نتعلَّم من الصّوم درساً للحياة؛ الدرس الأوّل الذي نتعلَّمه من الصّوم، هو التمرُّد على العادات التي نعتادها في حياتنا، فلكلٍّ منّا في حياته عادة، قد تكون العادة محلَّلة وقد تكون محرّمة، هناك عادات ننطلق بها في حياتنا الشخصيّة، وهناك عادات ننطلق بها في حياتنا الاجتماعيّة، وعلينا أن نستفيد من الصّوم، أن نتحرَّر من عبودية العادة، أن لا نكون عبيداً لعاداتنا، لأنَّ عاداتنا قد تضغط علينا فتشلّ كلّ قدراتنا؛ على المستوى الصحي، وعلى المستوى الاجتماعيّ، وعلى المستوى الشّرعيّ في ذلك كلّه.
في الصوم، أنتَ تنتصر على عادتك يومياً، في الصّباح أنتَ معتاد على أن تشرب القهوة أو الشّاي، أو أن تفطر في وقتٍ معيّن، وفي الظّهر أنتَ معتاد على تناول الغداء، وهناك عادات غذائيّة في الأكل والشّرب، هناك أشياء تعتادها، ويأتي شهر رمضان ليقلب كلّ عاداتك، فيأتي الصباح ولا فطور هناك، ويأتي الزوال ولا غداء، وتأتي كلّ مناسباتك الاجتماعيّة، لا تقدِّم شيئاً لأحد ممّا اعتدت أن تقدِّمه، ولا يقدِّم إليك أحد شيئاً ممّا اعتاد أن يقدِّمه، لأنَّ الله قال لك: غيِّر عاداتك، افطر في وقتٍ معيّن، غيِّر وقت الإفطار إلى الغروب، وغيِّر وقت الغداء إلى السّحور، انتصر على إلحاح العادة، لا تخضع لما اعتدته في هذا اليوم، خذ من هذا درساً لحياتك في ما بعد ذلك، أو لحياتك في وقت الإفطار. إذا كانت عندك عادات سيّئة تضرّ بصحّتك وتضرّ عقلك وتضرّ دينك وتضرّ حياتك وأوضاعك الاجتماعية، فاستعِنْ بالقوّة التي حصلت عليها في محاربة عاداتك اليوميّة، لتكون أساساً للانتصار على عاداتك الأخرى التي قد تكون عادات محرَّمة وقد تكون محلَّلة.
الله يريد منك كمؤمن أن تكون حرّاً، أن لا يضغط عليك أحد إلا إيمانك، أن لا تضغط عليك عاداتك، وأن لا يضغط عليك النّاس من حولك، لأنَّ الله يريد للإنسان المؤمن دائماً إذا جاءه أمر الله ونهي الله، أن يكون حرّاً في الامتثال لأمر الله ونهيه، وإذا أراد النّاس منه أن يتحرَّك يميناً ويساراً في غير مصلحته، وفي غير ما يريده الله، أن يقول لا من موقع الحريّة، وأن يقول نعم من موقع الحريّة، لأنَّ الذين يعيشون العبوديّة لعاداتهم، يعيشون معنى العبوديّة في شخصيّتهم، وبذلك فإنّهم مؤهّلون لأنْ يكونوا عبيداً للطّغاة، ولأنْ يكونوا عبيداً للمستكبرين، ولأنْ يكونوا عبيداً للكافرين.
لهذا، إنَّ الله يريد منك أن تكون الحرّ لتستطيع أن ترفض من موقع إرادة، وتستطيع أن تقبل من موقع إرادة، لهذا علينا أن ننتصر على عاداتنا من خلال ما نتعلَّمه في صومنا من الانتصار على العادة.
*من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".