كتابات
15/07/2013

تربية الإرادة من خلال الصوم

تربية الإرادة من خلال الصوم
 
إنّ الصَّوم في معناه، يمثّل حالة سلبيَّة تحمل في داخلها معنى إيجابياً، لأنَّ السَّلب عندما يكون مسؤوليَّة، فإنَّ إرادتك في حركة السَّلب تمثّل حالةً إيجابيَّة، فأنت تريد أن لا تأكل وأن لا تشرب وأن لا تتلذَّذ، ولذلك هو ليس سلبيّة طبيعيّة بعيدة عن إنسانيَّة إرادتك، بل هي حركة في الإرادة بأن ترفض ما لا يريده الله منك.. ومن هنا، نستطيع أن نقول: كما أنّ الصَّلاة تدفعك إلى أن تؤصّل الرفض في نفسك للفحشاء والمنكر، فإنّ الصَّوم يدفعك إلى أن تحرّك إرادتك في رفض كلّ ما لا يريده الله سبحانه وتعالى.

وبذلك، كان الصَّوم حركةً في الإنسان من خلال هذا الخضوع الإرادي لله سبحانه وتعالى، وكان عبادة صامتة لا يتحرك فيها شيء من جسدك ولا ينطلق أي تعبير من لسانك، فدور الصَّوم هو في أنه يبقى في عمقِ إرادتك وفي عمق إحساسك وشعورك، وذلك بأن تكون بالصَّوم الإنسان الرافض، فالصَّوم هو حركة رفض، في الوقت الَّذي تتوجَّه نفسك إلى القبول والرغبة في تحقيق ما تريد.

ومن هنا، فقد نعيش الصوم في هذه المفردات، وربما ننحرف في ممارستنا له، بأن نطوّق هذا الرفض في السحور وفي الفطور، بنحو لا يُحقّق شيئاً فيما نستعد له من مآكل قبل أن نصوم وبعد أن نصوم، كأننا نثأر من الرفض على طريقة الحيل الشرعيّة التي تجعل الإنسان يضعف إرادته في مقدمة الصوم وفي نهايته، فيما المطلوب من الصّوم أن تكون إنساناً رافضاً لكلّ ما حرّمه الله، لأنَّ هناك الصَّوم الصَّغير الذي هو مقدّمة للصّوم الكبير، فإذا كان الله قد حرّم علينا أن نأكل أو نشرب أو نستمتع بما نستمتع به في هذا الوقت المعيّن، فقد أرادنا أن نصوم في كلّ عمرنا عمّا حرّمه من مآكل ومشارب ولذّات وما إلى ذلك.

الرفض السياسي:
وإذا انطلقت كإنسان يرفض الطعام والشراب والملذات في هذا الوقت المعيّن، فإنَّك تنطلق أيضاً لترفض سياسياً ما يحرّمه الله من حركة السّياسة، ولترفض اجتماعياً ما يحرمه الله من خلال حركة الاجتماع، ولترفض أمنياً وعسكرياً ما يحرّمه الله من حركةِ الأمن والعسكر في هذا المجال أو ذاك، لأنَّ الفكرة واحدة، فكن إنسان الله الذي يُحبّ ما يحبّه الله، ويرفض ما يرفضه الله تعالى.
فأنت تمتنع عن طعامك وشرابك، لأنَّ الله يرفض لك أن تأكل أو أن تشرب في هذا الوقت، ومن خلال ذلك، عليك أن تعي معنى الرفض، وهو أن عليك أن ترفض الظّلم في كلّ الناس من حولك، سواء الظلم الصغير أو الظلم الكبير، وأن عليك أن ترفض الانحراف في كلّ الخطوط التي يتحرك فيها الناس وأن ترفض كلّ الضَّلال وكلّ الفسق والانحراف. ولهذا، ركّز الله الصّوم في كلمة {كُتِبَ عليكم الصيام كما كُتِب على الذين من قبلكُم لعلّكم تتقون}[البقرة: 183].
و"التقوى" كلمة تشمل كلّ الخطوط المستقيمة الَّتي تنطلق من إيمانك وإسلامك في الحياة، وهي "أن لا يفقدك الله حيث أمرك ـ في كلّ شؤون الحياة ـ ولا يجدك حيث نهاك" في كلّ المواقع.

الصوم كإرادة:
لذلك، نمتدّ بعد ذلك بالصَّوم كإرادة عندما يحاصرك الظالمون ويحاولون أن يضغطوا عليك في طعامك وشرابك، فتجوع في سجن تكون فيه أو في واقع ضاغط، أو عندما ينطلق الاستكبار ليحاصرك كشعب وأمة في طعامك وشرابك، وعندما يحاول الآخرون إغراءك، كالوضع الذي نعيشه الآن مع الصهيونية التي تحاول أن ترسل بضائعها بسعر ملائم أكثر من السعر الذي تشتري به ما يصنع في وطنك أو في مكان آخر ينسجم معك، عندها يقول الصيام لك: صُم الصوم السياسي، أُرفض بضاعة العدو حتى لو كانت تتلاءم مع أوضاعك الاقتصاديَّة، أرفض الضغط الذي يضغط فيه العدو عليك لتفشي أسرار أمتك وأسرار الناس من حولك، لأنَّك عندما تسقط تحت تأثير هذا الضغط، فإنَّ معنى ذلك أنك توازن بين طعامك وشرابك وبين أمتك، وتقدّم طعامك وشرابك على أمتك.

إنَّ الصوم يمثّل كلّ هذا الجو الَّذي يبدأ من تجربةٍ تعيشها في حياتك بهذه المفردات الصَّغيرة، ولكنَّه يمتدّ إلى كلّ ما يتصل بحياتك الخاصّة والعامّة، وربما نحتاج إلى أن نصوم إرادياً، بحيث نضغط على أنفسنا عندما تحتاج الأمة إلى مشاريع وتحتاج إلى مساعدات، وربما نحتاج أن نضغط على كمالياتنا لنساعد الأمة عندما تحتاج إلى المياتم أو إلى المستشفيات أو إلى أي شيء يكفل لها الحياة الكريمة، إنني أتصور أنَّ هذا الصوم الإسلامي هو الذي جعل المسلمين الأولين يتحركون في خط الدعوة وفي خط الجهاد، وهم جياع وعطاشى ويعانون الكثير من المشاكل المحيطة بهم.
[المصدر: كتاب تقوى الصوم].
 
 
 
 
إنّ الصَّوم في معناه، يمثّل حالة سلبيَّة تحمل في داخلها معنى إيجابياً، لأنَّ السَّلب عندما يكون مسؤوليَّة، فإنَّ إرادتك في حركة السَّلب تمثّل حالةً إيجابيَّة، فأنت تريد أن لا تأكل وأن لا تشرب وأن لا تتلذَّذ، ولذلك هو ليس سلبيّة طبيعيّة بعيدة عن إنسانيَّة إرادتك، بل هي حركة في الإرادة بأن ترفض ما لا يريده الله منك.. ومن هنا، نستطيع أن نقول: كما أنّ الصَّلاة تدفعك إلى أن تؤصّل الرفض في نفسك للفحشاء والمنكر، فإنّ الصَّوم يدفعك إلى أن تحرّك إرادتك في رفض كلّ ما لا يريده الله سبحانه وتعالى.

وبذلك، كان الصَّوم حركةً في الإنسان من خلال هذا الخضوع الإرادي لله سبحانه وتعالى، وكان عبادة صامتة لا يتحرك فيها شيء من جسدك ولا ينطلق أي تعبير من لسانك، فدور الصَّوم هو في أنه يبقى في عمقِ إرادتك وفي عمق إحساسك وشعورك، وذلك بأن تكون بالصَّوم الإنسان الرافض، فالصَّوم هو حركة رفض، في الوقت الَّذي تتوجَّه نفسك إلى القبول والرغبة في تحقيق ما تريد.

ومن هنا، فقد نعيش الصوم في هذه المفردات، وربما ننحرف في ممارستنا له، بأن نطوّق هذا الرفض في السحور وفي الفطور، بنحو لا يُحقّق شيئاً فيما نستعد له من مآكل قبل أن نصوم وبعد أن نصوم، كأننا نثأر من الرفض على طريقة الحيل الشرعيّة التي تجعل الإنسان يضعف إرادته في مقدمة الصوم وفي نهايته، فيما المطلوب من الصّوم أن تكون إنساناً رافضاً لكلّ ما حرّمه الله، لأنَّ هناك الصَّوم الصَّغير الذي هو مقدّمة للصّوم الكبير، فإذا كان الله قد حرّم علينا أن نأكل أو نشرب أو نستمتع بما نستمتع به في هذا الوقت المعيّن، فقد أرادنا أن نصوم في كلّ عمرنا عمّا حرّمه من مآكل ومشارب ولذّات وما إلى ذلك.

الرفض السياسي:
وإذا انطلقت كإنسان يرفض الطعام والشراب والملذات في هذا الوقت المعيّن، فإنَّك تنطلق أيضاً لترفض سياسياً ما يحرّمه الله من حركة السّياسة، ولترفض اجتماعياً ما يحرمه الله من خلال حركة الاجتماع، ولترفض أمنياً وعسكرياً ما يحرّمه الله من حركةِ الأمن والعسكر في هذا المجال أو ذاك، لأنَّ الفكرة واحدة، فكن إنسان الله الذي يُحبّ ما يحبّه الله، ويرفض ما يرفضه الله تعالى.
فأنت تمتنع عن طعامك وشرابك، لأنَّ الله يرفض لك أن تأكل أو أن تشرب في هذا الوقت، ومن خلال ذلك، عليك أن تعي معنى الرفض، وهو أن عليك أن ترفض الظّلم في كلّ الناس من حولك، سواء الظلم الصغير أو الظلم الكبير، وأن عليك أن ترفض الانحراف في كلّ الخطوط التي يتحرك فيها الناس وأن ترفض كلّ الضَّلال وكلّ الفسق والانحراف. ولهذا، ركّز الله الصّوم في كلمة {كُتِبَ عليكم الصيام كما كُتِب على الذين من قبلكُم لعلّكم تتقون}[البقرة: 183].
و"التقوى" كلمة تشمل كلّ الخطوط المستقيمة الَّتي تنطلق من إيمانك وإسلامك في الحياة، وهي "أن لا يفقدك الله حيث أمرك ـ في كلّ شؤون الحياة ـ ولا يجدك حيث نهاك" في كلّ المواقع.

الصوم كإرادة:
لذلك، نمتدّ بعد ذلك بالصَّوم كإرادة عندما يحاصرك الظالمون ويحاولون أن يضغطوا عليك في طعامك وشرابك، فتجوع في سجن تكون فيه أو في واقع ضاغط، أو عندما ينطلق الاستكبار ليحاصرك كشعب وأمة في طعامك وشرابك، وعندما يحاول الآخرون إغراءك، كالوضع الذي نعيشه الآن مع الصهيونية التي تحاول أن ترسل بضائعها بسعر ملائم أكثر من السعر الذي تشتري به ما يصنع في وطنك أو في مكان آخر ينسجم معك، عندها يقول الصيام لك: صُم الصوم السياسي، أُرفض بضاعة العدو حتى لو كانت تتلاءم مع أوضاعك الاقتصاديَّة، أرفض الضغط الذي يضغط فيه العدو عليك لتفشي أسرار أمتك وأسرار الناس من حولك، لأنَّك عندما تسقط تحت تأثير هذا الضغط، فإنَّ معنى ذلك أنك توازن بين طعامك وشرابك وبين أمتك، وتقدّم طعامك وشرابك على أمتك.

إنَّ الصوم يمثّل كلّ هذا الجو الَّذي يبدأ من تجربةٍ تعيشها في حياتك بهذه المفردات الصَّغيرة، ولكنَّه يمتدّ إلى كلّ ما يتصل بحياتك الخاصّة والعامّة، وربما نحتاج إلى أن نصوم إرادياً، بحيث نضغط على أنفسنا عندما تحتاج الأمة إلى مشاريع وتحتاج إلى مساعدات، وربما نحتاج أن نضغط على كمالياتنا لنساعد الأمة عندما تحتاج إلى المياتم أو إلى المستشفيات أو إلى أي شيء يكفل لها الحياة الكريمة، إنني أتصور أنَّ هذا الصوم الإسلامي هو الذي جعل المسلمين الأولين يتحركون في خط الدعوة وفي خط الجهاد، وهم جياع وعطاشى ويعانون الكثير من المشاكل المحيطة بهم.
[المصدر: كتاب تقوى الصوم].
 
 
 
اقرأ المزيد
نسخ النص نُسِخ!
تفسير