً في آخر النفق".

س: هل يقتصر تحرك مشكلة الشرق الاوسط على المسار الفلسطيني ام يشمل المسارين اللبناني والسوري؟

ج: "اعتقد ان القضية هي الشرق الاوسط، لانني اتصور، ولا ادري كم يمكن ان يكون هذا التصور دقيقاً، ان جمود المنطقة وصل إلى نهاياته والقضية تتصل بجمود الواقع السياسي في المنطقة. اما كيف تتحرك القضية؟ فمن الطبيعي جداً ان مرحلة اسرائيل الدولة قاربت النهاية، بمعنى وصول اسرائيل إلى شخصية الدولة".

س: هل ستعرض اسرائيل لبنان لامتحان صعب او تجربة صعبة بانسحابها الاحادي منه؟

ج:"اعتقد ان الانسحاب الاسرائيلي من جانب واحد تجاوزه الزمن، لان اسرائيل رغم الضربات التي وجهتها اليها المقاومة قد استوعبت الموضوع. واعتقد ان اكثر من جهة عربية ودولية لا توافق على الانسحاب من طرف واحد، لأنه يربك كثيراً من الخطط العربية والدولية معاً. لهذا لا وجود ولا لفرصة للانسحاب من طرف واحد حتى لو ان اسرائيل زادت في مأزقها. لاننا عندما ندرس ما حصل في الآونة الخيرة من محاولة احتواء هذا المأزق الاسرائيلي الصعب الحاد دولياً، وخاصة من اميركا وبعض الدول العربية والاوروبية، نعرف ان أي مأزق جديد سوف يكون له احتواء جديد".

س: شهد لبنان قبل اشهر ولادة عهد رئاسي جديد وحكومة جديدة. وحصلت تطورات كثيرة خلال هذه الفترة وفتحت ملفات معينة واختلف تقويم ذلك كله عند الكثيرين او تناقض. ما هو تقويمك للوضع اللبناني اليوم؟

ج: "لا بد لنا ان ندرس ان أي واقع جديد يحاول ان يتحرك لا يملك حرية الحركة الا اذا كان الميدان مفتوحاً ويمنحه حرية الحركة والتخطيط. اما الواقع الجديد الذي يأتي إلى أرض مملوءة بالالغام والاشواك وبكثير من التعقيدات الاقتصادية والسياسية فمن الطبيعي ان يلتقي عندما يريد ان يجرب حظه، الكثير من المشاكل التي تمنعه من حرية الحركة، لهذا اتصور ان الواقع الجديد لا يزال يبحث عن الطريق الذي يريد ان يقطعه بين الالغام. من الطبيعي انك عندما تاتي إلى واقع اقتصادي يقارب الافلاس فانك لا تملك الفرص لمعالجة هذا الواقع بعيداً من أي قرارات غير شعبية. وهكذا عندما نجد ان الواقع السياسي لا يزال واقعاً مريضاً بالعقد النفسية والفئوية وما إلى ذلك، فان من الطبيعي ان تواجه اية مبادرة تفسيرات سلبية كما تقرأ في الصحف.

ان على الجميع ان يلتقوا. لا بد ان تلتقي المعارضة والمولاة ـ اذا صح ان هناك معارضة وموالاة ـ من اجل دراسة الارضاللبنانية السياسية والاقتصادية والامنية، وما هي الامور التي يمكن ان تقوم بها المعارضة اذا عادت إلى الحكم او تتحرك بها الموالاة وهي تتحرك في هذا الحكم. ان القضية لا تزال ان هناك رغبة في تعقيد المبادرات. لهذا فان ما بدأه هذا الواقع الجديد في المساءلة عن بعض الصفات التي تتصل بالنفط من جهة او المساءلة في قضية تقرير ديوان المحاسبة لا يمثل أي تحد لأي فريق بالمعنى القانوني للتحدي. عندما تُطرح هذه الامور فمن حق الواقع الجديد ان يسال كيف حصل هذا؟ هل هناك مخالفة قانونية ام لا؟ اين ذهبت هذه الاموال او غيرها؟

ان علينا ان نشجع هذه المساءلة ولعله افضل تعبير بعيداً من الحساسيات، ونطلب من المسؤولين ان يجعلوا هذه المساءلة في الاطار القضائي والقانوني. وهكذا اذا أردنا ان ننقد الموازنة فان علينا ان ندرس هل هناك امكان لموازنة اخرى في الظروف الاقتصادية اللبنانية او ليس هناك من امكان؟ ان يسجل المسؤولون في السابق على المسؤولين في الحاضر انكم كنتم تنتقدوننا على الضرائب وغيرها، فهذه تفاصيل. ليس هناك فريق معصوم هنا وهناك.

على اللبنانيين المسؤولين ان تكون لهم ذهنية خدمة لبنان لا خدمة انفسهم. خدمة هؤلاء الناس. وعلى المسؤول ان يفكر في البلد؟ وهو خارج المسؤولية تماما كما يفكر وهو في داخل المسؤولية لان هذا الجدال الذي يتحرك هو جدال يوحي ان هناك شيئاً من التخلّف في ممارسة الواقع الصعب الذي يعيشه اللبنانيون اقتصاديا وسياسياً.

س: ما هي حرية مساحة التحرك للواقع الجديد هذا؟

ج:"لا بد ان يكون هناك حوار بين المسؤولين في السابق والمسؤولين في الحاضر، ان يكون هناك حوار جدي. عليّ ان اعمل وانا في خارج الحكم لأنجح حل المشكلة اللبنانية، لا ان اعمل على اساس ان يفشل غيري. يجب ان لا تكون القضية عندي ان اسجل عليك نقطة حتى لو سجلت عليّ نقطة في ما يتهم به البعض المسؤولين.

لا اتحدث عن مثاليات ولكنني اتحدث عن ان هذا الاسلوب الذي يتحرك به بعض السياسيين في لبنان يعني اننا سنبقى ندور في الحلقة المفرغة. اما اذا كان المقصود ما هي مساحة التحرك في الواقع الاقليمي فاعتقد ان هناك مساحة جيدة يملك المسؤولين فيها الحرية إلى حد ما.

س: هناك شعور بان الذين كانوا في الحكم وبعض من كانوا خارجه يعملون لتسجيل نقاط على المسؤولين الجدد. وهناك شعور بان المسؤولين الجدد يصفون حسابات مع المسؤولين القدامى؟

ج:"عندما نريد ان نتحدث عن مساحة الحرية فعلينا ان نعرف ان هناك وضعاً جديداً هنا وهناك، وانه يراد للوضع الجديد هنا وهناك ان يتحرك في حالة انسجام بعيدا من كثير مما يمثل الماضي هنا وهناك.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير