مثّل يوم الغدير مرحلة مميَّزة بارزة في المسيرة الإسلاميَّة، باعتباره يمثّل مسؤوليَّة قيادة الإسلام في قاعدته الفكريَّة وامتداداته الشَّرعيَّة والمنهجيَّة، وقيادة المسلمين من خلال التعقيدات الموجودة في داخلهم، والتَّحدّيات الَّتي تحيط بهم في الخارج من كلّ جانب.
إنَّ قيادة الإسلام بعد الرّسول (ص) بحاجة إلى شخصيَّة تملك الإسلام بفكره كلّه، وامتداداته الثقافية والمنهجية والشرعية، حتى تستطيع أن توحّد التصوّر الإسلاميّ من موقع القاعدة التي تحكم مفردات هذا التصوّر، حتى لا يختلف المسلمون في تصوّرهم للإسلام، لأنّ هذا الاختلاف بالرغم مما يحتوي من إيجابيات في حركة الاجتهاد، عطّل فكرة وحدة المسلمين في خطّ الإسلام، حتى جاء من يتحدث عن (إسلامات)، أو يتساءل وهو يستمع إلى طرح الإسلام في الواقع، فيقول: عن أيّ إسلام تتحدَّثون؟!
لذلك، كان لا بدَّ من شخصية تملك التصوّر المعصوم الواضح للإسلام بالقوَّة نفسها الَّتي كان يملكها رسول اللّه (ص) ...
ومن هنا، كانت مسألة الغدير من المسائل الحيويَّة في المسيرة الإسلاميَّة، ولا سيَّما بلحاظ ما ورد في كتب التفسير، مما رواه أكثر من راو بما يطمئنّ له من صدور هذا التفسير في أسباب النزول، من أنّ النبيّ (ص) عندما وصل إلى موقع غدير خمّ، نزلت الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ}[المائدة: 67]. وإن كان هناك بعض المفسّرين ممن يرى أنّها نزلت في مجال آخر، لكن لم يستطيعوا أن يوازنوا بين المناسبة الَّتي يدّعونها وبين طبيعة الآية، لأنّ الآية لم تنزل في بداية الدَّعوة حتَّى يقال إنّها أمرٌ للنبيّ (ص) بالإنذار بالتبليغ، وإنّما نزلت فـي نـهايـة الدَّعـــوة، لأنَّ النّـبيّ (ص) في ذلك الوقت، كان قد بلّغ كلّ ما أنزل إليه من ربّه، ولم يعهد أنّه (ص) خاف من تبليغ أيّ حكم من الأحكام، بل كان قوياًّ في إبلاغ الوحي مهما كانت طبيعته، ومهما كانت ردود الفعل المترتبة عليه {وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: 29].
فالنبيّ (ص) لم يحسب – في إبلاغه للرسالة – أيّ حساب لردود الفعل، لأنّه كان يقوم بعملية تأسيس الفكر والروح والمنهج، ولذلك، فقد كانت ردود الفعل السلبيّة كلّها منتظرة ومتوقَّعة. وقد انطلق النبي(ص) بكلّ قوة في هذا المجال، حتى إنّه عندما كان يتألم، فإنه يتألم لأنَّ الناس في قلبه، وكان يرى أنَّ الخلاص هو في اتباع الناس للرسالة، ولذلك كان يتألّم لهم ولم يتألّم منهم.
وعلى هذا، فإنَّ هذه الآية تؤكّد أنّ هناك شيئاً مهمّاً {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاس}، لأنَّ الأمر مما يدور فيه الجدل باعتبار خصوصيَّته، وليس ذلك إلَّا الولاية لعليّ (ع). وعندما بلّغ النبيّ (ص) الرسالة بقوله: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟! قالوا: اللَّهم بلى. قال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه"، نزلت الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة: 3]، لأنَّ هذه الثغرة هي الوحيدة الَّتي بقيت في الخطّ الإسلاميّ التَّشريعيّ، فعندما سدّت هذه الثَّغرة اكتمل البناء، وأتمَّ اللّه نعمته على المسلمين ورضي الإسلام ديناً للنَّاس كافّة.
* من كتاب النّدوة، ج 7.
مثّل يوم الغدير مرحلة مميَّزة بارزة في المسيرة الإسلاميَّة، باعتباره يمثّل مسؤوليَّة قيادة الإسلام في قاعدته الفكريَّة وامتداداته الشَّرعيَّة والمنهجيَّة، وقيادة المسلمين من خلال التعقيدات الموجودة في داخلهم، والتَّحدّيات الَّتي تحيط بهم في الخارج من كلّ جانب.
إنَّ قيادة الإسلام بعد الرّسول (ص) بحاجة إلى شخصيَّة تملك الإسلام بفكره كلّه، وامتداداته الثقافية والمنهجية والشرعية، حتى تستطيع أن توحّد التصوّر الإسلاميّ من موقع القاعدة التي تحكم مفردات هذا التصوّر، حتى لا يختلف المسلمون في تصوّرهم للإسلام، لأنّ هذا الاختلاف بالرغم مما يحتوي من إيجابيات في حركة الاجتهاد، عطّل فكرة وحدة المسلمين في خطّ الإسلام، حتى جاء من يتحدث عن (إسلامات)، أو يتساءل وهو يستمع إلى طرح الإسلام في الواقع، فيقول: عن أيّ إسلام تتحدَّثون؟!
لذلك، كان لا بدَّ من شخصية تملك التصوّر المعصوم الواضح للإسلام بالقوَّة نفسها الَّتي كان يملكها رسول اللّه (ص) ...
ومن هنا، كانت مسألة الغدير من المسائل الحيويَّة في المسيرة الإسلاميَّة، ولا سيَّما بلحاظ ما ورد في كتب التفسير، مما رواه أكثر من راو بما يطمئنّ له من صدور هذا التفسير في أسباب النزول، من أنّ النبيّ (ص) عندما وصل إلى موقع غدير خمّ، نزلت الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ}[المائدة: 67]. وإن كان هناك بعض المفسّرين ممن يرى أنّها نزلت في مجال آخر، لكن لم يستطيعوا أن يوازنوا بين المناسبة الَّتي يدّعونها وبين طبيعة الآية، لأنّ الآية لم تنزل في بداية الدَّعوة حتَّى يقال إنّها أمرٌ للنبيّ (ص) بالإنذار بالتبليغ، وإنّما نزلت فـي نـهايـة الدَّعـــوة، لأنَّ النّـبيّ (ص) في ذلك الوقت، كان قد بلّغ كلّ ما أنزل إليه من ربّه، ولم يعهد أنّه (ص) خاف من تبليغ أيّ حكم من الأحكام، بل كان قوياًّ في إبلاغ الوحي مهما كانت طبيعته، ومهما كانت ردود الفعل المترتبة عليه {وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}[الكهف: 29].
فالنبيّ (ص) لم يحسب – في إبلاغه للرسالة – أيّ حساب لردود الفعل، لأنّه كان يقوم بعملية تأسيس الفكر والروح والمنهج، ولذلك، فقد كانت ردود الفعل السلبيّة كلّها منتظرة ومتوقَّعة. وقد انطلق النبي(ص) بكلّ قوة في هذا المجال، حتى إنّه عندما كان يتألم، فإنه يتألم لأنَّ الناس في قلبه، وكان يرى أنَّ الخلاص هو في اتباع الناس للرسالة، ولذلك كان يتألّم لهم ولم يتألّم منهم.
وعلى هذا، فإنَّ هذه الآية تؤكّد أنّ هناك شيئاً مهمّاً {وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاس}، لأنَّ الأمر مما يدور فيه الجدل باعتبار خصوصيَّته، وليس ذلك إلَّا الولاية لعليّ (ع). وعندما بلّغ النبيّ (ص) الرسالة بقوله: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟! قالوا: اللَّهم بلى. قال: من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه"، نزلت الآية {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة: 3]، لأنَّ هذه الثغرة هي الوحيدة الَّتي بقيت في الخطّ الإسلاميّ التَّشريعيّ، فعندما سدّت هذه الثَّغرة اكتمل البناء، وأتمَّ اللّه نعمته على المسلمين ورضي الإسلام ديناً للنَّاس كافّة.
* من كتاب النّدوة، ج 7.