العلّامة المرجع السيّد فضل الله للّواء الإسلاميّ: ـ لبداية رمضان بعض الارتباط بالتّنافس السياسيّ والدينيّ في العالم الإسلاميّ. ـ المسلمون يجمعهم 90 في المائة من الأساسيّات، فلنترك المختلف عليه للحوار.

العلّامة المرجع السيّد فضل الله للّواء الإسلاميّ: ـ لبداية رمضان بعض الارتباط بالتّنافس السياسيّ والدينيّ في العالم الإسلاميّ.   ـ المسلمون يجمعهم 90 في المائة من الأساسيّات، فلنترك المختلف عليه للحوار.

العلّامة المرجع السيّد فضل الله للّواء الإسلاميّ:

ـ لبداية رمضان بعض الارتباط بالتّنافس السياسيّ والدينيّ في العالم الإسلاميّ.

  ـ المسلمون يجمعهم 90 في المائة من الأساسيّات، فلنترك المختلف عليه للحوار.


كتب: الشّيخ بهاء الدّين سلام

 مرجع فقيه، وعالم جليل يشعّ نوراً ومهابةً وإجلالاً... علّامة في زمنٍ قلّ فيه العلم... وفهّامة في عصرٍ بات الجهل شرفاً يتفاخر به الأدعياء... رجلٌ له بصمات واضحة في مجال الاجتهاد الفقهيّ والفكريّ... وله رؤيةٌ اجتماعيّةٌ وثقافيّةٌ وسياسيّةٌ ثاقبةٌ تؤهّله ليكون كبيراً من كبراء العصر الذي نحيا فيه...

مع بداية شهر رمضان المبارك، نلتقي معه ليضع لنا الأصبع على الجرح، بنيّة العلاج لا الإيلام... ليحدّثنا عن اختلاف بدايات شهر رمضان في البلد الواحد... عن حال الأمّة المأساويّ... عن الاحتلال... عن تناقض أفعالنا مع أقوالنا... وليحدّثنا فيُذكّر من غفل (بل مَنْ تغافل) أنّنا أمّة واحدة موحّدة...

إنّه حوار في "بدايات" شهر رمضان! لعلّها مستقبلاً تكون بدايةً واحدةً...

إنّه حوار مع سماحة المرجع الشيعيّ، العلّامة السيّد محمّد حسين فضل الله...


قضيّة الرؤية

س: ما هي، في رأي سماحتكم، أبرز المشاكل التي تعيق توحيد الرؤية في بداية شهر رمضان من كلّ عام؟

ج: إذا كان المقصود بتوحيد الرؤية توحيد بدايات الشّهور، فهذا الأمر مرتبط بالدّرجة الأولى بالآراء الفقهيّة التي تتنوّع في اتّجاهين:

الاتّجاه الأوّل: يرى أنّه لا بدّ في بدايات الشّهور من الرّؤية الفعليّة للهلال، وهذا يعني خضوع الهلال لشهادات الشّهود الّذين يقولون إنّهم رأوا الهلال، وهذا يحيلنا ـ بطبيعة الحال ـ إلى التّدقيق في طبيعة مضمون الشّهادة؛ لدفع احتمالات الاشتباه، ولا سيّما بالأجرام الأخرى، أو الغبار الكوني المشعّ في أفقٍ مشعّ بطبيعته عند غروب الشّمس. وقد رأينا في سنين سابقة أنّ هناك ادّعاءات لرؤية الهلال وهو لم يولد بعدُ، أو لهلالٍ غير موجودٍ في أفق الرّؤية، ما يعني ـ بالتّجربة ـ أنّ الرّؤية يكتنفها العديد من المشاكل، ومن أهمّها خبرة الرّائي ببعض الأمور المتعلّقة بتحقيق سلامة الرّؤية.

وفي المقابل، هناك رأيٌ لا يشترط الرّؤية الفعليّة للهلال في ثبوت الشّهر؛ لأنّ الرّؤية إنّما أخذت ـ في لسان الرّوايات ـ كطريقٍ إلى التأكّد من وجود الهلال في الأفق، وبدء مسيرة الشّهر التي هي مرتبطة بالأساس بحركة القمر قياساً بالأرض والشّمس، علماً أنّ موضوع الصّيام هو شهر رمضان، وليس الرّؤية. وعليه، فيُمكن اعتماد الحسابات الدقيقة التي تورث الاطمئنان أو اليقين بوجود الهلال في الأفق حتّى لو لم يره أحد. ونعتقد أنّ هذا الطّريق أدقّ من الرؤية البصريّة؛ لأنّ البصر يخطئ كثيراً، ولا سيّما مع عدم خبرة كثير من الشّهود، ومع وجود الغبار الكونيّ الذي قد يشتبه معه البصر، فيرى شيئاً يحسبه الهلال وهو ليس موجوداً.

الاتّجاه الثّاني: يرتبط بأفق الرّؤية، حيث هناك رأيان فقهيّان: أوّلهما يرى أنّ أفق الرّؤية لا بدّ من أن يكون أفق البلد الخاصّ، والرّأي الآخر يرى أنّ الرّؤية مداها يتّسع لكلّ بلدٍ يشترك مع بلد الرّؤية بجزءٍ من اللّيل، وهذا له نتائج تؤثّر في تحديد بدايات الشّهور بطبيعة الحال؛ لأنّ الهلال قد لا يكون موجوداً في الآفاق في البلاد التي تقع شرقاً، بينما يقطع مسافةً زمنيّةً تؤمّن إمكانيّة الرّؤية في البلدان الغربيّة التي تشترك مع كثيرٍ من البلاد الشّرقيّة في ليلةٍ واحدة. وعليه، فيكون اليوم التّالي هو أوّل الشّهر بناءً على هذه النّظريّة، بينما لا بدّ من انتظار يومٍ آخر للحكم ببداية الشّهر بناءً على الرّأي الأوّل.

وهنا نقطةٌ ينبغي على العلماء أن يلاحظوها، وقد بدأت بعض الحلول تتحرّك في هذا المجال، وهي أنّ بعض البلدان الأوروبيّة لا يُرى الهلال فيها إلا بعد مضيّ أكثر من يومين على ولادته فلكيّاً، وهذه ظاهرة لافتة لا يُمكن تجاوزها بسهولة؛ لأنّ هذين اليومين لا يُمكن حسابهما من الشّهر الماضي الذي انتهى بدخول القمر في المحاق، وعاد فيه الهلال "كالعرجون القديم"، كما تعبّر الآية الكريمة، وهذه مشكلة تقف أمام الرّأي الذي يتبنّى الرّؤية في أفق البلد، ولا يتبنّى الأفق الواسع للرّؤية.
إنّ الاعتماد على الرّؤية يكتنفه العديد من المشاكل، ومن أهمّها خبرة الرائي ببعض الأمور المتعلّقة بتحقيق سلامة الرّؤية.

نطالب بانفتاح العلماء على علم الفلك

س:  مشهورٌ لدى النّاس جميعاً موقفكم من الحسابات الفلكيّة لتحديد بداية شهر رمضان المبارك، ولكن كيف ترون السبيل للخروج من تلك المشكلة القديمة المتجدّدة التي تنعكس سلباً على وحدة المسلمين؟

ج: المشكلة لا تحلّ إلا إذا انطلق المسلمون ليوحّدوا الرّأي الاجتهاديّ الفقهيّ حول تحديد بدايات الشّهور، إلى جانب اعتمادهم على ما وصل إليه علم الفلك من النّتائج العلميّة في هذا المجال، وهذا يتطلّب - إلى جانب الانفتاح العلميّ - أن يلتقي العلماء ليحاور بعضهم بعضاً، وليستمعوا بشيءٍ من الجدّية إلى آراء علماء الفلك، لتحصل لديهم الثّقة بهذا العلم، أو حتى ليناقشوا علماء الفلك في بعض ما توصّلوا إليه من نتائج إذا لم تحصل لديهم القناعة بها، لأنّ المشكلة في كثيرٍ من الأحيان، هي في غياب الرّوح العلميّة التي لا بدّ من أن يتحلّى بها العالِم، سواء كان فقيهاً، أو عالماً فلكيّاً، أو في أي ّميدانٍ من الميادين.
على العلماء أن يحاور بعضهم بعضاً، وليستمعوا بشيءٍ من الجدّية إلى آراء علماء الفلك، لتحصل لديهم الثّقة بهذا العلم

ولا بدّ لنا هنا من أن نشير إلى نقطةٍ مهمّةٍ، وهي أنّه قد يكون لمسألة بدايات الشّهور بعض الارتباط بطبيعة التّنافس السياسيّ أو الدينيّ في بلاد العالم الإسلامي، بما يعقّد حتّى العلماء الذين قد يكون لديهم القدرة ـ من النّاحية العلمية ـ على التوصّل إلى نتائج مهمّة تقريبيّة، ولكنّهم يقعون تحت ضغط الجهات الدينيّة أو السياسيّة التي تعبّر عن تنافسها في مثل هذه المسائل.   
 قد يكون لمسألة بدايات الشّهور بعض الارتباط بطبيعة التّنافس السياسي أو الديني في بلاد العالم الإسلامي

صورة المسلمين عن أنفسهم غير مكتملة


س: ما خطورة تلك المشكلة وآثارها على المسلمين أوّلاً، وعلى صورتهم في الغرب ثانياً؟

ج: لا إشكال في أنّ عدم توحيد بدايات الشّهور له انعكاسات متنوّعة على طبيعة العلاقات والأعمال في المجال الإسلاميّ، ولا سيّما عندما يُراد أن تحدّد تواريخ دقيقة لمثل المعاملات التّجاريّة أو عقود التّأمين وما إلى ذلك، ما يعني أنّه لو بقي الأمر كذلك، فإنّ التّأريخ الهجريّ لن يكون قابلاً للاعتماد عليه كتأريخ أصيل في حركة المجتمعات والدول، وهذا ما نجده ماثلاً أمامنا بالتّجربة، حيث تحدّد التواريخ دائماً بما يوازي التّاريخ الميلادي الذي يعتبر ثابتاً في تحديده، مع عدم وجود أيّ عقدة لدينا من أيّ تاريخ، ولكنّنا نعتقد أنّ التّاريخ الهجري يمثّل ـ بالنّسبة إلينا كمسلمين ـ جزءاً من الهويّة الإسلاميّة والتّاريخ الإسلاميّ، بما يؤكّد حضور الشّخصيّة الإسلاميّة في الوجدان العام للأمّة، أو يؤكّد غيابها في حال غياب التّاريخ الهجريّ.

أمّا أثر تلك المشكلة في صورة المسلمين في الغرب، فلا نعتقد أنّ المشكلة تكمن هنا؛ لأنّ صورة المسلمين أمام أنفسهم لا تزال صورةً غير مكتملة، وأحياناً غير مشرّفة، والمهمّ أن نكون على الطّريق الصّحيح في حلّ هذه المشكلة الّذي لن يكون إلا بتراكم التفكير العلميّ والتّجارب العلميّة في هذا المجال، وكذلك في غيره من المجالات.
إذا بقي الاختلاف في مسألة الهلال، فإنّ التّأريخ الهجري لن يكون قابلاً للاعتماد عليه كتأريخ أصيل في حركة المجتمعات والدول

خطر التمزّق المذهبيّ

س: إذا طلبنا منكم كلمةً ختاميّةً تتوجّهون من خلالها إلى الحكّام والشّعوب الإٍسلاميّة في لبنان وخارجه مع بداية شهر رمضان المبارك، فماذا تقولون؟

ج: نحن نقول إنّ الأمّة اليوم تواجه خطراً كبيراً من داخلها وخارجها. أمّا خطر الدّاخل، فيكمن في الحقد والتّمزّق المذهبيّ الذي بدأ يتطرّف حتّى وصل إلى أن يسفك المسلم دم أخيه المسلم، لمجرّد الاختلاف في المذهب أو في الفكرة أو في تفسير هذه الآية أو ذاك الحديث المرويّ وما إلى ذلك.

وما يقود كلّ ذلك هو الجهل والتخلّف اللّذان يعبّران عن نفسيهما في غياب العقل والعلم وانتشار الخرافة والأساطير والغلوّ، مما أصبح جزءاً من الإسلام بحسب الذهنيّة العامّة لمجتمعات واسعة في الأمّة الإسلاميّة، وهو من وضع الوضّاعين ودسّ المنحرفين.

والمشكلة أنّ القرآن الكريم الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}، والّذي يُقرأ ليلاً ونهاراً، هو أبعد ما يكون عن سلوك الأمّة ومنهجها في التّعاطي مع شؤونها الأساسيّة، ولا سيّما تجاه الحقّ والعدل الذي ابتعد عن سلوك كثيرٍ من الحكّام في التّعاطي مع قضايا الأمّة.

أمّا بالنّسبة إلى خطر الخارج، فيتمثّل في الاحتلال؛ أوّله احتلال فلسطين، كلّ فلسطين، والذي لا يجوز للمسلمين أن يتنازلوا عن أيّ جزءٍ منها، ثمّ احتلال العراق وأفغانستان، إضافةً إلى الاحتلال المقنّع الذي ينطلق من خلال القواعد العسكريّة الّتي تضغط على سياسات العالم العربيّ والإسلاميّ، وتتحرّك لتتحكّم بمستقبل المنطقة بشكلٍ وبآخر.
الخطر الّذي تواجهه الأمّة اليوم يكمن في الحقد والتمزّق المذهبي الذي بدأ يتطرّف حتّى وصل إلى أن يسفك المسلمُ دم أخيه المسلم.

لقد احتضن شهر رمضان معركة بدرٍ وفتح مكّة، وقد انتصر المسلمون فيه عندما ارتبطوا بالإسلام، في قيمه ومنهجه، وتحرّكوا ليصنعوا التّاريخ المشرق المنطلق من القيم الرساليّة الطّاهرة، والتي لن يُكتب لنا النّصر إلا من خلالها، وأوّلها التزام الحقّ والعدل منهجاً وسلوكاً، والانطلاق بالوحدة الإسلاميّة إلى الخطّ الواقعي الذي يجتمع على ما يقرب من 90 في المائة من التّفاصيل، فضلاً عن الأساسيّات، ويترك الباقي المختلف فيه للحوار على ضوء الرّوح الّتي تنطلق بالحقّ والعدل.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 1 رمضان 1430 هـ  الموافق: 21/08/2009 م

العلّامة المرجع السيّد فضل الله للّواء الإسلاميّ:

ـ لبداية رمضان بعض الارتباط بالتّنافس السياسيّ والدينيّ في العالم الإسلاميّ.

  ـ المسلمون يجمعهم 90 في المائة من الأساسيّات، فلنترك المختلف عليه للحوار.


كتب: الشّيخ بهاء الدّين سلام

 مرجع فقيه، وعالم جليل يشعّ نوراً ومهابةً وإجلالاً... علّامة في زمنٍ قلّ فيه العلم... وفهّامة في عصرٍ بات الجهل شرفاً يتفاخر به الأدعياء... رجلٌ له بصمات واضحة في مجال الاجتهاد الفقهيّ والفكريّ... وله رؤيةٌ اجتماعيّةٌ وثقافيّةٌ وسياسيّةٌ ثاقبةٌ تؤهّله ليكون كبيراً من كبراء العصر الذي نحيا فيه...

مع بداية شهر رمضان المبارك، نلتقي معه ليضع لنا الأصبع على الجرح، بنيّة العلاج لا الإيلام... ليحدّثنا عن اختلاف بدايات شهر رمضان في البلد الواحد... عن حال الأمّة المأساويّ... عن الاحتلال... عن تناقض أفعالنا مع أقوالنا... وليحدّثنا فيُذكّر من غفل (بل مَنْ تغافل) أنّنا أمّة واحدة موحّدة...

إنّه حوار في "بدايات" شهر رمضان! لعلّها مستقبلاً تكون بدايةً واحدةً...

إنّه حوار مع سماحة المرجع الشيعيّ، العلّامة السيّد محمّد حسين فضل الله...


قضيّة الرؤية

س: ما هي، في رأي سماحتكم، أبرز المشاكل التي تعيق توحيد الرؤية في بداية شهر رمضان من كلّ عام؟

ج: إذا كان المقصود بتوحيد الرؤية توحيد بدايات الشّهور، فهذا الأمر مرتبط بالدّرجة الأولى بالآراء الفقهيّة التي تتنوّع في اتّجاهين:

الاتّجاه الأوّل: يرى أنّه لا بدّ في بدايات الشّهور من الرّؤية الفعليّة للهلال، وهذا يعني خضوع الهلال لشهادات الشّهود الّذين يقولون إنّهم رأوا الهلال، وهذا يحيلنا ـ بطبيعة الحال ـ إلى التّدقيق في طبيعة مضمون الشّهادة؛ لدفع احتمالات الاشتباه، ولا سيّما بالأجرام الأخرى، أو الغبار الكوني المشعّ في أفقٍ مشعّ بطبيعته عند غروب الشّمس. وقد رأينا في سنين سابقة أنّ هناك ادّعاءات لرؤية الهلال وهو لم يولد بعدُ، أو لهلالٍ غير موجودٍ في أفق الرّؤية، ما يعني ـ بالتّجربة ـ أنّ الرّؤية يكتنفها العديد من المشاكل، ومن أهمّها خبرة الرّائي ببعض الأمور المتعلّقة بتحقيق سلامة الرّؤية.

وفي المقابل، هناك رأيٌ لا يشترط الرّؤية الفعليّة للهلال في ثبوت الشّهر؛ لأنّ الرّؤية إنّما أخذت ـ في لسان الرّوايات ـ كطريقٍ إلى التأكّد من وجود الهلال في الأفق، وبدء مسيرة الشّهر التي هي مرتبطة بالأساس بحركة القمر قياساً بالأرض والشّمس، علماً أنّ موضوع الصّيام هو شهر رمضان، وليس الرّؤية. وعليه، فيُمكن اعتماد الحسابات الدقيقة التي تورث الاطمئنان أو اليقين بوجود الهلال في الأفق حتّى لو لم يره أحد. ونعتقد أنّ هذا الطّريق أدقّ من الرؤية البصريّة؛ لأنّ البصر يخطئ كثيراً، ولا سيّما مع عدم خبرة كثير من الشّهود، ومع وجود الغبار الكونيّ الذي قد يشتبه معه البصر، فيرى شيئاً يحسبه الهلال وهو ليس موجوداً.

الاتّجاه الثّاني: يرتبط بأفق الرّؤية، حيث هناك رأيان فقهيّان: أوّلهما يرى أنّ أفق الرّؤية لا بدّ من أن يكون أفق البلد الخاصّ، والرّأي الآخر يرى أنّ الرّؤية مداها يتّسع لكلّ بلدٍ يشترك مع بلد الرّؤية بجزءٍ من اللّيل، وهذا له نتائج تؤثّر في تحديد بدايات الشّهور بطبيعة الحال؛ لأنّ الهلال قد لا يكون موجوداً في الآفاق في البلاد التي تقع شرقاً، بينما يقطع مسافةً زمنيّةً تؤمّن إمكانيّة الرّؤية في البلدان الغربيّة التي تشترك مع كثيرٍ من البلاد الشّرقيّة في ليلةٍ واحدة. وعليه، فيكون اليوم التّالي هو أوّل الشّهر بناءً على هذه النّظريّة، بينما لا بدّ من انتظار يومٍ آخر للحكم ببداية الشّهر بناءً على الرّأي الأوّل.

وهنا نقطةٌ ينبغي على العلماء أن يلاحظوها، وقد بدأت بعض الحلول تتحرّك في هذا المجال، وهي أنّ بعض البلدان الأوروبيّة لا يُرى الهلال فيها إلا بعد مضيّ أكثر من يومين على ولادته فلكيّاً، وهذه ظاهرة لافتة لا يُمكن تجاوزها بسهولة؛ لأنّ هذين اليومين لا يُمكن حسابهما من الشّهر الماضي الذي انتهى بدخول القمر في المحاق، وعاد فيه الهلال "كالعرجون القديم"، كما تعبّر الآية الكريمة، وهذه مشكلة تقف أمام الرّأي الذي يتبنّى الرّؤية في أفق البلد، ولا يتبنّى الأفق الواسع للرّؤية.
إنّ الاعتماد على الرّؤية يكتنفه العديد من المشاكل، ومن أهمّها خبرة الرائي ببعض الأمور المتعلّقة بتحقيق سلامة الرّؤية.

نطالب بانفتاح العلماء على علم الفلك

س:  مشهورٌ لدى النّاس جميعاً موقفكم من الحسابات الفلكيّة لتحديد بداية شهر رمضان المبارك، ولكن كيف ترون السبيل للخروج من تلك المشكلة القديمة المتجدّدة التي تنعكس سلباً على وحدة المسلمين؟

ج: المشكلة لا تحلّ إلا إذا انطلق المسلمون ليوحّدوا الرّأي الاجتهاديّ الفقهيّ حول تحديد بدايات الشّهور، إلى جانب اعتمادهم على ما وصل إليه علم الفلك من النّتائج العلميّة في هذا المجال، وهذا يتطلّب - إلى جانب الانفتاح العلميّ - أن يلتقي العلماء ليحاور بعضهم بعضاً، وليستمعوا بشيءٍ من الجدّية إلى آراء علماء الفلك، لتحصل لديهم الثّقة بهذا العلم، أو حتى ليناقشوا علماء الفلك في بعض ما توصّلوا إليه من نتائج إذا لم تحصل لديهم القناعة بها، لأنّ المشكلة في كثيرٍ من الأحيان، هي في غياب الرّوح العلميّة التي لا بدّ من أن يتحلّى بها العالِم، سواء كان فقيهاً، أو عالماً فلكيّاً، أو في أي ّميدانٍ من الميادين.
على العلماء أن يحاور بعضهم بعضاً، وليستمعوا بشيءٍ من الجدّية إلى آراء علماء الفلك، لتحصل لديهم الثّقة بهذا العلم

ولا بدّ لنا هنا من أن نشير إلى نقطةٍ مهمّةٍ، وهي أنّه قد يكون لمسألة بدايات الشّهور بعض الارتباط بطبيعة التّنافس السياسيّ أو الدينيّ في بلاد العالم الإسلامي، بما يعقّد حتّى العلماء الذين قد يكون لديهم القدرة ـ من النّاحية العلمية ـ على التوصّل إلى نتائج مهمّة تقريبيّة، ولكنّهم يقعون تحت ضغط الجهات الدينيّة أو السياسيّة التي تعبّر عن تنافسها في مثل هذه المسائل.   
 قد يكون لمسألة بدايات الشّهور بعض الارتباط بطبيعة التّنافس السياسي أو الديني في بلاد العالم الإسلامي

صورة المسلمين عن أنفسهم غير مكتملة


س: ما خطورة تلك المشكلة وآثارها على المسلمين أوّلاً، وعلى صورتهم في الغرب ثانياً؟

ج: لا إشكال في أنّ عدم توحيد بدايات الشّهور له انعكاسات متنوّعة على طبيعة العلاقات والأعمال في المجال الإسلاميّ، ولا سيّما عندما يُراد أن تحدّد تواريخ دقيقة لمثل المعاملات التّجاريّة أو عقود التّأمين وما إلى ذلك، ما يعني أنّه لو بقي الأمر كذلك، فإنّ التّأريخ الهجريّ لن يكون قابلاً للاعتماد عليه كتأريخ أصيل في حركة المجتمعات والدول، وهذا ما نجده ماثلاً أمامنا بالتّجربة، حيث تحدّد التواريخ دائماً بما يوازي التّاريخ الميلادي الذي يعتبر ثابتاً في تحديده، مع عدم وجود أيّ عقدة لدينا من أيّ تاريخ، ولكنّنا نعتقد أنّ التّاريخ الهجري يمثّل ـ بالنّسبة إلينا كمسلمين ـ جزءاً من الهويّة الإسلاميّة والتّاريخ الإسلاميّ، بما يؤكّد حضور الشّخصيّة الإسلاميّة في الوجدان العام للأمّة، أو يؤكّد غيابها في حال غياب التّاريخ الهجريّ.

أمّا أثر تلك المشكلة في صورة المسلمين في الغرب، فلا نعتقد أنّ المشكلة تكمن هنا؛ لأنّ صورة المسلمين أمام أنفسهم لا تزال صورةً غير مكتملة، وأحياناً غير مشرّفة، والمهمّ أن نكون على الطّريق الصّحيح في حلّ هذه المشكلة الّذي لن يكون إلا بتراكم التفكير العلميّ والتّجارب العلميّة في هذا المجال، وكذلك في غيره من المجالات.
إذا بقي الاختلاف في مسألة الهلال، فإنّ التّأريخ الهجري لن يكون قابلاً للاعتماد عليه كتأريخ أصيل في حركة المجتمعات والدول

خطر التمزّق المذهبيّ

س: إذا طلبنا منكم كلمةً ختاميّةً تتوجّهون من خلالها إلى الحكّام والشّعوب الإٍسلاميّة في لبنان وخارجه مع بداية شهر رمضان المبارك، فماذا تقولون؟

ج: نحن نقول إنّ الأمّة اليوم تواجه خطراً كبيراً من داخلها وخارجها. أمّا خطر الدّاخل، فيكمن في الحقد والتّمزّق المذهبيّ الذي بدأ يتطرّف حتّى وصل إلى أن يسفك المسلم دم أخيه المسلم، لمجرّد الاختلاف في المذهب أو في الفكرة أو في تفسير هذه الآية أو ذاك الحديث المرويّ وما إلى ذلك.

وما يقود كلّ ذلك هو الجهل والتخلّف اللّذان يعبّران عن نفسيهما في غياب العقل والعلم وانتشار الخرافة والأساطير والغلوّ، مما أصبح جزءاً من الإسلام بحسب الذهنيّة العامّة لمجتمعات واسعة في الأمّة الإسلاميّة، وهو من وضع الوضّاعين ودسّ المنحرفين.

والمشكلة أنّ القرآن الكريم الذي {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه}، والّذي يُقرأ ليلاً ونهاراً، هو أبعد ما يكون عن سلوك الأمّة ومنهجها في التّعاطي مع شؤونها الأساسيّة، ولا سيّما تجاه الحقّ والعدل الذي ابتعد عن سلوك كثيرٍ من الحكّام في التّعاطي مع قضايا الأمّة.

أمّا بالنّسبة إلى خطر الخارج، فيتمثّل في الاحتلال؛ أوّله احتلال فلسطين، كلّ فلسطين، والذي لا يجوز للمسلمين أن يتنازلوا عن أيّ جزءٍ منها، ثمّ احتلال العراق وأفغانستان، إضافةً إلى الاحتلال المقنّع الذي ينطلق من خلال القواعد العسكريّة الّتي تضغط على سياسات العالم العربيّ والإسلاميّ، وتتحرّك لتتحكّم بمستقبل المنطقة بشكلٍ وبآخر.
الخطر الّذي تواجهه الأمّة اليوم يكمن في الحقد والتمزّق المذهبي الذي بدأ يتطرّف حتّى وصل إلى أن يسفك المسلمُ دم أخيه المسلم.

لقد احتضن شهر رمضان معركة بدرٍ وفتح مكّة، وقد انتصر المسلمون فيه عندما ارتبطوا بالإسلام، في قيمه ومنهجه، وتحرّكوا ليصنعوا التّاريخ المشرق المنطلق من القيم الرساليّة الطّاهرة، والتي لن يُكتب لنا النّصر إلا من خلالها، وأوّلها التزام الحقّ والعدل منهجاً وسلوكاً، والانطلاق بالوحدة الإسلاميّة إلى الخطّ الواقعي الذي يجتمع على ما يقرب من 90 في المائة من التّفاصيل، فضلاً عن الأساسيّات، ويترك الباقي المختلف فيه للحوار على ضوء الرّوح الّتي تنطلق بالحقّ والعدل.

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 1 رمضان 1430 هـ  الموافق: 21/08/2009 م
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير