تفسير
25/01/2024

s-2-a-168-169

s-2-a-168-169

‏ ‏

‏ معاني المفردات [‏

{ حلالاً } : جائزًا، وأصله: الحلُّ: نقيض العقد، وإنّما سمِّي المباح حلالاً لانحلال عقد الحظر عنه. والحلال إطلاقٌ في الفعل لمن يجوز عليه المنع، ولهذا لا يسمّى كلُّ حسنٍ حلالاً؛ لأنّ أفعاله تعالى حسنةٌ، ولا يُقال: إنّها حلالٌ. ‏

{ طيِّباً } : خالصًا من شائبٍ يُنغِّص. قال الطّبرسيُّ: «وهو على ثلاثة أقسام: الطّيِّب المستلذُّ، والطّيِّب الجائزُ، والطّيِّب الطّاهر»‏1‏ . وقال الرّاغب: «أصل الطّيِّب: ما تستلذُّه الحواسُّ وما تستلذُّه النّفس. والطّعام الطّيِّب في الشّرع: ما كان مُتناولاً من حيث ما يجوز، وبقدر ما يجوز، ومن المكان الّذي يجوز»‏2‏. ‏

{ بِالسُّوءِ } : ساء: قبُح، وأفعل التّفضيل منه: أسوأ، ومؤنّثه: السّوْأى. ‏

{و الْفحْشاءِ} : ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال. وأصل الفحش: الزِّيادة والكثرة، وكلُّ ما تجاوز قدره فهو فاحش. وقيل: الفحشاء ما يجب الحدُّ فيه، والسُّوء: ما لا حدّ فيه‏‏3‏. ‏

‏ الرِّزق الحلال والتّحذير من اتِّباع خطوات الشّيطان ‏

‏في هاتين الآيتين نداءٌ ربّانيٌّ للنّاس، يستشعر فيه الإنسان الرّحمة في وحيه له بأنّ الله لا يريد أن يضيِّق عليه سبل الحياة، بل يريد أن يوسِّع له آفاقها الرّحبة ومواردها الخصبة. فقد خلق له الأرض، في كلِّ ما تنتجه من رزق، وفي ما تحتوي عليه من نعم، وأباح له التّمتُّع بالرِّزق الطّيِّب الحلال، والنِّعم الكثيرة الخالصة، فلم يحرِّم عليه شيئًا من طيِّباتها ممّا يحتاجه في استمرار حياته ونموِّ جسمه، بل دعاه إلى أن يأكل منها ما يشاء، وذلك قوله تعالى: {يا أيُّها النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأرْضِ حلالاً طيِّباً} . ‏

‏ولكنّه حذّره من خطوات الشّيطان الّتي تتّجه به إلى ما فيه فساد حياته، وضرر جسمه وعقله، بالاستمتاع بالشّهوات المحرّمة، والأكل من الخبائث المضرّة، ممّا يزيِّن له فعله، ويغريه بالإقبال عليه، بما يثيره أمامه من الأجواء الحميمة، والإغراءات اللّذيذة الّتي يدعوه إليها بلهفةٍ شديدةٍ، وشوقٍ حميمٍ، بطريقةٍ تحجب عنه ما في الدّاخل من خسارةٍ وضررٍ وفساد. ويبرِّر القرآن للإنسان كلّ هذا الحذر بالحقيقة الحاسمة الّتي توضح عداوة الشّيطان الواضحة البيِّنة للإنسان؛ ليشعر بأنّ هذه الخطوات الّتي يثيرها أمامه ليست في مصلحته مهما أظهر له من إخلاصٍ أو مودّةٍ. ‏

{و لا تتّبِعُوا خُطُواتِ الشّيْطانِ} ، في إيحاءاته ووساوسه وخططه الإغوائيّة الإغرائيّة، ممّا يزيِّن به للإنسان من أقوالٍ وأفعالٍ وأفكارٍ بعيدةٍ عن خطِّ الاستقامة، وعن مواقع رضا الله، وقريبةٍ من موارد سخطه الّتي تؤدِّي إلى عذابه وإبعاده عن رحمته. {إِنّهُ لكُمْ عدُوٌّ مُبِينٌ} ؛ فقد أخرج أبويكم من الجنّة، وأعلن عزمه على أن لا يدخل أحدٌ من بني آدم الجنّة، من خلال أساليبه الضّالّة ووسائله المنحرفة، وقد حدّث الله عنه في آيةٍ أخرى، فقال تعالى: {إِنّ الشّيْطان لكُمْ عدُوٌّ فاتّخِذُوهُ عدُوًّا إِنّما يدْعُوا حِزْبهُ لِيكُونُوا مِنْ أصْحابِ السّعِيرِ} [فاطر: 6]. ‏

‏ثمّ يفصِّل القرآن للإنسان في الآية الثّانية بعضًا ممّا أجمله في الآية الأولى من خطوات الشّيطان: {إِنّما يأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ و الْفحْشاءِ و أنْ تقُولُوا على اللّهِ ما لا تعْلمُون} ، فيعدِّد لنا نماذج ثلاثة من أوامره: ‏

‏ 1 - هو يأمر الإنسان بالسُّوء، الّذي يمثِّل كلّ فكرٍ سيِّئٍ أو عملٍ شرِّيرٍ. ‏

‏ 2 - هو يأمره بالفحشاء، الّتي تتمثّل فيها الأعمال المنكرة الّتي تجاوزت الحدّ الطّبيعيّ للأشياء، سواءً كانت من المنكرات المتعلِّقة بالعلاقة بين العبد وربِّه في معاصي الله، أو كانت من المنكرات المتعلِّقة بين النّاس وبين الشّخص، في الجوانب الماليّة أو الاجتماعيّة أو السِّياسيّة أو الاقتصاديّة أو الأخلاقيّة، ولا سيّما في ما يتعلّق بالعِرض وبالخيانة والكذب. ‏

‏ 3 - الأمر الثّالث، هو نسبة الأحكام أو العقائد أو الأعمال إلى الله؛ باعتبارها شيئًا موحًى به من قبله، وثابتًا في وحيه، مع أنّهم لا يعلمون شيئًا من ذلك؛ لأنّهم لا يملكون طريقًا إلى المعرفة في هذا الاتِّجاه. ولعلّ من الطّبيعيِّ، في مثل هذه الحالة، أن يؤكِّد القرآن خطورة مثل هذا الواقع على مسيرة الإنسان المسلم في الحياة؛ لأنّه يغريه بالزّيف والنِّفاق والكذب والخيانة، في ما يوحي إليه به من أساليبه الذّكيّة الشّيطانيّة، ويدفعه إلى الارتباك في مواجهة خطِّ الانحراف لاختلاط الحقِّ والباطل أمامه، ما يعطِّل عليه طريق الوصول إلى الهدى الحقِّ، ويجعله يتقلّب في أجواء غامضةٍ من الضّباب الكثيف. وقد ينطلق التّعبير القرآنيُّ بهذا الأسلوب ليريد به الشِّرك وأمثاله من العقائد المضادّة للحقِّ ممّا ثبت بطلانه بالدّليل والحجّة، ليدلِّل بكلمة {لا يعْلمُون} [البقرة: 13]، أو {و ما ليْس لهُمْ بِهِ عِلْمٌ} [الحجّ: 71]، أو بكلمة {الّذِين لا يعْلمُون} [البقرة: 113]، الّتي يصف بها المشركين؛ للإيحاء بأنّ هؤلاء لا ينطلقون من موقع الحجّة والبرهان في ما يعتقدونه من عقيدة، وفي ما يحملونه من صفاتٍ وأخلاقٍ، كأسلوبٍ من أساليب إثارتهم نحو البحث عن الحقيقة والخروج من أجواء الغفلة، بالطّريقة الّتي هي أحسن؛ حيث لم يعبِّر عنهم بتعابير توحي بالجحود والإنكار والعناد، الّذي يربطهم بجوِّ التّعصُّب، ويُخرجهم عن أجواء التّفاهم، ويبعدهم عن روحيّة الحوار. ‏

‏ الحوار والهدف الرسالي‏‏ ‏

‏وهذا هو الأسلوب القرآنيُّ الّذي يجب أن نتعلّمه، وهو أن نختار الكلمات الخفيفة بدلاً من الكلمات الثّقيلة في المجالات الّتي نشعر فيها بالحاجة إلى أن نقود الأفكار المضادّة إلى ساحة الحقيقة والحوار؛ لأنّ الهدف الرِّساليّ من الحوار مع النّاس هو الوصول إلى عقلهم بالطّريقة الّتي لا يدخل فيها إساءةٌ حادّةٌ، أو انفعالٌ شديدٌ، أو قسوةٌ عنيفةٌ، ما يهيِّئ الجوّ النّفسيّ للاستماع إلى وجهة النّظر المخالفة، وإلى الدُّخول في حوارٍ هادئٍ حول القضايا المُختلف عليها. وربّما كانت المشكلة الصّعبة الّتي يقع فيها بعض الدُّعاة، في جدالهم مع الآخرين، أنّهم ينطلقون من عقدةٍ ذاتيّةٍ، لا من ذهنيّةٍ رساليّةٍ، الأمر الّذي يدفعهم إلى المزيد من كلمات السُّباب والفحش ونحوهما، من خلال الزّعم بأنّ ذلك هو الطّريقة الشّرعيّة للتّعبير عن رفض الباطل وتحقيره، من دون دراسةٍ للنّتائج السّلبيّة على أجواء الحوار وأساليبه، حيث تزيد هذه العقدة في عداوة الطّرف الآخر الّذي يراد الدُّخول معه في الحوار، فيبتعد عن الاستجابة لعمليّة الأخذ والرّدِّ، أو يدخل معه في أجواء التّشنُّج والانفعال الّتي تُسقط كلّ النّتائج الإيجابيّة على مستوى المقدِّمات والنّتائج.‏

‎ ‎

‎ ‎

‎ ‎

‏1.‏‏الشّيخ الطّبرسي، مجمع البيان، م. س، ج 1، ص 466 - 467.‏

‏2.‏‏الرّاغب الأصفهاني، المفردات، م. س، ص 308. ‏

‏3.‏‏انظر: الثعلبي، الكشف والبيان، م. س، ج 2، ص 39. الزّمخشري، الكشّاف، م. س، ج 1، ص 328. الشّيخ الطّبرسي، م. ن، ص 469. ‏

‎ ‎

‏ ‏

‏ معاني المفردات [‏

{ حلالاً } : جائزًا، وأصله: الحلُّ: نقيض العقد، وإنّما سمِّي المباح حلالاً لانحلال عقد الحظر عنه. والحلال إطلاقٌ في الفعل لمن يجوز عليه المنع، ولهذا لا يسمّى كلُّ حسنٍ حلالاً؛ لأنّ أفعاله تعالى حسنةٌ، ولا يُقال: إنّها حلالٌ. ‏

{ طيِّباً } : خالصًا من شائبٍ يُنغِّص. قال الطّبرسيُّ: «وهو على ثلاثة أقسام: الطّيِّب المستلذُّ، والطّيِّب الجائزُ، والطّيِّب الطّاهر»‏1‏ . وقال الرّاغب: «أصل الطّيِّب: ما تستلذُّه الحواسُّ وما تستلذُّه النّفس. والطّعام الطّيِّب في الشّرع: ما كان مُتناولاً من حيث ما يجوز، وبقدر ما يجوز، ومن المكان الّذي يجوز»‏2‏. ‏

{ بِالسُّوءِ } : ساء: قبُح، وأفعل التّفضيل منه: أسوأ، ومؤنّثه: السّوْأى. ‏

{و الْفحْشاءِ} : ما عظم قبحه من الأفعال والأقوال. وأصل الفحش: الزِّيادة والكثرة، وكلُّ ما تجاوز قدره فهو فاحش. وقيل: الفحشاء ما يجب الحدُّ فيه، والسُّوء: ما لا حدّ فيه‏‏3‏. ‏

‏ الرِّزق الحلال والتّحذير من اتِّباع خطوات الشّيطان ‏

‏في هاتين الآيتين نداءٌ ربّانيٌّ للنّاس، يستشعر فيه الإنسان الرّحمة في وحيه له بأنّ الله لا يريد أن يضيِّق عليه سبل الحياة، بل يريد أن يوسِّع له آفاقها الرّحبة ومواردها الخصبة. فقد خلق له الأرض، في كلِّ ما تنتجه من رزق، وفي ما تحتوي عليه من نعم، وأباح له التّمتُّع بالرِّزق الطّيِّب الحلال، والنِّعم الكثيرة الخالصة، فلم يحرِّم عليه شيئًا من طيِّباتها ممّا يحتاجه في استمرار حياته ونموِّ جسمه، بل دعاه إلى أن يأكل منها ما يشاء، وذلك قوله تعالى: {يا أيُّها النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأرْضِ حلالاً طيِّباً} . ‏

