أُحُدْ بين التّخطيط النبويّ والتّآمر النفاقيّ

أُحُدْ بين التّخطيط النبويّ والتّآمر النفاقيّ

كانت واقعة أُحد من أهمّ الوقائع الإسلاميَّة الحربيَّة التي عاش المسلمون فيها حالة النّصر كأفضل ما يكون، ثُمَّ حوّلوها إلى هزيمة منكرة، بفعل الممارسات الخاطئة التي انحرف فيها الكثيرون من المقاتلين عن الهدف الّذي يفرض عليهم الانضباط في ما تقتضيه خطّة الحرب من مواقع ومواقف...

في هذه المعركة، انطلقت قريش إلى حرب النبيّ(ص) بعد هزيمتها السّاحقة في بدر، من أجل الثّأر لكرامتها وقتلاها، والقضاء على قوّة الإسلام المتنامية المتصاعدة في بداياتها. وعندما عرف النبيّ(ص) بالخبر، استعدّ لقتالهم، وخرج في ألف مقاتل. ولكنّ عبد الله بن أُبَي ـ رأس المنافقين في المدينة ـ استطاع أن يدفع ثلاثمائة منهم إلى التراجع... وحاول ذلك مع حيّين من الأنصار، وهما بنو سلمة من الخزرج، وبنو حارثة من الأوس، فلم يفلح بعد أن كاد يصل إلى خطّته.

ورسم النبيّ(ص) الخطّة للمعركة، وكان من ضروراتها سدّ بعض الثغرات التي تطلّ على أرض المعركة، مما يعتبر نقطة ضعف في دفاعات المسلمين، فجعل على تلك الثغرة الواقعة في جبل خلف جيش المسلمين، خمسين من الرماة، بقيادة عبد الله بن جبير، وأمرهم بالثبات في كلّ الحالات، سواء كانت الغلبة للمسلمين أو للكافرين... ودارت المعركة التي تروي تفاصيلها كتب السيرة، وهُزِمَ المشركون، وتغلّب المسلمون عليهم، واندفعوا إلى جمع الغنائم... واعتبر الرماة الواقفون على الجبل أنَّ المعركة انتهت، وخافوا أن تفوتهم فرصة الحصول على نصيبهم من الغنائم، وبدأوا يخلون أماكنهم؛ وقد ناشدهم قائدهم أن يلتزموا بأوامر النبيّ(ص)، ولكن لم يستمع إليه إلا عشرة رجال منهم.

وحانت من خالد بن الوليد التفاتة ـ وكان من المنهزمين مع المشركين ـ فرأى خلوّ الثغرة، فقصدها بكتيبةٍ من المشركين، وقتل العشرة بأجمعهم، وانضمت فلول المشركين إلى خالد، فانطلقوا في عملية التفافٍ مباغتة، فدارت الدائرة على المسلمين، حتّى تعرّضت حياة الرسول(ص) للخطر، إذ أصابته حجارة من المشركين، فكُسرت رباعيّته، وشُجّ في وجهه، وجُرحت جبهته، ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجهه... وفرّ المسلمون عنه، ولم يبقَ معه إلا نفر قليل، كان في طليعتهم عليّ بن أبي طالب(ع)، وأبو دجانة، وسهل بن حنيف، فدافعوا عنه دفاع المستميت... وقتل حمزة في المعركة بحربة وحشي، وذلك بإغراء هند له، واستخرجت كبده فلاكتها... وكان عدد القتلى من المشركين اثنين وعشرين قتيلاً، وعدد شهداء المسلمين سبعين...

بين تخطيط الرسول(ص) وحركة النفاق

يتحدّث القرآن عن الظروف التي أحاطت بمعركة أحد، وما قام به المنافقون من دور تثبيطي للعزائم، وهذا ما أشارت إليه هاتان الآيتان: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْ