كتابات
22/12/2019

لنعش الإسلام.. في مولد عيسى المسيح (ع)

لنعش الإسلام.. في مولد عيسى المسيح (ع)

في حوار مع مريم، يقول سبحانه وتعالى: { إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ - سيولد من خلال الكلمة، وكلمة الله إرادته { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} - اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ- ستكون له وجاهة الدنيا من خلال رسالته، ووجاهة الآخرة من خلال كرامته - وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ* - لله من خلال إخلاصه وعبادته له - وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ- وفي ذلك معجزة، في الرد على الاتهامات التي وجهت إليها من قبل قومها، أنها جاءت بولد من دون زواج - وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ - من الصالحين، في التزاماتهم وروحياتهم وإخلاصهم لله تعالى - قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ- فهذه مسألة عجيبة - ٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ - فالبشر يتناسلون من خلال علاقة خاصّة بين الرجل والمرأة، وأنا الطاهرة المطهّرة التي لم يمسّها رجل في أيّ جانب من الجوانب، قال إنك تتحدثين عن الواقع الطبيعي عند الناس، وأما في الحديث عن الله، فهو على كل شيء قدير - قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}.

ثم يحدثونها عن خصائصه { وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ - فينزل عليه الإنجيل - وَالْحِكْمَةَ - فيعطيه حكمة الرأي، وقد بعث الله رسله بالكتاب في خط النظرية، وبالحكمة في خط التطبيق، فلا يتحرك الرسول إلا بالحكمة - وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ - وللعالمين جميعاً، وكما أرسل الله نبيّه محمّداً (ص) إلى أمّ القرى ومَنْ حولها كبداية للدّعوة، وكقاعدة تنطلق منها الدعوة، كذلك أرسل الله عيسى رسولاً إلى بني إسرائيل، وهو المستضعف فيهم، ولا يملك من خلال طبيعة موقعه وجاهة اجتماعية تؤهّله لأن يسمع الناس منه، ولكنّه جاءهم بما أذهلهم، وحيث كان الطبّ هو المنتشر في تلك المرحلة، فقد جاءهم بما يعجز الأطبّاء - أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ - فأنا أقدّم نفسي إليكم لا من خلال بشريّتي العاديّة، وإنما من خلال معجزة، ومن خلال علاقتي بالله - أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ - أي أني أقوم بصناعة طير من الطين ثم أنفخ فيه، وهنا تنتهي مهمتي لتأتي المهمة الإلهية - فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ - فالله هو الذي يعطيه الروح - وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ - وكذلك أملك أن أعطيكم الأشياء السريّة التي لم يطّلع عليها أحد من قبلكم - إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ - فلو فكرتم في أن هذه الأمور لا يستطيع القيام بها بشر عاديّ، فستعرفون أنني رسول من الله تعالى - إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* - بما يقدَّم إليكم من حقائق - وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ - فأنا لم آتِ لألغي التوراة، ولا لألغي النبوّات من قبلي، بل جئت مصدِّقاً لما بين يديّ من التّوراة، وقد جاء في الحديث عن عيسى (ع): "جئت لأكمل الناموس"، لأكمل الشريعة من خلال ما يفرضه التطور من حاجات جديدة وأوضاع جديدة - وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ - نتيجة بعض الأوضاع التي عشتموها، حتى أفتح لكم المجال لرخص في التّشريع تختلف عما كانت عليه.

ويكمل عيسى (ع) في حديثه عن رسالته - وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَطِيعُونِ - ثم أعلن لهم رسالته أن يتّقوا الله ويطيعوه، وأراد لهم أن لا يختلفوا عليه ليرفعوه إلى مقام الربوبيّة كما رفعه البعض بعد ذلك - إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ* - فالتوحيد هو الصّراط المستقيم الذي يجب أن تصيروا إليه - فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ - لم يطلب أنصاراً لنفسه، لأنه (ع) كان لا يعيش الذاتيّة، ولا يبحث عن نفسه في رسالته وفي حركته، إنما كان يبحث عن أنصارٍ لله - قَالَ الْحَوَارِيُّونَ - وهم الذين استخلصهم عيسى من خلال إيمانهم - نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ* - أسلمنا لله بعقولنا وقلوبنا وحياتنا، وانفتحنا عليه سبحانه - رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أََََََََََََََََنزَلْتَ - فنحن أنصارك والمؤمنون بك وأولياؤك، نتبع عيسى من خلال أنه رسولك - وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

ويقول الله عن عيسى بعد ذلك: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}. فالله - سبحانه وتعالى - خلق آدم من تراب من دون أب وأمّ، وخلق عيسى (ع) من دون أب. وحدَّثنا الله أيضاً عن عيسى في قوله: { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ}.

ثم يريد الله من التابعين لعيسى أن يحكموا بالإنجيل، لأنّ الإنجيل لم ينسخه القرآن، بل أضاف إليه أشياء كثيرة وأبعد عنه التّحريف، {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

وحدَّثنا الله - سبحانه - في كتابه عن الذين اتبعوا عيسى ممّن أخلصوا له، وعاشوا رسالته، فلم يحرّفوا كلامه أو يبتعدوا عنه: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ*- كان يتحدَّث عن النصارى الذين كانوا مع النجاشي عندما بدأ جعفر بن أبي طالب يقرأ على النجاشي سورة مريم (ع) - وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.

وهكذا يحدّثنا الله - تعالى - عن عيسى وأمّه في هذا المجال، حتى يعرّفنا طبيعته، ليقول لنا إنها ليست طبيعة إلهيّة، بل بشريّة: { مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ - ونعرّفهم طبيعة عيسى وطبيعة أمه، على أنها لا تختزن شيئاً من الألوهية، وأن المعاجز التي قام بها كانت بإذن الله، كما قام موسى (ع) بالمعجزة، وكذلك الأنبياء الآخرون - ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.

ونحن نعيش هذه الآيات في ولادة السيّد المسيح (ع)، لنعيش رساليّته وروحانيّته، ولنعيش هذه البشرية التي ارتفعت بما أعطاها الله تعالى من لطف ومن كرامة.

وفي ضوء ذلك، أحبّ أن أقول لكلّ إخواني من المؤمنين والمؤمنات، إنّه إذا أردتم الاحتفال بعيد ولادة السيّد المسيح (ع)، فليكن الاحتفال بالجلوس ليلة الميلاد وقراءة سورة مريم وسورة آل عمران، وكلّ ما جاء عن السيد المسيح في القرآن الكريم، حتى تعيشوا الإسلام في ذكراه، وحتى لا تبتعدوا عن الإسلام في أجوائه ومناخه وروحانيّته.

حافظوا - أيها المسلمون - على تقاليدكم وعاداتكم وأجوائكم الإسلاميّة، اعملوا على تربية أولادكم على تقاليد الإسلام وعاداته، لأنّ القضيّة هي أن علينا أن ننمي الشخصية الإسلامية لأولادنا، الشخصية التي تصاغ من خلال القرآن، أن نجعل صورتنا وصورة أولادنا صورة القرآن، ولا نحاول أن نأخذ من هنا وهناك، فالقرآن يريد لنا أن نتمثل عيسى (ع) آيةً لله ورحمة منه ورسولاً من رسله، هذا الإنسان الذي أعطاه الله كرامته ولطفه ورسالته.

*من أرشيف خطب الجمعة العام 1999.

في حوار مع مريم، يقول سبحانه وتعالى: { إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ - سيولد من خلال الكلمة، وكلمة الله إرادته { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} - اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ- ستكون له وجاهة الدنيا من خلال رسالته، ووجاهة الآخرة من خلال كرامته - وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ* - لله من خلال إخلاصه وعبادته له - وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ- وفي ذلك معجزة، في الرد على الاتهامات التي وجهت إليها من قبل قومها، أنها جاءت بولد من دون زواج - وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ - من الصالحين، في التزاماتهم وروحياتهم وإخلاصهم لله تعالى - قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ- فهذه مسألة عجيبة - ٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ - فالبشر يتناسلون من خلال علاقة خاصّة بين الرجل والمرأة، وأنا الطاهرة المطهّرة التي لم يمسّها رجل في أيّ جانب من الجوانب، قال إنك تتحدثين عن الواقع الطبيعي عند الناس، وأما في الحديث عن الله، فهو على كل شيء قدير - قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ}.

ثم يحدثونها عن خصائصه { وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ - فينزل عليه الإنجيل - وَالْحِكْمَةَ - فيعطيه حكمة الرأي، وقد بعث الله رسله بالكتاب في خط النظرية، وبالحكمة في خط التطبيق، فلا يتحرك الرسول إلا بالحكمة - وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ * وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ - وللعالمين جميعاً، وكما أرسل الله نبيّه محمّداً (ص) إلى أمّ القرى ومَنْ حولها كبداية للدّعوة، وكقاعدة تنطلق منها الدعوة، كذلك أرسل الله عيسى رسولاً إلى بني إسرائيل، وهو المستضعف فيهم، ولا يملك من خلال طبيعة موقعه وجاهة اجتماعية تؤهّله لأن يسمع الناس منه، ولكنّه جاءهم بما أذهلهم، وحيث كان الطبّ هو المنتشر في تلك المرحلة، فقد جاءهم بما يعجز الأطبّاء - أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ - فأنا أقدّم نفسي إليكم لا من خلال بشريّتي العاديّة، وإنما من خلال معجزة، ومن خلال علاقتي بالله - أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ - أي أني أقوم بصناعة طير من الطين ثم أنفخ فيه، وهنا تنتهي مهمتي لتأتي المهمة الإلهية - فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ - فالله هو الذي يعطيه الروح - وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ - وكذلك أملك أن أعطيكم الأشياء السريّة التي لم يطّلع عليها أحد من قبلكم - إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ - فلو فكرتم في أن هذه الأمور لا يستطيع القيام بها بشر عاديّ، فستعرفون أنني رسول من الله تعالى - إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* - بما يقدَّم إليكم من حقائق - وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ - فأنا لم آتِ لألغي التوراة، ولا لألغي النبوّات من قبلي، بل جئت مصدِّقاً لما بين يديّ من التّوراة، وقد جاء في الحديث عن عيسى (ع): "جئت لأكمل الناموس"، لأكمل الشريعة من خلال ما يفرضه التطور من حاجات جديدة وأوضاع جديدة - وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ - نتيجة بعض الأوضاع التي عشتموها، حتى أفتح لكم المجال لرخص في التّشريع تختلف عما كانت عليه.

ويكمل عيسى (ع) في حديثه عن رسالته - وَجِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَاتَّقُواْ اللهَ وَأَطِيعُونِ - ثم أعلن لهم رسالته أن يتّقوا الله ويطيعوه، وأراد لهم أن لا يختلفوا عليه ليرفعوه إلى مقام الربوبيّة كما رفعه البعض بعد ذلك - إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَـذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ* - فالتوحيد هو الصّراط المستقيم الذي يجب أن تصيروا إليه - فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللهِ - لم يطلب أنصاراً لنفسه، لأنه (ع) كان لا يعيش الذاتيّة، ولا يبحث عن نفسه في رسالته وفي حركته، إنما كان يبحث عن أنصارٍ لله - قَالَ الْحَوَارِيُّونَ - وهم الذين استخلصهم عيسى من خلال إيمانهم - نَحْنُ أَنصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ* - أسلمنا لله بعقولنا وقلوبنا وحياتنا، وانفتحنا عليه سبحانه - رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أََََََََََََََََنزَلْتَ - فنحن أنصارك والمؤمنون بك وأولياؤك، نتبع عيسى من خلال أنه رسولك - وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.

ويقول الله عن عيسى بعد ذلك: { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}. فالله - سبحانه وتعالى - خلق آدم من تراب من دون أب وأمّ، وخلق عيسى (ع) من دون أب. وحدَّثنا الله أيضاً عن عيسى في قوله: { وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ}.

ثم يريد الله من التابعين لعيسى أن يحكموا بالإنجيل، لأنّ الإنجيل لم ينسخه القرآن، بل أضاف إليه أشياء كثيرة وأبعد عنه التّحريف، {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.

وحدَّثنا الله - سبحانه - في كتابه عن الذين اتبعوا عيسى ممّن أخلصوا له، وعاشوا رسالته، فلم يحرّفوا كلامه أو يبتعدوا عنه: { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ*- كان يتحدَّث عن النصارى الذين كانوا مع النجاشي عندما بدأ جعفر بن أبي طالب يقرأ على النجاشي سورة مريم (ع) - وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.

وهكذا يحدّثنا الله - تعالى - عن عيسى وأمّه في هذا المجال، حتى يعرّفنا طبيعته، ليقول لنا إنها ليست طبيعة إلهيّة، بل بشريّة: { مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ - ونعرّفهم طبيعة عيسى وطبيعة أمه، على أنها لا تختزن شيئاً من الألوهية، وأن المعاجز التي قام بها كانت بإذن الله، كما قام موسى (ع) بالمعجزة، وكذلك الأنبياء الآخرون - ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}.

ونحن نعيش هذه الآيات في ولادة السيّد المسيح (ع)، لنعيش رساليّته وروحانيّته، ولنعيش هذه البشرية التي ارتفعت بما أعطاها الله تعالى من لطف ومن كرامة.

وفي ضوء ذلك، أحبّ أن أقول لكلّ إخواني من المؤمنين والمؤمنات، إنّه إذا أردتم الاحتفال بعيد ولادة السيّد المسيح (ع)، فليكن الاحتفال بالجلوس ليلة الميلاد وقراءة سورة مريم وسورة آل عمران، وكلّ ما جاء عن السيد المسيح في القرآن الكريم، حتى تعيشوا الإسلام في ذكراه، وحتى لا تبتعدوا عن الإسلام في أجوائه ومناخه وروحانيّته.

حافظوا - أيها المسلمون - على تقاليدكم وعاداتكم وأجوائكم الإسلاميّة، اعملوا على تربية أولادكم على تقاليد الإسلام وعاداته، لأنّ القضيّة هي أن علينا أن ننمي الشخصية الإسلامية لأولادنا، الشخصية التي تصاغ من خلال القرآن، أن نجعل صورتنا وصورة أولادنا صورة القرآن، ولا نحاول أن نأخذ من هنا وهناك، فالقرآن يريد لنا أن نتمثل عيسى (ع) آيةً لله ورحمة منه ورسولاً من رسله، هذا الإنسان الذي أعطاه الله كرامته ولطفه ورسالته.

*من أرشيف خطب الجمعة العام 1999.

اقرأ المزيد
نسخ الآية نُسِخ!
تفسير الآية