كتابات
30/07/2018

لماذا لا نطلق الفقه إسلاميّاً؟

لماذا لا نطلق الفقه إسلاميّاً؟

إنّي أُلاحظ، في كلّ ما تتم إثارته داخل حوزاتنا وجامعاتنا، أنَّ هناك تشديداً على التقسيمات الفقهية؛ الفقه الشيعيّ، الفقه السنّيّ، الحنفيّ، المالكيّ، الشافعيّ، إلى آخر ما هناك؛ محاولين دوماً أنْ نؤكّد الفواصل، وأن نضع الحواجز بين فقه وفقه، في الوقت الذي نعرف أنَّ كلّ الفقهاء من سنّة وشيعة، إنَّما تبنّوا هذا الرأي أو ذاك انطلاقاً من فهم معيّن لهذه الآية القرآنية أو تلك. وبذلك، يتمّ تحديد أنَّ هذا الشيء واجب، أو أنَّ هذا الشيء مستحبّ، وما إلى ذلك.

لم ينطلق أحدهم في أبحاثه وفهمه من صفة سنيّة بالمعنى الذاتي للصفة، أو من صفة شيعيّة، حتّى إنَّنا عندما نلاحظ بعض الأشياء التي مثّلت حدّاً فاصلاً في الغالب بين السنّة والشيعة، كما في القياس، نرى أنَّ الكثيرين من السنّة الذين تبنّوا حجيّة القياس، إنَّما تبنّوه على أساس ما قدَّموه من الآيات التي يرون أنّها تدلّ على حجيّة القياس، أو من الأحاديث الواردة في السنّة التي تدلّ على حجيّة القياس، وعندما نفى الآخرون من السنّة، كالمذهب الظاهري، والشيعة، حجيّة القياس، نفوها من موقع أنَّ هذه الآيات لا تدلّ عليه، كما أنَّ الأحاديث التي أكّدت دعوى صحّته، لا تثبت أمام النقد من خلال السند، ولا تثبت أمام النقد من خلال الموقف.

إذاً، المسألة كانت أنَّ هؤلاء يتحدّثون على أساس الكتاب والسنّة، وأنَّ أولئك يتحدّثون على الأساس نفسه، ليست هناك خصوصيّة شيعيّة في هذا الرأي الرافض، وليست هناك خصوصيّة سنيّة في هذا الرأي الموافق، حتّى إنَّ الشيعة الذين نقلوا أحاديث أئمّتهم عن "أنَّ السنّة إذا قيست محق الدين"، لم ينقلوها على أساس أنّها حالة تعبّدية، إنَّما أشاروا إلى الحديث الآخر الوارد عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) "أنَّ دين الله لا يصاب بالعقول"، وقالوا إنَّ مشكلة القياس تجعلنا لا نفهم عمق المصالح والمفاسد التي تتحرّك في خلفيات الأحكام، وإذا لم نعرف المصلحة بشكلٍ قطعي، وإنَّما بشكلٍ ظنّي، فإنَّما نكون قد جانبنا الصواب، لأنَّ الظنّ لا يُغني من الحقّ شيئاً.. وكانت القضية تتحرَّك في هذا الاتّجاه.

لم ينطلق القياس في الرفض الفقهيّ الشيعيّ من حالة تعبّدية، وإنَّما انطلق من حالة أصولية عامّة تتمحور حول حجيّة الظنّ أو عدم حجيّته في ما لم نصل فيه إلى القطع، وإلاّ فالسنّة والشيعة يتّفقون على حجيّة القياس في العلّة المنصوصة القطعيّة، أو في القطعيّات التي يمكن أن نقطع فيها، كما في بعض القضايا الفكرية الشرعية.

وهكذا، عندما نأتي إلى ما يختلف فيه الشيعة والسنّة في فهم القرآن، أو ما يختلفون به في عموم القرآن والأحاديث، ولا سيّما في مسألة التوثيق وما إلى ذلك، فإنّنا نلاحظ أنَّ هناك فقهاً إسلامياً قد يتبنَّاه شخص ويرفضه شخصٌ آخر، تماماً كما هي المسألة في الدائرة السنيّة أو في الدائرة الشيعيّة. لذلك أتساءل: لماذا لا ننطلق على أساس أن نطرح الفقه إسلامياً، أي بعيداً من كلّ خصوصيّة شيعيّة أو سنيّة، فيتحدّث العلماء كلّ بحسب دليله المنطلق من المصادر الأساسية لحجيّة التشريع؟! ونحن نلاحظ أنَّ من علماء المسلمين الشيعة مَنْ تبنّى هذا الأسلوب، وهو العلاّمة الحلّي في كتاب (المنتهى) وفي كتاب (التذكرة)، فقد كان ينقل المسألة ويثير الأدلّة الواردة عن طريق أهل السنّة على نسق ما يثير الأدلّة عن طريق أهل الشيعة، ويتحدّث عن الخلاف بأشكال متداخلة، فلا المسألة الشيعيّة تفصل عن المسألة السنيّة ولا العكس.

لذا، الحديث عن الفقه المقارن، أو الفقه على المذاهب الأربعة، أو الفقه على المذاهب الخمسة، يمثّل تأكيداً للفواصل. وفي رأيي، أنَّه لا بدّ من الانطلاق على أساس أن يكون فقهنا المستقبلي فقهاً إسلامياً يعرض الأقوال بدون تعقيد.

وعلى هذا الأساس، فإنَّني أقترح على أخوتنا في مجمع التقريب، الذين فكَّروا في إنشاء جامعة المذاهب الأربعة أو المذاهب الخمسة، أن يسمّوها (الجامعة الإسلامية)، لأنَّ ذلك يؤكّد فكرة أنَّنا مسلمون عندما نختلف، كما أنَّنا مسلمون عندما نتّفق، ويؤكّد أنَّ خلافنا من داخل الإسلام وليس من خارجه، وإذا استطعنا أن نعيش حقيقة أنَّ خلافنا من داخل الإسلام وليس من خارجه، فسيؤدّي ذلك إلى أنْ يمتنع بعضنا عن أنْ يكفِّر الآخر، لأنَّ لعبة التكفير هذه التي فرضت نفسها على الواقع، يعود سببها إلى أنَّنا تجاوزنا المفهوم القرآني للكفر والإيمان، وأصبحنا نتحدّث عن الكفر والإيمان على أساس آخر.

لقد وسّعنا دائرة مفهوم الكفر، ليشمل إنساناً خالَف حديثاً قَبِلَهُ آخر، أو اجتهد في مفهوم قرآني لم يتقبّله آخر، علماً أنَّ معايير الخلاف استندت إلى أساس القرآن والسنّة.

*من كتاب "في قضايا الاختلاف والوحدة".

إنّي أُلاحظ، في كلّ ما تتم إثارته داخل حوزاتنا وجامعاتنا، أنَّ هناك تشديداً على التقسيمات الفقهية؛ الفقه الشيعيّ، الفقه السنّيّ، الحنفيّ، المالكيّ، الشافعيّ، إلى آخر ما هناك؛ محاولين دوماً أنْ نؤكّد الفواصل، وأن نضع الحواجز بين فقه وفقه، في الوقت الذي نعرف أنَّ كلّ الفقهاء من سنّة وشيعة، إنَّما تبنّوا هذا الرأي أو ذاك انطلاقاً من فهم معيّن لهذه الآية القرآنية أو تلك. وبذلك، يتمّ تحديد أنَّ هذا الشيء واجب، أو أنَّ هذا الشيء مستحبّ، وما إلى ذلك.

لم ينطلق أحدهم في أبحاثه وفهمه من صفة سنيّة بالمعنى الذاتي للصفة، أو من صفة شيعيّة، حتّى إنَّنا عندما نلاحظ بعض الأشياء التي مثّلت حدّاً فاصلاً في الغالب بين السنّة والشيعة، كما في القياس، نرى أنَّ الكثيرين من السنّة الذين تبنّوا حجيّة القياس، إنَّما تبنّوه على أساس ما قدَّموه من الآيات التي يرون أنّها تدلّ على حجيّة القياس، أو من الأحاديث الواردة في السنّة التي تدلّ على حجيّة القياس، وعندما نفى الآخرون من السنّة، كالمذهب الظاهري، والشيعة، حجيّة القياس، نفوها من موقع أنَّ هذه الآيات لا تدلّ عليه، كما أنَّ الأحاديث التي أكّدت دعوى صحّته، لا تثبت أمام النقد من خلال السند، ولا تثبت أمام النقد من خلال الموقف.

إذاً، المسألة كانت أنَّ هؤلاء يتحدّثون على أساس الكتاب والسنّة، وأنَّ أولئك يتحدّثون على الأساس نفسه، ليست هناك خصوصيّة شيعيّة في هذا الرأي الرافض، وليست هناك خصوصيّة سنيّة في هذا الرأي الموافق، حتّى إنَّ الشيعة الذين نقلوا أحاديث أئمّتهم عن "أنَّ السنّة إذا قيست محق الدين"، لم ينقلوها على أساس أنّها حالة تعبّدية، إنَّما أشاروا إلى الحديث الآخر الوارد عن أئمّة أهل البيت (عليهم السلام) "أنَّ دين الله لا يصاب بالعقول"، وقالوا إنَّ مشكلة القياس تجعلنا لا نفهم عمق المصالح والمفاسد التي تتحرّك في خلفيات الأحكام، وإذا لم نعرف المصلحة بشكلٍ قطعي، وإنَّما بشكلٍ ظنّي، فإنَّما نكون قد جانبنا الصواب، لأنَّ الظنّ لا يُغني من الحقّ شيئاً.. وكانت القضية تتحرَّك في هذا الاتّجاه.

لم ينطلق القياس في الرفض الفقهيّ الشيعيّ من حالة تعبّدية، وإنَّما انطلق من حالة أصولية عامّة تتمحور حول حجيّة الظنّ أو عدم حجيّته في ما لم نصل فيه إلى القطع، وإلاّ فالسنّة والشيعة يتّفقون على حجيّة القياس في العلّة المنصوصة القطعيّة، أو في القطعيّات التي يمكن أن نقطع فيها، كما في بعض القضايا الفكرية الشرعية.

وهكذا، عندما نأتي إلى ما يختلف فيه الشيعة والسنّة في فهم القرآن، أو ما يختلفون به في عموم القرآن والأحاديث، ولا سيّما في مسألة التوثيق وما إلى ذلك، فإنّنا نلاحظ أنَّ هناك فقهاً إسلامياً قد يتبنَّاه شخص ويرفضه شخصٌ آخر، تماماً كما هي المسألة في الدائرة السنيّة أو في الدائرة الشيعيّة. لذلك أتساءل: لماذا لا ننطلق على أساس أن نطرح الفقه إسلامياً، أي بعيداً من كلّ خصوصيّة شيعيّة أو سنيّة، فيتحدّث العلماء كلّ بحسب دليله المنطلق من المصادر الأساسية لحجيّة التشريع؟! ونحن نلاحظ أنَّ من علماء المسلمين الشيعة مَنْ تبنّى هذا الأسلوب، وهو العلاّمة الحلّي في كتاب (المنتهى) وفي كتاب (التذكرة)، فقد كان ينقل المسألة ويثير الأدلّة الواردة عن طريق أهل السنّة على نسق ما يثير الأدلّة عن طريق أهل الشيعة، ويتحدّث عن الخلاف بأشكال متداخلة، فلا المسألة الشيعيّة تفصل عن المسألة السنيّة ولا العكس.

لذا، الحديث عن الفقه المقارن، أو الفقه على المذاهب الأربعة، أو الفقه على المذاهب الخمسة، يمثّل تأكيداً للفواصل. وفي رأيي، أنَّه لا بدّ من الانطلاق على أساس أن يكون فقهنا المستقبلي فقهاً إسلامياً يعرض الأقوال بدون تعقيد.

وعلى هذا الأساس، فإنَّني أقترح على أخوتنا في مجمع التقريب، الذين فكَّروا في إنشاء جامعة المذاهب الأربعة أو المذاهب الخمسة، أن يسمّوها (الجامعة الإسلامية)، لأنَّ ذلك يؤكّد فكرة أنَّنا مسلمون عندما نختلف، كما أنَّنا مسلمون عندما نتّفق، ويؤكّد أنَّ خلافنا من داخل الإسلام وليس من خارجه، وإذا استطعنا أن نعيش حقيقة أنَّ خلافنا من داخل الإسلام وليس من خارجه، فسيؤدّي ذلك إلى أنْ يمتنع بعضنا عن أنْ يكفِّر الآخر، لأنَّ لعبة التكفير هذه التي فرضت نفسها على الواقع، يعود سببها إلى أنَّنا تجاوزنا المفهوم القرآني للكفر والإيمان، وأصبحنا نتحدّث عن الكفر والإيمان على أساس آخر.

لقد وسّعنا دائرة مفهوم الكفر، ليشمل إنساناً خالَف حديثاً قَبِلَهُ آخر، أو اجتهد في مفهوم قرآني لم يتقبّله آخر، علماً أنَّ معايير الخلاف استندت إلى أساس القرآن والسنّة.

*من كتاب "في قضايا الاختلاف والوحدة".

نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية