وفي اللّيلة الظّلماء.. يفتقد البدر!

وفي اللّيلة الظّلماء.. يفتقد البدر!
نعيش في هذه الأيّام ذكرى الغياب الكبير للمرجع المجدد سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله(قده)، وقد جاء هذا الغياب على عتبة مرور المنطقة عبر نفق واعد وراعد، وتزامن مع أحداث مهولة لم يعرفها تاريخها الحديث، حيث تأرجحت الشعوب والمصائر على خطَّي الأمل والفشل، وضفَّتي الرغبة والرهبة، وفرقان الجنّة والنار، في شبهة حق وباطل في حالات كثيرة، ودم غزير!..

وقد يكون الحديث عن سماحة السيّد بعد سنوات على غيابه، أكثر استرخاءً وتخفّفاً من ضغط  حملة الجنون والمجون التي رافقت السنين الأخيرة من عمره الشريف، وقد تسمح هذه المسافة الزمنية في التأمّل في واقع ومآلات ساحة إسلاميّة.. بدون السيّد!

وقد لا تسمح عجالة مقال في ذكرى، بالإطلالة على أكثر من خمسين سنة في ساحات العمل الإسلامي، الحوزوي والفكري والبحثي والدّعوي، والحضور السياسي والجهادي والحركي والاجتماعي، الدّؤوب والحكيم والمثابر والمتابع، والعاكف على الكتابة والتّأليف والتّدريس.. قد لا تسمح هذه العجالة في تغطية جانب من الجوانب الّتي ملأها السيّد قولاً وفعلاً وكتابة!..

لكنّنا ـ ونحن مأزومون بهمّ الفتنة ـ نودّ أن نتأمّل في مأزق ساحة لا يضبط ساعتها السيّد فضل الله على إيقاع الوحدة الإسلاميّة والانفتاح على الآخر، والحوار الهادئ الرَّصين، والكلمة الطيِّبة، والدَّفع بالّتي هي أحسن، والبحث عن المشترك في العقيدة والفكر والإنسان، وتجسير العلاقات بين الجزر الطائفيّة والمذهبيّة والحزبيّة والقبليّة، والتواصي بالحقّ والتواصي بالصّبر، وتقديم الإنسان قيمةً، والعقل رائداً، والكلمة أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر.. وأكثر، والموقف جرأةً ومسؤوليّةً والتزاماً!..

ولعلّ الوحدة الإسلاميّة كانت في حياة السيّد وممارسته وفكره ودعوته، همّاً أساسيّاً ومركزيّاً من مروحة اهتماماته الواسعة والمتشعّبة والمفتوحة على فضاءات لا نهاية لها في كدحه في خطّ الله لملاقاته!..

وقد مثّلت مفردة "الوحدة" أيقونة في عرش فكر السيّد وحركته ودائرة اهتمامه الّتي فرد عباءته ظلاً يجمع تحت فيئها ما اختلف من عناصر التّكوين الجامع لأمّة تستأنس بالاختلاف والخلاف مع الآخر، لكنّه تمكّن بحكمة ودراية، ومن خلال التأكيد على المشترك والجامع والموحّد، أن يصهر هذه المفردات في دارته في حارة حريك، كمركز وحيد ومتفرّد في خلط هذه العناصر، لكي يصهرها في حالة فريدة في الصنعة...!

أمّا أهل الفكر، فقد حافظوا على أمانة الالتزام بفكر الوحدة، عطفاً على وحدة في العبادة تشكّل أسّاً من أسس العقيدة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء: 92].

أمّا أهل السياسة، وما أكثرهم! من الّذين لم يبلغ مفهوم الوحدة تراقيهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فهؤلاء قلبوا ظهر المجنّ، وعادوا الى جاهليّتهم، يضرب بعضهم أعناق بعض، أذاعوا بها نتنة منتنة.. إنها الفتنة!..

غاب سماحته، وتوزّع القوم أيدي سبأ، وانسحب كثيرون من التزاماتهم الأدبيّة والمعنويّة والدينيّة والأخلاقيّة، وانصرفوا الى أزقّتهم وحواريهم، بعضهم يبحث عن القرش الأبيض أو الأسود الملطّخ بالنفط يخبّئه ليومه الأسود، وتراجع العقلاء، استقالوا أو أقيلوا من ساحاتهم وجوامعهم ومنابرهم، وتصدّى الموتورون والمعمّمون الأميّون والدّعاة الفاسدون، لاحتلال منابر الأرض وأثير الفضاء، وأعادوها جاهليّة!..

وحين أسلم الديني قياده للسياسي، فسد الديني ولم يسلم السياسي، وحسن سند الحديث ومتنه، إذ يقول: "إذا رأيت العلماء على أبواب الأمراء، فبئس العلماء وبئس الأمراء".

غاب السيّد، ولم تجد الأمّة حاضنتها الدافئة، ومساحة فيئها الظّليل، وباب حكمتها علماً وتجربة وموقفاً، وانكشفت الساحة على صحراء قاحلة، في المؤسّسات والرجال والكفاءات المؤهّلة لسدّ الفراغ الكبير الذي تركه السيّد تعباً وقرفاً، واستجابةً لنداء المولى تعالى!..

انكشفت الساحة على تظهير مخيف لصورة من صور القرون السّوداء في تاريخ هذه الأمّة، خرجت أفاعي الفتنة من عباءات الغرف السّوداء ودوائر الأجهزة وحقائب السّفارات.. ودارة السيّد مسكونة بالغياب الكبير، وسفينة "الوحدة" فقدت قيادها وبوصلتها، وضاعت في لحظة "سوريّة" عصيبة!..

ومما جعل هذا الغياب هولاً مضاعفاً وفقداً أليماً، أنّه جاء في لحظة تاريخية حرجة، كانت الأمّة على ضفّتها الأخرى تنتظر من يجدّد دينها على رأس قرن ميلاديّ جديد، بعد أن جدّد الإمام الخميني (قده) دين هذه الأمّة على ضفّة واعدة من ضفاف القرن الخامس عشر للهجرة..

وكان الأمل بدأ يغزو ويعشوشب في الحنايا والصدور، وكانت لحظات تاريخية حين بدأت عروش مؤسّسة لمظالم وخيانات تتساقط.. وكان سماحة السيّد فضل الله من العاملين على خطّ الوحدة بين ضفّتين تشربان من نهر واحد، وتتغذّيان من روافد عدّة، وكانت الآمال عريضة، والأجندات واعدة، والشّعوب متفائلة.. وفجأةً رحل السيّد، وانقطعت خطوط التّواصل مع الضفّة الأخرى، التي أصبحت ضفافاً تهدّدها فيضانات وتردّدات ومدّ وجزر...

عفواً سيّدي..

أريد أن أقف مع الشّاعر على ضفاف نهر مكلوم بالفتنة والدّم، والبوصلات الزّائغة، والمعارك المفتعلة، والحروب الخاسرة، والجنّات الموهومة، والحور المزعومة بالنّصوص الموضوعة والمؤوّلة، والفتاوى المستحدثة، والمعمّمين الّذين.. يقلّ ضبطهم عن المتعارف!

                                         سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم       وفي اللّيلةِ الظّلماءِ يُفتقَدُ البدرُ

نعيش في هذه الأيّام ذكرى الغياب الكبير للمرجع المجدد سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله(قده)، وقد جاء هذا الغياب على عتبة مرور المنطقة عبر نفق واعد وراعد، وتزامن مع أحداث مهولة لم يعرفها تاريخها الحديث، حيث تأرجحت الشعوب والمصائر على خطَّي الأمل والفشل، وضفَّتي الرغبة والرهبة، وفرقان الجنّة والنار، في شبهة حق وباطل في حالات كثيرة، ودم غزير!..

وقد يكون الحديث عن سماحة السيّد بعد سنوات على غيابه، أكثر استرخاءً وتخفّفاً من ضغط  حملة الجنون والمجون التي رافقت السنين الأخيرة من عمره الشريف، وقد تسمح هذه المسافة الزمنية في التأمّل في واقع ومآلات ساحة إسلاميّة.. بدون السيّد!

وقد لا تسمح عجالة مقال في ذكرى، بالإطلالة على أكثر من خمسين سنة في ساحات العمل الإسلامي، الحوزوي والفكري والبحثي والدّعوي، والحضور السياسي والجهادي والحركي والاجتماعي، الدّؤوب والحكيم والمثابر والمتابع، والعاكف على الكتابة والتّأليف والتّدريس.. قد لا تسمح هذه العجالة في تغطية جانب من الجوانب الّتي ملأها السيّد قولاً وفعلاً وكتابة!..

لكنّنا ـ ونحن مأزومون بهمّ الفتنة ـ نودّ أن نتأمّل في مأزق ساحة لا يضبط ساعتها السيّد فضل الله على إيقاع الوحدة الإسلاميّة والانفتاح على الآخر، والحوار الهادئ الرَّصين، والكلمة الطيِّبة، والدَّفع بالّتي هي أحسن، والبحث عن المشترك في العقيدة والفكر والإنسان، وتجسير العلاقات بين الجزر الطائفيّة والمذهبيّة والحزبيّة والقبليّة، والتواصي بالحقّ والتواصي بالصّبر، وتقديم الإنسان قيمةً، والعقل رائداً، والكلمة أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر.. وأكثر، والموقف جرأةً ومسؤوليّةً والتزاماً!..

ولعلّ الوحدة الإسلاميّة كانت في حياة السيّد وممارسته وفكره ودعوته، همّاً أساسيّاً ومركزيّاً من مروحة اهتماماته الواسعة والمتشعّبة والمفتوحة على فضاءات لا نهاية لها في كدحه في خطّ الله لملاقاته!..

وقد مثّلت مفردة "الوحدة" أيقونة في عرش فكر السيّد وحركته ودائرة اهتمامه الّتي فرد عباءته ظلاً يجمع تحت فيئها ما اختلف من عناصر التّكوين الجامع لأمّة تستأنس بالاختلاف والخلاف مع الآخر، لكنّه تمكّن بحكمة ودراية، ومن خلال التأكيد على المشترك والجامع والموحّد، أن يصهر هذه المفردات في دارته في حارة حريك، كمركز وحيد ومتفرّد في خلط هذه العناصر، لكي يصهرها في حالة فريدة في الصنعة...!

أمّا أهل الفكر، فقد حافظوا على أمانة الالتزام بفكر الوحدة، عطفاً على وحدة في العبادة تشكّل أسّاً من أسس العقيدة {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ}[الأنبياء: 92].

أمّا أهل السياسة، وما أكثرهم! من الّذين لم يبلغ مفهوم الوحدة تراقيهم، يحوطونه ما درّت معايشهم، فهؤلاء قلبوا ظهر المجنّ، وعادوا الى جاهليّتهم، يضرب بعضهم أعناق بعض، أذاعوا بها نتنة منتنة.. إنها الفتنة!..

غاب سماحته، وتوزّع القوم أيدي سبأ، وانسحب كثيرون من التزاماتهم الأدبيّة والمعنويّة والدينيّة والأخلاقيّة، وانصرفوا الى أزقّتهم وحواريهم، بعضهم يبحث عن القرش الأبيض أو الأسود الملطّخ بالنفط يخبّئه ليومه الأسود، وتراجع العقلاء، استقالوا أو أقيلوا من ساحاتهم وجوامعهم ومنابرهم، وتصدّى الموتورون والمعمّمون الأميّون والدّعاة الفاسدون، لاحتلال منابر الأرض وأثير الفضاء، وأعادوها جاهليّة!..

وحين أسلم الديني قياده للسياسي، فسد الديني ولم يسلم السياسي، وحسن سند الحديث ومتنه، إذ يقول: "إذا رأيت العلماء على أبواب الأمراء، فبئس العلماء وبئس الأمراء".

غاب السيّد، ولم تجد الأمّة حاضنتها الدافئة، ومساحة فيئها الظّليل، وباب حكمتها علماً وتجربة وموقفاً، وانكشفت الساحة على صحراء قاحلة، في المؤسّسات والرجال والكفاءات المؤهّلة لسدّ الفراغ الكبير الذي تركه السيّد تعباً وقرفاً، واستجابةً لنداء المولى تعالى!..

انكشفت الساحة على تظهير مخيف لصورة من صور القرون السّوداء في تاريخ هذه الأمّة، خرجت أفاعي الفتنة من عباءات الغرف السّوداء ودوائر الأجهزة وحقائب السّفارات.. ودارة السيّد مسكونة بالغياب الكبير، وسفينة "الوحدة" فقدت قيادها وبوصلتها، وضاعت في لحظة "سوريّة" عصيبة!..

ومما جعل هذا الغياب هولاً مضاعفاً وفقداً أليماً، أنّه جاء في لحظة تاريخية حرجة، كانت الأمّة على ضفّتها الأخرى تنتظر من يجدّد دينها على رأس قرن ميلاديّ جديد، بعد أن جدّد الإمام الخميني (قده) دين هذه الأمّة على ضفّة واعدة من ضفاف القرن الخامس عشر للهجرة..

وكان الأمل بدأ يغزو ويعشوشب في الحنايا والصدور، وكانت لحظات تاريخية حين بدأت عروش مؤسّسة لمظالم وخيانات تتساقط.. وكان سماحة السيّد فضل الله من العاملين على خطّ الوحدة بين ضفّتين تشربان من نهر واحد، وتتغذّيان من روافد عدّة، وكانت الآمال عريضة، والأجندات واعدة، والشّعوب متفائلة.. وفجأةً رحل السيّد، وانقطعت خطوط التّواصل مع الضفّة الأخرى، التي أصبحت ضفافاً تهدّدها فيضانات وتردّدات ومدّ وجزر...

عفواً سيّدي..

أريد أن أقف مع الشّاعر على ضفاف نهر مكلوم بالفتنة والدّم، والبوصلات الزّائغة، والمعارك المفتعلة، والحروب الخاسرة، والجنّات الموهومة، والحور المزعومة بالنّصوص الموضوعة والمؤوّلة، والفتاوى المستحدثة، والمعمّمين الّذين.. يقلّ ضبطهم عن المتعارف!

                                         سيذكرني قومي إذا جدّ جدّهم       وفي اللّيلةِ الظّلماءِ يُفتقَدُ البدرُ

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية