{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}، وخلاصتها أنّ الله لا
يعذِّب أحداً من الناس إلا بعد أن يقيم الحجّة عليهم بإرسال الرّسل الذين يبلّغونهم
رسالات الله {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن
بَيِّنَةٍ}[الأنفال: 42]، وهذه قاعدة عامّة يؤكّدها الحكم العقليّ الفطريّ في
القاعدة المعروفة «قبح العقاب بلا بيان».
وقد لاحظ البعض أنّ الآية تتحدَّث عن حالةٍ تاريخيّةٍ في ما كان ينزله الله من عذاب
دنيويٍّ على الكافرين به وبرسله، ولا تتحدّث عن طبيعة المسألة على سبيل القاعدة
الكليّة. ولكنّنا نلاحظ على ذلك، أنّ أسلوب هذه الآية يوحي بأنّ هذا الأمر مما لا
يليق بالله أن يفعله، لأنّه لا ينسجم مع عدالته ورحمته، ما يجعل المسألة منطلقة على
سبيل القاعدة.
وقد ذكر الأصوليّون، بأنّ بعث الرسول كنايةٌ عن إقامة الحجّة في ما تتوقّف فيه
المعرفة على إرسال الرسول.
أمّا بخصوص ما يستقلّ به العقل ويتمكّن من الوصول إليه بوسائله الخاصّة من خلال
أدوات المعرفة الحسية أو غيرها، فإنّ الله يعتبر العقل حجّة على الإنسان.
وقد ورد في بعض الأحاديث المأثورة، أنّ العقل هو «الرّسول الباطني» وأنّه «رسول من
داخل، كما أنّ الرّسول عقلٌ من خارج».
وعلى هذا الأساس، فإنّ الذين يتمكنون من البحث والتفتيش عن الحقّ، ويعرفون اختلاف
النّاس فيه، لا يكونون معذورين إذا امتنعوا عن الفحص والتعلّم وأصرّوا على العناد
في هذا الموقف، لأنّ قيام الحجّة لا يتوقّف على الوصول الفعلي، بل يكفي فيه
إمكانيّة الوصول، بحيث لو بحث الإنسان عن الحقّ لوصل إليه، لأنّ الحقيقة الإلهيّة
في متناول يديه.
أمّا الذين لا يستطيعون تحصيل المعرفة لأنهم لا يملكون وسائلها، أو لم يلتفتوا
إليها لأنهم لم يسمعوا بأيِّ مضمونٍ من مضامين الرّسالة، كما في الذين يعيشون في
مجاهل الدّنيا، أما هؤلاء، فهم معذورون في عدم الإيمان بالحقّ بتفاصيله في ما لا
يستقلّ العقل به، أمّا ما يستقلّ به العقل، كالايمان بالله أو بتوحيده، فلا بدّ من
تحصيل المعرفة به، بتوجيه التّفكير إليه، وعدم مواجهته بطريقة اللامبالاة الفكريّة.
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 14.
{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً}، وخلاصتها أنّ الله لا
يعذِّب أحداً من الناس إلا بعد أن يقيم الحجّة عليهم بإرسال الرّسل الذين يبلّغونهم
رسالات الله {لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن
بَيِّنَةٍ}[الأنفال: 42]، وهذه قاعدة عامّة يؤكّدها الحكم العقليّ الفطريّ في
القاعدة المعروفة «قبح العقاب بلا بيان».
وقد لاحظ البعض أنّ الآية تتحدَّث عن حالةٍ تاريخيّةٍ في ما كان ينزله الله من عذاب
دنيويٍّ على الكافرين به وبرسله، ولا تتحدّث عن طبيعة المسألة على سبيل القاعدة
الكليّة. ولكنّنا نلاحظ على ذلك، أنّ أسلوب هذه الآية يوحي بأنّ هذا الأمر مما لا
يليق بالله أن يفعله، لأنّه لا ينسجم مع عدالته ورحمته، ما يجعل المسألة منطلقة على
سبيل القاعدة.
وقد ذكر الأصوليّون، بأنّ بعث الرسول كنايةٌ عن إقامة الحجّة في ما تتوقّف فيه
المعرفة على إرسال الرسول.
أمّا بخصوص ما يستقلّ به العقل ويتمكّن من الوصول إليه بوسائله الخاصّة من خلال
أدوات المعرفة الحسية أو غيرها، فإنّ الله يعتبر العقل حجّة على الإنسان.
وقد ورد في بعض الأحاديث المأثورة، أنّ العقل هو «الرّسول الباطني» وأنّه «رسول من
داخل، كما أنّ الرّسول عقلٌ من خارج».
وعلى هذا الأساس، فإنّ الذين يتمكنون من البحث والتفتيش عن الحقّ، ويعرفون اختلاف
النّاس فيه، لا يكونون معذورين إذا امتنعوا عن الفحص والتعلّم وأصرّوا على العناد
في هذا الموقف، لأنّ قيام الحجّة لا يتوقّف على الوصول الفعلي، بل يكفي فيه
إمكانيّة الوصول، بحيث لو بحث الإنسان عن الحقّ لوصل إليه، لأنّ الحقيقة الإلهيّة
في متناول يديه.
أمّا الذين لا يستطيعون تحصيل المعرفة لأنهم لا يملكون وسائلها، أو لم يلتفتوا
إليها لأنهم لم يسمعوا بأيِّ مضمونٍ من مضامين الرّسالة، كما في الذين يعيشون في
مجاهل الدّنيا، أما هؤلاء، فهم معذورون في عدم الإيمان بالحقّ بتفاصيله في ما لا
يستقلّ العقل به، أمّا ما يستقلّ به العقل، كالايمان بالله أو بتوحيده، فلا بدّ من
تحصيل المعرفة به، بتوجيه التّفكير إليه، وعدم مواجهته بطريقة اللامبالاة الفكريّة.
*من كتاب "تفسير من وحي القرآن"، ج 14.