الإستنساخ ليس تعدياً على دور الخالق والمستنسَخ إنسان طبيعي

الإستنساخ ليس تعدياً على دور الخالق والمستنسَخ إنسان طبيعي

بعد أقل من شهر على إعلان الطبيب الإيطالي سيفيرينو انتينوري البدء بعمليات استنساخ بشري على أكثر من مئتي امرأة بحلول شهر تشرين الأول المقبل، وكشف أحد شركائه عن أنَّ هذه العمليات بدأت فعلاً وأنَّ الأجنّة البشرية المستنسخة الأولى ستكون جاهزة في خلال شهرين، وفي وقت جاءت ردّة فعل دول أجنبية عدّة على الإعلان على شكل إصدار قوانين تمنع عمليات الاستنساخ لأيّ غرض كان، أطلق المرجع الديني الشيعي السيِّد محمَّد حسين فضل اللّه فتوى شرعية حللت الاستنساخ لتشكل بذلك ما يُشبه الخرق على الساحتين المحلية والعالمية في ظلّ استمرار النقاش حول هذا الموضوع والرفض الديني المطلق له من قبل الكنيسة الكاثوليكية وعدد كبير من المراجع الدينية الإسلامية التي أبدت رأياً فيه.

وإذا كانت هذه الفتوى لا تشكل مفاجأة للمتابع لفتاوى السيِّد فضل اللّه السابقة في مواضيع عدّة حساسة ليس آخرها قوله بوجوب اعتماد الحسابات الفلكية لتحديد موعد حلول شهر رمضان والأعياد الإسلامية بدل الاكتفاء بالبحث عن رؤية الهلال، جاء إعلان السيِّد فضل اللّه عدم حرمة الاستنساخ ليضيف بُعداً جديداً إلى الموضوع على الاقل على مستوى العالمين العربي والإسلامي، ويُعيد طرح القضية للنقاش ولا سيّما أنَّ المعترضين على الاستنساخ ينطلقون من قيم دينية هي في صميم العقيدة الإسلامية. وكان السيِّد فضل اللّه قد عبّر عن رأيه هذا في السياق أكثر من مرة إنَّما بشكل عام ومن دون الدخول في تفاصيله، لكنَّه في حوار أجرته معه «السفير» حدّد بدقة مواطن التحليل والتحريـم لهذه العملية شارحاً لرؤيته في هذا الموضوع منطلقاً من اجتهاده الديني ومناقشاً جوانب عدّة من التأثيرات المحتملة لهذه العملية على المجتمعات البشرية والأحكام الشرعية من نسَب ووراثة وتكليف شرعي للأشخاص المستنسَخين، وما اعتبره أفكاراً أقرب إلى الخيال. وهو وإن بدا مختلفاً في رأيه عن غيره من الفقهاء، إلاَّ أنَّه رأى أنَّ هذا الرأي قابل للمناقشة و «نحن لا نتعقد من التراجع إذا ما اكتشفنا خطأ...». وفي ما يلي نص الحوار:

س: لماذا لـم تحرّموا الاستنساخ البشري في حين حرّمه معظم رجال الدين المسلمين والمسيحيين، وممَ انطلقتم لتحليله؟

ج: إنَّ أي حدث علمي نشعر بأنَّه يمثِّل تطوّراً في وعي الإنسان من حيث اكتشافه لأسرار الخلق يؤكّد عظمة اللّه، لأنَّه يُتيح للإنسان معرفته من خلال إبداعاته في الوجود.

وكلّما اطلع الإنسان على القوانين المودعة في الوجود كلّما تمثّل عظمة اللّه، لهذا أكّدنا أكثر من مرة أنَّ الإيمان يمر بطريق العلم ولا ينطلق من مواقع الجهل. وكلّما ازداد الإنسان علماً زاد إيماناً.

وعلى ضوء هذا فإنَّنا نرى أنَّ العلم خير بكلِّ نتائجه، لكن المسألة التي تجعلنا نتحفظ هي في طريقة استخدام العلم. فهو قد يُستخدم في الشر كما قد يستخدم في الخير... لذلك نحن لا نقف موقفاً سلبياً من العلم بل ندرس طريقة استخدامه لنحكم بالسلبية تارة إذا كان الاستخدام سلبياً، وبالإيجابية إذا كان إيجابياً.

ومن خلال هذا المبدأ درسنا مسألة الاستنساخ، والسؤال الذي طرح في البداية هو هل أنَّ نتائج الاستنساخ تصادم العقيدة الدينية؟ وهل يتحوّل الإنسان إلى خالق لتسقط العقيدة بأنَّ اللّه وحده هو الخالق؟ إنَّ المسألة التي لا بُدَّ من أن نبحثها هي مسألة الخلق أي أن يخلق العلماء قانوناً جديداً ليس له سابقة في القوانين المودعة في الكون من قبل اللّه.

ومن هنا، درسنا مسألة الاستنساخ ورأينا أنَّها لا تصادم العقيدة. فالاستنساخ ليس عملية خلق في العمق، ولكنَّه نتاج جديد في السطح أو في الشكل.

فالكائن الحي إنساناً كان أو حيواناً، يولد من خلية مقسمة بين النطفة والبويضة، وهذه الخلية تختزن ستة وأربعين من الكروموزومات تتوزع بين النطفة (ثلاثة وعشرين) والبويضة (ثلاثة وعشرين). فإذا التقتا وحصل التلقيح تكون الخلية قد اكتملت ووُلد الكائن الحي.

وأنا أرى أنَّ الذين يُمارسون الاستنساخ اعتمدوا هذا القانون وحاولوا أن يأخذوا خلية حيّة فاعلة كاملة، وأن يفرّغوا البويضة من محتواها من الكروموزومات ليضعوا فيها محتوى هذه الخلية فتعطي النتيجة نفسها التي تحصل خلال لقاء البويضة بالحيوان المنوي
فالقانون إذاً ثابت، لكن الانسان تحرّك من خلال التفاصيل. وبالتالي فلم يتحوّل الإنسان إلى خالق بل إلى منتج في الشكل على أساس القانون الذي وضعه الخالق.

س: هل يمكن لنا من الناحية العملية، أن نبيح الاستنساخ ليتحوّل إلى عملية صنع للإنسان بعيدة عن الطريقة الطبيعية لولادته؟

ج: إنَّ الجواب عن هذا السؤال لا بُدَّ من أن يتحرّك من خلال دراسة الواقع، لأنَّنا نرى في الشريعة الإسلامية أنَّ أحكام اللّه بالتحليل والتحريـم تأتي تبعاً للمصالح والمفاسد المتعلّقة بموضوعات الحكم، فإذا كانت المصلحة تغلب على المفسدة فهناك الحلال، وإذا كانت المفسدة تغلب المصلحة فهناك الحرام، لذلك لا بُدَّ لنا من أن ندرس حركة هذا الإنتاج العلمي الجديد في الواقع، وهل يتحرّك في إيجابياته أو سلبياته، لنحدّد بعد ذلك من خلال المتابعة والملاحظة، الحكم الشرعي، لذلك لا نستطيع أن نُعطي الآن حكماً شرعياً حاسماً في عملية الإنتاج الفعلي.

س: كيف تنظرون إلى عملية إنتاج أجنّة بشرية مستنسَخة من أجل استخدامها في العلاجات الطبية؟

ج: لقد بدأ العلماء يتحدّثون عن إمكان استخدام الاستنساخ في مسألة العلاجات الطبية وزرع الأعضاء، وهنا لا بُدَّ من أن ندرس أنَّه من الممكن جداً أن تنتج هذه الخلية الاستنساخية جنيناً ليؤخَذ منه ما نحتاجه في الأمور الطبية، نقول إنَّه عندما تتحوّل الخلية إلى جنين بالمعنى العلمي بحيث يكون هناك مشروع إنسان يملك أعضاء إنسان ولو بشكل بدائي فلا يجوز لنا أن نأخذ عضواً منه لأنَّ ذلك أشبه بأن نأخذ عضواً من أي جنينٍ آخر وُلد بشكل طبيعي، وهذا الأمر لا يجوز شرعاً، كما لا يجوز لنا أن نأخذ أي عضو من الكائن الحي ولو كان في بداية حركة الحياة.

أمّا إذا فرضنا أنَّ المسألة العلمية تقتضي أن نأخذ هذه العناصر الموجودة في هذا المخلوق الذي بدأ بمشروع الجنين، لكنَّه لـم يتحوّل إلى جنين بعد، فيمكننا أن نأخذ منه ما نحتاج إليه قبل أن يودع في الرحم.

س: نقلت الصحف عنكم أنَّكم تحدّثتم عن مسألة ولوج الروح جسدَ الجنين وضرورة عدم أخذ الأعضاء من الأجنّة التي ولجتها الروح، فما معنى ذلك؟ ومتى تلج الروح الجنين؟

ج: هناك قول سابق في الفقه الإسلامي يتحدّث عن أنَّ الروح تلج جسد الجنين عند بلوغه الشهر الرابع، غير أنَّ هناك بعض النظريات العلمية تتحدّث عن أقل من ذلك كالقول بأنَّ هذه المسألة تحصل في الأسبوع السابع.

لكنَّني لـم أتحدّث عن مسألة ولوج الروح، بل قلت أنَّه يمكن الاستفادة من العناصر التي نريدها قبل تحوّل هذا المخلوق الى جنين.

س: ماذا عن مشروع إنتاج أجنّة بشرية مستنسَخة أو غير مستنسَخة، من أجل أخذ أنواع معينة من الخلايا الأساسية منها؟

ج: هناك فرق بين خلية لا تقتل هذا الجنين ولا تضر بتكوينه الإنساني فهذا أمر لا مانع منه إذا دعت الضرورة وهي كمن يأخذ دماً أو بويضة، أمّا إذا افترضنا أنَّه تحوّل إلى جنين كامل فلا يجوز قتله.

س: هل هذا يعني أنَّكم تحللون وتقبلون بالاستنساخ لكنَّكم ترفضون قتل الأجنّة؟

ج: نحن نقبل بالاستنساخ لكنا نرفض قتل الأجنّة بعد أن تكون قد استقرت في جدار الرحم.

س: لكن الوصول إلى نتيجة في الأبحاث سيعني التخلص من العديد من الأجنّة قبل الوصول إلى النتيجة المرجوة؟

ج: نحن لا نوافق على قتل الكائن الحي عندما يكون جنيناً أكان تـمّ بعملية استنساخ أو بعملية طبيعية، لكن لا مانع من إهدار النطفة قبل أن تتحول إلى جنين عندما تكون ما تزال خارج الرحم.

س: هل تشرّعون إذاً ولادة أطفال مستنسخين أم تقبلون فقط بالقيام بالاستنساخ لأغراض علمية وعلاجية؟

ج: قلت إنَّ هذه المسألة لا نستطيع أن نعطي رأياً فقهياً حاسماً فيها لأنَّها تتصل بالجوانب الأخلاقية والاجتماعية التي تتمثّل مصلحة الإنسان أو قد لا تتمثّلها.

س: ولكن إذا بدأت فعلاً عمليات الاستنساخ البشري ونتج عنها أشخاص مستنسخون فكيف تنظرون إليهم؟

ج: عندما تنجح العملية ويولد إنسان مستنسخ فإنَّنا نعتبره إنسانا طبيعياً بحقوقه الإنسانية والشرعية. لكن المفارقة أنَّه سيكون ربَّما من أم فقط، تماماً كما هو عيسى (عليه السَّلام)، وإن كان قد ولد بطريقة الإعجاز.

س: هل يُعتبر إذاً ولداً شرعياً من الناحية الدينية؟

ج: نعم، هو يُعتبر ولداً شرعياً لأمّه، وعلى هذا الأساس يتمّ الإرث وامتداده النسبي بالنسبة لفروع الأم وأصولها.

س: إنَّ الاستنساخ قد يعني إنتاج ولد من دون زواج فهل ترى أنَّه من الممكن أن يُلغي الزواج؟

ج: إنَّنا نلاحظ أنَّ إنتاج ولد من دون زواج، يحصل من خلال عمليات الأنبوب التي تُنقَل فيها النطفة من شخص والبويضة من امرأة بقطع النظرة عن حليته أو حرمته، لكنَّه في الواقع يحصل توالد من دون عملية جنسية.

لذلك فهذا ليس مخالفاً لقوانين اللّه في الكون أو للفطرة ولا يلغي الزواج، فمسألة الزواج ليست منحصرة بمسألة التناسل بل جعل اللّه الزواج «سكناً» وتكاملاً بين الرّجل والمرأة، وأراده الخلية الاجتماعية الأولى التي تتحرّك فيها علاقة المحبة والرحمة.

س: هناك من يقول بأنَّ الاستنساخ معارض لمشيئة اللّه، كأن يتمّ استنساخ طفل لأنَّ أمّه أو أباه لا ينجب.

ج: نحن نقول بأنَّ مشيئة اللّه تنطلق من خلال الأسباب التي وضعها بين يدي الإنسان، ومنها أسباب طبيعية وهي التوالد الذي يحصل من خلال العملية الجنسية أو من خلال زرع النطفة في الرحم، وعملية الاستنساخ هي سبب من الأسباب التي ألهم اللّه الإنسان أن يقوم بها وليست تدخلاً في مشيئته، فاللّه أعطى الإنسان القدرة على أن يتصرّف في الموجودات التي بين يديه ويطوّرها من خلال ما يلهمه اللّه سبحانه وتعالى من علمه: «علّم الإنسان ما لـم يعلم» و «قل ربّي زدني علما».

لهذا فالذين يقولون بأنَّه تدخل في مشيئة اللّه يفترضون أنَّ مشيئة اللّه تنحصر في الأسباب الطبيعية، لكنَّها تتحرّك من خلال الأسباب الطبيعية والأسباب التي يكتشفها الإنسان بعد ذلك من خلال القوانين التي أودعها اللّه في الكون.

س: ألا تعتقدون أنَّ المعارضة للاستنساخ تأتي جراء خوف من نتائجه ومن إمكانية أن يُحدث فوضى اجتماعية؟

ج: أنا لا أتصوّر أنَّه سيُحدث فوضى لسبب بسيط وهو أنَّ عملية الاستنساخ هي عملية مكلفة جداً على مستوى الجهد والمال المبذولين في سبيلها، بينما عملية التناسل الطبيعي لا تحتاج إلى أيّ جهد مالي، لذلك أعتقد أنَّ هذا الحدث العلمي لن يكون له امتداد في حياة النّاس بحيث يلجأون إلى الاستنساخ ويتركون الطريقة الطبيعية باعتبار أنَّ الواقع الطبيعي هو واقع الفطرة التي يُمارس الإنسان من خلالها احتياجاته الجنسية، كما أنَّ استنساخ ولد يحتاج للذهاب إلى مختبر للاستنساخ وإجراء معاملات ودفع مال وما إلى ذلك، مما لا يتحمله أكثر النّاس.

س: ألا ترون أنَّ هذه الفتوى فريدة ليس فقط في العالـم الإسلامي بل في العالـم المسيحي أيضاً، وتشكل خرقاً عن المألوف؟

ج: المسألة ليست في أن تكون الفتوى خرقاً أو لا تكون، بل هل إنَّها تمثِّل الحقيقة الشرعية أو لا؟!

ونحن لا ندّعي العصمة لأنفسنا لكنَّنا نتصوّر أنَّ هذا الأمر قابل للمناقشة، وهذا رأي وصلنا إليه بقناعتنا الاجتهادية ومن الممكن للآخرين أن يناقشوه، كما إنَّنا لا نتعقّد في التراجع إذا ما اكتشفنا خطأ لأنَّ المسألة ليست في ذاتية الرأي بل في موضوعيته ومدى انسجامه مع الحقيقة.

وربَّما يكون تحريـم البابا أو غيره من المراجع الدينية ينطلق من رؤيتهم بأنَّ الجوانب الأخلاقية التي ربَّما يكونون قد درسوها تحمل الكثير من السلبيات، وفي الواقع إنَّني لـم أقم بدراسة تفصيلية للجانب الأخلاقي لأحكم سلباً أو إيجابا ولكنَّني درستُ القضية من خلال طبيعة عناصرها الموضوعية.

س: لكن النواحي السلبية قد لا تظهر إلاَّ بعد أن تبدأ هذه العملية فعلياً على البشر؟

ج: من الممكن أن ندرس هذا الحدث العلمي من خلال تصوّر موقع هذا الإنسان الجديد في المجتمع ومن خلال تشابك العلاقات وما إلى ذلك، كما يمكننا أن نعرف سلبيات الموضوع وإيجابياته قبل أن يتحوّل إلى واقع فعلي عندما نقوم بدراسة ميدانية أو تخطيطية.

س: كيف تنظرون إلى موضوع التعديل الجيني الذي يمكن تطبيقه على الأجنّة من أجل معالجتهم من بعض الأمراض المحتملة إصابتهم بها؟

ج: أنا لا أجد مشكلة شرعية في معالجة الجنين في تلك المرحلة من عمره لإعطائه بعض الجينات أو ما شابه ذلك، والتي تعالج مرضاً معيناً فيه، أو تطوّر خصوصية من خصوصياته، أو تنوعها، أمّا ما قد يستدل به بعض النّاس من خطّ المعارضة من قوله تعالى: ] ولآمرنهم فليغيروا خلق اللّه[ وأنَّ هذا تغيير في خلق اللّه، فإنَّنا نقول إنَّ هذه الآية لا تشمل مثل هذه الحالات بل هي تتحدّث عن تغيير خلق اللّه في فطرة اللّه ] فطرة اللّه التي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدين القيم[ .

وإلاّ فنحن لا نجد مشكلة في حرمة عمليات التجميل مثلاً، فلو فرضنا أنَّ إنسانا ولد بأنف ضخم أو ببعض الخصائص الجسدية التي قد تمثِّل قبحاً أو تشويهاً فلا مانع من القيام بعمليات جراحية تجميلية من أجل إزالة هذا النتوء أو القبح.

وبالتالي لا نرى أنَّ الآية تشمل مثل هذه الحالات ولذلك لا مانع من أن نتدخل في بعض عناصر الجنين الجسدية أو الجينية على حساب ما يصلح أمره في المستقبل وليس بما يضر به أو يكون مفسدة له.

س: هناك خوف من أن تصبح فئة معينة من البشر وهي الفئة الكاملة من الناحية الجينية، مسيطرة على الفئات الأقل منها ويُحدث الأمر فصلاً بين النّاس شبيهاً بالفصل العنصري.

ج: أعتقد أنَّ هذه الأفكار أقرب إلى الأفكار الخيالية منها إلى الواقع، لأنَّ عملية السيطرة على الآخر لا تنحصر في العناصر الموجودة في شخصية الإنسان المسيطِر، فنحن نلاحظ مثلاً أنَّ هناك العديد من الشخصيات المتفوقة في المجتمع علماً وقوّة ولكن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لا تسمح لها بالسيطرة.

إنَّ عملية السيطرة تنطلق من خلال العناصر الموجودة داخل الإنسان والظروف الموضوعية الخارجية التي تعطيه شروط السيطرة، ولذلك فإنَّ مجرّد إنتاج إنسان وتحريك الجينات وتعديلها بشكل يصبح الإنسان «نموذجياً»، لا تفسح له ذلك المجال لكي يسيطر على المجتمع.

س: البعض يرى في الاستنساخ وسيلة لسيطرة القوى العظمى عبر إنتاج بشر مسيرين؟

ج: أنا لا أتصوّر أنَّ بإمكان القوى العظمى أو غيرها أن تتدخل حتّى في الشخص المستنسخ، لأنَّ عناصر الشخصية لا تنحصر فقط في طبيعة العناصر الوراثية الموجودة في داخل تكوين الكائن الحي، بل إنَّ هناك عوامل خارجية تترك تأثيرا عليه.

بعد أقل من شهر على إعلان الطبيب الإيطالي سيفيرينو انتينوري البدء بعمليات استنساخ بشري على أكثر من مئتي امرأة بحلول شهر تشرين الأول المقبل، وكشف أحد شركائه عن أنَّ هذه العمليات بدأت فعلاً وأنَّ الأجنّة البشرية المستنسخة الأولى ستكون جاهزة في خلال شهرين، وفي وقت جاءت ردّة فعل دول أجنبية عدّة على الإعلان على شكل إصدار قوانين تمنع عمليات الاستنساخ لأيّ غرض كان، أطلق المرجع الديني الشيعي السيِّد محمَّد حسين فضل اللّه فتوى شرعية حللت الاستنساخ لتشكل بذلك ما يُشبه الخرق على الساحتين المحلية والعالمية في ظلّ استمرار النقاش حول هذا الموضوع والرفض الديني المطلق له من قبل الكنيسة الكاثوليكية وعدد كبير من المراجع الدينية الإسلامية التي أبدت رأياً فيه.

وإذا كانت هذه الفتوى لا تشكل مفاجأة للمتابع لفتاوى السيِّد فضل اللّه السابقة في مواضيع عدّة حساسة ليس آخرها قوله بوجوب اعتماد الحسابات الفلكية لتحديد موعد حلول شهر رمضان والأعياد الإسلامية بدل الاكتفاء بالبحث عن رؤية الهلال، جاء إعلان السيِّد فضل اللّه عدم حرمة الاستنساخ ليضيف بُعداً جديداً إلى الموضوع على الاقل على مستوى العالمين العربي والإسلامي، ويُعيد طرح القضية للنقاش ولا سيّما أنَّ المعترضين على الاستنساخ ينطلقون من قيم دينية هي في صميم العقيدة الإسلامية. وكان السيِّد فضل اللّه قد عبّر عن رأيه هذا في السياق أكثر من مرة إنَّما بشكل عام ومن دون الدخول في تفاصيله، لكنَّه في حوار أجرته معه «السفير» حدّد بدقة مواطن التحليل والتحريـم لهذه العملية شارحاً لرؤيته في هذا الموضوع منطلقاً من اجتهاده الديني ومناقشاً جوانب عدّة من التأثيرات المحتملة لهذه العملية على المجتمعات البشرية والأحكام الشرعية من نسَب ووراثة وتكليف شرعي للأشخاص المستنسَخين، وما اعتبره أفكاراً أقرب إلى الخيال. وهو وإن بدا مختلفاً في رأيه عن غيره من الفقهاء، إلاَّ أنَّه رأى أنَّ هذا الرأي قابل للمناقشة و «نحن لا نتعقد من التراجع إذا ما اكتشفنا خطأ...». وفي ما يلي نص الحوار:

س: لماذا لـم تحرّموا الاستنساخ البشري في حين حرّمه معظم رجال الدين المسلمين والمسيحيين، وممَ انطلقتم لتحليله؟

ج: إنَّ أي حدث علمي نشعر بأنَّه يمثِّل تطوّراً في وعي الإنسان من حيث اكتشافه لأسرار الخلق يؤكّد عظمة اللّه، لأنَّه يُتيح للإنسان معرفته من خلال إبداعاته في الوجود.

وكلّما اطلع الإنسان على القوانين المودعة في الوجود كلّما تمثّل عظمة اللّه، لهذا أكّدنا أكثر من مرة أنَّ الإيمان يمر بطريق العلم ولا ينطلق من مواقع الجهل. وكلّما ازداد الإنسان علماً زاد إيماناً.

وعلى ضوء هذا فإنَّنا نرى أنَّ العلم خير بكلِّ نتائجه، لكن المسألة التي تجعلنا نتحفظ هي في طريقة استخدام العلم. فهو قد يُستخدم في الشر كما قد يستخدم في الخير... لذلك نحن لا نقف موقفاً سلبياً من العلم بل ندرس طريقة استخدامه لنحكم بالسلبية تارة إذا كان الاستخدام سلبياً، وبالإيجابية إذا كان إيجابياً.

ومن خلال هذا المبدأ درسنا مسألة الاستنساخ، والسؤال الذي طرح في البداية هو هل أنَّ نتائج الاستنساخ تصادم العقيدة الدينية؟ وهل يتحوّل الإنسان إلى خالق لتسقط العقيدة بأنَّ اللّه وحده هو الخالق؟ إنَّ المسألة التي لا بُدَّ من أن نبحثها هي مسألة الخلق أي أن يخلق العلماء قانوناً جديداً ليس له سابقة في القوانين المودعة في الكون من قبل اللّه.

ومن هنا، درسنا مسألة الاستنساخ ورأينا أنَّها لا تصادم العقيدة. فالاستنساخ ليس عملية خلق في العمق، ولكنَّه نتاج جديد في السطح أو في الشكل.

فالكائن الحي إنساناً كان أو حيواناً، يولد من خلية مقسمة بين النطفة والبويضة، وهذه الخلية تختزن ستة وأربعين من الكروموزومات تتوزع بين النطفة (ثلاثة وعشرين) والبويضة (ثلاثة وعشرين). فإذا التقتا وحصل التلقيح تكون الخلية قد اكتملت ووُلد الكائن الحي.

وأنا أرى أنَّ الذين يُمارسون الاستنساخ اعتمدوا هذا القانون وحاولوا أن يأخذوا خلية حيّة فاعلة كاملة، وأن يفرّغوا البويضة من محتواها من الكروموزومات ليضعوا فيها محتوى هذه الخلية فتعطي النتيجة نفسها التي تحصل خلال لقاء البويضة بالحيوان المنوي
فالقانون إذاً ثابت، لكن الانسان تحرّك من خلال التفاصيل. وبالتالي فلم يتحوّل الإنسان إلى خالق بل إلى منتج في الشكل على أساس القانون الذي وضعه الخالق.

س: هل يمكن لنا من الناحية العملية، أن نبيح الاستنساخ ليتحوّل إلى عملية صنع للإنسان بعيدة عن الطريقة الطبيعية لولادته؟

ج: إنَّ الجواب عن هذا السؤال لا بُدَّ من أن يتحرّك من خلال دراسة الواقع، لأنَّنا نرى في الشريعة الإسلامية أنَّ أحكام اللّه بالتحليل والتحريـم تأتي تبعاً للمصالح والمفاسد المتعلّقة بموضوعات الحكم، فإذا كانت المصلحة تغلب على المفسدة فهناك الحلال، وإذا كانت المفسدة تغلب المصلحة فهناك الحرام، لذلك لا بُدَّ لنا من أن ندرس حركة هذا الإنتاج العلمي الجديد في الواقع، وهل يتحرّك في إيجابياته أو سلبياته، لنحدّد بعد ذلك من خلال المتابعة والملاحظة، الحكم الشرعي، لذلك لا نستطيع أن نُعطي الآن حكماً شرعياً حاسماً في عملية الإنتاج الفعلي.

س: كيف تنظرون إلى عملية إنتاج أجنّة بشرية مستنسَخة من أجل استخدامها في العلاجات الطبية؟

ج: لقد بدأ العلماء يتحدّثون عن إمكان استخدام الاستنساخ في مسألة العلاجات الطبية وزرع الأعضاء، وهنا لا بُدَّ من أن ندرس أنَّه من الممكن جداً أن تنتج هذه الخلية الاستنساخية جنيناً ليؤخَذ منه ما نحتاجه في الأمور الطبية، نقول إنَّه عندما تتحوّل الخلية إلى جنين بالمعنى العلمي بحيث يكون هناك مشروع إنسان يملك أعضاء إنسان ولو بشكل بدائي فلا يجوز لنا أن نأخذ عضواً منه لأنَّ ذلك أشبه بأن نأخذ عضواً من أي جنينٍ آخر وُلد بشكل طبيعي، وهذا الأمر لا يجوز شرعاً، كما لا يجوز لنا أن نأخذ أي عضو من الكائن الحي ولو كان في بداية حركة الحياة.

أمّا إذا فرضنا أنَّ المسألة العلمية تقتضي أن نأخذ هذه العناصر الموجودة في هذا المخلوق الذي بدأ بمشروع الجنين، لكنَّه لـم يتحوّل إلى جنين بعد، فيمكننا أن نأخذ منه ما نحتاج إليه قبل أن يودع في الرحم.

س: نقلت الصحف عنكم أنَّكم تحدّثتم عن مسألة ولوج الروح جسدَ الجنين وضرورة عدم أخذ الأعضاء من الأجنّة التي ولجتها الروح، فما معنى ذلك؟ ومتى تلج الروح الجنين؟

ج: هناك قول سابق في الفقه الإسلامي يتحدّث عن أنَّ الروح تلج جسد الجنين عند بلوغه الشهر الرابع، غير أنَّ هناك بعض النظريات العلمية تتحدّث عن أقل من ذلك كالقول بأنَّ هذه المسألة تحصل في الأسبوع السابع.

لكنَّني لـم أتحدّث عن مسألة ولوج الروح، بل قلت أنَّه يمكن الاستفادة من العناصر التي نريدها قبل تحوّل هذا المخلوق الى جنين.

س: ماذا عن مشروع إنتاج أجنّة بشرية مستنسَخة أو غير مستنسَخة، من أجل أخذ أنواع معينة من الخلايا الأساسية منها؟

ج: هناك فرق بين خلية لا تقتل هذا الجنين ولا تضر بتكوينه الإنساني فهذا أمر لا مانع منه إذا دعت الضرورة وهي كمن يأخذ دماً أو بويضة، أمّا إذا افترضنا أنَّه تحوّل إلى جنين كامل فلا يجوز قتله.

س: هل هذا يعني أنَّكم تحللون وتقبلون بالاستنساخ لكنَّكم ترفضون قتل الأجنّة؟

ج: نحن نقبل بالاستنساخ لكنا نرفض قتل الأجنّة بعد أن تكون قد استقرت في جدار الرحم.

س: لكن الوصول إلى نتيجة في الأبحاث سيعني التخلص من العديد من الأجنّة قبل الوصول إلى النتيجة المرجوة؟

ج: نحن لا نوافق على قتل الكائن الحي عندما يكون جنيناً أكان تـمّ بعملية استنساخ أو بعملية طبيعية، لكن لا مانع من إهدار النطفة قبل أن تتحول إلى جنين عندما تكون ما تزال خارج الرحم.

س: هل تشرّعون إذاً ولادة أطفال مستنسخين أم تقبلون فقط بالقيام بالاستنساخ لأغراض علمية وعلاجية؟

ج: قلت إنَّ هذه المسألة لا نستطيع أن نعطي رأياً فقهياً حاسماً فيها لأنَّها تتصل بالجوانب الأخلاقية والاجتماعية التي تتمثّل مصلحة الإنسان أو قد لا تتمثّلها.

س: ولكن إذا بدأت فعلاً عمليات الاستنساخ البشري ونتج عنها أشخاص مستنسخون فكيف تنظرون إليهم؟

ج: عندما تنجح العملية ويولد إنسان مستنسخ فإنَّنا نعتبره إنسانا طبيعياً بحقوقه الإنسانية والشرعية. لكن المفارقة أنَّه سيكون ربَّما من أم فقط، تماماً كما هو عيسى (عليه السَّلام)، وإن كان قد ولد بطريقة الإعجاز.

س: هل يُعتبر إذاً ولداً شرعياً من الناحية الدينية؟

ج: نعم، هو يُعتبر ولداً شرعياً لأمّه، وعلى هذا الأساس يتمّ الإرث وامتداده النسبي بالنسبة لفروع الأم وأصولها.

س: إنَّ الاستنساخ قد يعني إنتاج ولد من دون زواج فهل ترى أنَّه من الممكن أن يُلغي الزواج؟

ج: إنَّنا نلاحظ أنَّ إنتاج ولد من دون زواج، يحصل من خلال عمليات الأنبوب التي تُنقَل فيها النطفة من شخص والبويضة من امرأة بقطع النظرة عن حليته أو حرمته، لكنَّه في الواقع يحصل توالد من دون عملية جنسية.

لذلك فهذا ليس مخالفاً لقوانين اللّه في الكون أو للفطرة ولا يلغي الزواج، فمسألة الزواج ليست منحصرة بمسألة التناسل بل جعل اللّه الزواج «سكناً» وتكاملاً بين الرّجل والمرأة، وأراده الخلية الاجتماعية الأولى التي تتحرّك فيها علاقة المحبة والرحمة.

س: هناك من يقول بأنَّ الاستنساخ معارض لمشيئة اللّه، كأن يتمّ استنساخ طفل لأنَّ أمّه أو أباه لا ينجب.

ج: نحن نقول بأنَّ مشيئة اللّه تنطلق من خلال الأسباب التي وضعها بين يدي الإنسان، ومنها أسباب طبيعية وهي التوالد الذي يحصل من خلال العملية الجنسية أو من خلال زرع النطفة في الرحم، وعملية الاستنساخ هي سبب من الأسباب التي ألهم اللّه الإنسان أن يقوم بها وليست تدخلاً في مشيئته، فاللّه أعطى الإنسان القدرة على أن يتصرّف في الموجودات التي بين يديه ويطوّرها من خلال ما يلهمه اللّه سبحانه وتعالى من علمه: «علّم الإنسان ما لـم يعلم» و «قل ربّي زدني علما».

لهذا فالذين يقولون بأنَّه تدخل في مشيئة اللّه يفترضون أنَّ مشيئة اللّه تنحصر في الأسباب الطبيعية، لكنَّها تتحرّك من خلال الأسباب الطبيعية والأسباب التي يكتشفها الإنسان بعد ذلك من خلال القوانين التي أودعها اللّه في الكون.

س: ألا تعتقدون أنَّ المعارضة للاستنساخ تأتي جراء خوف من نتائجه ومن إمكانية أن يُحدث فوضى اجتماعية؟

ج: أنا لا أتصوّر أنَّه سيُحدث فوضى لسبب بسيط وهو أنَّ عملية الاستنساخ هي عملية مكلفة جداً على مستوى الجهد والمال المبذولين في سبيلها، بينما عملية التناسل الطبيعي لا تحتاج إلى أيّ جهد مالي، لذلك أعتقد أنَّ هذا الحدث العلمي لن يكون له امتداد في حياة النّاس بحيث يلجأون إلى الاستنساخ ويتركون الطريقة الطبيعية باعتبار أنَّ الواقع الطبيعي هو واقع الفطرة التي يُمارس الإنسان من خلالها احتياجاته الجنسية، كما أنَّ استنساخ ولد يحتاج للذهاب إلى مختبر للاستنساخ وإجراء معاملات ودفع مال وما إلى ذلك، مما لا يتحمله أكثر النّاس.

س: ألا ترون أنَّ هذه الفتوى فريدة ليس فقط في العالـم الإسلامي بل في العالـم المسيحي أيضاً، وتشكل خرقاً عن المألوف؟

ج: المسألة ليست في أن تكون الفتوى خرقاً أو لا تكون، بل هل إنَّها تمثِّل الحقيقة الشرعية أو لا؟!

ونحن لا ندّعي العصمة لأنفسنا لكنَّنا نتصوّر أنَّ هذا الأمر قابل للمناقشة، وهذا رأي وصلنا إليه بقناعتنا الاجتهادية ومن الممكن للآخرين أن يناقشوه، كما إنَّنا لا نتعقّد في التراجع إذا ما اكتشفنا خطأ لأنَّ المسألة ليست في ذاتية الرأي بل في موضوعيته ومدى انسجامه مع الحقيقة.

وربَّما يكون تحريـم البابا أو غيره من المراجع الدينية ينطلق من رؤيتهم بأنَّ الجوانب الأخلاقية التي ربَّما يكونون قد درسوها تحمل الكثير من السلبيات، وفي الواقع إنَّني لـم أقم بدراسة تفصيلية للجانب الأخلاقي لأحكم سلباً أو إيجابا ولكنَّني درستُ القضية من خلال طبيعة عناصرها الموضوعية.

س: لكن النواحي السلبية قد لا تظهر إلاَّ بعد أن تبدأ هذه العملية فعلياً على البشر؟

ج: من الممكن أن ندرس هذا الحدث العلمي من خلال تصوّر موقع هذا الإنسان الجديد في المجتمع ومن خلال تشابك العلاقات وما إلى ذلك، كما يمكننا أن نعرف سلبيات الموضوع وإيجابياته قبل أن يتحوّل إلى واقع فعلي عندما نقوم بدراسة ميدانية أو تخطيطية.

س: كيف تنظرون إلى موضوع التعديل الجيني الذي يمكن تطبيقه على الأجنّة من أجل معالجتهم من بعض الأمراض المحتملة إصابتهم بها؟

ج: أنا لا أجد مشكلة شرعية في معالجة الجنين في تلك المرحلة من عمره لإعطائه بعض الجينات أو ما شابه ذلك، والتي تعالج مرضاً معيناً فيه، أو تطوّر خصوصية من خصوصياته، أو تنوعها، أمّا ما قد يستدل به بعض النّاس من خطّ المعارضة من قوله تعالى: ] ولآمرنهم فليغيروا خلق اللّه[ وأنَّ هذا تغيير في خلق اللّه، فإنَّنا نقول إنَّ هذه الآية لا تشمل مثل هذه الحالات بل هي تتحدّث عن تغيير خلق اللّه في فطرة اللّه ] فطرة اللّه التي فطر النّاس عليها لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدين القيم[ .

وإلاّ فنحن لا نجد مشكلة في حرمة عمليات التجميل مثلاً، فلو فرضنا أنَّ إنسانا ولد بأنف ضخم أو ببعض الخصائص الجسدية التي قد تمثِّل قبحاً أو تشويهاً فلا مانع من القيام بعمليات جراحية تجميلية من أجل إزالة هذا النتوء أو القبح.

وبالتالي لا نرى أنَّ الآية تشمل مثل هذه الحالات ولذلك لا مانع من أن نتدخل في بعض عناصر الجنين الجسدية أو الجينية على حساب ما يصلح أمره في المستقبل وليس بما يضر به أو يكون مفسدة له.

س: هناك خوف من أن تصبح فئة معينة من البشر وهي الفئة الكاملة من الناحية الجينية، مسيطرة على الفئات الأقل منها ويُحدث الأمر فصلاً بين النّاس شبيهاً بالفصل العنصري.

ج: أعتقد أنَّ هذه الأفكار أقرب إلى الأفكار الخيالية منها إلى الواقع، لأنَّ عملية السيطرة على الآخر لا تنحصر في العناصر الموجودة في شخصية الإنسان المسيطِر، فنحن نلاحظ مثلاً أنَّ هناك العديد من الشخصيات المتفوقة في المجتمع علماً وقوّة ولكن الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية لا تسمح لها بالسيطرة.

إنَّ عملية السيطرة تنطلق من خلال العناصر الموجودة داخل الإنسان والظروف الموضوعية الخارجية التي تعطيه شروط السيطرة، ولذلك فإنَّ مجرّد إنتاج إنسان وتحريك الجينات وتعديلها بشكل يصبح الإنسان «نموذجياً»، لا تفسح له ذلك المجال لكي يسيطر على المجتمع.

س: البعض يرى في الاستنساخ وسيلة لسيطرة القوى العظمى عبر إنتاج بشر مسيرين؟

ج: أنا لا أتصوّر أنَّ بإمكان القوى العظمى أو غيرها أن تتدخل حتّى في الشخص المستنسخ، لأنَّ عناصر الشخصية لا تنحصر فقط في طبيعة العناصر الوراثية الموجودة في داخل تكوين الكائن الحي، بل إنَّ هناك عوامل خارجية تترك تأثيرا عليه.

اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير