بيان مع إطلالة السنة الهجرية الجديدة

بيان مع إطلالة السنة الهجرية الجديدة

دعا إلى إقامة محور الوحدة الإسلامية في مواجهة المحور الأمريكي
فضل الله: لا خروج من دوامة المذهبية إلا بالانتصار لشخصيتنا الإسلامية

أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، مع إطلالة السنة الهجرية الجديدة وذكرى عاشوراء بياناً أكد فيه ضرورة أن يكون موسم عاشوراء والسنة الهجرية الجديدة، هو موسم الوحدة الإسلامية بكل معانيها وأبعادها المستمدة من آفاق النبي محمد(ص) في إعطاء المسيرة الإصلاحية بوجهها الحضاري والإنساني اندفاعها في العالم، وفي تلمّس خطى الإمام الحسين(ع) في المفاهيم الكبرى لحركته التي سعت لتصحيح المسيرة الإسلامية، وأعطت الاندفاع لكل الثائرين لرفض الظلم والانتصار للحق.

وقال سماحته: إن على الخطباء، وكل من يعتلي المنبر الحسيني، أن يقدّم عاشوراء كنموذج إسلامي حركي يسعى لتأصيل الواقع الإسلامي بمفاهيمه وحركته، بحيث تكون ساحة عاشوراء هي ساحة الوحدة الإسلامية الحقيقية، لأن الحسين(ع) كان إمام المسلمين ولم يكن لفئة منهم، كما أنه سيبقى النبراس لكل الأحرار في العالم، وكل من يحاول أن يضع حركته في النطاق المذهبي أو في سياق جماعة معينة، يسيء لنهضته(ع) ويتنكّر للمبادىء الإسلامية والرسالية السامية التي انطلق بها الإمام(ع). ومن هنا، علينا الاستفادة من عاشوراء لتكون منبراً يحمي الوحدة الإسلامية، لا أن يُصار إلى استخدام هذا المنبر للإساءة إلى هذه الوحدة بأي وسيلة من الوسائل، وبأي طريقة من الطرق، لأن الحسين هو للسنّة والشيعة، ولأن أهل البيت(ع)، كانوا أحرص الناس على اجتماع شمل المسلمين ونبذ كل أساليب التفرقة القائمة بينهم.

وفي ختام بيانه العاشورائي رأى سماحة المرجع، أن حال الاحتقان المذهبي التي بدأت تفرز احتقاناً سياسياً في العالم الإسلامي، تمثّل، إضافة إلى ما أحدثته وتحدثه من كوارث على الساحة العراقية والتي عمل المحتل الأمريكي على تشجيعها ولا يزال ينفخ ببوقها، واحدة من الابتلاءات الكبرى التي تصيب الأمة برمّتها وتهدد مصيرها، وهي المسألة التي يركز المستكبر الأمريكي والصهيوني على استغلالها إلى أبعد الحدود للانقضاض على الإسلام كله ولضرب كيان الإسلام الفكري من جذوره، وليس للسيطرة على بلاد العرب والمسلمين فحسب.

إن هذا الانسياق الأعمى في الكثير من ساحاتنا العربية والإسلامية نحو المذهبية بمعناها العشائري الذي يتمثّل في استجابة الجماعة أو غالبية أفرادها لنداء التفرقة عندما يضرب الطبل المذهبي هنا أو هناك، ينطلق من تخلفنا ومن أننا لم نتربّ إسلامياً لنعترف بأن هناك في الوسط الإسلامي فريقاً آخر أو أفرقاء آخرون لا يفكرون كما نفكر أو لا ينطلقون من القواعد نفسها التي ننطلق منها، وبالتالي قد تأتي استنتاجاتهم مختلفة... وهو الأمر الذي ينبغي الاعتراف به واحترامه، وألا يضيق صدرنا حياله، بل أن ننطلق في إدارة الحوار حوله من موقع الاحترام المتبادل الذي يرى فيه أتباع كل مذهب بأنهم يمثلون وجهة نظر في فهم الإسلام، كما أن غيرهم يملك وجهة نظر أخرى في فهم الإسلام أيضاً، وأنّ أحداً لا يستطيع أن يدّعي احتكار التمثيل الإسلامي واحتكار الدعوة إلى الإسلام أو حتى احتكار الدفاع عنه.

إن المشكلة تكمن في أننا نتربّى مذهبياً في مجتمعاتنا الضيقة، ثم نحاول تعميم هذه المذهبية على مجتمعاتنا الفسيحة من دون أن تكون هذه المذهبية مذهبية فكرية تحمل أسس الحوار والتفاهم، ولذلك أقفل كل فريق الأبواب على نفسه، وزعم أنه يمثل الحقيقة كاملة غير منقوصة، ودخلنا في متاهات التعصب للذات المذهبية التي غالباً ما تكون ذاتاً عشائرية، حيث لا تحمل في ثناياها روح أو طعم أو رائحة الإسلام.

ولذلك نعتقد أنّه لا سبيل للخروج من الدوامة المذهبية المغلقة إلا بالانتصار لشخصيتنا الإسلامية على حساب شخصيتنا المذهبية، ولن يكون ذلك إلا من خلال التفاعل مع القضايا من الزاوية الإسلامية الواسعة ووضع حسابات الربح والخسارة في دائرة الإسلام، لنرى ماذا يكسب الإسلام هنا وماذا يخسر هناك، لا أن يكون السعي كله في كيف نكسب أفراداً هنا أو هناك لحساب هذا المذهب أو ذاك، لأن العالم الإسلامي لن يتغير بهذه الطريقة، ولأن ما يتهدد الإسلام يتجاوز قضايا السنة والشيعة إلى الإسلام كله.

إن علينا أن نحدّق ملياً بما تريده أمريكا في المنطقة، حيث باتت إدارة بوش تفكّر بأن المخرج الوحيد لمأزقها يتمثّل في تحفيز المذاهب الإسلامية بعضها على بعض وإشعال الفتنة في العراق والساحات المجاورة له. وقد بلغ الجنون بهذه الإدارة أنها ـ وعلى الرغم من كل إخفاقاتها في الحروب التي أثارتها في المنطقة ـ لا ترى مخرجاً من الوضع القائم إلا بالفتن الداخلية التي قد تمهّد السبيل لحرب كبيرة في المنطقة.

إن جنون هذه الإدارة سيجعلها تحرق أصابعها أكثر في محاولاتها القادمة، وعلى المسلمين أن يعرفوا أن الفرصة باتت سانحة، وخصوصاً بعد إعلان بوش عن خطّته الجديدة، للتوحّد في لبنان وفلسطين والعراق لجعل الأمريكي هو الذي يدفع الثمن، ولننطلق بمحور الوحدة الإسلامية الجامعة والشاملة في مواجهة ما تخطّط له أمريكا تحت عنوان محور الاعتدال، لأن الأمور باتت مكشوفة إلى أبعد الحدود ولم يعد باستطاعة من يجري وراء أمريكا أن يدفن رأسه في الرمال ولا من يعادي سياستها أن يتوارى خلف الأحداث، وباتت المسؤولية تقع على عاتق الجميع لإقامة المحور العربي الإسلامي الذي يستطيع مواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي لا بد من أن يدفع ثمن كل الجرائم التي ارتكبها في حق المنطقة وفي حق البشرية جمعاء.

مكتب سماحة المرجع آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

التاريخ: 28 ذو الحجة 1427هـ الموافق: 18 كانون الثاني- يناير 2007م

"المكتب الإعلامي"

دعا إلى إقامة محور الوحدة الإسلامية في مواجهة المحور الأمريكي
فضل الله: لا خروج من دوامة المذهبية إلا بالانتصار لشخصيتنا الإسلامية

أصدر سماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، مع إطلالة السنة الهجرية الجديدة وذكرى عاشوراء بياناً أكد فيه ضرورة أن يكون موسم عاشوراء والسنة الهجرية الجديدة، هو موسم الوحدة الإسلامية بكل معانيها وأبعادها المستمدة من آفاق النبي محمد(ص) في إعطاء المسيرة الإصلاحية بوجهها الحضاري والإنساني اندفاعها في العالم، وفي تلمّس خطى الإمام الحسين(ع) في المفاهيم الكبرى لحركته التي سعت لتصحيح المسيرة الإسلامية، وأعطت الاندفاع لكل الثائرين لرفض الظلم والانتصار للحق.

وقال سماحته: إن على الخطباء، وكل من يعتلي المنبر الحسيني، أن يقدّم عاشوراء كنموذج إسلامي حركي يسعى لتأصيل الواقع الإسلامي بمفاهيمه وحركته، بحيث تكون ساحة عاشوراء هي ساحة الوحدة الإسلامية الحقيقية، لأن الحسين(ع) كان إمام المسلمين ولم يكن لفئة منهم، كما أنه سيبقى النبراس لكل الأحرار في العالم، وكل من يحاول أن يضع حركته في النطاق المذهبي أو في سياق جماعة معينة، يسيء لنهضته(ع) ويتنكّر للمبادىء الإسلامية والرسالية السامية التي انطلق بها الإمام(ع). ومن هنا، علينا الاستفادة من عاشوراء لتكون منبراً يحمي الوحدة الإسلامية، لا أن يُصار إلى استخدام هذا المنبر للإساءة إلى هذه الوحدة بأي وسيلة من الوسائل، وبأي طريقة من الطرق، لأن الحسين هو للسنّة والشيعة، ولأن أهل البيت(ع)، كانوا أحرص الناس على اجتماع شمل المسلمين ونبذ كل أساليب التفرقة القائمة بينهم.

وفي ختام بيانه العاشورائي رأى سماحة المرجع، أن حال الاحتقان المذهبي التي بدأت تفرز احتقاناً سياسياً في العالم الإسلامي، تمثّل، إضافة إلى ما أحدثته وتحدثه من كوارث على الساحة العراقية والتي عمل المحتل الأمريكي على تشجيعها ولا يزال ينفخ ببوقها، واحدة من الابتلاءات الكبرى التي تصيب الأمة برمّتها وتهدد مصيرها، وهي المسألة التي يركز المستكبر الأمريكي والصهيوني على استغلالها إلى أبعد الحدود للانقضاض على الإسلام كله ولضرب كيان الإسلام الفكري من جذوره، وليس للسيطرة على بلاد العرب والمسلمين فحسب.

إن هذا الانسياق الأعمى في الكثير من ساحاتنا العربية والإسلامية نحو المذهبية بمعناها العشائري الذي يتمثّل في استجابة الجماعة أو غالبية أفرادها لنداء التفرقة عندما يضرب الطبل المذهبي هنا أو هناك، ينطلق من تخلفنا ومن أننا لم نتربّ إسلامياً لنعترف بأن هناك في الوسط الإسلامي فريقاً آخر أو أفرقاء آخرون لا يفكرون كما نفكر أو لا ينطلقون من القواعد نفسها التي ننطلق منها، وبالتالي قد تأتي استنتاجاتهم مختلفة... وهو الأمر الذي ينبغي الاعتراف به واحترامه، وألا يضيق صدرنا حياله، بل أن ننطلق في إدارة الحوار حوله من موقع الاحترام المتبادل الذي يرى فيه أتباع كل مذهب بأنهم يمثلون وجهة نظر في فهم الإسلام، كما أن غيرهم يملك وجهة نظر أخرى في فهم الإسلام أيضاً، وأنّ أحداً لا يستطيع أن يدّعي احتكار التمثيل الإسلامي واحتكار الدعوة إلى الإسلام أو حتى احتكار الدفاع عنه.

إن المشكلة تكمن في أننا نتربّى مذهبياً في مجتمعاتنا الضيقة، ثم نحاول تعميم هذه المذهبية على مجتمعاتنا الفسيحة من دون أن تكون هذه المذهبية مذهبية فكرية تحمل أسس الحوار والتفاهم، ولذلك أقفل كل فريق الأبواب على نفسه، وزعم أنه يمثل الحقيقة كاملة غير منقوصة، ودخلنا في متاهات التعصب للذات المذهبية التي غالباً ما تكون ذاتاً عشائرية، حيث لا تحمل في ثناياها روح أو طعم أو رائحة الإسلام.

ولذلك نعتقد أنّه لا سبيل للخروج من الدوامة المذهبية المغلقة إلا بالانتصار لشخصيتنا الإسلامية على حساب شخصيتنا المذهبية، ولن يكون ذلك إلا من خلال التفاعل مع القضايا من الزاوية الإسلامية الواسعة ووضع حسابات الربح والخسارة في دائرة الإسلام، لنرى ماذا يكسب الإسلام هنا وماذا يخسر هناك، لا أن يكون السعي كله في كيف نكسب أفراداً هنا أو هناك لحساب هذا المذهب أو ذاك، لأن العالم الإسلامي لن يتغير بهذه الطريقة، ولأن ما يتهدد الإسلام يتجاوز قضايا السنة والشيعة إلى الإسلام كله.

إن علينا أن نحدّق ملياً بما تريده أمريكا في المنطقة، حيث باتت إدارة بوش تفكّر بأن المخرج الوحيد لمأزقها يتمثّل في تحفيز المذاهب الإسلامية بعضها على بعض وإشعال الفتنة في العراق والساحات المجاورة له. وقد بلغ الجنون بهذه الإدارة أنها ـ وعلى الرغم من كل إخفاقاتها في الحروب التي أثارتها في المنطقة ـ لا ترى مخرجاً من الوضع القائم إلا بالفتن الداخلية التي قد تمهّد السبيل لحرب كبيرة في المنطقة.

إن جنون هذه الإدارة سيجعلها تحرق أصابعها أكثر في محاولاتها القادمة، وعلى المسلمين أن يعرفوا أن الفرصة باتت سانحة، وخصوصاً بعد إعلان بوش عن خطّته الجديدة، للتوحّد في لبنان وفلسطين والعراق لجعل الأمريكي هو الذي يدفع الثمن، ولننطلق بمحور الوحدة الإسلامية الجامعة والشاملة في مواجهة ما تخطّط له أمريكا تحت عنوان محور الاعتدال، لأن الأمور باتت مكشوفة إلى أبعد الحدود ولم يعد باستطاعة من يجري وراء أمريكا أن يدفن رأسه في الرمال ولا من يعادي سياستها أن يتوارى خلف الأحداث، وباتت المسؤولية تقع على عاتق الجميع لإقامة المحور العربي الإسلامي الذي يستطيع مواجهة المشروع الأمريكي الإسرائيلي الذي لا بد من أن يدفع ثمن كل الجرائم التي ارتكبها في حق المنطقة وفي حق البشرية جمعاء.

مكتب سماحة المرجع آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله

التاريخ: 28 ذو الحجة 1427هـ الموافق: 18 كانون الثاني- يناير 2007م

"المكتب الإعلامي"

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية