في مقابلة مع صحيفة الأنباء الكويتية السيّد فضل الله: انتخابات الكويت جعلتها تتقدّم على دول الخليج ونقدّر نجاح المرأة لقدرتها على تحمّل مسؤوليّة وطنها تماماً كالرّجل.

في مقابلة مع صحيفة الأنباء الكويتية السيّد فضل الله: انتخابات الكويت جعلتها تتقدّم على دول الخليج ونقدّر نجاح المرأة لقدرتها على تحمّل مسؤوليّة وطنها تماماً كالرّجل.

في مقابلة مع صحيفة الأنباء الكويتية

السيّد فضل الله: انتخابات الكويت جعلتها تتقدّم على دول الخليج ونقدّر نجاح المرأة لقدرتها على تحمّل مسؤوليّة وطنها تماماً كالرّجل.


في حضرة السيد، للاستماع متعة ونكهة خاصّة، تسأله من أنت؟ فيقول: أنا موكلٌ بالإسلام أتبعه، الإسلام القرآني المنفتح، لنقدم إلى العالم إسلاماً حضارياً منفتحاً على العقل، عملاً بقوله تعالى: {وقل الحقّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.

ويقول: لا فرق بين السنّة والشيعة، والوحدة الإسلامية هي خيارنا الوحيد لإنقاذ الواقع الإسلامي، دون أن يصبح الشّيعي سنياً أو العكس، وقد عملت خمسين عاماً لهذه الوحدة. ويلفت سماحته إلى أنّ الخلاف بين السنّة والشّيعة يدور حول ما روي عن الرّسول، ويلتقيان على الله والرسول.

أجرت صحيفة «الأنباء»الكويتية حواراً مفصّلاً مع سماحة العلامة المرجع، السيّد محمد حسين فضل الله، تناولت فيه أوضاع المنطقة، والانتخابات الكويتيّة.

وهذا نصّ الحوار:


الأميّة الثقافيّة في العالم العربي

س: تحدّثت أخيراً عن غلوٍّ ومبالغاتٍ، وأحياناً عن خرافات تسود الوسط الإسلامي، ويبدو أنّ الغلوّ أصبح منتشراً؟

ج: المشكلة هي في التخلّف العربيّ الذي يمتدّ أيضاً إلى الوسط الإسلاميّ في فهم الأصول الفقهيّة والشرعيّة للإسلام، والذي أراده الله سبحانه وتعالى، من خلال سيرة النبيّ والصّحابة وأهل البيت(ع)، أن يكون معلماً حضاريّاً ينفتح على الحياة كلّها، وهذا ما نقرأه في قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يحييكم}[الأنفال:24]. فالإسلام دعوةٌ إلى الحياة بكلّ انفتاحها وحركيّتها وتطوّرها، وبكلّ انطلاقتها مع الإنسان، خصوصاً عندما أكّد الحوار على أساس الكلمة السّواء.

لذلك، فإنّ هذا التخلّف ينطلق من الأميّة الثقافيّة التي تمثّل خطراً أكثر من الأميّة الحرفيّة إذا صحّ التعبير، لأنّ الإنسان قد يكون مثقّفاً من دون أن يعرف القراءة والكتابة، باعتبار أن الثّقافة تنطلق من خلال حركيّة الإنسان في الحياة. ولذلك كنت أقول إنّ الإنسان الذي يمارس مهمّة البناء، قد يكون أكثر ثقافةً في الهندسة، باعتبار أنّ هذا الشخص هو من يصنع الفكرة وهو صاحب التّجربة، بينما المهندس يقرأ فكرة الآخرين من خلال تجربتهم. لذلك فإنّ المسألة هي في الأمّية الثقافية التي تسود العالم العربي، ومسألة اختلاف وجهات النظر في الشخصيات التاريخية، تمثّل حالةً من حالات العصبيّة الذاتية للشخص، والتي ربما ترتفع في خطّ الانخفاض، إذا صحّ التعبير، لتصل إلى حدّ الغلوّ في الشخص، بحيث يكون ارتباطنا بالأشخاص أكثر من ارتباطناً بالإسلام، وأكثر من ارتباطنا بالنبيّ وبالله سبحانه وتعالى.

ولعلّ المشكلة التي نلاحظها في الوسط الإسلامي، هي أنّ الاجتهادات المتنوّعة في فهم الكتاب والسنّة تخضع لثقافة المجتهد، فعندما يعيش المجتهد العصبيّة، ويفهم النّصوص بطريقةٍ تتناسب مع مزاجه العصبيّ، فمن الطبيعيّ أن تكون نتائج اجتهاداته عصبيّةً، وقد تصل إلى حدّ تكفير المسلمين الذين يختلف معهم في بعض الآراء، وهذا ليس بين السنّة والشّيعة فقط، فنحن نعرف في الماضي، أنّ بعض الشّافعيين لا يجيزون تزويج الشافعيّة من حنفي، وكذلك بعض الحنفيّين لا يجيزون تزويج الحنفيّة من شافعي، كما نجد عند الشّيعة أنّ بعضهم كانوا لا يجيزون تزويج الشّيعي من السنّية، أو السنّي من الشّيعية، وهكذا، بحيث أصبحت مسألة المذهبيّة المنغلقة أكثر من أن تكون ديناً. وأستذكر في هذا، عندما جاء المشركون إلى اليهود وقالوا لهم: هل نحن على الحقّ أم محمّد على الحقّ؟ قالوا: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً، مع أنّ المشركين يشركون بالله، ومن المفروض أنّ اليهود يوحّدون الله، مع ذلك، فإن عصبيّتهم دعتهم إلى أن يقولوا إنّ المشركين أهدى من الذين آمنوا سبيلاً.

ثم لعلّ المشكلة الكبرى، هي أنّ هذا النّوع من التخلّف هو في الخرافة التي تفرض على الإسلام، أو في العصبيّة التي دخلت في المسألة السياسية، باعتبار أنّ القوى الكبرى التي تحاول السّيطرة على مقدّرات المسلمين في العالم الإسلاميّ، خصوصاً في العالم العربي، عملت على أن تشغل المسلمين بأنفسهم، وأن يعيشوا التمزّق الوطني أو التمزّق الإسلامي، حتى لا يواجهوا كلّ الخطط التي يتحرّك بها الآخرون من أجل السيطرة عليهم، خصوصاً بعد نشوء مسألة العولمة التي تنطلق في مؤتمراتها من أجل أن تدرس كيفيّة المحافظة على امتيازاتها في العالم الإسلامي، ليزداد الفقراء فقراً والأغنياء غنى.

لذلك، لم تقتصر مسألة سلبيّات العولمة على المسلمين، بل إنّنا نجد في أوروبا وأميركا اعتراضات ومظاهرات ضخمة تحتجّ على مؤتمرات القمّة للعولمة. لذلك، فإنّ المشكلة التي نعيشها الآن، هي أنّنا نعيش في الماضي ولا نعيش في الحاضر، وأنّنا نتعصّب للماضي ولا نلتزم بالحاضر، مع أنّ الله سبحانه وتعالى يقول: {تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون}[البقرة:134].

 نحن ندعو إلى دراسة التّاريخ بأشخاصه وأحداثه دراسةً علميّةً موضوعيّةً على أساس التّحليل العلمي التّاريخي، لا أن ندرسه من خلال موروثاتنا العصبيّة التي بلغت المستوى الذي يكفّر فيه المسلم أخاه المسلم ويستحلّ دمه.

لهذا، علينا أن نحارب هذه المسألة في الدّاخل من النّاحية الثّقافيّة ومن النّاحية السياسيّة، وأن نواجه الخطط الدّوليّة التي تحاول أن تزرع الفتنة في بلادنا. ومن هنا، نجدُ أنّ المشكلة التي نعيشها الآن، هي أنّ الفتنة تعيش في الواقع الإسلاميّ فقط، كما يحصل في العراق وأفغانستان والصّومال وباكستان والسّودان، إلى آخر قائمة الدّول التي قد لا تكون فيها فتنة بهذا الحجم، بل فتنة سياسيّة. لذا، لا بدّ لنا من أن نعالج المسألة من ناحية ثقافيّة وسياسيّة من أجل أن نؤكّد حرّيّتنا في تقرير مصيرنا، ونؤكّد استقلالنا السياسي، لأنّ الاستقلال ليس مجرّد ورقةٍ يوقّعها المستعمر ليعطي الحرية لهذا الشعب الذي استعمره، بل هي قضيّة تعيش في الوجدان الإنساني، بحيث تكون حراً، وتشعر بحريتك، وأنّها سرّ إنسانيتك.
علةّ الإسلام هي في الأمّيّة الثقافيّة التي تسود العالم العربي، وفي ارتباطهم بالأشخاص أكثر من ارتباطهم بالله سبحانه وتعالى وبالنبيّ(ص).

الوحدة الإسلاميّة خياري الوحيد

س: في ضوء التمزّق الذي نعيشه اليوم، كما أشرت، حتّى ليبدو وكأنّ الإسلام وحده يحارب؛ تفجير مساجد في منطقة، وإعدامات في منطقة أخرى، وحروب... فهل ننتظر منكم مبادرةً ما؟

ج: لقد بدأتُ الدعوة إلى الوحدة الإسلامية منذ أوّل الخمسينات، عندما جئت إلى لبنان عام 1952م، حيث ولدت وعشت في العراق، لأنّ أبي أقام طويلاً هناك، وكان هناك احتفال أربعيني للمرحوم السيد محسن الأمين، أحد علماء المسلمين الشّيعة الذي كان يقيم في الشام، وقد ألقيت قصيدةً في ذلك الوقت دعوت فيها إلى الوحدة الإسلامية، وكان إلى جانبي د.مصطفى السباعي، المرشد العام للإخوان المسلمين في سورية ولبنان، وأذكر أنّ الرجل كان وحدويّاً أيضاً، وقد نقل قصّةً عن السيّد محسن الأمين، حيث جاءه شخصٌ سنّي وقال له: أريد أن أكون شيعياً، فردّ عليه: ليس هناك فرقٌ بين السنّة والشّيعة، فكلّنا مسلمون، لكنّ هذا الشّخص أصرّ، فقال السيّد الأمين: هل تريد أن تكون شيعياً؟ قال: نعم، فقال له: اجلس على ركبتيك، وقل: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال ذلك، ثم قال له: قل أشهد أنّ محمداً رسول الله، فقالها، فقال له السيد الأمين: أصبحت شيعياً.

ونحن عندما نختلف حول ماذا قال رسول الله، وكلّنا نؤمن بالكتاب والسنّة، ونؤمن بأنّه {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول}[النّساء:59]، فإنّنا نلتقي على الله والرسول. لذلك أنا كنت وحدوياً، ولا أزال أعمل على أساس الدّعوة إلى الوحدة الإسلاميّة في شرق العالم الإسلامي وغربه، وأتابع الإسلام في كلّ موقع، وأرى أنّ الوحدة الإسلاميّة هي الخيار الوحيد لإنقاذ الواقع الإسلامي اقتصادياً وسياسياً وأمنياً. وليس معنى الوحدة الإسلامية أن ندعو السنّي لأن يصبح شيعياً، أو الشّيعي لأن يكون سنّياً، لكن أن نلتقي على ما اتّفقنا عليه ونتحاور فيما اختلفنا فيه.
الوحدة الإسلاميّة هي الخيار الوحيد لإنقاذ الأمّة الإسلاميّة اقتصادياً وسياسياُ وأمنياً

أسلمة العالم

س: ألا ترى أنّ الظروف التي نعيشها تتطلّب تحرّكاً ميدانياً وعملانياً من جانب شخصيّات علمائية مثلكم تكون كلمتهم مسموعة؟

ج: المشكلة هي أنّ الرموز السياسيّة في كلّ بلد، سواء كانت في موقع القمّة أو في موقع السّفح أو في الوسط، هي التي تثير العصبيّات من أجل إثارة مشاعر النّاس، حتى توظّفهم، سواء في الحملات الانتخابيّة أو ما شابه ذلك، فهؤلاء الذين وظّفوا من خلال الخطوط الدوليّة أو الإقليميّة من أجل إثارة العصبيّات المذهبيّة، لا يزالون يحرّكون الشّارع، ويحرّكون الخطوط المذهبيّة من أجل المزيد من الإثارة، وإلا، فهل إنّنا عندما نواجه هذه المسألة المذهبيّة، نستعيد الخليفة أبا بكر ونستعيد أمير المؤمنين؟ لقد وفدوا جميعاً إلى الله سبحانه وتعالى. لذلك، فالمسألة هي كيف يمكن أن نؤصّل الإسلام. ونحن ندعو من دون طائفية إلى أسلمة العالم، تماماً كما يدعو البابا إلى أن يتحرّك المبشّرون المسيحيّون لتشمل البشارة، بحسب تعبيره، العالم كلّه، وكذلك نحن ندعو إلى أسلمة العالم كلّه، لأنّ الله سبحانه وتعالى قال: {وما أرسلناك إلا كافّةً للّناس بشيراً ونذيراً}[سبأ:28].

ومن الطّبيعيّ أنّنا عندما نريد أن ندخل إلى العالم من أجل أن نركّز فيه الخطّ الإسلاميّ الحضاريّ الأساسيّ، فلا بدّ لنا من أن نعيش نحن الحضارة الإسلامية، لنقدم إلى العالم هذه الثروة الحضارية. لكنّ المشكلة هي أنّ بعض المتخلّفين المتطرّفين الذين اعتبروا الإرهاب قاعدةً لتحرّكهم، عملوا على تشويه صورة الإسلام، وقد بدأ في الجزائر، ثم امتدّ إلى أفغانستان، ثمّ إلى البلدان الإسلاميّة في الداخل، حيث صار المسلم يستحلّ قتل المسلم. إنّ هؤلاء أصبحوا مشكلةً لكلّ بلدٍ يعيشون فيه، بما في ذلك البلدان الإسلاميّة. ونحن عندما نقرأ الإعلام البريطاني، نجدهم يتحدّثون عن الإرهاب الإسلامي، وكذلك عندما نقرأ ذلك في بعض بلدان أوروبّا مثلاً، أو كما نعايشه في البلدان الإسلامية في هذا المجال.

لذلك، لا بد لنا من أن نعمل على هذا الأساس. ولعلّ المشكلة هي أنّ الذين يتحمّلون هذه المسؤولية هم العلماء الذين أصبح الكثير منهم تبعاً للشّخصيات السياسيّة التي توظّفهم وتدفع لهم الأموال وتوجّههم لخططها هنا وهناك:

«إذا كان رب البيت بالدفّ ضارباً     فشيمة أهل البيت كلّهمُ الرقص».

في هذا الإطار، نلاحظُ أنّه إذا تناول أحدٌ الإسلام تقوم الدّنيا ولا تقعد، كما حصل في العمل المدان بالتعرّض لصور الرّسول(ص) ، ولكن في المقابل، لا نرى رجال الدّين يتحرّكون لمواجهة الأعمال التي تصدر عن المسلمين من عمليّات قتلٍ وذبحٍ وتفجير تستهدف المسلمين، معتبرين أنّها طريق الجنة، وصمت المواقع الدينية يظهر وكأنّ الإسلام يبيح هذه الأعمال.

نحن لا نستطيع أن نعمّم المسألة على كلّ الشخصيات الدينية، بل نجد أن هناك من ينكر على الذين يقتلون الناس بغير حقّ، أو الذين يرضون باضطهاد الناس، ويرضون بالعدوان على الناس لمجرد أنّهم يطالبون بحقوقهم، لذلك نحن نأخذ على الكثيرين في البلدان الإسلاميّة، سواء كانت عربيّةً أو غير عربيّة، أنهم لا يسمحون لشعوبهم بالحرية؛ حريّة الاعتراض على الحاكم أو على المنهج السياسيّ الذي تتحرّك فيه الدّولة، أو على قوانين الطوارئ التي لا تأخذ بالعدل في محاكماتها، أو على حركة المخابرات التي تحكم البلدان العربية أو الإسلامية أو العالم الثالث بشكل عام بطريقة سيّئة.

لذلك، فإنّني أتصوّر أنّ قضيّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر هي من الأصول الإسلاميّة الأخلاقية في النّظام الإسلامي الحركي السياسي الأخلاقي، ومن يقصّر في ذلك، فإنّه يقصّر في مسؤوليّاته الدينيّة.
مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي من الأصول الإسلامية الأخلاقية في النظام الإسلامي الحركي السياسي الأخلاقي، ومن يقصّر في ذلك فإنّه يقصّر في مسؤوليته الدينية.

إنّني موكلٌ بالإسلام


س: تعوّدنا أن تكون الفتاوى الصادرة عن العلماء مراعيةً لما يقبله الناس، لكنّكم طرقتم الباب الموصد بكسر هذا التقليد بإصدار الفتاوى وفقاً لما تراه إسلامياً وليس لما يقبله الناس، وقد رأينا صداها إيجابياً لدى الناس، فكيف رأيتم صداها لدى الفقهاء والعلماء؟

ج: عندما انطلقت في مسؤوليّاتي الإسلاميّة منذ الخمسينات، كان كلّ همّي أن أقدّم إلى العالم إسلاماً حضارياً منفتحاً على العقل، انطلاقاً من قوله تعالى: {وقل الحقّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}[الكهف:29]. لقد كنت أفكّر في أنّ مسؤوليّتي أمام الله، هي أنّني عندما أؤمن بشيء على أنّه حقيقة، فإن عليّ أن أصرّح به، لأنه يمثّل مصلحة النّاس ويمثّل الخطّ المستقيم الذي أراد الله لنا أن نسير عليه. وأذكر على سبيل النكتة، ما يقال عن الشّاعر الغزلي عمر بن أبي ربيعة، عندما رآه بعض الناس في الطواف وهو ينظر إلى النّساء الجميلات، فقيل له: يا أبا حفص، أفي هذا المكان؟ فردّ:‍إننّي موكلٌ بالجمال أتبعه، وأنا أقول: إنّني موكلٌ بالإسلام أتبعه، وإنّني أعمل على أساس ما أؤمن به من الإسلام الذي جاء به القرآن والسنّة.

لذلك، أنا لا أهتمُّ بمحمّد حسين فضل الله، ليس له عندي أيّ دور، إنّما أهتمّ بالإسلام، لذلك لا مشكلة عندي في أن أتّهم بالتّضليل أو التّكفير أو بأيّ شيء مما نطق به الكثيرون، سواء من الشّيعة أو السنّة، كما أنّني أتصوّر أنّ الساحة لا تخلو من المثقّفين والإسلاميين الذين يدرسون الآراء الصادرة عني أو عن الآخرين بموضوعية. لهذا فإنّني وجدت الكثير من التّأييد من الطبقات الواعية والمثقّفة الإسلامية، وعلى هذا الأساس أتحرّك.

بين الماضي والمستقبل

س: في هذا السياق، نلاحظ أنّ الفتاوى التي تصدرها لها صدى في الخارج أكثر من الدّاخل؟

ج: في الدّاخل، لا يزال الكثير يعيشون الذهنيّة التقليديّة التي تعيش في الماضي، والتي تقول إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون. لذلك فإنّني أفكّر في المستقبل، وأعتقد أنّ العالم يفكّر في المستقبل.

س: على المستوى السياسيّ، يلاحظ البعض أنّكم تتجنّبون في التّصريحات الواقع الداخلي اللّبناني، وتتصدّون للواقع من جهة أميركا وإسرائيل؟

ج: عندما ندرس الوضع اللبناني، فإنّنا لا نجد أيّ تطوّر في المستوى السياسي فيه، بل إنّ المنهج الذي يحكم الحياة السياسية اللبنانية لم يتغير، لكنّ الأشخاص يتغيّرون. لهذا فإنّ النظام الطائفيّ الذي تركَّز على العرف اللّبناني وليس القانون اللّبناني، يجعل اللّبناني طائفياً ولا يجعله لبنانياً. لذلك كنت أقول إنّني مواطن، وكنت أقول إنّني أحمل مصباح «ديوجين» في النهار لأرى لبنانياً، فلا أرى إلا طائفياً، وكنت أقول إنّ لبنان ليس وطناً إنّما هو ولايات غير متّحدة، فلكلّ طائفة منطقتها ورجال دينها ورجال سياستها، وكل طائفة تمنع أيّ طائفة أخرى من التدخّل في مناطقها أو في حقوقها السياسيّة، تماماً كما هو الحال بين الدول. لقد كنت أقول عن لبنان إنّه الرئة التي تتنفّس بها مشاكل المنطقة، وكنت أقول إنّ هناك ثلاثيةً تحكم لبنان: لا تقسيم، ولا انهيار، ولا استقرار.

انتخابات لبنان وإيران

س: حصلت انتخاباتٌ في لبنان، وما زلنا نعاني من النتائج السلبيّة لهذه الانتخابات التي شقّت العلماء ورجال الدين إلى نصفين، وهناك انتخابات حصلت في إيران البلد المسلم، وأيضاً شقّ العامل السياسي رجال الدين إلى نصفين. كيف تقرأ هذه الحالة؟

ج: بالنّسبة إلى لبنان، هناك مسألةٌ واقعيّةٌ وتاريخيّةٌ وحقيقيّة، وهي أنّ لبنان لا يحكم من الدّاخل، إنّما يحكم من الخارج، لذلك نجد قبل الانتخابات، وحتى الآن في عمليّة تأليف الحكومة، نجد أغلب المسؤولين الدوليين يفدون إلى لبنان زرافاتٍ ووحداناً، ويتّصلون بأكثر الجهات السياسية حتى يتحدّثوا معهم فيما ينبغي لهم أن يسيروا عليه من هذا المحور أو ذاك، حتى إنّ نائب الرئيس الأميركي بايدن جاء والتقى فريقاً من اللّبنانيين قبل الانتخابات، وأكّد لهم أن يعملوا على أساس أن يبقى هذا الفريق هو الأكثريّة.

 لذلك، فالمسألة في لبنان هي من المسائل التي تستمدّ حركيّتها من الخارج، ولهذا نجد هذا التّعقيد في تشكيل الحكومة، ونحن نلاحظ أنّه لا بدّ من اتّصالات بين سورية والسعودية، ونلاحظ تدخّلات أميركية وأوروبية، وآخرها ما صدر عن وزير خارجية فرنسا وتصريحاته التي تعمل على تركيب الحكومة اللّبنانية.

لذلك فإنّ القضية اللبنانية هي أنّ لبنان لا يحكم من الداخل، إنما يحكم من الخارج، وأذكر أن أحد سفراء فرنسا عندما زارني، قال لي إنّ مشكلتنا مع اللّبنانيين أنهم يحدّثوننا عما نريد، ولا يحدّثوننا عمّا يريدون، باعتبار أنّهم يتطلّعون إلى نظرة الخارج إلى الواقع اللبناني، ولا يتنبّهون إلى ما يخطّطونه، على الرّغم من أنهم يتحّدثون عن الحرّية والاستقلال وما إلى ذلك.
إنني موكلٌ بالإسلام أتبعه، وإنّني أعمل على أساس ما أؤمن به من الإسلام الذي جاء به القرآن والسنّة

في إيران اختلاف لا تزوير


وأضاف: أمّا في إيران، فهناك تطوّرات في داخل النظام تتحرّك من خلال الأشخاص الذين عاشوا من خلال النظام، ومن الطبيعي بعد مرور 30 عاماً على الثّورة في إيران، أن يكون هناك اختلافات في النّظرة السياسية، سواء لجهة السلوك السياسي من الداخل، أو لجهة حركة العلاقات السياسية في الخارج. لذلك، هناك فريقان كبيران جداً في إيران، هما فريق الإصلاحيين وفريق المحافظين، ومن الطبيعي جدّاً أنّ الانتخابات في إيران منذ أيّام الإمام الخميني لم تتحرك على أساس التزوير، فليس من الطبيعي أن يحدث تزوير مع وجود 40 مليون ناخب، وقد كانت هناك بعض التعقيدات في مسألة موقف مجلس صيانة الدستور، وقالت للمعارضين قدّموا ما عندكم، لكنّهم رفضوا ذلك، ومطلبهم ليس طبيعياً بإعادة الانتخابات.

وقد لاحظنا في انتخابات بوش ومنافسه آل غور عام 2000م في الولايات المتّحدة الأميركية، أنّ آل غور لم يتحدّث عن إعادة الانتخابات، بل رجعوا إلى المحكمة. فعندما تكون هناك مؤسسات دستورية فمن الطبيعي الرجوع إليها، خصوصاً أنّ الذين لم يأخذوا بها كانوا هم الحاكمين في موقع رئاسة الجمهوريّة ورئاسة الوزراء، وقد تحوّلت المسألة في بعض مراحلها إلى شيء من الفوضى، وعندما تحصل الفوضى، فالّذين يشرفون على التّظاهرات لا يستطيعون السيطرة عليها، وأعتقد أنّ المسألة الآن وصلت إلى نهاياتها، وأن المعارضين والموالين أصبحوا يتحدّثون عن الوحدة والحوار.
الانتخابات الإيرانية، ومنذ أيّام الإمام الخميني، لم تتحرّك على أساس التزوير، فليس من الطبيعي أن يحدث تزوير مع وجود 40 مليون ناخب.

انتخابات الكويت كويتية

س: كان لكم رأي قيّم وجليل بالنّسبة إلى الانتخابات في الكويت، كيف تنظرون إلى هذه الانتخابات؟

ج: في تصوّري، إنّ الانتخابات في الكويت، ومن خلال رصدي لها، كانت انتخاباتٍ كويتيةً ولم تكن انتخاباتٍ خارجيةً فرضت على الكويتيين، ربما تحدّث البعض عن أموال تدفع، لكن حتى الأموال التي تدفع، إذا صحّ هذا، فهي تدفع من الداخل ولا تدفع من الخارج. وإنّني أنصح أخواننا الكويتيين بأن يحافظوا على هذا البلد الذي عانى في تاريخه الكثير، وعليهم أن يجنّبوه المعاناة التي ربّما يمكن أن تحرق الأخضر واليابس، وهي معاناة العصبيّة المذهبيّة التي يحاول أن يثيرها البعض. وإنّني عبّرت عن تقديري لنجاح المرأة الكويتية في الانتخابات، لأنّني أتصوّر أنّ المرأة تتحمّل مسؤولية وطنها تماماً كما يتحمّل الرجل هذه المسؤوليّة، بل قد تفوق المرأة الرجل في ثقافتها ووعيها ومعرفتها لحقوق بلدها ومصالحه، مع الالتزام بالخطوط الأخلاقية الإسلامية. وإنّني أرى نتائج الانتخابات الكويتيّة، حيث انتخب الكويتيون أربع سيدات في المجلس، ما جعل الكويتيين يـتقدّمون على كلّ دول الخليج.

أعبّر عن تقديري لنجاح المرأة الكويتية في الانتخابات، لأنّني أتصوّر أنّ المرأة تتحمّل مسؤوليّة وطنها تماماً كما يتحمّل الرجل هذه المسؤوليّة.


بيروت ـ عدنان خليفة الراشد ـ عمر حبنجر

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 26 رجب 1430 هـ  الموافق: 19/07/2009 م

في مقابلة مع صحيفة الأنباء الكويتية

السيّد فضل الله: انتخابات الكويت جعلتها تتقدّم على دول الخليج ونقدّر نجاح المرأة لقدرتها على تحمّل مسؤوليّة وطنها تماماً كالرّجل.


في حضرة السيد، للاستماع متعة ونكهة خاصّة، تسأله من أنت؟ فيقول: أنا موكلٌ بالإسلام أتبعه، الإسلام القرآني المنفتح، لنقدم إلى العالم إسلاماً حضارياً منفتحاً على العقل، عملاً بقوله تعالى: {وقل الحقّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}.

ويقول: لا فرق بين السنّة والشيعة، والوحدة الإسلامية هي خيارنا الوحيد لإنقاذ الواقع الإسلامي، دون أن يصبح الشّيعي سنياً أو العكس، وقد عملت خمسين عاماً لهذه الوحدة. ويلفت سماحته إلى أنّ الخلاف بين السنّة والشّيعة يدور حول ما روي عن الرّسول، ويلتقيان على الله والرسول.

أجرت صحيفة «الأنباء»الكويتية حواراً مفصّلاً مع سماحة العلامة المرجع، السيّد محمد حسين فضل الله، تناولت فيه أوضاع المنطقة، والانتخابات الكويتيّة.

وهذا نصّ الحوار:


الأميّة الثقافيّة في العالم العربي

س: تحدّثت أخيراً عن غلوٍّ ومبالغاتٍ، وأحياناً عن خرافات تسود الوسط الإسلامي، ويبدو أنّ الغلوّ أصبح منتشراً؟

ج: المشكلة هي في التخلّف العربيّ الذي يمتدّ أيضاً إلى الوسط الإسلاميّ في فهم الأصول الفقهيّة والشرعيّة للإسلام، والذي أراده الله سبحانه وتعالى، من خلال سيرة النبيّ والصّحابة وأهل البيت(ع)، أن يكون معلماً حضاريّاً ينفتح على الحياة كلّها، وهذا ما نقرأه في قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرّسول إذا دعاكم لما يحييكم}[الأنفال:24]. فالإسلام دعوةٌ إلى الحياة بكلّ انفتاحها وحركيّتها وتطوّرها، وبكلّ انطلاقتها مع الإنسان، خصوصاً عندما أكّد الحوار على أساس الكلمة السّواء.

لذلك، فإنّ هذا التخلّف ينطلق من الأميّة الثقافيّة التي تمثّل خطراً أكثر من الأميّة الحرفيّة إذا صحّ التعبير، لأنّ الإنسان قد يكون مثقّفاً من دون أن يعرف القراءة والكتابة، باعتبار أن الثّقافة تنطلق من خلال حركيّة الإنسان في الحياة. ولذلك كنت أقول إنّ الإنسان الذي يمارس مهمّة البناء، قد يكون أكثر ثقافةً في الهندسة، باعتبار أنّ هذا الشخص هو من يصنع الفكرة وهو صاحب التّجربة، بينما المهندس يقرأ فكرة الآخرين من خلال تجربتهم. لذلك فإنّ المسألة هي في الأمّية الثقافية التي تسود العالم العربي، ومسألة اختلاف وجهات النظر في الشخصيات التاريخية، تمثّل حالةً من حالات العصبيّة الذاتية للشخص، والتي ربما ترتفع في خطّ الانخفاض، إذا صحّ التعبير، لتصل إلى حدّ الغلوّ في الشخص، بحيث يكون ارتباطنا بالأشخاص أكثر من ارتباطناً بالإسلام، وأكثر من ارتباطنا بالنبيّ وبالله سبحانه وتعالى.

ولعلّ المشكلة التي نلاحظها في الوسط الإسلامي، هي أنّ الاجتهادات المتنوّعة في فهم الكتاب والسنّة تخضع لثقافة المجتهد، فعندما يعيش المجتهد العصبيّة، ويفهم النّصوص بطريقةٍ تتناسب مع مزاجه العصبيّ، فمن الطبيعيّ أن تكون نتائج اجتهاداته عصبيّةً، وقد تصل إلى حدّ تكفير المسلمين الذين يختلف معهم في بعض الآراء، وهذا ليس بين السنّة والشّيعة فقط، فنحن نعرف في الماضي، أنّ بعض الشّافعيين لا يجيزون تزويج الشافعيّة من حنفي، وكذلك بعض الحنفيّين لا يجيزون تزويج الحنفيّة من شافعي، كما نجد عند الشّيعة أنّ بعضهم كانوا لا يجيزون تزويج الشّيعي من السنّية، أو السنّي من الشّيعية، وهكذا، بحيث أصبحت مسألة المذهبيّة المنغلقة أكثر من أن تكون ديناً. وأستذكر في هذا، عندما جاء المشركون إلى اليهود وقالوا لهم: هل نحن على الحقّ أم محمّد على الحقّ؟ قالوا: هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً، مع أنّ المشركين يشركون بالله، ومن المفروض أنّ اليهود يوحّدون الله، مع ذلك، فإن عصبيّتهم دعتهم إلى أن يقولوا إنّ المشركين أهدى من الذين آمنوا سبيلاً.

ثم لعلّ المشكلة الكبرى، هي أنّ هذا النّوع من التخلّف هو في الخرافة التي تفرض على الإسلام، أو في العصبيّة التي دخلت في المسألة السياسية، باعتبار أنّ القوى الكبرى التي تحاول السّيطرة على مقدّرات المسلمين في العالم الإسلاميّ، خصوصاً في العالم العربي، عملت على أن تشغل المسلمين بأنفسهم، وأن يعيشوا التمزّق الوطني أو التمزّق الإسلامي، حتى لا يواجهوا كلّ الخطط التي يتحرّك بها الآخرون من أجل السيطرة عليهم، خصوصاً بعد نشوء مسألة العولمة التي تنطلق في مؤتمراتها من أجل أن تدرس كيفيّة المحافظة على امتيازاتها في العالم الإسلامي، ليزداد الفقراء فقراً والأغنياء غنى.

لذلك، لم تقتصر مسألة سلبيّات العولمة على المسلمين، بل إنّنا نجد في أوروبا وأميركا اعتراضات ومظاهرات ضخمة تحتجّ على مؤتمرات القمّة للعولمة. لذلك، فإنّ المشكلة التي نعيشها الآن، هي أنّنا نعيش في الماضي ولا نعيش في الحاضر، وأنّنا نتعصّب للماضي ولا نلتزم بالحاضر، مع أنّ الله سبحانه وتعالى يقول: {تلك أمّةٌ قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون}[البقرة:134].

 نحن ندعو إلى دراسة التّاريخ بأشخاصه وأحداثه دراسةً علميّةً موضوعيّةً على أساس التّحليل العلمي التّاريخي، لا أن ندرسه من خلال موروثاتنا العصبيّة التي بلغت المستوى الذي يكفّر فيه المسلم أخاه المسلم ويستحلّ دمه.

لهذا، علينا أن نحارب هذه المسألة في الدّاخل من النّاحية الثّقافيّة ومن النّاحية السياسيّة، وأن نواجه الخطط الدّوليّة التي تحاول أن تزرع الفتنة في بلادنا. ومن هنا، نجدُ أنّ المشكلة التي نعيشها الآن، هي أنّ الفتنة تعيش في الواقع الإسلاميّ فقط، كما يحصل في العراق وأفغانستان والصّومال وباكستان والسّودان، إلى آخر قائمة الدّول التي قد لا تكون فيها فتنة بهذا الحجم، بل فتنة سياسيّة. لذا، لا بدّ لنا من أن نعالج المسألة من ناحية ثقافيّة وسياسيّة من أجل أن نؤكّد حرّيّتنا في تقرير مصيرنا، ونؤكّد استقلالنا السياسي، لأنّ الاستقلال ليس مجرّد ورقةٍ يوقّعها المستعمر ليعطي الحرية لهذا الشعب الذي استعمره، بل هي قضيّة تعيش في الوجدان الإنساني، بحيث تكون حراً، وتشعر بحريتك، وأنّها سرّ إنسانيتك.
علةّ الإسلام هي في الأمّيّة الثقافيّة التي تسود العالم العربي، وفي ارتباطهم بالأشخاص أكثر من ارتباطهم بالله سبحانه وتعالى وبالنبيّ(ص).

الوحدة الإسلاميّة خياري الوحيد

س: في ضوء التمزّق الذي نعيشه اليوم، كما أشرت، حتّى ليبدو وكأنّ الإسلام وحده يحارب؛ تفجير مساجد في منطقة، وإعدامات في منطقة أخرى، وحروب... فهل ننتظر منكم مبادرةً ما؟

ج: لقد بدأتُ الدعوة إلى الوحدة الإسلامية منذ أوّل الخمسينات، عندما جئت إلى لبنان عام 1952م، حيث ولدت وعشت في العراق، لأنّ أبي أقام طويلاً هناك، وكان هناك احتفال أربعيني للمرحوم السيد محسن الأمين، أحد علماء المسلمين الشّيعة الذي كان يقيم في الشام، وقد ألقيت قصيدةً في ذلك الوقت دعوت فيها إلى الوحدة الإسلامية، وكان إلى جانبي د.مصطفى السباعي، المرشد العام للإخوان المسلمين في سورية ولبنان، وأذكر أنّ الرجل كان وحدويّاً أيضاً، وقد نقل قصّةً عن السيّد محسن الأمين، حيث جاءه شخصٌ سنّي وقال له: أريد أن أكون شيعياً، فردّ عليه: ليس هناك فرقٌ بين السنّة والشّيعة، فكلّنا مسلمون، لكنّ هذا الشّخص أصرّ، فقال السيّد الأمين: هل تريد أن تكون شيعياً؟ قال: نعم، فقال له: اجلس على ركبتيك، وقل: أشهد أن لا إله إلا الله، فقال ذلك، ثم قال له: قل أشهد أنّ محمداً رسول الله، فقالها، فقال له السيد الأمين: أصبحت شيعياً.

ونحن عندما نختلف حول ماذا قال رسول الله، وكلّنا نؤمن بالكتاب والسنّة، ونؤمن بأنّه {فإن تنازعتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول}[النّساء:59]، فإنّنا نلتقي على الله والرسول. لذلك أنا كنت وحدوياً، ولا أزال أعمل على أساس الدّعوة إلى الوحدة الإسلاميّة في شرق العالم الإسلامي وغربه، وأتابع الإسلام في كلّ موقع، وأرى أنّ الوحدة الإسلاميّة هي الخيار الوحيد لإنقاذ الواقع الإسلامي اقتصادياً وسياسياً وأمنياً. وليس معنى الوحدة الإسلامية أن ندعو السنّي لأن يصبح شيعياً، أو الشّيعي لأن يكون سنّياً، لكن أن نلتقي على ما اتّفقنا عليه ونتحاور فيما اختلفنا فيه.
الوحدة الإسلاميّة هي الخيار الوحيد لإنقاذ الأمّة الإسلاميّة اقتصادياً وسياسياُ وأمنياً

أسلمة العالم

س: ألا ترى أنّ الظروف التي نعيشها تتطلّب تحرّكاً ميدانياً وعملانياً من جانب شخصيّات علمائية مثلكم تكون كلمتهم مسموعة؟

ج: المشكلة هي أنّ الرموز السياسيّة في كلّ بلد، سواء كانت في موقع القمّة أو في موقع السّفح أو في الوسط، هي التي تثير العصبيّات من أجل إثارة مشاعر النّاس، حتى توظّفهم، سواء في الحملات الانتخابيّة أو ما شابه ذلك، فهؤلاء الذين وظّفوا من خلال الخطوط الدوليّة أو الإقليميّة من أجل إثارة العصبيّات المذهبيّة، لا يزالون يحرّكون الشّارع، ويحرّكون الخطوط المذهبيّة من أجل المزيد من الإثارة، وإلا، فهل إنّنا عندما نواجه هذه المسألة المذهبيّة، نستعيد الخليفة أبا بكر ونستعيد أمير المؤمنين؟ لقد وفدوا جميعاً إلى الله سبحانه وتعالى. لذلك، فالمسألة هي كيف يمكن أن نؤصّل الإسلام. ونحن ندعو من دون طائفية إلى أسلمة العالم، تماماً كما يدعو البابا إلى أن يتحرّك المبشّرون المسيحيّون لتشمل البشارة، بحسب تعبيره، العالم كلّه، وكذلك نحن ندعو إلى أسلمة العالم كلّه، لأنّ الله سبحانه وتعالى قال: {وما أرسلناك إلا كافّةً للّناس بشيراً ونذيراً}[سبأ:28].

ومن الطّبيعيّ أنّنا عندما نريد أن ندخل إلى العالم من أجل أن نركّز فيه الخطّ الإسلاميّ الحضاريّ الأساسيّ، فلا بدّ لنا من أن نعيش نحن الحضارة الإسلامية، لنقدم إلى العالم هذه الثروة الحضارية. لكنّ المشكلة هي أنّ بعض المتخلّفين المتطرّفين الذين اعتبروا الإرهاب قاعدةً لتحرّكهم، عملوا على تشويه صورة الإسلام، وقد بدأ في الجزائر، ثم امتدّ إلى أفغانستان، ثمّ إلى البلدان الإسلاميّة في الداخل، حيث صار المسلم يستحلّ قتل المسلم. إنّ هؤلاء أصبحوا مشكلةً لكلّ بلدٍ يعيشون فيه، بما في ذلك البلدان الإسلاميّة. ونحن عندما نقرأ الإعلام البريطاني، نجدهم يتحدّثون عن الإرهاب الإسلامي، وكذلك عندما نقرأ ذلك في بعض بلدان أوروبّا مثلاً، أو كما نعايشه في البلدان الإسلامية في هذا المجال.

لذلك، لا بد لنا من أن نعمل على هذا الأساس. ولعلّ المشكلة هي أنّ الذين يتحمّلون هذه المسؤولية هم العلماء الذين أصبح الكثير منهم تبعاً للشّخصيات السياسيّة التي توظّفهم وتدفع لهم الأموال وتوجّههم لخططها هنا وهناك:

«إذا كان رب البيت بالدفّ ضارباً     فشيمة أهل البيت كلّهمُ الرقص».

في هذا الإطار، نلاحظُ أنّه إذا تناول أحدٌ الإسلام تقوم الدّنيا ولا تقعد، كما حصل في العمل المدان بالتعرّض لصور الرّسول(ص) ، ولكن في المقابل، لا نرى رجال الدّين يتحرّكون لمواجهة الأعمال التي تصدر عن المسلمين من عمليّات قتلٍ وذبحٍ وتفجير تستهدف المسلمين، معتبرين أنّها طريق الجنة، وصمت المواقع الدينية يظهر وكأنّ الإسلام يبيح هذه الأعمال.

نحن لا نستطيع أن نعمّم المسألة على كلّ الشخصيات الدينية، بل نجد أن هناك من ينكر على الذين يقتلون الناس بغير حقّ، أو الذين يرضون باضطهاد الناس، ويرضون بالعدوان على الناس لمجرد أنّهم يطالبون بحقوقهم، لذلك نحن نأخذ على الكثيرين في البلدان الإسلاميّة، سواء كانت عربيّةً أو غير عربيّة، أنهم لا يسمحون لشعوبهم بالحرية؛ حريّة الاعتراض على الحاكم أو على المنهج السياسيّ الذي تتحرّك فيه الدّولة، أو على قوانين الطوارئ التي لا تأخذ بالعدل في محاكماتها، أو على حركة المخابرات التي تحكم البلدان العربية أو الإسلامية أو العالم الثالث بشكل عام بطريقة سيّئة.

لذلك، فإنّني أتصوّر أنّ قضيّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر هي من الأصول الإسلاميّة الأخلاقية في النّظام الإسلامي الحركي السياسي الأخلاقي، ومن يقصّر في ذلك، فإنّه يقصّر في مسؤوليّاته الدينيّة.
مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي من الأصول الإسلامية الأخلاقية في النظام الإسلامي الحركي السياسي الأخلاقي، ومن يقصّر في ذلك فإنّه يقصّر في مسؤوليته الدينية.

إنّني موكلٌ بالإسلام


س: تعوّدنا أن تكون الفتاوى الصادرة عن العلماء مراعيةً لما يقبله الناس، لكنّكم طرقتم الباب الموصد بكسر هذا التقليد بإصدار الفتاوى وفقاً لما تراه إسلامياً وليس لما يقبله الناس، وقد رأينا صداها إيجابياً لدى الناس، فكيف رأيتم صداها لدى الفقهاء والعلماء؟

ج: عندما انطلقت في مسؤوليّاتي الإسلاميّة منذ الخمسينات، كان كلّ همّي أن أقدّم إلى العالم إسلاماً حضارياً منفتحاً على العقل، انطلاقاً من قوله تعالى: {وقل الحقّ من ربّكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر}[الكهف:29]. لقد كنت أفكّر في أنّ مسؤوليّتي أمام الله، هي أنّني عندما أؤمن بشيء على أنّه حقيقة، فإن عليّ أن أصرّح به، لأنه يمثّل مصلحة النّاس ويمثّل الخطّ المستقيم الذي أراد الله لنا أن نسير عليه. وأذكر على سبيل النكتة، ما يقال عن الشّاعر الغزلي عمر بن أبي ربيعة، عندما رآه بعض الناس في الطواف وهو ينظر إلى النّساء الجميلات، فقيل له: يا أبا حفص، أفي هذا المكان؟ فردّ:‍إننّي موكلٌ بالجمال أتبعه، وأنا أقول: إنّني موكلٌ بالإسلام أتبعه، وإنّني أعمل على أساس ما أؤمن به من الإسلام الذي جاء به القرآن والسنّة.

لذلك، أنا لا أهتمُّ بمحمّد حسين فضل الله، ليس له عندي أيّ دور، إنّما أهتمّ بالإسلام، لذلك لا مشكلة عندي في أن أتّهم بالتّضليل أو التّكفير أو بأيّ شيء مما نطق به الكثيرون، سواء من الشّيعة أو السنّة، كما أنّني أتصوّر أنّ الساحة لا تخلو من المثقّفين والإسلاميين الذين يدرسون الآراء الصادرة عني أو عن الآخرين بموضوعية. لهذا فإنّني وجدت الكثير من التّأييد من الطبقات الواعية والمثقّفة الإسلامية، وعلى هذا الأساس أتحرّك.

بين الماضي والمستقبل

س: في هذا السياق، نلاحظ أنّ الفتاوى التي تصدرها لها صدى في الخارج أكثر من الدّاخل؟

ج: في الدّاخل، لا يزال الكثير يعيشون الذهنيّة التقليديّة التي تعيش في الماضي، والتي تقول إنّا وجدنا آباءنا على أمّة وإنّا على آثارهم مقتدون. لذلك فإنّني أفكّر في المستقبل، وأعتقد أنّ العالم يفكّر في المستقبل.

س: على المستوى السياسيّ، يلاحظ البعض أنّكم تتجنّبون في التّصريحات الواقع الداخلي اللّبناني، وتتصدّون للواقع من جهة أميركا وإسرائيل؟

ج: عندما ندرس الوضع اللبناني، فإنّنا لا نجد أيّ تطوّر في المستوى السياسي فيه، بل إنّ المنهج الذي يحكم الحياة السياسية اللبنانية لم يتغير، لكنّ الأشخاص يتغيّرون. لهذا فإنّ النظام الطائفيّ الذي تركَّز على العرف اللّبناني وليس القانون اللّبناني، يجعل اللّبناني طائفياً ولا يجعله لبنانياً. لذلك كنت أقول إنّني مواطن، وكنت أقول إنّني أحمل مصباح «ديوجين» في النهار لأرى لبنانياً، فلا أرى إلا طائفياً، وكنت أقول إنّ لبنان ليس وطناً إنّما هو ولايات غير متّحدة، فلكلّ طائفة منطقتها ورجال دينها ورجال سياستها، وكل طائفة تمنع أيّ طائفة أخرى من التدخّل في مناطقها أو في حقوقها السياسيّة، تماماً كما هو الحال بين الدول. لقد كنت أقول عن لبنان إنّه الرئة التي تتنفّس بها مشاكل المنطقة، وكنت أقول إنّ هناك ثلاثيةً تحكم لبنان: لا تقسيم، ولا انهيار، ولا استقرار.

انتخابات لبنان وإيران

س: حصلت انتخاباتٌ في لبنان، وما زلنا نعاني من النتائج السلبيّة لهذه الانتخابات التي شقّت العلماء ورجال الدين إلى نصفين، وهناك انتخابات حصلت في إيران البلد المسلم، وأيضاً شقّ العامل السياسي رجال الدين إلى نصفين. كيف تقرأ هذه الحالة؟

ج: بالنّسبة إلى لبنان، هناك مسألةٌ واقعيّةٌ وتاريخيّةٌ وحقيقيّة، وهي أنّ لبنان لا يحكم من الدّاخل، إنّما يحكم من الخارج، لذلك نجد قبل الانتخابات، وحتى الآن في عمليّة تأليف الحكومة، نجد أغلب المسؤولين الدوليين يفدون إلى لبنان زرافاتٍ ووحداناً، ويتّصلون بأكثر الجهات السياسية حتى يتحدّثوا معهم فيما ينبغي لهم أن يسيروا عليه من هذا المحور أو ذاك، حتى إنّ نائب الرئيس الأميركي بايدن جاء والتقى فريقاً من اللّبنانيين قبل الانتخابات، وأكّد لهم أن يعملوا على أساس أن يبقى هذا الفريق هو الأكثريّة.

 لذلك، فالمسألة في لبنان هي من المسائل التي تستمدّ حركيّتها من الخارج، ولهذا نجد هذا التّعقيد في تشكيل الحكومة، ونحن نلاحظ أنّه لا بدّ من اتّصالات بين سورية والسعودية، ونلاحظ تدخّلات أميركية وأوروبية، وآخرها ما صدر عن وزير خارجية فرنسا وتصريحاته التي تعمل على تركيب الحكومة اللّبنانية.

لذلك فإنّ القضية اللبنانية هي أنّ لبنان لا يحكم من الداخل، إنما يحكم من الخارج، وأذكر أن أحد سفراء فرنسا عندما زارني، قال لي إنّ مشكلتنا مع اللّبنانيين أنهم يحدّثوننا عما نريد، ولا يحدّثوننا عمّا يريدون، باعتبار أنّهم يتطلّعون إلى نظرة الخارج إلى الواقع اللبناني، ولا يتنبّهون إلى ما يخطّطونه، على الرّغم من أنهم يتحّدثون عن الحرّية والاستقلال وما إلى ذلك.
إنني موكلٌ بالإسلام أتبعه، وإنّني أعمل على أساس ما أؤمن به من الإسلام الذي جاء به القرآن والسنّة

في إيران اختلاف لا تزوير


وأضاف: أمّا في إيران، فهناك تطوّرات في داخل النظام تتحرّك من خلال الأشخاص الذين عاشوا من خلال النظام، ومن الطبيعي بعد مرور 30 عاماً على الثّورة في إيران، أن يكون هناك اختلافات في النّظرة السياسية، سواء لجهة السلوك السياسي من الداخل، أو لجهة حركة العلاقات السياسية في الخارج. لذلك، هناك فريقان كبيران جداً في إيران، هما فريق الإصلاحيين وفريق المحافظين، ومن الطبيعي جدّاً أنّ الانتخابات في إيران منذ أيّام الإمام الخميني لم تتحرك على أساس التزوير، فليس من الطبيعي أن يحدث تزوير مع وجود 40 مليون ناخب، وقد كانت هناك بعض التعقيدات في مسألة موقف مجلس صيانة الدستور، وقالت للمعارضين قدّموا ما عندكم، لكنّهم رفضوا ذلك، ومطلبهم ليس طبيعياً بإعادة الانتخابات.

وقد لاحظنا في انتخابات بوش ومنافسه آل غور عام 2000م في الولايات المتّحدة الأميركية، أنّ آل غور لم يتحدّث عن إعادة الانتخابات، بل رجعوا إلى المحكمة. فعندما تكون هناك مؤسسات دستورية فمن الطبيعي الرجوع إليها، خصوصاً أنّ الذين لم يأخذوا بها كانوا هم الحاكمين في موقع رئاسة الجمهوريّة ورئاسة الوزراء، وقد تحوّلت المسألة في بعض مراحلها إلى شيء من الفوضى، وعندما تحصل الفوضى، فالّذين يشرفون على التّظاهرات لا يستطيعون السيطرة عليها، وأعتقد أنّ المسألة الآن وصلت إلى نهاياتها، وأن المعارضين والموالين أصبحوا يتحدّثون عن الوحدة والحوار.
الانتخابات الإيرانية، ومنذ أيّام الإمام الخميني، لم تتحرّك على أساس التزوير، فليس من الطبيعي أن يحدث تزوير مع وجود 40 مليون ناخب.

انتخابات الكويت كويتية

س: كان لكم رأي قيّم وجليل بالنّسبة إلى الانتخابات في الكويت، كيف تنظرون إلى هذه الانتخابات؟

ج: في تصوّري، إنّ الانتخابات في الكويت، ومن خلال رصدي لها، كانت انتخاباتٍ كويتيةً ولم تكن انتخاباتٍ خارجيةً فرضت على الكويتيين، ربما تحدّث البعض عن أموال تدفع، لكن حتى الأموال التي تدفع، إذا صحّ هذا، فهي تدفع من الداخل ولا تدفع من الخارج. وإنّني أنصح أخواننا الكويتيين بأن يحافظوا على هذا البلد الذي عانى في تاريخه الكثير، وعليهم أن يجنّبوه المعاناة التي ربّما يمكن أن تحرق الأخضر واليابس، وهي معاناة العصبيّة المذهبيّة التي يحاول أن يثيرها البعض. وإنّني عبّرت عن تقديري لنجاح المرأة الكويتية في الانتخابات، لأنّني أتصوّر أنّ المرأة تتحمّل مسؤولية وطنها تماماً كما يتحمّل الرجل هذه المسؤوليّة، بل قد تفوق المرأة الرجل في ثقافتها ووعيها ومعرفتها لحقوق بلدها ومصالحه، مع الالتزام بالخطوط الأخلاقية الإسلامية. وإنّني أرى نتائج الانتخابات الكويتيّة، حيث انتخب الكويتيون أربع سيدات في المجلس، ما جعل الكويتيين يـتقدّمون على كلّ دول الخليج.

أعبّر عن تقديري لنجاح المرأة الكويتية في الانتخابات، لأنّني أتصوّر أنّ المرأة تتحمّل مسؤوليّة وطنها تماماً كما يتحمّل الرجل هذه المسؤوليّة.


بيروت ـ عدنان خليفة الراشد ـ عمر حبنجر

مكتب سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله (رض)
التاريخ: 26 رجب 1430 هـ  الموافق: 19/07/2009 م
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير