كتابات
21/02/2019

الإسلام بحاجة إلى كلّ طاقة مهما كانت

الإسلام بحاجة إلى كلّ طاقة مهما كانت

تحدَّث الإمام علي(ع)... فيما روي عنه في بعض خطبه: "أيّها النّاس، إنما بدوء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يتولى فيها رجال رجالاً، فلو أنّ الباطل خلص، لم يخف على ذي حجى، ولو أنّ الحقّ خلص، لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا وذاك، فيمزجان فيجيئان معاً، فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونحن الذين سبقت لهم من الله الحسنى".

وفي ضوء هذا، نستطيع أن نقرر مسؤولية الدعاة الإسلامية، في ملاحقة الأضاليل والبدع والشبهات والخرافات التي تتعرّض لها الأمّة من قِبَل المبدعين والمضللين، والمشككين والجهال، لمحاربتها وكشفها للناس، وإظهار ما فيها من زيف وانحراف وخداع وتضليل، لأنّ إهمال ذلك والوقوف منه موقف اللامبالاة، يسمح لها بالامتداد والانتشار والنفاذ إلى عقول الناس وأفكارهم، ويدفع بها ـ بالتّالي ـ إلى أن تدخل في صلب العقيدة كشيء مقدَّس لا يملك الإنسان أمامها ـ مستقبلاً ـ إلا الاستسلام، أو إعلان الحرب عليها في مجابهة لعناصر الانحراف من الداخل.

ومن الأحاديث التي تمثّل الدّعوة إلى الدخول في مجابهة القوّة ضدّ أهل البدع، ما رواه صاحب الكافي عن الإمام جعفر الصادق(ع)، قال: "قال رسول الله(ص): إذا رأيتم أهل البدع والريب من بعدي، فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبِّهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم حتى لا يطمعوا في الفساد في الإسلام، ويحذرهم النّاس ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات، ويرفع لكم به الدّرجات". فقد أراد النبي(ص) في هذا الحديث، أن يبدأ الناس الحملة المضادّة على أهل البدع والرّيب من كلّ جانب، فلا تقتصر على الأسلوب الذي يجابه الفكرة، بل يمتدّ إلى الأسلوب الذي يتحدّى الذّات ليشوّه صورتها في نظر الآخرين، كعملية وقائية يقوم بها الدعاة، ولشلّهم عن الحركة والتّأثير في حياة الناس وأفكارهم.

إننا نلاحظ في الاتجاه السلوكي لأمثال هؤلاء الذين يمثلون تلك الفكرة، أنهم يفضلون التفرّغ للعبادة والانقطاع إلى الصلاة والدعاء والتهجّد، أو التنقل بين الأماكن المقدَّسة للحجّ أو للعمرة، وزيارة قبور الأنبياء والأئمّة والأولياء، ولكنّهم في الوقت نفسه، يضيقون بمستلزمات العمل الديني التوجيهي، أو يقتصرون على الأساليب التقليديّة التي اعتادوها أو اعتادها الناس منهم، ولا يجهدون أنفسهم البحث عن وسائل جديدة، وأساليب جديدة، لأنها قد تكلّفهم تعباً وعناءً وجهداً لا يريدون أن يثقلوا أنفسهم به، وفي ضوء ذلك، نقدّم أمامهم الملاحظات التالية:

أ ـ أنّ هذا السلوك يعطي للمؤمنين الطيّبين انطباعاً خطيراً ينعكس على التصور الإسلامي للحياة، فيعتبرون الجانب التعبّدي أساساً للتقييم الديني الإسلامي للأشخاص، ولا يرون لأيّ عمل آخر في مجال الدعوة إلى الله، وفي خدمة المجتمع في حقول الاجتماع والسياسة والاقتصاد، أية قيمة دينية، بل ربما يحاولون أن يصنّفوا هذه الأعمال في عداد القيم الدنيوية التي يتولى أهل الدنيا تقييم بعضهم البعض على أساسها، بعيداً من الدين، ما يوجب الانحراف في التصوّر من جهة، ويفسح المجال لظهور بعض الأشخاص المزيَّفين الذين يتوصلون إلى الحصول على الثقة الاجتماعية الدينية، من خلال ممارسة هذا اللون العبادي من السلوك، باعتباره مفتاحاً للدخول إلى أجواء القداسة الدينية في تصوّر الناس المتديّنين.

ب ـ إن دراسة النصوص الدينية التي تتحدث عن الجوانب العامة للدعوة، وعن الأوضاع الاجتماعية التي تحتاج إلى تقديم الخدمات، وإلى الحالات الإنسانيّة التي تنتظر المعاونة والمساعدة، تدلّنا على اهتمام الإسلام بها، وتقديمه لها على كثير من أنواع العبادات، من حيث القيمة الدينية عند الله سبحانه وتعالى، كما في الحديث الذي ذكرناه في بداية هذا الحديث: "يا عليّ، لئن يهدي الله بك شخصاً واحداً، خير لك مما طلعت عليه الشّمس"، وكما ورد في حديث الإمام جعفر الصّادق(ع): "لأن أعول أهل بيت من المسلمين، أسدّ جوعتهم، وأكسو عورتهم، وأكفّ وجوههم عن الناس، أحبّ إليّ من أن أحج حجّة وحجّة وحجّة، حتى عدّ عشراً، ومثلها حتى بلغ السّبعين".

فإننا نستوحي من هذا وذاك، أنّ طريق الوصول إلى الله لا ينحصر بالجوانب العبادية كقاعدة كبرى للتقييم الإسلامي، بل نجد الكثير الكثير منها مما يدخل في إطار الدعوة والمجتمع، في مركز أفضل وأقوى وأقرب إلى الله. ولعل من واجب علماء، الدين أن يجسّدوا القيمة الدينية في سلوكهم العمليّ في طبيعتها الذاتيّة، وفي درجتها الدينيّة في مركز القيمة، ليعرف الناس تفاضل الأعمال في حساب القيمة بالعمل، كما يعرفونه بالكلمة والأسلوب.

ج ـ إنّ سلوك هؤلاء الناس إزاء قضيّة الدعوة، في هذا الإطار السلبي، يوحي لنا بالطبيعة السلبيّة لهم في مواجهتهم للمسؤوليّات الكبيرة، ويخلق عندنا إحساساً بأن القضية الدينية ـ في مفهومهم ـ لا تتعدّى الروتين، أو "العادة"، من دون أن يكون له جذور في أعماقهم وفي مشاعرهم، ما جعلهم بطريقة لاشعورية، يعتمدون على التحليلات والتأويلات البعيدة التي تخلق لديهم راحة التّبرير، وطمأنينة العذر، ويعتقدون أنهم إذا استطاعوا أن يقنعوا أنفسهم، فليس من الضّروريّ أن يحصلوا على قناعة الناس.

ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه أمامهم، هل يعتقدون أنهم يستطيعون إقناع أنفسهم بذلك مادامت الحياة والشّريعة تفرضان على الإنسان أن يواجه الحياة من موقع الإيجابيّة المتحركة لا من موقع السلبيّة الانهزامية التي تعتزل الحياة في غيبوبة صوفيّة خاشعة.

إنّ الأغلبيّة من هؤلاء الذين يمارسون الحياة العمليّة في استرخاء لذيذ يسمح لهم بأن يعطوا أنفسهم أوقاتاً إضافيّة لكي يتفضّلوا على الرسالة بالعمل الذي يتّفق مع مزاجهم، قد (كلّفوا) بيت مال المسلمين مالاً كثيراً، من أجل دراستهم وحياتهم العلميّة التي قد تمتدّ إلى ما يزيد على العشر سنوات قليلاً أو كثيراً، فإنّ المصاريف في هذه الفترة تؤخذ من الحقوق الشرعية التي يدفعها المؤمنون كفريضة دينيّة مقدّسة.

أما السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال: ما هي الفائدة التي يجنيها الإسلام من دراسة هؤلاء الناس، ومن وجودهم بالذّات في حركته ونموّه وتقدّمه؟ وهل يمكن أن يكتفي في تحصيل القناعة بذلك، أن نذكر المستوى العلمي في تحقيق الفقه وأصوله، من دون حركة علمية حتى في هذا المجال؟ وهل يكفي هؤلاء أن يبرّروا ذلك بأنهم يعملون على تربية أنفسهم، لتكون الدراسة شأناً ذاتياً لهم؟

إذاً لماذا يحمِّلون بيت مال المسلمين، المعدَّ للمصالح العامَّة للمسلمين، هذا الجهد الكبير؟ وهل يجوز لنا أن نحرم القضايا العامّة أو الفئات المحرومة أو الجماعات العاملة للإسلام، لتعطيه لجماعات تتفضَّل على الإسلام بأنها تدرس شريعته، وإن لم تفقده هذه الدراسة شيئاً بشكل عاديّ؟ إننا قد نفهم أن يمارس الإنسان حريته في العمل، إذا كانت ثقافته الدينيّة مدفوعة التكاليف من ماله الخاصّ، أمّا إذا كان من مال الأمّة، فإنه يخضع في حركته لما تمليه مصلحة الأمّة عليه في حاضرها ومستقبلها، تماماً كما نجده لدى الدول التي تقدّم لبعض الطلاب منحاً مالية للتخصص العلمي من أجل أن يخدموا الأمّة فيما تحتاج إليه من اختصاصاتهم في مدّة قد تطول وقد تقصر.. وبهذا تخرج القضيَّة عن دائرة التّكليف الشرعي الذاتي، لتدخل في نطاق القيام بالمسؤوليّة الإسلاميّة في مقابل الخدمات التي قدَّمها إليه الإسلام في دراسته الطويلة.

وفي نهاية المطاف، إنّنا نشعر بأنّ الإسلام في المراحل الصّعبة التي يمرّ بها من وجوده، يحتاج إلى كلّ طاقة من طاقات أتباعه مهما كانت صغيرة، ليستطيع من خلال تجميع هذه الطاقات وتفجيرها، من مواجهة التحديات الكبيرة التي تستهدف القضاء عليه، أو احتواءه وتسخيره لخدماتها.

ولذا، فإننا نعتقد أنّ تجميد أية طاقة إسلاميّة، يؤدّي إلى إضعاف قوّة الإسلام في معركته المصيريّة التي تحوّلت إلى معركة حياة أو موت، ما يجعل مواقف المتردّدين والمنعزلين والخائفين تلتقي في صعيد واحد مع قوى الكفر والضّلال والانحراف، في إضعاف الإسلام بين المؤثّرات الإيجابية التي يمارسها أعداؤه، وبين المؤثرات السلبية التي يمارسها أتباعه، ولن نحتاج إلى التفكير طويلاً لنعرف أنّ هذا الموقف يعتبر خيانة للإسلام، وإن لم يلتفت أصحابه إلى طبيعته ونتائجه وانعكاساته على وجود الإسلام ومصيره.

*من كتاب "خطوات على طريق الإسلام".

تحدَّث الإمام علي(ع)... فيما روي عنه في بعض خطبه: "أيّها النّاس، إنما بدوء وقوع الفتن أهواء تتبع، وأحكام تبتدع، يتولى فيها رجال رجالاً، فلو أنّ الباطل خلص، لم يخف على ذي حجى، ولو أنّ الحقّ خلص، لم يكن اختلاف، ولكن يؤخذ من هذا وذاك، فيمزجان فيجيئان معاً، فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه، ونحن الذين سبقت لهم من الله الحسنى".

وفي ضوء هذا، نستطيع أن نقرر مسؤولية الدعاة الإسلامية، في ملاحقة الأضاليل والبدع والشبهات والخرافات التي تتعرّض لها الأمّة من قِبَل المبدعين والمضللين، والمشككين والجهال، لمحاربتها وكشفها للناس، وإظهار ما فيها من زيف وانحراف وخداع وتضليل، لأنّ إهمال ذلك والوقوف منه موقف اللامبالاة، يسمح لها بالامتداد والانتشار والنفاذ إلى عقول الناس وأفكارهم، ويدفع بها ـ بالتّالي ـ إلى أن تدخل في صلب العقيدة كشيء مقدَّس لا يملك الإنسان أمامها ـ مستقبلاً ـ إلا الاستسلام، أو إعلان الحرب عليها في مجابهة لعناصر الانحراف من الداخل.

ومن الأحاديث التي تمثّل الدّعوة إلى الدخول في مجابهة القوّة ضدّ أهل البدع، ما رواه صاحب الكافي عن الإمام جعفر الصادق(ع)، قال: "قال رسول الله(ص): إذا رأيتم أهل البدع والريب من بعدي، فأظهروا البراءة منهم، وأكثروا من سبِّهم والقول فيهم والوقيعة، وباهتوهم حتى لا يطمعوا في الفساد في الإسلام، ويحذرهم النّاس ولا يتعلمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات، ويرفع لكم به الدّرجات". فقد أراد النبي(ص) في هذا الحديث، أن يبدأ الناس الحملة المضادّة على أهل البدع والرّيب من كلّ جانب، فلا تقتصر على الأسلوب الذي يجابه الفكرة، بل يمتدّ إلى الأسلوب الذي يتحدّى الذّات ليشوّه صورتها في نظر الآخرين، كعملية وقائية يقوم بها الدعاة، ولشلّهم عن الحركة والتّأثير في حياة الناس وأفكارهم.

إننا نلاحظ في الاتجاه السلوكي لأمثال هؤلاء الذين يمثلون تلك الفكرة، أنهم يفضلون التفرّغ للعبادة والانقطاع إلى الصلاة والدعاء والتهجّد، أو التنقل بين الأماكن المقدَّسة للحجّ أو للعمرة، وزيارة قبور الأنبياء والأئمّة والأولياء، ولكنّهم في الوقت نفسه، يضيقون بمستلزمات العمل الديني التوجيهي، أو يقتصرون على الأساليب التقليديّة التي اعتادوها أو اعتادها الناس منهم، ولا يجهدون أنفسهم البحث عن وسائل جديدة، وأساليب جديدة، لأنها قد تكلّفهم تعباً وعناءً وجهداً لا يريدون أن يثقلوا أنفسهم به، وفي ضوء ذلك، نقدّم أمامهم الملاحظات التالية:

أ ـ أنّ هذا السلوك يعطي للمؤمنين الطيّبين انطباعاً خطيراً ينعكس على التصور الإسلامي للحياة، فيعتبرون الجانب التعبّدي أساساً للتقييم الديني الإسلامي للأشخاص، ولا يرون لأيّ عمل آخر في مجال الدعوة إلى الله، وفي خدمة المجتمع في حقول الاجتماع والسياسة والاقتصاد، أية قيمة دينية، بل ربما يحاولون أن يصنّفوا هذه الأعمال في عداد القيم الدنيوية التي يتولى أهل الدنيا تقييم بعضهم البعض على أساسها، بعيداً من الدين، ما يوجب الانحراف في التصوّر من جهة، ويفسح المجال لظهور بعض الأشخاص المزيَّفين الذين يتوصلون إلى الحصول على الثقة الاجتماعية الدينية، من خلال ممارسة هذا اللون العبادي من السلوك، باعتباره مفتاحاً للدخول إلى أجواء القداسة الدينية في تصوّر الناس المتديّنين.

ب ـ إن دراسة النصوص الدينية التي تتحدث عن الجوانب العامة للدعوة، وعن الأوضاع الاجتماعية التي تحتاج إلى تقديم الخدمات، وإلى الحالات الإنسانيّة التي تنتظر المعاونة والمساعدة، تدلّنا على اهتمام الإسلام بها، وتقديمه لها على كثير من أنواع العبادات، من حيث القيمة الدينية عند الله سبحانه وتعالى، كما في الحديث الذي ذكرناه في بداية هذا الحديث: "يا عليّ، لئن يهدي الله بك شخصاً واحداً، خير لك مما طلعت عليه الشّمس"، وكما ورد في حديث الإمام جعفر الصّادق(ع): "لأن أعول أهل بيت من المسلمين، أسدّ جوعتهم، وأكسو عورتهم، وأكفّ وجوههم عن الناس، أحبّ إليّ من أن أحج حجّة وحجّة وحجّة، حتى عدّ عشراً، ومثلها حتى بلغ السّبعين".

فإننا نستوحي من هذا وذاك، أنّ طريق الوصول إلى الله لا ينحصر بالجوانب العبادية كقاعدة كبرى للتقييم الإسلامي، بل نجد الكثير الكثير منها مما يدخل في إطار الدعوة والمجتمع، في مركز أفضل وأقوى وأقرب إلى الله. ولعل من واجب علماء، الدين أن يجسّدوا القيمة الدينية في سلوكهم العمليّ في طبيعتها الذاتيّة، وفي درجتها الدينيّة في مركز القيمة، ليعرف الناس تفاضل الأعمال في حساب القيمة بالعمل، كما يعرفونه بالكلمة والأسلوب.

ج ـ إنّ سلوك هؤلاء الناس إزاء قضيّة الدعوة، في هذا الإطار السلبي، يوحي لنا بالطبيعة السلبيّة لهم في مواجهتهم للمسؤوليّات الكبيرة، ويخلق عندنا إحساساً بأن القضية الدينية ـ في مفهومهم ـ لا تتعدّى الروتين، أو "العادة"، من دون أن يكون له جذور في أعماقهم وفي مشاعرهم، ما جعلهم بطريقة لاشعورية، يعتمدون على التحليلات والتأويلات البعيدة التي تخلق لديهم راحة التّبرير، وطمأنينة العذر، ويعتقدون أنهم إذا استطاعوا أن يقنعوا أنفسهم، فليس من الضّروريّ أن يحصلوا على قناعة الناس.

ولكنّ السؤال الذي يطرح نفسه أمامهم، هل يعتقدون أنهم يستطيعون إقناع أنفسهم بذلك مادامت الحياة والشّريعة تفرضان على الإنسان أن يواجه الحياة من موقع الإيجابيّة المتحركة لا من موقع السلبيّة الانهزامية التي تعتزل الحياة في غيبوبة صوفيّة خاشعة.

إنّ الأغلبيّة من هؤلاء الذين يمارسون الحياة العمليّة في استرخاء لذيذ يسمح لهم بأن يعطوا أنفسهم أوقاتاً إضافيّة لكي يتفضّلوا على الرسالة بالعمل الذي يتّفق مع مزاجهم، قد (كلّفوا) بيت مال المسلمين مالاً كثيراً، من أجل دراستهم وحياتهم العلميّة التي قد تمتدّ إلى ما يزيد على العشر سنوات قليلاً أو كثيراً، فإنّ المصاريف في هذه الفترة تؤخذ من الحقوق الشرعية التي يدفعها المؤمنون كفريضة دينيّة مقدّسة.

أما السؤال الذي يفرض نفسه في هذا المجال: ما هي الفائدة التي يجنيها الإسلام من دراسة هؤلاء الناس، ومن وجودهم بالذّات في حركته ونموّه وتقدّمه؟ وهل يمكن أن يكتفي في تحصيل القناعة بذلك، أن نذكر المستوى العلمي في تحقيق الفقه وأصوله، من دون حركة علمية حتى في هذا المجال؟ وهل يكفي هؤلاء أن يبرّروا ذلك بأنهم يعملون على تربية أنفسهم، لتكون الدراسة شأناً ذاتياً لهم؟

إذاً لماذا يحمِّلون بيت مال المسلمين، المعدَّ للمصالح العامَّة للمسلمين، هذا الجهد الكبير؟ وهل يجوز لنا أن نحرم القضايا العامّة أو الفئات المحرومة أو الجماعات العاملة للإسلام، لتعطيه لجماعات تتفضَّل على الإسلام بأنها تدرس شريعته، وإن لم تفقده هذه الدراسة شيئاً بشكل عاديّ؟ إننا قد نفهم أن يمارس الإنسان حريته في العمل، إذا كانت ثقافته الدينيّة مدفوعة التكاليف من ماله الخاصّ، أمّا إذا كان من مال الأمّة، فإنه يخضع في حركته لما تمليه مصلحة الأمّة عليه في حاضرها ومستقبلها، تماماً كما نجده لدى الدول التي تقدّم لبعض الطلاب منحاً مالية للتخصص العلمي من أجل أن يخدموا الأمّة فيما تحتاج إليه من اختصاصاتهم في مدّة قد تطول وقد تقصر.. وبهذا تخرج القضيَّة عن دائرة التّكليف الشرعي الذاتي، لتدخل في نطاق القيام بالمسؤوليّة الإسلاميّة في مقابل الخدمات التي قدَّمها إليه الإسلام في دراسته الطويلة.

وفي نهاية المطاف، إنّنا نشعر بأنّ الإسلام في المراحل الصّعبة التي يمرّ بها من وجوده، يحتاج إلى كلّ طاقة من طاقات أتباعه مهما كانت صغيرة، ليستطيع من خلال تجميع هذه الطاقات وتفجيرها، من مواجهة التحديات الكبيرة التي تستهدف القضاء عليه، أو احتواءه وتسخيره لخدماتها.

ولذا، فإننا نعتقد أنّ تجميد أية طاقة إسلاميّة، يؤدّي إلى إضعاف قوّة الإسلام في معركته المصيريّة التي تحوّلت إلى معركة حياة أو موت، ما يجعل مواقف المتردّدين والمنعزلين والخائفين تلتقي في صعيد واحد مع قوى الكفر والضّلال والانحراف، في إضعاف الإسلام بين المؤثّرات الإيجابية التي يمارسها أعداؤه، وبين المؤثرات السلبية التي يمارسها أتباعه، ولن نحتاج إلى التفكير طويلاً لنعرف أنّ هذا الموقف يعتبر خيانة للإسلام، وإن لم يلتفت أصحابه إلى طبيعته ونتائجه وانعكاساته على وجود الإسلام ومصيره.

*من كتاب "خطوات على طريق الإسلام".

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية