كتابات
02/04/2019

العقوبات والحدود.. ردع أم قساوة؟

العقوبات والحدود.. ردع أم قساوة؟

قد يثير البعض علامات استفهام كثيرة حول قسوة هذه العقوبة (حدّ الزنا)، ومدى واقعيّتها على ضوء تطوّر أساليب العقوبات في الواقع، وعلى أساس التطوّر الحضاريّ، لجهة احترام إنسانيّة الإنسان الّذي يقضي بالتَّخفيف من قساوة الوسائل التي تستخدم في عقابه ووحشيّتها، فهي وسائل تستمدّ عنفها من أجواء العصور القديمة، حيث كانت تواجه الجريمة بالعقوبة المباشرة، بعيداً من مراعاة القواعد النفسيّة التي تحدّدها دراسات التحليل النفسي.

وربما يتحدّث البعض عن طبيعة الجريمة، التي لا يراها بهذا الحجم من الأهميّة، لأنها تتّصل بحرية الإنسان في التصرّف بجسده، كأيّة خصوصيّةٍ من خصوصيّاته التي لا تهمّ المجتمع، كما لا يهمّه ماذا يأكل كلّ فرد منه، وماذا يشرب، وما هي الطّريقة التي يفعل بها ذلك.. إلا في الحالات التي تمثّل عدواناً على حقّ الآخرين، كما إذا كان الزنا داخل الحياة الزوجية، فيما يقتضيه من عدوانٍ على الزّوج، أو على بيت الزوجيّة، ما يؤدّي إلى دراسة المسألة في نطاق محدود لا يرقى إلى هذا المستوى من العقوبة، أو ما يقترب منها.

قد يثير البعض مثل هذه التساؤلات حول هذا الحدّ الشرعي للزّنا، أو ما يماثله من الحدود الشرعيّة الأخرى لجرائم أخرى.

ولكنّ للإسلام نظرة أخرى للمسألة، في ما يتّصل بقسوة العقوبة ووحشيتها، وفي ما يرتبط بطبيعة الجريمة ونتائجها وحجمها.

أما المسألة الأولى، فيرى الإسلام دور العقوبة دوراً عميقاً، ينفذ إلى أغوار النفس الإنسانيّة ليواجه انحرافها بما يشبه الصّدمة القاسية الرّادعة التي لا تعالج المسألة من الخارج، فيما تثيره من ضغوط نفسيةٍ أو جسدية خفيفة، بل تعالجها من الدّاخل، بما تخلّفه من آثارٍ عميقةٍ في الجسد والنفس والواقع، لتحتوي الجريمة في طبيعتها الذاتيّة والموضوعيّة على أساس مواجهة ما مضى بأن لا يمرّ دون عقاب، ومواجهة ما يحدث في المستقبل، بالأسلوب الوقائي الّذي يمنعه من الحدوث.

ولم تأت المسألة نتيجة ذهنيّة قديمة أو حديثةٍ في النّظرة إلى وسائل الجريمة، بل نتيجة الدّراسة الواقعيّة لأفضل وسائل ردع الجريمة، من خلال استخدام ما هو أقوى وأكثر فاعليّةً في إثارة الخوف في نفس المجرم أوّلاً، حتى لا يكرّر جريمته، وحتى يشعر بخطورة ما قام به على حياته وسمعته، وفي نفس من يستعدّ للقيام بالجريمة ثانياً، ليحسب حساب النتائج السلبيّة الصّعبة قبل أن يقوم بالجريمة، بحيث يكون العقاب رادعاً له عن القيام بذلك.

وقد استطاعت التجربة الواقعيّة إثبات صحّة هذه النظرة، لجهة تقليل نسبة الجريمة في المجتمع الإسلامي عن بقيّة المجتمعات الأخرى، وذلك عندما يتاح للحدود الشرعيَّة أن تأخذ طريقها إلى التّطبيق الجدّي، في نطاق ما يمكن إثباته بشكل معقول.

ولعلّنا لا نحتاج إلى المزيد من التحليل الموضوعيّ، إذا أردنا التأكيد أنّ النتائج السلبيّة لاستخدام وسائل العقاب القاسية، قد لا تكون كبيرةً إذا ما قيست بالنتائج الإيجابيَّة على مستوى منع الجريمة، تماماً كما هي العمليّة الجراحيَّة الّتي يضطرّ الأطباء لإجرائها لضمان سلامة حياة المريض.

وإذا درسنا القيود الّتي وضعها التشريع الإسلامي على وسائل الإثبات، ورأينا أنّه لم يرخّص للشهود أن يقوموا بالشهادة، أو أن يقبلها القضاة، إلا إذا جاءت صريحةً بكلّ التفاصيل التي تحدّد الزّنا بكلّ دقّةٍ، ولا تدع مجالاً للاحتمال الضعيف المضادّ.

وإذا لاحظنا كيف أنّ الشّارع لم يرد للزّاني أو للزّانية إذا تابا أن يعترفا، ولم يستحبّ للآخرين أن يقودوهما إلى الاعتراف، لأنّ الله إذا ستر على عبده، فإنّه لا يريد له أن يفضح نفسه.

إذا عرفنا ذلك، فإنّنا نفهم كيف يكون الحدّ الشرعيّ عاملاً رادعاً، من خلال ما يثيره في الذّهن من صورة تهذّب روحية الإنسان، وتدفعه إلى التراجع عن خطئه إن أخطأ، وتحمي من يقوده ضعفه إلى محاولة الخطأ، من الوقوع فيه.

أمّا المسألة الثانية، وهي حرية الإنسان في جسده، فإنها مسألة تتصل بالمعنى الديني لحرية الإنسان بشكل عام، فإنّ الله لم يعطِ للإنسان الحرية في أن يسيء إلى نفسه، لأنّه يملك منه ما لا يملك من نفسه، فهو خالقه ومدبّره، تماماً كما هو الطّفل بالنّسبة إلى وليّه، ولهذا حرّم عليه المطاعم والمشارب والملابس والشّهوات الّتي تضرّه من قريب أو من بعيد.

كما أنّ القول بأنّ الزّنا أمر خاصّ لا يُمثّل تجاوزاً للمجتمع أو خطراً عليه، ليس قولاً دقيقاً، فهو يتّصل بالنظام الاجتماعي الّذي يحدّد الخطّ الأخلاقيّ لعلاقات الفرد والمجتمع، حيث تشكّل العِفّة والطّهارة حدوداً وقيمة أخلاقيّة عليا لا بدّ من مراعاتها ضمن تلك العلاقات، كما أنّ له علاقة في تحديد الأنساب والوقوف عند حدود السّلوك العام في تكوين النظام في الدوائر الاجتماعيّة الصّغيرة والكبيرة.

وليست المسألة مجرّد حقّ للزّوج، لتكون العقوبة خاضعةً للخصوصيّة الزّوجيّة، في التعدّي على الزوج، أو على بيت الزوجيّة، لأنّ المسألة إذا أثيرت في هذا النّطاق، فإنّه قد يعطي البعض من خلال تجريد فكرة الحريّة الفرديّة، أنّ للزّوجة الحقّ نفسه على هذا المستوى، بما لا يتنافى مع حقّ الزّوج، تماماً كما هو الحال بالنّسبة إلى الزوج، في القانون الوضعيّ.

*تفسير من وحي القرآن، ج 16.

قد يثير البعض علامات استفهام كثيرة حول قسوة هذه العقوبة (حدّ الزنا)، ومدى واقعيّتها على ضوء تطوّر أساليب العقوبات في الواقع، وعلى أساس التطوّر الحضاريّ، لجهة احترام إنسانيّة الإنسان الّذي يقضي بالتَّخفيف من قساوة الوسائل التي تستخدم في عقابه ووحشيّتها، فهي وسائل تستمدّ عنفها من أجواء العصور القديمة، حيث كانت تواجه الجريمة بالعقوبة المباشرة، بعيداً من مراعاة القواعد النفسيّة التي تحدّدها دراسات التحليل النفسي.

وربما يتحدّث البعض عن طبيعة الجريمة، التي لا يراها بهذا الحجم من الأهميّة، لأنها تتّصل بحرية الإنسان في التصرّف بجسده، كأيّة خصوصيّةٍ من خصوصيّاته التي لا تهمّ المجتمع، كما لا يهمّه ماذا يأكل كلّ فرد منه، وماذا يشرب، وما هي الطّريقة التي يفعل بها ذلك.. إلا في الحالات التي تمثّل عدواناً على حقّ الآخرين، كما إذا كان الزنا داخل الحياة الزوجية، فيما يقتضيه من عدوانٍ على الزّوج، أو على بيت الزوجيّة، ما يؤدّي إلى دراسة المسألة في نطاق محدود لا يرقى إلى هذا المستوى من العقوبة، أو ما يقترب منها.

قد يثير البعض مثل هذه التساؤلات حول هذا الحدّ الشرعي للزّنا، أو ما يماثله من الحدود الشرعيّة الأخرى لجرائم أخرى.

ولكنّ للإسلام نظرة أخرى للمسألة، في ما يتّصل بقسوة العقوبة ووحشيتها، وفي ما يرتبط بطبيعة الجريمة ونتائجها وحجمها.

أما المسألة الأولى، فيرى الإسلام دور العقوبة دوراً عميقاً، ينفذ إلى أغوار النفس الإنسانيّة ليواجه انحرافها بما يشبه الصّدمة القاسية الرّادعة التي لا تعالج المسألة من الخارج، فيما تثيره من ضغوط نفسيةٍ أو جسدية خفيفة، بل تعالجها من الدّاخل، بما تخلّفه من آثارٍ عميقةٍ في الجسد والنفس والواقع، لتحتوي الجريمة في طبيعتها الذاتيّة والموضوعيّة على أساس مواجهة ما مضى بأن لا يمرّ دون عقاب، ومواجهة ما يحدث في المستقبل، بالأسلوب الوقائي الّذي يمنعه من الحدوث.

ولم تأت المسألة نتيجة ذهنيّة قديمة أو حديثةٍ في النّظرة إلى وسائل الجريمة، بل نتيجة الدّراسة الواقعيّة لأفضل وسائل ردع الجريمة، من خلال استخدام ما هو أقوى وأكثر فاعليّةً في إثارة الخوف في نفس المجرم أوّلاً، حتى لا يكرّر جريمته، وحتى يشعر بخطورة ما قام به على حياته وسمعته، وفي نفس من يستعدّ للقيام بالجريمة ثانياً، ليحسب حساب النتائج السلبيّة الصّعبة قبل أن يقوم بالجريمة، بحيث يكون العقاب رادعاً له عن القيام بذلك.

وقد استطاعت التجربة الواقعيّة إثبات صحّة هذه النظرة، لجهة تقليل نسبة الجريمة في المجتمع الإسلامي عن بقيّة المجتمعات الأخرى، وذلك عندما يتاح للحدود الشرعيَّة أن تأخذ طريقها إلى التّطبيق الجدّي، في نطاق ما يمكن إثباته بشكل معقول.

ولعلّنا لا نحتاج إلى المزيد من التحليل الموضوعيّ، إذا أردنا التأكيد أنّ النتائج السلبيّة لاستخدام وسائل العقاب القاسية، قد لا تكون كبيرةً إذا ما قيست بالنتائج الإيجابيَّة على مستوى منع الجريمة، تماماً كما هي العمليّة الجراحيَّة الّتي يضطرّ الأطباء لإجرائها لضمان سلامة حياة المريض.

وإذا درسنا القيود الّتي وضعها التشريع الإسلامي على وسائل الإثبات، ورأينا أنّه لم يرخّص للشهود أن يقوموا بالشهادة، أو أن يقبلها القضاة، إلا إذا جاءت صريحةً بكلّ التفاصيل التي تحدّد الزّنا بكلّ دقّةٍ، ولا تدع مجالاً للاحتمال الضعيف المضادّ.

وإذا لاحظنا كيف أنّ الشّارع لم يرد للزّاني أو للزّانية إذا تابا أن يعترفا، ولم يستحبّ للآخرين أن يقودوهما إلى الاعتراف، لأنّ الله إذا ستر على عبده، فإنّه لا يريد له أن يفضح نفسه.

إذا عرفنا ذلك، فإنّنا نفهم كيف يكون الحدّ الشرعيّ عاملاً رادعاً، من خلال ما يثيره في الذّهن من صورة تهذّب روحية الإنسان، وتدفعه إلى التراجع عن خطئه إن أخطأ، وتحمي من يقوده ضعفه إلى محاولة الخطأ، من الوقوع فيه.

أمّا المسألة الثانية، وهي حرية الإنسان في جسده، فإنها مسألة تتصل بالمعنى الديني لحرية الإنسان بشكل عام، فإنّ الله لم يعطِ للإنسان الحرية في أن يسيء إلى نفسه، لأنّه يملك منه ما لا يملك من نفسه، فهو خالقه ومدبّره، تماماً كما هو الطّفل بالنّسبة إلى وليّه، ولهذا حرّم عليه المطاعم والمشارب والملابس والشّهوات الّتي تضرّه من قريب أو من بعيد.

كما أنّ القول بأنّ الزّنا أمر خاصّ لا يُمثّل تجاوزاً للمجتمع أو خطراً عليه، ليس قولاً دقيقاً، فهو يتّصل بالنظام الاجتماعي الّذي يحدّد الخطّ الأخلاقيّ لعلاقات الفرد والمجتمع، حيث تشكّل العِفّة والطّهارة حدوداً وقيمة أخلاقيّة عليا لا بدّ من مراعاتها ضمن تلك العلاقات، كما أنّ له علاقة في تحديد الأنساب والوقوف عند حدود السّلوك العام في تكوين النظام في الدوائر الاجتماعيّة الصّغيرة والكبيرة.

وليست المسألة مجرّد حقّ للزّوج، لتكون العقوبة خاضعةً للخصوصيّة الزّوجيّة، في التعدّي على الزوج، أو على بيت الزوجيّة، لأنّ المسألة إذا أثيرت في هذا النّطاق، فإنّه قد يعطي البعض من خلال تجريد فكرة الحريّة الفرديّة، أنّ للزّوجة الحقّ نفسه على هذا المستوى، بما لا يتنافى مع حقّ الزّوج، تماماً كما هو الحال بالنّسبة إلى الزوج، في القانون الوضعيّ.

*تفسير من وحي القرآن، ج 16.

نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية