حديثنا اليوم حول الحكاية وأهميّتها بالنِّسبة إلى الطّفل، وعلاقة الطفل مع القصّة في حياته اليوميَّة.
بدايةً، عندما نتحدَّث عن القصّة، نتحدَّث عن أوائل مصادر المعرفة، الّتي تختلف عن المدرسة وعن البيت، فعندما يكون بين يدي الطّفل قصَّة، أو كان أيّ أحد من الشخصيّات الموجودة في حياته، إن كان الأهل أو المعلِّمة أو الحكواتي في المكتبة العامَّة.. يحكي للطّفل الحكاية، أو يريه قصَّة، فإنَّ الطّفل هنا ينتقل إلى عالم مختلف عن الرّوتين اليومي، ليس بالضرورة أن يكون مختلفاً في كلّ التفاصيل، ولكنّ الطفل يذهب إلى عالم وأشخاص لا يعرف عنهم شيئاً، إلى أماكن يمكن لأوّل مرّة يعرف عنها، وأحداث يسمعها ويراها لأوّل مرّة.
هذا المصدر من المعرفة المختلف، والّذي يعتبر مختلفاً بأهمية كبرى، يوسّع مدارك الطفل، بمعنى أنّ إدراك الطفل يبنى من خلال كلّ ما يحيط به ويعيشه من خلال الأشخاص والأماكن اليوميّة.
القصّة تأتي كي تنقل له معارف جديدة، تعطيه معارف إضافيَّة، معلومات جديدة..
من هنا، ننتقل إلى أهميّة ثانية، وهي أنَّ هذه القصّة بكلّ العوالم المختلفة فيها، والّتي يمكن أن تشبه واقع الطفل ويمكن أن لا تشبهه، من شخصيّات خياليّة أو من أحداث بأماكن متنوّعة ومختلفة، تعزِّز الخيال عند الطّفل، باعتبار أنّه يسمع شيئاً مختلفاً، فخياله هنا سيسرح إلى أماكن مختلفة.
طبعاً، هنا نتحدَّث عن توسعة المدارك، وتعزيز الخيال الذي سينعكس على شخصيّة الطفل، وبالتّالي، نتكلّم عن أهمية القصَّة في حياة الطفل، والتي تعزِّز شخصيَّته وتساعد في تنميتها. فالقصص تحمل أحداثاً، وتحمل مشكلات وشخصيّات، وفي آخرها، تحمل حلولاً.. فعندما يسمع الطّفل حكايةً ما، يمكن أن يجد فيها من مشكلاته التي يعيشها من أحداث مرّت معه لم يعرف التصرف فيها، فعندما يعجب بشخصيات الحكاية، وكيف تتصرَّف، يمكن أن يعجب بقصَّة معيَّنة، أو بتصرّف وسلوك معيّنين، أو بحلّ معيّن قدَّمته هذه الحكاية، فيتبنّاه.
هذا التبني يعزّز الشخصية وينمّيها، ويحلّ له مشاكل معيّنة، فإذا كان الطفل خجولاً مثلاً، يتلقّى هذا الشّيء وينتبه أكثر كيف تعاطت هذه الشخصيّة مع هذا الخجل، أو أيّ مسألة ثانية يحسّ الطفل بأنّ مشكلته فيها.
إذاً، تلعب القصّة دوراً كبيراً في توسعة مدارك الطّفل وتعزيز خياله وتنمية شخصيّته، عندما تكون القصّة وسيلةً من الوسائل التي يستخدمها الأهل أو كلّ الشخصيّات الفاعلة في حياته، إن كان الأهل، أو المعلّمة، أو الحكواتيّة في المكتبة العامّة عندما يرتادها الطفل كمكان ثقافيّ عام ويسمع الحكاية.
هنا نتنقل إلى مسألة مهمَّة جدّاً يمكن أن تعني الأمّ أو المعلّمة الّتي تريد أن توصل أهدافاً معيَّنة إلى الطّفل، فتلجأ إلى القصّة باعتبارها وسيلة رائعة لإيصال الأهداف.. قد يكون لدى المعلمة سلسلة محاور وأهداف تعليميّة تريد توصيلها إلى الطفل، فتركّز في القصّة على هذا الهدف.
ولكنَّ هناك هدفاً مهمّاً أيضاً، ليس فقط الحكواتيَّة في المكتبة العامَّة تقدر أن توصله، بل على المعلّمة والأهل أيضاً أن ينتبهوا إليه، وهو زرع الفرح والمتعة في نفس الطّفل، يعني أن تكون القصَّة لأجل الفرح، لأجل أن يعيش الطفل أمراً مختلفاً.
قد تقوم الأمّ في البيت بالتّركيز في تعليم ولدها على وسائل تربويّة، وقد تستخدم طرقاً عديدة لأجل ذلك، وكذلك المعلّمة في الصّفّ، وهما تحملان هذه المسؤوليّة، وبشكل سليم، ولكنّ الطفل قد يريد شيئاً مختلفاً.. فأنا عندما أُسمِعه حكاية، لا يكون الأمر أشبه بالضّغط عليه، ويكون الدّرس أو الفرحة التي تحملها هذه الحكاية، أو الأمر الذي أريده أن يعرفه من خلال الحكاية، قد وصله، وعلينا أن نتأكّد من أن يكون قد وصله، لأن الطفل مخلوق ذكيّ، وهو، بما يملك من قدرات أعطاه إيّاها الله، يمكن أن أوصل إليه الفكرة من دون أن أكون مباشِرة، ويمكن أن أوصل إليه تفاصيل معيّنة تنمّي له شخصيّته وخياله، وفي الوقت نفسه، تنمّي الحسّ النقديّ لديه، عندما أعطيه كلَّ المجال ليسأل وينتقد ما هو موجود في الحكاية.
إنَّ القصَّة يمكن أن تكون وسيلةً ناجحةً جدّاً مع الطفل، تساعد في صناعة إنسان مبدع، وقادر عندما يكون لديه أيّ تساؤل، على اللّجوء إلى مصدر المعلومات، لأنَّ الحكاية، كما قلنا، هي مصدر للمعلومات، فالحكاية هي نواة تربية الطفل على أن يلجأ إلى مصادر المعلومات الّتي يمكن أن تقدِّم له المعلومات الصّحيحة، ليكون مشروع إنسان مبدع ومثقّف وفاعل في الحياة اليوميّة.