[بعد الحديث عن الدرس الأوّل للصّوم، وهو التمرّد على العادات]، الدرس الثاني الذي نأخذه من الصّوم هو الصّبر.
كلّنا في يوم الصبر نعيش الحرمان ونصبر، نعيش الحرمان في ما نحبّ من مأكولات ومشروبات وملذَّات وشهوات، ولكنّ النّفس تلحّ علينا، ونحن نتحمَّل الحرمان في ذلك كلّه، نصبر، نضغط على أنفسنا، نضغط على إرادتنا، نصبر ونحن نتألَّم، نتألّم لأنَّ الأكل أمامنا ولم نأكله، ولأنّ الشّراب أمامنا ولم نشربه، نتألّم والجوع يفتك بكلّ أجهزتنا الجسديّة، والعطش يفتك بنا في ذلك كلّه، والشّهوة تحرقنا في بعض المجالات. لهذا، نحن نصبر في شهر رمضان، ولا بدّ لنا أن نتعلَّم الصّبر في الحياة كلّها، ليكون شهر رمضان المدرسة التّدريبيّة التي نتدرَّب فيها على أن نمنع أنفسنا عن بعض شهواتها، ونصبر على كلّ المشاعر المضادّة لما نريد...
والصّبر على أقسام: صبر على البلاء؛ إذا جاءك البلاء من كلّ جانب، سواء كان بلاءً في خطّك العقيديّ أو في خطّك الشرعيّ أو في خطّك الجهاديّ أو في خطّك السياسيّ، إذا جاء البلاء اصبِرْ وتعلَّم من الصّوم كيف تضغط على نوازعك الذاتيّة في ذلك كلّه، تعلَّم كيف تكون الصّابر في مواقع البلاء كما أنت الصّابر في مواقع الحرمان في الصّوم، وتعلَّم أيضاً أن تصبر على طاعة الله، وطاعة الله قد تكلِّف الإنسان الكثير من جهده، قد تخسرك طاعة الله مالاً في ما يريدك الله أن تدفع المال فيه، وقد تحرمك طاعة الله جاهاً في ما يريدك الله فيه أن تتنازل عن جاهٍ محرَّم، وقد تخسرك طاعة الله جهداً وقوَّة، وقد تخسرك طاعة الله حياتك في بعض الحالات. عليك أن تتعلَّم من صبرك على الصّوم كيف تصبر على كلّ مواقع طاعة الله في العبادات وفي المعاملات وفي كلّ العلاقات وفي كلّ أوضاع النّاس من قريب ومن بعيد.
ثمّ أن تتعلَّم الصّبر عن المعصية، عندما تأتيك المعاصي لتخاطب غرائزك ولتخاطب شهواتك ولتخاطب أطماعك، ولتخاطب كثيراً من نوازعك الذاتيّة. عندما تأتيك المعاصي وتلحّ عليك وتحرق كيانك بشهواتها وبكلّ ذلك، اصبر عن معصية الله كما كنت تصبر، أيُّها الصّائم عن معصية الله، وأنتَ في حال الصّوم.
الصّبر هو الدرس الثاني الذي نتعلَّمه من الصوم، ولذلك، فإنَّ علينا أن نجعل الصّوم صوماً واعياً ننتقل فيه من موقعٍ إلى آخر، ومن مرحلةٍ إلى أخرى.
* من كتاب "الجمعة منبر ومحراب".