من وحي كربلاء الخالدة
هـنـا يـقِـفُ الـخـاطِرُ الملْهَمُ ويـسكتُ فيهِ ويستسلِمُ
ويُستَرجَعُ الطَّرفُ عن قصدِهِ فيغشَى فينهل منه الدَّمُ
******
هُـنـا حـيـثُ يـرقُـدُ رمـزُ الـإبا وقُطْبُ الهدى المنقذُ الأعظَمُ
يفيضُ على الكونِ من رُوحِهِ حـنـانـاً مـتـى راحَ يَـسـتـرحِمُ
ويُـرسـلُ أنـوارَهُ فـي الـفـضا فـيُـشـرقُ عـالـمُـنـا الـمُظلِمُ
ويــنــشُـرُ فـيـنـا تـعـالـيـمَـهُ ولـكِنْ بفيضِ الدِّما تُرقَمُ (1)
******
هُــنــا حــيـثُ يـرقُـدُ سـرُّ الـإلـهِ وحيثُ الهُدى، من أسىً، مُفعَمُ
ترى الحقَّ كيف ارتَقَى واستطالَ فَــتَــعــلـمُ مـا لـم تـكُـنْ تـعـلَـمُ
وتـلـمَـحُ فـي جـنـبـاتِ الـضَّـريـحِ دمـــاءَ الـــشَّــهــادةِ إذ تُــلــثَــمُ
وقــد قــامَ مـن حـولِـهِ الـزَّائـرونَ ونـارُ الـأسـى فـي الحشا تُضرَمُ
وقـد عَـكَـفَـتْ حـولـه الـنَّـائـحـاتُ فــهــذي تَــضِــجُّ وذي تَــلْــطِـم
فتَحسَبُهُ كعبةَ المسلمينَ وكُلُّ فتى منهُمُ المُحرِمُ
******
هـنـا سُـجِّـلـتْ للهُدى صفحةٌ من الحقِّ، ما خَطَّها مرْقَمُ (2)
تلاها على الكونِ سبطُ النَّبيِّ فــشـعَّ بـهـا الـمَـنـهَـجُ الـأقْـوَمُ
وأرسَـلَـهَـا فـي الـهُدى دَعوةً تُــبــيــنُ الــصَّــوابَ بـمـا تَـرقُـمُ
وشـيَّـدَ صـرحَ الـهُـدَى بـعدما أزالَ قــواعِــدَهُ الــمُـجْـرِمُ (3)
وعـلَّـمَـنَا كيف تُفدى النُّفوس وكـيـفَ يـمـوتُ الـفتى المسلمُ
وكــيــف تُــراقُ دمــاءُ الـأبـيِّ تــجــاهَ الــعــقــيـدةِ إذ تُـهـضَـمُ
******
ويـا نـهـضَـةً خـلَّـدَتـها السُّنون ودارَ بــهــا الـفـلـكُ الـأعـظـمُ
أعِيدي على مَسْمَعِ الكائناتِ حــديــثَ الــأُبــاةِ ومـا قـدَّمُـوا
عـسـى يعلَمُ النّفَرُ الجاهلونَ بما استنكَروهُ وما استعظَموا
ومــا زعــمــوا فــيـهِ أنَّ الـرُّوا ةَ قــدْ أخَّــروا فـيـهِ أو قـدَّمـوا
أعـيدي فعِنْدَكِ فصلُ الخطابِ وعـنـدَكِ يُـسـتـوضَـحُ المبْهَمُ
******
ويـا سـيِّـدَ الـنَّـفَـرِ الـنَّاهِضينَ تَعَاليْتَ عن كُلِّ ما يُنظَمُ
وقُدِّسْتَ عن أن يُحيطَ الخيالُ بـذاتِـكَ خـبراً ويستعْلِمُ
مَـثَـلْـتُ إلـيـكَ أمـامَ الـضَّريحِ فَـلـاحَ لـعـيـنيَّ ما يُؤْلِمُ
وقَــبَّــلْــتُ فــيــهِ دمـاً زاكـي أريـقَ، وَقَـدْ راحَ يَـستظلِمُ
ورتَّـلْـتُ ذكـراكَ حـيـثُ ارتـوى بها العَقْلُ والخاطرُ المبُهَمُ
ومرَّتْ على خاطري الذِّكريات تُبِين الحديثَ فيَشْدو الفَمُ
******
وأرسلْتُ طرفِيَ نحوَ الضَّريحِ لــأنــظُــرَ مــا ضَـمَّ، أو يـكـتُـمُ
فـردَّ وقـد فـاضَ عـن مـدمـعٍ هـو الـدُرُّ كـلَّـلَـهُ الـعَندَمُ (4)
تــراءَتْ لــه وســطَــهُ جُــثَّـةٌ هَـوَتْ فـوقَ مَـنـحَـرِهَـا الأنجُمُ
وقـد ضُـرِّجَـتْ بـنـجـيـعِ الدّمَ وقـد رُكّـزَتْ وسـطَـهـا الأسهُمُ
وأبـصَـرتُ طِـفْلاً كزَهرِ الرَّبيعِ تــفــتَّــحَ عــن نــورِهِ الـبُـرعُـمُ
غـفـا فوقَ صدرٍ كأنَّ السِّهامَ عــلــيـهِ طُـيـورُ الـمـنـى حُـوَّمُ
وراحـــت تُــقــطِّــعُ أوداجَــهُ وتـقـسـو عـلـيـه فـيَـسـتَرحِمُ
سـهـامٌ يُـسـدِّدها الظّالمونَ فـتـجـذِمُ منهنَّ ما تجذِمُ(5)
فـرنَّ بـأُذنـي صـدىً مُـرْسَلٌ مِــنَ الـقُـدْسِ، لـكـنَّـه مُـبْـهَـمُ
هُـنـا حـيـثُ يـرقُـدُ سرُّ الإلهِ وحيثُ الهدى مِن أسًى مُفعَمُ
******
ورحْتُ إلى حيثُ يجري الشَّبابُ "نـزيـفـاً إلـى الـلـهِ يَـسـتـظلِمُ"
فـأبـصـرتُ فـيـهِ كـغُـصنِ الرّياضِ فتَى جذَّ أشلاءَهُ المُخذَمُ (6)
تَـهَـاوَت عـلـى سَـاعِـدَيْهِ النِّبالُ وراحَــتْ تــضِــجُّ وتَـسْـتَـطـعِـمُ
وأهوَتْ على صدرهِ تشتكي ظَمَاها.. فَرَوَّى حشاها الدَّمُ
******
فـيـا نـهضَةَ الحقّ ثوري فقدْ أُبـــيـــحَ الـــحــرامُ، وكُــمَّ الــفَــمُ (7)
وسـادَ الـفسادُ.. فلا مُصْلِحٌ يُـــرجَّـــى هـــنـــاك، ولـــا مُـــســـلِـــمُ
وجـارَ عـلى الشَّعبِ حُكَّامُهُ ولــم يــبــقَ فــي الــقــومِ مَــن يَــرحَـمُ
وراحَ الــضَّــعــيــفُ بـآلـامِـهِ يــــئــــنُّ.. ولــــيـــس لـــه بـــلـــسَـــمُ
وأُخـرِسَ ذاكَ اليراعُ الجريءُ ولــــم يــــبــــقَ يـــنـــفـــعُ إلـــا الـــدَّمُ
أعيدي على الكونِ يومَ الإبا بــــجــــيــــشٍ يــــفــــلُّ ولـــا يُـــهـــزَمُ
لِـتَـخـفـقَ فـوقَ الـمـلا رايةٌ يُـــوحِّـــدُهـــا الـــحــقُّ إذ يُــقــدِمُ (8)
ويـزهو بهَا العدلُ مُستعلي ويعلمُ مَن قد عَتَوا.. من هُمُ (9)
(1) ترقم: تكتب.
(2) مرقم: قلم.
(3) صرح الهدى: الدّين، والصّرح هو البناء.
(4) العندم: دم الأخوين، نبات يصبغ به.
(5) تَجْذِم: تقطع.
(6) المخدم: السيف القاطع.
(7) كُمَّ: سُدّ، أغلِقَ.
(8) تخفق: تعلو، ترفرف.
(9) عَتَوا: ظلموا.
* قصيدة (في المرقد الحسيني)، من ديوان "قصائد للإسلام والحياة"، وهي قصيدة ترثي سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين(ع...وكان قد نظمها سماحته وتلاها في المرقد الحسيني
وقد نشرت في جريدة القدوة الكربلائية، سنة ١٣٧١ هـ.
من وحي كربلاء الخالدة
هـنـا يـقِـفُ الـخـاطِرُ الملْهَمُ ويـسكتُ فيهِ ويستسلِمُ
ويُستَرجَعُ الطَّرفُ عن قصدِهِ فيغشَى فينهل منه الدَّمُ
******
هُـنـا حـيـثُ يـرقُـدُ رمـزُ الـإبا وقُطْبُ الهدى المنقذُ الأعظَمُ
يفيضُ على الكونِ من رُوحِهِ حـنـانـاً مـتـى راحَ يَـسـتـرحِمُ
ويُـرسـلُ أنـوارَهُ فـي الـفـضا فـيُـشـرقُ عـالـمُـنـا الـمُظلِمُ
ويــنــشُـرُ فـيـنـا تـعـالـيـمَـهُ ولـكِنْ بفيضِ الدِّما تُرقَمُ (1)
******
هُــنــا حــيـثُ يـرقُـدُ سـرُّ الـإلـهِ وحيثُ الهُدى، من أسىً، مُفعَمُ
ترى الحقَّ كيف ارتَقَى واستطالَ فَــتَــعــلـمُ مـا لـم تـكُـنْ تـعـلَـمُ
وتـلـمَـحُ فـي جـنـبـاتِ الـضَّـريـحِ دمـــاءَ الـــشَّــهــادةِ إذ تُــلــثَــمُ
وقــد قــامَ مـن حـولِـهِ الـزَّائـرونَ ونـارُ الـأسـى فـي الحشا تُضرَمُ
وقـد عَـكَـفَـتْ حـولـه الـنَّـائـحـاتُ فــهــذي تَــضِــجُّ وذي تَــلْــطِـم
فتَحسَبُهُ كعبةَ المسلمينَ وكُلُّ فتى منهُمُ المُحرِمُ
******
هـنـا سُـجِّـلـتْ للهُدى صفحةٌ من الحقِّ، ما خَطَّها مرْقَمُ (2)
تلاها على الكونِ سبطُ النَّبيِّ فــشـعَّ بـهـا الـمَـنـهَـجُ الـأقْـوَمُ
وأرسَـلَـهَـا فـي الـهُدى دَعوةً تُــبــيــنُ الــصَّــوابَ بـمـا تَـرقُـمُ
وشـيَّـدَ صـرحَ الـهُـدَى بـعدما أزالَ قــواعِــدَهُ الــمُـجْـرِمُ (3)
وعـلَّـمَـنَا كيف تُفدى النُّفوس وكـيـفَ يـمـوتُ الـفتى المسلمُ
وكــيــف تُــراقُ دمــاءُ الـأبـيِّ تــجــاهَ الــعــقــيـدةِ إذ تُـهـضَـمُ
******
ويـا نـهـضَـةً خـلَّـدَتـها السُّنون ودارَ بــهــا الـفـلـكُ الـأعـظـمُ
أعِيدي على مَسْمَعِ الكائناتِ حــديــثَ الــأُبــاةِ ومـا قـدَّمُـوا
عـسـى يعلَمُ النّفَرُ الجاهلونَ بما استنكَروهُ وما استعظَموا
ومــا زعــمــوا فــيـهِ أنَّ الـرُّوا ةَ قــدْ أخَّــروا فـيـهِ أو قـدَّمـوا
أعـيدي فعِنْدَكِ فصلُ الخطابِ وعـنـدَكِ يُـسـتـوضَـحُ المبْهَمُ
******
ويـا سـيِّـدَ الـنَّـفَـرِ الـنَّاهِضينَ تَعَاليْتَ عن كُلِّ ما يُنظَمُ
وقُدِّسْتَ عن أن يُحيطَ الخيالُ بـذاتِـكَ خـبراً ويستعْلِمُ
مَـثَـلْـتُ إلـيـكَ أمـامَ الـضَّريحِ فَـلـاحَ لـعـيـنيَّ ما يُؤْلِمُ
وقَــبَّــلْــتُ فــيــهِ دمـاً زاكـي أريـقَ، وَقَـدْ راحَ يَـستظلِمُ
ورتَّـلْـتُ ذكـراكَ حـيـثُ ارتـوى بها العَقْلُ والخاطرُ المبُهَمُ
ومرَّتْ على خاطري الذِّكريات تُبِين الحديثَ فيَشْدو الفَمُ
******
وأرسلْتُ طرفِيَ نحوَ الضَّريحِ لــأنــظُــرَ مــا ضَـمَّ، أو يـكـتُـمُ
فـردَّ وقـد فـاضَ عـن مـدمـعٍ هـو الـدُرُّ كـلَّـلَـهُ الـعَندَمُ (4)
تــراءَتْ لــه وســطَــهُ جُــثَّـةٌ هَـوَتْ فـوقَ مَـنـحَـرِهَـا الأنجُمُ
وقـد ضُـرِّجَـتْ بـنـجـيـعِ الدّمَ وقـد رُكّـزَتْ وسـطَـهـا الأسهُمُ
وأبـصَـرتُ طِـفْلاً كزَهرِ الرَّبيعِ تــفــتَّــحَ عــن نــورِهِ الـبُـرعُـمُ
غـفـا فوقَ صدرٍ كأنَّ السِّهامَ عــلــيـهِ طُـيـورُ الـمـنـى حُـوَّمُ
وراحـــت تُــقــطِّــعُ أوداجَــهُ وتـقـسـو عـلـيـه فـيَـسـتَرحِمُ
سـهـامٌ يُـسـدِّدها الظّالمونَ فـتـجـذِمُ منهنَّ ما تجذِمُ(5)
فـرنَّ بـأُذنـي صـدىً مُـرْسَلٌ مِــنَ الـقُـدْسِ، لـكـنَّـه مُـبْـهَـمُ
هُـنـا حـيـثُ يـرقُـدُ سرُّ الإلهِ وحيثُ الهدى مِن أسًى مُفعَمُ
******
ورحْتُ إلى حيثُ يجري الشَّبابُ "نـزيـفـاً إلـى الـلـهِ يَـسـتـظلِمُ"
فـأبـصـرتُ فـيـهِ كـغُـصنِ الرّياضِ فتَى جذَّ أشلاءَهُ المُخذَمُ (6)
تَـهَـاوَت عـلـى سَـاعِـدَيْهِ النِّبالُ وراحَــتْ تــضِــجُّ وتَـسْـتَـطـعِـمُ
وأهوَتْ على صدرهِ تشتكي ظَمَاها.. فَرَوَّى حشاها الدَّمُ
******
فـيـا نـهضَةَ الحقّ ثوري فقدْ أُبـــيـــحَ الـــحــرامُ، وكُــمَّ الــفَــمُ (7)
وسـادَ الـفسادُ.. فلا مُصْلِحٌ يُـــرجَّـــى هـــنـــاك، ولـــا مُـــســـلِـــمُ
وجـارَ عـلى الشَّعبِ حُكَّامُهُ ولــم يــبــقَ فــي الــقــومِ مَــن يَــرحَـمُ
وراحَ الــضَّــعــيــفُ بـآلـامِـهِ يــــئــــنُّ.. ولــــيـــس لـــه بـــلـــسَـــمُ
وأُخـرِسَ ذاكَ اليراعُ الجريءُ ولــــم يــــبــــقَ يـــنـــفـــعُ إلـــا الـــدَّمُ
أعيدي على الكونِ يومَ الإبا بــــجــــيــــشٍ يــــفــــلُّ ولـــا يُـــهـــزَمُ
لِـتَـخـفـقَ فـوقَ الـمـلا رايةٌ يُـــوحِّـــدُهـــا الـــحــقُّ إذ يُــقــدِمُ (8)
ويـزهو بهَا العدلُ مُستعلي ويعلمُ مَن قد عَتَوا.. من هُمُ (9)
(1) ترقم: تكتب.
(2) مرقم: قلم.
(3) صرح الهدى: الدّين، والصّرح هو البناء.
(4) العندم: دم الأخوين، نبات يصبغ به.
(5) تَجْذِم: تقطع.
(6) المخدم: السيف القاطع.
(7) كُمَّ: سُدّ، أغلِقَ.
(8) تخفق: تعلو، ترفرف.
(9) عَتَوا: ظلموا.
* قصيدة (في المرقد الحسيني)، من ديوان "قصائد للإسلام والحياة"، وهي قصيدة ترثي سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين(ع...وكان قد نظمها سماحته وتلاها في المرقد الحسيني
وقد نشرت في جريدة القدوة الكربلائية، سنة ١٣٧١ هـ.