‏ولكنّه حذّره من خطوات الشّيطان الّتي تتّجه به إلى ما فيه فساد حياته، وضرر جسمه وعقله، بالاستمتاع بالشّهوات المحرّمة، والأكل من الخبائث المضرّة، ممّا يزيِّن له فعله، ويغريه بالإقبال عليه، بما يثيره أمامه من الأجواء الحميمة، والإغراءات اللّذيذة الّتي يدعوه إليها بلهفةٍ شديدةٍ، وشوقٍ حميمٍ، بطريقةٍ تحجب عنه ما في الدّاخل من خسارةٍ وضررٍ وفساد. ويبرِّر القرآن للإنسان كلّ هذا الحذر بالحقيقة الحاسمة الّتي توضح عداوة الشّيطان الواضحة البيِّنة للإنسان؛ ليشعر بأنّ هذه الخطوات الّتي يثيرها أمامه ليست في مصلحته مهما أظهر له من إخلاصٍ أو مودّةٍ. ‏

{و لا تتّبِعُوا خُطُواتِ الشّيْطانِ} ، في إيحاءاته ووساوسه وخططه الإغوائيّة الإغرائيّة، ممّا يزيِّن به للإنسان من أقوالٍ وأفعالٍ وأفكارٍ بعيدةٍ عن خطِّ الاستقامة، وعن مواقع رضا الله، وقريبةٍ من موارد سخطه الّتي تؤدِّي إلى عذابه وإبعاده عن رحمته. {إِنّهُ لكُمْ عدُوٌّ مُبِينٌ} ؛ فقد أخرج أبويكم من الجنّة، وأعلن عزمه على أن لا يدخل أحدٌ من بني آدم الجنّة، من خلال أساليبه الضّالّة ووسائله المنحرفة، وقد حدّث الله عنه في آيةٍ أخرى، فقال تعالى: {إِنّ الشّيْطان لكُمْ عدُوٌّ فاتّخِذُوهُ عدُوًّا إِنّما يدْعُوا حِزْبهُ لِيكُونُوا مِنْ أصْحابِ السّعِيرِ} [فاطر: 6]. ‏

‏ثمّ يفصِّل القرآن للإنسان في الآية الثّانية بعضًا ممّا أجمله في الآية الأولى من خطوات الشّيطان: {إِنّما يأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ و الْفحْشاءِ و أنْ تقُولُوا على اللّهِ ما لا تعْلمُون} ، فيعدِّد لنا نماذج ثلاثة من أوامره: ‏

‏ 1 - هو يأمر الإنسان بالسُّوء، الّذي يمثِّل كلّ فكرٍ سيِّئٍ أو عملٍ شرِّيرٍ. ‏

‏ 2 - هو يأمره بالفحشاء، الّتي تتمثّل فيها الأعمال المنكرة الّتي تجاوزت الحدّ الطّبيعيّ للأشياء، سواءً كانت من المنكرات المتعلِّقة بالعلاقة بين العبد وربِّه في معاصي الله، أو كانت من المنكرات المتعلِّقة بين النّاس وبين الشّخص، في الجوانب الماليّة أو الاجتماعيّة أو السِّياسيّة أو الاقتصاديّة أو الأخلاقيّة، ولا سيّما في ما يتعلّق بالعِرض وبالخيانة والكذب. ‏

‏ 3 - الأمر الثّالث، هو نسبة الأحكام أو العقائد أو الأعمال إلى الله؛ باعتبارها شيئًا موحًى به من قبله، وثابتًا في وحيه، مع أنّهم لا يعلمون شيئًا من ذلك؛ لأنّهم لا يملكون طريقًا إلى المعرفة في هذا الاتِّجاه. ولعلّ من الطّبيعيِّ، في مثل هذه الحالة، أن يؤكِّد القرآن خطورة مثل هذا الواقع على مسيرة الإنسان المسلم في الحياة؛ لأنّه يغريه بالزّيف والنِّفاق والكذب والخيانة، في ما يوحي إليه به من أساليبه الذّكيّة الشّيطانيّة، ويدفعه إلى الارتباك في مواجهة خطِّ الانحراف لاختلاط الحقِّ والباطل أمامه، ما يعطِّل عليه طريق الوصول إلى الهدى الحقِّ، ويجعله يتقلّب في أجواء غامضةٍ من الضّباب الكثيف. وقد ينطلق التّعبير القرآنيُّ بهذا الأسلوب ليريد به الشِّرك وأمثاله من العقائد المضادّة للحقِّ ممّا ثبت بطلانه بالدّليل والحجّة، ليدلِّل بكلمة {لا يعْلمُون} [البقرة: 13]، أو {و ما ليْس لهُمْ بِهِ عِلْمٌ} [الحجّ: 71]، أو بكلمة {الّذِين لا يعْلمُون} [البقرة: 113]، الّتي يصف بها المشركين؛ للإيحاء بأنّ هؤلاء لا ينطلقون من موقع الحجّة والبرهان في ما يعتقدونه من عقيدة، وفي ما يحملونه من صفاتٍ وأخلاقٍ، كأسلوبٍ من أساليب إثارتهم نحو البحث عن الحقيقة والخروج من أجواء الغفلة، بالطّريقة الّتي هي أحسن؛ حيث لم يعبِّر عنهم بتعابير توحي بالجحود والإنكار والعناد، الّذي يربطهم بجوِّ التّعصُّب، ويُخرجهم عن أجواء التّفاهم، ويبعدهم عن روحيّة الحوار. ‏

‏ الحوار والهدف الرسالي‏‏ ‏

‏وهذا هو الأسلوب القرآنيُّ الّذي يجب أن نتعلّمه، وهو أن نختار الكلمات الخفيفة بدلاً من الكلمات الثّقيلة في المجالات الّتي نشعر فيها بالحاجة إلى أن نقود الأفكار المضادّة إلى ساحة الحقيقة والحوار؛ لأنّ الهدف الرِّساليّ من الحوار مع النّاس هو الوصول إلى عقلهم بالطّريقة الّتي لا يدخل فيها إساءةٌ حادّةٌ، أو انفعالٌ شديدٌ، أو قسوةٌ عنيفةٌ، ما يهيِّئ الجوّ النّفسيّ للاستماع إلى وجهة النّظر المخالفة، وإلى الدُّخول في حوارٍ هادئٍ حول القضايا المُختلف عليها. وربّما كانت المشكلة الصّعبة الّتي يقع فيها بعض الدُّعاة، في جدالهم مع الآخرين، أنّهم ينطلقون من عقدةٍ ذاتيّةٍ، لا من ذهنيّةٍ رساليّةٍ، الأمر الّذي يدفعهم إلى المزيد من كلمات السُّباب والفحش ونحوهما، من خلال الزّعم بأنّ ذلك هو الطّريقة الشّرعيّة للتّعبير عن رفض الباطل وتحقيره، من دون دراسةٍ للنّتائج السّلبيّة على أجواء الحوار وأساليبه، حيث تزيد هذه العقدة في عداوة الطّرف الآخر الّذي يراد الدُّخول معه في الحوار، فيبتعد عن الاستجابة لعمليّة الأخذ والرّدِّ، أو يدخل معه في أجواء التّشنُّج والانفعال الّتي تُسقط كلّ النّتائج الإيجابيّة على مستوى المقدِّمات والنّتائج.‏

‎ ‎

‎ ‎

‎ ‎

‏1.‏‏الشّيخ الطّبرسي، مجمع البيان، م. س، ج 1، ص 466 - 467.‏

‏2.‏‏الرّاغب الأصفهاني، المفردات، م. س، ص 308. ‏

‏3.‏‏انظر: الثعلبي، الكشف والبيان، م. س، ج 2، ص 39. الزّمخشري، الكشّاف، م. س، ج 1، ص 328. الشّيخ الطّبرسي، م. ن، ص 469. ‏

‎ ‎

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية