تَشغَلُ العقيدة من قلب المؤمن مكاناً رحباً وتقع فيه موقعاً عميقاً، وبخاصة إيمانُه بالله تعالى وإجلاله له وتعظيمه إياه، ويظل المؤمن حريصاً على هذا الإجلال حتى لو كان في سلوكه مجافياً لما فرضه ـ عـز وجل ـ عليه ومخالفاً له، فلا يفعل ـ غالباً ـ ما يعد تجرؤاً صارخاً وخروجاً على مقام القداسة والعظمة مهما كان الحال. ونظراً لذلك فإن المؤمن قد رغب في ربط بعض أعماله التي يريد أن يُلزم نفسه بها إلزاماً شديداً بالله تعالى كي لا يسهل عليه التحلل منها والخروج عليها؛ فوُجد في المجتمعات المتدينة منذ القدم ظاهرة (اليمين) و(النذر) كتجسيد لهذه الرغبة، واستفاد منها المؤمنون في علاقاتهم فاستخدموا اليمين في آدابهم ولياقاتهم، وهي المعروفة بـ (يمين المناشدة) كما سنبينه لاحقاً، واستخدموها في مرافعاتهم القضائية وأمورهم العادية تأكيداً على صدق أقوالهم؛ وجميع ذلك ظاهرة حسنة وسنة نافعة. فأيدها الإسلام وشرّع لها وعظّم شأنها موجباً الكفارة على مخالفتها والحنث بها، كما أن الفقهاء المسلمين ذكروا مع اليمين والنذر ما يصطلح عليه بـ (العهد)، لاشتراكه معهما في ذلك الجامع. هذا، ولا يقتصر الاشتراك بين هذه الثلاثة على ما ذكرناه جامعاً لها، بل هي تشتـرك ـ إضافـة إلـى ذلك ـ بالكثير من الأحكام رغم اختلافها في الهدف والصيغة والأقسام وبعض الأحكام، الأمر الذي يستدعي جَمْعَها بالبيان في أربعة مباحث، على النحو التالي: